مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق12%

مكارم الأخلاق مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: مکتبة الأخلاق والدعاء
الصفحات: 481

مكارم الأخلاق
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210092 / تحميل: 11861
الحجم الحجم الحجم
مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله، فقال لبيك.

روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا احدثكم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن أبي الحميساء قال: تابعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث، فقالعليه‌السلام : يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.

عن جرير بن عبد الله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل بعض بيوته فامتلا البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: إجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.

عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.

في مزاحه وضحكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: إني لامزح ولا أقول إلا حقا.

عن ابن عباس أن رجلا سأله: أكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمزح؟ فقال: كان النبي يمزح.

عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: سألت خالي هندا عن صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: كان إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبة الغمام.

عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسم حتى بدت نواجذه.

عن أبي الدرداء قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.

عن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت: قليلا، قال: هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يداعب الرجل يريد به أن يسره.

٢١

في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أنس بن مالك قال: رأيت إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يجود بنفسه، فدمعت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.

عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى منزله، فلما رأته ابنته جهشت(١) فانتحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له بعض أصحابه: ما هذا يارسول الله؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.

في مشيهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

عن جابر قال: كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.

عن ابن عباس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.

عن أنس قال: كنا إذا أتينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلسنا حلقة.

روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال: تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.

__________________

١ - جهش إليه: فزع إليه باكيا.

٢ - تكفأ في مشيته أي مشى الهوينا والصبب الانحدار والمراد نفي التبختر في مشيه (ص).

٢٢

في جمل من أحواله وأخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله

من كتاب النبوة عن عليعليه‌السلام قال: ما صافح رسول الله أحدا قط فنزعصلى‌الله‌عليه‌وآله يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، وما سئل شيئا قط فقال لا، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا(١) ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده، وكان إذا أكل أكل مما يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده(٢) وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا(٣) ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه، وكان يحب التيمن في كل اموره: في لبسه وتنعله وترجله، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج(٤) ، وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقا، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده، وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رئي في الليلة الظلماء

__________________

١ - هذر في منطقة: تكلم بما لا ينبغي.

٢ - جالت يده: أي أخذت من كل جانب.

٣ - مص الماء مصا: أي شربه شربا رقيقا مع جذب نفس بخلاف العب فانه شرب الماء بلا تنفس.

٤ - الفلج: فرجة بين الثنايا والرباعيات.

٢٣

رئي له نور كأنه شقة قمر.

وعنهعليه‌السلام قال: نزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا، قال: فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ثلاثا، ثم قال: لا يا رب، ولكن أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك.

وعنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلب عنز أهله.

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لست أدع ركوب الحمار مؤكفا(١) والاكل على الحصير مع العبيد ومناولة السائل بيدي.

عن جابر بن عبد الله قال: كان في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه وريح عرقه، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.

عن ثابت بن أنس بن مالك قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله، كان أخف الناس صلاة في تمام.

عن جرير بن عبد الله قال: لما بعث النبي أتيته لابايعه، فقال لي: يا جرير لاي شيء جئت، قال: قلت لاسلم على يديك يا رسول الله، فألقى لي كساءه، ثم أقبل على أصحابه فقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعد رجلا إلى الصخرة فقال: أنا لك هنا حتى تأتي، قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته ههنا وإن لم يجئ كان منه الجشر(٢) .

عن عائشة قالت: قلت:، رسول الله إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت

__________________

١ - مؤكفا من اكف الحمار: شد عليه الاكف أي البرذعة وهي جلته.

٢ - الجشر: الترك. وبالتحريك المال الذي يرعى في مكانه ولا يرجع إلى أهله في الليل.

٢٤

في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك، قال: يا عائشة إنا معشر الانبياء بنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من شيء ابتلعته الارض.

عن ابن عباس قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف(١) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.

عن ابن عباس قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.

عن أبي رافع قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه، ولا تجبهوه(٢) ، ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد.

[ في جلوسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر أصحابه في آداب الجلوس ]

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لاهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تزرموا بالصبي(٣) فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتاذي ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

ودخل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الرجل: في المكان سعة يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.

وروي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده

__________________

١ - الصائف: الحار، ويقال: صيف صائف كما يقال: ليل لائل.

٢ - جبهه الرجل: رده عن حاجته. ضربه على جبهته.

٣ - زرم البول: انقطع. ولا تزرموا: يعني لا تقطعوا بوله.

٢٥

من النار. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقوموا كما يقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه.

روي عن أبي عبد الله من كتاب المحاسن قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل، وروي عنهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

وروي عنهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم فليست الاولى بأولى من الاخرى، وروي عنهعليه‌السلام إنه قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو أولى بمكانه.

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: أعطوا المجالس حقها قيل: وما حقها؟ قال: غضوا أبصاركم وردوا السلام وأرشدوا الاعمى وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؟

عن أبي أمامة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس جلس القرفصاء(١) .

من كتاب المحاسن كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقلهما بيديه فيشد يده في ذراعيه وكان يجثوا على ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الاخرى، ولم ير متربعا قط وكان يجثوا على ركبتيه ولا يتكي(٢) .

الفصل الثالث

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مطعمه

من كتاب مواليد الصادقين كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل كل الاصناف من الطعام وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا، ومع من يدعوه من

__________________

١ - القرفصاء ممدودا، ومثلثة القاف والفاء: أن يجلس الرجل على إليته، ويلصق فخذيه ببطنه، ويحتبي بيديه، ويضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكبا، ويلصق بطنه بفخذيه، ويتأبط كفيه.

٢ - جثا فلان كرمى ودعا: جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف الاصابع.

٢٦

المسلمين على الارض، وعلى ما أكلوا عليه، ومما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف(١) ، ولقد قال ذات يوم وعنده أصحابه: اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك اللذين لا يملكهما غيرك، فبينما هم كذلك إذ أهدي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاة مشوية فقال: خذوا هذا من فضل الله ونحن ننتظر رحتمه، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعت المائدة بين يديه قال: بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة. وكان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه ويجمع ركبتيه وقدميه كما يجلس المصلي في اثنتين إلا أن الركبة فوق الركبة والقدم على القدم ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل نبيا حتى قبضه الله إليه متواضعا لله عزوجل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه.

من مجموع أبي عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر.

وقالعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار.

وقال: دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.

وقد جاءت الرواية: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر عليه.

عن الصادقعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر وكان يقول إنه يبقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة والفم ويقوي الاضراس والحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة

__________________

١ - الضفف: التناول مع الناس، أو كثرة الايدي، ومعناه: إنه لم يأكل خبزا ولا لحما وحده.

٢٧

الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع(١) .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الحار حتى يبرد ويقول: إن الله لا يطعمنا نارا، إن الطعام الحار غير ذي بركة فأبردوه.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل سمى ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون، وكان يأكل بأصابعه الثلاث الابهام والتي تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل بكفها كلها ولم يأكل باصبعين ويقول: إن الاكل باصبعين هو أكلة الشيطان.

ولقد جاءه بعض أصحابه يوما بفالوذج فأكل منه وقال: مم هذا يا أبا عبد الله؟

فقال: بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة(٢) ونضعها على النار ثم نقليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنلقيه على السمن والعسل ثم نسوطه حتى ينضج(٣) فيأتي كما ترى، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذا الطعام طيب.

ولقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كل ذلك كان يأكلهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم قلت للصادقعليه‌السلام . حديث يروى عن أبيك أنه قال: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خبز بر قط أهو صحيح؟ فقال: لا ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط.

وقالت عائشة: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خبز الشعير يومين حتى مات.

وروي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأكل على خوان قط حتى مات ولا أكل خبزا مرققا(٤) حتى مات.

__________________

١ - فتر الماء: سكن حره. النكهة: ريح الفم. الاضراس جمع ضرس: الاسنان والسن. النقاء: النظافة. وأحداق وحداق جمع حدقة محركة: سواد العين. المرة: خلط من أخلاط البدن غير الدم والجمع مرار.

٢ - البرمة كغرفة قدر من الحجر.

٣ - السوط: الخلط. ونضج اللحم: استوى وطاب أكله.

٤ - يقال: خبز رقاق بالضم: أي رقيق خلاف الغليظ.

٢٨

وقالت عائشة: ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قبض صبت الدنيا علينا صبا.

ومن كتاب النبوة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما زال طعام رسول الله الشعير حتى قبضه الله إليه.

عن أنس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيب دعوة المملوك ويردفه خلفه ويضع طعامه على الارض، وكان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بالملح، وكان يأكل الفاكهة الرطبة، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب، وكان يأكل البطيخ بالخبز وربما أكل بالسكر وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربما أكل البطيخ بالرطب، ويستعين باليدين جميعا.

ولقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه وأمسك النوى بيساره ولم يلقه في الارض فمرت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوى الذي في كفه فدنت إليه وجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه ويلقي إليها النوى حتى فرغ وانصرفت الشاة حينئذ.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان صائما يفطر على الرطب في زمانه وكان ربما أكل العنب حبة حبة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما أكله خرطا حتى يرى رواله على لحيته كتحدر اللؤلؤ(١) . والروال الماء الذي يخرج من تحت القشر.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الحيس(٢) ، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء، وكان التمر والماء أكثر طعامه.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمجع باللبن والتمر(٣) ويسميهما الاطيبين، وكان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم(٤) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها، وكان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحر بها، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل في بيته مما يأكل الناس،

__________________

١ - خرط العنقود: وضعه في فمه وأخرج عمشوشه عاريا.

٢ - الحيس: طعام مركب من تمر وسمن وأقط، وربما جعل معه سويق.

٣ - التمجع: أكل تمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر وشرب عليه اللبن.

٤ - العصيدة: طعام من الشعير باهالة الشحم والاهالة: شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.

٢٩

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل اللحم طبيخا بالخبز ويأكله مشويا بالخبز، وكان يأكل القديد وحده وربما أكله بالخبز، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول: هو يزيد في السمع والبصر.

وكان يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الثريد باللحم والقرع(١) ويقول: إنها شجرة أخي يونس.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعجبه الدباء ويلتقطه من الصفحة(٢) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل الدجاج ولحم الوحش ولحم الطير الذي يصاد وكان لا يبتاعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.

وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه ثم ينتهشه انتهاشا(٣) وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل(٤) ومن البقول الهندباء والباذروج(٥) وبقلة الانصار ويقال إنها الكرنب(٦) وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المغافير وهو ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى ريح في الفم.

وما ذم رسول الله طعاما قط، كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عاف شيئا فإنه لا يحرمه على غيره ولا يبغضه إليه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلحس الصحفة ويقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتى تتنظف، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول: إنه لا يدري في أي الاصابع البركة.

__________________

١ - القرع: نوع من اليقطين ويقال أيضا: الدباء، والقديد. اللحم المقدد.

٢ - الصحفة: قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة، أو مناقع صغيرة للماء.

٣ - ينتهشه انتهاشا: الاخذ بمقدم الاسنان للاكل. وقيل: النهس بالمهملة.

٤ - الصبغ بالكسر: ما يصطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمس فيه.

٥ - باذروج: نبات يؤكل، وهو نوع من الريحان الجبلي.

٦ - بنات بستاني أحلى وأغض من القنبيط.

٣٠

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل البرد ويتفقد ذلك أصحابه فيلتقطونه له فيأكله ويقول إنه يذهب بأكلة الاسنان(١) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يغسل يديه من الطعام حتى ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا، ثم مسح بفضل الماء الذي في يده وجهه، وكان لا يأكل وحده ما يمكنه وقال: ألاأنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى قال من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده(٢) .

الفصل الرابع

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مشربه

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا شرب بدأ فسمى وحسا حسوة وحسوتين(٣) ثم يقطع فيحمد الله ثم يعود فيسمي ثم يزيد في الثالثة، ثم يقطع فيحمد الله فكان له في شربة ثلاث تسميات وثلاث تحميدات ويمص الماء مصا ولا يعبه عبا، ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الكباد من العب(٤) وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتنفس في الاناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفس أبعد الاناء عن فيه حتى يتنفس، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما شرب بنفس واحد حتى يفرغ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب في أقداح القوارير التي يؤتى بها من الشام، ويشرب في الاقداح التي يتخذ من الخشب، وفي الجلود، ويشرب في الخزف ويشرب بكفيه، يصب فيهما الماء ويشرب ويقول: ليس إناء أطيب من الكف ويشرب من أفواه القرب والاداوي(٥) ولا يختنثها اختناثا ويقول: إن اختناثها ينتنها(٦) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب قائما وربما يشرب راكبا

__________________

١ - أكل وتأكل السن، صار منخورا وسقط.

٢ - الرفد: الضيف.

٣ - الحسوة بالضم والفتح: الجرعة، وحسا حسوا: شرب منه شيئا بعد شيء.

٤ - الكباد بالضم: وجع الكبد.

٥ - اداوي: جمع أدواة، المطهرة وهي إناء صغير من جلد يتطهر ويشرب.

٦ - الاختناث من خنث السقاء: كسر فمه وثناه إلى الخارج.

٣١

وربما قام فشرب من القربة أو الجرة(١) أو الاداوة وفي كل إناء يجده وفي يديه.

وكان يشرب الماء الذي حلب عليه اللبن ويشرب السويق

وكان أحب الاشربة إليه الحلو. وفي رواية: أحب الشراب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحلو البارد. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب الماء على العسل. وكان يماث له الخبز فيشربه أيضا. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله شربة يفطر عليها وشربة للسحر وربما كانت واحدة وربما كانت لبنا وربما كانت الشربة خبزا يماث فهيأتها لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة فاحتبس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فظننت أن بعض أصحابه دعاه فشربتها حين احتبس، فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد العشاء بساعة فسألت بعض من كان معه: هل كان النبي أفطر في مكان أو دعاه أحد؟ فقال: لا، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله خوف أن يطلبها مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يجدها، فيبيت جائعا فأصبح صائما وما سألني عنها ولا ذكرها حتى الساعة. ولقد قرب إليه إناء فيه لبن وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن يساره، فشرب ثم قال لعبدالله بن عباس: إن الشربة لك أفتأذن أن أعطي خالد بن الوليد - يزيد الاسن -؟ فقال ابن عباس: لا والله لا اوثر بفضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا، فتناول ابن عباس القدح فشربه.

ولقد جاءهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه فقال: شربتان في شربة وإناءان في إناء واحد، فأبى أن يشربه ثم قال: ما احرمه ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا واحب التواضع، فإن من تواضع لله رفعه الله.

الفصل الخامس

في صفة أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطيب والدهن ولبس الثياب وغير ذلك

في غسل رأسه

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر.

__________________

١ - الجرة المرة من الجر: إناء من خزف له بطن كبير، وعروتان، وفم واسع.

٣٢

في دهنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يحب الدهن ويكره الشعث ويقول: إن الدهن يذهب بالبؤس(١) . وكان يدهن بأصناف من الدهن. وكان إذا ادهن بدأ برأسه ولحيته ويقول: إن الرأس قبل اللحية. وكان يدهن بالبنفسج ويقول: هو أفضل الادهان. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبيه ثم بشاربيه ثم يدخله في أنفه ويشمه ثم يدهن رأسه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يدهن حاجبيه من الصداع ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.

في تسريحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتمشط ويرجل رأسه بالمدرى(٢) وترجله نساؤه وتتفقد نساؤه تسريحه إذا سرح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة، فيقال: إن الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات، فأما ما حلق في عمرته وحجته فإن جبريلعليه‌السلام كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلى السماء. ولربما سرح لحيته في اليوم مرتين. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يضع المشط تحت وسادته إذا تمشط به ويقول: إن المشط يذهب بالوباء. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يسرح تحت لحيته أربعين مرة ومن فوقها سبع مرات ويقول: إنه يزيد في الذهن ويقطع البلغم.

وفي رواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من أمر المشط على رأسه ولحيته وصدره سبع مرات لم يقاربه داء أبدا.

في طيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفرقه(٣) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتطيب

__________________

١ - الشعث: تلبد الشعر، ومنه رجل أشعث وامرأة شعثاء، وأصله الانتشار والتفرق.

٢ - المدرى: نوع من المشط، يقال درى الرأس: حكه بالمدرى.

٣ - وبيصه: من وبص وبصا: لمع وبرق والمفرق: موضع افتراق الشعر كالفرق.

( مكارم الاخلاق - ٣ )

٣٣

بذكور الطيب(١) وهو المسك والعنبر. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطيب بالغالية تطيبه بها نساؤه بأيديهن. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستجمر بالعود القماري(٢) . وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف في الليلة المظلمة قبل أن يرى بالطيب. فيقال: هذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عن الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفق على الطيب أكثر من ينفق على الطعام. وقال الباقرعليه‌السلام : كان في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره: لم يكن له فئ. وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له. وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول: هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: جعل الله لذتي في النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم.

في تكحلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين. وقال: من شاء اكتحل ثلاثا وكل حين. ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج. وربما اكتحل وهو صائم. وكانت له مكحلة يكتحل بها بالليل. وكان كحله الاثمد.

في نظرهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المرآة

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر في المرآة ويرجل جمته(٣) ويتمشط. وربما نظر في الماء وسوى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لاهله.

وقال ذلك لعائشة، حين رأته ينظر في ركوة(٤) فيها ماء في حجرتها ويسوي فيها جمته وهو يخرج إلى أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي تتمرأ(٥) في الركوة

__________________

١ - الذكارة والذكورة: ما يصلح للرجل. وهو ما لا لون له كالمسك والعنبر والعود.

٢ - القمارى بالفتح: نوع من عود منسوب إلى القمار، وهو موضع.

٣ - الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.

٤ - الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

٥ - من الرؤية والميم زائدة، أي تنظر.

٣٤

وتسوي جمتك وأنت النبي وخير خلقه؟ فقال: إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل.

في اطلائهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلى فيطليه من يطليه حتى إذا بلغ ما تحت الازار تولاه بنفسه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن والمكحلة والمقراض والمسواك والمشط. وفي رواية يكون معه الخيوط والابرة والمخصف والسيور فيخيط ثيابه ويخصف نعله. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا استاك إستاك عرضا(١)

في لباسهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس الشملة ويأتزر بها ويلبس النمرة ويأتزر بها أيضا(٢) فتحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه وقدميه. وقيل: لقد قبضه الله جل وعلا وإن له لنمرة تنسج في بني عبدالاشهل ليلبسهاصلى‌الله‌عليه‌وآله . وربما كان يصلي بالناس وهو لابس الشملة. وقال أنس: ربما رأيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي بنا الظهر في شملة عاقدا طرفيها بين كتفيه.

في عمامته وقلنسوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس القلانس بغير العمائم، والعمائم بغير القلانس.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس البرطلة(٣) وكان يلبس من القلانس اليمنية ومن البيض(٤)

__________________

١ - استاك استياكا: أي تدلك بالمسواك.

٢ - الشملة: كساء دون القطيفة يشتمل به. والنمرة بالفتح والكسر: شملة أو بردة من صوف فيها خطوط بيض وسود.

٣ - البرطلة: قلنسوة طويلة وفي بعض النسخ البرطل.

٤ - البيض: الخوذة وهو من آلات الحرب لوقاية الرأس.

٣٥

المصرية ويلبس القلانس ذوات الاذان في الحرب ومنها يكون من السيجان(١) الخضر وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه يصلي إليها. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يتعمم بعمائم الخز السود في أسفاره وغيرها ويعتجر اعتجارا(٢) وربما لم تكن له العمامة فيشد العصابة على رأسه أو على جبهته وكان شد العصابة من فعاله كثيرا ما يرى عليه وكانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمامة يعتم بها يقال لها: السحاب، فكساها علياعليه‌السلام وكان ربما طلع علي فيها فيقول: أتاكم علي تحت السحاب يعني عمامته التي وهبها له.

وقالت عائشة: ولقد لبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبة صوف وعمامة صوف ثم خرج فخطب الناس على المنبر، فما رأيت شيئا مما خلق الله تعالى أحسن منه فيها.

في كيفية لبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس ثوبا جديدا قال: « الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي وأتجمل به في الناس ». وكان إذا نزعه نزع من مياسره أولا. وكان من أفعالهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس الثوب الجديد حمد الله ثم يدعو مسكينا فيعطيه القديم ثم يقول: ما من مسلم يكسو مسلما من شمل ثيابه لا يكسوه إلا لله عزوجل إلا كان في ضمان الله عز وجل وحرزه وخيره وأمانه، حيا وميتا. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لبس ثيابه واستوى قائما قبل أن يخرج قال: اللهم بك استترت وإليك توجهت وبك اعتصمت وعليك توكلت اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهمني وما لا أهتم به وما انت أعلم به مني عز جارك وجل ثناءك ولا إله غيرك، اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير حيثما توجهت ثم يندفع لحاجته. وكان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبان للجمعة خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة. وكانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرقة ومنديل يمسح به وجهه من الوضوء وربما لم يكن مع المنديل فيمسح وجهه بطرف الرداء الذي يكون عليه.

__________________

١ - السيجان جمع الساج: الطيلسان الواسع المدور.

٢ - إعتجر: لف عمامته. والاعتجار: لبس العمامة دون التلحي وهو أن يلفيها على رأسه ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.

٣٦

في خاتمهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لبس خاتما من فضة وكان فصه حبشيا فجعل الفص مما يلي بطن الكف. ولبس خاتما من حديد ملويا عليه وفضة أهداها له معاذ بن جبل فيه محمد رسول الله، ولبس خاتمه في يده اليمنى ثم نقله إلى شماله، وكان خاتمه الاخر الذي قبض وهو في يده خاتم فضة فصة فضة ظاهرا كما يلبس الناس خواتيمهم وفيه محمد رسول الله.

وكان يستنجئ بيساره وهو فيها ويروى أنه لم يزل كان في يمينه إلى أن قبض. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما جعل خاتمه في إصبعه الوسطى في المفصل الثاني منها. وربما لبسه كذلك في الاصبع التي تلي الابهام. وكان ربما خرج على أصحابه وفي خاتمه خيط مربوط ليستذكر به الشيء. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يختم بخواتيمه على الكتب ويقول الخاتم على الكتاب حرز من التهمة.

في نعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس النعلين بقبالين(١) وكانت مخصرة(٢) معقبة حسنة التخصير مما يلي مقدم العقب مستوية ليست بملسنة وكان منها ما يكون في موضع الشيء الخارج قليلا. وكان كثيرا ما يلبس السبتية(٣) التي ليس لها شعر. وكان إذا لبس بدأ باليمنى وإذا خلع بدأ باليسرى. وكان يأمر بلبس النعلين جميعا وتركها جميعا كراهة أن يلبس واحدة دون اخرى. وكان يلبس من الخفاف من كل ضرب.

في فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان فراشهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قبض وهو عنده من أشمال وادى القرى محشوا وبرا وقيل: كان طوله ذراعين أو نحوهما وعرضه ذراع وشبر.

__________________

١ - القبال بالكسر: زمام النعل.

٢ - مخصرة: أي مستدقة الوسط، وكانت نعله مخصرة أي لها دقة في الوسط، وكانت معقبة أي جعل لها العقب، غير ملسنة: أي ما جعلت شبيهة باللسان في دقة مقدمه.

٣ - السبت: الجلد المدبوغ.

٣٧

عن عليعليه‌السلام : كان فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عباءة. وكانت مرفقته(١) أدم حشوها ليف. فثنيت ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعني الليلة الفراش الصلاة فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل له بطاق واحد. وكان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فراش من أدم حشوه ليف، وكانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل وتثنى ثنتين. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرا ما يتوسد وسادة له من أدم حشوها ليف ويجلس عليها. وكانت له قطيفة فدكية يلبسها يتحنشع بها، وكانت له قطيفة مصرية قصيرة الخمل(٢) ، وكان له بساط من شعر يجلس عليه وربما صلى عليه.

في نومهصلى‌الله‌عليه‌وآله

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستاك إذا أراد أن ينام ويأخذ مضجعه. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أوى إلى فراشه اضطجع على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن، ثم يقول: أللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.

في دعائه عند مضجعهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان له أصناف من الدعوات يدعو بها إذا أخذ مضجعه، فمنها أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك، اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ في الثناء عليك ولو حرصت أنت كما أثنيت على نفسك.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عند منامه: بسم الله أموت وأحيا وإلى الله المصير، اللهم آمن روعتي واستر عورتي وأدعني أمانتي.

ما يقول عند نومهصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان يقرأ آية الكرسي عند منامه ويقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد إن عفريتا من الجن يكيدك في منامك فعليك بآية الكرسي.

__________________

١ - المرفقة: المخدة.

٢ - الخمل بالفتح: ما يكون كالزغب على القطيفة والثوب ونحوهما وهو من أصل النسيج.

٣٨

ما يقول عند اسيتقاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ما استيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من نوم إلا خر لله ساجدا. وروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا نهض بدأ بالسواك. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي. وكان مما يقول إذا استيقظ: الحمد لله الذي أحياني بعد موتي إن ربي لغفور شكور. وكان يقول: اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته، اللهم إني أسألك خيره وخير ما فيه وأعوذ بك من شره وشر ما بعده.

في سواكهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يستاك كل ليلة ثلاث مرات: مرة قبل نومه ومرة إذا قام من نومه إلى ورده ومرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح. وكان يستاك بالاراك، أمره بذلك جبرئيلعليه‌السلام .

عن الصادقعليه‌السلام قال: إني لاكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأت بها.

٣٩

الباب الثاني

في آداب التنظيف والتطييب والتكحل والتدهن والسواك

ثلاثة فصول

الفصل الاول

في التنظيف والتطييب وما يجري مجراه

في التنظيف

روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : تنظفوا بالماء من الرائحة المنتنة فإن الله تعالى يبغض من عباده القاذورة. وعنهعليه‌السلام قال: غسل الثياب يذهب الهم وهو طهور للصلاة. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لانس: يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك، فإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل، فإنك تكون إذا مت على طهارة مت شهيدا.

من كتاب روضة الواعظين قال الصادقعليه‌السلام : من توضأ وتمندل كتب له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كتب له ثلاثون حسنة.

عن علي بن أسباط قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: أربع من أخلاق الانبياء: التطيب والتنظف وحلق الجسد بالنورة وكثرة الطروقة(١) .

__________________

١ - الطروقة: فعولة من طرق النحل الناقة أي ضربها، وكل امرأة طروقة بعلها ويمكن أن يراد بها الملاعبة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

للمراوضة على الأمان أمّنوهم ، ولهذا لو لم يتّفق بينهم أمر ، كان عليهم أن يردّوهم إلى مأمنهم.

مسألة ٥٨ : لو قالوا : أمِّنوا على ذرّيّتنا ، فأمّنوهم على ذلك ، فهم آمنون‌ وأولادهم وأولاد أبنائهم وإن سفلوا ؛ لعموم اسم الذرّيّة جميع هؤلاء.

والأقرب : دخول أولاد البنات ؛ لقوله تعالى :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ - إلى قوله -وَعِيسى ) (١) .

ولأنّ الذرّيّة اسم للفرع المتولّد من الأصل ، والأب والاُمّ أصلان في إيجاد الولد ، بل التولّد والتفرّع في جانب الاُمّ أرجح ؛ لأنّ ماء الفحل يصير مستهلكاً في الرحم وإنّما يتولّد منها بواسطة ماء الفحل.

ولو قالوا(٢) : أمِّنونا على أولادنا ، ففي دخول أولاد البنات إشكال.

مسألة ٥٩ : لو قالوا : أمِّنونا على إخوتنا ولهم إخوة وأخوات ، فهم آمنون ، لتناول اسم الإخوة الذكر والاُنثى عند الاجتماع.

قال الله تعالى :( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً ) (٣) .

ولا تدخل الأخوات بانفرادهنّ ؛ لأنّ اسم الذكور لا يتناولهنّ منفردات.

وكذا لو قالوا : أمِّنونا على أبنائنا ، دخل فيه الذكور والإناث ولا يتناول الإناث بانفرادهنّ إلّا إذا كان المضاف إليه أبا القبيلة ، والمراد به النسبة إلى القبيلة.

ولو تقدّم من المستأمن لفظ يدلّ على طلب الأمان(٤) لهنّ ، انصراف‌

____________________

(١) الأنعام : ٨٤ و ٨٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قال ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « الإناث » بدل « الأمان ». وما أثبتناه هو الصحيح.

١٠١

الأمان إليهنّ وإن كان بلفظ الذكور ، مثل : ليس لي إلّا هؤلاء البنات والأخوات وأمّنوني على بنيّ و(١) إخوتي.

ولو قالوا(٢) : أمّنونا على آبائنا ، ولهم آباء واُمّهات ، دخلوا جميعاً في الأمان ؛ لتناول اسم الآباء لهما.

قال الله تعالى :( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) (٣) .

وكذا لو كان لهم(٤) أب واحد واُمّهات شتّى ؛ لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.

وهل يدخل الأجداد في الآباء؟ الأولى ذلك ؛ لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنّه أب الأب ، ويكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

وقال أبو حنيفة : لا يدخلون(٥) ؛ لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقةً ولا بطريق التبعيّة؛ لأنّهم اُصول الآباء يختصّون باسم خاصّ ، فلا يتناولهم اسم الآباء على وجه التبعيّة لفروعهم.

ولو قالوا : أمّنونا على أبنائنا ، دخل فيه أبناء الأبناء أيضاً ؛ لأنّ اسم الابن يتناول ابن الابن ؛ لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة ، إلّا أنّه ناقص في الإضافة والنسبة إليه ؛ لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن ، لأنّه متفرّع عنه ومتولّد بواسطة الابن ؛ والإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان ؛ لأنّه يحتاط في إثباته ؛ لأنّ موجبه حرمة الاسترقاق ، والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط ، بخلاف الوصيّة ؛ فإنّ الشبهة فيها غير كافية في‌

____________________

(١) في « ق » : « أو » بدل « و ».

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النساء : ١١.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٥) الفتاوى الهنديّة ٢ : ١٩٩ - ٢٠٠‌

١٠٢

الاستحقاق ؛ لثبوت مزاحمة الوارث(١) .

وهذا كلّه إنّما هو بلسان العرب ، فالحكم متعلّق به مع استعماله ، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان يكفي فيها أيّ لغة كانت ، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور وطلب الأمان بتلك اللغة ، دخل فيه ما أخرجناه.

وكذا لو اعتقد المشرك دخول مَنْ أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم ، لم يجز التعرّض لهم ؛ لأنّهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان ، فيردّون إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حَرْباً.

مسألة ٦٠ : يصحّ عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق‌ - وهو أحد وجهي الشافعي(٢) - للأصل ، ولأنّه غرض مقصود ، ويصحّ على سبيل التبعيّة فجاز على سبيل الاستقلال.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه تابع(٣) .

وإذا أمَّن الأسير مَنْ أسره ، فهو فاسد ؛ لأنّه كالمكرَه ، إلّا أن يعلم اختياره في ذلك.

ولو أمّن غيره ، جاز - وللشافعيّة وجهان(٤) - ويلزمه حكمه وإن لم يلزم غيره ، فلو أمّنهم وأمّنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم ، لزمه الخروج مهما قدر ، قالت الشافعيّة : و(٥) إن حلف بالطلاق والعتاق والأيمان المغلّظة ، لكن يكفّر عن يمينه ودعه يقع طلاقه وعتاقه ، فلا رخصة في المـُقام حيث‌

____________________

(١) في « ق » : الورّاث.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٤.

(٥) الواو وصليّة.

١٠٣

يذلّ(١) المسلم ولكن عند الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم(٢) .

ولو اتبعه قوم ، فله دفعهم وقتالهم دون غيرهم. ولو شرطوا عليه الرجوع ، لم يلزمه. ولو شرط إنفاذ مال ، لم يلزمه. وإن كان قد اشترى منهم شيئاً ولزمه الثمن ، وجب إنفاذه.

وإن أكره على الشراء ، فعليه ردّ العين ، قاله الشافعي في الجديد.

وقال في القديم : يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن ؛ إذ يقف العقد على إجازته(٣) .

مسألة ٦١ : لو قال : اعقدوا الأمان على أهل حصني على أن أفتحه لكم ، فأمّنوه على ذلك ، فهو آمن وأهل الحصن آمنون.

وقال الحنفيّة : أموالهم كلّها في‌ءٌ ؛ لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص ولا التبعيّة للنفوس ؛ لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذٍ فائدة في فتح الباب ، وإنّما قصدوا بذلك التوسل(٤) إلى استغنام أموالهم(٥) .

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أن أدلّكم على طريق موضع كذا ، ففَعَلوا ففتحوا الباب ، فجميع النفوس والأموال تدخل في الأمان ؛ لأنّ شرط الأمان هنا جرى على الدلالة لا على فتح الباب ، فيكون كلامه بياناً أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل الحصن ، فتدخل الأموال تبعاً للنفوس ؛ لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلّا بالمال ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) في المصدر : يبذل. وفي « ق » : بذل.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦.

(٤) كذا ، ولعلّها : التوصّل.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفرة لدينا.

١٠٤

الاُولى ؛ لأنّ في اشتراط فتح الباب دلالةً على أنّ الذين يتناولهم(١) الأمان غير مقرّين بالسكنى في الحصن ، وإنّما تدخل الأموال في الأمان ؛ لأنّ التمكّن من المقام يكون بالأموال ، وإذا انعدم السكنى لم تدخل الأموال في الأمان.

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أن تدخلوا فيه فتصلّوا ، دخل الأموال في الأمان ؛ لأنّ فيه تصريحاً بفائدة فتح الباب ، وهو الصلاة فيه دون إزعاج أهله ، وقد يرغب المسلمون في الصلاة في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعةً في الحصن الفلاني فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين ، أو ليكونوا قد عبدوا الله في مكان لم يعبده في ذلك المكان أهله ، ومكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.

ولو قال : أمِّنوني على قلعتي أو مدينتي ، فأمَّنوه ، دخل المال والأنفس فيه وإن كان تنصيص الأمان إنّما هو عليهما لا غير ؛ لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة والمدينة على ما كانتا عليه عرفاً ويكون هو المتصرّف والمتغلّب ، وليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة مع إفناء أهلهما ونهب الأموال.

ولو قال : أمِّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئاً. ولو لم يف ماله بالألف ، لم يكن له زيادة على ماله. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفاً ؛ لأنّه شرط في الأمان جزءاً من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : أمِّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئاً. ولو لم يف ما له بالألف ، لم يكن له زيادة على ما له. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفاً ، لأنّه شرط في الأمان جزءاً من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : عليّ ألف درهم من دراهمي ، ولا دراهم له ، كان لغواً ؛ لأنّه شرط جزءاً من دراهمه ولا دراهم له ، فلا يصادف الأمان محلّاً ، فيكون لغواً.

____________________

(١) في « ق ، ك» : تناولهم.

١٠٥

البحث السادس : في الأحكام.

مسألة ٦٢ : قد بيّنا أنّ مَنْ عقد أماناً لكافرٍ ، وجب عليه الوفاء به ، ولا يجوز له الغدر ، فإن نقضه ، كان غادراً آثماً ، ويجب على الإمام منعه عن النقض إن عرف بالأمان.

إذا عرفت هذا فلو عقد لحربيّ(١) الأمان ليسكن دار الإسلام ، وجب الوفاء له ، ودخل مالُه تبعاً له في الأمان وإن لم يذكره ؛ لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه ، وأخذ ماله يوجب دخول الضرر عليه ، فيكون نقضاً للأمان ، وهو حرام. ولو شرط الأمان لماله ، كان ذلك تأكيداً.

ولو دخل الحربيّ دار الإسلام بغير أمان ومعه متاع ، فهو حَرْبٌ لا أمان له في نفسه ولا في ماله ، إلّا أن يعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمان له ، فإنّه لا يكون أماناً ، ويردّ إلى مأمنه.

ولو ركب المسلمون في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام ، قال بعض العامّة : لم يقاتلوا ولم يعرّضوا(٢) . وفيه نظر.

مسألة ٦٣ : لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقداً أنّه أمان ، فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه ، ويُعامل بالبيع والشراء ، ولا يُسأل عن شي‌ء ، وإن لم تكن معه تجارة وقال : جئت مستأمنا ، لم يقبل منه ، ويكون الإمام مخيّراً فيه. وبه قال الأوزاعي والشافعي(٣) .

ولو كان ممّن ضلّ الطريق أو حَمَلته الريح في المـَرْكب إلينا ، كان فيئاً.

وقيل : يكون لآخذه(٤) .

ولو دخل دار الإسلام بأمان ، دخل أمان ماله ، فلو عاد إلى دار الحرب‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : الحربيّ.

(٢ - ٤) المغني ١٠ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٥.

١٠٦

بنيّة الرجوع إلى دار الإسلام ، فالأمان باقٍ ؛ لأنّه على نيّة الإقامة في دار الإسلام ، وإن كان للاستيطان في دار الحرب ، بطل في نفسه دون ماله ؛ لأنّه بدخوله دار الإسلام وأخذ الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه ، فإذا بطل في نفسه بمعنى لم يوجد في المال - وهو الدخول في دار الحرب - بقي الأمان في ماله ، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه معه إلى دار الحرب ، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. ولو لم يأخذه فأنفذ في طلبه ، بعث به إليه تحقيقاً للأمان فيه. ويصحّ تصرّفه فيه ببيع وهبة وغيرهما.

ولو مات في دار الحرب أو قُتل ، انتقل إلى وارثه ، فإن كان مسلماً ، ملكه مستقرّاً ، وإن كان حربيّاً ، انتقل إليه وانتقض فيه الأمان - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا وبينه في نفسه ولا في ماله ، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.

وقال أحمد : لا يبطل الأمان ، بل يكون باقياً - وبه قال المزني ، وللشافعيّة قولان - لأنّ الأمان حقٌّ لازم متعلّق بالمال ، فإذا انتقل إلى الوارث ، انتقل بحقّه ، كسائر الحقوق من الرهن والضمان والشفعة(٢) .

ونمنع ملازمته للمال ؛ لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه وقد مات ، فيزول الأمان المتعلّق به.

مسألة ٦٤ : إذا مات الحربيّ في دار الحرب وقد أخذ الأمان لإقامته‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧.

(٢) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨١.

١٠٧

في دار الإسلام وأقام بها ، تبعه ماله ، وزوال الأمان عنه بموته كما قلناه ، فينتقل إلى الإمام خاصّة من الفي‌ء ؛ لأنّه لم يوجف عليه بخَيْلٍ ولا ركاب ، ولا اُخذ بالسيف ، فهو بمنزلة ميراث مَنْ لا وارث له.

ونقل المزني عن الشافعي أنّه يكون غنيمةً(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه لم يؤخذ بالقهر والغلبة.

وينتقل المال إلى وارث الحربيّ ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب ، فإن كان الوارث حربيّاً في الدارين ، صار فيئاً للإمام على ما قلناه.

وقال الشافعي في أحد الوجهين : لا ينتقل إلى وارثه في دار الإسلام ؛ لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط الميراث(٢) . وليس بجيّد.

وكذا الذمّي إذا مات وله ولد في دار الإسلام وولد في دار الحرب ، كان ميراثه لهما.

ولو كان له ولد في دار الإسلام ، صار ماله له ، ولو كان في دار الحرب ، انتقل ماله إليه ، وصار فيئاً.

ولو دخل دار الإسلام فعقد أماناً لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام وله مال ، فإن كان وارثه مسلماً ، ملكه ، وإن كان كافراً في دار الحرب ، انتقل المال إليه ، وصار فيئاً ؛ لأنّه مال لكافرٍ لا أمان بيننا وبينه ، فيكون فيئاً.

وقال بعض الشافعيّة : يردّ إلى وارثه. واختلفوا على طريقين ، منهم‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

١٠٨

مَنْ قال : فيه للشافعي قولان ، كما لو مات في دار الحرب. ومنهم مَنْ قال هنا : يردّ قولاً واحداً؛ لأنّه إذا رجع إلى دار الحرب فقد بطل أمانه ، وهنا مات وأمانه باقٍ ، وحينئذٍ ينتقل إلى الإمام ؛ لأنّه لم يوجف عليه بِخَيْلِ ولا ركاب. وكذا لو لم يكن له وارث(١) .

مسألة ٦٥ : لو كان للحربيّ أمان فترك ماله ونقض الأمان ولحق بدار الحرب ، فإنّ الأمان باقٍ في ماله ، فإن رجع ليأخذ ماله ، جاز سبيه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، ويكون الأمان ثابتاً ؛ لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه ، وأسقطنا حكم الأمان في ماله(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ثبوت الأمان لمالِه لا يثبت له الأمان ، كما لو دخل إلى دار الإسلام بأمان ثم خرج إلى دار الحرب ، فإنّ الأمان باقٍ في المال دونه ، وكما لو أدخل مالَه بأمانٍ وهو في دار الحرب ، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام ويثبت لمالِه.

ولو اُسر الحربي الذي لمالِه أمان ، لم يزل الأمان عن ماله.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله ، فإن قتله ، انتقل إلى وارثه المسلم إن كان ، وإلّا فإلى الحربي وصار فيئاً ، فإن فاداه أو منّ عليه ، ردّ ماله إليه ، وإن استرقّه ، زال ملكه عنه ؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئاً وصار فيئاً ، وإن اُعتق بعد ذلك ، لم يردّ إليه ، وكذا لو مات لم يردّ على ورثته ، سواء كانوا مسلمين أو كفّار ؛ لأنّه لم يترك شيئاً.

مسألة ٦٦ : إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئاً ، وجب‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

(٢) لم نعثر عليه في المصادر المتوفّرة لدينا.

١٠٩

عليه ردّه على(١) أربابه ؛ لأنّهم أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكوراً صريحاً ، فإنّه معلوم من حيث المعنى.

ولو أسر المشركون مسلماً ثمّ أطلقوه بأمانٍ على أن يقيم في دارهم ويسلمون من خيانته ، حرمت عليه أموالهم بالشرط ، ولا يجوز عليه المـُقام مع القدرة على الهجرة.

ولو لم يؤمّنوه ولكن استرقّوه واستخدموه ، فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم ؛ لأنّهم قهروه على نفسه ولم يملكوه بذلك ، فجاز له قهرهم.

ولو أطلقوه على مال ، لم يجب الوفاء به ، لأنّ الحرّ لا قيمة له.

ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالاً وعاد إلينا ودخل صاحب المال بأمانٍ ، كان عليه ردّه إليه ؛ لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم.

ولو اقترض حربيّ من حربيّ مالاً ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان ، كان عليه ردّه إليه ، لأنّ الأصل وجوب الردّ ، ولا دليل على براءة الذمّة منه.

ولو تزوّج الحربيّ بحربيّة وأمهرها مهراً ، وجب عليه ردّه عليها.

وكذا لو أسلما معاً وترافعا إلينا ، فإنّا نُلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه ، وإلّا وجب عليه قيمته خاصّة(٢) .

ولو تزوّج الحربيّ بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة والمهر في ذمّته ، لم يكن للزوجة مطالبته به ، لأنّها أهل حرب ولا أمان لها على هذا المهر.

وكذا لو ماتت ولها ورثة كفّار ، لم يكن لهم أيضاً المطالبة به ؛ لما مرّ في الزوجة. ولو كان الورثة مسلمين ، كان لهم المطالبة به.

ولو ماتت الحربيّة ثمّ أسلم الزوج بعد موتها ، كان لوارثها المسلم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى » بدل « على ».

(٢) كلمة « خاصّة » لم ترد في « ق ، ك». وعليها في الطبعة الحجريّة علامة نسخة بدل.

١١٠

مطالبة الزوج بالمهر ، وليس للحربيّ(١) مطالبته به. وكذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت ، طالَبَه وارثها المسلم دون الحربيّ.

ولو دخل المسلم أو الحربيّ دار الحرب مستأمناً فخرج بمالٍ من مالهم اشترى به شيئاً ، لم يتعرّض له ، سواء كان مع المسلم أو الذميّ ؛ لأنّه أمانة معهم ، وللحربيّ أمان.

ولو دفع الحربيّ إلى الذمي في دار الإسلام شيئاً وديعةً ، كان في أمانٍ إجماعاً.

مسألة ٦٧ : إذا خلّى المشركون أسيراً مسلماً من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداءً عنه ، أو يعود إليهم ، فإن كان كرهاً ، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فدية إجماعاً ؛ لأنّه مكره ، وإن ( لم يكن مكرهاً )(٢) لم يجب الوفاء بالمال - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه حُرُّ لا يستحقّون بدله ، فلا يجب الوفاء بشرطه.

وقال عطاء والحسن والزهري والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد : يجب الوفاء به ؛ لقوله تعالى :( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤) (٥) .

وليس حجّةً ؛ لأنّه ليس على إطلاقه إجماعاً ، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.

ولو عجز عن المال ، لم يجز له الرجوع إليهم ، سواء كان رجلاً أو امرأةً.

أمّا المرأة : فأجمعوا على تحريم رجوعها إليهم.

____________________

(١) أي : الوارث الحربيّ.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : لم يكره.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠.

(٤) النحل : ٩١.

(٥) المغني ١٠ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠ - ٥٦١.

١١١

وأمّا الرجل : فعندنا كذلك - وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الرجوع إليهم معصية ، فلا يلزمه بالشرط ، كما لو كان امرأةً.

وقال الزهري والأوزاعي وأحمد في رواية(٢) : يلزمه الرجوع ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عاهد قريشاً على ردّ مَنْ جاءه مسلماً(٣) (٤) . وهو ممنوع.

مسألة ٦٨ : المستأمن إذا نقض العهد ورجع إلى داره ، فما خلّفه عندنا من وديعة ودَيْنٍ فهو باقٍ في عهدة الأمان إلى أن يموت.

وللشافعي أربعة أوجه : أحدها : أنّه في‌ءٌ. والثاني : أنّه في أمانه إلى أن يموت ، فإن مات فهو في‌ءٌ. والثالث : أنّه في أمانه ، فإن مات فهو لوارثه. الرابع : أنّه في أمانه ؛ لأنّ عقد الأمان للمال مقصود ، وإلّا فينتقض أيضاً تابعاً لنفسه(٥) .

والرقّ كالموت في الرقيق ، فإن قلنا : يبقى أمانه بعد الرقّ ، فلو عتق ردّ عليه ، ولو مات رقيقاً ، فهو في‌ءٌ ؛ إذا لا إرث من الرقيق.

وفيه قول آخر لهم مخرَّجٌ : إنّه لورثته(٦) .

ومهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان ، وهذا(٧) العذر يُؤمّنه ، كقصد(٨) السفارة.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١ ، الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : في إحدى الروايتين.

(٣) سنن البيهقي ٩ : ١٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١.

(٥ و ٦) الوجيز ٢ : ١٩٦.

(٧) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ولهذا. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٨) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : لقصد. وما أثبتناه هو الصحيح‌.

١١٢

البحث السابع : في التحكيم.

مسألة ٦٩ : إذا حصر الإمام بلداً ، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه ، فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأجابهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذلك(١) .

وهل يجوز للإمام إنزالهم على حكم الله تعالى؟ قال علماؤنا بالمنع - وبه قال محمد بن الحسن(٢) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله فلا تنزلوهم ، فإنّكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم ، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم ولكن انزلهم على حكمي ثمّ اقض بينهم بعدُ بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا »(٤) .

ولأنّ حكم الله تعالى في الرجال : القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة ، وفي النساء : الاسترقاق أو المنّ ، فيكون مجهولاً ، فكان الإنزال‌

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ٢ : ٥١٢ ، صحيح البخاري ٥ : ١٤٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٨ - ١٣٨٩ / ١٧٦٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٤ : ٤٢٥ / ١٨٦٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤٠١ / ١٠٧٨٤ و ٤٨٤ - ١١٢٨٣ و ٧ : ٢٠٤ - ٢٠٥ / ٢٤٥٧٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٧.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٨ / ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ - ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٤ / ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٩٢ / ٢٢٥٢١ نحوه.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩ - ٣٠ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٩ / ٢٣٢.

١١٣

على حكم الله مجهولاً ، فكان باطلاً.

وقال أبو يوسف : يجوز ذلك ؛ لأنّ حكم الله تعالى معلوم ، لأنّه في حقّ الكفرة : القتل في المقاتلين ، والاسترقاق في ذراريهم ، والاستغنام في أموالهم(١) .

ونحن نقول : حكم الله تعالى معلوم في حقّ قوم ممتنعين ومع الظهور عليهم ، أمّا في حقّ قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.

مسألة ٧٠ : يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجاب بني قريظة لمـّا رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بقتل الرجال وسبي الذراري ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد حكم بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة »(٢) .

قال الخليل : الرقيع اسم سماء هذه الدنيا ، ويقال : كلّ واحدة رقيع للاُخرى ، فهي أرقعة(٣) .

مسألة ٧١ : يشترط في الحاكم سبعة : الحُرّيّة والإسلام والبلوغ والعقل والذكوريّة والفقه والعدالة. فالعبد ليس مظنّةً للفراغ في نظر اُمور الناس وكيفيّة القتال وما يتعلّق به من المصالح ؛ لاشتغال وقته بخدمة مولاه. والكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين ولا يؤمن عليهم. والصبي جاهل بالاُمور الخفيّة المنوطة بالحرب ، وكذا المجنون. والمرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب ومصالحها(٤) . والجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعاً. والفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٥) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٨.

(٣) العين ١ : ١٥٧.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : مصالحه. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هود : ١١٣.

١١٤

ولا يشترط الفقه بجميع المسائل ، بل بما يتعلّق بالجهاد.

ويجوز أن يكون أعمى - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ المقصود رأيه دون بصره ، والرأي لا يفتقر إلى البصر.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٢) ؛ لأنّه لا يصلح للقضاء.

والفرق : احتياج القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر ، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.

وكذا يجوز أن يكون محدوداً في القذف مع التوبة ؛ لاجتماعه الشرائط ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

ويجوز على حكم أسير معهم مسلم ؛ لارتفاع القهر بالردّ إليه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) ؛ لأنّه مقهور. وهو ممنوع.

ولو كان المسلم عندهم أو عندنا حَسَن الرأي فيهم ، احتمل الجواز على كراهيّة ؛ لأنّه جامع للصفات ، والمنع ؛ للتهمة.

ولو نزلوا على حكم رجل غير معيّن ويتعيّن باختيارهم ، جاز ، فإن اختاروا مَنْ يجوز حكمه ، قبل ، وإلّا فلا ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : لا يجوز إسناد الاختيار إليهم ، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم ، أمّا لو جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام ، جاز إجماعا ، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح للتحكيم(٦) .

ويجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعاً ، فإن اتّفقا ، جاز. ولو مات أحدهما ، لم يحكم الآخر إلّا بعد الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. ولو اختلفا ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٦.

(٢ - ٤) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠٢.

(٥) بدائع الصنائع ٧ : ١٠٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢.

١١٥

لم ينفذ حكم أحدهما إلّا أن يتّفقا.

ويجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعاً.

ولو كان أحدهما كافراً ، لم يجز ؛ لأنّ الكافر لا يُركن إليه لا حالة الجمع ولا الانفراد.

ولو مات الحاكم الواحد قبل الحكم ، لم يحكم غيره إلّا أن يتّفقوا على مَنْ يقوم مقامه ، فإن اتّفقوا ، ردّوا إلى مأمنهم.

ولو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته ، لم يحكم ، وردّوا إلى مأمنهم ، ويكونون على الحصار كما كانوا.

مسألة ٧٢ : وينفذ ما يحكم به الحاكم(١) ما لم يخالف مشروعاً ، ويشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وغنيمة المال ، نفذ إجماعاً ، كقضيّة سعد(٢) ، وإن حكم باسترقاق الرجال وسبي النساء والولدان وأخذ الأموال ، جاز أيضاً ، وإن حكم بالمنّ وترك السبي بكلّ حال ، جاز أيضاً إذا رآه حظّاً ؛ لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين ، وكما يجوز للإمام أن يمنّ على الاُسارى مع المصلحة جاز للحاكم.

وإن حكم بعقد الذمّة وأداء الجزية ، جاز ؛ لأنّهم رضوا به ، فينفذ كغيره من الأحكام ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : لا يلزم ؛ لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة ، فلا يثبت إلّا بالتراضي ، ولهذا لا يسوغ للإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية(٤) .

____________________

(١) في « ق » : الحَكَم.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١١٣ ، الهامش (٢)

(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

١١٦

والفرق : أنّ الأسير لم يرض بفعل الإمام وهؤلاء قد رضوا.

وإن حكم عليهم بالفداء ، جاز كما جاز للإمام.

ولو حكم بالمنّ على الذرّيّة ، قال بعض العامّة : لا يجوز ؛ لأنّ الإمام لا يملك المنّ على الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم(١) .

وقال بعضهم : يجوز ؛ لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي ، بخلاف من سبي ، فإنّه يصير رقيقاً بنفس السبي(٢) .

وإن حكم على مَنْ أسلم بالاسترقاق ومَنْ أقام على الكفر بالقتل ، جاز. ولو أراد أن يسترقّ بعد ذلك مَنْ أقام على الكفر ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه لم يدخل على هذا الشرط. وإن أراد أن يمنّ عليه ، جاز ؛ لأنّه ليس فيه إبطال شي‌ء شرطهُ ، بل فيه إسقاط ما كان شرطاً من القتل.

ولو حكم بالقتل وأخذ الأموال وسبي الذرّيّة ورأى الإمام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم ، جاز ؛ لأنّ سعداً حكم على بني قريظة بقتل الرجال ، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففَعَل(٣) ، بخلاف مال الغنيمة إذا حازه المسلمون ؛ فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.

مسألة ٧٣ : إذا نزلوا على حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه ، عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم من الاستغنام والقتل والسبي ؛ لأنّهم أسلموا وهُمْ أحرار لم يسترقّوا وأموالهم لم تغنم.

ولو أسلموا بعد الحكم عليهم ، فإن حكم بقتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال ، نفذ الحكم إلّا القتل ؛ فإنّهم لا يُقتلون ؛ لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١ - ٣) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

١١٧

« أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم »(١) .

ولو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام ، لم يجز ؛ لأنّهم ما نزلوا على هذا الحكم ، بل وجب القتل بالحكم وسقط بالإسلام.

وقال بعض العامّة : يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.

ويكون المال على ما حكم به من الاستغنام ، وتسترقّ الذرّيّة.

وإذا حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وأخذ المال ، كان المال غنيمةً ، ويجب فيه الخُمْس ؛ لأنّه اُخذ بالقهر والسيف.

مسألة ٧٤ : لو دخل حربيٌّ إلينا بأمانٍ فقال له الإمام : إن رجعت إلى دار الحرب ، وإلّا حكمت عليك حكم أهل الذمّة ، فأقام سنة ، جاز أن يأخذ منه الجزية.

وإن قال له : اخرج إلى دار الحرب ، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّاً ، فأقام سنة ، ثمّ قال : أقمت لحاجة ، قُبِل قوله ، ولم يجز أخذ الجزية منه ، بل يردّ إلى مأمنه ، لأصالة براءة الذمّة.

قال الشيخ : وإن قلنا : إنّه يصير ذمّيّاً ، كان قويّاً ؛ لأنّه خالف الإمام(٣) .

ولو حكم الحاكم بالردّ ، لم يجز ؛ لأنّه غير مشروع وقد قلنا : إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٢ ، ونحوه في صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، وسنن النسائي ٥ : ١٤ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢١٨.

(٢) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٦.

١١٨

ولو اتّفقوا على حاكم جامع للشرائط ، جاز أن يحكم إجماعا ، كما تقدّم ، ولا يجب عليه الحكم سواء قبل التحكيم أو لم يقبله ، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة ، لأنّه دخل باختياره ، فجاز أن يخرج باختياره.

ولو حكم الحاكم بغير السائغ ، لم ينفذ ، فإن رجع وحكم بالسائغ ، فالوجه نفوذه ، لأنّ الأوّل لا اعتبار به في نظر الشرع ، فلا يخرجه عن الحكومة ، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز حكمه استحساناً(١) .

وينفذ حكم الحاكم على الإمام ، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه ، وله أن يقضي بما دونه ، فإنه قضى بغير القتل ، فليس للإمام القتل ، وإن قضى بالقتل ، فهل له الاسترقاق وفيه ذلّ مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان(٢) .

وكذا الوجهان لو حكم بقبول الجزية فهل يجبرون وهو عقد مراضاة؟ فإن قلنا : يلزمهم ، فمنعهم كمنع أهل الذمّة الجزية(٣) .

ولو حكم بالإرقاق فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق ، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان(٤) .

وكذا الخلاف في كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق(٥) .

ولو شرط أن يسلّم إليه مائة نفر فعدّ مائةً ، قتلناه ؛ لأنّه وفّى المائة.

____________________

(١) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٣ - ٤٨٤.

١١٩

الفصل الرابع

في الغنائم‌

وفيه بابانَ :

الأوّل : في أقسامها.

الغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال وشبهه ، كأرباح التجارات والزراعات والصناعات وغيرها ، أو اكتسبت بالقتال والمحاربة ، وقد مضى(١) حكم الأوّل ، والبحث هنا في القسم الثاني.

وأقسامه ثلاثة : ما يُنقل ويُحوّل ، كالأمتعة والأقمشة والدوابّ والنقدين وغيرها ، وما لا يُنقل ولا يُحوّل ، كالأراضي ، وما هو سبي ، كالنساء والأطفال.

البحث الأوّل : فيما يُنقل ويُحوّل.

مسألة ٧٥ : الغنيمة من دار الحرب ما اُخذت بالغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب.

وأمّا الفي‌ء فهو مشتقّ من « فاء يفي‌ء » إذا رجع ، والمراد به في قوله تعالى :( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٢) ما حصل ورجع عليه من غير قتالٍ ولا إيجافٍ بخيل ولا ركاب ، وما هذا حكمه فهو للرسولعليه‌السلام خاصّةً ولمن قام بعده من الأئمّةعليه‌السلام دون غيرهم.

وما يؤخذ بالفزع ، مثل أن ينزل المسلمون على حصنٍ أو قلعةٍ

____________________

(١) مضى في ج ٥ ص ٤٢٠.

(٢) الحشر : ٦.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481