أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439978 / تحميل: 6684
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرنا جعفر بن عَوْن ، حدَّثنا هشام بن سعيد ، قال : حدَّثنا زيد بن أَسْلم :

أن مَرْوَان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخُدْرِي ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خُدَيْجٍ ، فقال مروان : يا أبا سعيد ، أرأيت قوله تعالى :( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) والله إنا لنفرح بما أتينا ، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا ، إنما كان رجال في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي ، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكرهون فرحوا بتخلفهم ، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

٢٨٢ ـ أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد ، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون ، أخبرنا أبو حامد بن الشرقيّ ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس ، وقل له : لئن كان [كل] امرئ منا فرح بما أتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذَّب ـ لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذا؟ إنما دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اليهود فسألهم عن شيء ، فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه فيما سألهم ، وفرحوا بما أَتوا من كتمانهم إِياه. ثم قرأ ابن عباس :( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج ، كلاهما عن ابن جُرَيج.

__________________

[٢٨٢] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٦٧).

ومسلم في كتاب صفات المنافقين (٨ / ٢٧٧٨) ص ٢١٤٣.

والترمذي في التفسير (٣٠١٤).

والنسائي في التفسير (١٠٦) وابن جرير (٤ / ١٣٨).

والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٩٩) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٠٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

والطبراني والبيهقي في الشعب.

١٤١

٢٨٣ ـ وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومَنْ بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : أن محمداً ليس نبي الله ، فاثبتوا على دينكم ، وأجمعوا كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ، ولم نتفرق ، ولم نترك ديننا ، وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى :( يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ) بما فعلوا( وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ) يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.

[١٢٩]

قوله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآية. [١٩٠].

٢٨٤ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العنبري ، حدَّثنا أحمد بن نجدة ، حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أخبرنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أتت قريش اليهودي ، فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ فقالوا : يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : أدع لنا ربك يجعل [لنا] الصفا ذهباً. فأنزل الله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) .

[١٣٠]

قوله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) الآية. [١٩٥].

__________________

[٢٨٣] مرسل ، وعزاه في الدر (٢ / ١٠٩) لعبد بن حميد وابن جرير.

[٢٨٤] في إسناده : يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث.

وأخرجه النسائي في تفسيره (٣١٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٦٩) قال الحافظ في الفتح (٨ / ٢٣٥) : فيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة ، ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة أ. ه.

١٤٢

٢٨٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرَابَادِي ، أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوار ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة بن عمر بن أبي سَلَمة ـ رجل من ولد أم سلمة ـ قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أَسْمَعُ الله ذَكَرَ النساءَ في الهجرة بشيء. فأنزل الله تعالى :( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي عون محمد بن أحمد بن ماهان ، عن محمد بن علي بن زيد ، عن يعقوب بن حميد ، عن سفيان.

[١٣١]

قوله تعالى :( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ) . [١٩٦].

٢٨٦ ـ نزلت في مشركي مكة ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يَتّجِرُونَ ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد. فنزلت هذه الآية.

[١٣٢]

قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ) الآية. [١٩٩].

٢٨٧ ـ قال جابر بن عبد الله ، وأنس ، وابن عباس ، وقتادة :

__________________

[٢٨٥] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير (٣٠٢٣).

وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٠٠) من طريق مجاهد عن أم سلمة وصححه ووافقه الذهبي ، وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٦٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وزاد نسبته في الدر (٢ / ١١٢) لابن المنذر والطبراني.

[٢٨٦] بدون سند.

[٢٨٧] حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٦) وفي إسناده عنده أبو بكر الهذلي ، قال الحافظ في التقريب [٢ / ٤٠١] : متروك.

١٤٣

نزلت في النجاشي ، وذلك [أنه] لما مات نعاه جبريل ،عليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في اليوم الذي مات فيه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. فقالوا : ومن هو؟ فقال : النجاشي ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البَقِيع ، وكُشِفَ له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه ، وكبّر أربع تكبيرات ، واستغفر له ، وقال لأصحابه : استغفروا له. فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على عِلْجٍ حَبَشِيّ نَصْرَاني ، لم يره قط ، وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٢٨٨ ـ أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف ، حدَّثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء ، قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن سنان الواسطي ، أخبرنا أبو هانئ محمد بن بكار الباهلي ، حدَّثنا المُعْتَمِر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس قال :

قال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي ، فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على عِلْج من الحبشة! فأنزل الله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) الآية.

٢٨٩ ـ وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم.

[١٣٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) الآية. [٢٠٠].

__________________

[٢٨٨] في إسناده حميد بن أبي حميد الطويل : قال الحافظ في التقريب : ثقة مدلس ، والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٦٨٨) والبزار (٨٣٢ كشف).

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٣٨) وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات أ. ه.

وعزاه في الدر (٢ / ١١٣) للنسائي والبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه.

وقد أخرجه النسائي في التفسير (١٠٨)

[٢٨٩] مرسل.

١٤٤

٢٩٠ ـ أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، حدَّثنا محمد بن معاذ المَالِيني. حدَّثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي ، حدَّثنا ابن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، حدَّثني داود بن صالح ، قال :

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ) ؟ قال : قلت : لا ، قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غَزْو يُرابطُ فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي محمد المزني ، عن أحمد بن نجدة ، عن سعيد بن منصور ، عن ابن المبارك.

__________________

[٢٩٠] مرسل : أخرجه ابن جرير (٤ / ١٤٨) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠١) من حديث أبي هريرة وصححه ووافقه الذهبي.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١١٣) لابن المبارك وابن المنذر والبيهقي في الشعب.

١٤٥

سورة النساء

١٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قولهعزوجل :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية. [٢].

٢٩١ ـ قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم ، طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية. فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحُوبِ الكبير. فدفع إليه ماله ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يُوقَ شُحَّ نفسه ورجع به هكذا فإنه يَحُلُّ دَارَه. يعني جَنَّتَه. فلما قَبَضَ الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر ، فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده.

[١٣٥]

قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية. [٣].

٢٩٢ ـ أخبرنا أبو بكر التَّمِيميّ ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدَّثنا أبو

__________________

[٢٩١] مرسل.

[٢٩٢] أخرجه البخاري في كتاب الشركة (٢٤٩٤) وفي كتاب التفسير (٤٥٧٤)

أخرجه مسلم في كتاب التفسير (٧ / ٣٠١٨) ص ٢٣١٤.

١٤٦

يحيى ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا ) الآية ، قالت :

أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا يُنْكِحُها حُبّاً لِمَالها وَيَضرُّ بها ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) يقول : ما أحللت لكم ودع هذه. رواه مسلم عن أبي كُرَيب ، عن أبي أسامة ، عن هشام.

٢٩٣ ـ وقال سعيد بن جُبَير ، وقتادة ، والربيع ، والضّحاك ، والسّدي :

كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ، ويترخصون في النساء ويتزوجون ما شاءوا ، فربما عدلوا ، وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن اليتامى ونزلت آية اليتامى :( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) الآية ـ أنزل الله تعالى أيضاً :( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ) الآية.

يقول : وكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز. وهذا قول ابن عباس في رواية الوَالبي.

[١٣٦]

قوله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) الآية. [٦].

٢٩٤ ـ نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

__________________

وأخرجه ابن جرير (٤ / ١٥٥) والنسائي في تفسيره (١١٠).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١١٨) للبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن.

[٢٩٣] انظر السابق.

[٢٩٤] الدر (٢ / ١٢٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.

١٤٧

١٣٧

قوله تعالى :( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) الآية. [٧].

٢٩٥ ـ قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها : أم حُجَّة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان : هما ابنا عم الميت ووصياه ، يقال لهما : / سُوَيْد وعَرْفَجَة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً ، وكانوا في الجاهلية لا يُوَرِّثُون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، إنما يورثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يُعطى إِلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة. فجاءت أم حُجَّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سُوَيد وعَرْفَجَة ، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً ، وهن في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأساً. فدعاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرساً ، ولا يحمل كلّا ، ولا يُنْكي عدواً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم انصرفوا حتى أَنظر ما يحدث الله لي فيهن. فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٣٨]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) الآية. [١٠].

٢٩٦ ـ قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له : مَرْثَد بن زيد ، وَلِيَ مالَ ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.

[١٣٩]

قوله تعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآية. [١١].

٢٩٧ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا الحسن بن أحمد

__________________

[٢٩٥] الدر (٢ / ١٢٢) ، لباب النقول ص ٧٠.

وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٨٠) في ترجمة أوس بن ثابت.

[٢٩٦] إصابة (٣ / ٣٩٧) في ترجمة مرثد بن زيد الغطفاني.

[٢٩٧] أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٥٧٧).

١٤٨

المخلدي ، أخبرنا المُؤَمَّل بن الحسن بن عيسى ، قال : حدَّثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدَّثنا حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن المُنْكَدِر ، عن جابر قال :

عادني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجدني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليَّ منه فأفقت ، فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) الآية.

رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، عن هشام.

ورواه مسلم عن محمد بن حاتم ، عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.

٢٩٨ ـ أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري ، قال : أخبرنا علي بن

__________________

ومسلم في الفرائض (٦ / ١٦١٦) ص ١٢٣٥.

والنسائي في التفسير (١١١) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٣٠٦٠)

للنسائي في الطهارة والفرائض في الكبرى.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢١٢).

وأخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٨٦) والترمذي في التفسير (٣٠١٥) والنسائي في التفسير (١٥٤) وابن ماجة في الجنائز (١٤٣٦) وفي الفرائض (٢٧٨) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر به.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٣) من طريق عمرو بن أبي قيس عن محمد بن المنكدر به وقال الحاكم : هذا إسناد صحيح.

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٠).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٤) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٢٩٨] صحيح : أخرجه أبو داود في الفرائض (٢٨٩١ ـ ٢٨٩٢).

والترمذي في الفرائض (٢٠٩٢) وقال : هذا حديث صحيح.

وابن ماجة في الفرائض (٢٧٢٠).

وأحمد في مسنده (٣ / ٣٥٢) والحاكم في المستدرك (٤ / ٣٣٤ ، ٣٤٢) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في السنن (٦ / ٢٢٩).

وأورده السيوطي في لباب النقول (ص ٧١).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٢٥) لابن سعد وابن أبي شيبة ومسدد وأبي داود الطيالسي وابن أبي عمرو وابن منيع وابن أبي أسامة وأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان.

١٤٩

عمر بن مهدي قال : حدَّثنا يحيى بن صاعد ، قال : حدَّثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدَّثنا بشر بن المفضل قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال :

جاءت امرأة [إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] بابنتين لها فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ـ أو قالت سعد بن الرَّبيع ـ قتل معك يوم أحد ، وقد اسْتَفَاءَ عمهما مالهما وميراثهما ، فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله؟ فو الله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال. فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت سورة النساء وفيها :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) إلى آخر الآية ، فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادع لي المرأة وصاحبها ، فقال لعمهما : أعطهما الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فلك.

[١٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) الآية. [١٩].

٢٩٩ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : حدَّثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني ، قال : حدَّثنا أبو يحيى قال : حدَّثنا سهل بن عثمان قال : حدَّثنا أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال أبو إسحاق الشيباني ـ وذكره عطاء بن الحسين السُّوَائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس في هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) قال :

__________________

وللحافظ ابن حجر تعليق على هذا الحديث والذي قبله : انظر الفتح (٨ / ٢٤٤) شرح الحديث رقم (٤٥٧٧)

[٢٩٩] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٧٩).

وفي الإكراه (٦٩٤٨).

وأخرجه أبو داود في النكاح (٢٠٨٩).

والنسائي في التفسير (١١٤) وأخرجه ابن جرير (٤ / ٢٠٧) ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص) ٧٢) وأخرجه البيهقي في السنن (٧ / ١٣٨) وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣١) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٥٠

كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية في ذلك. رواه البخاري في التفسير عن محمد بن مقاتل ، ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور ، كلاهما عن أسباط.

٣٠٠ ـ قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة ، جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عَصَبَتِهِ ، فألقى ثوبه على تلك المرأة فصار أحقّ بها من نفسها ومن غيره ، فإن شاء أن يتزوجها تزوَّجَها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً ، وإن شاء عَضَلَهَا وضَارَّهَا لتفتدي منه بما ورثت من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، فتوفي أبو قيس بن الأَسْلَت الأنصاري ، وترك امرأته كُبَيْشَة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له : حصن ، وقال مقاتل : اسمه قيس بن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فَوَرِث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها ، يضارها لتفتدي منه بمالها ، فأتت كبيشة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي ، وقد أضرّ بي وطوّل عليّ ، فلا هو ينفق عليّ ولا يدخل بي ، ولا هو يخلي سبيلي. فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله. قال : فانصرفت ، وسمعت بذلك النساء في المدينة ، فأتين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلن : ما نحن إلا كهيئة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الأبناء ، ونكحنا بنو العم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤١]

قوله تعالى :( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) الآية. [٢٢].

٣٠١ ـ نزلت في حصن بن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه : كبيشة بنت معن.

__________________

[٣٠٠] ابن جرير (٤ / ٢٠٧).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم بإسناد حسن.

وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨ / ٢٤٧) شرح الحديث رقم (٤٥٧٩) وذكره في الإصابة (٤ / ١٦٢) ترجمة أبي قيس بن الأسلت.

[٣٠١] أخرجه ابن جرير عن عكرمة (٤ / ٢١٧).

الدر (٢ / ١٣٤) وعزاه لابن أبي حاتم والفريابي وابن المنذر والطبراني.

١٥١

وفي الأسود بن خلف ، تزوج امرأة أبيه. وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه : فَاخِتة بنت الأسود بن المطلب. وفي مَنْظُور بن زبّان تزوج امرأة أبيه : مليكة بنت خارجة.

٣٠٢ ـ وقال أشعث بن سَوَّار : توفي أبو قيس ـ وكان من صالحي الأنصار ـ فخطب ابنُه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولداً ، ولكني آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أستأمره. فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٤٢]

قوله تعالى :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) [٢٤].

٣٠٣ ـ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البُنَانِي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى ، قال : أخبرنا عمرو الناقد ، قال : أخبرنا أبو أحمد الزبيري قال : حدَّثنا سفيان ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخَليل ، عن أبي سعيد الخُدْري قال :

أصبنا سبايا يوم أَوطاسَ لهنَّ أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فاستحللناهن.

__________________

[٣٠٢] البيهقي في السنن (٧ / ١٦١) من طريق أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت الأنصاري وقال البيهقي : هذا مرسل.

وقال السيوطي في الدر (٢ / ١٣٤) : عند ابن أبي حاتم : عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار.

قلت : أشعث بن سوار ضعيف (تقريب ١ / ٧٩) و (المجروحين ١ / ١٧١)

[٣٠٣] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٥ ، ٣٥ مكرر / ١٤٥٦) ص ١٠٨٠.

وأخرجه الترمذي في النكاح (١١٣٢) وقال : هذا حديث حسن. وفي التفسير (٣٠١٧).

والنسائي في التفسير (١١٧) وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٧٢).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٧٣).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٣٧) للطيالسي والفريابي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبي يعلي وابن أبي حاتم والطحاوي وابن حبان والبيهقي في السنن.

١٥٢

٣٠٤ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، أخبرنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سَوَّار ، عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال :

لما سبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أوطَاس قلنا : يا نبي الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ فنزلت هذه الآية :( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ).

٣٠٥ ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمْرَوَيْه ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدَّثنا مسلم بن الحجاج ، حدَّثني عبيد الله بن عمر القَوَارِيري ، حدَّثنا يزيد بن زرَيع ، حدَّثنا سعيد بن أبي عَرُوبَةَ عن قتادة ، عن أبي صالح أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري :

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطَاس ، ولقي عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا ، وكان ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تحرَّجُوا من غِشْيَانِهِنّ من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله تعالى في ذلك( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) .

[١٤٣]

قوله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) [٣٢].

__________________

[٣٠٤] انظر السابق.

[٣٠٥] أخرجه مسلم في الرضاع (٣٣ ، ٣٤ / ١٤٥٦) ص ١٠٧٩.

وأبو داود في النكاح (٢١٥٥).

والترمذي في النكاح (١١٣٢ مكرر) وفي التفسير (٣٠١٦).

والنسائي في النكاح (٦ / ١١٠).

وفي التفسير (١١٦).

وأحمد في مسنده (٣ / ٨٤) والبيهقي في السنن (٩ / ١٢٤) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣) وانظر رقم (٣٠٣)

١٥٣

٣٠٦ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصّوفي ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، حدَّثنا جعفر بن محمد بن سوَّار ، أخبرنا قُتَيْبَة ، حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنَةَ ، عن ابن أبي نُجَيح ، عن مجاهد ، قال :

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٧ ـ أخبرنا محمد بن عبد العزيز : أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عَتَّابُ بن بَشِير ، عن خُصيف ، عن عكرمة :

أن النساء سألن الجهاد فقلن : وَدِدْنَا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

٣٠٨ ـ وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله تعالى :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نُفَضِّل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضَّلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء ، وقالت النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا. فأنزل الله تعالى :( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) .

__________________

[٣٠٦] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٢٢) وقال : هذا حديث مرسل.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٥) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٣٠) وذكره السيوطي في اللباب (ص ٧٣) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٤٩) لعبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم.

[٣٠٧] إسناده ضعيف : عتاب بن بشير : قال الإمام أحمد : أحاديث عتاب عن خصيف منكرة وكذا قال ابن عدي [تهذيب التهذيب ترجمة عتاب بن بشير].

خصيف بن عبد الرحمن : مختلف فيه.

[٣٠٨] مرسل.

١٥٤

١٤٤

قوله تعالى :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) الآية [٣٣].

٣٠٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي ، قال : حدَّثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهَرَوِيّ ، قال أخبرنا علي بن محمد الخُزَاعي ، قال : حدَّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : أخبرني شُعَيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، قال : قال سعيد بن المسيب :

نزلت هذه الآية :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) في الذين كانوا يَتَبَنَّوْنَ رجالاً غير أبنائهم ويورِّثونهم. فأنزل الله تعالى فيهم أن يُجْعَلَ لهم نَصِيبٌ في الوصية ، ورَدَّ اللهُ تعالى الميراثَ إلى الموالي من ذوي الرَّحم والعَصَبَةِ ، وأبى أن يجعل لِلْمُدّعَيْنَ ميراثاً ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل [لهم] نصيباً في الوصية.

[١٤٥]

قوله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) الآية. [٣٤].

٣١٠ ـ قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الرَّبِيع ، وكان من النُقَبَاء ، وامرأته حَبِيبَة بنت زَيد بن أبي زهير وهما من الأنصار ، وذلك أنها نَشَزَتْ عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أَفْرَشْتُهُ كريمتي فلطمها! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتقتص من زوجها. وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ارجعوا ، هذا جبريلعليه‌السلام أتاني. وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، والذي أراد الله خير» ، ورفع القصاص.)

__________________

[٣٠٩] مرسل : أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٥).

وله شاهد صحيح موصول عن ابن عباس : أخرجه البخاري في الكفالة. (٢٢٩٢) وفي التفسير (٤٥٨٠) وفي الفرائض (٦٧٤٧).

وأبو داود في الفرائض (٢٩٢٢) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٥٢٣) للنسائي في الفرائض في الكبرى.

[٣١٠] مرسل ـ الإصابة (٢ / ٢٧)

١٥٥

٣١١ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، قال : أخبرنا زاهر بن أحمد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد ، قال : حدَّثنا زياد بن أيوب ، قال : حدَّثنا هشيم قال : حدَّثنا يونس عن الحسن :

أن رجلاً لطم امرأَته فخاصمته إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء معها أهلها فقالوا : يا رسول الله ، إِن فلاناً لطم صاحبتنا. فجعل رسول الله يقول : القصاص القصاص. ولا يقضي قضاء ، فنزلت هذه الآية :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَردنا أَمراً وأَراد الله غيره.

٣١٢ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدَّثنا سهل العسكري ، قال : حدَّثنا علي بن هاشم ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، قال :

لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته ، فانطلقت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : إن زوجي لطمني فالقصاص ، قال : القصاص ، فبينا هو كذلك أَنزل الله تعالى :( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أردنا أمراً فأبى الله تعالى [إلا غيرَه]. خذ أيها الرجل بيد امرأَتك.

[١٤٦]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) [٣٧].

٣١٣ ـ قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود [حين] كتموا صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يبينوها للناس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم.

٣١٣١ م ـ وقال الكلبي : هم اليهود ، بخلوا أن يصدقوا من أتاهم بصفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونعته في كتابهم.

__________________

[٣١١] مرسل.

[٣١٢] مرسل. الدر (٢ / ١٥١) لباب (ص ٧٤)

[٣١٣] بدون إسناد.

[٣١٣١] م الكلبي ضعيف.

١٥٦

٣١٤ ـ وقال مجاهد : الآيات الثلاث إلى قوله :( عَلِيماً ) نزلت في اليهود.

٣١٥ ـ وقال ابن عباس ، وابن زيد : نزلت في جماعة من اليهود ، كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ، فأنزل الله تعالى :( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) .

[١٤٧]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) الآية. [٤٣].

نزلت في أناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نَشَاوَى ، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم.

٣١٦ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا أبو عبد الرحمن الأَفْرِيقي قال : حدَّثنا عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، قال :

صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ، ودعا أناساً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فطعموا وشربوا ، وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فلم يُقمْها ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) .

__________________

[٣١٤] بدون إسناد.

[٣١٥] بدون إسناد ، الدر (٢ / ٢٦٢) ، لباب النقول (ص ٧٥)

[٣١٦] إسناده ضعيف : عطاء بن السائب اختلط ، وله علة أخرى وهي أنه مرسل. وله شاهد بإسناد صحيح موصول : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٧) من طريق سفيان عن عطاء وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد سمع سفيان من عطاء قبل الاختلاط. وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦١) من طريق سفيان به.

١٥٧

[١٤٨]

قوله تعالى :( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) . [٤٣].

٣١٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، قال : حدَّثنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلِي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت :

خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بِذَاتِ الجَيْش ، انقطع عقد لي فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر ، فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالناس معه [وليسوا على ماء] وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واضعٌ رأسه على فخذي قد نام ، فقال : أَحَبَسْتِ رسولَ الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على فخذي ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيد بن حضير ـ وهو أحد النقباء ـ : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي

__________________

[٣١٧] أخرجه البخاري في التيمم (٣٣٤).

وفي كتاب النكاح (٥٢٥٠) مختصراً.

وأخرجه في فضائل الصحابة (٣٦٧٢) وفي كتاب التفسير (٤٦٠٧). وأخرجه في الحدود (٦٨٤٤) مختصراً.

وأخرجه مسلم في كتاب الحيض (١٠٨ / ٣٦٧) ص ٢٧٩.

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٣).

وفي التفسير (١٢٧).

وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة رقم ٨٩ (ص ٥٣).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٦٩) مختصراً.

والبيهقي في السنن الكبرى (١ / ٢٠٤)

١٥٨

كنت عليه فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى : كلاهما عن مالك.

٣١٨ ـ أخبرنا أبو محمد الفارسي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن أبي صالح ، عن ابن شهاب ، قال : حدَّثني عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ ، عن ابن عباس ، عن عَمّار بن يَاسِر ، قال :

عرّس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جذع ظَفَار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء [فتغيّظ عليها أبو بكر وقالت : حبست الناس]. فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة التطهُّر بالصَّعيد الطَّيب ، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ، فلم يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، وبطون أيديهم إلى الآباط.

قال الزهري : وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة : والله إنك ما علمتُ لمباركة.

[١٤٩]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ) الآية [٤٩].

٣١٩ ـ قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأطفالهم ، وقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال : لا ، فقالوا : والذي نحلف به ، ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كُفّرَ عنا بالليل ، وما من

__________________

[٣١٨] أخرجه أبو داود في الطهارة (٣٢٠).

والنسائي في الطهارة (١ / ١٦٧) في الصغرى.

وأحمد في مسنده (٤ / ٢٦٣) والبيهقي في السنن (١ / ٢٠٨).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ٧٢).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٦٧) لابن جرير والبيهقي.

[٣١٩] الكلبي ضعيف.

١٥٩

ذنب نعمله بالليل إلا كُفّر عنا بالنهار. فهذا الذي زكوا به أنفسهم.

[١٥٠]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) . [٥١].

٣٢٠ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا والدي ، قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدَّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : حدَّثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة ، قال :

جاء حُيَيّ بن أخْطَب ، وكَعْبُ بن الأشْرَف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أَنتم أهل الكتاب ، وأهل العلم القديم ، فأخبرونا عنا وعن محمد. قالوا : ما أنتم وما محمد؟ قالوا : نحن ننحر الكَوْمَاءَ ، ونَسْقِي اللبن على الماء ، ونَفك العُناة ، ونصل الأرحام ، ونَسْقِي الحَجِيج ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. قالوا : بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) إلى قوله تعالى :( وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) .

٣٢١ ـ وقال المفسرون : خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ، ليحالفوا قريشاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فنزل كعب على أبي سفيان ، ونزلت اليهود في دور قريش ، فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين ، وآمن بهما. فذلك قوله :( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيءْ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ونعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد. ففعلوا ذلك ، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق ، أنحن أم

__________________

[٣٢٠] مرسل ، عزاه في الدر (٢ / ١٧١) لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٣٢١] بدون إسناد.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

نقول أوّلا : إنّ هؤلاء لم يكونوا جميعا ينكرون يوم القيامة ، فقد كان فريق منهم يؤمنون بنوع من البعث.

وثانيا : قد يكون المعنى بالساعة هي ساعة الموت ، أو الساعة الرهيبة التي تنزل فيها على الإنسان مصيبة تضعه على شفا الهلاك.

وثالثا : قد يكون هذا تعبيرا مجازيا عن الحوادث المخيفة ، فالقرآن يكرر القول بأنّ يوم القيامة يقترن بسلسلة من الحوادث المروعة ، كالزلازل والعواصف والصواعق وأمثالها.

3 ـ إنّنا نعلم أنّ يوم القيامة وما يصحبه من وقائع وأمور حتمية الوقوع ، ولا يمكن تغييرها إطلاقا ، فكيف تقول الآية :( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ ) ؟فهل القصد هو إظهار قدرة الله ، أم أنّ هناك قصد آخر؟

في جواب هذا السؤال نقول : لا يعني هذا أنّ الله سوف يلغي بالدعاء البعث وقيام الساعة أصلا ، بل الآية تقصد القول بأنّ المشركين ـ وحتى غير المشركين عند مشاهدتهم الحوادث الرهيبة عند قيام الساعة وبالأهوال والعذاب الذي ينتظرهم ، يستولي عليهم الفزع والجزع ، فيدعون الله ليخفف عنهم تلك الأهوال ، وينجيهم من تلك الأخطار ، فدعاؤهم يكون لنجاتهم من أهوال يوم القيامة الرهيبة ، لا للإلغاء ذلك اليوم من الأساس.

* * *

٢٨١

الآيات

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) )

التّفسير

مصير الذين لا يعتبرون :

تواصل هذه الآيات توجيه الكلام للضّالين والمشركين ، ويتخذ القرآن فيها طريقا آخر لإيقاظهم وذلك بأن ينقلهم إلى القرون السالفة والأزمان الماضية ، يشرح لهم حال الأمم الضالة والظالمة والمشركة ، ويبيّن لهم كيف أتيح لها جميع عوامل التربية والتهذيب والوعي ، غير أنّ جمعا منهم لم يلقوا بالا إلى أي من تلك العوامل ، ولم يعتبروا بما حاق بهم من (بأساء) و (ضراء)(1) ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ

__________________

(1) «البأساء» الشدة والمكروه ، وتطلق على الحرب أيضا ، وكذلك القحط والجفاف والفقر ، أما «الضراء» فأكثر ما تعني العذاب

٢٨٢

مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) .

أما كان من الأجدر بهؤلاء أن يستيقظوا عند ما جاءهم البأس وأحاطت بهم الشدائد؟!( فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ) أنّهم لم يستيقظوا ، ولذلك سببان :

الأوّل : إنّهم لكثرة آثامهم وعنادهم في الشرك زايلت الرحمة قلوبهم والليونة أرواحهم :( وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) .

والثّاني : إنّ الشيطان قد استغل عبادتهم أهواءهم فزيّن في نظرهم أعمالهم ، فكل قبيح ارتكبوه أظهره لهم جميلا ، ولكل خطأ فعلوه جعله في عيونهم صوابا :( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

ثمّ تذكر الآية الثّانية أنّه لمّا لم تنفع معهم تلك المصائب والمشاكل والضغوط عاملهم الله تعالى بالعطف والرحمة ، ففتح عليهم أبواب أنواع النعم ، لعلهم يستيقظون ويلتفتون إلى خالقهم الذي وهب لهم كل تلك النعم ، ويشخصوا الطريق السوي :( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ) .

إلّا أنّ هذه النعم كانت في الواقع ذات طابع مزدوج ، فهي مظهر من مظاهر المحبّة التي تستهدف إيقاظ النائمين ، وهي كذلك مقدمة لنزول العذاب الأليم إذا استمرت الغفلة ، والذي ينغمس في النعمة والرفاهية ، يشتد عليه الأمر حين تؤخذ منه هذه النعم فجأة ، بينما لو أخذت منه بالتدريج ، فلا يكون وقع ذلك عليه شديدا ، ولهذا يقول إنّنا أعطيناهم الكثير من النعم( حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ) (1) .

وهكذا استؤصلت جذور أولئك الظلمة وانقطع نسلهم :( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ

__________________

الروحي ، كالهم والغم والاكتئاب والجهل ، أو الآلام الناشئة عن الأمراض أو عن فقدان مال أو مقام.

ولعل الاختلاف بين معنيي اللفظتين ناشئ عن أن «البأساء» تشير إلى المكروه الخارجي و «الضراء» تشير إلى المكروه الداخلي ، النفسي أو الروحي ، وعلى هذا تكون «البأساء» من عوامل إيجاد «الضراء» فتأمل بدقة!

(1) «الإبلاس» الحزن المعترض من شدة التألم بسبب كثرة المنغصات المؤلمة ، ومنها اشتقت كلمة «إبليس» ، وهي هنا تدل على شدة الغم والهم اللذين يصيبان المذنبين يومئذ.

٢٨٣

الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .

و «الدابر» بمعنى المتأخر والتابع.

ولما كان الله قد وفر لهؤلاء كل وسائل التربية ولم يبخل عليهم بأي شيء منها ، لذلك فانّ الحمد يختص بالله الذي يربي أهل الدنيا كافة( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

* * *

ملاحظات :

لا بدّ هنا من التنبه إلى بضع نقاط :

1 ـ قد يبدو لبعضهم أنّ هذه الآيات تتعارض مع الآيات السابقة ، فقد بيّنت الآيات السابقة أنّ المشركين إذا هاجمتهم المصاعب والشدائد يتوجهون إلى الله وينسون كل ما عداه ، ولكن هذه الآيات تقول : إنّ هؤلاء لا يستيقظون حتى بعد تعرضهم للمنغصات الشديدة.

هذا التباين الظاهري يزول إذا انتبهنا إلى النقطة التّالية ، وهي أنّ اليقظة الخاطفة المؤقتة عند ظهور الشدائد لا تعتبر يقظة حقيقية ، لأنّهم سرعان ما يعودون إلى الغفلة السابقة.

في الآيات السابقة كان الكلام عن التوحيد الفطري ، فكان التيقظ والتوجه العابر ونسيان كل شيء سوى الله في تلك اللحظات الحساسة ما يكفي لإثبات ذلك ، أمّا في هذه الآيات فالكلام يدور عن الاهتداء والرجوع عن الضلال إلى الطريق المستقيم ، لذلك فانّ اليقظة العابرة المؤقتة لا تنفع شيئا.

قد يتصور أنّ الاختلاف بين الموضعين هو أنّ الآيات السابقة تشير إلى المشركين الذين عاصروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والآيات التي بعدها تشير إلى الأقوام

٢٨٤

السابقين ، ولذلك لا تعارض بينهما(1) .

ولكن من المستبعد جدّا أن يكون المشركون المعاندون المعاصرون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيرا من الضالين السابقين ، وعليه فلا حلّ للإشكال إلّا بما قلناه.

2 ـ نقرأ في هذه الآيات أنّه عند ما لم يكن لابتلائهم بالشدائد تأثير في توعيتهم ، فإنّ الله يفتح أبواب الخيرات على أمثال هؤلاء الآثمين ، فهل هذا ترغيب بعد المعاقبة ، أم هو مقدمة لعقاب أليم؟ أي : هل هذه النعم نعم استدراجية ، تغمر المتمرد تدريجيا بالرفاهية والتنعم والسرور تغمره بنوع من الغفلة ، ثمّ ينتزع منه كل شيء دفعة واحدة؟

ثمّة قرائن في الآية تؤيد الاحتمال الثّاني ، ولكن ليس هناك ما يمنع من قبول الاحتمالين ، أي أنّه ترغيب وتحريض على الاستيقاظ ، فإن لم يؤثر ، فمقدمة لسلب النعمة ومن ثمّ إنزال العذاب الأليم.

جاء في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنّما هو استدراج) ثمّ تلى الآية( فَلَمَّا نَسُوا ) (2) .

وفي حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قال : «يا ابن آدم ، إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره»(3) .

وفي كتاب (تلخيص الأقوال) عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قال : «إنّ قنبر مولى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أدخل على الحجاج ، فقال : ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ قال : كنت أوضيه ، فقال له : ماذا يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال : كان يتلو هذه الآية :( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا

__________________

(1) يشير الفخر الرازي في تفسيره إلى هذه الاختلاف في ج 12 ، ص 224.

(2) تفسير مجمع البيان وتفسير نور الثقلين ، ذيل الآية.

(3) نهج البلاغة ، الكلمة 25.

٢٨٥

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، فقال الحجاج : أظنّه كان يتأولها علينا؟! قال : نعم»(1) .

3 ـ يتّضح من هذه الآيات أنّ هدف الكثير من الحوادث المؤلمة هو الإيقاظ والتوعية ، وهذا جانب من فلسفة «المصائب والآفات» التي تحدثنا بشأنها في بحث التوحيد ، ولكن الملفت للنظر هو أنّه يبدأ الموضوع بكلمة «لعل» ، وذلك لأنّ نزول البلاء وحده لا يكفي للإيقاظ ، بل هو تمهيد للقلوب المستعدة (سبق أن قلنا أنّ «لعل» في كلام الله تستعمل حيثما تكون هناك شروط أخرى).

هنالك أيضا كلمة «تضرع» التي تعني أصلا نزول اللبن في الثدي واستسلامه للرضيع ، ثمّ انتقل المعنى إلى الاستسلام مع الخضوع والتواضع ، أي أنّ تلك الحوادث الشديدة تهدف إلى إنزالهم عن مطية الغرور والتمرد والأنانية ، والاستسلام لله.

4 ـ ممّا يلفت النظر اختتام الآية بقول :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وهذا دليل على أنّ استئصال جذور الظلم والفساد والقضاء على شأفة الذين يمكن أن يواصلوا هذا الأمر من الأهمية بحيث يستوجب الحمد لله.

في حديث ينقله فضيل بن عياض عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : «من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصي الله ، إنّ الله تبارك وتعالى حمد بنفسه بهلاك الظلمة فقال :( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

* * *

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 1 ، ص 718.

٢٨٦

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) )

التّفسير

اعرفوا واهب النعم!

الخطاب ما يزال موجها إلى المشركين.

في هذه الآيات حثّ استدلالي على إيقاظهم ببيان آخر يعتمد غريزة دفع الضرر ، فيبدأ بالقول : إنّه إذا سلب منكم الله النعم الثمينة التي وهبها لكم ، مثل السمع والبصر ، وأغلق على قلوبكم أبواب التمييز بين الحسن والسيء ، والحقّ الباطل ، فمن يا ترى يستطيع أن يعيد إليكم تلك النعم؟( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ

٢٨٧

سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ) .

في الواقع ، كان المشركون أنفسهم يعتقدون أنّ الخالق والرازق هو الله ، وكانوا يعبدون الأصنام للاستشفاع بها عند الله.

والقرآن يحثّهم على الاتجاه المباشر نحو الله مصدر كل الخيرات والبركات بدل الاتجاه إلى أصنام لا قيمة لها.

وإضافة إلى ما كان يحمله عبدة الأصنام من اعتقاد بالله ، فإنّ القرآن استجوب عقولهم هنا لإبداء رأيها وحكمها في أمر أصنام لا تملك هي نفسها عينا ولا أذنا ولا عقلا ولا شعورا ، فهل يمكنها أن تهب أمثال هذه النعم للآخرين؟

ثمّ تقول الآية : انظر إلى هؤلاء الذين نشرح لهم الآيات والدلائل بمختلف الوسائل ، ولكنّهم مع ذلك يعرضون عنها :( انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ) .

وفيما يتعلق بمعنى «ختم» وسبب ورود «سمع» بصيغة المفرد ، و «أبصار» بصيغة الجمع في القرآن راجع المجلد الاوّل من هذا التّفسير ، (92).

«نصرف» من «التصريف» بمعنى «التغيير» ، والكلمة هنا تشير إلى مختلف الاستدلالات في صور متنوعة.

و «يصدفون» من «صدف» بمعنى «الجانب» و «الناحية» أي أنّ المعرض عن شيء يدير وجهه إلى جانب أو ناحية أخرى.

وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الإعراض أيضا ، ولكنه «الإعراض الشديد» كما يقول الراغب الأصفهاني.

تشير الآية الثّانية ، بعد ذكر هذه النعم الثلاث «العين والأذن والإدراك» التي هي منبع جميع نعم الدنيا والآخرة ـ إلى إمكان سلب هذه النعم كلها دفعة واحدة ، فتقول :( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ

٢٨٨

الظَّالِمُونَ ) (1) .

«بغتة» بمعنى «فجأة» و «جهرة» بمعنى «الظاهر» والعلانية ، والمألوف استعمال «سرّا» في مقابل «جهرة» لا «بغتة» ، ولكن لما كانت مقدمات العمل المباغت خافية غالبا ، إذ لو لا خفاؤه لما كان مباغتا ، فإن في «بغتة» يكمن معنى الخفاء والسرية أيضا.

والقصد هو أنّ القادر على إنزال مختلف العقوبات ، وسلب مختلف النعم هو الله وحده ، وإنّ الأصنام لا دور لها في هذا أبدا ، لذلك ليس ثمّة ما يدعو إلى اللجوء إليها ، لكن الله لحكمته ورحمته لا يعاقب إلّا الظالمين.

ومن هذا يستفاد أنّ للظلم معنى واسعا يشمل أنواع الشرك والذنوب ، بل إنّ القرآن يعتبر الشرك ظلما عظيما ، كما قال لقمان لابنه :( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (2) .

الآية الثالثة تشير إلى مركز الأنبياء ، فتقول : ليست الأصنام العديمة الروح هي وحدها العاجزة عن القيام بأي أمر ، فإن الأنبياء العظام والقادة الإلهيين أيضا لا عمل لهم سوى إبلاغ الرسالة والإنذار والتبشير ، فكل ما هنالك من نعم إنّما هي من الله وبأمره ، وأنّهم إن أرادوا شيئا طلبوه من الله :( وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) .

والاحتمال الآخر في ربط هذه الآية بالآيات السابقة هو أنّ تلك الآيات كانت تتكلم عن البشارة والإنذار ، وهنا يدور القول على أنّ هذا هو هدف بعثة الأنبياء ، فهم مبشرون ومنذرون.

ثمّ تقول : إنّ طريق النجاة ينحصر في أمرين ، فالذين يؤمنون ويصلحون

__________________

(1) شرحنا معنى «أرأيتكم» عند تفسير الآية 40 من هذه السورة وقلنا : ليس هناك ما يدعو إلى اعتبار المعنى «أخبروني» بل المعنى هو «أعلمتم»؟

(2) لقمان ، 13.

٢٨٩

أنفسهم و( يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ) فلا خوف عليهم من العقاب الإلهي ، ولا حزن على أعمالهم السابقة.( فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

أمّا أولئك الذين لا يصدقون بآياتنا ، بل يكذبون بها فإنّ عقابهم على فسقهم وعصيانهم عذاب من الله :( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) .

من الجدير بالانتباه أنّ الآية ذكرت عقاب الذين يكذبون بآيات الله بعبارة( يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ ) ، فكأنّ هذا العقاب يطاردهم في كل مكان حتى يشملهم بأشد ما يكون من العذاب.

كذلك ينبغي القول أنّ لكلمة «فسق» معنى واسعا أيضا ، يشمل كل أنواع العصيان والخروج عن طاعة الله وعبوديته وحتى الكفر في بعض الأحيان ، وهذا المعنى هو المقصود في هذه الآية ، لذلك لا محل للبحوث التي عقدها الفخر الرازي ومفسّرون آخرون بشأن معنى «الفسق» وشمولها الذنوب ، ومن ثمّ الدفاع عن ذلك.

* * *

٢٩٠

الآية

( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) )

التّفسير

معرفة الغيب :

هذه الآية استمرار للردّ على اعتراضات الكفار والمشركين المختلفة ، والرد يشمل ثلاثة أقسام من تلك الاعتراضات في جمل قصيرة :

الأوّل : هو أنّهم كانوا يريدون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القيام بمعجزات عجيبة وغريبة ، وكان كل واحد يتقدم باقتراح حسب رغبته ، بل إنّهم لم يكونوا يقنعون بمشاهدة معجزات طلبها آخرون ، فمرّة كانوا يطلبون بيوتا من ذهب ، ومرّة يريدون هبوط الملائكة ، ومرّة يريدون أن تتحول أرض مكّة القاحلة المحرقة إلى بستان مليء بالمياه والفواكه وغير ذلك ممّا كانوا يطلبونه من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا سيأتي شرحه في تفسير الآية (90) من سورة الإسراء.

ولعلهم بطلباتهم الغريبة تلك كانوا يتوقعون أن يروا للنبي مقام الألوهية وامتلاك الأرض والسماء ، فللردّ على هؤلاء يأتي الأمر من الله :( قُلْ لا أَقُولُ

٢٩١

لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ) .

«الخزائن» جمع الخزينة ، بمعنى المكان الذي تخزن فيه الأشياء التي يراد حفظها وإخفاؤها عن الآخرين ، واستنادا إلى الآية :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (1) يتّضح أنّ «خزائن الله» تشمل مصدر ومنبع جميع الأشياء ، وهي في الحقيقة تستقي من ذات الله اللامتناهية منبع جميع الكمالات والقدرات.

ثمّ تردّ الآية على الّذين كانوا يريدون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكشف لهم عن جميع أسرار المستقبل ، بل ويطلعهم على ما ينتظرهم من حوادث لكي يدفعوا الضرر ويستجلبوا النفع ، فتقول :( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) .

سبق أن قلنا إنّه لا يكون أحد مطلعا على كل شيء إلّا إذا كان حاضرا وشاهدا في كل مكان وزمان ، وهو الله وحده ، أمّا الذي يكون وجوده محددا بمكان وزمان معينين فلا يمكن بالطبع أن يطلع على كل شيء ، ولكن ما من شيء يحول دون أن يمنح الله جزءا من عمله هذا إلى الأنبياء والقادة الإلهيين لإكمال مسيرة القيادة ، حسبما يراه من مصلحة ، وهذا بالطبع لا يكون علما بالغيب بالذات ، بل هو «علم بالغيب بالعرض» أي أنّه تعلم من عالم الغيب.

هنالك آيات عديدة في القرآن تدل على أنّ الله لا يظهر علمه هذا للأنبياء والقادة الإلهيين وحدهم ، بل قد يظهره لغيرهم أيضا ، ففي الآيتين (26 و 27) من سورة الجن نقرا :( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) .

لا شك أنّ مقام القيادة ، وخاصة القيادة العالمية العامة ، يتطلب الاطلاع على كثير من المسائل الخافية على عامّة الناس ، فإذا لم يطلع الله مبعوثيه وأولياءه على علمه ، فإنّ مراكزهم القيادية لن تكون كاملة (تأمل بدقّة).

__________________

(1) الحجر ، 21.

٢٩٢

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّنا نلاحظ أنّ بعض الكائنات الحيّة لا بدّ لها أن تعلم الغيب للمحافظة على حياتها ، فيهبها الله ما تحتاجه من علم ، فنحن ـ مثلا ـ قد سمعنا عن بعض الحشرات التي تتنبأ في الصيف بما سيكون عليه الجو في الشتاء ، أي أنّ الله قد وهبها هذا العلم بالغيب ، لأنّ حياتها ستتعرض لخطر الفناء دون هذه المعرفة ، وسوف نفصل هذه الموضوع أكثر إن شاء الله عند تفسير الآية (188) من سورة الأعراف.

في الجملة الثّالثة ردّ على الذين كانوا يتصورون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملكا ، أو أن يصاحبه ملك ، وان لا يتصف بما يتصف به البشر من تناول الطعام والسير في الطرقات ، وغير ذلك ، فقال :( وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) .

يتّضح من هذه الآية بجلاء أن كل ما عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم ، وكل ما فعله كان بوحي من السماء ، وإنّه لم يكن يفعل شيئا باجتهاده ولا بالعمل بالقياس ولا بأي شيء آخر كما يرى بعض ـ وإنّما كان يتبع الوحي في كل أمر من أمور الدين.

وفي الختام يؤمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ يقول لهم : هل يمكن للذين يغمضون أعينهم ويغلقون عقولهم فلا يفكرون أن ينظر إليهم على قدم المساواة مع الذين يرون الحقائق جيدا ويتفهمونها؟( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ) .

إنّ ذكر هذه الجملة في أعقاب الجملات الثلاث السابقة قد يكون لأنّ رسولاللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبق أن قال :( لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ) و( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) و( لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) بل( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) ، ولكن هذا كلّه لا يعني إنّني مثلكم ، أيّها المشركون ، بل أنا إنسان بصير بالواقع بينما المشرك أشبه بالأعمى ، فهل يستويان؟

ثمّة احتمال آخر لربط هذه الجمل ، وهو أن الأدلة والبراهين على التوحيد

٢٩٣

وعلى صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضحة جلية ، ولكنّها تتطلب عينا بصيرة لكي تراها ، فإذا كنتم لا تقبلونها فليس لأنها أدلة غامضة معقدة ، بل لكونكم تفتقرون إلى العين البصيرة ، فهل يستوي الأعمى والبصير؟

* * *

٢٩٤

الآية

( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) )

التّفسير

في ختام الآية السابقة ذكر سبحانه عدم استواء الأعمى بالبصير ، وفي هذه الآية يأمر نبيّه أن ينذر الذين يخشون يوم القيامة( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ) أي أن هؤلاء لهم هذا القدر من البصيرة بحيث يحتملون وجود حساب وجزاء ، وفي ضوء هذا الاحتمال والخوف من المسؤولية تتولّد فيهم القابلية على التلقّي والقبول.

سبق أن قلنا : إنّ وجود القائد المؤهل والبرنامج التربوي الشامل لا يكفيان وحدهما لهداية الناس ، بل ينبغي أن يكون لدى هؤلاء الناس الاستعداد لتقبل الدعوة ، تماما مثل أشعة الشمس التي لا تكفي وحدها لتشخيص معالم الطريق ، بل لا بدّ من وجود العين الباصرة أيضا ، ومثل البذرة السليمة التي لا يمكن أن تنمو بغير وجود الأرض الصالحة للزراعة.

يتّضح من هذا أنّ الضمير في «به» يعود على القرآن ، وهذا يتبيّن من القرائن ، على الرغم من أنّ القرآن لم يذكر في الآيات السابقة صراحة.

٢٩٥

كما أنّ المقصود من «يخافون» أي يحتملون وجود الضرر ، إذ يخطر ببال كل عاقل يستمع إلى دعوة الأنبياء الإلهيين ، بأنّ من المحتمل أن تكون دعوة هؤلاء صادقة ، وأنّ الإعراض عنها يوجب الخسران والضرر ، ويستنتج من ذلك أنّ من الخير له أن يدرس الدعوة ويطلع على الأدلة.

وهذا واحد من شروط الهداية ، وهو ما يطلق عليه علماء العقائد اسم «لزوم دفع الضرر المحتمل» ويعتبرونه دليل وجوب دراسة دعوى من يدعي النّبوة ، ولزوم المطالعة لمعرفة الله.

ثمّ يقول : إنّ أمثال هؤلاء من ذوي القلوب الواعية يخافون ذلك اليوم الذي ليس فيه غير الله ملجأ ولا شفيع :( لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ) .

نعم ، أنذر أمثال هؤلاء الناس وادعهم إلى الله ، إذ أنّ الأمل في هدايتهم موجود :( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .

بديهي أنّ نفي «الشفاعة» و «الولاية» في هذه الآية عن غير الله لا يتناقض مع شفاعة أولياء الله وولايتهم ، إذ إنّنا سبق أن أشرنا إلى أنّ المقصود هو نفي الشفاعة والولاية بالذات ، أي أنّ هذين الأمرين مختصان ذاتا بالله ، فإذا كان لأحد غيره مقام الشفاعة والولاية فبإذن منه وبأمره ، كما يصرح القرآن بذلك :( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (1) .

للمزيد من التوضيح بشأن الشفاعة عموما ، انظر المجلد الأوّل : ص 198. والمجلد الثّاني من هذا التّفسير.

* * *

__________________

(1) البقرة ، 255.

٢٩٦

الآيتان

( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) )

سبب النّزول

ذكرت روايات عديدة في سبب نزول هاتين الآيتين ، ولكنّها متشابهة ، من ذلك ما جاء في تفسير «الدار المنثور» : مرّت جماعة من قريش بمجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان «صهيب» و «عمار» و «بلال» و «خباب» وأمثالهم من الفقراء والعمال حاضرين فيه ، فتعجبوا من ذلك (لأنّهم كانوا يحسبون أن شخصية المرء مرهونة بالثروة والجاه والمقام ، ولم يستطيعوا إدراك المنزلة المعنوية لهؤلاء الأشخاص ، ولا ما سيكون لهم من دور بناء في إيجاد المجتمع الإسلامي والإنساني الكبير) فقالوا : يا محمّد! أرضيت بهؤلاء من قومك ، أفنحن نكون تبعا لهم؟ ، أهؤلاء الذين منّ الله عليهم؟! اطردهم عنك ، فلعلك إن طردتهم اتّبعناك ،

٢٩٧

فأنزل الله الآية.

بعض مفسّري أهل السنة ، مثل صاحب تفسير (المنار) يورد حديثا أشبه بذاك ، ثمّ يقول : إنّ عمر بن الخطاب كان حاضرا واقترح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقبل عرض هؤلاء الملأ من قريش ، ليتبيّن مدى صدق قولهم؟ فنزلت الآيتان في رفض اقتراحه.

ينبغي ألّا يغرب عن البال أنّ ذكر سبب نزول بعض آيات هذه السورة لا يتنافى مع نزول السورة كلها في مكان واحد ، فقد سبق أن قلنا إنّ من الممكن أن تقع حوادث مختلفة في أوقات مختلفة قبل نزول السورة ، ثمّ تنزل السورة بشأن تلك الحوادث.

يلزم هنا أن نذكر أنّه جاء في رواية أنّ الملأ من قريش ـ حينما رفض رسول الله عرضهم ـ اقترحوا عليه شيئا آخر ، وقالوا له : لو نحيت هؤلاء حتى نخلو بك فإذا انصرفنا ، فإذا شئت أعدتهم إلى مجلسك ، فأجابهم النّبي إلى ذلك ، فقالوا له : اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا ، فدعا بصحيفة وأحضر عليا ليكتب ، فنزل جبرائيل بالآية تنهى عن ذلك.

غير أنّ هذه الرواية ، على الرغم من كونها لا تنسجم مع روح تعاليم الإسلام التي رفضت دوما المساومة في مثل هذه الحالات ، وأكّدت باستمرار على وحدة المجتمع الإسلامي ، فإنّها لا تنسجم مع الآية السابقة :( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) فكيف يمكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبول الاقتراح دون انتظار للوحي.

ثمّ إنّ عبارة( وَلا تَطْرُدِ ) في بداية الآية تدل على أنّهم قد طلبوا طرد أولئك ، لا التناوب معهم ، والبون شاسع بين طلب الطرد وطلب التناوب ، وهذا يدل على أنّ سبب نزول الآية هو ما أوردناه أوّلا.

* * *

٢٩٨

مكافحة التّفكير الطّبقي :

في هذه الآية إشارة إلى واحد من احتجاجات المشركين ، وهو أنّهم كانوا يريدون من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرّ ببعض الامتيازات لطبقة الأغنياء ويفضلهم على طبقة الفقراء ، إذ كانوا يرون في جلوسهم مع الفقراء من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منقصة لهم أي منقصة! مع أنّ الإسلام كان قد جاء للقضاء على مثل هذه الامتيازات الزائفة الجوفاء ، كانوا يصرون على هذا الطلب في طرد أولئك عنه ، غير أنّ القرآن ردّ هذا الطلب مستندا إلى أدلة حية ، فيقول :( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) (1) .

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن لم يشر إلى هؤلاء الأشخاص إشارة خاصّة ، بل اكتفى بصفتهم البارزة وهي أنّهم يذكرون الله صباح مساء ، أي دائما ، وانّ ذكرهم الله هذا ليس فيه رياء ، بل هو لذات الله وحده ، فهم يريدونه وحده ويبحثون عنه ، وليس ثمّة امتياز اسمى من هذا.

يتبيّن من آيات قرآنية مختلفة أنّ هذا لم يكن أوّل طلب من نوعه يتقدم به هؤلاء المشركون الأغنياء المتكبرون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لقد تكرر اعتراضهم على النّبي بشأن اجتماع الفقراء حوله ، ومطالبتهم إياه بطردهم.

في الحقيقة كان هؤلاء يستندون في طلبهم ذاك إلى سنة قديمة خاطئة تقيم المرء على أساس ثروته ، وكانوا يعتقدون أنّ المعايير الطبقية القائمة على أساس الثروة يجب أن تبقى محفوظة ، ويرفضون كل دعوة تستهدف إلغاء هذه القيم والمعايير.

في سيرة النّبي نوحعليه‌السلام نرى أنّ أشراف زمانه كانوا يقولون له :( وَما نَراكَ

__________________

(1) معنى «الوجه» في اللغة معروف ، ولكن الكلمة قد تعني «الذات» كما في هذه الآية ، وهناك شرح أوفى لذلك في المجلد الثاني من هذا التفسير.

٢٩٩

اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ) (1) واعتبروا ذلك دليلا على بطلان رسالته.

إنّ واحدا من دلائل عظمة الإسلام والقرآن ، وعظمة مدرسة الأنبياء عموما ، هو أنّها وقفت ثابتة لا تتزحزح في وجه أمثال هذه الطلبات ، وراحت تحطم هذه الامتيازات الموهومة في كل المجتمعات التي تعتبر التمايز الطبقي مسألة ثابتة ، لتعلن أنّ الفقر ليس نقصا في أشخاص مثل سلمان وأبي ذر والخباب وبلال ، كما أنّ الثروة ليست امتيازا اجتماعيا ، أو معنويا لهؤلاء الأثرياء الفارغين المتحجرين المتكبرين.

ثمّ تقول الآية : إنّه ليس ثمّة ما يدعو إلى إبعاد هؤلاء المؤمنين عنك ، لأنّ حسابهم ليس عليك ، ولا حسابك عليهم :( ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ولكنّك مع ذلك إذا فعلت تكون ظالما :( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .

يختلف المفسّرون في توضيح المقصود من «الحساب» هنا.

منهم من يقول : إنّ المقصود هو حساب رزقهم ، أي أنّهم وإن كانوا فقراء فإنّهم لا يثقلون عليك بشيء ، لأنّ حساب رزقهم على الله ، كما أنّك أنت أيضا لا تحملهم ثقل معيشتك ، إذ ليس من حساب رزقك عليهم من شيء.

غير أنّ هذا الاحتمال يبدو بعيدا ، لأن الظاهر أن القصد من الحساب هو حساب الأعمال ، كما يقول كثير من المفسّرين ، أمّا لماذا يقول الله أن حساب أعمالهم ليس عليك ، مع أنّهم لم يبدر منهم أي عمل سيء يستوجب هذا القول؟ فالجواب : إنّ المشركين كانوا يتهمون أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفقراء بالابتعاد عن الله بسبب فقرهم ، زاعمين أنّهم لو كانت أعمالهم مقبولة عند الله لزمه الترفية والتوسعة عليهم في معيشتهم ، بل كانوا يتهمونهم بأنّهم لم يؤمنوا إلّا لضمان

__________________

(1) هود ، 27.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591