أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439053 / تحميل: 6656
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

محمد؟ فقال كعب : اعرضوا عليَّ دينكم ، فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكَوْمَاء ، ونسقيهم الماء ، ونَقْرِي الضيف ، ونفك العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ، وديننا القديم ، ودين محمد الحديث. فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) يعني كعباً وأصحابه. الآية.

[١٥١]

قوله تعالى :( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ) الآية. [٥٢].

٣٢٢ ـ أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري ، قال : أخبرنا سفيان بن محمد ، قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رَوْح ، قال : حدَّثنا سعيد ، عن قتادة ، قال :

نزلت هذه الآية في كعب بن الأشْرَف وحُيَيِّ بن أخْطَب ـ رجلين من اليهود من بين النَّضِير ـ لقيا قريشاً بالموسم فقال لهما المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ، فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم؟ فقالا : بل أنتم أهدى من محمد ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه ، فأنزل الله تعالى :( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن محمداً يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا ، فقالا : صدق ، والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده.

[١٥٢]

قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) . [٥٨].

٣٢٣ ـ نزلت في عثمان بن طَلْحَةَ الحَجَبِيّ ، من بني عبد الدار ، كان سَادِن

__________________

[٣٢٢] مرسل.

[٣٢٣] قال الحافظ في الإصابة (٢ / ٤٦٠) : وقع في تفسير الثعلبي بغير سند في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) .

١٦١

الكعبة ، فلما دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح ، فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح ، فقيل إنه مع عثمان ، فطلب منه فأبى وقال : لو علمت أنه رسول الله لما منعته المفتاح ، فلوى عليّ بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب ، فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم البيت وصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسِّدَانة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ، ففعل ذلك عليّ ، فقال له عثمان : يا علي أَكْرهْتَ وآذيت ثم جئت ترفق! فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك ، وقرأ عليه هذه الآية فقال عثمان : أشهد أن محمداً رسول الله ، وأسلم ، فجاء جبريلعليه‌السلام وقال : ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان. وهو اليوم في أيديهم.

٣٢٤ ـ أخبرنا أبو حسان المُزَكّي ، قال : أخبرنا هارون بن محمد الأسْتَرآبَاذِي ، قال : حدَّثنا أبو محمد الخُزاعي ، قال : حدَّثنا أبو الوليد الأزْرَقي ، قال : حدَّثنا جدي ، عن سفيان ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قول الله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) قال :

نزلت في [عثمان] بن طَلْحَة ، قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح ، وقال : خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله ، لا ينزعها منكم إلا ظالم.

٣٢٥ ـ أخبرنا أبو نصر المِهْرَجَاني ، قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد ،

__________________

إن عثمان المذكور أسلم يوم الفتح بعد أن دفع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتاح البيت.

وهذا منكر فالمعروف أنه أسلم وهاجر مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد.

قلت : قال ابن عبد البر في الاستيعاب (٣ / ٩٢) : أنه أسلم في هدنة الحديبية.

[٣٢٤] مرسل.

[٣٢٥] إسناده ضعيف : مصعب بن شيبة : قال الحافظ في التقريب : لين الحديث [تقريب ٢ / ٢٥١] ، وقال المزي في تهذيب الكمال ٣ / ١٣٣٣ : قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : روى أحاديث مناكير ، وقال إسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين : ثقة ، وقال أبو حاتم : لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث وقال في موضع آخر : في حديثه شيء أ. ه.

١٦٢

قال : أخبرنا أبو القاسم المُقْرِي ، قال : حدَّثني أحمد بن زهير ، قال : أخبرنا مُصْعَب ، قال : حدَّثنا شَيْبَةُ بن عثمان بن أبي طَلْحَةَ ، قال :

دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح إليَّ وإلى عثمان ، وقال : خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تَالِدَة ، لا يأخذها منكم إلا ظالم. فبنو أبي طلحة ـ الذين يَلُونَ سِدَانَةَ الكعبة ـ من بني عبد الدَّار.

[١٥٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) الآية. [٥٩].

٣٢٦ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العَدْل ، قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ ، قال : أخبرنا أبو حامد بن الشَّرقي ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا حَجَّاج بن محمد ، عن ابن جُرَيْج ، قال : أخبرني يَعْلَى بن مُسْلِم ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قال :

نزلت في عبد الله بن حُذَافة بن قَيْس بن عَدِي ، بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سَرِيَّة. رواه البخاري عن صدقة بن الفضل ، ورواه مسلم عن زهير بن حرب ، كلاهما عن حجاج.

٣٢٧ ـ وقال ابن عباس في رواية بَاذَان : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن

__________________

قلت : له ترجمة في الميزان وذكر الذهبي له حديثاً عند أبي داود وقال أبو داود : مصعب ضعيف

[٣٢٦] صحيح : أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٨٤).

وأخرجه مسلم في الإمارة (٣١ / ١٨٣٤) ص ١٤٦٥.

وأبو داود في الجهاد (٢٦٢٤) والترمذي في الجهاد (١٦٧٢).

والنسائي في التفسير (١٢٩).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٦٥١) للنسائي في البيعة.

والنسائي في السير في الكبرى.

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٣٧) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٩٤) وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٠).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٧٦) للبيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم وابن المنذر.

[٣٢٧] بإذن هو أبو صالح قال ابن حبان لم يسمع من ابن عباس.

١٦٣

الوليد في سَرِيّة ، إلى حيّ من أحياء العرب ، وكان معه عمَّار بن يَاسِر ، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عَرَّسَ لكي يُصَبِّحَهُم ، فأتاهم النذير فهربوا غير رجل قد كان أسلم ، فأمر أهله أن يتأَهَبُوا للمسير ، ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ، ودخل على عمّار فقال : يا أبا اليَقْظَان! إِني منكم ، وإنّ قومي لمّا سمعوا بكم هربوا ، وأقمت لإسلامي ، أفَنَافِعِي ذلك ، أم أهرب كما هرب قومي؟ فقال : أقم فإن ذلك نافعك. وانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام ، وأصبح خالد فأغار على القوم ، فلم يجد غير ذلك الرجل ، فأخذه وأخذ ماله ، فأتاه عمّار فقال : خل سبيل الرجل فإِنه مسلم ، وقد كنت أَمَّنته وأمرته بالمُقام. فقال خالد : أنت تجِيرُ عليّ وأنا الأمير؟ فقال : نعم ، أنا أجير عليك وأنت الأمير. فكان في ذلك بينهما كلام ، فانصرفوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبروه خبرَ الرجل ، فأمَّنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجاز أمان عمّار ، ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه.

قال : واسْتَبَّ عمّار وخالد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأغلظ عمّار لخالد ، فغضب خالد وقال : يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني؟ فو الله لو لا أنت ما شتمني ـ وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة ـ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا خالد ، كفّ عن عمار فإنه من يسب عماراً يسبّه الله ، ومن يبغض عماراً يبغضه الله». فقام عمار ، فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه ، فرضي عنه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمر بطاعة أولي الأمر.

[١٥٤]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) الآية [٦٠].

٣٢٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد العدل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حَمْدان ،

__________________

[٣٢٨] إسناده صحيح.

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٧٨) للطبراني وابن أبي حاتم بسند صحيح. وقال الحافظ في الإصابة (٤ / ١٩) : وعند الطبراني بسند جيد عن ابن عباس فذكره.

١٦٤

قال : أخبرنا الحسن بن سفيان ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا صَفْوَان بن عمرو ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس ، قال :

كان أبو بُرْدَةَ الأَسْلَمِي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أناس من أسْلَمَ ، فأنزل الله تعالى( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) إِلى قَوْلِهِ( وَتَوْفِيقاً ) .

٣٢٩ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا أبو صالح شُعَيب بن محمد ، قال : حدَّثنا أبو حاتم التَّميمي ، قال : حدَّثنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رُوَيْمٌ ، قال : حدَّثنا سعيد عن قتادة قال :

ذكِرَ لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود ـ في مُدارَأة كانت بينهما في حق تَدَارَآ فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله وقد علم أنه لن يَجُورَ عليه ، وجعل الأنصاري يأبى عليه ، وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن. فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ـ فقال :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) إلى قوله( يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) .

٣٣٠ ـ أخبرني محمد بن عبد العزيز المَرْوزِيّ في كتابه ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا إسحاق الحنْظَليّ ، قال : أخبرنا المُؤَمِّل ، قال : حدَّثنا يزيد بن زُرَيْع ، عن دَاود ، عن الشَّعبي ، قال :

كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرّشوة في أحكامهم. فلما اختلفا اجتمعا على

__________________

[٣٢٩] مرسل. وعزاه في الدر (٢ / ١٧٩) لعبد بن حميد وابن جرير.

[٣٣٠] مرسل. وعزاه في الدر (٢ / ١٧٨) لابن جرير وابن المنذر.

١٦٥

أن يُحكَّما كاهنا في جُهَيْنَة ، فأنزل الله تعالى في ذلك :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) يعني المنافق( وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) يعني اليهودي :( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) إلى قوله :( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

٣٣١ ـ وقال الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف ـ وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت ـ فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاختصامه إليه ، فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لليهودي. فلما خرجا من عنده لَزِمَهُ المنافق وقال : ننطلق إلى عمر بن الخطاب. فأقبلا إلى عمر ، فقال اليهودي : اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلق بي فجئت معه ، فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، فقال لهما : رُوَيْداً حتى أخرج إليكما. فدخل عمر [البيت] وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى بَرَدَ ، وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله. وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية. وقال جبريلعليه‌السلام : إن عمر فَرَقَ بين الحق والباطل. فسمي الفارُوق.

٣٣٢ ـ وقال السُّدِّي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنَّضِير في الجاهلية إذا قَتل رجلٌ من بني قريظة رجلاً من بني النَّضِيرِ قُتِلَ به وأخذ ديته مائة وَسقٍ من تمر ، وإذا قتل رجلٌ من بني النَّضير رجلاً من قُرَيْظَةَ لم يقتل به ، وأعطى ديته ستين وَسقاً من تمر. وكانت النّضِير حلفاء الأَوْس. وكانوا أكبر وأشرف من قُرَيْظَة ، وهم حلفاء الخزْرَج ، فقتل رجلٌ من النضير رجلاً من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم [كنا] اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أنّ ديتكم ستون وَسْقاً ـ والوسق : ستون صاعاً ـ وديتنا مائة وَسْق ، فنحن نعطيكم ذلك. فقالت الخزرج : هذا شيء

__________________

[٣٣١] إسناده ضعيف لضعف الكلبي.

[٣٣٢] مرسل ، الدر (٢ / ١٧٩) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

١٦٦

كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كَثُرْتُم وقَلَلنَا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إِخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل. فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بُرْدَة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بُرْدَةَ ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللّقمة ـ يعني الرشوة ـ فقالوا : لك عشرة أوْسُق ، قال : لا بل مائة وسق ديتي ، فإني أخاف إِن نَفَّرْت النَضِيري قتلتني قُرَيْظَةُ ، وإن نَفَّرت القُرَيْظِي قتلني النّضِير. فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق ، وأبى أن يحكم بينهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كاهن أسْلم إلى الإسلام ، فأبى فانصرف ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنيه : أدركا أباكما فإنه إنْ جَاوَزَ عَقَبةَ كذا لم يسلم أبداً ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منادياً فنادى : أَلا إنَّ كاهِنَ أسْلَم قد أسْلَم.

[١٥٥]

قوله تعالى :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [٦٥].

نزلت في الزُّبَير بن العَوَّام وخصمه حاطِب بن أبي بَلْتَعَة ، وقيل : هو ثعلبة بن حاطب.

٣٣٣ ـ أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثنِي أبي ، قال : حدَّثنا أبو اليمان ، قال : حدَّثنا شُعيَب عن الزُّهْري ، قال : أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبير ، عن أبيه :

__________________

[٣٣٣] أخرجه البخاري في المساقاة (٢٣٦١) وفي التفسير (٤٥٨٥) من طريق معمر عن الزهري به.

وأخرجه في المساقاة (٢٣٦٢) من طريق ابن جريج عن ابن شهاب به.

وأخرجه في الصلح (٢٧٠٨) وأحمد (١ / ١٦٥) من طريق شعيب عن الزهري به وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ٣٦٤) والبيهقي في السنن (٦ / ١٥٣).

وأخرجه ابن جرير (٥ / ١٠٠) ، والنسائي في المجتبى (٨ / ٢٣٨).

وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٤١ ـ ٤٢) من طريق الزهري عن عروة به.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٨٠) لعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن المنذر.

١٦٧

أنه كان يحدث : أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً ، إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في شِرَاج الحَرَّة كانا يسقيان بها كِلَاهُما ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزُّبْير : اسْقِ ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أَنْ كان ابنَ عَمّتك! فتلوَّن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال للزّبير : «اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى المُجدُرِ» فاستوفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير حقّه. وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعةً للأنصاري وله ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم.

قال عروة : قال الزبير : والله ما أحْسِبُ هذه الآية أنزلت إلا في ذلك :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن مَعْمَرٍ ، ورواه مسلم عن قتيبة عن الليث ، كلاهما عن الزُّهري.

٣٣٤ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ ، قال : حدَّثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني ، قال : حدَّثنا أحمد بن حماد [بن] زُغْبَة ، قال : حدَّثنا حامد بن يحيى بن هانئ البَلْخِي ، قال : حدَّثنا سفيان ، قال : حدَّثني عمرو بن دينار عن أبي سَلَمة ، عن أم سَلَمة :

أن الزبير بن العوام خاصم رجلاً فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير ، فقال الرجل : إنما قضى له أنه ابن عمته. فأنزل الله تعالى :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ) الآية.

[١٥٦]

قوله تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية. [٦٩].

٣٣٤ م ـ قال الكلبي : نزلت في ثَوْبَانَ مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان شديد

__________________

[٣٣٤] أخرجه الحميدي (٣٠٠) والطبراني في الكبير (٢٣ / ٢٩٤) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار حدثني سلمة رجل من ولد أم سلمة به.

وعزاه في الدر (٢ / ١٨٠) للحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني ـ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٦)

[٣٣٤] م بدون إسناد.

١٦٨

الحب له ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه ، يعرف في وجهه الحزن ، فقال له [رسول الله] : يا ثَوبَانُ ، ما غيَّر لونك؟ فقال : يا رسول الله ما بي من ضر ولا وجع ، غير أني إذا لم أَرَكَ اشتقت إليك ، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك ، لأني أعرف أنك تُرْفَعُ مع النبيّين ، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحْرَى أن لا أراك أبداً. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٥ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر ، أخبرنا إبراهيم النَّصْرَابَاذِي ، قال : أخبرنا عبد الله بن عمر بن علي الجَوْهَرِيّ ، قال : حدَّثنا عبد الله بن محمود السَّعْدِي ، قال : حدَّثنا موسى بن يحيى ، قال : حدَّثنا عَبيدَةُ ، عن منصور عن مُسلم بن صُبَيْح عن مسروق ، قال

قال أصحاب رسول الله : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ، فإنك إذا فارقتنا رُفِعْتَ فوقنا. فأنزل الله تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ) .

٣٣٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أخبرنا شعيب ، قال : أخبرنا مَكِّي ، قال : أخبرنا أبو الأزهر ، قال : حدَّثنا رَوْح عن سعيد ، [عن شعبة] عن قتادة قال :

ذكر لنا أن رجالاً قالوا : يا نبي الله نراك في الدنيا ، فأما في الآخرة فإنك ترفع عنا بفضلك فلا نراك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٧ ـ أخبرني أبو نعيم الحافظ فيما أذن لي في روايته ، قال : أخبرنا

__________________

[٣٣٥] مرسل ، ابن جرير (٥ / ١٠٤) ، لباب ص ٨٣.

الدر (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وعبد بن حميد.

[٣٣٦] مرسل ، ابن جرير (٥ / ١٠٤) الدر (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

[٣٣٧] عزاه في الدر (٢ / ١٨٢) للطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٢).

وهو عند الطبراني في الصغير (٥٢) وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٧) وقال : رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة.

١٦٩

سليمان بن أحمد اللَّخْمِي ، قال : حدَّثنا أحمد بن عمرو الخَلال ، قال : حدَّثنا عبد الله بن عمْران العابدي ، قال : حدَّثنا فُضَيل بن عِياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت :

جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي وأهلي وولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إِذا دخلتَ الجنة رُفِعتَ مع النبيين ، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئاً ، حتى نزل جبريلعليه‌السلام بهذه الآية :( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ) الآية.

[١٥٧]

قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الآية. [٧٧].

٣٣٨ ـ قال الكلبي : نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم :

عبد الرحمن بن عَوْف ، والمِقْدادُ بن الأسْوَد ، وقُدَامَة بن مَظعُون وسعد بن أبي وقَّاص. كانوا يلقون من المشركين أذىً كثيراً ، ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء ، فيقول لهم : كفوا أيديكم عنهم ، فإني لم أومر بقتالهم. فلما هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين ـ كرهه بعضهم وشق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٣٣٩ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان ، قال : حدَّثنا محمد بن علي ، قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا الحسين بن وَاقِد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :

__________________

[٣٣٨] بدون إسناده ، والكلبي ضعيف.

[٣٣٩] صحيح : أخرجه النسائي في الجهاد (٦ / ٣) وفي التفسير (١٣٢) والحاكم في المستدرك (٢ / ٦٦) وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في السنن (٩ / ١١) وابن جرير (٥ / ١٠٨).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٣).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٨٤) لأبي أبي حاتم.

١٧٠

أن عبد الرحمن [بن عوف] وأصحاباً له أتوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة! فقال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم. فلما حوّله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ، فأنزل الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) .

[١٥٨]

قوله تعالى :( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ ) [٧٨].

٣٤٠ ـ قال ابن عباس في رواية أبي صالح : لما استشهد الله من المسلمين مَنِ استشهد يوم أحد ، قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد : لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[١٥٩]

قوله تعالى :( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) الآية. [٨٨].

٣٤١ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : حدَّثنا أبو عمرو إسماعيل بن نَجِيد ، قال : حدَّثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، قال : حدَّثنا عمرو بن مَرْزُوق ، قال : حدَّثنا شُعْبَة ، عن عَدِيّ بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد بن ثابت :

أن قوماً خرجوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أُحد ، فرجعوا. فاختلف فيهم

__________________

[٣٤٠] أبو صالح لم يسمع من ابن عباس.

[٣٤١] أخرجه البخاري في الحج (١٨٨٤) وفي المغازي (٤٠٥٠) وفي التفسير (٤٥٨٩).

وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين (٦ / ٢٧٧٦) ص ٢١٤٢ والترمذي في التفسير (٣٠٢٨) وقال : حسن صحيح.

والنسائي في التفسير (١٣٣).

وأحمد في مسنده (٥ / ١٨٤ ، ١٨٧ ، ١٨٨).

وابن جرير في تفسيره (٥ / ١٢١) وأخرجه عبد بن حميد (٢٤٢ منتخب) وذكره السيوطي في اللباب ص ٨٤.

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٩٠) لأبي داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل.

١٧١

المسلمون : فقالت فرقة : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم. فنزلت هذه الآية.

رواه البخاري عَنْ بُنْدار ، عن غُنْدَر.

ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ ، عن أبيه ، كلاهما عن شُعْبة.

٣٤٢ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدَان العدل ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا الأسود بن عامر ، قال : حدَّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه :

أن قوماً من العرب أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلموا ، وأصابوا وباء المدينة وحُمَّاها فأُرْكِسوا ، فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : ما لكم رجعتم؟ فقالوا : أصابنا وباء المدينة فاجْتَوَيْنَاهَا فقالوا : ما لكم في رسول الله أسوة [حسنة؟] فقال بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : لم ينافقوا هم مسلمون ، فأنزل الله تعالى :( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ) الآية.

٣٤٢ م ـ وقال مجاهد في هذه الآية : هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ، ثم ارتدوا بعد ذلك ، فاستأذنوا النبيعليه‌السلام [أن يخرُجُوا] إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها ، فاختلف فيهم المؤمنون : فقائل يقول : هم منافقون ، وقائل يقول : هم مؤمنون. فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية ، وأمر بقتلهم في قوله :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فجاءوا ببضائعهم يريدون هِلالَ بن عُوَيمر الأَسْلَمي وبَيْنَه وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حلف ، وهو الذي حَصِرَ صَدْرُه أن يقاتل المؤمنين ، فرفع عنهم القتل بقوله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ ) الآية.

__________________

[٣٤٢] إسناده ضعيف : أبو سلمة لم يسمع من أبيه ، وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ، مجمع الزوائد (٧ / ٧) وقال : رواه أحمد وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وأبو سلمة لم يسمع من أبيه أ. ه. والحديث عند أحمد (١ / ١٩٢).

وعزاه السيوطي في الدر (٢ / ١٩٠) لأحمد بسند فيه انقطاع.

[٣٤٢] م مرسل ، عزاه في الدر (٢ / ١٩٠) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٧٢

[١٦٠]

قوله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية [٩٢].

٣٤٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، قال : حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله [قال : حدَّثنا] ابن حَجَّاج ، قال : حدَّثنا حماد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه :

أن الحارث بن يزيد كان شديداً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء وهو يريد الإسلام ، فلقيه عَيَّاش بن أبي ربيعة ، والحارث يريد الإسلام ، وعياش لا يشعر ، فقتله. فأنزل الله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية.

وشرح الكلبي هذه القصة فقال : إن عياش بن أبي رَبيعة المَخْزُوميّ أسلم وخاف أن يظهر إسلامه ، فخرج هارباً إِلى المدينة فَقَدمهَا ، ثم أتى أُطُماً من آطامِهَا فتحصَّن فيه. فجزعت أمه جزعاً شديداً ، وقالت لابنيها أبي جهل والحارث بن هشام ـ وهما [أخواه] لأمه ـ : والله لا يظلني سقف بيت ، ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتوني به ، فخرجا في طلبه وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أنيسة ، حتى أتوا المدينة ، فأتوا عَيَّاشاً وهو في الأُطُم ، فقالا له : انزل فإِن أمّك لم يؤوها سقف بيت بعدك ، وقد حلفت لا تأكل طعاماً ولا شراباً حتى ترجع إليها ، ولك الله علينا أن لا نكرهك على شيء ، ولا نحول بينك وبين دينك. فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نزل إليهم ، فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بِنِسْع ، وجلَدَه كل واحد منهم مائة جلدة ، ثم قدموا به على أمه فقالت : والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ، ثم تركوه موثقاً في الشمس وأعطاهم بعض الذي أرادوا ، فأتاه الحارث بن يزيد وقال : [يا] عياش ، والله لئن كان الذي كنت عليه هُدىً لقد تركت الهدى ، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها. فغضب عياش من مقالته ، وقال : والله لا ألقاك خالياً إلا قتلتك. ثم إن عياشاً أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة. ثم

__________________

[٣٤٣] مرسل. وأخرجه البيهقي في السنن (٨ / ٧٢) وقال : وقد رويناه من حديث جابر موصولاً ، وعزاه في الدر (٢ / ١٩٣) للبيهقي في السنن وابن المنذر.

وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٢٩٥) في ترجمة الحارث بن يزيد.

١٧٣

إن الحارث بن يزيد أسلم وهاجر [بعد ذلك إلى رسول الله بالمدينة] وليس عياش يومئذ حاضراً ، ولم يشعر بإسلامه. فبينا هو يسير بظهر قَباء إِذ لقي الحارث بن يزيد ، فلما رآه حمل عليه فقتله ، فقال الناس : أي شيء صنعت ، إنه قد أسلم. فرجع عياش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت ، وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته. فنزل عليه جبريلعليه‌السلام بقوله تعالى :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) .

[١٦١]

قوله تعالى :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) الآية. [٩٣].

٣٤٤ ـ قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إن مَقِيس بن صُبَابَة وجد أخاه هشام بن صُبَابة قتيلاً في بني النّجار ، وكان مسلماً ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر له ذلك ، فأرسل رسول اللهعليه‌السلام معه رسولاً من بني فِهْر فقال له : ائت بني النجار ، فأقرئهم السلام وقل لهم : «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن صُبَابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتصّ منه ، وإن لم تعلموا له قاتلاً أن تدفعوا إليه ديته». فأبلغهم الفِهْرِي ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلاً ، ولكن نؤدي إليه ديته. فأعطوه مائة من الإبل. ثم انصرفا راجعين نحو المدينة ، وبينهما وبين المدينة قريب ، فأتى الشيطان مَقِيساً فوسوس إليه فقال : أيّ شيء صنعت؟ تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة؟ اقتل الذي معك فيكونَ نفس مكان نفس وفَضْلُ الدية! ففعل مَقِيس ذلك ، فرمى الفِهْرِيّ بصخرة فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيراً منها وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً ، وجعل يقول في شعره :

قَتَلْتُ بِهِ فهْراً وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ

سَرَاةَ بَنِي النَّجَارِ أَرْبَابِ فَارعِ

وأدْرَكْتُ ثأْرِي واضطَجَعْتُ مُوَسَّداً

وكُنْتُ إلى الأوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعِ

فنزلت هذه الآية :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ) الآية. ثم أهدر النبيعليه‌السلام دمه يوم فتح مكة ، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه.)

__________________

[٣٤٤] إسناده ضعيف لضعف الكلبي ، انظر الإصابة (٣ / ٦٠٣)

١٧٤

[١٦٢]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) . [٩٤].

٣٤٥ ـ أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار ، قال : حدَّثنا محمد بن عَبَّاد ، قال : حدَّثنا سفيان ، عن عَمْرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال :

لحق المسلمون رجلاً في غُنَيْمَةٍ له ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمَتَهُ. فنزلت هذه الآية :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [أي] تلك الغنيمة. رواه البخاري عن علي بن عبد الله ، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن سفيان.

٣٤٦ ـ وأخبرنا إسماعيل ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، قال : حدَّثنا محمد بن الحسن بن الخليل ، قال : حدَّثنا أبو كريب ، قال : حدَّثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عَكْرَمَة ، عن ابن عباس ، قال :

مرّ رجل من سُلَيم على نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه غنم [له]

__________________

[٣٤٥] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩١) ومسلم في التفسير (٢٢ / ٣٠٢٥) ص ٢٣١٩ ، وأبو داود في الحروف (٣٩٧٤).

والنسائي في التفسير (١٣٦).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٥٩٤٠) للنسائي في السير في الكبرى.

وأخرجه ابن جرير (٥ / ١٤١).

وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٩٤).

وزاد نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

[٣٤٦] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٣٠) وقال : هذا حديث حسن والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٣٥) وصححه ووافقه الذهبي.

وأحمد في مسنده (١ / ٢٢٩ ، ٢٧٢ ، ٣٢٤).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لابن أبي شيبة والطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير لباب النقول (ص ٨٦)

١٧٥

فسلم عليهم ، فقالوا : ما سلم عليكم إِلا لِيَتَعَوَّذَ منكم ، فقاموا إِليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه ، وأتوا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) .

٣٤٧ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا وكيع عن سفيان ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَة ، عن سَعيد بن جُبَيْر ، قال :

خرج المِقْدَادُ بن الأَسْوَد في سَرِيَّة ، فمروا برجل في غُنَيْمةٍ له فأرادوا قتله ، فقال : لا إِله إِلَّا الله ، فقتله المقداد ، فقيل له : أقتلته وقد قال : لا إِله إِلا الله؟ ودَّ لو فرَّب بأهله وماله. فلما قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكروا ذلك له ، فنزلت :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) .

٣٤٨ ـ وقال الحسن : إن أصحاب النبيعليه‌السلام خرجوا يطوفون فلقوا المشركين فهزموهم ، فشد منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعه ، فلما غشيه بالسّنان قال : إني مسلم ، إني مسلم. فكذبه ثم أوْجَرَهُ بالسنان فقتله وأخذ متاعه وكان قليلاً ، فرفع ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : قتلته بعد ما زعم أنه مسلم؟ فقال : يا رسول الله ، إنما قالها مُتَعَوِّذاً. قال : فهلا شققت عن قلبه! [قال : لم يا رسول الله؟ قال] : لتنظر أصادق هو أم كاذب؟ قال : وكنت أعلم ذلك يا رسول الله؟ قال : ويك إنك [إِن] لم تكن تعلم ذلك ، إنما كان يبين [عنه] لسانه. قال : فما لبث القاتل أن مات فدفن ، فأصبح وقد وضع إِلى جنب قبره. قال : ثم عادوا فحفروا له وأمكنوا ودفنوه ، فأصبح وقد وضع إِلى جنب قبره مرتين أو ثلاثاً. فلما رأوا أن الأرض لا تقبله أَلْقُوه في بعض تلك الشعاب. قال : وأنزل الله تعالى هذه الآية.

قال الحسن : إن الأرض تُجِنُّ من هو شر منه ، ولكن وُعِظَ القومُ أَن لا يعودوا.)

__________________

[٣٤٧] مرسل ، أخرجه ابن جرير (٥ / ١٤٢) وزاد نسبته في الدر (٢ / ٢٠١) لابن أبي شيبة.

[٣٤٨] مرسل ، وعزاه في الدر (٢ / ٢٠١) لابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

١٧٦

٣٤٩ ـ أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المُزَكّي ، قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بَطَّة ، قال : أخبرنا أبو القاسم البَغَوِيّ ، قال : حدَّثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عن القَعْقَاع بن عبد الله بن أبي حَدْرَد ، عن أبيه ، قال :

بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سَرِيَّة إِلى إضَم ، قبل مخرجه إلى مكة ، قال : فمر بنا عامر الأَضْبط الأَشجَعِي ، فحيانا تحية الإسلام فنزعنا عنه ، وحمل عليه محلَّم بن جَثَّامة ، لشر كان بينه وبينه في الجاهلية ، فقتله واستلب بعيراً له ووطاء ومُتَيِّعاً كان له. قال : فأنهينا شأننا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرناه بخبره ، فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) إلى آخر الآية).

٣٥٠ ـ وقال السدي : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أسامَةَ بن زيد على سرية ، فلقي مِرْدَاس بن نهيك الضَّمْرِي فقتله ، وكان من أهل «فَدَكَ» ولم يسلم من قومه غيره ، وكان يقول : لا إِله إلا الله محمد رسول الله ، ويسلِّم عليهم. قال أسامة : فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبرته فقال : قتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما تَعَوَّذَ من القتل. فقال : كيف أنت إذا خاصَمَكَ يوم القيامة بلا إله إلا الله ، قال : فما زال يرددها عليّ : أقتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله؟ حتى تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ ، فنزلت :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) الآية. ونحو هذا قال الكلبي وقتادة).

[و] يدل على صحته الحديث الذي.

٣٥١ ـ أخبرناه أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، قال : أخبرنا محمد بن

__________________

[٣٤٩] في إسناده محمد بن إسحاق : وهو ثقة مدلس ، ولكنه صرح بالتحديث في مسند أحمد.

والحديث : أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ١١) وابن جرير (٥ / ١٤٠) والبيهقي في الدلائل (٤ / ٣٠٥).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ١٩٩) لابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الدلائل ، وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٧)

[٣٥٠] مرسل.

[٣٥١] أخرجه البخاري في المغازي (٤٢٦٩) وفي الديات (٦٨٧٢)

١٧٧

عيسى بن عمرويه ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن سفيان ، قال : حدَّثنا مسلم قال : حدَّثني يعقوب الدَّوْرَقي ، قال : حدَّثنا هشيم ، قال : أخبرنا [ابن] حصين ، قال : حدَّثنا أبو ظبيان ، قال : سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث ، قال :

بعثنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحرقة من جُهَيْنَةَ ، فصبحنا القوم فهزمناهم. قال : فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله. قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته ، فلما قدمنا بلغ ذلك النبيعليه‌السلام فقال : يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله؟ قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذاً. قال : أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله؟ قال : فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

[١٦٣]

قوله تعالى :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الآية. [٩٥].

٣٥٢ ـ أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد العدل ، قال : أخبرنا جدي ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق السّراج ، قال : حدَّثنا محمد بن حميد الرّازي ، قال : حدَّثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزُّهْري ، عن سهل بن سعد ، عن مروان بن الحكم ، عن زيد بن ثابت ، قال :

__________________

وأخرجه مسلم في الإيمان (١٥٨ ، ١٥٩ / ٩٦) ص ٩٦ ـ ٩٧ وأبو داود في الجهاد (٢٦٤٣).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (٨٨) للنسائي في السير في الكبرى.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن أبي شيبة.

[٣٥٢] إسناده ضعيف : محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعنه.

وله شاهد صحيح من طريق آخر :

أخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٣٢) وفي التفسير (٤٥٩٢) والترمذي في التفسير (٣٠٣٣) وقال : حسن صحيح.

والنسائي في الجهاد (٦ / ٩).

وأخرجه أحمد في مسنده (٥ / ١٨٤).

والبيهقي في السنن (٩ / ٢٣) وابن جرير (٥ / ١٤٥) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن سعد وعبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر وأبي نعيم في الدلائل. وذكره في لباب النقول ص ٨٨.

١٧٨

كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين نزلت عليه :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ولم يذكر أُولي الضرر ، فقال ابن أَم مكتوم ، كيف وأنا أَعمى لا أبصر؟ قال زيد : فتَغَشَّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مجلسه الوحي ، فاتكأ على فخذي ، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يَرُضَّها ، ثم سُرِّيّ عنه فقال : اكتب( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) فكتبتها.

رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن الزهري.

٣٥٣ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ، قال : حدَّثنا أبو خليفة ، قال : حدَّثنا أبو الوليد ، قال : حدَّثنا شعبة ، قال : أنبأنا أبو إسحاق : سمعت البَرَاء يقول :

لما نزلت هذه الآية :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم زيداً فجاء بِكَتِفٍ وكتبها ، فشكا ابن أم مَكْتُوم ضَرَارَتُه ، فنزلت :( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) . رواه البخاري عن أبي الوليد ، ورواه مسلم عن بُنْدَار عن غندر ، [كلاهما] عن شُعْبة.

٣٥٤ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النَّصْرَابَاذِي ، قال : أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، قال : أخبرنا محمد بن عبدوس ، قال : حدَّثنا علي بن الجعد ، قال : حدَّثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البَرَاء ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال :

ادع لي زيداً وقل له : يجيء بالكَتِفِ والدَّواة أو اللوح ، وقال : اكتب لي :

__________________

[٣٥٣] أخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٣١) وفي التفسير (٤٥٩٣) وأخرجه مسلم في الإمارة (١٤١ ، ١٤٢ / ١٨٩٨) ص ١٥٠٨ ، ١٥٠٩ وأخرجه البيهقي في السنن (٩ / ٢٣) وابن جرير (٥ / ١٤٤) وأحمد (٤ / ٢٨٢) وزاد السيوطي نسبته في الدر (٢ / ٢٠٢) لابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبغوي في معجمه. وذكره السيوطي في لباب النقول (ص ٨٨)

[٣٥٤] أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩٤) وفي فضائل القرآن (٤٩٩٠) وابن أبي شيبة في المصنف (٥ / ٣٤٣)

١٧٩

( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أحسبه قال :( وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) فقال ابن أُمّ مَكْتُوم : يا رسول الله يعينيّ ضرر ، قال : فنزلت قبل أن يَبْرَح( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) . رواه البخاري عن محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق.

[١٦٤]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) الآية [٩٧].

٣٥٥ ـ نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا ، وأظهروا الإيمان وأسرُّوا النفاق ، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقُتِلوا ، فضربت الملائكة وجوهَهم وأدبارهم ، وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه.

٣٥٦ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا أبو يحيى ، قال : حدَّثنا سهل بن عثمان ، قال : حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث بن سواد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وتلاها إلى آخرها ، قال :

كانوا قوماً من المسلمين بمكة ، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال ، فقتلوا معهم. فنزلت هذه الآية.

[١٦٥]

قوله تعالى :( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ) . [١٠٠].

٣٥٧ ـ قال ابن عباس في رواية عطاء : كان عبد الرحمن بن عوف بخبر أهل

__________________

[٣٥٥] بدون سند.

[٣٥٦] أشعث بن سوار ضعيف تقريب [١ / ٧٩] وله شاهد صحيح :

أخرجه البخاري في التفسير (٤٥٩٦) والنسائي في التفسير (١٣٩). وابن جرير (٥ / ١٤٨)

[٣٥٧] بدون إسناد وانظر الإصابة (١ / ٢٥١) ترجمة جندع بن ضمرة. وانظر مجمع الزوائد (٧ / ٩ ـ ١٠)

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

(مالكم تَكَأكَأتم عليَّ كما تَتَكَأكَأون على ذي جِنّة، افرنقعوا عنّي!).

فجعل الناس ينظرون إليه ويقول بعضهم لبعض: دعوه فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية! (1) .

قال: ومنه ما يحتاج إلى أن يُخرّج له وجه بعيد، نحو مُسرّج في قول العجّاج:

ومُقلةً وحاجباً مزجّجا

وفاحماً ومَرسِناً مُسرّجا (2)

لم يُعلم أنّه مأخوذ من السيف السريجي في الدقة والاستواء، أو من السراج في البريق واللمعان.

قال: والوحشي قسمان، غريب حسن وغريب قبيح، فالغريب الحسن هو الذي لا يُعاب استعماله على العرب؛ لأنّه لم يكن وحشياً عندهم، وذلك مثل شرنبث واشمخرّ واقمطرّ (3) وهي في النظم أحسن منه في النثر، ومنه غريب القرآن والحديث.

والغريب القبيح يُعاب استعماله مطلقاً (حتى على العرب) ويُسمّى الوحشيّ الغليظ، وهو أن يكون مع كونه غريب الاستعمال ثقيلاً على السمع كريهاً على الذوق، ويُسمّى المتوعّر أيضاً، وذلك مثل جحيش واطلخمّ الأمر وجفخت (4) وأمثال ذلك (5) .

____________________

(1) المطوّل طبعة اسلامبول: ص18، وراجع الفائق للزمخشري: ج2 ص241. نسب الجاحظ ذلك إلى أبي علقمة، حدّث به ذلك في بعض طرقات البصرة.

والمعنى: مالكم اجتمعتم عليّ كما تجتمعون على مجنون، تفرّقوا عنّي.

(2) المُقلة: حدقة العين، والمزجّج كمعظّم: المدقّق المرقّق، والفاحم: الشعر الأسود، والمَرسن كمجلس: موضع الرسن من أنف الناقة، شاع استعماله في مطلق أنف الإنسان.

(3) الشرنبث كغضنفر: الغليظ الكفّين والرجلين. واشمخرّ: طال. واقمطرّ: اشتدّ.

(4) والجحيش: المُنعزل عن الناس بمعنى الفريد، واطلخمّ الأمر:اشتبك واشتبه، مأخوذ من الطلخوم بمعنى الماء الآجن. وجفخت: تكبّرت.

(5) المطوّل: طبعة اسلامبول ص18.

٢٤١

والخلاصة: القرآن كما يترفع عن الاسترسال العامي المرتذل، كذلك يبتعد عن استعمال غرائب الألفاظ المتوعّرة بمعنى وحشيها غير مأنوسة الاستعمال ولا مألوفة في متعارف أهل اللسان المترفّعين.

قال الخطابي: ليست الغرابة ممّا اشترطت في حدود البلاغة، وإنّما يكثر وحشيّ الغريب في كلام الأوحاش من الناس والأجلاف من جفاة العرب، الذين يذهبون مذاهب (العنهجية) (1) ولا يعرفون تقطيع الكلام وتنزيله والتخيّر له، وليس ذلك معدوداً في النوع الأفضل من أنواعه، وإنّما المختار منه النمط الأقصد الذي جاء به القرآن، وهو الذي جمع البلاغة والفخامة إلى العذوبة والسهولة.

قال: وقد يُعدّ من ألفاظ الغريب في نعوت الطويل (2) نحو من ستين لفظة أكرها بشع شنع، كالعشنّق والعشنّط والعنطنط، والشوقب والشوذب والسلهب، والقوق والقاف، والطوط والطاط... فاصطلح أهل البلاغة على نبذها وترك استعمالها في مرسل الكلام، واستعملوا الطويل، وهذا يدلّك على أنّ البلاغة لا تعبأ بالغرابة ولا تعمل بها شيئاً (3) .

وبعد، فالذي جاء منه في القرآن الشيء الكثير، هو الغريب العذب والوحش السائغ، الذي أصبح بفضل استعماله ألوفاً، وصار من بعد اصطياده خلوباً. دون البعيد الركيك والمتوعّر النفور، الذي لم يأتِ منه في القرآن شيء، ممّا جاء في كلام أمثال ذاك النحوي المتكلّف عيسى بن عمر.

والسبب في ازدحام غرائب الألفاظ وعرائس الكلمات في القرآن؛ هو ارتفاع سبكه عن مستوى العامّة الهابط، واعتلاء أُسلوبه عن متناول الأجلاف المبتذل.

____________________

(1) العنهج لغة في العمهج بمعنى الإبل الضخم الطويل، والعنهجية: كناية عن سلوك طرائق وَعِرة بعيدة المدى، إما تعسفّاً أو تفنّناً لا لغرض معقول.

(2) أي كل ذلك ينعت به الطويل بمختلف أطواره، كالعشنّق يوصف به الطويل الذي ليس بضخم ولا مثقّل، والعشنّط: الشابّ الظريف الحسن الجسم، والشوذب: الطويل الحسن الخلق... وهكذا.

(3) بيان إعجاز القرآن: ص 37.

٢٤٢

القرآن اختصّ بإحاطته على عوالي الكلمات الفصحى، وغوالي العبارات العليا، لا إعواز في بيانه ولا عجز ولا قصور، الأمر الذي يُنبئك عن علم شامل بأوضاع اللغة وكرائم الألفاظ، دليلاً على أنّه من ربّ العالمين المحيط بكلّ شيء، هذا أوّلاً.

وثانياً: احتواؤه لِما في لغات القبائل من عرائس الغرائب، كانت معهودةً في أقطار اختصّت بوضعها، ومعروفة في أمصار توحّدت في استعمالها؛ ومِن ثَمّ كانت غريبةً في سائر البقاع والبلدان.

وقد استعمل القرآن كلّ هذه اللغات، فتعارفت القبائل بلغات بعضها من بعض، وبذلك توحّدت اللغة، وخلصت من التشتّت والافتراق، وهذا من فضل القرآن على اللغة العربية.

* * *

٢٤٣

2 - طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه

جاء القرآن بسبكٍ جديد وأُسلوبٍ فريد، كان غريباً على العرب، لا هو نثر كنثرهم، ولا شعر كشعرهم، ولا فيه شيء من هذر السجّاع، ولا تكلّفات الكهّان، وإن كان قد جمع بين مزايا أنواع الكلام، واشتمل على خصائص أنحاء البيان، فيه طلاقة النثر واسترساله البديع، وأناقة الشعر وسلاسته الرفيع، وجزالة السجع الرصين، وهذا عجيب!

قال الإمام كاشف الغطاء: تلك صورة نظمه العجيب وأُسلوبه الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم، وتدلّهت دونه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر... هكذا اعترف له أفذاذ العرب وفصحاؤهم الأوّلون (1) .

* * *

قال عظيم العرب وفريدها الوليد: يا عجباً لِما يقول ابن أبي كبشة، فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي جنون، وإنّ قوله لمن كلام الله (2) .

____________________

(1) الدين والإسلام: ج2 ص107.

(2) تفسير الطبري: ج29 ص98.

٢٤٤

وقال - ردّاً على مَن زعم أنّه من الشعر -: فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة منّي، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا.

ثُمّ قال: ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنّه ليعلو وما يُعلى... وفي رواية الإصابة زيادة: (وما هذا بقول بشر)، وفي نسخة الغزالي: (وما يقول هذا بشر) (1) .

ولمّا سمع عتبة بن ربيعة - وكان سيّداً في العرب - آياً من مفتتح سورة فصّلت، قرأها عليه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسلّم أتى معشر قريش، فسألوه، ما وراءك؟ قال: ورائي أنّي قد سمعت قولاً، والله ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة (2) .

وهكذا أنيس به جنادة، لمّا بعثه أبو ذر ليستخبر من حالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسلّم وكان من أشعر العرب، فلمّا رجع قال: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر (أي أوزانه) فما يلتئم على لسان أحد بعدي (أي غيري) أنّه شعر، والله إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون (3) .

إلى غيرها من كلمات تنمّ عن رفيع شأن هذا الكلام الإلهي الخالد... وقد مرّت (4) .

* * *

وتوضيحاً لهذا الجانب من إعجاز القرآن البياني - في سبكه وأُسلوبه - نقول: لا شكّ أنّه نثر، لا كنثرهم، أمّا من حيث اللفظ فإنّه رُصّع على أحسن ترصيع، ورُصفت كلماته وجمله وتراكيبه على أجمل ترصيف، فيه جمال الشعر ووقار

____________________

(1) المستدرك للحاكم: ج2 ص507.

(2) ابن هشام: ج1 ص314.

(3) شرح الشفاء للقاري: ج1 ص320.

(4) راجع (المدخل لدراسة الإعجاز) التمهيد: ج4 ص200 - 203.

٢٤٥

النثر وإجادة السجع الرصين، مع قوّة البيان ورشاقة التعبير، من غير أن يعتريه وهن أو ضعف، في طول كلامه وتعدّد بياناته.

وهكذا من حيث المعنى، جاء بمعانٍ جديدة كانت مهجورةً أو مطموسةً، فأحياها من جديد، وأبان من مراميها، وألقى الضوء على فلسفة الوجود وسرّ الحياة في المبدأ والمعاد، فجاء بمعارف جليلة وتعاليم نبيلة، أنار بها درب الحياة بما أذهل القلوب وأبهر العقول وأحار ذوي الألباب.

وفي ذلك يقول العلاّمة محمّد عبد الله درّاز: أًسلوب القرآن لا يعكس نعومة أهل المدينة ولا خشونة أهل البادية، وزن المقاطع في القرآن أكثر ممّا في النثر وأقلّ ممّا في الشعر، وأنّ نثره ينفرد ببعض الخصائص والميزات، فالكلمات فيه مختارة، غير مبتذلة ولا مستهجنة، ولكنّها رفيعة رائعة معبّرة، الجمل فيها ركّبت بشكل رائع، حتى أنّ أقلّ عدد من الكلمات يعبّر عن أوسع المعاني وأغزرها، إنّ تعابيره موجزة، ولكنّها مدهشة في وضوحها، حتى أنّ أقلّ حظّاً من التعلّم يستطيع فهم القرآن دونما صعوبة، وهناك عمق ومرونة في القرآن ممّا يصلح أن يكون أساساً لمبادئ وقوانين العلوم والآداب الإسلامية ومذاهب الفقه وفلسفة الإلهيات (1) .

وفي أُسلوب القرآن نجد أنّه وضع لبعض الألفاظ معاني جديدة، وخاصّة ما اتّصل منها بالفقه الإسلامي، كما استحدث ألفاظاً جديدة وأعرض عن ألفاظ، فمنع استعمال مدلولاتها وأعاض عنها بغيرها، وخاصّة وحشيّ اللفظ....

كذلك أبطل سجع الكهّان وطوابع الوثنية، وأضعف فنون الفخر والاستعلاء والهجاء، وطبع الحوار بطابع السماحة وإقامة الحجّة والبحث عن الدليل، وأحلّ الإيجاز محلّ الإسهاب، والحكمة مكان الإطالة، وترك في الأُسلوب العربي الإسلامي طابعه الوسيط السمح، وأعطاه جزالةً وسلاسةً وعذوبةً ووضوحاً... ذلك

____________________

(1) راجع الفصحى لغة القرآن لأنور الجندي: ص40.

٢٤٦

أنّ القرآن رقّق القلوب وأفسح للعقول مجال النظر والفكر (1) .

* * *

والآن فإليك بعض التوضيح عن قوافي الشعر وأوزانه، والكلام عن تكلّفات الأسجاع القديمة، ممّا تحاشاه القرآن الكريم:

الشعر: كلام ذو وزن وتقفية، قد سُبك على نظام خاصّ، ومتقيّد بقافية خاصّة، على أنواعها الخمسة المعروفة التي ذكرها الخليل (2) .

وهذا النظم تشرحه البحور المقيسة التي هي الأوزان الشعرية التي كانت عليها العرب، إلاّ ما شذّ، وقد أنهاها الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى خمسة عشر بحراً، هي:

(الطويل، المديد، البسيط، الوافر، الكامل، الهزج، الرجز، الرمل، السريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتثّ، المتقارب).

ولكلّ بحر أصل وفروع يشرحها علم العروض (3) .

____________________

(1) عن بحث للدكتور عبد المنعم خفاجي في جريدة الدعوة (الفصحى لغة القرآن): ص40.

(2) سنذكرها في الصفحة القادمة.

(3) أصل الطويل: (فعولن. مفاعيلن...) أربع مرّات.

وأصل المديد: (فاعلاتن. فاعلن...) أربع مرّات.

وأصل البسيط: (مستفعلن. فاعلن) أربع مرّات.

وأصل الوافر: (مفاعلتن...) ستّ مرّات.

وأصل الكامل: (متفاعلن...) ستّ مرّات.

وأصل الهزج: (مفاعيلن...) ستّ مرّات.

وأصل الرجز: (مستفعلن...) ستّ مرّات.

وأصل الرمل: (فاعلاتن...) ستّ مرّات.

وأصل السريع: (مستفعلن. مستفعلن. مفعولات) مرّتين.

وأصل المنسرح: (مستفعلن. مفعولات. مستفعلن) مرّتين.

وأصل الخفيف: (فاعلاتن. مُس، تفع، لن. فاعلاتن) مرّتين.

٢٤٧

قال السكّاكي: وهذه الأوزان هي التي عليها مدار أشعار العرب، بحكم الاستقراء لا تجد لهم وزناً يشذّ عنها، اللّهمّ إلاّ نادراً (1) .

* * *

والقافية - عند الخليل -: من آخر حرف في البيت، إلى أَوّل ساكن قبله، مع المتحرّك الذي قبل الساكن. مثل (تابا) في قوله: (أقلّي اللومَ عاذِلَ والعِتابا) فيجب أن تجري القصيدة في جميع أبياتها على نفس المنوال.

قال السكّاكي: ولابدّ في القافية - على رأي الخليل وقد رجّحه، لوقوفه على أنواع علوم الأدب نقلاً وتصرفاً واستخراجاً واختراعاً ورعايةً في جميع ذلك حقّ رعايته - أن تشتمل على ساكنين، فيستلزم لذلك خمسة أنواع:

أحدها: أن يكون ساكناها مجتمعين، ويُسمّى: (المترادف).

ثانيها: أن يكون بينهما حرفان متحرّكان، ويُسمّى: (المتواتر).

ثالثها: أن يكون بينهما حرفان متحرّكان، ويُسمّى: (المتدارك).

ورابعها: أن يكون بينهما ثلاثة أحرف متحرّكات، ويُسمّى: (المتراكب).

وخامسها: أن يكون بينهما أربعة أحرف متحرّكات، ويُسمّى (المتكاوس).

ثُمّ ذكر أنّ للمترادف 17 موقعاً، وللمتواتر 21 موقعاً، وللمتدارك 11، وللمتراكب 8 وللمتكاوس موقع واحد، فهذه 58 موقعاً لأنواع القافية الخمسة.

* * *

ثُمّ القافية لاشتمالها على حرف الرويّ - (وهو: الحرف الآخر من حروف

____________________

= وأصل المضارع: (مفاعيلن. فاعلاتن. مفاعلن) مرّتين.

وأصل المقتضب: (مفعولات. مستفعلن. مستفعلن) مرّتين.

وأصل المجتثّ: (مستفعلن. فاعلاتن. فاعلاتن) مرّتين.

وأصل المتقارب: (فعولن...) ثماني مرّات.

(1) راجع مفتاح العلوم للسكّاكي (علم العروض): ص244 - 267. وجامع العلوم للإمام الرازي: ص74 - 82.

٢٤٨

القافية إلاّ ما كان تنويناً أو بدلاً من التنوين أو كان حرفاً إشباعيّاً مجلوباً لبيان الحركة) - تتنوّع إلى ستة أنواع:

الأَوّل: القافية المقيّدة، وهي ما كان رويّها ساكناً، نحو قوله: (وقاتم الأعماق خاوي المخترق)، وحركة ما قبل الرويّ المقيّد يُسمّى: (توجيهاً).

الثاني: القافية المطلقة، وهي ما كان رويّها متحركاً، نحو قوله: (قِفا نبكِ مِن ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ)، ويُسمّى حركة الرويّ: (مجرى).

الثالث: القافية المردفة، وهي ما كان قبل رويّها ألفٌ، مثل (عماداً) أو واو أو ياء مدّتين، نحو (عمود) و(عميد)، أو غير مدّتين، مثل (قول) و(قيل)، وتُسمّى كل من هذه الحروف (ردفاً)، وحركة ما قبل الردف (حذواً).

٢٤٩

3 - عذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته

قد أجمل الكلام في ذلك الجرجانيّ والسكاكيّ وغيرهما من أعلام البيان من المتقدّمين، (وتقدّم بعض كلامهم)، وأكمله النُقّاد من المتأخّرين المعاصرين، قالوا:

لو تدبّرت ألفاظ القرآن في نظمها لرأيت حركاتها الصرفية واللغوية تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها، ولن تجدها إلاّ مؤتلفة مع أصوات الحروف، مساوقة لها في النظم الموسيقي، حتى أنّ الحركة ربّما كانت ثقيلة فلا تعذب ولا تُساغ في نفسها، فإذا هي استُعملت في القرآن رأيت لها شأناً عجيباً، ورأيت أصوات الأحرف والحركات التي قبلها قد امتهدت لها طريقاً في اللسان واكتنفتها بضروب من النغم الموسيقي، حتى إذا خرجت فيه كانت أعذب شيء وأرقّه، وكانت متمكّنة في موضعها، وكانت لهذا الموضع أَولى الحركات بالخفّة والروعة.

من ذلك لفظة (النُذُر) جمع نذير، فإنّ الضمّة ثقيلة فيها لتواليها على النون والذال معاً، فضلاً عن جَسأة هذا الحرف ونبوّه في اللسان، وخاصة إذا جاءت فاصلة للكلام.

ولكنه جاء في القرآن على العكس وانتفى من طبيعته في قوله تعالى ( وَلَقَدْ

٢٥٠

أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ) (1) فتأمّل هذا التركيب، وأنعِم ثُمّ أنعِم على تأمّله، وتذوّق مواقع الحروف، واجرِ حركاتها في حسّ السمع، وتأمّل مواضع القلقلة في دال (لقد)، وفي الطاء من (بطشتنا) وهذه الفتحات المتوالية فيما وراء الطاء إلى واو (تماروا) مع الفصل بالمدّ كأنّها تثقيل، لخفّة التتابع في الفتحات إذا هي جرت على اللسان؛ ليكون ثقل الضمّة عليه مستخفاً بعد، ولكون هذه الضمّة قد أصابت موضعها، كما تكون الأحماض في الأطعمة، ثُمّ ردّد نظرك في الراء من (تماروا) فإنّها ما جاءت إلاّ مساندة لراء (النذر) حتى إذا انتهى اللسان إلى هذه انتهى إليها من مثلها، فلا تجفو عليه، ولا تغلظ ولا تنبو فيه. ثُمّ اعجب لهذه الغنّة التي سبقت الطاء في نون (أنذرهم) وفي ميمها، وللغنّة الأُخرى التي سبقت الذال في (النُذُر).

وما من حرف أو حركة في الآية إلاّ وأنت مصيب من كلّ ذلك عجباً في موقعه والقصد به، حتى ما تشكّ أنّ الجهة واحدة في نظم الجملة والكلمة والحرف والحركة، ليس منها إلاّ ما يشبه في الرأي أن يكون قد تقدّم فيه النظر وأحكمته الرويّة ومن بين الكلمات، وأين هذا ونحوه عند تعاطيه! ومن أيّ وجه يلتمس! وعلى أيّ جهة يستطاع!

وقد وردت في القرآن ألفاظ هي أطول الكلام عدد حروف ومقاطع ممّا يكون مستثقلاً بطبيعة وضعه أو تركيبه، ولكنّها بتلك الطريقة التي أومأنا إليها قد خرجت في نظمه مخرجاً سرياً، فكانت من أخصر الألفاظ حلاوةً وأعذبها منطقاً وأخفّها تركيباً؛ إذ تراه قد هيّأ لها أسباباً عجيبةً من تكرار الحروف وتنوّع الحركات، فلم يُجرِها في نظمه إلاّ وقد وجد ذلك فيها، كقوله تعالى: ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ ) (2) فهي كلمة واحدة من عشرة أحرف، وقد جاءت عذوبتها من تنوّع مخارج الحروف ومن نظم حركاتها، فإنّها بذلك صارت في النطق كأنّها أربع

____________________

(1) القمر: 36.

(2) النور: 55.

٢٥١

كلمات؛ إذ تنطق على أربعة مقاطع.

وقوله: ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ) (1) فإنّها كلمة من تسعة أحرف، وهي ثلاثة مقاطع، وقد تكرّرت فيها لا الياء والكاف، وتوسط بين الكافين هذا المدّ (في) الذي هو سرّ الفصاحة في الكلمة كلّها.

واللفظة إذا كانت خماسية الأُصول فهذا لم يرد منه في القرآن شيء؛ لأنّه ممّا لا وجه للعذوبة فيه، إلاّ ما كان من اسم عُرّب ولم يكن عربيّاً: كإبراهيم، وإسماعيل، وطالوت، وجالوت، ونحوها، ولا يجيء به مع ذلك إلاّ أن يتخلّله المدّ كما ترى، فتخرج الكلمة وكأنّها كلمتان.

وفي القرآن لفظة غريبة هي من أغرب ما فيه، وما حسُنت في كلام قطّ إلاّ في موقعها من القرآن بالذات، وهي كلمة ( ضِيزَى ) من قوله تعالى: ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) (2) ، ومع ذلك فإنّ حسنها في نظم الكلام هنا من أغرب الحسن وأعجبه، وإذا أدرت اللغة عليها ما صلُح لهذا الموضع غيرها.

فإنّ السورة التي هي منها - وهي سورة النجم - مفصّلة كلّها على الياء، فجاءت الكلمة فاصلة من الفواصل، ثُمّ هي في معرض الإنكار على العرب، إذ وردت في ذكر الأصنام وزعمهم في قسمة الأولاد، فإنّهم جعلوا الملائكة والأصنام بنات لله مع وأدهم البنات (3) فقال تعالى: ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) ، فكانت غرابة اللفظ أشدّ الأشياء ملائمة لغرابة هذه القِسمة التي أنكرها عليهم، وكانت الجملة كلّها كأنّها تصوّر في هيئة النطق بها، الإنكار في الأُولى والتهكّم في الأُخرى، وكان هذا التصوير أبلغ ما في البلاغة، وخاصّة في اللفظ الغريبة التي تمكّنت في موضعها من الفصل، ووصفت حالة المتهكّم في إنكاره من إمالة اليد والرأس بهذين المدّين فيها إلى الأسفل والأعلى، وجمعت إلى كلّ ذلك غرابة

____________________

(1) البقرة: 137.

(2) النجم: 22. والضيز: الجَور، أي فهي قِسمة جائرة.

(3) أي دفنهنّ على الحياة كما كان من عادتهم.

٢٥٢

الإنكار بغرابتها اللفظية.

وإن تعجب فعاجِب لنظم هذه الكلمة الغريبة وائتلافه على ما قبلها، إذ هي مقطعان: أحدهما مدّ ثقيل: والآخر مدّ خفيف، وقد جاءت عقب غنّتين في (إذا ً) و(قِسمة) إحداهما خفيفة حادّة، والأُخرى ثقيلة متفشّية، فكأنّها بذلك ليست إلاّ مجاورة صوتية لتقطيع موسيقي.

ثُمّ الكلمات التي يُظنّ أنّها زائدة في القرآن - كما يقوله بعض النحاة - فإنّ فيه من ذلك أحرفاً، كقوله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) (1) وقوله: ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ) (2) .

قالوا: إنّ (ما) في الآية الأُولى و(أن) في الثانية، زائدتان، أي في الإعراب، فيَظنّ مَن لا بصر له أنّهما كذلك في النظم ويقيس عليه!

مع أنّ في هذه الزيادة لوناً من التصوير، لو حُذف من الكلام لذهب بكثير من حسنه وروعته، فإنّ المراد بالآية الأُولى تصوير لِين النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لقومه، وأنّ ذلك رحمة من الله، فجاء هذا المدّ في (ما) وصفاً لفظياً يُؤكّد معنى اللين ويُفخّمه، وفوق ذلك فإنّ لهجة النطق به تشعر بانعطاف وعناية لا يبتدأ هذا المعنى بأحسن منهما في بلاغة السياق، ثمّ كان الفصل بين الباء الجارّة ومجرورها - وهو لفظ (رحمة) - ممّا يُلفت النفس إلى تدبّر المعنى ويُنبّه الفكر على قيمة الرحمة فيه، وذلك كلّه طبعي في بلاغة الآية كما ترى.

والمراد بالثانية تصوير الفصل الذي كان بين قيام البشير بقميص يوسف وبين مجيئه؛ لبُعد ما كان بين يوسف وأبيه (عليهما السلام) وأنّ ذلك كأنّه كان منتظراً بقلق واضطراب (3) تُؤكّدهما وتصف الطرب لمَقدمه واستقراره غنّةُ هذه النون في الكلمة الفاصلة، وهي: (أن) في قوله (أن جاء...).

____________________

(1) آل عمران: 159.

(2) يوسف: 96.

(3) يُنبه على ذلك قوله تعالى قبل ذلك عن لسان يعقوب: ( إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) (يوسف: 94).

٢٥٣

وعلى هذا يجري كل ما ظُنّ أنّه في القرآن مزيد، فإنّ اعتبار الزيادة فيه وإقرارها بمعناها إنّما هو نقص يجلّ القرآن عنه، وليس يقول بذلك إلاّ رجل يعتسف الكلام ويقضي فيه بغير علمه أو بعلم غيره... فما في القرآن حرف واحد إلاّ ومعه رأي يسنح في البلاغة - من جهة نظمه، أو دلالته، أو وجه اختياره - بحيث يستحيل البتة أن يكون فيه موضع قلق أو حرف نافر أو جهة غير محكمة أو شيء ممّا تنفذ في نقده الصنعة الإنسانية من أيّ أبواب الكلام إن وسعها منه باب.

وممّا يدلّ على أنّ نظم القرآن مادة فوق الصنعة ومن وراء الفكر، ولا يسعه طوق إنسان في نظم الكلام البليغ الجمع ولم يستعمل بصيغة الإفراد، فإذا احتيج إلى صيغة المفرد استعمل مرادفها، كلفظة (اللبّ) لم ترد إلاّ مجموعة ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى ِلأَوْلِي الأَلْبَابِ ) ، ( لِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) ونحوهما (1) ولم تجئ فيه مفردة، بل جاء مكانها (القلب) (2) أو (الفؤاد) (3) .

وذلك لأنّ لفظ الباء شديد مجتمع، ولا يفضي إلى هذه الشدّة إلاّ من اللام الشديدة المسترخية، فلمّا لم يكن ثَمّ فصل بين الحرفين ليتهيّأ معه هذا الانتقال على نسبة بين الرخاوة والشدّة فتحسن اللفظة مهما كانت حركة الإعراب فيها، نصباً أو رفعاً أو جرّاً؛ ولذلك أسقطها القرآن من نظمه تبّةً، على سعة ما بين أَوّله وآخره.

ولو حسنت على وجه من تلك الوجوه لجاء بها حسنة رائعة، كما في لفظة (الجبّ) وهي في وزنها ونطقها، لولا حسن الائتلاف بين الجيم والباء من هذه الشدّة في الجيم المضمومة.

وكذلك لفظة (الكوب) استعملت فيه مجموعة ولم يأتِ بها مفردة؛ لأنّه لم

____________________

(1) في ستة عشر موضعاً من القرآن جاءت اللفظة بصيغة الجمع فقط، ولم تأتي إفراداً أبداً.

(2) في تسعة عشر موضعاً إمّا مقطوعاً أو مضافاً.

(3) في خمسة مواضع مقطوعاً ومضافاً.

٢٥٤

يتهيّأ فيها ما يجعلها في النطق من الظهور والرقّة والانكشاف وحسن التناسب كلفظ (الأكواب) الذي هو جمع.

و(الأرجاء) لم يَستعمل القرآن لفظها إلاّ مجموعاً، وتَرك المفرد - وهو الرَّجا أي الجانب - لعلّةِ لفظه وأنّه لا يسوق في نظمه كما ترى.

وعكس ذلك لفظة (الأرض) فإنّها لم ترد فيه إلاّ مفردة، فإذا ذُكرت السماء مجموعة جيء بها مفردة في كل موضع منه، ولم يجئ (أرضون) لهذه الجَسأة التي تدخل اللفظ ويختلّ بها النظم اختلالاً.

ومن الألفاظ لفظة (الآجر) وليس فيها من خفّة التركيب إلاّ الهمزة وسائرها نافر متقلقل، ولفظ مرادفها (القَرْمَد) وكلاهما استعمله فصحاء العرب ولم يعرفوا غيرهما، أمّا القرآن فلم يستعملهما ولكنّه أخرج معناهما بألطف عبارة وأرقّها وأعذبها، وساقها في بيان مكشوف، وذلك في قوله تعالى: ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هامَانُ عَلَى الطّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً ) (1) ، فعبّر عن الآجر بقوله: (فأوقد لي يا هامان على الطين) وانظر موقع هذه القلقلة التي هي في الدال من قوله (فأوقد) وما يتلوها من رقّة اللام، فإنّها في أثناء التلاوة ممّا لا يُطاق أن يُعبّر عن حسنه وكأنّما تَنتزع النفس انتزاعاً.

وليس الإعجاز في اختراع تلك العبارة فحسب، ولكن ما ترمي إليه إعجاز آخر، فإنّها تُحقّر من شأن فرعون وتصف ضلاله وتُسفّه رأيه؛ إذ طمع أن يبلغ الأسباب، أسباب السماوات فيطّلع إلى إله موسى (2) ، وهو لا يجد وسيلةً إلى ذلك المستحيل ولو نصب الأرض سُلّماً، إلاّ شيئاً يصنعه هامان من الطين (3) .

* * *

____________________

(1) القصص: 38.

(2) إشارة إلى الآية: 37 من سورة غافر.

(3) اقتضاب عاجل من إعجاز القرآن للرافعي: ص228 - 234.

٢٥٥

4 - تناسق نظمه وتناسب نغمه

وهو جانب خطير من إعجاز القرآن البياني، لَمَسته العرب منذ أوّل يومها فبهرتهم روعته ودهشتهم رنّته، فأخضعهم للاعتراف في النهاية بأنّه كلام يفوق طوع البشر وأنّه كلام الله.

إنّه جانب (اتّساق نظمه وتناسب نغمه) وإيقاعاته الموسيقية الساطية على الأحاسيس، والآخذة بمجامع القلوب، وهذا الجمال التوقيعي للقرآن يبدو جلياً لكلّ مَن يستمع إلى آياته تُتلى عليه، حتى ولو كان من غير العرب، فكيف بالعرب أنفسهم، وأوّل شيء تحسّه الآذان عند سماع القرآن هو ذا نظامه الصوتيّ البديع، الذي قُسّمت فيه الحركات والسكونات تقسيماً متنوّعاً ومتوزّعاً على على الألحان الموسيقية الرقيقة، فيُنوِّع ويُجدِّد نشاطَ السامع عند سماعه، ووُزّعت في تضاعيفه حروف المدّ والغنّة توزيعاً بالقسط، يُساعد على ترجيع الصوت به، وتهاوى النَفَس فيه آناً بعد آن، إلى أن يصل قمّتها في الفاصلة، فيجد عندها راحته الكبرى، على ما فصّله أساتذة الترتيل.

وربّما استمع الإنسان إلى قصيدة، وهي تتشابه أهواؤها وتتساوق أنغامها، ولكنّه لا يلبث أن يملّها، ولا سيّما إذا أُعيدت عليه وكُرّرت بتوقيع واحد، بينما

٢٥٦

الإنسان من القرآن في لحن متنوّع ونغم متجدّد، ينتقل فيه بين أسباب وأوتاد وفواصل (1) ، على أوضاع مختلفة، يأخذ منها كل وَتر من أوتار القلب نصيبه بسواء، فلا يعرو الإنسان على كثرة ترداده مَلال أو سأم، بل لا يفتأ يطلب منه المزيد....

وأحياناً كان العرب تعمد إلى ما يقرب من هذا النحو من التنظيم الصوتي في أشعارها لكنّها تذهب مذهب الإسراف والاستهواء المُملّ في الأغلب، ولا سيّما عند التكرير، أمّا في منثور كلامها، سواء المرسل منه أو المسجوع، فلم تكن عَهِدته قطّ ولا كان يتهيّأ لها بتلك السهولة والمرونة والعذوبة التي في القرآن الكريم، بل ربّما كان يقع لها في أجود منثورها عيوب تغضّ من سلاسة تركيبه، بما لا يمكن معها من إجادة ترتيله، إلاّ بتعمل يبدو عليه أثر التكلّف والتعسّف الأمر الذي كان يحطّ من شأن الكلام.

فلا عجب إذاً أن يكون أدنى الألقاب إلى القرآن - في خيال العرب - أنّه شعر، وإذا لم يكن بشعر فهو سحر، وهذا يكشف عن مدى بهر العرب وحيرتهم تجاه هذا النوع من الكلام المُنضّد البديع، كان له من النثر جلاله وروعته، ومن الشعر جماله ومتعته!!

قال الأُستاذ درّاز: ويجد الإنسان لذّةً بل وتعتريه نشوة إذا ما طَرق سمعه جواهر حروف القرآن، خارجةً من مخارجها الشحيحة، من نظم تلك الحروف ورصفها وترتيب أوضاعها فيما بينها: هذا ينقر، وذاك يصفر، وثالث يهمس، ورابع

____________________

(1) من مصطلحات الأفنان الموسيقية: (الحرف المتحرك إذا تلاه حرف ساكن، يقال له: سببٌ خفيف، والحرفان المتحركان لا يتلوهما ساكن: سببٌ ثقيل، والمتحركات يتلوهما ساكن: وَتدٌ مجموع، وإذا توسّطهما ساكن: وتدٌ مفروق. وثلاثة أحرف متحركة: فاصلة صغيرة، وأربعة أحرف متحركة يعقبها ساكن: فاصلةٌ كبيرة) وهكذا... (النبأ العظيم: ص95).

ولعلّ القارئ النبيه يعذرنا في الاقتصار على النقل هنا، بعد أن كان موضوع البحث من الفنون الخارجة عن اختصاصنا!

٢٥٧

يجهر، وآخر ينزلق عليه النَفَس، وآخر يحتبس عنده النَفَس، فترى الجمال النغمي ماثلاً بين يديك في مجموعة مختلفة ولكنّها مؤتلفة لا كركرة ولا ثرثرة، ولا رخاوة ولا مُعاظَلَة، ولا تناكر ولا تنافر، وهكذا ترى كلاماً ليس بالبَدَويّ الجافي ولا بالحضريّ الفاتر، بل هو ممزوج مؤلّف من جزالة ذاك ورقّة هذا، مزيجاً كأنّه عصارة اللغتين وسلالة اللهجتين.

نعم من هذا الثوب القشيب يتألّف جمال القرآن اللفظي، وليس الشأن في هذا الغلاف إلاّ كشأن الأصداف، تتضمّن لآلي نفيسة، وتحتضن جواهر ثمينة، فإن لم يُلهك جمال الغطاء عمّا تحته من الكنز الدفين، ولم تحجبك بهجة الستار عمّا وراءه من السرّ المصون، ففُليت القشرة عن لبّها، وكشفت الصدفة عن دُرّها، فنفذت من هذا النظام اللفظي إلى تلك الفخامة المعنوية، تجلّى لك ما هو أبهى وأبهر، ولقيت منه ما هو أبدع وأروع، تلك روح القرآن وحقيقته، وجذوة موسى التي جذبته إلى نار الشجرة في شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة، فهناك نسمة الروح القدسية: ( إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

* * *

وذكر سيّد قطب عن الإيقاع الموسيقي في القرآن أنّه من إشعاع نظمه الخاص، وتابع لانسجام الحروف في الكلمة، ولانسجام الألفاظ في الفاصلة الواحدة؛ وبذلك قد جمع القرآن بين مزايا النثر وخصائص الشعر معاً، فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحّدة والتفعيلات التامّة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامّة، وأخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر الموسيقي الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تُغني عن التفاعيل والتقفية التي تُغني عن القوافي، فشأنه شأن النثر والنظم جميعاً.

____________________

(1) النبأ العظيم: ص94 - 99، والآية 30 من سورة القصص.

٢٥٨

وحيثما تلا الإنسان القرآن أحسّ بذلك الإيقاع الداخلي في سياقه، يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار، والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، يتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال، لكنّه على كل حال ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني.

ثمّ أخذ في ضرب المثال، قال:

وها نحن أُولاء نتلو سورة النجم مثلاً.

( وَالنّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى‏ * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَى‏ * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى‏ إِلَى‏ عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى‏ * أَفَتُمارُونَهُ عَلَى‏ مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى‏ مِنْ آيَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى * أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى * وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) (1) .

هذه فواصل متساوية في الوزن تقريباً - على نظام غير نظام الشعر العربي - متّحدة في حرف التقفية تماماً، ذات إيقاع موسيقي متّحد تبعاً لهذا وذلك، وتبعاً لأمر آخر لا يظهر ظهور الوزن والقافية؛ لأنّه ينبعث من تآلف الحروف في الكلمات، وتناسق الكلمات في الجمل، ومردّه إلى الحسّ الداخلي والإدراك الموسيقي، الذي يَفرق بين إيقاع موسيقي، وإيقاعٍ ولو اتّحدت الفواصل والأوزان.

والإيقاع الموسيقي هنا متوسط الزمن تبعاً لتوسط الجملة الموسيقية في الطول، متّحد تبعاً لتوحّد الأُسلوب الموسيقي، مسترسل الرويّ كجوّ الحديث الذي يشبه التسلسل القصصي، وهذا كله ملحوظ، وفي بعض الفواصل يبدو ذلك جلياً

____________________

(1) النجم: 1 - 22.

٢٥٩

مثل: ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى * وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ) ، فلو أنّك قلت: أفرأيتم اللات والعزّى الثالثة لاختلت القافية، ولتأثر الإيقاع، ولو قلت: افرأيتم اللات والعزّى ومَناة ومَناة الأُخرى فالوزن يختل، وكذلك في قوله: ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى * وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ) فلو قلت: ألكم الذكر وله الأُنثى تلك قسمةٌ ضيزى لاختلّ المستقيم بكلمة (إذاً).

ولا يعني هذا أنّ كلمة (الأُخرى) أو كلمة (الثالثة) أو كلمة (إذاً) زائدة لمجرّد القافية أو الوزن، فهي ضرورية في السياق لنكت معنوية خاصّة، وتلك ميزة فنّية أُخرى أن تأتي لتؤدّي معنى في السياق، وتؤدّي تناسباً في الإيقاع، دون أن يطغى هذا على ذلك، أو يخضع النظم للضرورات.

ملاحظة اتّزان الإيقاع في الآيات والفواصل تبدو واضحة في كل موضع على نحو ما ذكرنا أو قريباً من هذه الدقّة الكبرى. ودليل ذلك أن يعدّل في التعبير عن الصورة القياسية للكلمة إلى صورة خاصّة، أو أن يُبنى النسق عل نحو يختلّ إذا قدّمت أو أُخّرت فيه أو عدلت في النظم أيّ تعديل.

مثال الحالة الأُولى حكاية قول إبراهيم:

( قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنّهُمْ عَدُوّ لِي إِلاّ رَبّ الْعَالَمِينَ * الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ * وَالّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ ) (1) .

فقد خُطفت ياء المتكلّم في (يهدين ويسقين ويشفين ويحيين) محافظة على حرف القافية مع (تعبدون، والأقدمون، والدين...) ومثله خَطف الياء الأصلية في الكلمة: نحو ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي

____________________

(1) الشعراء: 75 - 82.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591