أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439607 / تحميل: 6670
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد :

فهذا كتاب (أسباب نزول القرآن)(١) ، أتشرف بتقديمه للقراء والباحثين بعد أن وجدت أن النسخة المتداولة بها أخطاء كثيرة في الأسانيد والمتون ، وقد اعتمدت في التحقيق على نسخة قام بتحقيقها الأستاذ / السيد أحمد صقر حيث إني وجدتها من أفضل النسخ سنداً ومتناً ، وقد وجدت فيها زيادات عن النسخة المطبوعة بالقاهرة عام (١٣١٦ ه‍) وهذه الزيادات مميزة بوضعها بين معكوفين، وقد قام الأستاذ / السيد أحمد صقر بذلك وتركتها كما هي.

وما أصبت فمن الله ، وما أخطأت فمن نفسي ، قال عز من قائل( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) [النساء / ٧٩].

وأتقدم بخالص شكري وتقديري للأخ الشقيق أبي هاجر لإحضاره النسخة التي اعتمدت عليها من المملكة العربية السعودية ، فجزاه الله خيراً وبارك الله فيه.

وأرجو من كل قارئ أن يدعو الله لي ، ومن رأى صواباً فليحمد الله ، ومن

__________________

[١] هذا هو الاسم الأصلي للكتاب وهو مشهور بأسباب النزول.

٣

رأى غير ذلك فليتقدم بالنصيحة ، قال صَلى الله عليه وسِلم : «الدين النصيحة»(٢) ، أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة إنه عليٌ قدير.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.

وكتب

كمال بسيونى السيد زغلول

القاهرة في : ٢٩ محرم ١٤١١ ه‍

٢٠ أغسطس ١٩٩٠ م

__________________

[٢] صحيح : أخرجه مسلم في صحيحه (٥٥ / ٩٥) وأبو داود (٤٩٤٤) وأحمد في مسنده (٤ / ١٠٢)

٤

ترجمة الإمام الواحدي(١)

ـ اسمه وكنيته : هو الإمام العلامة أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري.

ـ نسبه : قال ابن خلكان : لم أعرف هذه النسبة [الواحدي] إلى أي شيء هي ولا ذكرها السمعاني ، ثم وجدت هذه النسبة إلى الواحد بن الدين أو الدثن بن

__________________

[١] انظر : ـ دمية القصر ٢ / ١٠١٧ ـ ١٠٢٠ ـ تلخيص ابن مكتوم ١٢٥ ـ معجم الأدباء ١٢ / ٢٥٧ ـ ٢٧٠ ـ تتمة المختصر ١ / ٥٦٩ ـ الكامل لابن الأثير ١٠ / ١٠١ [نسخة أخرى ١٠ / ٣٥] ـ مسالك الأبصار ٤ / ٢ / ٣٠٧ ـ إنباء الرواة ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٥ ـ مرآة الجنان ٢ / ٩٦ ـ ٩٧ وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤. ـ طبقات السبكي / ٥ / ٢٤٠ ـ المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٩٢ ـ طبقات الاسنوى ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ دول الإسلام ٢ / ٤. ـ البداية والنهاية ١٢ / ١١٤ ـ العبر ٣ / ٢٦٧ ـ البلغة للفيروزآبادي ١٤٥ ـ طبقات النحاة لابن قاضي شهبة ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٨ ـ غاية النهاية ١ / ٥٢٣ ـ طبقات الشافعية ٢٦ / ب ـ ٣ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ـ شذرات الذهب ٣ / ٣٣٠ ـ النجوم الزاهرة ٥ / ١٠٤ ـ الفلاكة والمفلوكين ١١٧ ـ طبقات المفسرين للسيوطي ص ٧٨ ـ روضات الجنات ٢ / ٦٧٣ ـ طبقات المفسرين للداوودي ١ / ٣٨٧ ـ ٣٩٠ ـ هدية العارفين ١ / ٦٩٢ ـ طبقات القراء لابن الجزري ١ / ٥٢٣ ـ إشارة التعيين الورقة ٣١ ـ طبقات ابن هداية الله ٥٨.

٥

مهرة ، ذكره أبو أحمد العسكري ، وفي المختصر : والواحدي نسبة إلى الواحد بن ميسرة.

ـ مولده : وُلدرحمه‌الله بنيسابور ، ولم تحدد المراجع التي ترجمت له سنة مولده.

ـ وفاته : تُوفيرحمه‌الله بنيسابور،وقد اتفقت جميع المراجع على أن سنة وفاته ٤٦٨ ه‍.

ـ شيوخه : سمع التفسير من أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، سمع النحو من أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الضرير ، وأخذ اللغة عن أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي ، وسمع : أبي القاسم علي بن أحمد البستي ، وأبي عثمان سعيد بن محمد الحيري ، وأبي الحسن علي بن محمد الفارسي ، وغيرهم كثير.

ـ تلاميذه : أحمد بن عمر الأرغياني ، عبد الجبار بن محمد الخواري ، وطائفة أخرى.

ـ مذهبه في العقيدة : كانرحمه‌الله من حماة مذهب الأشاعرة ويؤكد ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى( وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) قال ابن الأنباري ويجوز أن يكون( وَنَطْبَعُ ) معطوفاً على( أَصَبْناهُمْ ) إذا كان بمعنى نصيب وفي هذا تكذيب للقدرية وبيان أن الله إذا شاء طبع على قلب فلا يفقه هدىً ولا يعي خيراً.

ـ مذهبه في الفقه : كانرحمه‌الله شافعي المذهب بدليل أنه قال عند تفسير قوله تعالى( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) : ولا تدل الآية على ترك القراءة خلف الإمام لأن هذا الإنصات المأمور به ، وإنما هو نهي عن الكلام في الصلاة.

ـ مصنفاته :

التفسير : له ثلاثة كتب : الوجيز ، الوسيط ، البسيط ، وأسباب النزول يعتبر من كتب التفسير.

٦

* كتاب الدعوات.

المحصول.

كتاب تفسير النبي صَلى الله عليه وسلم.

كتاب المغازي.

شرح ديوان المتنبي : طبع في برلين ١٨٥٨.

كتاب الإعراب في علم الإغراب.

نفي التحريف عن القرآن الشريف.

التحبير في شرح الأسماء الحسنى.

أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

الوسيط في الأمثال : طبع في الكويت عام ١٩٧٥ م بتحقيق الدكتور عفيف محمد عبد الرحمن.

عملي في الكتاب ومنهجي في التحقيق :

١ ـ ترقيم التراجم التي ذكرها المصنف وكتبت الرقم بين معكوفين هكذا [] فمثلاً : الترجمة رقم [١] القول في أول ما نزل من القرآن ، وإذا كانت الترجمة آية قمت بكتابة رقمها بين معكوفين [] بعد نهاية الآية.

٢ ـ ترقيم أسباب النزول سواء قال المصنف : أخبرنا أو قال : قال فلان أو قال : نزلت في كذا وكذا.

٣ ـ عزوت الأحاديث والآثار للكتب التي أخرجتها.

٤ ـ قولي مرسل بدون إسناد يعني أنه لا يُحتج به.

٥ ـ غالباً لم أسكت على الحديث الضعيف مع بيان سبب ضعفه.

٦ ـ البحث عن بعض الأسانيد التي لم يذكرها المصنف فعلى سبيل المثال :

٧

رقم (٤٥٤) قال المصنف : قال ابن مسعود ، وقد ذكرت في تخريجي من خرجه مسنداً ، وكذلك رقم ٤٦٩ ، ٥٨٩.

٧ ـ البحث عن طريق متصل للحديث الذي ذكره مرسلاً فعلى سبيل المثال : رقم (٥٨٧) قال المصنف : قال الحسن ، وقد ذكرت له شاهداً من حديث ابن عباس.

٨ ـ إعداد فهارس فنية للكتاب تيسر على الباحث الرجوع للآية أو الحديث المنشود في زمن وجيز.

والحمد لله على توفيقه

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النَّيْسَابُورِي ،رحمه‌الله : الحمد لله الكريم الوهاب ، هازم الأحزاب ، ومفتح الأبواب ، ومنشئ السحاب ، ومُرْسِي الهِضَاب ، ومنزل الكتاب ، في حوادثَ مختلفةِ الأسباب. أنزله مُفرَّقاً نُجُوماً ، وأودعه أحكاماً وعلوماً. قال عزّ من قائل :( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حَيَّان ، أخبرنا أبو يحيى الرَّازِي ، حدثنا سهل بن عثمان العسكري ، حدثنا يزيد بن زرَيع ، حدثنا أبو رجاء قال : سمعت الحسن يقول في قوله تعالى :( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) :

ذُكِر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثمانيَ عشْرة سنة ، أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر ، وبالمدينة عشرَ سنين.

أخبرنا أحمد ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا أبو يحيى الرَّازِيُّ ، حدثنا سهل ، حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر ، عن هُشَيم ، عن داود ، عن الشعبي قال :

فرَّق الله تنزيله ، فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة.

أنزله قرآناً عظيماً ، وذكراً حكيماً ، وحبلاً ممدوداً ، وعهداً معهوداً ، وظلاً عميماً ، وصراطاً مستقيماً ، فيه معجزاتٌ باهرة ، وآيات ظاهرة ، وحجج صادقة ، ودلالات ناطقة ، أَدْحَضَ به حجج المبطلين ، وردّ به كيد الكائدين ، وقوّى به

٩

الإسلام والدين ، فَلَحَبَ منهاجه ، وثَقُبَ سراجه ، وشملت بركته ، وبلغت حكمته ـ على خاتم الرسالة ، والصادع بالدلالة ، الهادي للأمة ، الكاشف للغمة ، الناطق بالحكمة ، المبعوث بالرحمة. فرفع أعلام الحق ، وأحيا معالم الصدق ، ودمغ الكذب ومحا آثاره ، وقَمَعَ الشرك وهدم مناره ، ولم يزل يُعارِض ببيناته [أباطيل] المشركين حتى مهّد الدين ، وأبطل شبه الملحدين. صلَّى الله عليه صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع مددها ، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم ، وبصحبته خصَّهم وآثرهم ، وسلّم كثيراً.

** وبعد هذا ، فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جَمَّة كثيرة ، يقصر عنها القول وإن كان بالغاً ، ويتقلّص عنها ذيله وإن كان سابغاً. وقد سبقت لي ـ ولله الحمد ـ مجموعات تشتمل على أكثرها ، وتنطوي على غررها ، وفيها لمن رام الوقوف عليها مَقْنَع وبلاغ ، وعما عداها من جميع المصنفات غُنْية وفراغ ، لاشتمالها على عُظْمِهَا مُتَحَقِّقَاً وتأديته إلى متأمِّله متّسقاً. غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادِفةٌ كاذبة فيها ، قد عجزت قُوَى الملام عن تلافيها ، فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدءين بعلوم الكتاب ، إبانةَ ما أُنزل فيه من الأسباب. إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها ، وأولى ما تُصْرَف العناية إليها ، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها ، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.

ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب ، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطِّلاب.

وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العِثَار ، في هذا العلم بالنار.

أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار ، حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدثنا ليث بن حماد ، حدثنا أبو عَوَانة ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال :

قال رسول الله ،صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا الحديث [عني] إلا ما علمتم ، فإنه من كذب

١٠

عليّ متعمداً فَلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار ، ومن كذب علَى القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار»(١) .

والسلف الماضون ،رحمهم‌الله ، كانوا في أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية.

أخبرنا أبو نصر أحمد بن عُبيد الله المخلدي ، أخبرنا أبو عمرو بن نُجَيد ، أخبرنا أبو مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد ، حدثنا ابن عَوْن ، عن محمد بن سيرين قال :

سألت عبيدَة عن آية من القرآن فقال : اتق الله وقل سداداً ، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.

وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئاً ويختلق إفْكاً وكذباً. مُلْقياً زمامه إلى الجهالة ، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب [نزول] الآية. وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب ، الجامع للأسباب ، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول [هذا] القرآن ، فيعرفوا الصدق ، ويستغنوا عن التمويه والكذب ، ويَجِدُّوا في تحفظه بعد السماع والطلب.

ولا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي ، وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتَعَهُّد جبريل إياه بالتنزيل ، والكشف عن تلك الأحوال ، والقول فيها على طريق الإجمال.

ثم نَفْرُغ للقول مفصلاً في سبب نزول كل آية رُوِي لها سبب مقول ، مرويّ منقول. والله تعالى الموفق للصواب والسَّدَاد ، والآخذ بنا عن العَاثُور إلى الجَدَد.

__________________

[١] إسناده ضعيف : في إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ضعيف ذكره ابن حبان في المجروحين [٢ / ١٥٥].

والحديث أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٩٣ ، ٣٢٣) والطبراني في الكبير [ج ١٢ / ٣٥ ـ رقم ١٢٣٩٣] والترمذي (٢٩٥١) كلهم من طريق أبي عوانة به وقال الترمذي حسن وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ١٤٧) وقال : فيه عبد الأعلى والأكثر على تضعيفه.

١١

[١]

القولُ في أول ما نزل من القرآن

١ ـ أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المُقْري ، أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدَّثنا محمد بن يحيى ، حدَّثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمَرٍ ، عن ابن شهاب الزُّهرِي ، أخبرني عروة عن عائشةرضي‌الله‌عنها ، أنها قالت :

«أول ما بُدِيَءَ به رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فَلَق الصبح ، ثم حُبِّب إليه الخلاء ، فكان يأتي حِرَاء فَيَتَحَنَّثُ فيه ـ وهو التعبد ـ اللياليَ ذوات العدد ، ويتزود لذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فَجَأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال :

__________________

[١] حديث صحيح : أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٩٥٦) مختصراً باب قوله تعالى( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) وأخرجه في كتاب التعبير (٦٩٨٢) بتمامه باب أول ما بُدئ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة.

وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان (٢٥٣ / ١٦٠ ـ ص ١٤٢) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ١٨٣) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد فاته أنهما أخرجاه حيث إنه قد أخرجه من طريق معمر به.

وأخرجه أبو عوانة في مسنده (١ / ١١٠) والبغوي في شرح السنة (١٣ / ٣١٦ ـ ٣١٧) من طريق الزهري به. وأخرجه البيهقي في السنن (٩ / ٦).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٦ / ٣٦٨) لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه.

١٢

اقرأ. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقلت [له] : ما أنا بقارئ. قال : فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقْرَأْ فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، فقال :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) حتى بلغ( ما لَمْ يَعْلَمْ ) فرجع بها تَرْجُف بَوَادِرُهُ حتى دخل على خديجةرضي‌الله‌عنها فقال : زَمِّلُوني. فزَمّلُوه حتى ذهب عنه الرّوع ، فقال : يا خديجة! ما لي؟ فأخبرها الخبر وقال : قد خَشِيت عليّ ، فقالت له : كلا ، أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكَلَّ ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق».

رواه البخاري عن يحيى بن بُكَير.

ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق.

٢ ـ أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري ، أخبرنا جدي [حدَّثنا] أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ ، حدَّثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدَّثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت :

إن أولَ ما نزل من القرآن :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) .

رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي بكر الصَّبْغِي ، عن بشر بن موسى ، عن الحميدي ، عن سفيان.

٣ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الجرجانيّ ، حدَّثنا نصر بن محمد الحافظ ، أخبرنا محمد بن مخلد : أن محمد ابن إسحاق حدثهم : حدَّثنا يعقوب الدَّوْرَقي ، حدَّثنا أحمد بن نصر بن زياد ، حدَّثنا

__________________

[٢] صحيح : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٥٢٩) من طريق سفيان به وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٢ / ١٥٥) وعزاه في الدر (٦ / ٣٦٨) لابن جرير والحاكم وابن مردويه والبيهقي.

[٣] مرسل.

١٣

علي بن الحسين بن واقد ، حدَّثني أبي ، حدَّثني يزيدُ النحوي ، عن عكرمةَ والحسن قالا :

أول ما نزل من القرآن( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

فهو أول ما نزل من القرآن بمكة ، وأول سورة( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) .

٤ ـ أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر ، حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدَّثنا محمد بن يحيى ، حدَّثنا أبو صالح ، حدَّثني الليث ، حدَّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، حدَّثني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي : أنه سمع بعض علمائهم يقول : كان أولُ ما أنزل الله على رسوله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) فقالوا : هذا صدرها [الذي] أنزل على رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم حراء ، ثم أُنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله.

وأما الحديث الصحيح الذي روى أن أول ما نزل سورة «المدثر» ، فهو ما.

٥ ـ أخبرناه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد : حدَّثنا محمد بن يعقوب ، حدَّثنا أحمد بن عيسى بن زيد التِّنيسي ، حدَّثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن الأوزاعي ، حدَّثني يحيى بن أبي كثير قال :

__________________

[٤] يتفق هذا الأثر مع حديث عائشةرضي‌الله‌عنها السابق رقم (٢) وعزاه في الدر (٦ / ٣٦٨) للبيهقي في الدلائل.

[٥] صحيح : أخرجه البخاري في بدء الوحي (٤) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخرجه في كتاب بدء الخلق (٣٢٣٨) ، وأخرجه في كتاب التفسير (٤٩٢٢ ـ ٤٩٢٦) و (٤٩٥٤).

وأخرجه في كتاب الأدب (٦٢١٤).

وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان (٢٥٧ / ١٦١) ص ١٤٤.

وأخرجه الترمذي في التفسير (٣٣٢٥) وقال : هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي في التفسير (٦٥٢) ، تحفة الأشراف (٣١٥٢).

وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٣٩٢) من طريق يحيى بن كثير به.

وأخرجه الطبري في تفسيره (٢٩ / ٩٠) أول سورة المدثر.

وأخرجه البيهقي في الدلائل (٢ / ١٥٥ ، ١٥٦) من طريق الأوزاعي.

والبيهقي في السنن (٧ / ٥١) و (٩ / ٦) من طريق ابن شهاب به.

١٤

سألت أبا سلمةَ بنَ عبد الرحمن : أيُّ القرآن أنزل قبل؟ قال :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قلت : أو( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ؟ قال : سألتُ جابرَ بن عبد الله الأنصاري : أيُّ القرآن أنزل قبل؟ قال :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قال : قلت : أو( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ؟ قال جابر : أحدثكم ما حدَّثنا رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني جاورت بحراء شهراً ، فلما قضيت جواري نزلت فاسْتَبْطَنْتُ بطن الوادي ، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء ـ يعني جبريل ـ فأخذتني رجفة. فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا عليّ الماء ، فأنزل اللهعزوجل عليّ :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ ) . رواه مسلم عن زهير بن حرب ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي.

وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أوّلاً ، وذلك : أن جابراً سمع من النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [هذه] القصة الأخيرة ولم يسمع أولها ، فتوهم أن سورة المدثر أولُ ما نزل ، وليس كذلك ، ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة «اقرأ».

والذي يدل على هذا.

٦ ـ ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن [أبي] حامد ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُوليّ ، حدَّثنا محمد بن يحيى ، حدَّثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر قال :

سمعت رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يحدث عن فترة الوحي ـ فقال في حديثه : فَبَيْنَا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فَجَثثتُ منه رعباً ، فرجعت ، فقلت : زملوني زملوني ، فَدَثَّرُوني ، فأنزل الله تعالى( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

رواه البخاري عن عبد الله بن محمد.

ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق.

__________________

[٦] انظر الحديث السابق.

١٥

فبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ثم نزل( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) . والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن الملك الذي جاء بحراء جالس ، فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول اقرأ.

٧ ـ أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد المقري حدَّثنا أبو الشيخ ، حدَّثنا أحمد بن سليمان بن أيوب ، حدَّثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، حدَّثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدَّثني أبي ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول :

أول سورة نزلت على رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمكة :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) .

وآخر سورة أنزلت على رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمكة : «المؤمنون». ويقال : «العنكبوت».

وأول سورة نزلت بالمدينة :( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) وآخر سورة نزلت في المدينة : «براءة».

وأول سورة أعلنها رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمكة : «والنجم».

وأشدّ آية على أهل النار :( فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ) .

وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ ) الآية.

وآخر آية نزلت على رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) ، وعاش النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعدها تسع ليال.

[٢]

القولُ في آخر ما نزل من القرآن

٨ ـ أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، وحدَّثنا محمد [بن

__________________

[٧] مرسل.

[٨] صحيح : أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٦٠٥ ـ ٤٦٥٤)

١٦

إبراهيم بن محمد بن يحيى قالا] : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحُباب الجُمَحِي ، حدَّثنا أبو الوليد ، حدَّثنا شعبة ، حدَّثنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقول :

آخر آية نزلت :( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ) ، وآخر سورة نزلت : «براءة». رواه البخاري في التفسير عن سليمان بن حرب ، عن شعبة ، ورواه في موضع آخر عن أبي الوليد ، ورواه مسلم عن بُنْدار ، عن غُنْدَر ، عن شعبة.

٩ ـ أخبرنا أبو بكر التَّميمي ، أخبرنا أبو محمد الحَيَّاني ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا [عبد الله] بن المبارك ، عن جُوَيْبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال :

آخر آية نزلت :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) .

٩١ ـ م ـ [وأخبرنا أبو بكر ، أخبرنا أبو محمد ، حدَّثنا أبو يحيى ، حدَّثنا سهل بن عثمان. حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن مالك بن مغول ، سمعت عطية العوفي يقول : آخر آية نزلت( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) ]

١٠ ـ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي ، أخبرنا محمد بن أحمد بن

__________________

وأخرجه مسلم في كتاب الفرائض (١١ / ١٦١٨) ص ١٢٣٦ وأبو داود في الفرائض (٢٨٨٨).

والنسائي في التفسير (١٥٣) و (٢٣٢) تحفة (١٨٧٠).

والطبري في تفسيره (٦ / ٢٩) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.

[٩] إسناده ضعيف جداً : جويبر بن سعيد ضعيف ، له ترجمة في ميزان الاعتدال (١ / ٤٢٧) ترجمة رقم ١٥٩٣ ، قال ابن معين : ليس بشيء وقال الجوزجاني لا يشتغل به وقال النسائي والدارقطني وغيرهما : متروك الحديث.

والضحاك لم يسمع من ابن عباس.

ولكن أثر بن عباس له شاهد بإسناد صحيح أخرجه النسائي في التفسير رقم (٧٧) وابن جرير (٣ / ٧٦) والبيهقي في الدلائل (٧ / ١٣٧) من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس وأخرجه الطبراني في الكبير من نفس الطريق (١٢٠٤٠)

[٩] م عطية العوفي : ضعيف ، قال الحافظ في التقريب : صدوق يخطئ كثيراً وكان شيعياً مدلساً.

[١٠] إسناده ضعيف جداً : محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب جاء في ترجمته في ميزان الاعتدال :

١٧

سنان المقري ، أخبرنا أحمد بن علي الموصلي ، أخبرنا أحمد بن الأحمس ، حدَّثنا محمد بن فضَيْل ، حدَّثنا الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله :( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) ، قال :

ذكروا أن هذه الآية وآخر آية من سورة «النساء» نزلنا آخر القرآن.

١١ ـ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب ، حدَّثنا الحسن بن عبد الله العبدي ، حدَّثنا مسلم بن إبراهيم ، حدَّثنا شُعْبة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْرَان ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب أنه قال :

آخر آية أنزلت على عهد رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) ، وقرأها إلى آخر السورة.

__________________

وقال سفيان : قال الكلبي قال لي أبو صالح انظر كل شيء رويت عني عن ابن عباس فلا تروه ـ وعن سفيان قال لي الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب ، وقال أحمد بن زهير : قلت لأحمد بن حنبل : يحل النظر في تفسير الكلبي قال : لا.

وقال ابن حبان : يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف.

[١١] إسناده حسن : علي بن زيد بن جُدعان اختلف فيه.

قال الهيثمي في المجمع (١ / ١٠٦ ، ٢٦٩ ، ٣١٤) : اختلف في الاحتجاج به.

وقال في المجمع (٣ / ١٧) : فيه كلام وهو موثق.

وقال في المجمع (٤ / ١١٦ ، ٢٧٣) : ضعيف وقد وثق.

وقد أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٣٨) من طريق يونس بن عبيد وعلي بن زيد عن يوسف ابن مهران وصححه ووافقه الذهبي.

وأخرجه عبد الله في زوائد المسند (٥ / ١١٧) وابن جرير في تفسيره (١١ / ٥٧) من طريق علي بن زيد به.

وقال الهيثمي في المجمع (٧ / ٨٤) : رواه عبد الله بن أحمد والطبراني وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيِّئ الحفظ.

وأخرجه البيهقي في الدلائل (٧ / ١٣٩).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٩٥) لابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن منيع في مسنده وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.

١٨

رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن الأصم ، عن بكَّار بن قتيبة ، عن أبي عامر العقدي ، عن شعبة.

١٢ ـ أخبرنا أبو عمرو محمد بن [عبد] العزيز في كتابه : أن محمد بن الحسين الحدّادي أخبرهم عن محمد بن يزيد ، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدَّثنا وكيع ، عن شعبة ، عن علي بن يزيد ، عن يوسف بن مَاهَك ، عن أُبَي بن كعب قال :

أحْدَثُ القرآن بالله عهداً :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) الآية. وأول يوم أنزل [القرآن] فيه يوم الاثنين.

١٣ ـ أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي ، أخبرنا ابن أبي خيثمة ، حدَّثنا موسى بن إسماعيل ، حدَّثنا مهدي بن ميمون ، حدَّثنا غيلان بن جرير ، عن عبد الله بن مَعْبَد الزَّمَّاني عن أبي قتادة : أن رجلاً قال لرسول الله : أرأيت صوم يوم الاثنين. قال : فيه أنزل عليَّ القرآن.

وأول شهر أنزل فيه القرآن : شهر رمضان ، قال الله تعالى ذكره :( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) .

١٤ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان النَّصْرُوي ، قال : أخبرنا أبو محمد

__________________

[١٢] في إسناده انقطاع ، قال المزي في تهذيب الكمال في ترجمة يوسف بن ماهك : روى عن أُبي بن كعب مرسلاً. وانظر الأثر السابق.

[١٣] إسناده صحيح : أخرجه مسلم في كتاب الصيام (١٩٨ / ١١٦٢) ص ٨٢٠ بلفظ : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال فيه ولدت وفيه أُنزل عليَّ. وأخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٢٩٩) بنفس اللفظ. وعزاه المزي في تحفة الأشراف (١٢١١٨) لمسلم والنسائي في الصيام في الكبرى.

[١٤] إسناده حسن : عمران بن داود القطان مختلف في الاحتجاج به ، قال الذهبي في الميزان : ضعفه النسائي وأبو داود. وفي ترجمته في تهذيب التهذيب قال البخاري : صدوق يهم.

والحديث أخرجه أحمد في مسنده (٤ / ١٠٧) وابن جرير (٢ / ٨٤).

والبيهقي في السنن الكبرى (٩ / ١٨٨)

١٩

عبد الله بن إبراهيم بن مَاسِي ، حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ، حدَّثنا عبد الله بن رجاء بن الهيثم الغُدَاني ، حدَّثنا عمران ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن وَاثِلَة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضيْن من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان.

[٣]

القولُ في آية التسمية وبيان نزولها

١٥ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري ، حدَّثنا محمد بن يحيى بن مَنْدَه ، حدَّثنا أبو كُرَيْب ، حدَّثنا عثمان بن سعيد ، حدَّثنا بشر بن عمارة عن أبي رَوْق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، أنه قال :

أول ما نزل به جبريل على النبي ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : يا محمد استعذ ، ثم قل :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

١٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق ، حدَّثنا إسماعيل بن أحمد

__________________

والبيهقي في الأسماء والصفات (١ / ٣٦٧).

وأخرجه الطبراني في الكبير (ج ٢٢ / ٧٥ ـ رقم ١٨٥).

وقال الهيثمي في المجمع (١ / ١٩٧) رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وقال أحمد : أرجو أن يكون صالح الحديث وبقية رجاله ثقات.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (١ / ١٨٩) لمحمد بن نصر والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب.

[١٥] إسناده ضعيف : بشر بن عمارة : قال الحافظ في التقريب : ضعيف [تقريب ١ ١٠٠] ، المجروحين [١ / ١٨٨] ، الميزان [١ / ٢٣١].

وفيه انقطاع : الضحاك لم يسمع من ابن عباس ، [انظر ترجمة الضحاك في تهذيب الكمال للمزي].

[١٦] إسناده صحيح ، أخرجه أبو داود في الصلاة (٧٨٨) والحاكم في المستدرك (١ / ٢٣١) وصححه ووافقه الذهبي.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

علي بن حماد العبدي

لله ما صنعت فينا يد البينِ

كم من حشاً أقرحت منا ومن عينِ

مالي وللبين؟ لا أهلاً بطلعته

كم فرّق البين قدماً بين إلفينِ؟!

كانا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما

ماء النعيم وفي التشبيه شكلين

كأنّ روحيهما من حسن إلفهما

روح وقد قسّمت ما بين جسمين

لا عذل بينهما في حفظ عهدهما

ولا يزيلهما لوم العذولين

لا يطمع الدهر في تغيير ودّهما

ولا يميلان من عهدٍ إلى مَينِ

حتى إذا أبصرت عين النوى بهما

خِلّين في العيش من هم خليّين

رماهما حسدا منه بداهيةٍ

فأصبحا بعد جمع الشمل ضدّين

في الشرق هذا وذا في الغرب منتئياً

مشرّدين على بُعد شجّيين

والدهر أحسد شيء للقريبين

يرمي وصالهما بالبعد والبين

لا تأمن الدهر إن الدهر ذو غيرٍ

وذو لسانين في الدنيا ووجهين

أخنى على عترة الهادي فشتّتهم

فما ترى جامعا منهم بشخصين

كأنّما الدهر آلا أن يبدّدهم

كعاتب ذي عناد أو كذي دين

بعض بطيبة مدفون وبعضهم

بكربلاء وبعض بالغريّين

وأرض طوس وسامرّا وقد ضمنت

بغداد بدرين حلا وسط قبرين

يا سادتي ألمن أبكي أسىً؟! ولمن

أبكي بحفنين من عيني قريحين؟!

١٦١

أبكي على الحسن المسموم مضطهدا؟!

أم الحسين لقى بين الخميسين؟

أبكي عليه خضيب الشيب من دمه

معفّر الخد محزوز الوريدين

وزينب في بنات الطهر لاطمة

والدمع في خدّها قد خدّ خدّين

تدعوه: يا واحدا قد كنت أمله

حتى استبدّت به دوني يد البين

لاعشت بعدك ما إن عشت لانعمت

روحي ولا طعمت طعم الكرا، عيني

أنظر إليّ أخي قبل الفراق لقد

أذكا فراقك في قلبي حريقين

أنظر الى فاطم الصغرى أخي تَرها

لليُتم والسبي قد خصّت بذلّين

اذا دنت منك ظل الرجس يضربها

فتلتقي الضرب منها بالذراعين

وتستغيث وتدعو: عمّتا تلفت

روحي لرزئين في قلبي عظيمين

ضرب على الجسد البالي وفي كبدي

للثكل ضرب فما اقوى لضربين

أنظر علياً أسيرا لا نصير له

قد قيّدوه على رغم بقيدين

وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل

وارحمتا للأسيرين اليتيمين

والسبط في غمرات الموت مُشتغل

ببسط كفّين أو تقبيض رجلين

لا زلت أبكي دماً ينهلّ منسجماً

للسيّدين القتيلين الشهيدين

ألسيّدين الشريفين اللذين هما

خير الورى من أب مجد وجدّين

ألضارعين الى الله المنيبين

ألمسرعين الى الحق الشفيعين

ألعالمين بذي العرش الحكيمين

ألعادلين ألحليمين الرشيدين

ألصابرين على البلوى الشكورين

ألمعرضين عن الدنيا المنيبين

ألشاهدين على الخلق الإمامين

ألصادقين عن الله الوفيّين

ألعابدين التقيّين الزكيّين

ألمؤمنين الشجاعين الجريّين

ألحجّتين على الخلق الأميرين

ألطيّبين الطهورين الزكيّين

نورين كانا قديما في الظلال كما

قال النبي لعرش الله قرطين

تفّاحتي احمد الهادي وقد جعل

لفاطم وعليّ الطهر نسلين

صلى الإله على روحيهما وسقا

قبريهما ابداً نوء السماكين

١٦٢

الى ان يقول فيها:

ما لابن حمّادٍ العبديّ من عمل‌‏

إلا تمسّكه بالميم والعين

فالميم غاية آمالي محمّدها

والعين أعني عليّا قرة العين

صلى الإله عليهم كلما طلعت

شمس وما غربت عند العشائين (1)

  ولأبن حماد:

حيّ قبرا بكربلا مُستنيرا

ضمّ كنز التقى وعلما خطيرا

وأقم مأتم الشهيد وأذرف

منك دمعا في الوجنتين غزيرا

والتثم تربة الحسين بشجوٍ

وأطل بعد لثمك التعفيرا

ثم قل: يا ضريح مولاي سُقيّـ

ـت من الغيث هاميا جمهريرا

ته على ساير القبور فقد أصـ

ـبحت بالتيه والفخار جديرا

فيك ريحانة النبي ومن حل

من المصطفى محلا أثيرا

فيك يا قبر كل حلم وعلم

وحقيق بأن تكون فخورا

فيك مَن هدّ قتله عمد الدين

وقد كان بالهدى معمورا

فيك من كان جبرئيل يُناغيه

وميكال بالحباء صغيرا

فيك مَن لاذ فطرس فترقّى

بجناحي رضى وكان حسيرا

يوم سارت له جيوش ابن هند

لذحول أمست تحل الصدورا

آه واحسرتي له وهو بالسيف

نحير أفديت ذاك النحيرا

آه إذ ظل طرفه يرمق الفسطاط

خوفا على النساء غيورا

آه إذ أقبل الجواد على النسوان

ينعاه بالصهيل عفيرا

فتبادرون بالعويل وهتّكن

الأقراط بارزات الشعورا

وتبادرن مسرعات من الحذر

ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطمن الخدود من ألم الثكل

وغادرن بالنياح الخدورا

__________________

1 - عن شعراء الغدير ج 4 ص 162.

١٦٣

وبدا صوتهنّ بين عداهنّ

وعفن الحجاب والتخفيرا

بارزات الوجوه من بعدما غودرن

صون الوجوه والتخفيرا

ثم لمّا رأين رأس حسين

فوق رمح حكى الهلال المنيرا

صحن بالذل أيها الناس لم نُسبى

ولم نأت في الأنام نكيرا؟!

ما لنا لا نرى لآل رسول الله

فيكم يا هؤلاء نصيرا؟!

فعلى ظالميهم سخط الله

ولعن يبقى ويفنى الدهورا

قل لمن لام في ودادي بني

أحمد: لا زلت في لظى مدحورا

أعلى حب معشر أنت قد كنتَ

عذولاً ولا تكون عذيرا

وأبوهم أقامه الله في « خُم »

إماماً وهادياً وأميرا

حين قد بايعوه أمراً عن

الله فسائل دوحاته والغديرا

وأبوهم أفضى النبي إليه

علم ما كان أولاً وأخيرا

وأبوهم علا على العرش لمّا

قد رقى كاهل النبي ظهيرا

وأماط الأصنام كلاً عن الكعبة

لمّا هوى بها تكسيرا

قال: لو شئت ألمس النجم بالكف

إذن كنت عند ذاك قديرا

وأبوهم ردّت له الشمس بيضاً

وهي كادت لوقتها أن تغورا

وقضى فرضه أداءً وعادت

لغروب وكوّرت تكويرا

وأبوهم يروي على الحوض مَن وا

لاهم ويردّ عنه الكفورا

وأبوهم يقاسم النار والجنة

في الحشر عادلا لن يجورا

فإذا اشتاقت الملائك زارته

فناهيك زايرا ومزورا

وأبوهم قال النبي له قولاً

بليغاً مكرّرا تكريرا

أنت خدني وصاحبي ووزيري

بعد موتي أكرم بذاك وزيرا

أنت مني كمثل هرون من موسى

لم اكن ابتغي سواه ظهيرا

وأبوهم أودى بعمرو بن ودّ

حين لاقاه في العجاج أسيرا

وأبوهم لبابِ خيبر أضحى

قالعا ليس عاجزا بل جسورا

حامل الراية التي ردّها بالأمس

مَن لم يزل جبانا فرورا

١٦٤

خصّه ذو العلا بفاطمة عرساً

وأعطاه شبرا وشبيرا

وهم باب ذي الجلال على آدم

فارتد ذنبه مغفورا

وبهم قامت السماء ولولاهم

لكادت بأهلها أن تمورا

وبهم باهل النبي فقل لي

ألهم في الورى عرفت نظيرا؟!

فيهم أنزل المهيمن قرآنا

عظيما وذاك جمّا خطيرا

في الطواسين والحواميم والرحمن

آيا ما كان في الذكر زورا

وخلقناه نطفة نبتليه

فجعلناه سامعا وبصيرا

لبيان إذا تأمله العارف

يبدي له المقام الكبيرا

ثم تفسير هل أتى فيه يا صاح

قل له إن كنت تفهم التفسيرا

إن الأبرار يشربون بكأس

كان عندي مزاجها كافورا

فلهم أنشأ المهيمن عيناً

فجّروها لديهم تفجيرا

وهداهم وقال: يوفون بالنذر

فمن مثلهم يوفي النذورا؟!

ويخافون بعد ذلك يوماً

شرّه كان في الورى مستطيرا

فوقاهم إلههم ذلك اليوم

ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بأنهم صبروا في السر

والجهر جنةً وحريرا

فاتكوا من على الأرائك لا

يلقون فيها شمسا ولا زمهريرا

وأوانٍ وقد أطيفت عليهم

سلسبيل مقدّر تقديرا

وبأكواب فضّة وقوارير

قدّروها عليهم تقديرا

وبكأس قد مازجت زنجبيلا

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

وإذا ما رأيت ثم نعيماً

دائماً عندهم وملكاً كبيرا

وعليهم فيها ثياب من السندس

خضر في الحشر تلمع نورا

ويحلّون بالأساور فيها

وسقاهم ربي شراباً طهورا

وروى لي عبد العزيز الجلودي

وقد كان صادقاً مبرورا

عن ثقاة الحديث أعنى العلائي

هو أكرم بذا وذا مذكورا

يسندوه عن ابن عباس يوماً

قال: كنا عند النبيّ حضورا

١٦٥

إذ أتته البتول فاطم تبكي

وتوالي شهيقها والزفيرا

قال: ما لي أراك تبكين يا فاطم؟!

قالت وأخفت التعبيرا

إجتمعن النساء نحوي واقبلن

يطلن التقريع والتعييرا

قلن: إن النبي زوّجك اليوم

عليّا بعلاً عديماً فقيرا

قال: يا فاطم اسمعي واشكري الله

فقد نلتِ منه فضلاً كبيرا

لم ازوّجك دون إذنٍ من الله

وما زال يحسن التدبيرا

أمر الله جبرئيل فنادى

رافعاً في السماء صوتاً جهيرا

وأتاه الأملاك حتى إذا ما

وردوا بيت ربّنا المعمورا

قام جبريل قائما يكثر التحميد

لله جلّ والتكبيرا

ثم نادى: زوّجت فاطم يا رب

عليّ الطهر الفتى المذكورا

قال رب العلا: جعلت لها المهر

لها خالصاً يفوق المهورا

خمس أرضي لها ونهري وأو

جبت على الخلق ودّها المحصورا

وروينا عن النبي حديثاً

في البرايا مُصحّحاُ مأثورا

انه قال: بينما الناس في الجنّة

إذ عاينوا ضياءً ونورا

كاد أن يخطف العيون فنادوا:

أي شيء هذا؟ وأبدوا نكورا

أوَ ليس الإله قال لنا: لا

شمس فيها ترى ولا زمهريرا

وإذا بالنداء: يا ساكن الجنة

مهلاً أمنتم التغييرا

ذا عليّ الوليّ قد داعب الزّ

هراء مولاتكم فأبدت سرورا

فبدا إذ تبسّمت ذلك النور

فزيدوا إكرامه والحبورا

يا بني أحمد عليكم عمادي

واتكالي إذا أردت النشورا

وبكم يسعد الموالي ويشقى

من يعاديكم ويصلي سعيرا

أنتم لي غداً وللشيعة الأبرار

ذخر أكرم به مذخورا

صاغ أبياتها عليّ بن حمّاد

فزانت وحُبّرت تحبيرا

١٦٦

ابن حماد العبدي

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري يستظهر الشيخ الأميني انه ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره.

كان حماد والد المترجم له أحد شعراء أهل البيت عليهم‌السلام كما ذكره ولده بقوله:

وإن العبد عبدكم عليا

كذا حمّاد عبدكم الأديب

رثاكم والدي بالشعر قبلي

وأوصاني به أن لا أغيب

  والمترجم له علم من أعلام الشيعة وفذّ من علمائها وشعرائها ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله: قد رأيته.

قال الشيخ الأميني: جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت فكان يربو على 2200 بيتاً. ولم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد ووفاته غير أن النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه ولد في صفر سنة 372 وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفي 17 ذي الحجة سنة 332 فيستدعي التاريخان أن المترجم ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره ثم قال:

وقفنا لابن حماد على قصيدة في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة

١٦٧

وقد ذكر ابن شهر اشوب بعض ابياتها نسبة الى العبدي ( سفيان بن مصعب ) وتبعه البياضي في ( الصراط المستقيم ) وغيره. والقصيدة للمترجم له، وقال القمي في الكنى: ابو الحسن علي بن عبيد الله بن حماد العدوي الشاعر البصري من اكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه ومن شعره في مدح امير المؤمنين عليه‌السلام قوله:

ورُدّت لك الشمس في بابل‌‏

فساميت يوشع لما سَما

ويعقوب ما كان اسباطه

كنجليك سبطي نبي الهدى

  وقال ابن حماد العبدي:

أسايلتي عما ألاقي من الأسى

سلي الليل عني هل أجن إذا جنّا

ليخبرك إني في فنونٍ من الجوى

إذا ما انقضا فنّ يوكل لي فنّا

وإن قلت: إن الليل ليس بناطق

قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى

وإن كنت في شكٍ فديتك فاسئلي

دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا

لما كانت اللذات تشغلكم عنّا

تشاغلتموا عنّا بصحبة غيرنا

وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتموا أن لا تخونوا عهودنا

فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخُنتم ولم نخن

وحُلتم عن العهد القديم وما حُلنا

وقلتم ولو توفوا بصدق حديثكم

ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا

على الجمر؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا

أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا

فما زادنا إلا جوىً ذلك المغنا

سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا

ونصبر عنكم مثل ما صبركم عنا

ونأخذ مَن نهوى بديلاً سواكم

ونجعل قطع الوصل منكم ولا منّا

تعالوا الى الانصاف فيما ادّعيتموا

ولا تفر طوابل صححوا اللفظ والمعنى

أليتكم ناصفتمونا فريضة

بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

١٦٨

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم

وإن غربت جدّدت ذكركم حُزنا

وإني لأرثي للغريب وإنني

غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّة صافياً

وما كنت أدري أنّ صحبتنا تفنا

زمان نعُمنا فيه حتى إذا مضى

بكينا على أيامه بدم أقنا

فوالله ما زال اشتياقي اليكم

ولا برح التسهيد لي بعدكم حفنا

ولا ذقت طعم الماء عذبا ولا صفت

موارده حتى نعود كما كنا

ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى

ولا زلت طول الدهر مقترعا سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسنا

كأنهم كانوا أحق بها منّا

ترى منجدي في أرض بغداد واهناً

لزهدكم فينا وبُعدكم عنّا

أيزعم أن أسلوا؟! ويشغل خاطري

بغيركم مستبدلا؟! بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكم

ظننا بكم ظناً فاخلفتموا الظنا

أمثّل مولاي الحسين وصحبه

كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا

فلما راته أخته وبناته

وشمر عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقن بالشمر اللعين وقلن: دَع

حسينا فلا تقتله يا شمر واذبحنا

فحزّ وريديه وركّب رأسه

على الرمح مثل الشمس فارقت الدجنا

فنادت بطول الويل زينب أخته

وقد صبغت من نحره الجيب والردنا

: ألا يا رسول الله يا جدّنا اقتضت

أميّة منا بعدك الحقد والضغنا

سُبينا كما تسبى الإماء بذلةٍ

وطيف بنا عرض البلاد وشُتتنا

ستفنى حياتي بالبكاء عليهم

وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعن الله الذي سنّ ظلمهم

وأخزى الذي أملا له وبه استنّا

سأمدحكم يا آل أحمد جاهداً

وأمنح مَن عاداكم السب واللعنا

ومن منكم بالمدح أولى لأنّكم

لأكرم من لبّى ومن نحر البُدنا

بجدّكم أسرى البراق فكان من

إله البرايا قاب قوسين أو أدنا

وشخص أبيكم في السماء تزوره

ملائك لا تنفكّ صبحا ولا وهنا

أبوكم هو الصدّيق آمن واتّقى

وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

١٦٩

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه

وعروته والعين والوجه والأذنا

وشدّ به أزر النبي محمد

وكان له في كل نائبةٍ ركنا

وأفرده بالعلم والبأس والندى

فمن قدره يسمو ومن فعله يُكنى

هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه

كما الدر والمرجان من قعره يُجنى

إذا عُدّ أقران الكريهة لم نجد

لحيدرة في القوم كفواً ولا قَرنا

يخوض المنايا في الحروب شجاعة

وقد ملأت منه ليوث الشرى جُبنا

يرى الموت من يلقاه في حومه الوغا

يُناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت

فوارسها واستتخلفوا الضرب والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً

وألقت على الأشداق أردية دُكنا

وخلتَ بها زرقَ الأسنّة أنجماً

ومن فوقها ليلاً من النقع قد جنّا

فحين رأت وجه الوصي تمزقت

كثلّة ضانٍ أبصرت أسداً شنّا

فتى كفّه اليسرى حمام بحربه

كذاك حياة السلم في كفّه اليُمنى

فكم بطل أردى وكم مرهب أودى

وكم مُعدم أغنى وكم سائل أقنى

يجود على العافين عفواً بماله

ولا يتبع المعروف من منّه مَنّا

ولو فض بين الناس معشار جوده

لما عرفوا في الناس بخلاَ ولا ضنّا

وكل جواد جاد بالمال إنما

قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكل مديح قلت أو قال قائل

فإن امير المؤمنين به يعنى

سيخسر من لم يعتصم بولائه

ويَقرع يوم البعث من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليته مخلص الولا

وكنت على الأحوال عبدا له قنا

عليكم سلام الله يا آل احمد

متى سجعت قمرية وعلت غصنا

مودّتكم أجر النبي محمد

علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدكم المأخوذ في الذر لم نقل

: لآخذه كلا ولا كيف أو أنّا

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكم

أناس وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهّرنا بفاضل طهركم

وطبتم فمن آثار طيبكم طِبنا

فما شئتم ومههما كرهتموا

كرهنا، وما قلتم رضينا وصدّقنا

١٧٠

فنحن مواليكم تحنّ قلوبنا

إليكم إذا إلف إلى إلفه حنّا

نزوركم سعيا وقلّ لحقكم

لو أنّا على أحداقنا لكم زُرنا

ولو بُضعت أجسادنا في هواكم

إذن لم نحل عنه بحاٍل ولا زلنا

وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم

ونحن إذا مِتنا نورّثه الأبنا

وأنتم لنا نعم التجارة لم نكن

لنحذر خسراناً بها لا ولا غبنا

وما لي لا اثني عليكم وربّكم

عليكم بحسن الذكر في كتُبه أثنى

وإن أباكم يقسم الخلق في غدٍ

فيسكن ذا ناراً ويُسكن ذا عدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمة

فما منكم بدّ ولا عنكم مغنى

ونعلم أن لو لم ندن بولائكم

لما قُبلت أعمالنا أبداُ منّا

وأن، إليكم في المعاد إيابنا

إذا نحن من أجداثنا سُرعاً قمنا

وأن عليكم بعد ذاك حسابنا

إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأن موازين الخلايق حبّكم

فأسعدهم مَن كان أثقلهم وزنا

وموردنا يوم القيامة حوضكم

فيظما الذي يُقصى ويُروى الذي يُدنى

وأمر صراط الله ثم إليكم

فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جُزنا

وما ذنبنا عند النواصب ويلهم

سوى أنّنا قوم بما دنتم دُنا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقّنوا

بأنّا عليه لا انثينا ولا نُثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطهم

رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنا اعتقدنا العدل في الله مذهباً

ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا الله العليّ بخلقه

فقالوا: خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا

ولو شاء لم نؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا: رسول الله ما اختار بعده

إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا: إذن أنتم إمام إمامكم

بفضل من الرحمن تهتم وما تهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا

لنا يوم « خمّ » لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا

فتجزون ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم

ودينٌ على غير القواعد لا يُبنى

١٧١

ونحن على نور من الله واضح

فيا رب زدنا منك نوراً وثبتنا

وظن ابن حمّاد جميل برَبه

وأحرى به أن لا يخيب له ظنّا

بنى المجد لي شنّ بن أقصى فحزته

تُراثاً جزى الرحمن خيراً أبي شنّا

وحسبي بعد القيس في المجد والدي

ولي حسب عبد القيس مرتبةً تبنى

وخالي تميم تمّ مجدي بفخره

فنلت بذا مجداً ونلت بذا أمنا

ودونك لاما للقلائد هذّبت

مديحا فلم تترك لذي مطمعن طعنا

ولا ظل أو أضحى ولا راح واغتدى

تأمل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى

تمثّلت الأشعار عنده لكنا

وخير فنون الشعر ما رقّ لفظه

وجلّت معانيه فزادت بتها حسنا

وللشعر علم إن خلا منه حرفه

فذاك هذاء في الرؤوس بلا معنى

إذا ما أديب أنشد الغثّ خلته

من الكرب والتنغيص قد ادخل السجنا

إذا ما رأوها أحسن الناس منطقاً

وأثبتهم قولاً وأطيبهم لحنا

تلذّ بها الأسماع حتى كأنها

ألذّ من أيام الشبيبة أو أهنى

وفي كل بيت لذة مستجدّة

إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابها

وثقّل ميزاني بخيراتها وزنا

وصلّى على الأطهار من آل احمد

إله السما ما عسعس الليل أو جنّا

  وقال أبو الحسن علي بن حماد العبدي البصري يمدح امير المؤمنين عليا صلوات الله عليه:

هل في سؤالك رسم المنزل الخربِ

برء لقلبك من داء الهوى الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده

ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفذ الوجد المثير له

نأي الخليط الذي ولي ولم يؤب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت

له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلت من قبل ان حالت نوى قذف

ان العيون لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا

لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب

١٧٢

من غادرٍ لم أكن يوماً أُسرّ به

غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي

وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح

للكاشحين ويخفى وجد مكتئب

بانوا قباباً وأحباباً تصونهم

عن النواظر أطراف القنا السلب

وخلّفوا عاشقاً ملقى رمى خلساً

بطرفه خدر مَن يهوى فلم يصب

ألقى النحول عليه برده فغدا

كأنه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما

حجبن من قضبٍ عنا ومن كثب

من كل هيفاء أعطاف هضيم حشى

لعساء مرتشف غراء منتقب

كأنما ثغرها وهنا وريقتها

ما ضمت الكاس من راح ومن حبب

وفي الخدور بدور لو برزن لنا

برّدن كل حشى بالوجد ملتهب

وفي حشاي غليل بات يضرمه

شوق الى برد ذاك الظلم والشنب

يا راقد اللوعة أهبب من كراك فقد

بان الخليط ويا مضني الغرام ثِب

أما وعصر هوى دبّ العزاء له

ريب المنون وغالته يد النوب

لاشرقن بدمعي إن نأت بهم

دار ولم أقض ما في النفس من أرب

ليس العجيب بأن لم يبق لي جلد

لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شيتُ ابن عشرين عاماً والفراق له

سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب

ما هزّ عطفي من شوق الى وطني

ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بُعد ومنتزح

الى الغري وما فهي من الحسب

أزكى ثرى ضمّ أزكى العالمين فذا

خير الرجال وهذا أشرف الترب

إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا

فإنه عن ضميري غير محتجب

مرّت عليه ضروع المزن رائحة

من الجنوب فروّته من الحلب

من كل مقربة إقراب مرزمةٍ

ارزام صادية الازواد والقرب

يذيبها حرّ نيران البروق وما

لهن تحت سجاليها من اللهب

بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف

مزنَ المدامع من جار ومنسكب

تهفو اشتياقا إليه كل جارحة

مني ولا مثلما تجتاح في رحب

ولو تكون لي الايام مسعدة

لطاب لي عنده بعدي ومقتربي

١٧٣

يا راكبا جسره تطوي مناسمها

ملآءة البيد بالتقريب والخب

هو جآء لا يطعم الانضآء غاربها

مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيّد المغزل الادماء في صعَدٍ

وتطلح الكاسر الفنخاء في جنب

تثني الرياح اذا مرّت بغايتها

حسر الطلآئح بالغيطان والخرب

بلّغ سلامي قبرا بالغري حوى

أوفى البرية من عجم ومن عرب

واجعل شعاري لله الخشوع به

وناد خير وصي صنو خير نبي

اسمع أبا حسن ان الأولى عدلوا

عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد

وضحته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الأمر الذي اعتلقت

زمامه من قريش كف مغتصب

ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت

خشاشها تربت من كف مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فلِم

أرادها اليوم لو لم يأتِ بالكذب

وانت توسعه صبراً على مضض

والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى إذا الموت ناداه فاسمعه

والموت داع متى يدع امرءاً يجب

حبابها زفرا فاعتاض محتقباً

منه بافضع محمول ومحتقب

وكان أول من أوصى ببيعته

لك النبي ولكن حال من كثب

حتى إذا ثالث منهم تقمصّها

وقد تبدّل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة

تجرّ فيها ذئاب آكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم مزدجر

لمّا رقى احمد الهادي على قتب

وقال والناس من دان اليه ومن

ثاوٍ لديه ومن مصغ مرتقب

قم يا علي فاني قد أمرت بأن

ابلّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إني نصبت علياً هادياً علماً

بعدي وأن علياً خير منتصب

فبايعوك وكل باسط يده

اليك من فوق قلب عنك منقلب

عافوك لا مانع طولا ولا حصر

قولا ولا لهج بالغش والريب

وكنت قطب رحى الاسلام دونهم

ولا تدور رحى إلا على قطب

ولا تماثلهم في الفضل مرتبة

ولا تشابههم في البيت والنسب

١٧٤

وان هززت قناة ظلت توردها

وريد ممتنع في الروح مجتنب

ان تلحظ القرن والعسّال في يده

يظل مضطربا في كف مضطرب

ولا تسلّ حساماً يوم ملحمة

إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر إذ لم يمتنع زفر

عن اليهود بغير الفر والهرب

فاغضب المصطفى اذ جرّ رايته

على الثرى ناكصا يهوى على العقب

فقال اني ساعطيها غداً لفتى

يحبه الله والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان مخترقا

مظنة الموت لا كالخائف النحب

جم الصلادم والبيض الصوارم و

الزرقُ اللهادم والماذيّ واليلب

فالأرض من لاحقيات مطهمة

والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من تقع بوارقه

لمع الأسنة والهندية القضب

اقدمت تضرب صبراً تحته فغدا

يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب

غادرت فرسانه من هارب فرق

أو مقعص بدم الأوداج مختضب

لك المناقب يعيى الحاسبون لها

عدّاً ويعجز عنها كل مكتتب

كرجعة الشمس إذ رمت الصلوة وقد

راحت توارى عن الابصار بالحجب

ردّت عليك كأن الشهب ما اتضحت

لناظرٍ وكأن الشمس لم تغب

وفي براءة انباء عجائبها

لم تطوعن نازح يوماً ومقترب

وليلة الغار لما بتّ ممتلئا

أمنا وغيرك ملآن من الرعب

ما أنت إلا أخو الهادي وناصره

ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها

دون الورى وابو ابنائه النجب

من كل مجتهد في الله معتضد

بالله معتقد لله محتسب

وارين هادين إن ليل الظلام دجا

كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لقبتُ بالرفض لما أن منحتهم

ودّي وأحسن ما ادعى به لقبي

صلوة ذي العرش تترى كل آونة

على ابن فاطمة الكشاف للكرب

وابنيه من هالك بالسم مخترم

ومن معفّر خدٍ بالثرى ترب

لولا السقيفة ما قاد الذين هم

أبناء حرب اليهم جحفل الحرب

١٧٥

والعابد الزاهد السجاد يتبعه

وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسى ويتبعه

البر الرضا والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم

ذي الأمر لابس أثواب الهدى القشب

مَن يملأ الارض عدلاً بعدما ملئت

جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البُهم الشوس الكماء الى

حرب الطغاة على قبّ الكلا شزب

أهل الهدى لا أناس باع بائعهم

دين المهيمن بالدنيا وبالرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة

لأغنت النار عن مذكٍ ومحتطب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره

ذُد النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في هواك بما

جرّدت من خاطر أو مقول ذرب

حتى لقد وسمت كلماً جباههم

خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترضَ عني فلا أسديت عارفة

إن سائني سخط أُمّ برّة وأبِ

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت

لي الصحاب فكانا خير مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة

طابت ولو جاوزت مغناك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبي حباً وهدى

اليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي ونفسي بعد عارفة

بأن راحتها في ذلك التعب

  وقال يمدحه صلوات الله عليه ويرثي ولده الحسين عليه‌السلام :

شجاك نوى الاحبة كيف شاءا

بداء لا تصيب له دواءا

ابانوا الصبر عنك غداة بانوا

ورحّل عنك من رحلوا العزاءا

واعشوا بالبكا عينيك لما

حدا الحادي بفرقتهم عشاءا

لعمر أبيك ليس الموت عندي

وبينهم كما زعموا سواءا

فإن الموت للمضنى مريح

ومضنى البين مزداد بلاءا

سل العلماء هل علموا فسموا

سوى داء الهوى داءا عياءا

وهل ساد البرية غير قوم

عليهم احمد مدّ العباءا

رقى جبريل إذ جعلوه منهم

ففاخر كل من سكن السماءا

١٧٦

رآهم آدم أشباح نور

بساق العرش مشرقة ضياءا

هناك بهم توسل حين أخطأ

فكفّر ربه عنه الخطاءا

فمنهم ذلك الطهر المرجى

عليّ اذ نُنيط به الرجاءا

امير المؤمنين أبو تراب

ومن بترابه نلفي الشفاءا

خليفة ربنا في الأرض حقا

له فرض الخلافة والولاءا

وعلّمه القضايا والبلايا

وفهّمه الحكومة والقضاءا

وسمّاه عليا في المثاني

حكيما كي يتم له العلاءا

وأعطاه أزمة كل شيء

فليس يخاف من شيء اباءا

فأبدع معجزات ليس تخفى

وهل للشمس قط ترى خفاءا

وشبهه ابن مريم في مثال

أراد به امتحانا وابتلاءا

فواضل فضله لو عددوها

اذن ملأت بكثرتها الفضاءا

إمام ما انحنى للآت يوما

ولم يعكف على العزى انحناءا

وواخاه النبي فلم يخنه

كمن قد خان بل حفظ الاخاءا

وعاهده فلم يغدر ولكن

وفاه ومثله حفظ الوفاءا

وكم عرضت له الدنيا حضورا

فجاد بها لعافيها سخاءا

شفى بالعلم سائله وأغنى

ببذل المال سائله عطاءا

هو الصدّيق اول مَن تزكى

وصدّق احمد الهادي ابتداءا

هو الفاروق إن هم أنصفوه

به عرفوا السعادة والشقاءا

صلوة الله دائمة عليه

ورحمته صباحا أو مساءا

فقد ابقت مودته بقلبي

نوازع تستطير بي ارتقاءا

ولي في كربلاء غليل كرب

يواصل ذلك الكرب البلاءا

غداة غدا ابن سعد مستعداً

لقتل السبط ظلما واعتداءا

فاصبح ظاميا مع ناصريه

فكل منهم يشكو الظماءا

ولم يالوا مواساة وبذلا

بانفسهم لسيدهم فداءا

الى أن جُدّلوا عطشا فنالوا

من الله المثوبة والجزاءا

١٧٧

وامسى السبط منفردا وحيدا

ولم يبلغ من الماء ارتواءا

فاوغل فيهم كالليث لما

رأى في غيله نعماً وشاءا

ولما أثخنوه هوى صريعا

فبزوه العمامة والرداءا

وعلّوا رأسه في رأس رمح

كبدر التم قد نشر الضياءا

وأبرزن النساء مهتكات

سبايا لسن يعرفن السباءا

فلما أن بصرن به صريعاً

وقد جعل التراب له وطاءا

تغطيه نصولهم ولكن

حوامي الخيل كشّفت الغطاءا

سقطن على الوجوه مولولات

وأُعدِ من التصبر والعزاءا

تناديه سكينة وهي حسرى

وليس بسامع منها النداءا

أبي ليت المنية عاجلتني

وكنت من المنون لك الفداءا

أبي لا عشت بعدك لا هنت لي

حياتي لا تمتعتُ البقاءا

رجوتك ان تعيش ليوم موتي

ولكن خيّب الدهر الرجاءا

ابي لو تنفع العدوى لمثلي

على خصمي لخاصمت القضاءا

لو أن الموت قدّمني وأبقى

حسيناً كان أحسن ما أساءا

ابي شمتَ العدو بنا وأعطى

مناه من الشماتة حيث شاءا

هتكنا بعد صون في خبانا

وهتّكت العدى منا الخباءا

ابي لو تنظر الصغرى بذل

تساق كما يسوقون الاماءا

اذا سلب القناع الرجس عنها

تخمّر وجهها بيدٍ حياءا

أبي حان الوداع فدتك نفسي

فعدني بعد توديعي لقاءا

فيا قمراً تغشّاه خسوفٌ

كما في التم مطلعه أضاءا

ويا غصناً حنت ريح المنايا

غضاضته كما اعتدل استواءا

ويا ريحانة لشميم طاها

أعادتها ذوابلهم ذواءا

بكته الأرض والثاوي عليها

أسى وبكاء مَن سكن السماءا

وقد بكت السماء عليه شجواً

وأذرت من مدامعها دماءا

سيفنى بالاسى عمري عليه

ولست أرى لمرزاتي فناءا

١٧٨

سأبكيه وأُسعد من بكاه

واجعل ندبه ابدا عزاءا

وامدح آل احمد طول عمري

وأوسع مَن يعاديهم هجاءا

واحفظ عهدهم سراً وجهراً

ولا أبغي لغيرهم الوفاءا

واعتقد الولاء لهم حياتي

وممن خان عهدهم البراءا

وأعلم أنهم خير البرايا

وأفضلهم رجالا أو نساءا

فمن ناواهم بالفضل يوما

فليس برابحٍ إلا العناءا

ولم يك بالولاء لهم مقرّاً

لاصبح برّه ابدا هباءا

فيا مولاي وهو لك انتساب

أنال به لعمرك كبرياءا

اليك من ابن حماد قريضا

هو الياقوت أو أبهى صفاءا

وقال يمدحه ويذكر بعض مناقبه ويرثي ولده الحسين صلوات الله عليهما:

دعوت الدمع فانسكب انسكابا

وناديت السلو فما اجابا

وهل لك أن يجيب فتى حزينا

رأت عيناه بالطف اكتئابا

وكيف يملّ شيعيّ منيب

الى الطف المجيئ أو الذهابا

يحار اذا رأيت الحَيَر فكري

لهيبته فلم أملك خطابا

وحق لمن حوى ما قد حواه

من النور المقدس أن يهابا

سلالة أحمد وفتى علي

فيالك منسبا عجبا عجابا

فكان محمد هنيّ وعزّي

به عن ربه دأبا فدابا

ربا في حجر جبريل وناعى

له ميكال وانتحبا انتحابا

وساد وصنوه الحسن المزكى

من اهل الجنة الغُرّ الشبابا

هما ريحانتا المختار طيبا

اذا والاهما الشم استطابا

وقرطا عرش رب العرش تبّت

يدا من سنّ ظلمهما تُبابا

سقي هذا المنون بكاس سمٍّ

وذاك بكربلا منع الشرابا

سأخضب وجنتي بدماء عيني

لشيبته وقد نصلت خضابا

وألبس ثوب أحزاني لذكري

له عريان قد سلب الثيابا

١٧٩

فوا حزنا عليه وآل حرب

ترويّ البيض منه والحرابا

وواحزنا ورأس السبط يسري

كبدر التم قد عُلي شَهابا

وواحزنا ونسوته سبايا

وقد هتك العرى منها الحجابا

وقد سفرت لدهشتها وجوها

تعوّدت التخمر والنقابا

وقد جزّت نواصيها وشدّت

بها الأوساط لم تأل انتدابا

وزينب في النساء لها رنين

يكاد يفطرّ الصمّ الصلابا

تنادي يا أخي ما لليالي

تجدد كل يوم لي مصابا

فقدتُ أحبتي ففقدت صبري

وقد لاقيت أهوالاً صعابا

وكنتَ بقية الماضين عندي

به أسلو اذا ما الخطب نابا

فبعدك من ترى أرجوه ذخراً

اذا ما الدهر ينقلب انقلابا

وأعظم حسرتي أني اذا ما

دعوتك لم تردّ لي الجوابا

فلِم أبعدتني يا سؤل قلبي

وما عوّدتني إلا اقترابا

لو أنّ عُشير ما ألقاه يُلقى

على زبر الحديد إذن لذابا

أخي لو أن عينك عاينتني

لما قرّت بكاء وانتحابا

فكنت ترى الأرامل واليتامى

يحثّ السائقون بها الركابا

وكنت ترى سكينة وهي تبكي

وتخفي الصوت خوفاً وارتقابا

وفاطمة الصغيرة قد كساها

شمول الضيم ذلا واكتئابا

تنادي وهي باكية أباها

وقد هتك العدى منها الحجابا

حلفتُ برب مكة حلف برّ

ومن أجرى بقدرته السحابا

فما قتل الحسين سوى أناس

لقتل محمد دفعوا الدبابا

وراموا قتل والده عليّ

وحازوا إرث فاطمة اغتصابا

سيعلم ظالم الاطهار ماذا

يُعدُّ له وينقلب انقلابا

وكيف يجيب سائله وماذا

يعد له اذا ورد الحسابا

كلاب النار كانوا دون شك

كما يروون ان لها كلابا

فليس يشم ريح الخلد كلب

ورب العرش يصليه عذابا

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591