أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن13%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439409 / تحميل: 6664
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدل على أنَّه لا أقلَّ كتب شروح بعض الأدعية ولكن لم تصل إلينا ، وإلّا فما معنى نقله لما قدمه هناك.

نرجو العلي القدير أن يوفقنا للعثورعلى بقية هذا الشرح القيّم انه سميع مجيب.

وأمَّا الشرح فهو غني عن التعريف لما سوف تلمسه فيه مما أبدع فيه المؤلف من تطعيمه بشتى البحوث الفلسفية والطبيعية ، والكلامية ، وبحوث الهيئةوالنجوم ، وغيرها.

ولا غرابة فالمؤلف هو من عكف على آرائه الرياضية والنجومية علماء الشرق والغرب ، ولا زالوا ولم يتمكنوا من الوصول إلى حل قسم من مسائله.

ونظرا لأهمّيّة الكتاب فقد اعتمده جمع ممّن تأخر عنه ، منهم صاحب الرياض في شرحه للدعاء الثالث والأربعين من رياضه المتقدم.

ومنهم شيخ الإسلام العلّامة المجلسي كأحد مصادر كتابه « بحار الأنوار » وأورد أغلبه فيه ، اُنظر بحار الأنوار ٥٨ / ١٧٨ ـ ١٩٩ و ٢٩١ ـ ٢٩٣.

* * *

٢١

ترْجَمة المؤَلّف

اسمه ونسبه

هو : الفقيه المحقق ، والحكيم المتألّه ، والعارف البارع ، والمؤلف المبدع ، والبحاثة المكثر المُجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع في الفنون بأَسرها ، نابغة الامة الاسلامية في عصره :

الشيخ أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمّد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الهَمْداني العاملي الجبعي.

نعم ، هوحارثي هَمْداني ، إذن هو من بيت المجد والشرف والولاء للعترة الطاهرة ، منذ عهد جدّه الأعلى الحارث بن عبد الله الأعور الهَمْداني(١) ، الذي بشّره أميرالمؤمنينعليه‌السلام  عند وفاته بنتيجة عقيدته الصحيحة به ، وولائه المخلص له.

وصحة هذا النسب الطاهر مما تسالم عليه جميع من ترجم له ، أو لوالده ،

________________________

(١) الحارث بن عبدالله الاعور ، عدّ في الأولياء من أصحاب أميرالمومنينعليه‌السلام  ، روى القرطبي في تفسيره الجامع ، باب ذكرجمل من فضائل القران ج ١ : ٥ ما لفظه وكفاه : الحارث : رماه الشعبيّ بالكذب ، وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب ، وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ علي وتفضيله له على غيره ، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي.

وهذا ديدنهم في كلّ من أحب علياً وآل علي.

ترجم له في تنقيح المقال ١ : ٢٤٥ ت ٢١٠٨ / رجال البرقي : ٤ / اختيار معرفة الرجال ١٨ ت ١٤٢١٤٣ وسير أعلام النبلاء ٤ : ١٥٢ / ت ٥٤ / تهذيب الكمال ٥ : ٥ : ٢٤٤ ت١٠٢٥. وغيرها كثير.

٢٢

وكما صرّح به جمع من أعلام الاُمة وأساطين الطائفة ممن عاصرها ، ومن تأخر عنهما في إجازاتهم(١) ، وقد عد منهم صاحب الغديرقدس‌سره عشرين علماً(٢) .

وأشاد به نظماً جمع ، منهم الشيخ جعفر الخطّي البحراني(٣) في قصيدة منها :

فيابن الاُولى أثنى الوصيّ عليهم

بماليس تثني وجهه يد إنكار(٤)

يلتقي نسبه الشريف مع نسب علم من أعلام القرن الجامع بين ، العلم والأدب ، والناشر لألوية الحديث ، الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الشيخ علي الكفعمي ، مؤلف المصباح ، والبلد الأمين ، وشرح الصحيفة ، ومحاسبة النفس ، الى غيرها.

وذلك أن الشيخ البهائي حفيد أخ الشيخ الكفعمي واليك مخططاً يوضح هذا :

________________________

(١) انظر البحارقسم الإجازات ج ١٠٥ : ١٤٦ و ١٠٧ : ١٤ و ٣٢ و ٣٨ وغيرها.

(٢) الغدير ١١ : ٢١٩ ، ضمن ترجمة والد الشيخ البهائي.

(٣) أبو الحر جعفر بن محمد بن علي بن ناصر بن عبد الامام الخطّي البحراني ينتهي نسبه الى عدنان عالم غلب عليه الادب والشعر فكان من الادباء الكاملين والشعراء المفلقين له إجازة من الشيخ البهائي وله ديوان شعر وغيره مات سنه ١٢٠٨ هـ ، له ترجمة في امل الآمل ٢ / ٥٤ ت ١٣٩ ، سلافة العصر٥٢٤ ، انوار البدرين : ٢٨٨ ت ٤ رياض العلماء ١ / ١١١ ، الروضة النضرة : ١١٣ ، نجوم السماء ١ / ٧٩.

(٤) اُنظر : الغدير ١١ : ٢٢١ / لؤلؤة البحرين : ١٦ ت ٥.

٢٣

٢٤

إذن فالشيخ البهائي محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد أخ الشيخ إبراهيم الكفعمي.

هذا نسبه يصفه هوبنفسه قائلا : « إنّ آباءنا وأَجدادنا في جبل عامل كانوا دائماً مشتغلين بالعلم والعبادة والزهد ، وهم أصحاب كرامات ومقامات ».

في هذه البيئة ، ومن هذا البيت العلمي ورث المجد والسؤدد ، ومن هكذا محيط خرج الى الدنيا ، وليس بمنكرما للمحيط من أثر.

ولادته

تاريخها ومكانها

تاريخها :

اختلف المؤرخون فيها :

فمن ذاهب الى أنّها كانت عند المغرب يوم الخميس لثلاث عشر بقين من المحرم سنة ٩٥٣ ، واليه مال الشيخ البحراني وجمع(١) .

ومن ذاهب الى أنها كانت عند غروب شمس يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة(٢) .

ومن ذاهب ـ كالافندي وجمع ـ الى أنّها كانت « عند غروب الشمس يوم الاربعاء ١٧ ذي الحجة سنة ٩٥٣ »(٣) وذلك استناداً الى نص وجده بخط الشيخ البهائي على نسخة من إرشاد العلّامة الحلي حكاه عن خط والده حيث سجل فيه مواليد ووفيات جمع من الاُسرة.

وهناك من مال الى أَنها كانت سنة ٩٥١ ولم أجد من أيّده على ذلك ولعلها تصحيف ٩٥٣(٤) .

________________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٢.

(٢) سلافة العصر : ٢٩٠ / خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠ / الحدائق النديّة : ٣ ، ٤٥.

(٣) رياض العلماء ٢ : ١١٠.

(٤) رياض العلماء٥ : ٩٧.

٢٥

ولهذا فقد ضبطها الشيخ القمي في هديته وكناه بقوله : ظنج.

وبناءً على نقل الشيخ المجلسي الاول فيكون مولده اما سنة ٩٤٨ أو ٩٤٩(١) .

وأما محلّها :

فالذي يستفاد من بعض سوانحه(٢) ، وبعض النصوص أَنّها كانت فيموطنه الأَصلّي بعلبك من جبل عامل.

وهو الحق في المقام.

وما ذهب اليه الطالوي في سانحاته من أنّها في قزوين(٣) .

والصنعائي من أنّها في أصفهان(٤) .

وأحمد رفعت(٥) ، وسامي باشا(٦) ، وقدري طوقان(٧) من أنها في آمل المازندرانية أو الخراسانية الى غير ذلك.

فهو مما لا شاهد له ولا دليل عليه ، اللهم إلّا التشابه اللفظي بين آمل وعامل.

* * *

________________________

(١) انظر روضة المتّقين ١٤ : ٤٣٥.

(٢) انظر الكشكول ١ : ٢١٣.

(٣) سانحات دمى العصر ٢ : ١٢٨.

(٤) نسمة السحر ٢ : ٢٥٥.

(٥) لغات تاريخية ٦ : ٢٠٠.

(٦) قاموس الاعلام ٢ : ١٤١١.

(٧) تراث العرب العلمي : ٤٧٤.

٢٦

أساتذته ومشايخه

« إنّ رحلات شيخنا البهائيّ لاقتناء العلوم ردحا من عمره ، وأسفاره البعيدة الى حواضر العالم الاسلامي حينذاك دون ضالّته المنشودة ، وتجوله دهراً في المدن والأمصار وراء اُمنيته الوحيدة ، واجتماعه في تلكم الحواضر مع أساطين الدين ، وعباقرة المذهب ، وأعلام الاُمّة ، وأساتذة كل علم وفنّ ، ونوابع الفواضل والفضائل.

تستدعي كثرة مشايخه في الأخذ والقراءة والرواية غير أنّ المذكور منهم في غضون المعاجم »(١) قلة لاتناسب ما سنعرف عن سياحته وتنقلاته وهم :

١ ـ والده المقدّس الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمّد ، صاحب النفس الطاهرة الزكية ، والهمّة الباهرة العليّة ، كان عالماً ماهراً ، محققاً متبحراً ، جامعاً أديباً منشأ شاعراً ، عظيم الشأن ، جليل القدر ، ثقةً ، من فضلاء تلامذة الشهيد الثانيقدس‌سره .

توفيقدس‌سره سنة ٩٨٤ ثامن ربيع الأول ، في المصلّى من قرى هجر من بلاد البحرين ، عن عمربلغ ٦٦ سنه ، حيث كانت ولادته سنة ٩١٨ في غرة محرم الحرا م(٢) .

وقد قرأ عليه ابنه ـ الشيخ البهائي ـ العلوم العربية والحديث والتفسير ، وروى عنه قراءةً وسماعاً واجازة لجميع ما للإجازة فيه مدخل من سائر العلوم العقلية والنقلية ، بحق روايته عن شيخنا الإمام قدوة المحققين الشهيد الثاني

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٥٠.

(٢) ترجم له جمع منهم : البحراني في لؤلؤته : ٣٣ رقم ٦ / وألأميني في الغدير ١١ : ٢١٨ / والبغدادي في هديته ٢ : ٢٧٣ / والأفندي في رياضه ٢ : ١٠٨ / والحرّفي أمله ١ : ٧٤ رقم ٦٧ / والخوانساري فيروضاته ٢ : ٣٣٨ رقم ٢١٧ / والمامقاني في تنقيحه ١ : ٣٣٢ رقم ٢٩٤٨ / والقمي في سفينته ١ : ٢٧٢ ، وكناه ٢ : ١٠٢ ، وفوائده الرضوية : ١٣٨ / والشيخ النوري في خاتمة مستدركه ٣ : ٤٢١ / والسيد الأمين في أعيانه ٦ : ٥٦.

٢٧

طاب ثراه(١) .

٢ ـ الفقيه المحقق ، والمحدّث المتكلم ، الشيخ عبد العالي بن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي ، نجل صاحب جامع المقاصد ، المولود سنة ٩٢٦ ، والمتوفى ٩٩٣ باصفهان ، ونقل منها بعد ثلاثين سنة ودفن في المشهد الرضوي على من حلّ فيه آلاف التحية والثناء(٢) .

٣ ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبي اللطف بن علي بن منصور المقدسي الشافعي الأشعري العلوي ، المولود سنة ٩٤٠ ، برع وهوشاب حتى فُضّل وقدم على من هو أسنّ منه حتى على أخويه ، وصار مفتياً للقدس الشريف على المذهب الشافعي ، مات سنة ٩٩٣(٣) .

وقد أَجاز الشيخ البهائي بإجازة مؤرخة سنة ٩٩٢ في شهرجمادى الأُولى منه(٤) .

ومن لطيف الأسانيد والطرق طريق الشيخ البهائي لرواية صحيح البخاري عن مؤلفه ، وهم ثلاثة عشر شيخاً جميعهم من المسمين بمحمّد ، إليك السند ـ مع حذف الألقاب والاقتصار على الإسم فقط ـ مع تتمته للشيخ البحراني :

.. الشيخ محمّد بن يوسف بن كنبار ، عن الشيخ محمّد بن ماجد البحراني ، عن الشيخ محمّد باقر المجلسي صاحب البحار ، عن أبيه الشيخ محمّد تقي المجلسي ، عن الشيخ محمّد بن الحسين البهائي ، عن محمّد بن محمّد بن محمّد أبي اللطف المقدسي ، عن أبيه محمّد بن محمّد ، عن شيخه محمّد بن ابي الشريف المقدسي ، عن محمّد بن أبي بكر ، عن محمّد المراغي ، عن محمّد بن إسماعيل القرشيدي ، عن السيّد محمّد بن سيف الدين قليج بن كيكذي العلائي ، عن محمّد ابن مسلم بن محمّد بن مالك الحنبلي ، عن أبي محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد

________________________

(١) أعيان الشيعة ٩ : ٢٤٣.

(٢) له ترجمة في الأمل ١ : ١١٠ رقم ١٠٠ / ونقد الرجال : ١٨٨ رقم ١ / عالم آرا ١ : ١٥٤ / وأعيان الشيعه ٨ : ١٧ / ورياض العلماء ٣ : ١٣١ / وتكملة الأمل : ٢٦٥ رقم ٢٣٢ / واحياء الداثر : ١٢٢.

(٣) له ترجمة في شذرات الذهب ٨ : ٤٣١ / والكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة ١ : ٧.

(٤) بحار الأنوار ١٠٦ : ٩٧ رقم ٦٩.

٢٨

المقدسي ، عن محمّد بن عبد الواحد البزاز ، عن محمد بن أحمد حمدان ، عن محمّد ابن اليتيم ، عن محمّد بن يوسف الفريري ، عن محمّد بن إسماعيل البخاري بكتابهالمذكور ، وجميع مصنفاته.

٤ ـ الشيخ الفاضل الكامل المنطقي المولى عبدالله بن الحسين اليزدي الشهابادي المتوفى سنة ٩٨١(١) في اصفهان ، كان علّامة زمانه ، جليل القدر ، عالي المنزلة ، له مؤلفات منها : الحاشية على تهذيب المنطق للتفتازاني ، وحاشية على الأستبصار.

تلّمذ عليه جمع منهم صاحب المعالم ، والمدارك ، وشيخنا المؤلّف ، حيث أخذ عنه الحكمة والكلام وبعض المنقول.

٥ ـ المولى علي المذهب المدرس ، تلمّذ عليه في الرياضيات(٢) .

٦ ـ القاضي المولى أفضل القايني(٣) .

٧ ـ الشيخ أحمد الكجائي الكَهدمي الكَيلاني النُهْمَني(٤) ، المعروف بپير أحمد ، قرأ عليه في قزوين(٥) الرياضيات والحكمة ‎.

٨ ـ النطاسي المحنّك عماد الدين محمد بن مسعود الشيرازي ، قرأ عليه

________________________

(١) ترجم له كل من القمي في فوائده : ٢٤٩ : وسفينته ٢ : ١٣٢ / والحرّ في أمله ٢ : ١٦٠ ت ٤٦٥ / والأفندي في رياضه ٣ : ١٩١ / وروملوفي أحسن التواريخ : ١٢ : ٤٥٨ / والمدني في سلافته ٤٩٠ / وشيخ الذريعة في إحياء الداثر : ١٣٥ / والذريعة ٦ : ٥٣ ت ٢٦٨ / وكحّالة في معجم المؤلفين ٦ : ٤٩ / والمحبي في خلاصته ٣ : ٤٠ / والخوانساري في روضاته ٤ : ٢٢٨ رقم ٣٨٦ / والبغدادي في هديته ٤٧٣١.

هذا ويذهب البعض إلى أنّ وفاته كانت سنة ١٠١٥ منهم المحبي والبغدادي وانظر ماضي النجف وحاضره ٣ : ٣٨٣ حيث ترجم له ولمجموعة من ذريته.

(٢) عالم آرا ١ : ١٥٦.

(٣) عالم آرا ١ : ١٥٦ / إحياء الداثر : ٢٣.

(٤) قال شيخ الذريعة : إن كجاء قد تسمى ( نه مَنِيهَ ) لأن بها قراناً كبيراً مشهوراً بـ( نه من ) ، حيث كان وزنه تسعه أمنان ، بخط كوفي جلّي ، على جلد ظبي ، يقال أنّه بخط أميرالمؤمنينعليه‌السلام . انظر الروضة النضرة : ٣٤

(٥) له ترجمة في الروضة النضرة : ٣٤ / انظر الذريعة ١ : ٥١٩ ت ٢٥٣٣ ، ٥ : ١٣٩ ت ٥٧٨.

٢٩

الطب(١) .

٩ ـ الشيخ عمر العرضي ، أفاد منه في حلب(١) .

١٠ ـ الشيخ محمد بن محمد بن أبي الحسن علي بن محمد البكري ، اجتمع معه في مصر ، وحضر دروسه في الأزهر. المتوفى سنة ٩٩٣ هـ(٢) ، له : شرح مختصرأبي شجاع ، وديوان شعر(٣) .

١١ ـ محمد باقر بن زين العابدين اليزدي المتوفى حدود ١٠٥٦ ، كان من أعاظم الرياضيين ، له : عيون الحساب ، مطالع الأنوارفي الهيئة ، وغيرها(٤) .

ومما لاشك فيه أنّ هذا العدد المذكور من أساتذته وشيوخه لايلائم تلك السياحة التي أخذت من عمره أكثر من الثلث ، بل ومشابهته لفنون عدّة حتى الف في أغلبها الكتب.

ولكن ما الحيلة وهذا هو المحفوظ والذي عثرنا عليه منهم.

________________________

(١) ترجم له كلا من صاحب عالم آرا ١ : ١٦٨ وكذلك في ضمن ترجمة البهائي ١ : ١٥٦ / وإحياء الداثر : ٢٤٠ / والذريعة ٢ : ٢٦٢ ت ١٠٧١ ، ١١ : ١٣٣ ت ٨٣٠ ، ١٦٨ت ١٠٥٤ ، ١٨ : ١٩١ ت ١٣٥٩ و ٢١ : ٢٥٨ ت ٤٩٢٥.

(٢) عمربن عبدالوهاب بن ابراهيم العرضي الحلبي ألشافعي ، مفتي حلب ومحدّثها ، له : شرح الشفا للقاضي. واسمه فتح الغفار ، ذيل تاريخ ابن الحنبلي ، الدّر الثمين وغيرها.

مات سنة ١٠٢٤ هـ ١٦١٥ م.

خلاصة الأثر ٣ : ٢١٥ / ريحانة الألبا ١ : ٢٧٩ رقم ٤١ / كشف الظنون : ١٠٥٤ / هدية العارفين ١ : ٧٩٦ / معجم المؤلفين ٧ : ٢٩٦ وغيرها.

(٣) ترجم له الحنبلي في شذراته ٨ : ٤٣١ / والعبدروسي في نوره السافر ٢ : ٣٦٩ / والخفاجي في ريحانته٢ : ٢٢٠ ت ١٤٩ وانظر هامشه / والمحبي في خلاصته ١ : ١٤٥ / والمدني في سلافته : ٤٠٠.

(٤) من لطيف شعره :

قد بلينا بأمير

ظلم الناس وسبح

فهو كالجزار فيهم

يذكر الله ويذبح

 (٥) الروضة النضرة : ٧٥ / الذريعة ١٥ : ٣٨٧ ت ٢٣٧٦

٣٠

تلامذته

إنّ التأريخ حفظ لنا أسماء جمّ غفير ممن أخذ عن الشيخ المصنف علوم الدين ، والفلسفة والأدب من العلماء الأفذاذ ، ومن استجاز عنه للرواية.

وقد تجمع لدينا منهم عدد كبير ، أرجأنا تعدادهم الى موعد قريب. إن شاء الله(١) .

رحلاته

كانت رحلته الاُولى مع والده من مسقط رأسه إلى إيران ، وفيها تعلم الفارسية واتقنها حتى كأنّه ابن بجدتها ، درس وتعلم في حاضرتي العلم قزوين واصفهان على أبيه وغيره ممن مرّ من أساتذته ، وارتقى الى أوج الكمال ، وفي هذه الأثناء اقترن بزوجة صالحة فاضلة هي كريمة الشيخ العالم العامل شيخ الإسلام في الديار الإيرانية في حينه الشيخ زين الدين علي منشار العاملي(٢) .

ولمّا كانت وحيدة أبيها ، اذ لم يعقب غيرها ، فقد آلت اليها ـ واليه لا محالة ـ تركة أبيها ، ومنها مكتبته العامرة.

حيث كانت للشيخ المنشار مكتبة عظيمة كبيرة تربو على أربعة آلاف كتاب ، جلب أغلبها من الديار الهندية ، إذ كان قاطناً فيها فترة من الزمن(٣) .

فكانا ينتفعان منها وينهلان منها نميراً صافياً.

وعلى أية حال فقد حاز لدى سلطان وقته ـ الشاه عباس الكبير ـ أعلى المراتب وهي مشيخة الاسلام ، وله ألف الجامع العباسي في الفقه.

________________________

(١) في مقدمة كتاب شرح قصيدته « سرى البرق » للشيخ جعفر النقدي إن شاء الله تعالى.

(٢) الشيخ زين الدين علي منشار العاملي ، شيخ الاسلام ، فاضل جليل من المعاصرين للشاه طهماسب الصفوي ، ومن تلامذة الشيخ علي الكركي.

ترجم له في رياض العلماء ٢٦٦ / ٤ ، عالم ارا ١٥٤ / ١.

(٣) الفوائد الرضوية : ٥١٠.

٣١

ولكن الذي يظهر جلّياً لمن يسبر أحوال الشيخقدس‌سره يرى وبوضوح أنه لم يكن يرى لتلك المناصب الدنيوية قيمة ، بل كان يجعلها وراء ظهره ، وهذا واضح لحبه للوحدة والعزلة وللسير على طريقة أهل السلوك والعرفان والسياحة مختاراً للفقر الذي كان به يفخر فخر الكائناتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومرجحاً له على تمام المناصب والرتب.

هذا وبعد أن ولي في حاضرة العلم وعاصمة الحكومة مشيخة الاسلام ؛بعد والد زوجته الشيخ علي المنشار حيث كان فيها شيخ الاسلام أيام الشاه طهماسب الصفوي ؛ « رغب في الفقر والسياحة ، واستهب من مهاب التوفيق رياحه ، فترك تلك المناصب ، ومال لما هو لحاله مناسب »(١) .

وقد بدأ سياحته بحج بيت الله الحرام ، ومن ثم زيارة المدينة المنورة على من حلّ فيها الآف الثناء ، ومن ثم شهرعصا الترحال وساح في أرض الله الواسعة ردحاً من عمره(٢) ، كان خلالها متخفياً مستتراً كما يظهر من الحوادث والمجريات ، مع أنّ شهرته كانت مطبقة في الآفاق.

فقد زار خلالها كلاً من الأعتاب المقدسة في العراق ، والإمام الرضاعليه‌السلام  في خراسان ، ومن ثمّ قصد هرات وعاد منها الى مشهد الامام الرضا ، ومنها آذربايجان وزار خلالها مصر ، والقدس الشريف ، ودمشق الشام ، وحلب ، وغيرها من البلاد.

توقف في كلّ بلد مدة ، صاحب جمعاً كثيراً من أهل الكمال والمعرفةوالفضل مما لم يكن ميسورا لكلّ أحد ، وكان خلالها مورد احترام الآخرين ، واستفاد وأفاد كثيراً.

هذا ، وقد وقعت له مباحثات علمية ومذهبية كثيرة مع علماء المذاهب الاخرى أذعن فيها الجميع له.

________________________

(١) السلافة : ٢٩٠.

(٢) يذهب السيد المدني الى أنها طالت مدة ثلاثين سنة ، وقد استبعدها العلامة المحقق الحجّة السيد الخرسان ، انظر مقدمة الكشكول : ٦٥.

٣٢

ومن المؤسف حقاً عدم تدوين الشيخ البهائي لاخبار سياحته التي استمرت هذه المدة الطويلة ، مع فضله وكثرة علومه واطلاعه ، اذ مما لاشك فيه وقوع امور لطيفه وقضايا عجيبة تظهر من ثناء بعض من تعرض لسياحته ، فلودونت لكانت من أنفس الكتب.

إليك شطراً منها :

.. كان يجتمع مدة إقامته بمصر بالاستاذ محمد بن أبي الحسن البكري(١) وكان يبالغ في تعظيمه.

فقال له الشيخ البهائي مرة : يا مولانا أنا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم؟!

قال : شممت منك رائحة الفضل.

فامتدح استاذه بقصيدته التي مطلعها :

يا مصر سقياً لك من جنة

قطوفها يانعة دانية

ويصف الرضي المقدسي(٢) الشيخ ـ عند لقائه له في القدس الشريف ـ ومحاولته القراءة عليه قائلاً :

« ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم ، فنزل في بيت المقدس بفناء الحرم ، عليه سيماء الصلاح ، وقد اتسم بلباس السياح ، وقد تجنب الناس ، وأنس بالوحشة دون الايناس ، وكان يألف من الحرم فناء المسجد الاقصى ، ولم يسند أحد مدة الإقامة إليه نقصاً ، فاُلقي في روعي أنّه من كبار العلماء الأعاظم ، فما زلت لخاطره أتقرب ، ولما لا يرضيه أتجنب ، فاذا هو ممن يرحل اليه للأخذ منه ، وتشدّ له الرحال للرواية عنه ، يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي ، فسألته عند ذلك القراءة عليه »(٣) .

________________________

(١) تقدمت ترجمته ومصادرها في صحيفة : ١٢.

(٢) يوسف بن أبي اللطف رضي الدين المقدسي الحنفي ، فاضل أديب ، له تعليقة على تفسير ارشاد العقل السليم ، شرح قصيدة البردة ، توفي سنة ١٠٠٦.

ترجم له في : معجم المؤلفين ٣٢٦ / ١٣ ، هدية العارفين ٥٦٥ / ٢ ، خلاصة الاثر ٤ / ٢٧٢.

(٣) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤١ / السانحات ٢ : ١٢٦.

٣٣

وهذه نادرة تدلّنا على مدى ما للمظاهر من تأثير في النفوس ، وهي حادثة جرت للشيخ في دمشق الشام مع الشيخ البوريني الصفوري(١) يحكيها لناالمحبي(٢) وخلاصتها :

أنّ الشيخ البهائي لما ورد دمشق نزل عند بعض التجار الكبار في محله الخراب ، واجتمع مع صاحب الروضات في مزارات تبريز الحافظ حسين الكربلائي القزويني التبريزي(٣) .

ثم إنّ الشيخ طلب من مضيفه الاجتماع بالشيخ البوريني ، فأعد التاجر دعوة تأنق فيها ، ودعا غالب أهل الفضل من محلته ومنهم البوريني.

دخل البوريني المجلس ، والبهائي بهيئة السياح متصدراً له ، والجمع محدق به بأدب.

عجب البوريني من ذلك ، لعدم معرفته وسماعه بقدوم الشيخ ، فلم يعبأبه ، ونحاه عن مجلسه ، وجلس فيه غير ملتفت إليه ، شارعاً في بث معارفه الى أن حانت صلاة العشاء.

________________________

(١) بدر الدين ، الحسن بن محمد بن محمد البوريني الشافعي ، ولد في قرية صفورية ، وهاجر الى دمشق ، ومنها الى بيت المقدس ، اشتغل بالدرس والوعظ في مدارس ومساجد الشام ، كان عالماً محققاً ، فصيح العبارة ، طليق اللّسان ، له : تراجم الأعيان ، ديوان شعر ، ومن بديع شعره :

يقولون : في الصبح الدعاء مؤثر

فقلت : نعم ، لو كان ليلي له صبح

 ومنه

أيا قمراً بتّ في ليل هجره

اُراقب أسراب الكواكب حيرانا

خبأتك في عيني لتخفى الورى

لذلك قالوا : إنّ في العين إنسانا

 ويروى الشطر الثاني :

وما كنت أدري أنّ للعين إنسانا

مات سنة ١٠٢٤ هـ.

خلاصة الأثر ٢ : ٥١ / ريحانة الألباء ١ : ٤٢.

(٢) محمد أمين بن فضل الله المحبي الاموي الدمشقي ، مؤرخ أديب شاعر ، مشارك ، له : نفحة الريحانة ، خلاصة الأثر ، ديوان شعر ، وغيرها توفي سنة ١١١١ هـ ١٦٩٩ م.

سلك الدرر ٤ : ٨٦ / معجم المؤلفين ٩ : ٧٨ / هدية العارفين ٢ : ٣٠٧

(٣) انظر الذريعة ١١ : ٢٧٩ رقم ١٧١١ و ٢٨٠ رقم ١٧١٤.

٣٤

ثم جلسوا ، فابتدر الشيخ البهائي في نقل بعض القضايا والأبحاث ، وهكذا الى أن أورد بحثاً في التفسير عويصاً ، فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجميع ، ثم دقّق العبارة حتى لم يفهم ما يقوله إلّا البوريني ، ثم أغمض في العبارة فلم يفهم حتى البوريني.

هذا والجمع صموت جمود ، لا يدرون ما يقولون ، غير أنّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب.

عندها نهض البوريني واقفاً على قدميه فقال : إن كان ولابد فأنت البهائيّ الحارثيّ ، إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة إلّا هو.

فاعتنقا ، وأخذا في إيراد أنفس ما يحفظان.

وسأله الشيخ البهائي كتمان أمره ، وافترقا ، ولم يقم بعدها ، بل رحل الى حلب(١) .

ويذكر العرضي(٢) في ترجمته قال : قدم ( حلب ) مستخفياً في زمن السلطان مراد بن سليم(٣) ، مغيراً صورته بصورة رجل درويش ، فحضردرس الوالد الشيخ عمر(٤) ، وهولايظهر أنّه طالب عالم ، حتى فرغ من الدرس.

فسأل الوالد عن أدلة تفضيل الصدّيق على المرتضى ، فذكر أحاديث منها حديث « ما طلعت الشمس » وغيرها.

فردّ عليه ، ثم ذكرأشياء كثيرة تقتضي التفضيل للمرتضى ، فشتمه الوالد!!! وقال له : رافضي شيعي ، وسبّه وسكت!!

________________________

(١) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٣ ، وانظر : سانحات دمى القصر ٢ : ١٢٧.

(٢) أبوالوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي العرضي ، عالم فاضل ، مشارك ، مفتي الشافعية بحلب ، له : معادن الذهب في الأعيان المشرفة بهم حلب ، طريق الهدى ، شرح الألفية ، حاشية على أنوار التنزيل ، وغيرها.

توفي سنة : ١٠٧١ هـ ـ ١٦٦١ م.

كشف الظنون ١ : ١٤٨ / هدية العارفين ٢ : ٢٨٨ / ريحانة الألبا ١ : ٢٦٩ رقم ٣٩ خلاصة الأثر١ : ١٤٨ / معجم المؤلفين ١٣ : ١٦٥ وغيرها.

(٣) هو السلطان مراد بن السلطان سليم بن السلطان سليمان القانوني المتوفى ٤ ج ١ سنة ١٠٠٣.

(٤) تقدمت ترجمته صحيفة : ٤.

٣٥

ثم إنّ الشيخ البهائي أمر بعض التجار أن يصنع وليمة يجمع فيها بين الشيخ عمر وبينه.

امتثل التاجر ذلك ، ودعاهما وأخبر الشيخ الوالد أنّ هذا هو الملّا بهاء الدين عالم بلاد العجم.

وعندما استقر المقام بهما.

قال الشيخ البهائي للوالد : شتمتمونا.

فقال : ما علمت أنّك الملا بهاء الدين!!! ولكن إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوامّ لا يليق!

بعد هذه الفترة الطويلة عاد الى محطته الاُولى أصفهان ، فتوجهت اليه أنظار الأعاظم ، منتهلة من نميره الصافي العذب ، مستفيدة من أنوار أفكاره البكر ، حتى اختصه الشاه عباس الصوفي حضراً وسفراً حتى صحبه معه في سفره الى التربة المقدسة ، حيث مرقد الإمام الثامن سيراً على الأقدام وفاءاً لنذر كانه نذره.

وقد اشتهرت عنه حكايات في سياحته كثيرة ، منها ممكنة ، ومنهامستبعدت أو ملحقة بالخرافات.

* * *

٣٦

آيات المدح وجمل الثناء

اعترف عامة من ترجم للمصنفقدس‌سره بل وجميع من تأخّرعنه ، بعظم شخصيته العلمية العملاقة في افق العلم ، وسماء المعرفة ، تقدم اليك نبذاً يسيرة :

قال شيخ الحفاظ والمحدثين العلّامة الأميني :

.. بهاء الملّة والدين ، واستاذ الأساتذة والمجتهدين ، وفي شهرته الطائلة وصيته الطائر في التضلّع من العلوم ، ومكانته الراسية من الفضل والدين ، غنى عن تسطير ألفاظ الثناء عليه ، وسرد جمل الإطراء له.

فقد عرفه من عرفه ، ذلك الفقيه المحقق ، والحكيم المتأله ، والعارف البارع ، والمؤلّف المبدع ، والبحاثة المكثر المجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع من الفنون بأسرها ، فهو أحد نوابع الامة الإسلامية ، والأوحدي من عباقرتها الأماثل(١) .

ويصفه المحبّي بقوله :

.. بطل العلم والدين الفذ ، صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوأحق من كلّ حقيق بذكر أخباره ، ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه.

وكان اُمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم ، والتضلع بدقائق الفنون ، وما أظن الزمان سمح بمثله ، ولا جاد بندّه ، وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من أخباره(٢) . وقال شيخ الأمل في ترجمته :

حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم الشأن وحسن التصنيف ورشاقة العبارة وجمع المحاسن أظهر من أن يذكر ، وفضائله أكثر من أن تحصر ، وكان ماهراً متبحراً جامعاً كاملاً شاعراً أديباً منشئاً

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٤٩.

(٢) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠.

٣٧

ثقةً ، عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضي وغيرها(١) .

ويطريه السيد التفرشي بقوله :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلوّ رتبته في كل فنون الاسلام كمن له فن واحد ، له كتب نفيسة جيدة(٢) .

وأمّا الأردبيلي فيطريه قائلاً :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفورفضله ، وعلوّمرتبته أحداً في كلّ فنون الإسلام كمن كان له فن واحد ، له كتب نفيسة جيده منها(٣) .

ويصفه المجلسي الأول قائلاً :

الشيخ الاعظم ، والوالد المعظم ، الامام العلّامة ، ملك الفضلاء والاُدباء والمحدثين ، بهاء الملة والحق والدين(٤) .

وفي مورد آخر يقول :

شيخنا واستاذنا ومن استفدنا منه ، بل كان الوالد المعظم ، كان شيخ الطائفة في زمانه ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ، ووفورة فضله ، وعلو مرتبته أحداً …(٥) .

ووصفه السيد المدني في سلافته قائلاً :

« علم الائمة الأعلام ، وسيد علماء الاسلام ، وبحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه ، وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه ، وطود المعارفالراسخ ، وقضاؤها الذي لاتحدّ له فراسخ ، وجوادها الذي لايؤمل له لحاق ،

________________________

(١) أمل الآمل ١٥٥ : ١.

(٢) نقد الرجال : ٣٠٣ رقم ٢٦٠.

(٣) جامع الرواة ٢ : ١٠٠.

(٤) روضة المتقين ١ : ٢٢.

(٥) روضة المتقين ١٤ : ٤٣٤.

٣٨

وبدرها الذي لا يعتريه محاق ، الرُحَلَة الذي ضربت اليها أكباد الإبل ، والقبلة التي فطركل قلب على حبها وجبل.

فهو علّامة البشر ، ومجدّد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر ، اليه انتهت رياسة المذهب والملّة ، وبه قامت قواطع البراهين والأدلة ، جمع فنون العلم وانعقد عليه الإجماع ، وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع ، فما من فنّ إلاوله فيه القدح المعلّى والمورد العذب المحلّى ، إن قال لم يدع قولاً لقائل ، أو طال لم يأت غيره بطائل ، وما مثله ومن تقدّمه من الأفاضل والأعيان إلّا كالملة المحمدية المتأخّرة عن الملل والاديان ، جاءت اخر ففاقت مفاخراً وكل وصف قلته في غيره فإنه في تجربة الخواطر »(١) .

ويطريه صاحب نسمة السحر قائلاً :

« رجل الدهر ، وجامع الفخر ، ورب الشوارد ، وقيد الأوابد ، فهو وارث علم الرئيس ابن سينا في تلك الفنون والحال لاهل الطريقة حقيقة نورطور سيناء فيه يهتدون ، لم يلحق في طريق ، ولم يرفع في فريق ، فهوحيناً وزير السيف والعلم ، وإذ به وزير الدفتر والنون والقلم »(٢) .

ويطريه شيخ الخزانة الشيرازي بقوله :

« بهاء الحق وضياؤه ، وعزّالدين وعلاؤه ، واُفق المجد وسماؤه ، ونجم الشرف وسناؤه ، وشمس الكمال وبدره ، وروض الجمال وزهره ، وبحر الفيض وساحله ، وبر اِلبر ومراحله ، وواحد الدهر ووحيده وعماد العصر وعميده ، وعلم العلم وعلامته ، وراية الفضل وعلامته ، ومنشأ الفصاحة ومولدها ، ومصدر البلاغة وموردها ، وجامع الفضائل ومجمعها ، ومنبع الفواضل ومرجعها ، ومشرق الافادة ومشرعها ، وسلطان العلماء وتاج قمتهم ، وبرهان الفقهاء وتتمة أئمتهم ، وخاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحدثين وعمدتهم ، وصدر المدرسين واُسوتهم ، وكعبة الطالبين وقبلتهم ، مشهورجميع الآفاق ، وشيخ الشيوخ على الاطلاق ، كهف

________________________

(١) سلافة العصر : ٢٨٩.

(٢) نسمة السحر : ٣٠٣ مخطوط

٣٩

الإسلام والمسلمين ، مروج أحكام الدين ، العالم العامل الكامل الأوحد بهاء الملّة والحق والدين »(١) .

ويطريه الخفاجي قائلاً :

« زين بمآثره العلوم النقلية والعقلية ، وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية ، لاسيما الرياضيات وهو في ميدان الفصاحة فارس وأيَّ فارس ، وإن غصنه أينع وربا بربوة فارس فإنّ شجرته نبتت عروقها بنواحي الشام الزاهية المغارس ، والعرق نزّاع وإنْ أثّر الجوار في الطباع »(٢) .

وهذا الحنفي في شرحه على رائية المصنف والمسماة « وسيلة الفوزوالامان » يقول في حقه :

« صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوم أَحقّ من كل حقيق بذكرأَخباره ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه ، وكان اُمّة مستقلة في الأَخذ بأطراف العلوم والتضلّع من دقائق الفنون ، وما أَظن أَنّ الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده ، وبالجملة فلم تتشنّف الأسماع بأَعجب من أَخباره »(٣) .

وقد ذكره الشهاب في كتابيه وبالغ في الثناء عليه(٤) وقد أطال أَبوالمعالي الطالوي في الثناء عليه وكذلك البديعي(٥) .

هذا غيض من فيض مما قيل أَويمكن أن يقال في حقّ شيخنا المصنف ، علم الأعلام ومن عُرِفت مكانته السامية في دنيا الفضل والفضيلة والدين ، حتى قيل في حقه : « لايدرك بحر وصفه الاغراق ، ولا تلحقه حركات الأَفكار ،

________________________

(١) خزانة الخيال : ٤٢١.

(٢) إشارة للحديث الشريف « العرق دساس » وانظر ريحانة الألبا ١ : ٢٠٧.

(٣) فتح المنان شرح قصيدة الفوز والأمان : ٣٦٧ من الطبعة الاولى ، حيث إن الطبعة الملحقة بالكشكول والتي بتحقيق طاهرأحمد الزاوي ـ طالتها يد الخيانة العلمية فحرفتهما ، وأسقطت منها مواردة إحداها ترجمة الشيخ المصنف.

(٤) أي في ريحانة الألباء ١ : ٢٠٧ رقم ٧٢ ونفحة الريحانة ٢ : ٢٨٢ رقم ٩٤.

(٥) سانحات دمي القصر ٢ : ١٢٦. والبديعي ، هو يوسف بن عبدالله الدمشقي الحلبي ، ولعل ذلك فيحدائق الأدب ـ انظر معجم المؤلفين ١٣ : ٢٨٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فجئنا إلى مَوج من البحر وَسْطَهُ

أحابِيشُ منهم حاسِرٌ وَمُقَنَّعُ

ثلاثةُ آلافٍ ونَحْنُ نَصِيَّةٌ

ثَلَاثُ مِئينَ إِنْ كَثُرْنَا فأرْبَعُ

٤٨٢ ـ وقال الحكم بن عُتَيبة : أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية [من الذهب] ، فنزلت فيه [هذه] الآية.

٤٨٣ ـ وقال محمد بن إسحاق عن رجاله : لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فَلّهُم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيرهم ـ مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعِكْرِمة بن أبي جهل ، وصَفْوان بن أمَيّة ، في رجال من قريش أُصِيبَ آباؤُهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلّموا أبا سفيان بن حرب ، ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال الذي أَفْلَتَ على حربه ، لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا. ففعلوا ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

[٢٣٤]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [٦٤]

٤٨٤ ـ أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، قال : حدَّثنا صفْوَان بن المغلس ، قال : حدَّثنا إسحاق بن بشر ، قال : حدَّثنا خلف بن خليفة عن [أنس بن] أبي هاشم الرّماني عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ، ثم إن عمر أسلم فصاروا

__________________

[٤٨٢] عزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٤٨٣] أخرجه ابن جرير (٩ / ١٦٠).

وعزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

[٤٨٤] إسناده ضعيف : إسحاق بن بشر الكاهلي : قال ابن حبان في المجروحين (١ / ١٣٥) : كان يضع الحديث على الثقات. والحديث أخرجه الطبراني (١٢ / ٦٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٨) وقال : فيه إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذاب. وعزاه في الدر (٣ / ٢٠٠) للطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٤١

أربعين ، فنزل جبريلعليه‌السلام بقوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

[٢٣٥]

قوله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) الآية [٦٧]

٤٨٥ ـ قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء ، وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استشار في أسَارَى بدر ، فقال المسلمون : يا رسول الله بنو عمك افدهم. فقال عمر لا يا رسول الله اقتلهم. قال فنزلت هذه الآية :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) .

٤٨٦ ـ وقال ابن عمر : استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الأسارى أبا بكر ، فقال : قومك وعشيرتك ، خلَّ سبيلهم. واستشار عمر فقال : اقتلهم. فَفَادَاهمْ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأَنزل الله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله تعالى :( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) قال : فلقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر ، فقالَ : كاد أن يصيبنا في خِلَافِكَ بلاء.

٤٨٧ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحِيرِي ، قال : أخبرنا حاجب بن

__________________

[٤٨٥] هذا الأثر يتفق مع قول عمر بن الخطاب : وافقت ربيعزوجل في ثلاث إلخ أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٤)

[٤٨٦] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه مسنداً الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٢٩) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله : صحيح على شرط مسلم.

قلت : في إسناده إبراهيم بن مهاجر : قال يحيى القطان : لم يكن بقوي ، وضعفه يحيى بن معين وقال ابن حبان في الضعفاء والمجروحين (١ / ١٠٢) : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات.

وقال ابن عدي : هو عندي أصلح من إبراهيم الهجري وحديثه يكتب في الضعفاء.

وعلى ذلك : هذا الحديث لا يصل إلى درجة الصحة.

والحديث عزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٠٢) لأبي نعيم في الحلية والحاكم.

[٤٨٧] أخرجه الترمذي في الجهاد (١٧١٤) وفي التفسير (٣٠٨٤) وقال : حسن ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

٢٤٢

أحمد ، قال : حدَّثنا محمد بن حماد ، قال : حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي عُبيدة ، عن عبد الله ، قال :

لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟

فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم واسْتَأْنِ بهم ، لعل اللهعزوجل [أن] يتوب عليهم.

وقال عمر : كذّبوك وأخرجوك ، فقدِّمهم فاضرب أعناقهم.

وقال عبد الله بن رَوَاحَة : يا رسول الله انظر وادياً كثيرَ الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرم عليهم ناراً. فقال العباس : قطعت رحمك.

فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجبهم ثم دخل ، فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ، ثم خرج عليهم فقال :

إن اللهعزوجل لَيُلينُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللَّبَن ، وإن اللهعزوجل لَيُشَدِّدُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، قال :( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، قال :( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال :( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ومثلك يا عمر كمثل نوح ، قال :( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) .

__________________

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٨٣) والحاكم (٣ / ٢١) وصححه ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير (١٠ / ١٧٧) : وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٨٧) وقال : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورجاله ثقات ، وعزاه لأبي يعلى وأحمد والطبراني.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٠١) لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

٢٤٣

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنتم اليوم عَالة ، أنتم اليوم عَالة ، فلَا ينْقَلِبَنَّ منهم أحدٌ إلا بفداء أو ضرب عنق. قال : فأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى آخر الآيات الثلاث.

٤٨٨ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا أبو نُوح قُرَاد ، قال : حدَّثنا عَكْرِمة بن عمار ، قال : حدَّثنا سِمَاكٌ الحنَفيِ أبو زُمَيْل ، قال : حدَّثني ابن عباس ، قال : حدَّثني عمر بن الخطاب ، قال :

لما كان يوم بدر والتقوا ، فهزم الله المشركين وقُتِلَ منهم سبعون رجلاً وأسر [منهم] سبعون رجلاً ـ استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر وعلياً ، فقال أبو بكر : يا نبي الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفِدْية ، فيكونَ ما أخذنا منهم قُوَّةَ لنا على الكفار ، وعسى الله أن يَهْدِيَهُمْ [للإسلام] ، فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عَقِيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان ـ أخيه ـ فيضرب عنقه ، حتى يعلم اللهعزوجل أنه ليس في قلوبنا هَوَادَة للمشركين ، هؤلاء صَنَادِيدهُم وأئمتهم وقادتهم. فَهَوِيَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ما ذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت [لبكائكما]. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُكَ مِن الفداء ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكم

__________________

[٤٨٨] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (٥٨ / ١٧٦٣) ص ١٣٨٣.

وأبو داود في الجهاد (٢٦٩٠) مختصراً.

والترمذي في التفسير (٣٠٨١) مختصراً.

وأحمد في مسنده (١ / ٣٠ ، ٣٢).

والطحاوي في مشكل الآثار (٤ / ٢٩١).

والبيهقي في الدلائل (٣ / ١٣٧)

٢٤٤

أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة ـ وأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله :( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ ) من الفداء( عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

رواه مسلم في الصحيح عن هَنّاد بن السَّرِيّ ، عن ابن مبارك ، عن عكرمة ابن عمار.

[٢٣٦]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ) الآية [٧٠].

٤٨٩ ـ قال الكلبي : نزلت في العباس بن عبد المطلب ، وعقيِل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث وكان العباس أُسِرَ يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب ، كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس ، وكان أحد العشرة الذين ضَمِنُوا إطعام أهل بدر ، ولم يكن بلغته النَّوْبَةُ حتى أُسر ، فأُخذتْ معه وأخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم منه. قال : فكلمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني فداء ، فأبى عليَّ وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا. وكلفني فداء ابن أخي عَقِيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة فقلت له : تركتني والله أسأل قريشاً بكفي والناس ما بقيت ، قال : فأين الذهب الذي دفعته إلى أمِّ الفَضْل [قبل] مخرجك إلى بدر ، وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقُثَم؟ قال : فقلت : وما يدريك؟ قال : أخبرني الله بذلك. قلت : أشهد إِنك لصادق ، وإني قد دفعت إليها بالذهب ولم يطلع عليه أحد إلا الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال العباس : فأعطاني الله خيراً مما أخذ مني ـ كما قال ، عشرين عبداً كلهم يَضْرِبُ بمال كثير مكان العشرين الأوقية ، وأنا أرجو المغفرة من ربي.

__________________

[٤٨٩] الكلبي ضعيف.

٢٤٥

سورة براءة

[٢٣٧]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) [١٢].

٤٩٠ ـ قال ابن عباس : نزلت في (أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسُهَيل بن عمرو ، وعكرِمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد) ، وهم الذين هَمُّوا بإخراج الرسول).

[٢٣٨]

قوله تعالى :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) [١٧].

٤٩١ ـ قال المفسرون : لما أسر (العباس يوم بدر) أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعته الرحم ، وأغلظ عَلِيّ له القولَ. فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ فقال له (عليّ) : ألكم محاسن؟ قال : نعم ، إِنا لنعمر (المسجد الحرام) ، ونَحْجُبُ (الكعبة) ، ونسقي الحاج ، ونفك العَانِي. فأنزل اللهعزوجل رداً على العباس :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) الآية].

__________________

[٤٩٠] بدون إسناد.

[٤٩١] بدون إسناد.

٢٤٦

[٢٣٩]

قوله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية [١٩]

٤٩٢ ـ أخبرنا أبو إسحاق الثعالبيرحمه‌الله ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد الوَزَّان ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد [بن جعفر] بن عبد الله المُنادِي ، قال : أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا أبو توبة الرَّبيع بن نافع الحلبي ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، قال : حدثنا النعمان بن بشير ، قال :

كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحَاجَّ ، وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أَعْمُرَ المسجد الحرام ، وقال آخر : الجهاد في سبيل اللهِ أفضل مما قلتم. فزجرهم (عمر) وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يوم الجمعة. ولكّني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما اختلفتم فيه. ففعل ، فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إلى قوله تعالى :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني ، عن أبي توبة).

٤٩٣ ـ وقال ابن عباس في رواية الوالبي : قال (العباس بن عبد المطلب) حين أسر (يوم بدر) : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نَعْمُرُ (المسجدَ

__________________

[٤٩٢] أخرجه مسلم في الإمارة (١١١ / ١٨٧٩) ص ١٤٩٩.

وأخرجه أحمد في مسنده (٤ / ٢٦٩) وابن جرير (١٠ / ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

قلت : لم أجده في أبي داود.

[٤٩٣] الوالبي هو : علي بن أبي طلحة وهو لم يسمع من ابن عباس.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ٦٧) وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٤٧

الحرام) ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني. فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية.

٤٩٤ ـ وقال الحسن والشّعبي والقُرَظي : نزلت الآية في (علي ، والعباس ، وطلحة ابن شَيْبَة) : وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه [ولو أشاء بتُّ فيه] وإِليَّ ثيابُ بَيْته. وقال العباس : أنا صاحب السِّقَاية والقائم عليها. وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٤٩٥ ـ وقال ابن سيرين ومُرّة الهمداني : قال (علي للعباس) : ألا تهاجر؟ ألا تلحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ فقال : ألست في [شيء] أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر (المسجد الحرام)؟ فنزلت هذه الآية [ونزل قوله تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا ) الآية].

[٢٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ ) الآية. [٢٣]

٤٩٦ ـ قال الكلبي : لما أُمِرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (بالهجرة إلى المدينة) ، جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ، ومنهم من تتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون : ننشدك الله أن تدعنا إلى غير شيء فتضيعنا فنضيع ، فيرقّ فيجلس معهم ويدع الهجرة. فنزل قول الله تعالى يعاتبهم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ ) الآية.

ونزل في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى :( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ) إلى قوله :( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) يعني القتال وفتح مكة.

__________________

[٤٩٤] مرسل.

[٤٩٥] مرسل.

[٤٩٦] الكلبي ضعيف.

٢٤٨

[٢٤١]

ـ قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) . [٣٤].

نزلت في العلماء والقراء من (أهل الكتاب) ، كانوا يأخذون الرّشا من سِفْلتهم ، وهي : المآكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.

[٢٤٢]

قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) الآية. [٣٤]

٤٩٧ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا محمد بن نصير ، قال : حدَّثنا عمرو بن زُرَارَة ، قال : حدَّثنا هشيم ، قال : حدَّثنا حصين ، عن زيد بن وَهْب ، قال :

مررت بالرَّبَذَةِ فإذا أنا بأبي ذَرّ ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه كلام في ذلك ، وكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليَّ عثمان : أن اقدم المدينة. فقدمتها فكثر الناس عليَّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرتُ ذلك لعثمان ، فقال : إن شئت تَنَحَّيْتَ وكنتَ قريباً ، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبِشِيَّاً لسمعت وأطعت ...

رواه البخاري عن قُتَيْبة ، عن جَرير ، عن حُصَين.

ورواه أيضاً عن علي ، عن هُشَيم.

والمفسرون أيضاً مختلفون : فعند بعضهم : أنها في أهل الكتاب خاصة).

__________________

[٤٩٧] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤٠٦) وفي التفسير (٤٦٦٠).

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٣٨)

٢٤٩

٤٩٨ ـ وقال السدي : هي في أهل القبلة).

٤٩٩ ـ وقال الضحاك : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين).

٥٠٠ ـ قال عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال : يريد من المؤمنين).

٥٠١ ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار ، قال : حدَّثنا سليمان بن أيوب الطَّبَرَانِي ، قال : حدَّثنا محمد بن داود بن صدقة ، قال : حدَّثنا عبد الله بن مُعافى ، قال : حدَّثنا شَرِيك ، عن محمد بن عبد الله المُرادِي ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن سالم بن أبي الجَعْد ، عن ثَوْبان ، قال :

لما نزلت :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تباً للذهب والفضة ، قالوا : يا رسول الله فأي المال نكنز؟ قال : قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وزوجةً صالحةً.

[٢٤٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ) الآية [٣٨].

٥٠٢ ـ نزلت في الحث على (غزوة «تَبُوك») وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع

__________________

[٤٩٨] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لابن أبي حاتم.

[٤٩٩] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لأبي الشيخ.

[٥٠٠] بدون إسناد.

[٥٠١] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٩٤) وقال : هذا الحديث حسن ، سألت محمد بن إسماعيل فقلت له : سالم بن أبي الجعد سمع ثوبان؟ فقال : لا.

قلت : قال الحافظ في تهذيب التهذيب عن أحمد : لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه بينهما معدان بن أبي طلحة وليست هذه الأحاديث بصحاح. والحديث أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٢٧٨ ، ٢٨٢) وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٠ / ٨٤).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٣٢) لابن ماجة وابن أبي حاتم وابن شاهين وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية. وفاته عزو الحديث لابن جرير.

[٥٠٢] أخرجه ابن جرير (١٠ / ٩٤) عن مجاهد.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٣٧) لسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

٢٥٠

من الطائف وغزوة حُنَين ، أمر بالجهاد لغزو الروم ، وذلك في زَمان عسرة من الناس وجَدْبٍ من البلاد ، وشدة من الحر ، حين أخرفت النخل وطابت الثمار. فعظم على الناس غزو الروم ، وأحبوا الظلال ، والمقام في المساكن والمال ، وشق عليهم الخروج إلى القتال. فلما علم الله تَثَاقُل الناس أنزل هذه الآية].

[٢٤٤]

قوله تعالى :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) . [٤١].

نزلت في الذين اعتذروا بالضَّيْعَة والشغل وانتشار الأمر ، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا ، على ما كان منهم.

٥٠٣ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان [وهو علي بن زيد] عن أنس ، قال :

قرأ أبو طلحة( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) فقال : ما أسمع الله عَذَر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.

٥٠٤ ـ وقال السُّدّي : جاء المِقْدَادُ بن الأَسْوَد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عظيماً سميناً ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت فيه :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) .

فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس ، فنسخها الله تعالى وأنزل :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ) الآية.

ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى :( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً ) الآية ، وقوله تعالى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) وذلك أن

__________________

[٥٠٣] في إسناده : علي بن زيد بن جدعان : قال الحافظ في التقريب : ضعيف وذكره ابن حبان في المجروحين (٢ / ١٠٣).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن سعد وابن أبي عمر في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه.

وفات السيوطي عزو الحديث لابن جرير (١٠ / ٩٧)

[٥٠٤] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن حاتم وأبي الشيخ عن السد.

٢٥١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثَنَّيةِ الوَدَاع ، وضرب (عبد الله بن أُبَيّ) عَسْكَرَه على ذي جُدَّة أسفلَ من ثَنِيَّةِ الوَدَاع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. فأنزل الله تعالى يعزّي نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) الآية.

[٢٤٥]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ) الآية. [٤٩].

٥٠٥ ـ نزلت في (جَدّ بن قَيْس المنافق) ، وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لَمَا تجهز (لغزوة تبوك) قال له : يا أبا وَهْب ، هل لك في جِلَادِ بني الأصْفَر تتخذ منهم سراري ووُصَفَاء؟ فقال : يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء ، وإني أخشى إن رأيت بنات [بني] الأصفر أن لا أصبر عنهن ، فلا تفتني بهن ، وائذن لي في القعود عنك فأعينَك بمالي ، فأعرض عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبني سلمة. وكان الجد منهم ـ : من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا : الجَدُّ بن قيس ، غير أنه بخيل جبان. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأي داء أدْوَى من البخل ، بل سيدكم الفتى الأبيض ، الجَعْدُ : بِشْرُ بن البَرَاء بن معرور». فقال فيه حسان بن ثابت :

وقال رسول الله والحق لا حق

بمن قال منا : مَن تعدون سيدا

فقلنا له : جدُّ بن قيس على الذي

نبخله فينا وإن كان أنكدا

فقال : وأيّ الداء أدْوَى مِنَ الذي

رميتم به جَدَّاً وعَالَى بها يدَا

وسوَّد بشر بن البرَاءِ بجودِه

وحُقَّ لبشر ذي الندا أن يُسَوَّدَا

__________________

[٥٠٥] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه الطبراني (١٢ / ١٢٢) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣٠) وقال فيه يحيى الحماني وهو ضعيف.

قلت في إسناده أيضاً : بشر بن عمارة وهو ضعيف.

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٤٧) لابن المنذر وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٤) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

قلت : هذا فيه انقطاع : علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.

٢٥٢

إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله

وقال : خذوه إنه عائد غدا

وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) الآية [٦٠].

[٢٤٦]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٥٨].

٥٠٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلبي ، قال : حدَّثنا عبد الله بن حامد ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : حدَّثنا مَعْمَر ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخُدْرِي ، قال :

بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقسم قسماً ، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التَّمِيمِي ، وهو حرْقُوص بن زُهَير أصل الخوارج ، فقال : اعدل فينا يا رسول لله ، فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. رواه البخاري عن عبد الله بن محمد ، عن هشام عن معمر.

٥٠٧ ـ وقال الكلبي : نزلت في المؤلفة قلوبهم ، وهم المنافقون ، قال رجل

__________________

[٥٠٦] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٠) وفي كتاب الأدب (٦١٦٣) وفي كتاب استتابة المرتدين (٦٩٣٣).

وأخرجه مسلم في الزكاة (١٤٨ / ١٠٦٤) ص ٧٤٤.

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٤٠).

وزاد المزي في تحفة الأشراف (٤٤٢١) للنسائي في فضائل القرآن.

وأخرجه ابن ماجة في السنة (١٦٨).

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٩).

وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٥٦) والبيهقي في السنن (٨ / ١٧١).

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٠) للبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

وفاته عزو الحديث لأحمد والبيهقي.

[٥٠٧] الكلبي ضعيف ، وما ذكره مر في الحديث السابق.

٢٥٣

[منهم] يقال له : أبو الجَوَّاظ ، للنبيعليه‌السلام : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) .

[٢٤٧]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) الآية [٦١].

نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون [فيه] ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقعَ بنا ، فقال الجلاس بن سويد : نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٨ ـ وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نَبْتَل بن الحارث ، وكان رجلاً أدلم أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة. وهو الذي قال [فيه] النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث. وكان ينم بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنافقين ، فقيل له :

لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن مَنْ حدَّثه شيئاً صدَّقه ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٩ ـ وقال السّدّي : اجتمع ناس من المنافقين ـ فيهم جُلَاس بن سُوَيد بن الصامت ، ووديعة بن ثابت ـ فأرادوا أن يقعوا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحَقَرُوه فتكلموا وقالوا : [والله] لئن كان ما يقوله محمد حقاً لنحن شر من الحمير. [فغضب الغلام فقال : والله إن ما يقول محمد حق وإنكم لشر من الحمير] ثم أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره ، فدعاهم فسألهم فحلفوا أن عامراً كذاب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، وقال : اللهم لا تفرَّق بيننا حتى تبيَّن صِدْقَ

__________________

[٥٠٨] أخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٦) عن ابن إسحاق ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٥٠٩] مُرسل. وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) لابن أبي حاتم.

٢٥٤

الصادق من كذب الكاذب. فنزلت فيهم( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) ونزل قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ) .

[٢٤٨]

قوله تعالى :( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ) الآية [٦٤].

٥١٠١ م ـ قال السُّدِّي : قال بعض المنافقين : والله لوددت أني قُدِّمت فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله هذه الآية.

٥١٠ م ـ وقال مجاهد : كانوا يقولون القول بينهم ، ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.

[٢٤٩]

قوله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) الآية. [٦٥].

٥١١ ـ قال قتادة : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، إذ قالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات له ذلك ، فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : احبسوا عليَّ الرَّكْبَ ، فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥١٢ ـ قال زَيْد بن أَسْلَم ، ومحمد بن كعب : قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألْسُناً ، ولا أجبن عند

__________________

[٥١٠١] مرسل.

[٥١٠] م مرسل.

[٥١١] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٩)

[٥١٢] بدون إسناد.

٢٥٥

اللقاء ـ يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ـ فقال له عوْفُ بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخْبِرَنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فذهب عوف ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فجاء ذلك الرجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.

٥١٣ ـ أخبرنا أبو نصر محمد [بن محمد] بن عبد الله الجَوْزَقِي ، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني ، حدثنا محمّد بن ميمون الخياط ، حدثنا إسماعيل بن داود المهْرَجَاني ، حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :

رأيت عبد الله بن أبيّ يسير قدَّام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والحجارة تَنْكُبُه وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :( أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) .

[٢٥٠]

قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ) الآية. [٧٤].

٥١٤ ـ قال الضحاك : خرج المنافقون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك فكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعضه سبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وطعنوا في الدين ، فنقَل ما قالوا حذيفةُ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال [لهم] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم؟ فحلفوا ما قالوا شيئاً من ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذاباً لهم.

٥١٥ ـ وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، رجل من جُهَيْنَة ورجل من

__________________

[٥١٣] إسناده ضعيف : إسماعيل بن داود : ضعيف ، ذكره ابن حبان في المجروحين [١ / ١٢٩] وذكر هذا الحديث من منكراته.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبي الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواة مالك.

[٥١٤] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٥١٥] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٥٦

غفار ، فظهر الغِفَارِيّ على الجُهَيْنيّ ، فنادى عبد الله بن أبيّ : يا بني الأوْس ، انصروا أخاكم فو الله ما مَثلُنَا ومثَلُ محمد إلا كما قال القائل : سمَّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعَزُّ منها الأذل ، فسمع بها رجل من المسلمين ، فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره فأرسل إليه ، فجعل يحلف بالله ما قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥١]

قوله تعالى :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) [٧٤].

٥١٦ ـ قال الضحاك : هموا أن يدفعوا [النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] ليلة العَقَبَة ، وكانوا قوماً قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم معه. فجعلوا يلتمسون غِرّته ، حتى أخذ في عَقَبَة ، فتقدَّم بعضهم ، وتأخر بعضهم ، وذلك كان ليلاً ، قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، وكان قائده في تلك الليلة عمّار بن ياسر ، وسائقه حُذَيفة ، فسمع حُذَيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين ، فقال : إليكم [إليكم] يا أعداء الله ، فأمسكوا ومضى النبيعليه‌السلام حتى نزل منزلة الذي أراد ، فأنزل الله تعالى قوله :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) .

[٢٥٢]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا ) [٧٥].

٥١٧ ـ أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ، قال : حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الجوْنيّ ، قال :

__________________

[٥١٦] مرسل.

[٥١٧] إسناده ضعيف جداً : معان بن رفاعة السلامي : قال ابن حبان : منكر الحديث [مجروحين ٣ / ٣٦] ، القاسم بن عبد الرحمن : منكر الحديث [مجروحين ٢ / ٢١١] ، علي بن يزيد أبي عبد الملك : ضعيف والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ٢٦٠) والبيهقي في الدلائل (٥ / ٢٨٩) وابن جرير (١٠ / ١٣٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣١ ـ ٣٢) وقال : رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٦٠) للحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والعسكري في الأمثال وابن مندة والباوردي وأبي نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه وابن عساكر.

٢٥٧

حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا محمد بن شعيب ، قال : حدثنا معاذ بن رفاعة السّلامي ، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد ، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن،عن أبي أمامة الباهلي :

أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ويحك يا ثعلبة ، قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ثم قال مرة أخرى : أما تَرْضى أن تكون مثلَ نبي الله ، فو الذي نفسي بيده ، لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهباً لسالت. فقال : والذي بعثك بالحق [نبياً] لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأوتِيَنَّ كلَّ ذي حق حقه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالاً. فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة ـ فسأل رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما فعل ثعلبة؟ فقال : اتخذ غنماً وضاقت عليه المدينة ، وأخبره بخبره ، فقال : يا ويح ثعلبة ـ ثلاثاً ـ وأنزل اللهعزوجل :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) وأنزل فرائض الصدقة ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين على الصَّدقَة ـ رجلاً من جُهَيْنَةَ ورجلاً من بني سليم ـ وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة ، وقال لهما : مُرا بثعلبة وبفلان ـ رجل من بني سليم ـ فخذا صدقاتهما. فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول اللهعليه‌السلام فقال ثعلبة : ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية! ما أدري ما هذا! انطلقا حتى تَفْرُغَا ثم تعودا إليَّ. فانطلقا وأخبرا السلمي ، فنظر إلى خِيَارِ أسْنَان إبله فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب هذا عليك ، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال : بل يخذوه ، فإن نفسي بذلك طَيِّبَة ، وإنما هي إبلي. فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما [حتى] أنظر فيه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية! انطلقا حتى أرى رأْيي. فانطلقا حتى أتيا النبيعليه‌السلام ، فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ، قبل أن يكلمهما ، ودعا للسُّلَمِيّ ، بالبركة. وأخبروه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلمي ، فأنزل اللهعزوجل :( وَمِنْهُمْ مَنْ

٢٥٨

عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَ ) إلى قوله تعالى :( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) وعند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله تعالى فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبيعليه‌السلام فسأله أن يقبل منه صدقته ، فقال : إن الله قد منعني أن أقبل [منك] صدقتك ، فجعل يَحْثُو التراب على رأسه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا عملك! قد أمرتك فلم تطعني. فلما أبي أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله. وقُبِضَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقبل منه شيئاً ، ثم أتى أبا بكر حين استخْلِفَ فقال : قد علمت منزلتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أقبلها؟ فقُبِضَ أبو بكر وأبى أن يقبلها. فلما ولي عمر بن الخطاب أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، اقبل صدقتي. فقال : لم يقبلها رسول اللهعليه‌السلام ، ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها. وقُبِضَ عمر ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها [منك]؟ فلم يقبلها عثمان ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان.

[٢٥٣]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٧٩].

٥١٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ، قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العِجْلي ، حدثنا شُعْبَة ، عن سليمان عن أبي وائل ، عن أبي مسعود ، قال :

__________________

[٥١٨] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤١٥) وفي التفسير (٤٦٦٨) وأخرجه مسلم في الزكاة (٧٢ / ١٠١٨) ص ٧٠٦.

وأخرجه النسائي في الزكاة (٥ / ٥٩) وأخرجه في التفسير (٢٤٣) وأخرجه ابن ماجة في الزهد (٤١٥٥) ببعضه. وابن جرير (١٠ / ١٣٦).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٦٢) للبخاري ومسلم وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

٢٥٩

لما نزلت آية الصدقة [كنا نُحَامِل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي ، و] جاء رجل فتصدق بصاع فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ) رواه البخاري عن أبي قُدَامة : عُبيد الله بن سعيد ، عن أبي النعمان.

٥١٩ ـ وقال قتادة ، وغيره : حث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال : يا رسول الله ، ما لي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت ـ فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى إنه خلَّف امرأتين يوم مات فبلغ ثُمْنُ ماله لهما مائةً وستين ألف درهم ـ وتصدق يومئذٍ عاصم بن عَدِي بن العَجْلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال : يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يَنْثُرَهُ في الصدقات ، فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أحب أن يذكر نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥٤]

قوله تعالى :( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) الآية. [٨٤].

٥٢٠ ـ حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن نصر ، أخبرنا يوسف بن عاصم الرَّازي ، حدثنا العباس بن

__________________

[٥١٩] مرسل.

[٥٢٠] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (١٢٦٩) وفي كتاب اللباس (٥٧٩٦) وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٥ مكرر / ٢٤٠٠) ص ١٨٦٥ وفي صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢٧٧٤) ص ٢١٤١ والترمذي في التفسير (٣٠٩٨) والنسائي في المجتبى في الجنائز (٤ / ٣٧) وفي التفسير (٢٤٤) وابن ماجة في الجنائز (١٥٢٣) والبيهقي في السنن (٣ / ٤٠٢) ، (٨ / ١٩٩) وفي الدلائل (٥ / ٢٨٧) وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٤١).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٦٦) لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591