أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439075 / تحميل: 6656
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فجئنا إلى مَوج من البحر وَسْطَهُ

أحابِيشُ منهم حاسِرٌ وَمُقَنَّعُ

ثلاثةُ آلافٍ ونَحْنُ نَصِيَّةٌ

ثَلَاثُ مِئينَ إِنْ كَثُرْنَا فأرْبَعُ

٤٨٢ ـ وقال الحكم بن عُتَيبة : أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية [من الذهب] ، فنزلت فيه [هذه] الآية.

٤٨٣ ـ وقال محمد بن إسحاق عن رجاله : لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فَلّهُم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيرهم ـ مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعِكْرِمة بن أبي جهل ، وصَفْوان بن أمَيّة ، في رجال من قريش أُصِيبَ آباؤُهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلّموا أبا سفيان بن حرب ، ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال الذي أَفْلَتَ على حربه ، لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا. ففعلوا ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

[٢٣٤]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [٦٤]

٤٨٤ ـ أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدَّثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، قال : حدَّثنا صفْوَان بن المغلس ، قال : حدَّثنا إسحاق بن بشر ، قال : حدَّثنا خلف بن خليفة عن [أنس بن] أبي هاشم الرّماني عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ، ثم إن عمر أسلم فصاروا

__________________

[٤٨٢] عزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٤٨٣] أخرجه ابن جرير (٩ / ١٦٠).

وعزاه في الدر (٣ / ١٨٤) لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

[٤٨٤] إسناده ضعيف : إسحاق بن بشر الكاهلي : قال ابن حبان في المجروحين (١ / ١٣٥) : كان يضع الحديث على الثقات. والحديث أخرجه الطبراني (١٢ / ٦٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٨) وقال : فيه إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذاب. وعزاه في الدر (٣ / ٢٠٠) للطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٤١

أربعين ، فنزل جبريلعليه‌السلام بقوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

[٢٣٥]

قوله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) الآية [٦٧]

٤٨٥ ـ قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء ، وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استشار في أسَارَى بدر ، فقال المسلمون : يا رسول الله بنو عمك افدهم. فقال عمر لا يا رسول الله اقتلهم. قال فنزلت هذه الآية :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) .

٤٨٦ ـ وقال ابن عمر : استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الأسارى أبا بكر ، فقال : قومك وعشيرتك ، خلَّ سبيلهم. واستشار عمر فقال : اقتلهم. فَفَادَاهمْ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأَنزل الله تعالى :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله تعالى :( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) قال : فلقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر ، فقالَ : كاد أن يصيبنا في خِلَافِكَ بلاء.

٤٨٧ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحِيرِي ، قال : أخبرنا حاجب بن

__________________

[٤٨٥] هذا الأثر يتفق مع قول عمر بن الخطاب : وافقت ربيعزوجل في ثلاث إلخ أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٤)

[٤٨٦] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه مسنداً الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٢٩) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله : صحيح على شرط مسلم.

قلت : في إسناده إبراهيم بن مهاجر : قال يحيى القطان : لم يكن بقوي ، وضعفه يحيى بن معين وقال ابن حبان في الضعفاء والمجروحين (١ / ١٠٢) : كثير الخطأ تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات.

وقال ابن عدي : هو عندي أصلح من إبراهيم الهجري وحديثه يكتب في الضعفاء.

وعلى ذلك : هذا الحديث لا يصل إلى درجة الصحة.

والحديث عزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٠٢) لأبي نعيم في الحلية والحاكم.

[٤٨٧] أخرجه الترمذي في الجهاد (١٧١٤) وفي التفسير (٣٠٨٤) وقال : حسن ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

٢٤٢

أحمد ، قال : حدَّثنا محمد بن حماد ، قال : حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي عُبيدة ، عن عبد الله ، قال :

لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟

فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم واسْتَأْنِ بهم ، لعل اللهعزوجل [أن] يتوب عليهم.

وقال عمر : كذّبوك وأخرجوك ، فقدِّمهم فاضرب أعناقهم.

وقال عبد الله بن رَوَاحَة : يا رسول الله انظر وادياً كثيرَ الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرم عليهم ناراً. فقال العباس : قطعت رحمك.

فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجبهم ثم دخل ، فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ، ثم خرج عليهم فقال :

إن اللهعزوجل لَيُلينُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللَّبَن ، وإن اللهعزوجل لَيُشَدِّدُ قلوبَ رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، قال :( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، قال :( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال :( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ومثلك يا عمر كمثل نوح ، قال :( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) .

__________________

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٨٣) والحاكم (٣ / ٢١) وصححه ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير (١٠ / ١٧٧) : وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٨٧) وقال : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورجاله ثقات ، وعزاه لأبي يعلى وأحمد والطبراني.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٠١) لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

٢٤٣

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنتم اليوم عَالة ، أنتم اليوم عَالة ، فلَا ينْقَلِبَنَّ منهم أحدٌ إلا بفداء أو ضرب عنق. قال : فأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى آخر الآيات الثلاث.

٤٨٨ ـ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا أبو نُوح قُرَاد ، قال : حدَّثنا عَكْرِمة بن عمار ، قال : حدَّثنا سِمَاكٌ الحنَفيِ أبو زُمَيْل ، قال : حدَّثني ابن عباس ، قال : حدَّثني عمر بن الخطاب ، قال :

لما كان يوم بدر والتقوا ، فهزم الله المشركين وقُتِلَ منهم سبعون رجلاً وأسر [منهم] سبعون رجلاً ـ استشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر وعلياً ، فقال أبو بكر : يا نبي الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفِدْية ، فيكونَ ما أخذنا منهم قُوَّةَ لنا على الكفار ، وعسى الله أن يَهْدِيَهُمْ [للإسلام] ، فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عَقِيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان ـ أخيه ـ فيضرب عنقه ، حتى يعلم اللهعزوجل أنه ليس في قلوبنا هَوَادَة للمشركين ، هؤلاء صَنَادِيدهُم وأئمتهم وقادتهم. فَهَوِيَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ما ذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت [لبكائكما]. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُكَ مِن الفداء ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكم

__________________

[٤٨٨] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (٥٨ / ١٧٦٣) ص ١٣٨٣.

وأبو داود في الجهاد (٢٦٩٠) مختصراً.

والترمذي في التفسير (٣٠٨١) مختصراً.

وأحمد في مسنده (١ / ٣٠ ، ٣٢).

والطحاوي في مشكل الآثار (٤ / ٢٩١).

والبيهقي في الدلائل (٣ / ١٣٧)

٢٤٤

أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة ـ وأنزل اللهعزوجل :( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله :( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ ) من الفداء( عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

رواه مسلم في الصحيح عن هَنّاد بن السَّرِيّ ، عن ابن مبارك ، عن عكرمة ابن عمار.

[٢٣٦]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ) الآية [٧٠].

٤٨٩ ـ قال الكلبي : نزلت في العباس بن عبد المطلب ، وعقيِل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث وكان العباس أُسِرَ يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب ، كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس ، وكان أحد العشرة الذين ضَمِنُوا إطعام أهل بدر ، ولم يكن بلغته النَّوْبَةُ حتى أُسر ، فأُخذتْ معه وأخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم منه. قال : فكلمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني فداء ، فأبى عليَّ وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا. وكلفني فداء ابن أخي عَقِيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة فقلت له : تركتني والله أسأل قريشاً بكفي والناس ما بقيت ، قال : فأين الذهب الذي دفعته إلى أمِّ الفَضْل [قبل] مخرجك إلى بدر ، وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقُثَم؟ قال : فقلت : وما يدريك؟ قال : أخبرني الله بذلك. قلت : أشهد إِنك لصادق ، وإني قد دفعت إليها بالذهب ولم يطلع عليه أحد إلا الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال العباس : فأعطاني الله خيراً مما أخذ مني ـ كما قال ، عشرين عبداً كلهم يَضْرِبُ بمال كثير مكان العشرين الأوقية ، وأنا أرجو المغفرة من ربي.

__________________

[٤٨٩] الكلبي ضعيف.

٢٤٥

سورة براءة

[٢٣٧]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) [١٢].

٤٩٠ ـ قال ابن عباس : نزلت في (أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسُهَيل بن عمرو ، وعكرِمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد) ، وهم الذين هَمُّوا بإخراج الرسول).

[٢٣٨]

قوله تعالى :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) [١٧].

٤٩١ ـ قال المفسرون : لما أسر (العباس يوم بدر) أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعته الرحم ، وأغلظ عَلِيّ له القولَ. فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ فقال له (عليّ) : ألكم محاسن؟ قال : نعم ، إِنا لنعمر (المسجد الحرام) ، ونَحْجُبُ (الكعبة) ، ونسقي الحاج ، ونفك العَانِي. فأنزل اللهعزوجل رداً على العباس :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ) الآية].

__________________

[٤٩٠] بدون إسناد.

[٤٩١] بدون إسناد.

٢٤٦

[٢٣٩]

قوله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية [١٩]

٤٩٢ ـ أخبرنا أبو إسحاق الثعالبيرحمه‌الله ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد الوَزَّان ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد [بن جعفر] بن عبد الله المُنادِي ، قال : أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا أبو توبة الرَّبيع بن نافع الحلبي ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، قال : حدثنا النعمان بن بشير ، قال :

كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحَاجَّ ، وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أَعْمُرَ المسجد الحرام ، وقال آخر : الجهاد في سبيل اللهِ أفضل مما قلتم. فزجرهم (عمر) وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يوم الجمعة. ولكّني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما اختلفتم فيه. ففعل ، فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إلى قوله تعالى :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني ، عن أبي توبة).

٤٩٣ ـ وقال ابن عباس في رواية الوالبي : قال (العباس بن عبد المطلب) حين أسر (يوم بدر) : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نَعْمُرُ (المسجدَ

__________________

[٤٩٢] أخرجه مسلم في الإمارة (١١١ / ١٨٧٩) ص ١٤٩٩.

وأخرجه أحمد في مسنده (٤ / ٢٦٩) وابن جرير (١٠ / ٦٧).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.

قلت : لم أجده في أبي داود.

[٤٩٣] الوالبي هو : علي بن أبي طلحة وهو لم يسمع من ابن عباس.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ٦٧) وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢١٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٤٧

الحرام) ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني. فأنزل الله تعالى :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) الآية.

٤٩٤ ـ وقال الحسن والشّعبي والقُرَظي : نزلت الآية في (علي ، والعباس ، وطلحة ابن شَيْبَة) : وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه [ولو أشاء بتُّ فيه] وإِليَّ ثيابُ بَيْته. وقال العباس : أنا صاحب السِّقَاية والقائم عليها. وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٤٩٥ ـ وقال ابن سيرين ومُرّة الهمداني : قال (علي للعباس) : ألا تهاجر؟ ألا تلحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ فقال : ألست في [شيء] أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر (المسجد الحرام)؟ فنزلت هذه الآية [ونزل قوله تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا ) الآية].

[٢٤٠]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ ) الآية. [٢٣]

٤٩٦ ـ قال الكلبي : لما أُمِرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (بالهجرة إلى المدينة) ، جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة ، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ، ومنهم من تتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون : ننشدك الله أن تدعنا إلى غير شيء فتضيعنا فنضيع ، فيرقّ فيجلس معهم ويدع الهجرة. فنزل قول الله تعالى يعاتبهم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ ) الآية.

ونزل في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى :( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ) إلى قوله :( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) يعني القتال وفتح مكة.

__________________

[٤٩٤] مرسل.

[٤٩٥] مرسل.

[٤٩٦] الكلبي ضعيف.

٢٤٨

[٢٤١]

ـ قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) . [٣٤].

نزلت في العلماء والقراء من (أهل الكتاب) ، كانوا يأخذون الرّشا من سِفْلتهم ، وهي : المآكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.

[٢٤٢]

قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) الآية. [٣٤]

٤٩٧ ـ أخبرنا أبو إسحاق المقري ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، قال : حدَّثنا محمد بن نصير ، قال : حدَّثنا عمرو بن زُرَارَة ، قال : حدَّثنا هشيم ، قال : حدَّثنا حصين ، عن زيد بن وَهْب ، قال :

مررت بالرَّبَذَةِ فإذا أنا بأبي ذَرّ ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه كلام في ذلك ، وكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليَّ عثمان : أن اقدم المدينة. فقدمتها فكثر الناس عليَّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرتُ ذلك لعثمان ، فقال : إن شئت تَنَحَّيْتَ وكنتَ قريباً ، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبِشِيَّاً لسمعت وأطعت ...

رواه البخاري عن قُتَيْبة ، عن جَرير ، عن حُصَين.

ورواه أيضاً عن علي ، عن هُشَيم.

والمفسرون أيضاً مختلفون : فعند بعضهم : أنها في أهل الكتاب خاصة).

__________________

[٤٩٧] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤٠٦) وفي التفسير (٤٦٦٠).

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٣٨)

٢٤٩

٤٩٨ ـ وقال السدي : هي في أهل القبلة).

٤٩٩ ـ وقال الضحاك : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين).

٥٠٠ ـ قال عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال : يريد من المؤمنين).

٥٠١ ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار ، قال : حدَّثنا سليمان بن أيوب الطَّبَرَانِي ، قال : حدَّثنا محمد بن داود بن صدقة ، قال : حدَّثنا عبد الله بن مُعافى ، قال : حدَّثنا شَرِيك ، عن محمد بن عبد الله المُرادِي ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن سالم بن أبي الجَعْد ، عن ثَوْبان ، قال :

لما نزلت :( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تباً للذهب والفضة ، قالوا : يا رسول الله فأي المال نكنز؟ قال : قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وزوجةً صالحةً.

[٢٤٣]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ) الآية [٣٨].

٥٠٢ ـ نزلت في الحث على (غزوة «تَبُوك») وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع

__________________

[٤٩٨] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لابن أبي حاتم.

[٤٩٩] عزاه في الدر (٣ / ٣٢٣) لأبي الشيخ.

[٥٠٠] بدون إسناد.

[٥٠١] أخرجه الترمذي في التفسير (٣٠٩٤) وقال : هذا الحديث حسن ، سألت محمد بن إسماعيل فقلت له : سالم بن أبي الجعد سمع ثوبان؟ فقال : لا.

قلت : قال الحافظ في تهذيب التهذيب عن أحمد : لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه بينهما معدان بن أبي طلحة وليست هذه الأحاديث بصحاح. والحديث أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٢٧٨ ، ٢٨٢) وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٠ / ٨٤).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٣٢) لابن ماجة وابن أبي حاتم وابن شاهين وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية. وفاته عزو الحديث لابن جرير.

[٥٠٢] أخرجه ابن جرير (١٠ / ٩٤) عن مجاهد.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٣٧) لسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

٢٥٠

من الطائف وغزوة حُنَين ، أمر بالجهاد لغزو الروم ، وذلك في زَمان عسرة من الناس وجَدْبٍ من البلاد ، وشدة من الحر ، حين أخرفت النخل وطابت الثمار. فعظم على الناس غزو الروم ، وأحبوا الظلال ، والمقام في المساكن والمال ، وشق عليهم الخروج إلى القتال. فلما علم الله تَثَاقُل الناس أنزل هذه الآية].

[٢٤٤]

قوله تعالى :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) . [٤١].

نزلت في الذين اعتذروا بالضَّيْعَة والشغل وانتشار الأمر ، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا ، على ما كان منهم.

٥٠٣ ـ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن علي ، قال : حدَّثنا يحيى بن يحيى ، قال أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان [وهو علي بن زيد] عن أنس ، قال :

قرأ أبو طلحة( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) فقال : ما أسمع الله عَذَر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.

٥٠٤ ـ وقال السُّدّي : جاء المِقْدَادُ بن الأَسْوَد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عظيماً سميناً ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت فيه :( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ) .

فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس ، فنسخها الله تعالى وأنزل :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ) الآية.

ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى :( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً ) الآية ، وقوله تعالى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) وذلك أن

__________________

[٥٠٣] في إسناده : علي بن زيد بن جدعان : قال الحافظ في التقريب : ضعيف وذكره ابن حبان في المجروحين (٢ / ١٠٣).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن سعد وابن أبي عمر في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه.

وفات السيوطي عزو الحديث لابن جرير (١٠ / ٩٧)

[٥٠٤] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٤٦) لابن حاتم وأبي الشيخ عن السد.

٢٥١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثَنَّيةِ الوَدَاع ، وضرب (عبد الله بن أُبَيّ) عَسْكَرَه على ذي جُدَّة أسفلَ من ثَنِيَّةِ الوَدَاع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. فأنزل الله تعالى يعزّي نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ) الآية.

[٢٤٥]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ) الآية. [٤٩].

٥٠٥ ـ نزلت في (جَدّ بن قَيْس المنافق) ، وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لَمَا تجهز (لغزوة تبوك) قال له : يا أبا وَهْب ، هل لك في جِلَادِ بني الأصْفَر تتخذ منهم سراري ووُصَفَاء؟ فقال : يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء ، وإني أخشى إن رأيت بنات [بني] الأصفر أن لا أصبر عنهن ، فلا تفتني بهن ، وائذن لي في القعود عنك فأعينَك بمالي ، فأعرض عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبني سلمة. وكان الجد منهم ـ : من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا : الجَدُّ بن قيس ، غير أنه بخيل جبان. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأي داء أدْوَى من البخل ، بل سيدكم الفتى الأبيض ، الجَعْدُ : بِشْرُ بن البَرَاء بن معرور». فقال فيه حسان بن ثابت :

وقال رسول الله والحق لا حق

بمن قال منا : مَن تعدون سيدا

فقلنا له : جدُّ بن قيس على الذي

نبخله فينا وإن كان أنكدا

فقال : وأيّ الداء أدْوَى مِنَ الذي

رميتم به جَدَّاً وعَالَى بها يدَا

وسوَّد بشر بن البرَاءِ بجودِه

وحُقَّ لبشر ذي الندا أن يُسَوَّدَا

__________________

[٥٠٥] ذكره المصنف بدون إسناد ، وقد أخرجه الطبراني (١٢ / ١٢٢) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣٠) وقال فيه يحيى الحماني وهو ضعيف.

قلت في إسناده أيضاً : بشر بن عمارة وهو ضعيف.

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٤٧) لابن المنذر وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٤) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

قلت : هذا فيه انقطاع : علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.

٢٥٢

إذا ما أتاه الوفد أنهب ماله

وقال : خذوه إنه عائد غدا

وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) الآية [٦٠].

[٢٤٦]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٥٨].

٥٠٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلبي ، قال : حدَّثنا عبد الله بن حامد ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، قال : حدَّثنا محمد بن يحيى ، قال حدَّثنا عبد الرزاق ، قال : حدَّثنا مَعْمَر ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخُدْرِي ، قال :

بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقسم قسماً ، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التَّمِيمِي ، وهو حرْقُوص بن زُهَير أصل الخوارج ، فقال : اعدل فينا يا رسول لله ، فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. رواه البخاري عن عبد الله بن محمد ، عن هشام عن معمر.

٥٠٧ ـ وقال الكلبي : نزلت في المؤلفة قلوبهم ، وهم المنافقون ، قال رجل

__________________

[٥٠٦] أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٠) وفي كتاب الأدب (٦١٦٣) وفي كتاب استتابة المرتدين (٦٩٣٣).

وأخرجه مسلم في الزكاة (١٤٨ / ١٠٦٤) ص ٧٤٤.

وأخرجه النسائي في التفسير (٢٤٠).

وزاد المزي في تحفة الأشراف (٤٤٢١) للنسائي في فضائل القرآن.

وأخرجه ابن ماجة في السنة (١٦٨).

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٠٩).

وأخرجه أحمد في مسنده (٣ / ٥٦) والبيهقي في السنن (٨ / ١٧١).

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٠) للبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

وفاته عزو الحديث لأحمد والبيهقي.

[٥٠٧] الكلبي ضعيف ، وما ذكره مر في الحديث السابق.

٢٥٣

[منهم] يقال له : أبو الجَوَّاظ ، للنبيعليه‌السلام : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) .

[٢٤٧]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) الآية [٦١].

نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون [فيه] ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقعَ بنا ، فقال الجلاس بن سويد : نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٨ ـ وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نَبْتَل بن الحارث ، وكان رجلاً أدلم أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة. وهو الذي قال [فيه] النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث. وكان ينم بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنافقين ، فقيل له :

لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن مَنْ حدَّثه شيئاً صدَّقه ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٠٩ ـ وقال السّدّي : اجتمع ناس من المنافقين ـ فيهم جُلَاس بن سُوَيد بن الصامت ، ووديعة بن ثابت ـ فأرادوا أن يقعوا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحَقَرُوه فتكلموا وقالوا : [والله] لئن كان ما يقوله محمد حقاً لنحن شر من الحمير. [فغضب الغلام فقال : والله إن ما يقول محمد حق وإنكم لشر من الحمير] ثم أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره ، فدعاهم فسألهم فحلفوا أن عامراً كذاب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، وقال : اللهم لا تفرَّق بيننا حتى تبيَّن صِدْقَ

__________________

[٥٠٨] أخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٦) عن ابن إسحاق ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٥٠٩] مُرسل. وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) لابن أبي حاتم.

٢٥٤

الصادق من كذب الكاذب. فنزلت فيهم( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) ونزل قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ) .

[٢٤٨]

قوله تعالى :( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ) الآية [٦٤].

٥١٠١ م ـ قال السُّدِّي : قال بعض المنافقين : والله لوددت أني قُدِّمت فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله هذه الآية.

٥١٠ م ـ وقال مجاهد : كانوا يقولون القول بينهم ، ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.

[٢٤٩]

قوله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) الآية. [٦٥].

٥١١ ـ قال قتادة : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، إذ قالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات له ذلك ، فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : احبسوا عليَّ الرَّكْبَ ، فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا ، فقالوا : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥١٢ ـ قال زَيْد بن أَسْلَم ، ومحمد بن كعب : قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألْسُناً ، ولا أجبن عند

__________________

[٥١٠١] مرسل.

[٥١٠] م مرسل.

[٥١١] مرسل ، وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١١٩)

[٥١٢] بدون إسناد.

٢٥٥

اللقاء ـ يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ـ فقال له عوْفُ بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخْبِرَنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . فذهب عوف ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فجاء ذلك الرجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.

٥١٣ ـ أخبرنا أبو نصر محمد [بن محمد] بن عبد الله الجَوْزَقِي ، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني ، حدثنا محمّد بن ميمون الخياط ، حدثنا إسماعيل بن داود المهْرَجَاني ، حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :

رأيت عبد الله بن أبيّ يسير قدَّام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والحجارة تَنْكُبُه وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :( أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) .

[٢٥٠]

قوله تعالى :( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ) الآية. [٧٤].

٥١٤ ـ قال الضحاك : خرج المنافقون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك فكانوا إذا خلا بعضهم إلى بعضه سبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وطعنوا في الدين ، فنقَل ما قالوا حذيفةُ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال [لهم] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم؟ فحلفوا ما قالوا شيئاً من ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذاباً لهم.

٥١٥ ـ وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، رجل من جُهَيْنَة ورجل من

__________________

[٥١٣] إسناده ضعيف : إسماعيل بن داود : ضعيف ، ذكره ابن حبان في المجروحين [١ / ١٢٩] وذكر هذا الحديث من منكراته.

وعزاه في الدر (٣ / ٢٥٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبي الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواة مالك.

[٥١٤] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

[٥١٥] مرسل ، الدر (٣ / ٢٥٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٥٦

غفار ، فظهر الغِفَارِيّ على الجُهَيْنيّ ، فنادى عبد الله بن أبيّ : يا بني الأوْس ، انصروا أخاكم فو الله ما مَثلُنَا ومثَلُ محمد إلا كما قال القائل : سمَّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعَزُّ منها الأذل ، فسمع بها رجل من المسلمين ، فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره فأرسل إليه ، فجعل يحلف بالله ما قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥١]

قوله تعالى :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) [٧٤].

٥١٦ ـ قال الضحاك : هموا أن يدفعوا [النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] ليلة العَقَبَة ، وكانوا قوماً قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم معه. فجعلوا يلتمسون غِرّته ، حتى أخذ في عَقَبَة ، فتقدَّم بعضهم ، وتأخر بعضهم ، وذلك كان ليلاً ، قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، وكان قائده في تلك الليلة عمّار بن ياسر ، وسائقه حُذَيفة ، فسمع حُذَيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين ، فقال : إليكم [إليكم] يا أعداء الله ، فأمسكوا ومضى النبيعليه‌السلام حتى نزل منزلة الذي أراد ، فأنزل الله تعالى قوله :( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) .

[٢٥٢]

قوله تعالى :( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا ) [٧٥].

٥١٧ ـ أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ، قال : حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الجوْنيّ ، قال :

__________________

[٥١٦] مرسل.

[٥١٧] إسناده ضعيف جداً : معان بن رفاعة السلامي : قال ابن حبان : منكر الحديث [مجروحين ٣ / ٣٦] ، القاسم بن عبد الرحمن : منكر الحديث [مجروحين ٢ / ٢١١] ، علي بن يزيد أبي عبد الملك : ضعيف والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ٢٦٠) والبيهقي في الدلائل (٥ / ٢٨٩) وابن جرير (١٠ / ١٣٠) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٣١ ـ ٣٢) وقال : رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٣ / ٢٦٠) للحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والعسكري في الأمثال وابن مندة والباوردي وأبي نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه وابن عساكر.

٢٥٧

حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا محمد بن شعيب ، قال : حدثنا معاذ بن رفاعة السّلامي ، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد ، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن،عن أبي أمامة الباهلي :

أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ويحك يا ثعلبة ، قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ثم قال مرة أخرى : أما تَرْضى أن تكون مثلَ نبي الله ، فو الذي نفسي بيده ، لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهباً لسالت. فقال : والذي بعثك بالحق [نبياً] لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأوتِيَنَّ كلَّ ذي حق حقه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالاً. فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة ـ فسأل رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما فعل ثعلبة؟ فقال : اتخذ غنماً وضاقت عليه المدينة ، وأخبره بخبره ، فقال : يا ويح ثعلبة ـ ثلاثاً ـ وأنزل اللهعزوجل :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) وأنزل فرائض الصدقة ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين على الصَّدقَة ـ رجلاً من جُهَيْنَةَ ورجلاً من بني سليم ـ وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة ، وقال لهما : مُرا بثعلبة وبفلان ـ رجل من بني سليم ـ فخذا صدقاتهما. فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول اللهعليه‌السلام فقال ثعلبة : ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية! ما أدري ما هذا! انطلقا حتى تَفْرُغَا ثم تعودا إليَّ. فانطلقا وأخبرا السلمي ، فنظر إلى خِيَارِ أسْنَان إبله فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها قالوا : ما يجب هذا عليك ، وما نريد أن نأخذ هذا منك. قال : بل يخذوه ، فإن نفسي بذلك طَيِّبَة ، وإنما هي إبلي. فأخذوها منه ، فلما فرغا من صدقتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما [حتى] أنظر فيه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية! انطلقا حتى أرى رأْيي. فانطلقا حتى أتيا النبيعليه‌السلام ، فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ، قبل أن يكلمهما ، ودعا للسُّلَمِيّ ، بالبركة. وأخبروه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلمي ، فأنزل اللهعزوجل :( وَمِنْهُمْ مَنْ

٢٥٨

عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَ ) إلى قوله تعالى :( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) وعند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله تعالى فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبيعليه‌السلام فسأله أن يقبل منه صدقته ، فقال : إن الله قد منعني أن أقبل [منك] صدقتك ، فجعل يَحْثُو التراب على رأسه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا عملك! قد أمرتك فلم تطعني. فلما أبي أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله. وقُبِضَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقبل منه شيئاً ، ثم أتى أبا بكر حين استخْلِفَ فقال : قد علمت منزلتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أقبلها؟ فقُبِضَ أبو بكر وأبى أن يقبلها. فلما ولي عمر بن الخطاب أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، اقبل صدقتي. فقال : لم يقبلها رسول اللهعليه‌السلام ، ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها. وقُبِضَ عمر ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها [منك]؟ فلم يقبلها عثمان ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان.

[٢٥٣]

قوله تعالى :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ) الآية. [٧٩].

٥١٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا أبو علي الفقيه ، أخبرنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ، قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العِجْلي ، حدثنا شُعْبَة ، عن سليمان عن أبي وائل ، عن أبي مسعود ، قال :

__________________

[٥١٨] أخرجه البخاري في الزكاة (١٤١٥) وفي التفسير (٤٦٦٨) وأخرجه مسلم في الزكاة (٧٢ / ١٠١٨) ص ٧٠٦.

وأخرجه النسائي في الزكاة (٥ / ٥٩) وأخرجه في التفسير (٢٤٣) وأخرجه ابن ماجة في الزهد (٤١٥٥) ببعضه. وابن جرير (١٠ / ١٣٦).

وعزاه السيوطي في الدر (٣ / ٢٦٢) للبخاري ومسلم وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم في المعرفة.

٢٥٩

لما نزلت آية الصدقة [كنا نُحَامِل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي ، و] جاء رجل فتصدق بصاع فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ) رواه البخاري عن أبي قُدَامة : عُبيد الله بن سعيد ، عن أبي النعمان.

٥١٩ ـ وقال قتادة ، وغيره : حث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال : يا رسول الله ، ما لي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت ـ فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى إنه خلَّف امرأتين يوم مات فبلغ ثُمْنُ ماله لهما مائةً وستين ألف درهم ـ وتصدق يومئذٍ عاصم بن عَدِي بن العَجْلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال : يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يَنْثُرَهُ في الصدقات ، فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أحب أن يذكر نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥٤]

قوله تعالى :( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) الآية. [٨٤].

٥٢٠ ـ حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن نصر ، أخبرنا يوسف بن عاصم الرَّازي ، حدثنا العباس بن

__________________

[٥١٩] مرسل.

[٥٢٠] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (١٢٦٩) وفي كتاب اللباس (٥٧٩٦) وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٥ مكرر / ٢٤٠٠) ص ١٨٦٥ وفي صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢٧٧٤) ص ٢١٤١ والترمذي في التفسير (٣٠٩٨) والنسائي في المجتبى في الجنائز (٤ / ٣٧) وفي التفسير (٢٤٤) وابن ماجة في الجنائز (١٥٢٣) والبيهقي في السنن (٣ / ٤٠٢) ، (٨ / ١٩٩) وفي الدلائل (٥ / ٢٨٧) وأخرجه ابن جرير (١٠ / ١٤١).

وزاد نسبته في الدر (٣ / ٢٦٦) لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم على وحيك وعصمتهم عن معاصيك ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا على خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لاحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم على من برأت، وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

وفي بحار الأنوار: ٩٩/١٦٩:

ثم قال السيدرحمه‌الله ، دعاء يدعى به عقيب الزيارة لسائر الأئمةعليهم‌السلام : اللهم إني زرت هذا الإمام مقراً بإمامته، معتقداً لفرض طاعته، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي، وموبقات آثامي، وكثرة سيئاتي وخطاياي، وما تعرفه مني، مستجيراً بعفوك، مستعيذاً بحلمك، راجياً رحمتك، لاجياً الى ركنك، عائذاً برأفتك، مستشفعاً بوليك وابن أوليائك، وصفيك وابن أصفيائك، وأمينك وابن أمنائك، وخليفتك وابن خلفائك، الذين جعلتهم الوسيلة الى رحمتك ورضوانك، والذريعة الى رأفتك وغفرانك.

وفي بحار الأنوار: ٢٤/٢:

كنز: روى شيخ الطائفةرحمه‌الله بإسناده الى الفضل بن شاذان، رفعه الى أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن الله عز وجل يقول: ماتوجه الى أحدٌ من خلقي أحب الى من داع دعاني يسأل بحق محمد وأهل بيته. وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال: ( اللهم أنت وليي في نعمتي، والقادر على طلبتي، وقد تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي ) فأوحى الله اليه: يا آدم أنا ولي نعمتك، والقادر على طلبتك، وقد علمت حاجتك، فكيف سألتني بحق هؤلاء؟

فقال: يا رب انك لما نفخت فيَّ الروح رفعت رأسي الى عرشك، فإذا حوله مكتوبٌ: لا الَه إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، ثم عرضت علي الأسماء، فكان ممن مرّ بي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم، فعلمت أنهم أقرب خلقك اليك.

قال: صدقت يا آدم.

**

٣٢١

٣٢٢

الفصل الرابع

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية الأولى

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . المائدة - ٣٥

فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ ( وسيلة ) الى الله تعالى، ولكنها لم تبين ما هي، وهذا يعني أن الله تعالى ترك بيانها للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عمل المفسرين السنيين لابعاد الوسيلة عن النبي!

يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثاً لابعاد ( الوسيلة المأمور بها في القرآن ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فمن ناحية، لم يرووا شيئاً في تفسيرها عن النبي وآله، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة، وغاية ما رووا فيها رواية مقطوعة عن حذيفة تقول إن الوسيلة هي القربة!كما في مستدرك الحاكم: ٢/٣١٢!

٣٢٣

مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلَهي نزل الى الأمة بأن يبتغوا الى ربهم الوسيلة، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس؟!

أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء! لإن القربة كلمة مجملة تحتاج الى تفسير كالوسيلة!!

فهل تختص الوسيلة بالأعمال الصالحة، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء.. الخ.

قال السيوطي في الدر المنثور: ٢/٢٨٠:

أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله:

وابتغوا اليه الوسيلة، قال: القربة.

وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا اليه الوسيلة قال: القربة.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: وابتغوا اليه الوسيلة قال: تقربوا الى الله بطاعته والعمل بما يرضيه.

وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال: الوسيلة في الايمان.

وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: وابتغوا اليه الوسيلة، قال: الحاجة.

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الـرجـال لــهم اليـك وسيلــة

أن يأخذوك، تكحلي وتخضبي

انتهى.

وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة إن صح عنه فلا يصح، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة: إن الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي! على أنه لا يبعد أن يكون معنى الحاجة في زمن ابن عباس هو المعنى الذي يستعمله أهل مصر اليوم، وهو عام يشمل الوسيلة.

٣٢٤

وفي حلية الأولياء: ٤/١٠٥:

عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالى: وابتغوا اليه الوسيلة، قال: القربة في الأعمال. انتهى.

وهكذا ساروا على ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وإبعادها عن النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه!

ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة، حتى ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبورهم الشريفة!!

وسوف ترى أن الاتجاه الأموي أخذ شكلاً حاداً على يد ابن تيمية وأتباعه!

وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى في إيمانهم، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدةً بعده بأهل بيته الطاهرين.

وفي اعتقادي أن ذلك يرجع الى يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة! فمنعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك.. وأكثر مظاهر الاحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها!!

فصار ذلك فقهاً وعقيدة، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره.. ولم يخرج عنه إلا المتصوفة، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة الى الله تعالى بمشايخ طرقهم!!

وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل على إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني، فقال في تفسيره: ٦ جزء ١١/٢٢٠:

المسألة الثالثة، الوسيلة: فعيلة، من وسل أي تقرب اليه، قال لبيد الشاعر:

أرى الناس لا يدرون ماقدر أمرهم * ألا كـل ذي لـب الـى الله واسل

أي متوسل، فالوسيلة هي التي يتوسل بها الى المقصود.

قالت التعليمية: دلت الآية على أنه لا سبيل الى الله تعالى إلا بمعلم معرفته،

٣٢٥

ومرشد يرشدنا الى العلم به، وذلك لأنه طلب الوسيلة اليه مطلقاً، والايمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد، فلا بد فيه من الوسيلة.

وجوابنا: أنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به، والايمان به عبارة عن المعرفة به، فكان هذا أمراً بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به ومعرفته، فيمتنع أن أن يكون هذا أمراً بطلب الوسيلة اليه في معرفته! فكان المراد طلب الوسيلة اليه في تحصيل مرضاته، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهى كلام الرازي.

وغرضه أن يقول إن الآية تخاطب المؤمنين بعد إيمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص الى الايمان.

ولكنه نسي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) النساء - ١٣٦

فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله! ونسي قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات - ١٤، فلا مانع أن يخاطب تعالى المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا اليه الوسيلة عن طريق رسوله؟!

بل حتى لو سلمنا أن الآية ناظرةٌ الى ما بعد الايمان، فأي مانع في أن يطلب الله تعالى من المؤمنين أن يرتقوا بإيمانهم الى درجة أعلى، فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم الى ربهم؟ !!

ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور بها بالأعمال، ويبعدها عن شخص النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم، ويثبتوا حاجة المسلم في إمانه الى شيخ طريقة يكون وسيلته الى ربه!!

**

أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام ، من أن الوسيلة هي النبي أو وصيه من بعده..

٣٢٦

قال الطوسي في تفسير التبيان: ٣/٥٠٩:

خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها، ويبتغوا اليه معناه يطلبون اليه، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل.

وهي على وزن فعيلة، من قولهم: توسلت اليك، أي تقربت. قال عنترة بن شداد:

إن الـرجـال لــهم اليـك وسيلــة

أن يأخذوك، تكحلي وتخضبي

وقال الآخر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا

وعـاد التصافي بيننا والوسائل

يقال: منه سلت أسال، أي طلبت، وهما يتساولان، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهى.

والظاهر أن منهج الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارىَ السني. وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن: ١/٣٦٩، والبلاغي في إملاء مأمن به الرحمن: ١/٢١٤

أما التفاسير الروائية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله بها بالنبي والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم.

ففي تفسير القمي: ١/١٦٨:

وقوله( اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) فقال: تقربوا اليه بالامام. انتهى.

والمتأمل في الآية يلاحظ أنها: أمر إلَهي نزل في آخر سورة من القرآن، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو ( البحث.. عن.. الوسيلة )! وهو تكليف مجملٌ، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما نحن فنروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أن الوسيلة هو وأهل بيته، فالأمة مكلفةٌ أن تتعبد لله تعالى بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم..

٣٢٧

بينما لم يرو السنييون بيانها، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة، وهو لا يصح لأنه تفسيرٌ مجملٌ مثلها! ولأنه يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية، ويجعل معناها تكراراً تأكيدياً لمثل قوله تعالى( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ   ) ، وبذلك لا يبقى معنى لاستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها، ولا لنزول الآية!!

الآية الثانية

قال الله تعالى:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) . النساء - ٦٤

ورد تفسير المجيء الى الرسول فيها عن أهل البيتعليهم‌السلام ، أنه يشمل المجيَ اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته، والمجيء الى قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم على ذلك روايات في مصادر السنيين.

ففي الكافي: ٤ /٥٥٠:

عن معاوية بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقوم فتسلم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر، وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر الى جانب القبر، ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول:

أشهد أن لا الَه إلا الله وحده لاشريك له و، أشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك محمد بن عبدالله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين، وأديت الذي عليك من الحق، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين.

الحمد الله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة.

٣٢٨

اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يارب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك.

اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم إنك قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي.

وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك، فإنك أحرى أن تقضى إن شاء الله.

ورواه في تهذيب الأحكام: ٦ /٥

ونحوه في من لا يحضره الفقيه: ٢/٥٦٧، وفيه:

اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه بن الأولون والآخرون، اللهم إنك قلت وقولك الحق: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي.

يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهى.

وفي الدر المنثور: ١/٢٣٨:

وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء الى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا، مستشفعاً بك

٣٢٩

على ربك، لأنه قال في محكم كتابه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي، وأن يشفع في.

ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:

يا خير من دفنت في الترب أعظمه

فطـاب مـن طيبهن القاع والأكم

نفسي الفـداء لقبـر أنـت ساكنه

فيـه العفاف وفيـه الجود والكرم

ورواه في كنز العمال: ٤/٢٥٨، وقال في هامشه: وذكر ابن كثير في تفسيره: ٢/٣٢٩

وقصة هذا الأعرابي تدل على أن العربي الصافي الفطرة يفهم بفطرته أن قوله تعالى( جاؤوك ) يشمل المجيء الى الرسول في حياته، والى قبره بعد وفاته.

وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح/١٥٦:

ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الشريف مستقبله كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك. اللهم ربنا اغفر لنا ولآباءنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

وفي الدر المنثور: ٢/٢١٩:

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له:( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) الآية.

وفي الدر المنثور: ٢ /١٧٠:

وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب الى من حمر النعم وسودها:

٣٣٠

في سورة النساء قوله:( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) الآية.

وقوله:( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ) الآية.

وقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) الآية.

وقوله:( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) الآية.

وفي الدر المنثور: ٢ /١٨٠:

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:

الاستغفار على نحوين، أحدهما في القول والآخر في العمل.

فأما استغفار القول فإن الله يقول:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) .

وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهى.

جاؤوك، تشمل المجيء الى قبر النبي والمجيء الى وصيه

في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطاباتٌ وأحكامٌ خاصة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما حكمها بعد وفاته؟

قالت مذاهب الخلافة القرشية: من هذه الأحكام ما هو من شأن النبوة، فينتهي بوفاة النبي، والباقي يصير المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية، فقالت صار أمرها الى الخليفة... الخ.

ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. وللبحث في هذا الموضوع مكانٌ آخر، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الالَهي بالمجيء الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل هو حكم مستمرٌ بعده في وصيه أم لا؟

٣٣١

دلت أحاديثنا الصحيحة على أن هذا المقام الرباني ثابتٌ للوصيعليه‌السلام ، وهو الذي يساعد عليه استمرار الإسلام، ووراثة الكتاب الالَهي، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين، صلى الله عليه وعليهم.

ففي الكافي: ١/٣٩١:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمداً ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم،ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ، عليهم من القتل أو العفو،وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

وفي الكافي: ٨/٣٣٤:

علي بن ابراهيم، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل، وغيره، عن منصور بن يونس عن ابن أذينة، عن عبد الله بن النجاشي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في قول الله عز وجل:( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّـهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) . يعني والله فلاناً وفلاناً.

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .

يعني والله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياً مما صنعوا، أي لو جاؤوك بها يا علي فاستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) . فقال أبو عبد الله: هو والله عليٌّ بعينه،( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ) ، على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي،( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، لعلي.

٣٣٢

وفي تفسير القمي: ١/ ١٤٢:

وقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ ) ، فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) . هكذا نزلت. ثم قال: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك، يا علي، فيما شجر بينهم، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت عليهم يا محمد على لسانك من ولايته، ويسلموا تسليماً لعليعليه‌السلام . انتهى.

ومعنى قول الإمام الباقرعليه‌السلام ( هكذا نزلت ) أي هذا هو المعنى المقصود فيها الذي أنزله الله تعالى.

وقد يكون القول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً على بعضهم، ولكنه لا بد منه إذا أردنا أن لا نعطل معنى الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه!!

**

الآية الثالثة

قال الله تعالى:( وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ، قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) . الاسراء ٥٥ - ٥٧

وهذه الآية تدل على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالأشخاص الأقرب اليه، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالى: يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب مدحٌ لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل الى الله تعالى.. وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين، والمتوسل بهم. كما سيأتي.

٣٣٣

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معنى الآيات:

قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف الضر عنهم، فلا مجيب!! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئاً!

ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهلٌ لكشف الضر سبحانه، فتراهم يبتغون اليه الوسيلة، ويبحثون عن أقرب عباده اليه وسيلة فيتوسلون به اليه، فيستجيب دعاءهم.

فـ ( أولئك ) في مطلع الآية الثانية استئنافٌ قصد به المؤمنون عبر التاريخ، وقد مدحهم الله تعالى بدعائهم ربهم الحق، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم اليه من عباده.. وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء! ويتوسلون بما لم يأذن به الله!!

أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك الى المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه الى الأنبياء، ولكنه وافقهم في أن ( أيهم أقرب ) صفة للمتوسلين لا للمتوسل بهم، كما سيأتي.

وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين، فقد راعوا التفسير السني، ولم يخرجوا عنه إلا قليلا.

قال الطوسي في تفسير التبيان: ٦/٤٩٠:

ثم قال لنبيه: قل لهم ادعوا الذين زعمتم من دونه، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك أم لا.

وقال ابن عباس والحسن: الذين من دونه، الملائكة والمسيح وعزير.

وقال ابن مسعود: أراد به ماكانوا يعبدون من الجن: وقد أسلم أولئك النفر من الجن، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي الكفار على عبادتهم.

٣٣٤

وقال أبو علي: رجع الى ذكر الأنبياء في الآية الأولى، والتقدير أن الأنبياء يدعون الى الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به اليه والى رضوانه وثوابه، أيهم كان أفضل عند الله، وأشد تقرباً اليه بالأعمال.

ثم قال: فلا يملكون، يعني الذين تدعون من دون الله، كشف الضر، والبلاء عنكم، ولا تحويله الى سواكم.

ثم قال: أولئك الذين يدعون يبتغون... أولئك: رفع بالابتداء، والذين، صفة لهم ويبتغون الى ربهم خبر الابتداء، والمعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون الى ربهم.

أيهم رفع بالابتداء، وأقرب خبره. والمعنى يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم أقرب فيتوسلون به، ذكره الزجاج.

وقال قوم: الوسيلة هي القربة والزلفة.

وقال الزجاج: الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد، والمعنى أن هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب، ويبتغي المدعوون أرباباً الى ربهم القربة والزلفة، لأنهم أهل إيمان به.

والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه.انتهى.

وقد اقتصر الشيخ الطوسي على ذكر أقوال السنيين، كما رأيت.

وأما الطبرسي في مجمع البيان: ٦/٤٢٢، فقد مال الى قول أبي علي الجبائي، فقال: ثم قال سبحانه لنبيه ( ص ):

قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الى حالة أخرى.

فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، للحالة التي تكرهونها الى حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط الى الخصب والفقر الىالغنى والمرض الى الصحة.

٣٣٥

وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم الى غيركم، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للالهية، ولا يستحق العبادة.

والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن.

وقيل هم الجن، لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم.

قال الجبائي: ثم رجع سبحانه الى ذكر الأنبياء في الآية الاولى فقال: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة، ومعناه أولئك الذين يدعون الى الله تعالى ويطلبون القربة اليه بفعل الطاعات.

أيهم أقرب، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه.

وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً على الاقتداء بهم.

وقيل إن معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة الى الله تعالى بعبادتهم، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب الى رحمته أو الى الاجابة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوه ويخافون عذابه إن عصو، ويعلمون عمل العبيد. انتهى.

ومع أنهرحمه‌الله مال الى تفسير الجبائي، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام الصحيحة التي تنص على أن الوسيلة للناس جميعاً هم محمد وآله صلى الله عليهم.

وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية، ولم يجزم بشيء منها! قال في تفسير الميزان: ١٣/١٣٠:

قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، الى آخر الآية.

٣٣٦

أولئك مبتدأ، والذين صفة له، ويدعون صلته ضميره عائد الى المشركين. ويبتغون خبر أولئك، وضميره وسائر ضمائر الجمع الى آخر الآية راجعة الى أولئك.

وقوله: أيهم أقرب، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الابتغاء فحصاً وسؤالا في المعنى. هذا ما يعطيه السياق.

والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب، وربما استعملت بمعنى ما به التوصل والتقرب، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر الى تعقيبه بقوله: أيهم أقرب. والمعنى والله أعلم:

أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به الى ربهم يستعلمون.

أيهم أقرب: حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا اليه تعالى كتقربه .ويرجون رحمته، من كل ما يستمدون به في وجودهم.

ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه.

إن عذاب ربك كان محذورا. يجب التحرز منه والتوسل الى الله ببعض المقربين اليه، على ما في الآية الكريمة، قريب من قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين، فإنهم يتوسلون الى الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس، فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا يخافونه، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون الى هؤلاء الأرباب والآلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح.

وبالجملة، يدعون التقرب الى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله، فيشركون بإعطاء الاستقلال لها في الربوبية والعبادة.

والمراد بأولئك الذين يدعون: إن كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الانس، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة

٣٣٧

وخوف العذاب ظاهره المتبادر.

وإن كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الانسان كفرعون ونمرود وغيرهما، كان المراد بابتغائهم الوسيلة اليه تعالى ما ذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني (! )

وكذا المراد من رجائهم وخوفهم لذواتهم. انتهى.

ثم ذكر صاحب الميزانرحمه‌الله وجوهاً أخرى في رجوع الضمائر ولم يتبن منها شيئاً!

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون إن المقصود ب ( أولئك ) في الآية، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم بعض الناس، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالى ويبتغون اليه الوسيلة... وعابدوهم مشركون.

ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن، أو الملائكة، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر!

قال البخاري في صحيحه: ٥/٢٢٧:

عن أبي معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ): الى ربهم الوسيلة، قال: كان ناس من الانس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الاشجعي: عن سفيان عن الأعمش: قل ادعوا الذين زعمتم.

باب أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.. الآية:

عن أبي معمر عن عبداللهرضي‌الله‌عنه في هذه الآية: الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة، قال: ناس من الجن يعبدون، فأسلموا.

ورواه مسلم: ٨/٢٤٤ ، عن عبد الله أيضاً، وفيه قال: كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفراً من الجن، فأسلم النفر من الجن، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.

ورواه الحاكم بنحوه: ٢/٣٦٢، عن عبد الله أيضاً.

٣٣٨

وقال السيوطي في الدر المنثور: ٤/١٨٩:

أخرج عبدالرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله: قل ادعوا الذين زعتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة. كلاهما بالياء.

وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، معاً في الدلائل، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون ذلك.

وقال في الدر المنثور: ٤/١٩٠:

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فأنزل الله: أولئك الذين يدعون.. الآية.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً.

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: فلا يملكون كشف الضر عنكم، قال: عيسى وأمه وعزير.

وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: أولئك الذين يدعون، قال: هم عيسى وعزير والشمس والقمر. انتهى.

وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٢٠/٢٣١:

فنقول: إن قوماً عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم.

٣٣٩

وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيراً.

وقيل إن قوماً عبدوا نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم، فنزلت هذه الآية. انتهى.

وعلى هذا المنوال نسج المفسرون الباقون.. ومنهم ابن تيمية، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين، وأخذ منها ذم الذين الذين عبدوا المتوسلين!

قال في رسالة فتيا في نية السفر/٤٣٠:

فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن! قال تعالى: هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا.

قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره: أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب اليه والتزلف اليه، وأن هذه حقيقة حالهم، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع، والوسيلة هي القربة، وسبب الوصول الى البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من سأل الله لي الوسيلة.. الحديث.

وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه، إلا أنه برز به على غيره فقال: وأيهم ابتداء وخبره أقرب، وأولئك يراد بهم المعبودون، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار، وفي يبتغون للمعبودين، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب!! وهذا كما قال عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ أي يتبارون في طلب القرب!!

قالرحمه‌الله : وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.

ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591