أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439585 / تحميل: 6670
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء ، وعِبْتَ الدين ، وسفّهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرَّقت الجماعة ، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جِئتَهُ فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنما جئت [بهذا] لتطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا ـ وإن كنت تريد ملكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الرّئيُّ الذي يأتيك تَرَاهُ قد غلب عليك ـ وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي ـ بذلنا أموالنا في طلب الطِّبِّ لك حتى نُبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : مَا بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن اللهعزوجل بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل عليَّ كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلّغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم ، فإن تقبَلوا مني ما جئتكم به فهو حظّكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردُّوه عليّ أصْبِر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا [له] : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا [عليك] فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلاداً ، ولا أقل مالاً ، ولا أشد عيشاً منا ، فسَلْ لنا ربك. الذي بعثك بما بعثك ـ فليسيِّر عنا هذه الجبال التي ضيَّقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ، ويجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا مَنْ مضى من آبائنا ، وليكن ممن يبعث لنا منه قُصَيّ بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسألهم عما تقول : أحق هو [أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك صدَّقناك ، وعرَفنا به منزلتك عند الله ، وأنه بعثك رسولاً كما تقول. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به ، فقد بلّغتكم ما أرسلت به [إليكم] ، فإن تقبلوه فهو حظَّكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردُّوه أصبر لأمر الله ، قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث ملكاً يصدّقك ، وسله فليجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة يُغْنِيكَ بها عما نراك [تبتغي] فإنك تقوم في الأسواق [كما نقوم] وتلتمس المعاش [كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم]. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : [ما أنا بفاعل] ، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً. قالوا : فأسقط علينا كِسَفاً من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذلك إلى الله إن شاء فعل. فقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله

٣٠١

والملائكة قبيلا. وقال عبد الله بن أمَيّة المخزومي ـ وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابنُ عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً وترقى فيه ، وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ، ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. فانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله حزيناً لما فانه من متابعة قومه ، ولما رأى من مباعدتهم منه. فأنزل الله تعالى :( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) الآيات.

٥٩٢ ـ أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر ، قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد ، قال : حدثنا زياد بن أيوب ، قال : حدثنا هشيم عن عبد الملك بن عمير ـ عن سعيد بن جبير ـ قال : قلت له ، قوله :( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) نزلت في عبد الله بن أبي أُميَّة؟ قال : زعموا ذلك.

[٢٩٨]

قوله تعالى :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) الآية. [١١٠].

٥٩٣ ـ قال ابن عباس : تهجَّدَ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة بمكة ، فجعل يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : كان محمد يدعو إلهاً واحداً ، فهو الآن يدعو إِلهين اثنين : الله والرحمن ، ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة ـ يعنون مسيلمة الكذاب ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٩٤ ـ وقال ميمون بن مِهْرَان : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يكتب في أول ما أوحي

__________________

[٥٩٢] أخرجه ابن جرير (١٥ / ١١١) ، وعزاه في الدر (٤ / ٢٠٣) لسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٥٩٣] ذكره المصنف بدون إسناد.

وقد أخرجه ابن جرير (١٥ / ١٢١) قال : حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين. قال : ثني محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس به.

قلت : الحسين هو الحسين بن داود ولقبه سُنيد وهو ضعيف (له ترجمة في التقريب ١ / ٣٣٥) وعلى ذلك فالإسناد ضعيف.

[٥٩٤] مرسل.

٣٠٢

إليه : «باسمك اللهم» حتى نزلت هذه الآية :( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم». فقال مشركو العرب : هذا الرحيم نعرفه ، فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٩٥ ـ وقال الضحاك : قال أهل الكتاب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّك لَتُقِلُّ ذِكْرَ الرحمن ، وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم! فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٩٩]

قولهعزوجل :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) الآية. [١١٠].

٥٩٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا والدي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدثنا عبد الله بن مطيع ، وأحمد بن مَنِيع ، قالا : حدثنا هُثَيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) قال :

نزلت ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مختف بمكة : فكانوا إذا سمعوا القرآن سَبّوا القرآن ، ومن أنزله ، ومن جاء به. فقال اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) أي بقراءتك ، فيسمعَ المشركون فيَسُبُّوا القرآن ،( وَلا تُخافِتْ بِها ) عن أصحابك فلا يسمعوا ،( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) رواه البخاري عن مُسَدَّد ، ورواه مسلم ،

__________________

[٥٩٥] بدون إسناد.

[٥٩٦] أخرجه البخاري في التفسير (٤٧٢٢) وفي التوحيد (٧٤٩٠ ، ٧٥٢٥ ، ٧٥٤٧).

وأخرجه مسلم في الصلاة (١٤٥ / ٤٤٦) ص ٣٢٩.

والترمذي في التفسير (٣١٤٦) وقال : حسن صحيح.

والنسائي في التفسير (٣٢٠).

والنسائي في المجتبى (٢ / ١٧٨).

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٣ ، ٢١٥) والطبراني في الكبير (١٢ / ٥٥).

وابن جرير في تفسيره (١٥ / ١٢٣) والبيهقي في السنن (٢ / ١٨٤).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٢٠٦) لسعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه.

٣٠٣

عن عَمْر النَّاقد ، كلاهما عن هُشَيم.

٥٩٧ ـ وقالت عائشةرضي‌الله‌عنها : نزلت هذه الآية في التشهد ، كان الأعرابي يجهر فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، يرفع بها صوته ، فنزلت هذه الآية.

٥٩٨ ـ وقال عبد الله بن شداد : كان أعراب [من بني تميم إذا سلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من صلاته قالوا : اللهم ارزقنا مالاً وولداً ، ويجهرون. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٩٩ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، قال : أخبرنا أبو علي الفقيه ، قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن مُبَشِّر الواسِطي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن حرب ، قال : حدثنا أبو مروان [عن] يحيى بن أبي زكريا الغسَّاني ، عن هشام بن عروة [عن أبيه] عن عائشةرضي‌الله‌عنها في قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) ، قالت : إنها أنزلت في الدعاء.

__________________

[٥٩٧] بدون إسناد.

[٥٩٨] ابن جرير (١٥ / ١٢٢)

[٥٩٩] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (١٤٦ / ٤٤٧) ص ٣٢٩.

والنسائي في التفسير (٣٢١) والبيهقي في السنن (٢ / ١٨٣).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٢٠٧) للبخاري وأبي داود في الناسخ والبزار وسعيد بن منصور وابن نصر وابن مردويه. وأخرجه ابن جرير (١٥ / ١٢٢)

٣٠٤

سورة الكهف

[٣٠٠]

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى :( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ) الآية. [٢٨].

٦٠٠ ـ حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، إملاء في «دار السُّنة» يوم الجمعة بعد الصلاة ، في شهور سنة عشر وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن عَبْدَوَيْه الحِيرِي قال : حدثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي ، قال : حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحرّاني ، قال : حدثنا سليمان بن عطاء الحراني ، عن مسلمة بن عبد الله الجُهني ، عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني ، عن سلمانَ الفارسي ، قال :

جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : عُيَيْنَة بن حِصْن ، والأقرَع بن حابِس ، وذَوُوهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيّت عنا هؤلاء وأرْوَاحَ جِبَابِهم ـ يعنون سَلْمَان ، وأبا ذَرّ ، وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جِبَاب الصوف ولم يكن عليهم غيرها ـ جَلَسْنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك! فأنزل الله تعالى :( وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ

__________________

[٦٠٠] إسناده ضعيف : سليمان بن عطاء : قال البخاري : منكر الحديث وقال ابن حبان : شيخ يروي عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة فلست أدري التخليط منه أم من مسلمة بن عبد الله [المجروحين ١ / ٣٢٥].

وعزاه السيوطي في الدر (٤ / ٢١٩) لابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب.

٣٠٥

لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً* وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) حتى بلغ ،( إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً ) يتهددهم بالنار ، فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال : الحمد لله الذي لم يُمتْنِي حتى أمرني أن أصْبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ، ومعكم الممات.

[٣٠١]

قوله تعالى :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ) الآية. [٢٨].

٦٠١ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : حدثنا أبو يحيى الرازي ، قال : حدثنا سهل بن عثمان ، قال : حدثنا أبو مالك ، عن جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ) قال :

نزلت في أمية بن خلف الجُمَحِي ، وذلك أنه دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمر كَرِهَهُ : من طرد الفقراء عنه ، وتقريب صَنَادِيدِ أهل مكة ، فأنزل الله تعالى :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ) يعني مَن خَتَمْنَا على قلبه عن التوحيد ،( وَاتَّبَعَ هَواهُ ) يعني الشركَ.

[٣٠٢]

قوله تعالى :( وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ) الآية. [٨٣].

٦٠٢ ـ قال قتادة : إن اليهود سألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذي القرنين ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.

__________________

[٦٠١] إسناده ضعيف جداً : جويبر بن سعيد قال الحافظ في التقريب : ضعيف جداً ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.

وعزاه في الدر (٤ / ٢٢٠) لابن مردويه.

[٦٠٢] مرسل.

٣٠٦

[٣٠٣]

قوله تعالى :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ) . [١٠٩].

٦٠٣ ـ قال ابن عباس : قالت اليهود لما قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) : كيف وقد أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراةَ فقد أوتِيَ خيراً كثيراً؟ فنزلت :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ) الآية.

[٣٠٤]

قوله تعالى :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ) الآية. [١١٠].

٦٠٤ ـ قال ابن عباس : نزلت في جُنْدُب بن زهير العامري ، وذلك أنه قال : إني أعمل العمل لله ، فإذا اطلع عليه سرني ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلا الطيب ولا يقبل ما شورِك ، فيه. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٦٠٥ ـ وقال طاوس : قال رجل : يا نبي الله ، إني أحب الجهاد في سبيل الله ، وأحب أن يرى مكاني! فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٦٠٥ م ـ وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : إني أتصدق ، وأصل الرَّحم ، ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى ، فيذكر ذلك مني وأُحمد عليه ، فيسرني ذلك وأعجب به. فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقل شيئاً ، فأنزل الله تعالى :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .

__________________

[٦٠٣] انظر الحديث رقم (٥٨٩)

[٦٠٤] عزاه في الدر (٤ / ٢٥٥) لابن مندة وأبي نعيم في الصحابة وابن عساكر من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح.

قلت : هذا الإسناد أطلق عليه الحفاظ : سلسلة الكذب ، انظر الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص ١٥٦.

[٦٠٥] مرسل ، وأخرجه ابن جرير (١٦ / ٣٢) وعزاه في الدر (٤ / ٢٥٥) لعبد الرزاق وابن أبي الدنيا في الإخلاص وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن طاوس (٤ / ٣٢٩).

وقال السيوطي : أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي موصولاً عن طاوس عن ابن عباس.

[٦٠٥] م مرسل ، وعزاه في الدر (٤ / ٢٥٥) لهناد في الزهد.

٣٠٧

سورة مريم

[٣٠٥]

بسم الله الرحمن الرحيم

قولهعزوجل :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) الآية. [٦٤].

٦٠٦ ـ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن حمويه ، أخبرنا أبو بكر محمد بن معمر الشامي ، أخبرنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرُّسْعَنِيّ قال : حدثنا جدي ، قال : حدثنا المغيرة قال : حدثنا عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا جبريلُ ، ما يمنعُك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال فنزلت :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) الآية كلها. قال : كان هذا الجواب لمحمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

__________________

[٦٠٦] أخرجه البخاري في بدء الخلق (٣٢١٨) وفي التفسير (٤٧٣١) وفي التوحيد (٧٤٥٥) وأخرجه الترمذي في التفسير (٣١٥٨) وقال : هذا حديث حسن غريب.

وأخرجه النسائي في التفسير (٣٣٩).

وأحمد في مسنده (١ / ٢٣١ ، ٢٣٣ ، ٣٥٧).

وابن جرير في تفسيره (١٦ / ٧٨) ، والطبراني في الكبير (١٢ / ٣٣) وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٦١١).

وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٢٧٨) لمسلم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

٣٠٨

رواه البخاري عن أبي نعيم عن [عمر بن] ذر.

٦٠٧ ـ وقال مجاهد : أبطأ المَلَكُ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أتاه فقال : لعلِّي أبطأتُ ، قال : قد فعلتَ ، قال : ولم لا أفعلُ ، وأنتم لا تَتَسوَّكُون ، ولا تَقُصُّون أظفاركم ، ولا تُنَقُّونَ بَرَاجِمُكُمْ؟ قال :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) قال مجاهد : فنزلت هذه الآية.

٦٠٨ ـ وقال عكرمة ، والضّحاك ، وقتادة ، ومقاتل ، والكلبي : احتبس جبريلعليه‌السلام [عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ] ، حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والرُّوح ، فلم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيه جبريلعليه‌السلام بجواب [ما سألوه] فأبطأ عليه ، فشقَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مشقّة شديدة ، فلما نزل جبريلعليه‌السلام ، قال له : أبطأت عليَّ حتى ساء ظني. واشتقت إليك. فقال جبريلعليه‌السلام : إني كنت إليك أشْوَق ولكني عبد مأمورٌ : إذا بعثتُ نزلتُ ، وإذا حُبِست احتَبَستُ ، فأنزل الله تعالى :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ )

[٣٠٦]

قوله تعالى :( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) الآيات. [٦٦].

٦٠٩ ـ قال الكلبي : نزلت في أبيّ بن خَلَف. حين أخذ عِظاماً بالية يفتها بيده ، ويقول : زعم لكم محمد أنا نبعث بعد ما نموت.

[٣٠٧]

قوله تعالى :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ) الآيات. [٧٧].

٦١٠ ـ أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال :

__________________

[٦٠٧] مرسل ، وعزاه في الدر (٤ / ٢٧٩) لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

[٦٠٨] مرسل.

[٦٠٩] الكلبي متهم بالكذب.

[٦١٠] أخرجه البخاري في البيوع (٢٠٩١) وفي الإجارة (٢٢٧٥) وفي الإشخاص (٢٤٢٥)

٣٠٩

أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش عن أبي الضُّحَى ، عن مَسْرُوق ، عن خبَّاب بن الأرَت ، قال :

كان لي دين على العاص بن وائل : فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله حتى تكفر بمحمد. فقلت : لا والله ، لا أكفر بمحمدٍ حتى تموتَ ثم تبعث. قال : إني إذا مِتُّ ثم بُعثتُ ، جئتني وسيكون لي ثمَّ مالٌ وولدٌ فأعطيك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٦١١ ـ أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الزاهد ، قال : أخبرنا البَغَوِيّ قال : حدثنا أبو خَيْثَمَة ، وعلي بن مسلم ، قالا : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي الضُّحى ، عن مسروق ، عن خبَّاب ، قال :

كنت رجلاً قَيْناً ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال [لي] : لا أقضيك حتى تكفر بمحمدعليه‌السلام . فقلت : لا أكفر حتى تموتَ وتُبعثَ. فقال : وإني لمبعوث بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رَجَعْتُ إلى مالي. قال : فنزلت فيه :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً )

رواه البخاري عن الحُمَيْدِي ، عن سُفْيان.

ورواه مسلم عن الأشَجِّ ، عن وكيع ، كلاهما عن الأعمش.

٦١٢ ـ وقال الكلبي ومقاتل :

كان خبَّاب بن الأرَتِّ قيْناً ، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي ، وكان

__________________

وفي التفسير (٤٧٣٢ ، ٤٧٣٣ ، ٤٧٣٤ ، ٤٧٣٥).

وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٣٥ ، ٣٦ / ٢٧٩٥) ص ٢١٥٣.

والترمذي في التفسير (٣١٦٢) وقال : هذا حديث حسن صحيح.

والنسائي في التفسير (٣٤٢).

وأحمد في مسنده (٥ / ١١٠ ، ١١١) والطبراني في الكبير (٤ / ٦٦ ، ٦٧) وابن جرير (١٦ / ٩١).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٢٨٣) لسعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل وابن حبان وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

[٦١١] انظر السابق.

[٦١٢] انظر السابق.

٣١٠

العاص يُؤخِّرُ حقه ، فأتاه يتقاضاه ، فقال العاص : ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال [خباب] : لست بمفارقك حتى تقضيني ، فقال العاص : يا خباب ، ما لك؟ ما كنت هكذا! وإن كنت لحسن الطلب. قال خباب : ذاك أني كنت على دينك ، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارقٌ لدينك! قال : أو لستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً؟ قال خباب : بلى ، قال : فأخرني حتى أقضيك في الجنة ـ استهزاء ـ فو الله لئن كان ما تقول حقاً إني لأفْضَلُ فيها نَصِيباً منك. فأنزل الله تعالى :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ) يعني العاص ، الآيات.

٣١١

سورة طه

[٣٠٨]

بسم الله الرحمن والرحيم

قولهعزوجل :( طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) [١ ـ ٢].

٦١٣ ـ قال مقاتل : قال أبو جهل ، والنَّضْر بن الحارث للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لشَقِيُّ بترك ديننا ، وذلك لما رأياه من طول عبادته و [شدة] اجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٦١٤ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا أبو يحيى ، قال : حدثنا العسكري ، قال : حدثنا أبو مالك عن جُوَيْبِر عن الضحاك ، قال :

لما نزل القرآن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قام هو وأصحابه فصلّوا ، فقال كفار قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به. فأنزل الله تعالى :( طه ) يقول : يا رجلُ :( ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) .

[٣٠٩]

قولهعزوجل :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) الآية. [١٣١].

__________________

[٦١٣] مرسل.

[٦١٤] مرسل ، الدر (٤ / ٢٨٩) وعزاه لابن أبي حاتم.

وقد مرت ترجمة جويبر بن سعيد في الحديث رقم (٦٠١)

٣١٢

٦١٥ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلَبِي ، قال : أخبرنا شُعَيب بن محمد البَيْهَقي قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدثنا أبو الأزهر ، قال : حدثنا روح ، عن موسى بن عُبَيْدة الرَّبَذِي ، قال : أخبرني يزيد عن عبد الله بن قُسَيْط ، عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أن ضيفاً نزل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً : يقول لك محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : [إنه] نزل بنا ضيف ولم يُلْفَ عندنا بعض الذي يُصْلِحُه ، فبعني كذا وكذا من الدقيق ، أو أسلفني إلى هلال رجب ، فقال اليهودي : لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن ، قال : فرجعت إليه فأخبرته ، فقال : والله إني لأمين في السماء ، أمين في الأرض ، ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه ، اذهب بدرعي. فنزلت هذه الآية تعزيةً له عن الدنيا :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ) الآية.

__________________

[٦١٥] إسناده ضعيف : موسى بن عبيدة الرَّبذي ضعيف [تقريب ٢ / ٢٨٦] وقد أخرجه ابن جرير (١٦ / ١٦٩) من طريق موسى بن عبيدة ، وأخرجه أيضاً من طريق الحسين بن داود وهو ضعيف ، وقد مرت ترجمته هنا في الحديث رقم (٥٩٣)

٣١٣

سورة الأنبياء

[٣١٠]

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ) الآية. [١٠١].

٦١٦ ـ أخبرنا [أبو عمر] بن أحمد بن عمرو الماوردي ، قال : حدثنا عبد الله ابن محمد بن نصر الرَّازي ، قال : أخبرنا محمد بن أيوب ، قال : أخبرنا علي بن المديني ، قال : حدثنا يحيى بن نوح ، قال : حدثنا أبو بكر [بن] عيّاش ، عن عاصم ، قال : أخبرني أبو رُزَين عن [أبي] يحيى ، عن ابن عباس ، قال :

آية لا يسألني الناس عنها ، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون عنها؟ قيل : وما هي؟ قال : لما نزلت :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) شق على قريش ، فقالوا : يشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزَّبَعْرَى فقال : ما لكم؟ قالوا : يشتم آلهتنا ، قال : فما قال؟ قالوا : قال :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) قال : ادْعُوهُ لي ، فلما دُعِي

__________________

[٦١٦] أخرجه الطبراني في الكبير (١٢ / ١٥٣).

وذكره الهيثمي في المجمع (٧ / ٦٩) وقال : فيه عاصم بن بهدلة وقد وثق وضعفه جماعة أ. ه.

قلت أخرج ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس مثله (١٧ / ٧٧).

من طريق عطاء بن السائب ، وعطاء اختلط.

٣١٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : يا محمد ، هذا شيء لآلهتنا خاصةً ، أو لكل من عُبِدَ من دون الله؟ قال : [لا] بل لكل من عبد من دون الله! فقال ابن الزِّبَعْرَى : خُصِمتَ وربِّ هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون؟ وأن عيسى عبد صالح؟ [وأن عزيراً عبد صالح؟ قال : بلى قال] : فهذه بنو مليح ، يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون عيسى ، وهذه اليهود يعبدون عُزَيراً. قال : فصاح أهل مكة ، فأنزل الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ) الملائكة وعيسى وعزيرعليهم‌السلام :( أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) .

٣١٥

سورة الحج

[٣١١]

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) الآية [١١].

٦١٧ ـ قال المفسرون نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، مهاجرون من باديتهم ، وكان أحدهم إذا قدم المدينة : فإن صحَّ بها [جسمه] ، ونُتِجَتْ فَرَسُه مُهْراً حسناً ، وولدت امرأته غلاماً ، وكَثُرَ ماله وماشيته رضي عنه واطمأن ، وقال : ما أصبْتُ منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً ، وإن أصابه وجع المدينة ، وولدت امرأته جارية ، وأُجْهِضَتْ رِمَاكُه ، وذهب ماله ، وتأخرت عنه الصَّدَقَةُ أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبتَ منذ كنتَ على دينك هذا إلا شرّاً ، فينقلبُ عن دينه. فأنزل الله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) الآية.

٦١٨ ـ وروى عطية ، عن أبي سعيد الخُدْرِي ، قال :

__________________

[٦١٧] أخرج البخاري في التفسير (٤٧٤٢) من حديث ابن عباس قال :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال : هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ـ وعزاه في الدر (٤ / ٣٤٦) للبخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه.

[٦١٨] إسناده ضعيف : عطية بن سعد بن جنادة العوفي ، قال الحافظ في التقريب صدوق يخطئ كثيراً وكان شيعياً مدلساً.

٣١٦

أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام ، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال أقِلْنِي : فقال : إن الإسلام لا يُقالُ قال : إني لم أصب في ديني هذا خيراً : أذْهَبَ بصري ومالي وولدي. فقال : «يا يهودي ، إن الإسلام يَسْبِكُ الرِّجالَ كما تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الحديد والفضة والذهب» ، قال : ونزلت :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) .

[٣١٢]

قوله تعالى :( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية. [١٩].

٦١٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المُزَكِّي ، قال : أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف ، قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي ، قال : حدثنا عمر بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجْلَز ، عن قيس بن عُبادٍ قال :

سمعت أبا ذَرّ يقول : أقسم بالله لنزلت هذه الآية :( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) في هؤلاء الستة : حمزة ، وعُبَيْدَةُ ، وعلي بن أبي طالب ، وعُتْبَة ، وشَيْبَةُ والوليد بن عتبة.

رواه البخاري ، عن حجّاج بن مِنْهال ، عن هُشَيم ، عن أبي هاشم.

__________________

وللحديث شاهد ضعيف من حديث جابر أخرجه العقيلي في الضعفاء (٣ / ٣٦٨) والميزان ترجمة رقم (٦٥٠٣)

[٦١٩] أخرجه البخاري في المغازي (٣٩٦٦ ، ٣٩٦٨ ، ٣٩٦٩) وفي التفسير (٤٧٤٣).

وأخرجه مسلم في التفسير (٣٤ / ٣٠٣٣) ص ٢٣٢٣.

والنسائي في التفسير (٣٦١).

وابن ماجة في الجهاد (٢٨٣٥).

وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (١١٩٧٤) للنسائي في المناقب في الكبرى والنسائي في السير في الكبرى.

وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٧ / ٩٨).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٣٤٨) لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

٣١٧

٦٢٠ ـ أخبرنا أبو بكر [ابن] الحرث قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، قال : أخبرنا محمد بن سليمان قال : حدثنا هلال بن بشر ، قال : حدثنا يوسف بن يعقوب ، قال : حدثنا سليمان التَّيْمِيّ ، عن أبي مجلز عن قيس بن عباد ، عن علي قال :

فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر :( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) إلى قوله :( الْحَرِيقِ ) .

٦٢٠ م ـ وقال ابن عباس هم أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله منكم ، وأقدم منكم كتاباً ، ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمدعليه‌السلام ، وآمنا بنبيكم ، وبما أنزل الله من كتاب ، فأنتم تعرفون نبينا ثم تركتموه ، وكفرتم به حسداً. وكانت هذه خصومتهم [في ربهم] ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وهذا قول قتادة.

[٣١٣]

قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) الآية. [٣٩].

٦٢١ ـ قال المفسرون : كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومَشْجُوج ، فشكوهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم [فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال ، حتى هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ]. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٦٢٢ ـ وقال ابن عباس :

__________________

[٦٢٠] أخرجه البخاري في المغازي (٣٩٦٥ ـ ٣٩٦٧) وفي التفسير (٤٧٤٤) والنسائي في التفسير (٣٦٢) وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف (١٠٢٥٦) للنسائي في السير في الكبرى.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (٤ / ٣٤٨) لابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي.

[٦٢٠١] م ذكره المصنف بدون إسناد. وقد أخرجه ابن جرير (١٧ / ٩٩) بإسناد عن ابن عباس من طريق عطية العوفي [انظر ترجمته في رقم ٦١٨].

[٦٢١] بدون إسناد.

[٦٢٢] أخرجه الترمذي في التفسير (٣١٧١) وقال : هذا حديث حسن.

وأخرجه النسائي في التفسير (٣٦٥)

٣١٨

لما أخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : إنا لله [وإِنا إليه راجعون] لنهلكن ، فأنزل الله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال.

[٣١٤]

قوله تعالى :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) الآية. [٥٢].

٦٢٣ ـ قال المفسرون : لما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تولي قومه عنه ، وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به ، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم. فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله ، وأحب يومئذٍ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفرون عنه ، وتمنى ذلك ، فأنزل الله تعالى سورة( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمناه : «تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى» فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ، ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها ، وسجد في آخر السورة ، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا ، وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، وقالوا : قد عرفنا أن

__________________

وأخرجه في الجهاد (٦ / ٢).

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢١٦) وابن جرير (١٧ / ١٢٣).

وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٦٦ ، ٢٤٦) ، (٣ / ٧) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

[٦٢٣] ذكر ذلك السيوطي في الدر (٤ / ٣٦٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية ، وقد ذكر لها السيوطي طرقاً كثيرة وكلها مرسلة ومنقطعة والله أعلم.

وقد نقد هذه القصة كثير من النقاد انظر (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص ٣١٤ ـ ٣٢٢)

٣١٩

الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيباً فنحن معه. فلما أمسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه جبريلعليه‌السلام فقال : «ما ذا صنعت؟ تَلَوْتَ على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه ، وقلت ما لم أقل لك». فحزن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله ، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه.

٦٢٤ ـ أخبرنا أبو بكر الحارثي ، قال : أخبرنا أبو بكر [محمد] بن حيان قال : حدثنا أبو يحيى الرّازي ، قال : حدثنا سهل العسكري ، قال : أخبرنا يحيى ، عن عثمان بن الأسود ، عن سعيد بن جُبير ، قال :

قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) فألقى الشيطان على لسانه «تلك الغَرَانِيقُ العُلَى و [إن] شفاعتهن ترتجى» ففرح المشركون بذلك وقالوا : قد ذكر آلهتنا. فجاء جبريلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : اعرض عليَّ كلام الله. فلما عرض عليه قال : أما هذا فلم آتك به ، هذا من الشيطان ، فأنزل الله تعالى :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) .

__________________

[٦٢٤] انظر السابق.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال الفضل(١) :

حاصل هذا الاعتراض : إنّ كون القدرة مع الفعل يوجب حدوث قدرة الله تعالى أو قدم مقدوره ، إذ الفرض كون القدرة والمقدور معا ، فيلزم من حدوث مقدوره تعالى حدوث قدرته ، أو من قدم قدرته قدم مقدوره ، وكلاهما باطل ؛ بل قدرته أزلية إجماعا ، متعلّقة في الأزل بمقدوراته.

فقد ثبت تعلّق القدرة بمقدورها قبل حدوثه ، ولو كان ذلك ممتنعا في القدرة الحادثة لكان ممتنعا في القديمة أيضا(٢) .

وأجاب شارح « المواقف » عن هذا الاعتراض بأنّ « القدرة القديمة الباقية مخالفة في الماهيّة للقدرة الحادثة التي لا يجوز بقاؤها عندنا ، فلا يلزم من جواز تقدّمها على الفعل جواز تقدّم الحادثة عليه.

ثمّ إنّ القدرة القديمة متعلّقة في الأزل بالفعل تعلّقا معنويا لا يترتّب عليه وجود الفعل ، ولها تعلّق آخر به حال حدوثه ، تعلّقا حادثا موجبا لوجوده ، فلا يلزم من قدمها مع تعلّقها المعنوي قدم آثارها ، فاندفع الإشكال بحذافيره »(٣) .

وأمّا ما ذكره من التعجّب من بحث الأشاعرة عن القدرة مع القول بأنّها غير مؤثّرة في الفعل ، فبالحريّ أن يتعجّب من تعجّبه ؛ لأنّ القدرة صفة حادثة في العبد ، وهي من صفات الكمال.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٤٨.

(٢) انظر : شرح المواقف ٦ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) شرح المواقف ٦ / ٩٦.

٣٤١

فالبحث عنها لكونها من الأعراض والكيفيات النفسانية وعدم كونها مؤثّرة في الفعل ، من جملة أحوالها المحمولة عليها ، فلم لا يبحث عنها؟!

وأمّا قوله : ( أن لا فرق بينها وبين اللون ) ؛ فقد أبطلنا هذا القول في ما سبق مرارا ، بأنّ اللون لا نسبة له إلى الفعل ، والقدرة تخلق مع الفعل ليترتّب على خلقها صورة الاختيار ، ويخرج بها العبد من الجبر المطلق ، ويترتّب على فعله الثواب والعقاب والتكليف ؛ والله أعلم.

قال الإمام الرازي : القدرة تطلق على مجرّد القوّة التي هي مبدأ للأفعال المختلفة(١) الحيوانية ، وهي القوّة العضلية التي هي بحيث متى انضمّ إليها إرادة أحد الضدّين ، حصل ذلك الضدّ ، ومتى انضمّت إليها إرادة الضدّ الآخر ، حصل ذلك الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين سواء ، وهي قبل الفعل.

والقدرة أيضا تطلق على القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولا شكّ أنّها لا تتعلّق بالضدّين معا وإلّا اجتمعا في الوجود ، بل هي بالنسبة إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر ؛ وذلك لاختلاف الشرائط وهذه القدرة مع الفعل ؛ لأنّ وجود المقدور لا يتخلّف عن المؤثّر التامّ(٢) .

ولعلّ الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولذلك حكم بأنّها مع الفعل ، وأنّها لا تتعلّق بالضدّين.

والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرّد القوّة العضلية ، فلذلك قالوا بوجودها

__________________

(١) انظر : المواقف : ١٥٤ ، وجاء في تفسير الفخر الرازي ١ / ١٤٦ ما نصّه : « وأعلم أنّ لفظ القوّة يقرب من لفظ القدرة » وهو مؤدّى « القدرة تطلق على مجرّد القوّة » ، فلاحظ!

(٢) انظر : شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٣٦١.

٣٤٢

قبل الفعل وتعلّقها بالأمور المتضادّة ، فهذا وجه الجمع بين المذهبين(١) .

وبهذا يخرج جواب أبي علي ابن سينا حيث قال : « لعلّ القائم لا يقدر على القعود » فإنّه غير قادر ، بمعنى أنّه لم يحصل له بعد القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، وهو قادر بمعنى أنّه صاحب القوّة العضلية.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٦ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

٣٤٣

وأقول :

لا أثر لمخالفة القدرة القديمة للحادثة في الماهيّة ؛ لأنّ دليل الأشاعرة السابق المانع من تقدّم القدرة الحادثة آت في القديمة أيضا ، كدليلهم الآخر الآتي في كلام القوشجي.

على أنّ المخالفة ممنوعة بمقتضى مذهبهم ؛ لأنّ القدرتين من الأعراض واقعا في مذهبهم ، والعرض لا يبقى زمانين عندهم.

قال القوشجي : « احتجّت الأشاعرة على أنّ القدرة مع الفعل لا قبله بوجهين :

أحدهما : إنّها عرض ، والعرض لا يبقى زمانين ، فلو كانت قبل الفعل لا نعدمت حال الفعل ، فيلزم وجود المقدور بدون القدرة ، والمعلول بدون العلّة ، وهو محال.

وأجيب عنه : أمّا أوّلا : فبالنقض بقدرة الله تعالى ، وما يقال من أنّ العرض لا يطلق على صفاته تعالى ، وأنّ صفاته ليست مغايرة لذاته ، فممّا لا يجدي نفعا ، ولأنّ الكلام في المعاني لا في إطلاق الألفاظ »(١) .

وأمّا قول شارح « المواقف » : « ثمّ إنّ القدرة القديمة متعلّقة في الأزل » إلى آخره(٢) .

ففيه : إنّه إذا جاز ذلك في القديمة فليجز مثله في الحادثة ، بأن تكون

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٦٢.

(٢) شرح المواقف ٦ / ٩٦.

٣٤٤

نفسها وتعلّقها المعنوي متقدّمين على الفعل كما هو المطلوب ، إذ لا ندّعي تقدّمها على الفعل بتعلّقها الموجب لوجوده.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن تعجّب المصنّف ، فقد مرّ ما فيه ، من أنّ البحث عن تقدّمها أو مقارنتها ، إنّما هو فرع تأثيرها ومبنيّ عليه ، فإذا زعموا أنّها غير مؤثّرة ، كان بحثهم عن جهة التقدّم والمقارنة فضولا ، وإن كان البحث عنها من جهة أخرى صحيحا.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القدرة واللون

ففيه : إنّ المطلوب هو الفرق بالنسبة إلى الدخل بالفعل ، لا الفرق بأيّ وجه كان ، وما ذكره من صورة الاختيار ، قد عرفت أنّه لا فائدة فيه مع عدم تأثير القدرة.

على أنّه لا يتوقّف خلق صورة الاختيار على خلق القدرة بعد فرض عدم الأثر لهما.

كما إنّ القدرة بلا تأثير لا تصحّح العقاب والثواب ، ولا تخرج العبد عن الجبر الحقيقي.

وأمّا كلام الرازي ، فهو في الحقيقة تسليم منه لخصومهم ؛ لأنّ محلّ النزاع هو المعنى الأوّل ، الذي لا يخالف المعنى الثاني بذات القدرة ، وإنّما يخالفه بعدم اجتماع شرائط تأثيرها.

كما إنّ احتمال الرازي لإرادة الأشعري للمعنى الثاني خطأ ، كما ذكره شارح « المواقف » ؛ لأنّ القدرة الحادثة ليست مؤثّرة عند الأشعري ، فكيف يقال : إنّه أراد بالقدرة القوّة المستجمعة لشرائط التأثير؟!

وأمّا ما ذكره من أنّه يخرج بهذا جواب ابن سينا

ففيه : ما حكاه السيّد السعيد عن ابن سينا في كلام له متّصل بهذا

٣٤٥

الجواب ، فإنّه صرّح به بأنّ : القدرة ليست إلّا القوّة التي يكون لها التأثير بالقوّة ، وردّ على من فسّرها بالقوّة المستجمعة لشرائط التأثير.

ونقل السيّدرحمه‌الله أيضا عن ابن سينا أنّه أبطل القول بأنّ القدرة مع الفعل ، حيث إنّه في فصل القوّة والفعل والقدرة والعجز ، من « إلهيّات الشفاء » قال : « وقد قال بعض الأوائل ـ وغاريقون منهم ـ : إنّ القوّة تكون مع الفعل ولا تتقدّم.

وقال بهذا أيضا قوم من الواردين بعده بحين كثير.

فالقائل بهذا القول كأنّه يقول : إنّ القاعد ليس يقوى على القيام ، أي :

لا يمكن في جبلّته أن يقوم ما لم يقم ، فكيف يقوم؟! وإنّ الخشب ليس بجبلّته أن ينحت بابا ، فكيف ينحت؟!

وهذا القائل لا محالة غير قوي على أنّ يرى ويبصر في اليوم الواحد مرارا ، فيكون بالحقيقة أعمى »(١) .

* * *

__________________

(١) الإلهيّات من كتاب الشفاء : ١٨٢ ، إحقاق الحقّ ٢ / ١٥١.

٣٤٦

القدرة صالحة للضدّين

قال المصنّف ـ عطّر الله مرقده ـ(١) :

المطلب الرابع عشر

في أنّ القدرة صالحة للضدّين

ذهب جميع العقلاء إلى ذلك عدا الأشاعرة ، فإنّهم قالوا : القدرة غير صالحة للضدّين(٢) ، وهذا مناف لمفهوم القدرة ، فإنّ القادر هو الذي إذا شاء أن يفعل فعل ، وإذا شاء أن يترك ترك.

فلو فرضنا القدرة على أحد الضدّين لا غير ، لم يكن الآخر مقدورا ، فلم يلزم من مفهوم القادر أنّه إذا شاء أن يترك ترك.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٠.

(٢) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٤ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٦ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣ ، شرح المواقف ٦ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

٣٤٧

وقال الفضل (١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بالضدّين ، بناء على كون القدرة عندهم مع الفعل لا قبله.

بل قالوا : إنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بمقدورين مطلقا ، سواء كانا متضادّين أو متماثلين أو مختلفين ، لا معا ولا على سبيل البدل ، بل القدرة الواحدة لا تتعلّق إلّا بمقدور واحد ، وذلك لأنّها مع المقدور(٢) .

ولا شكّ أنّ ما نجده عند صدور أحد المقدورين مغاير لما نجده عند صدور الآخر.

ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية : إنّ قدرة العبد تتعلّق بجميع مقدوراته المتضادّة وغير المتضادّة(٣) .

وأنا أقول : ولعلّ النزاع لفظي لا على الوجه الذي ذكره الإمام الرازي ، فإنّ الأشاعرة يجعلون كلّ فرد من أفراد القدرة الحادثة متعلّقا بمقدور واحد ، وهو الكائن عند حدوث الفعل ، فكلّ فرد له متعلّق.

والمعتزلة يجعلون القدرة مطلقا متعلّقة بجميع المقدورات ، وهذا لا ينافي جعل كلّ فرد ذا تعلّق واحد.

والمعتزلي لا يقول : إنّ الفرد من أفراد القدرة الحادثة إذا حدث

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٥٢.

(٢) انظر : تمهيد الأوائل : ٣٢٦ ، المواقف : ١٥٣.

(٣) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٤١٥ ، شرح المواقف ٦ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ٨٥ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٠٣.

٣٤٨

وحصل منه الفعل ، فعين ذلك الفرد يتعلّق بضده ، بل يقول : إنّ القدرة الحادثة مطلقا تتعلّق بالضدّين ، وهذا لا ينفيه الأشاعرة ، فالنزاع لفظي ؛ تأمّل.

وأمّا ما ذكره من : « أنّه يوجب عدم كون القادر قادرا ؛ لأنّه إذا لم تصلح القدرة للضدّين لا يكون الفاعل قادرا على عدم الفعل وهو الترك ، فيكون مضطرّا لا قادرا ».

فالجواب عن ذلك : إنّه إن أريد بكونه مضطرّا أنّ فعله غير مقدور له ، فهو ممنوع ، وإن أريد به أنّ مقدوره ومتعلّق قدرته متعيّن ، وأنّه لا مقدور له بهذه القدرة سواه ، فهذا عين ما ندّعيه ونلتزمه

ولا منازعة لنا في تسميته مضطرّا ، فإنّ الاضطرار بمعنى امتناع الانفكاك لا ينافي القدرة ، ألا يرى أنّ من أحاط به بناء من جميع جوانبه ، بحيث يعجز عن التقلّب من جهة إلى أخرى ، فإنّه قادر على الكون في مكانه بإجماع منّا ومنهم ، مع أنّه لا سبيل له إلى الانفكاك عن مقدوره(١) .

* * *

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٦ / ١٠٤.

٣٤٩

وأقول :

لا يخفى أنّ تعلّق القدرة بالشيء قد يكون بمعنى أنّه إن شاء فعله فعله ، وإن شاء تركه تركه ، وهو معنى صحّة الطرفين وصلاحيّتهما.

وقد يكون بمعنى تأثيرها في متعلّقها ، وهذا بالضرورة لا يقع بالطرفين ؛ لأنّ التأثير للنقيضين في آن واحد محال ، لعدم إمكان اجتماعهما.

ولا ريب أنّ النزاع بيننا وبين الأشاعرة في المعنى الأوّل ، إذ لو كان مقصود الأشاعرة هو المعنى الثاني ، لاستدلوا بما هو ضروري ، من أنّ التأثير للنقيضين في آن واحد محال ، ولم يحتاجوا إلى كلفة بنائه على مقارنة القدرة للمقدور التي تمحّلوا للاستدلال عليها.

وحينئذ فلا وجه لما زعمه الخصم من كون النزاع لفظيا ؛ لأنّه إذا كان محلّ النزاع هو التعلّق بالمعنى الأوّل كما عرفت ، فلا بدّ أن يكون المراد هو القدرة المطلقة ؛ لأنّها هي التي تصلح للنقيضين ، لا فرد القدرة الخاصّ الجامع لشرائط التأثير ؛ لأنّه إنّما يكون فردا خاصّا عند التأثير بأحد الطرفين ، فلا يمكن أن يصلح في هذا الحين للتأثير بالطرف الآخر.

ولا يخفى أنّ هذا الذي جمع به الخصم وأظهر التفرّد به راجع إلى ما جمع به الرازي ؛ لأنّ القدرة المطلقة هي القوّة العضلية ، وفردها هو القوّة

٣٥٠

المستجمعة لشرائط التأثير(١) .

وأمّا ما أجاب به عن إلزام المصنّف ، فمناف لما توهّمه من كون النزاع لفظيا ، إذ لو سلّموا تعلّق القدرة المطلقة بالطرفين ، كما هو محلّ دعوى المصنّف ، لقال : نحن لا نمنع هذا حتّى ينافي مفهوم القدرة ، وإنّما نمنع تعلّق فردها بالطرفين وهو لا ينافي مذهبكم.

ولكن قد يعذر الخصم على إتيان هذه المنافاة ؛ لأنّه لا يعرف من الاستدلال والردّ إلّا ما في « المواقف » وشرحها ، كما هو دأبه في هذا الكتاب ، وقد وجد هذا الكلام في « شرح المواقف » فأورده بلفظه جهلا بأنّه ينفي ما توهّمه(٢) .

ثمّ إنّه واضح البطلان ؛ لأنّا نختار منه الشقّ الأوّل من ترديده ، ونحكم بسفسطة مانعه ، إذ لو كان الفعل الذي لا يتمكّن فاعله من تركه مقدورا له ، لكان كلّ فعل تلبّس به الشخص ولم يقدر على تركه مقدورا له ، وكذا كلّ ترك تلبّس به ولم يقدر على نقيضه

فيكون من سقط من شاهق قادرا على هذا السقوط في حين السقوط ، وكان تارك الطيران إلى السماء قادرا على الترك ، وهو عين السفسطة.

ومن هذا القبيل مثال البناء الذي ذكره ، فإنّ دعوى قدرة من أحاط به البناء وعجز عن التقلّب شبيهة بدعوى القدرة في هذه الأمثلة.

نعم ، هو قادر على الكون في البناء المذكور ، وعلى السقوط في

__________________

(١) تقدّم قول الفخر الرازي في الصفحة ٣٤٢.

(٢) انظر : شرح المواقف ٦ / ١٠٤.

٣٥١

المثال السابق ، قبل الكون وقبل السقوط ، وأمّا حينهما فهما غير مقدورين له في هذا الحين

وضرورة العقلاء حاكمة بذلك ، ودعوى الإجماع منّا ومنهم مع وضوح الكذب علينا غير غريبة!

* * *

٣٥٢

الإنسان مريد لأفعاله

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المطلب الخامس

عشر في الإرادة

ذهبت الإمامية وجميع المعتزلة إلى أنّ الإنسان مريد لأفعاله ، بل كلّ قادر فإنّه مريد ؛ لأنّها صفة تقتضي التخصيص ، وأنّها نفس الداعي(٢) .

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فأثبتوا صفة زائدة عليه(٣) .

وهذا من أغرب الأشياء وأعجبها ؛ لأنّ الفعل إذا كان صادرا عن الله تعالى ومستندا إليه ، وكان لا مؤثّر إلّا الله تعالى ، فأيّ دليل حينئذ يدلّ على ثبوت الإرادة؟! وكيف يمكن ثبوتها لنا؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣١.

(٢) الذخيرة في علم الكلام : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٢ ـ ٩٣ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٩٧ ـ ٩٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦٢ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩ ، المحيط بالتكليف : ٢٣٢ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٢٤ ـ ٣٤٧ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٤.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ وما بعدها ، تمهيد الأوائل : ٢٩٩ و ٣١٧ ، الملل والنحل ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٠٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٤٣ ، المسائل الخمسون : ٥٢ و ٥٣ ، شرح المقاصد ٤ / ١٢٨ و ٢٧٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، شرح المواقف ٨ / ٤٤ ـ ٤٥.

٣٥٣

لأنّ طريق الإثبات هو أنّ القادر كما يقدر على الفعل ، كذا يقدر على الترك ، فالقدرة صالحة للإيجاد والترك ، وإنّما يتخصّص أحد المقدورين بالوقوع دون الآخر بأمر غير القدرة الموجودة وغير العلم التابع.

فالمذهب الذي اختاروه لأنفسهم سدّ عليهم ما علم وجوده بالضرورة ، وهو القدرة والإرادة.

فلينظر العاقل المنصف من نفسه ، هل يجوز له اتّباع من ينكر الضروريات ويجحد الوجدانيات؟!

وهل يشكّ عاقل في أنّه قادر مريد ، وأنّه فرق بين حركاته الإرادية وحركة الجماد؟!

وهل يسوغ لعاقل أن يجعل مثل هؤلاء وسائط بينه وبين ربّه؟!

وهل تتمّ له المحاجّة عند الله تعالى بأنّي اتّبعت هؤلاء ، ولا يسأل يومئذ كيف قلّدت من تعلم بالضرورة بطلان قوله؟!

وهل سمعت تحريم التقليد في الكتاب العزيز مطلقا؟!

فكيف لأمثال هؤلاء؟!

فما يكون جوابه غدا لربّه؟!

وما علينا إلّا البلاغ المبين!

وقد طوّلنا في هذا الكتاب ليرجع الضالّ عن زلله ، ويستمرّ المستقيم على معتقده.

* * *

٣٥٤

وقال الفضل (١) :

هذا المطلب لا يتحصّل مقصوده من عباراته الركيكة ، والظاهر أنّه أراد أنّ الأشاعرة لا يقدرون على إثبات صفة الإرادة ؛ لأنّ إسناد الفعل إلى الله تعالى ، وأنّه لا مؤثّر إلّا هو ، يوجب عدم إثبات صفة الإرادة.

وقد علمت في ما سلف بطلان هذا ، فإنّ وجود القدرة والإرادة في العبد معلوم بالضرورة ، وكونهما غير مؤثّرتين في الفعل لا يوجب عدم ثبوتهما في العبد ـ كما مرّ مرارا ـ والله أعلم.

وما ذكره من الطامّات قد كرّره مرّات ، ومن كثرة التطويل الذي كلّه حشو حصل له الخجل ، وما أحسن ما قلت في تطويلاته شعرا :

لقد طوّلت والتطويل حشو

وفي ما قلته نفع قليل

وقالوا الحشو لا التطويل لكن

كلامك كلّه حشو طويل

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٦١.

٣٥٥

وأقول :

لم يخف على المصنّف أنّ وجود القدرة والإرادة في العبد ضروري ، كيف وقد صرّح به هنا ، وصرّح في ما سبق بأنّهما مؤثّران بالضرورة؟!

ولكن لمّا علم من حالهم أنّهم يكابرون الضرورة ، ويطالبون بإقامة الأدلّة على الأمور البديهية ، كما كابروا في أمر تأثيرهما وفي غيره من الأمور السابقة ، جرى على منوالهم في المقام ، وألزمهم بعدم وجود الدليل على وجود القدرة والإرادة ، بناء على مذهبهم من كون المؤثّر هو الله تعالى وحده ، بل يلزمهم الحكم بعدم وجود الإرادة ، إذ لا يتصوّر وجه حاجة إليها غير تخصيص أحد الطرفين المقدورين.

فإذا منعوا صلاحية القدرة للطرفين وقالوا : إنّها هي المخصّصة لأحدهما ، لم يكن معنى لتخصيص الإرادة ، فيلزمهم نفي وجود ما علم وجوده بالضرورة ، وينسدّ طريق ثبوته ، لا سيّما والله سبحانه لا يفعل العبث.

ودعوى الأشاعرة ترتّب التكليف والثواب والعقاب على وجودها المجرّد عن التأثير ، قد عرفت بطلانها.

وأمّا ما نسبه إلى المصنّف من الطامّات ، وإيراد الحشو في العبارات ، فهو موكول إلى المنصف.

وكفاك في معرفة تضلّعه في البيان وسموّ مداركه ، ما سمّاه شعرا واستحسنه من هذين البيتين ونحوهما!!

* * *

٣٥٦

المتولّد من الفعل من جملة أفعالنا

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

المطلب السادس عشر

في المتولّد

ذهبت الإمامية إلى أنّ المتولّد من أفعالنا [ مستند إلينا ](٢) .

وخالفت أهل السنّة في ذلك ، وتشعّبوا في ذلك ، وذهبوا كلّ مذهب.

فزعم معمّر(٣) : إنّه لا فعل للعبد إلّا الإرادة ، وما يحصل بعدها فهو

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٣٢.

(٢) أوائل المقالات : ١٠٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ٧٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٢ ، تقريب المعارف : ١٠٨ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٠.

(٣) هو : أبو عمرو ـ أو : أبو المعتمر ـ معمّر بن عبّاد البصري السلمي ، مولاهم العطّار ، المتكلّم المعتزلي ، المتوفّى سنة ٢١٥ ه‍ ، تفرّد بمقالات أنكرها عليه معتزلة البصرة ففرّ إلى بغداد ، وكان يقول : « في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ، ولا لها عند الله عدد ولا مقدار » ، وكان بينه وبين النظّام مناظرات ومنازعات ، له عدّة تصانيف ، منها : كتاب المعاني ، كتاب الاستطاعة ، كتاب الجزء الذي لا يتجزّأ والقول بالأعراض والجواهر.

انظر ترجمته في : الفهرست ـ للنديم ـ : ٢٨٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٤٦ رقم ١٧٦ ، طبقات المعتزلة : ٥٤.

٣٥٧

من طبع المحلّ(١) .

وقال بعض المعتزلة (٢) : لا فعل للعبد إلّا الفكر(٣) .

وقال النظّام : لا فعل للعبد إلّا ما يوجد في محلّ قدرته ، وما يجاورها فهو واقع بطبع المحلّ(٤) .

وذهبت الأشاعرة إلى أنّ المتولّد من فعل الله تعالى(٥) .

وقد خالف الكلّ ما هو معلوم بالضرورة عند كلّ عاقل

فإنّا نستحسن المدح والذمّ على المتولّد كالمباشر ، كالكتابة والبناء والقتل ، وغيرها.

وحسن المدح والذمّ فرع على العلم بالصدور عنّا ، ومن كابر في حسن مدح الكاتب والبنّاء المجيدين في صنعتهما ، البارعين فيها ، فقد كابر مقتضى عقله(٦) .

* * *

__________________

(١) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ وفيه أنّه قول ثمامة بن الأشرس والجاحظ أيضا حكاية عن أبي القاسم البلخي في كتاب « المقالات » ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٧ ، الملل والنحل ١ / ٥٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) هو ثمامة بن الأشرس النميري.

(٣) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ ، الفرق بين الفرق : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٦١ ـ ٦٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٢.

(٤) المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٩ / ١١ ، الملل والنحل ١ / ٤٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٦٠.

(٥) تمهيد الأوائل : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٠ ، المواقف : ٣١٦ ، شرح العقائد النسفية : ١٥١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧١.

(٦) راجع : الذخيرة في علم الكلام : ٧٣ ـ ٧٥ ، تقريب المعارف : ١٠٨ ـ ١٠٩.

٣٥٨

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ المعتزلة لمّا أسندوا أفعال العباد إليهم ، ورأوا فيها ترتّبا ، قالوا بالتوليد ، وهو أن يوجد فعل لفاعله فعلا آخر ، نحو حركة اليد وحركة المفتاح.

والمعتمد في إبطال التوليد عند الأشاعرة استناد جميع الكائنات إلى الله تعالى ابتداء.

وأمّا ترتّب المدح والذمّ للعبد ؛ فلأنّه محلّ للفعل ومباشر وكاسب له.

وكذا ما يترتّب على فعله(٢) وإن أحدثه الله تعالى بقدرته ، فلا يلزم مخالفة الضرورة كما مرّ مرارا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٦٥.

(٢) تقدّم في الهامش رقم ٥ من الصفحة السابقة.

٣٥٩

وأقول :

فيه ما عرفت أنّه لا يصحّ إسناد جميع أفعال العباد إلى الله سبحانه ، وأنّ الكسب لا يغني في دفع شيء من الإشكالات السابقة ، إذ لا أثر للعبد فيه كأصل الفعل ، لاستناد جميع الكائنات عندهم إلى الله سبحانه.

وحينئذ فلا محلّ لمدح العبد وذمّه على المتولّد بطريق أولى ؛ لأنّه فعل الله تعالى بلا أثر للعبد فيه أصلا عندهم.

* * *

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591