أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن10%

أسباب نزول القرآن مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 591

أسباب نزول القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 591 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 439758 / تحميل: 6672
الحجم الحجم الحجم
أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الخلَّالي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيد البجلي ، حدَّثنا أبو كُرَيب. حدَّثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال :

كان رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

١٧ ـ أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي ، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ، أخبرنا إبراهيم بن علي الذُّهلي ، حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي ، عن عبد الله بن أبي حسين ، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال :

كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

١٨ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا جدي ، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الْحَرشِيّ ، حدَّثنا محمد بن يحيى ، حدَّثنا محمد بن عيسى بن أبي فُدَيْك ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال :

نزلت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في كل سورة.

[٤]

القول في سورة الفاتحة

اختلفوا فيها : فعند الأكثرين : هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.

١٩ ـ أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، أخبرنا جدي ،

__________________

وأخرجه البزار (٢١٨٧ كشف) وقال الهيثمي في المجمع (٦ / ٣١٠) : رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٧) لأبي داود والبزار والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل.

[١٧] في إسناده مجهول حيث إنه قال : ذُكر عن عبد الله بن مسعود.

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٧) للواحدي والبيهقي في شعب الإيمان.

[١٨] إسناده ضعيف : عبد الله بن نافع ضعيف ، تقريب [١ / ٤٥٦] مجروحين [٢ / ٢٠] ـ التاريخ الكبير [٥ / ٢١٤] ـ ميزان [٢ / ٥١٣].

[١٩] مرسل. وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٢) لابن أبي شيبة وأبي نعيم والبيهقي في الدلائل والواحدي والثعلبي.

٢١

أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي ، حدَّثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قالا : حدَّثنا يحيى بن [أبي] بكير ، حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مَيْسَرَة :

أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه : يا محمد ، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً ، فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك. قال : فلما برز سمع النداء : يا محمد ، فقال : لبيك ، قال : قل : أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد وأن محمداً رسول الله ، ثم قال : قل :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) حتى فرع من فاتحة الكتاب.

وهذا قول علي بن أبي طالب.

٢٠ ـ أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر ، أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر ، قال : أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المَرْوَزِيّ ، حدَّثنا عبد الله بن محمود السعدي ، حدَّثنا أبو يحيى القَصْرِي ، حدَّثنا مروان بن معاوية ، عن العلاء بن المسيب ، عن الفضيل بن عمرو ، عن علي بن أبي طالب قال :

نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.

٢١ ـ وبهذا الإسناد عن السعدي : حدَّثنا عمرو بن صالح ، حدثنا أبي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين. فقالت قريش : دَقَّ الله فاك أو نحو هذا ، قاله الحسن وقتادة.

وعند مجاهد : أن الفاتحة مدنية. قال الحسين بن الفضل : لكل عالم هفوة ،

__________________

وهو عند ابن أبي شيبة (١٤ / ٢٩٢) ولم أهتد إليه في دلائل البيهقي.

[٢٠] في إسناده انقطاع : الفضيل بن عمرو لم يسمع من علي والحديث أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب رقم (٦٨١٦) من طريق فضيل بن عمرو ، وفي كنز العمال (٢٥٢١) وعزاه للديلمي.

وعزاه في الدر (١ / ٥) لإسحاق بن راهويه عن علي مرفوعاً.

[٢١] إسناده ضعيف : في إسناده الكلبي ، وقد مرت ترجمته في رقم (١٠)

٢٢

وهذه بادرة من مجاهد ، لأنه تفرد بهذا القول ، والعلماء على خلافه. ومما يقطع به على أنها مكية قوله تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) يعني الفاتحة.

٢٢ ـ أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي ، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري ، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدَّثنا يحيى بن أيوب ، حدَّثنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أُمَّ القرآن فقال : والذي نفسي بيده ، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلَها ، إنها لَهِيَ السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

وسورة «الحجر» مكية بلا اختلاف ، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة. ولا يسعنا القول : بِأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب. هذا مما لا تقبله العقول.

__________________

[٢٢] أخرجه الترمذي في التفسير (٣١٢٥) والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٥٨) وصححه ووافقه الذهبي على شرط مسلم.

وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (٥ / ١١٤) من طريق عبد الحميد بن جعفر به.

٢٣

سورة البقرة

مدنية بلا خلاف.

٢٣ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف ، حدَّثنا يعقوب بن سفيان الصغير ، حدَّثنا يعقوب بن سفيان الكبير ، حدَّثنا هشام بن عمار ، حدَّثنا الوليد بن مسلم ، حدَّثنا شعيب بن زُرَيق ، عن عطاء الخراساني ، عن عكرمة قال :

أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة.

[٥]

قوله تعالى :( الم* ذلِكَ الْكِتابُ ) . [١ ، ٢].

٢٤ ـ أخبرنا أبو عثمان [الثقفي] الزَّعفراني ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث ، حدَّثنا أبو حذيفة ، حدَّثنا شِبْل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال :

__________________

[٢٣] مرسل.

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ١٧) لأبي داود في الناسخ والمنسوخ.

[٢٤] الأربع آيات التي نزلت في المؤمنين هي من أول السورة حتى قوله تعالى( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) في قراءة من لم يعتبر( الم ) آية.

والآيتان بعدها في الكافرين ، والثلاثة عشر آية التي بعدها حتى قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) نزلت في المنافقين.

٢٤

أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين ، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين ، وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.

[٦]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ) . [٦].

٢٥ ـ قال الضحاك : نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته. وقال الكلبي : يعني اليهود.

[٧] قوله تعالى :( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ) . [١٤].

٢٦ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أخبرنا شيبة بن محمد ، حدَّثنا علي بن محمد بن قرة ، حدَّثنا أحمد بن محمد بن نصر ، حدَّثنا يوسف بن بلال ، حدَّثنا محمد بن مروان عن الكلبي ، عن صالح ، عن ابن عباس :

نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، وذلك : أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه فقال : مرحباً بالصِّديق سيد بني تيم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله في الغار ، الباذل نفسه وماله. ثم أخذ بيد عمررضي‌الله‌عنه فقال : مرحباً بسيد بني عَدِيّ بن كعب ، الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله. ثم أخذ بيد علي كرم الله وجهه فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وخَتِنَه ، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله. ثم افترقوا. فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثْنَوْا عليه خيراً. فرجع المسلمون إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخبروه بذلك. فأنزل الله هذه الآية.

__________________

[٢٥] أثر الضحاك مرسل ، والكلبي ضعيف.

[٢٦] إسناده واه جداً : محمد بن مروان بن السائب عن الكلبي عن أبي صالح ، أطلق العلماء على هذا الإسناد : سلسلة الكذب أ. ه.

والأثر ذكره السيوطي في الدر (١ / ٣١) وعزاه للواحدي والثعلبي بسند واه.

٢٥

[٨]

قوله :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) . [٢١].

٢٧ ـ [أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو تراب القُهُسْتَاني ، حدَّثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدَّثنا رَوْح ، حدَّثنا شعبة ، عن سفيان الثّوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم] ، [عن علقمة قال :

كلّ شيء نزل فيه يا أيها الناس ، فهو مكي ، ويا أيها الذين آمنوا ، فهو مدني.

يعني أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة ، ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة. فقوله :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) خطاب لمشركي مكة إلى قوله :( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) . وهذه الآية نازلة في المؤمنين ، وذلك : أن الله تعالى لمَّا ذكر جزاء الكافرين بقوله :( النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) ذكر جزاء المؤمنين].

[٩]

قوله تعالى : / بقره ٢٦( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ) . [٢٦].

٢٨ ـ قال ابن عباس في رواية أبي صالح] : لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين ، يعني قوله :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ) وقوله :( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ) ـ قالوا : الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال. فأنزل الله هذه الآية.]

٢٩ ـ وقال الحسن وقتادة : لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه ، وضرب

__________________

[٢٧] عزاه في الدر (١ / ٣٣) لأبي عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر وأبي الشيخ.

[٢٨] أبو صالح لم يسمع ابن عباس فهو منقطع.

وأخرجه ابن جرير (١ / ١٣٨)

[٢٩] مرسل.

٢٦

للمشركين [به] المثل ـ ضحكت اليهود وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله هذه الآية.]

٣٠ ـ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه ، أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني ، حدَّثنا بكر بن سهل ، حدَّثنا عبد العزيز بن سعيد ، عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج ، عن عطاء ،] [بقره ٢٦ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ) قال :

وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين فقال( وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً ) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، فقالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد ، أيّ شيء يصنع بهذا؟ فأنزل الله هذه الآية.

[١٠]

قوله تعالى : / بقره ٤٤( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) . [٤٤]

٣١ ـ [قال ابن عباس في رواية الكلبي ، عن أبي صالح بالإسناد الذي ذكر :] نزلت في يهود [أهل] المدينة ، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين : اثبت على الدين الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل ـ يعنون محمداًصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإنَّ أمره حق. فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.]

[١١]

قوله تعالى :( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) . [٤٥].

عند أكثر أهل العلم : أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب ، وهو مع ذلك أدب لجميع العباد. وقال بعضهم : رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين. والقول الأول أظهر.

__________________

[٣٠] إسناده ضعيف : في إسناده ابن جريح وهو مدلس وقد عنعنه.

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٤١) لعبد الغني في تفسيره والواحدي.

[٣١] إسناده ضعيف لضعف الكلبي.

٢٧

[١٢]

قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ) الآية. [٦٢].

٣٢ ـ أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي ، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري ، حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة قال : قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال :

لما قص سَلْمَان على النبي ،صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قصة أصحاب الدير ، قال : هم في النار. قال سلمان : فأظلمت عليّ الأرض ، فنزلت :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ) إلى قوله :( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) قال : فكأنما كشف عني جبل.

٣٣ ـ أخبرني محمد بن عبد العزيز المَرْوَزِيّ ، أخبرنا محمد بن الحسين الحدّادي ، أخبرنا أبو يزيد ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عمرو ، عن أسباط عن السُّدِّي :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ) الآية ، قال : نزلت في أصحاب سلمان الفارسي لما قدم سلمان على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جعل يخبر عن عبادتهم واجتهادهم ، وقال : يا رسول الله. كانوا يصلون ويصومون ، ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك تبعث نبيِّاً. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : يا سلمان هم من أهل النار ، فأنزل الله :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ) وتلا إلى قوله :( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

٣٤ ـ أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر ، أخبرنا محمد بن

__________________

[٣٢] مرسل. وأخرجه ابن جرير (١ / ٢٥٦) من طريق ابن جريح عن مجاهد.

وعزاه في الدر (١ / ٧٤) لابن جرير عن مجاهد.

وأخرج الحاكم في المستدرك (٣ / ٥٩٩ ـ ٦٠٢) وصححه ووافقه الذهبي من حديث سلمان وجاء فيه «فأنزل الله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ....».

انظر قصة إسلام سلمان الفارسي : مسند أحمد (٥ / ٤٤١ ـ ٤٤٤).

حلية الأولياء ١ / ١٩٠ ـ ١٩٥ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٤ / ٥٣ ـ ٥٤.

[٣٣] مرسل. وأخرجه ابن جرير (١ / ٢٥٤) من طريق عمرو عن السدي.

وعزاه في الدر (١ / ٧٣) لابن جرير وابن أبي حاتم.

وقد ثبت في الأثر السابق أن الآية التي نزلت ( ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً ) .

[٣٤] انظر رقم (٣٢) ، (٣٣) ـ وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس.

٢٨

عبد الله بن زكرياء ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدّغولي ، أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة ، حدثنا عمرو بن حماد ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرَّة ، عن ابن مسعود] ،وعن ناس من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم :

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ) الآية ، نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي.

وكان من أهل جُنْدَيْسَابُور من أشرافهم ، وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.

[١٣]

قوله تعالى :( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ ) الآية. [٧٩].

نزلت في الذين غيروا صفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبدلوا نعته.

٣٥ ـ بقره ٧٩ قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا : إنهم غيّروا صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في كتابهم ، وجعلوه آدَمَ سَبْطاً طويلاً ، وكان رَبْعَةً أسمرصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبي الذي يُبعث في آخر الزمان ، ليس يشبه نعت هذا. وكانت للأحبار والعلماء مَأكَلة من سائر اليهود ، فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن بَيَّنُوا الصفةَ ، فمِنْ ثَمَّ غيّروا.

[١٤]

قوله تعالى :( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) . [٨٠].

٣٦ ـ أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصوفي ، أخبرنا أبو الحسين

__________________

[٣٥] في إسناده الكلبي ـ وذكر السيوطي في الدر (١ / ٨٢) عن ابن عباس في قوله( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ) قال : نزلت في أهل الكتاب ، وعزاه لوكيع وابن المنذر والنسائي.

[٣٦] في إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت : قال الحافظ في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الذهبي : لا يعرف.

وقد أخرجه من نفس الطريق ابن جرير (١ / ٣٠٣)

٢٩

[محمد بن أحمد بن حامد] العطار ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو القاسم ، عبد الله بن سعد الزهري ، حدَّثنا أبي وعمّي قالا : حدَّثنا أبي عن ابن إسحاق ، حدَّثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ،] [بقره ٨٠ عن ابن عباس ، قال :

قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المدينة ، واليهود تقول : إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذَّب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار ، من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم :( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) .

(٣٦) م ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التَّمِيمي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيّان ، حدَّثنا محمد بن عبد الرحمن الرازيّ ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا مروان بن معاوية حدَّثنا جُويبر ، عن الضحاك] عن ابن عباس : في قوله :( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) قال] :

وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين [عاماً] فقالوا : لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة. فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار. فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر ، وفيها شجرة الزقوم ، إلى آخر يوم من الأيام المعدودة ، قال : فقال لهم خزنة [أهل] النار : يا أعداء الله ، زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلَّا أياماً معدودة ، فقد انقضى العدد ، وبقي الأبد.

[١٥]

قوله تعالى :( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) الآية(١) . [٧٥].

__________________

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٨٤) لابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي.

[٣٦] م في إسناده انقطاع : الضحاك لم يسمع من ابن عباس.

وأخرجه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس (١ / ٣٠٢) والعوفي هو عطية بن سعد وهو ضعيف.

وعزاه في الدر (١ / ٨٤) لابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والواحدي.

[١] هكذا بالأصل وهي في غير ترتيبها.

٣٠

٣٧ ـ [بقره ٨٠ قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى ، فلما ذهبوا معه [إلى الميقات] وسمعوا كلام الله تعالى وهو يأمره وينهاه رجعوا إلى قومهم. فأما الصادقون فأدَّوْا كما سمعوا. وقالت طائفة منهم : سمعنا الله في آخر كلامه يقول : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس.

وعند أكثر المفسرين : نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

[١٦]

قوله تعالى :( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) . [٨٩].

٣٨ ـ قال ابن عباس : كان يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر ، فعاذت اليهود بهذا الدعاء ، وقالت : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلَّا نصرتنا عليهم. قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ، فهزَموا غطفان. فلما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كفروا به ، فأنزل الله تعالى :( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي بك يا محمد ، إلى قوله :( فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ )

٣٨ م ـ وقال السدي : كانت العرب تمر بيهود فَيَلْقَوْن منهم أذى ، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة [ويسألون الله] أن يبعثه ، فيقاتلون معه العرب. فلما جاءهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كفروا به حسداً ، وقالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل؟!.

__________________

[٣٧] بدون سند.

[٣٨١] بدون إسناد. وعزاه السيوطي في (لباب النقول في أسباب النزول) ص ١٥ وفي الدر (١ / ٨٨) للحاكم والبيهقي في الدلائل.

وقد أخرجه الحاكم (٢ / ٢٦٣) من طريق عبد الملك بن هارون. وقال الحاكم : أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير. وتعقبه الذهبي بقوله : لا ضرورة في ذلك فعبد الملك متروك هالك.

قلت : عبد الملك بن هارون له ترجمة في المجروحين (٢ / ١٣٣) وقال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث.

[٣٨] م مرسل. وقد أخرجه ابن جرير عن السدي (١ / ٣٢٦)

٣١

[١٧]

قوله تعالى :( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) الآية. [٩٧].

٣٩ ـ أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد ، أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني ، أخبرنا المؤمل بن الحسن [بن عيسى] ، حدَّثنا محمد بن إسماعيل بن سالم ، حدَّثنا أبو نعيم ، حدَّثنا عبد الله بن الوليد ، عن بُكَيْر ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :

أقبلت اليهود إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك ، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة؟ فإنه ليس [من] نبي إلَّا يأتيه ملك من عند ربهعزوجل بالرسالة وبالوحي ، فمن صاحبك؟ قال : جبريل ، قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ، ذاك عدونا ، لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك. فأنزل الله تعالى :( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ) إلى قوله :( فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ) .

[١٨]

قوله تعالى :( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ) الآية. [٩٨].

٤٠ ـ أخبرنا أبو بكر الأصفهاني ، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، حدَّثنا أبو يحيى

__________________

[٣٩] إسناده حسن : أخرجه النسائي في عشرة النساء (١٩٠) والترمذي في التفسير (٣١١٧) وقال : حسن غريب.

وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١ / ٣٤٢) من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس.

وعند النسائي وابن جرير : فأنزل الله ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) وسياق المصنف مختصر جداً.

وأخرجه أحمد في مسنده (١ / ٢٧٤) من طريق عبد الله بن الوليد به.

والبيهقي في الدلائل (٦ / ٢٦٦).

وزاد السيوطي نسبته في الدر (١ / ٨٩) للطيالسي والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبي نعيم في الدلائل.

[٤٠] إسناده فيه انقطاع : الشعبي لم يدرك عمر.

ذكره السيوطي في لباب النقول (ص ١٧) وعزاه لإسحاق بن راهويه وابن جرير (٢ / ٣٤٣) وقال :

إسناده صحيح إلى الشعبي ولكنه لم يدرك عمر.

٣٢

الرازي ، حدَّثنا سهل بن عثمان ، حدَّثنا علي بن مُسْهِر ، عن داود ، عن الشعبي ، قال :

قال عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه : كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة ، فَأَعْجَبُ من موافقة القرآن التوراة ، وموافقة التوراة القرآن. فقالوا : يا عمر ما أحدٌ أحبَّ إلينا منك ، قلت : ولم؟ قالوا : لأنك تأتينا وتغشانا ، قلت : إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً ، وموافقة التوراة القرآن ، وموافقة القرآن التوراة. فبينا أنا عندهم ذات يوم إذ مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خلف ظهري ، فقالوا : هذا صاحبك فقم إليه. فالتفت إليه فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد دخل خَوْخَة من المدينة ، فأقبلت عليهم فقلت : أنشدكم الله وما أنزل عليكم من كتاب ، أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال سيدهم : قد نَشَدَكم باللهِ فأخبروه. فقالوا : أنت سيدنا فأَخْبِرْهُ. فقال سيدهم : إنا نعلم أنه رسول الله ، قال : قلت : فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله ، ثم لم تتبعوه. قالوا : إن لنا عدواً من الملائكة ، وسلماً من الملائكة. فقلت : من عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا جبريل ، وهو ملك الفظاظة والغلظة ، والآصار والتشديد. قلت : ومن سلمكم؟ قال : ميكائيل ، وهو ملك الرأفة واللين والتيسير. قلت : فإني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل ، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ، فإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا ، وسلم لمن سالموا. ثم قمت فدخلت الخَوْخَة التي دخلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستقبلني فقال : يا ابن الخطاب ، ألا أُقْرِئُكَ آيات أنزلت عليّ قبل؟ قلت : بلى. قال : فقرأ( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ ) الآية حتى بلغ :( وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ ) . قلت : والذي بعثك بالحق نبياً ما جئت إلَّا أخبرك بقول اليهود ، فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر. قال عمر : فقد رأيتني أشدَّ في دين الله من حجر.

٤١ ـ وقال ابن عباس : إن حَبْراً من أحبار اليهود من «فَدَك» يقال له : عبد الله

__________________

وأخرجه ابن أبي شيبة (١٤ / ٢٨٥).

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٩٠) لابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن جرير وابن أبي حاتم.

[٤١] بدون إسناد.

٣٣

ابن صُوْرِيا ، حاجَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله عن أشياء ، فلما اتجهت الحجة عليه قال : أيّ ملك يأتيك من السماء؟ قال : جبريل ، ولم يبعث الله نبياً إلَّا وهو وليّه. قال : ذاك عدونا من الملائكة ، ولو كان ميكائيل [مكانه] لآمنا بك ، إنّ جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة ، وإنه عادانا مراراً كثيرة ، وكان أشدُّ ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا : أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له : بُخْتُنَّصْر ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، فلما كان وقته بَعَثْنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلب بخْتُنَصَّر ليقتله ، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة ، فأخذه صاحبنا ليقتله ، فدفع عنه جبريل ، وقال لصاحبنا : إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلن تسلط عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله؟ فصدّقه صاحبنا ، ورجع إلينا ، وكبر بُخْتُنَصَّرُ وقوي ، وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدواً. فأنزل الله هذه الآية.

٤٢ ـ وقال مقاتل : قالت اليهود : إن جبريل عدونا ، أُمِرَ أن يجعل النبوة فينا ، فجعلها في غيرنا. فأنزل الله هذه الآية.

[١٩]

قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . [٩٩].

٤٣ ـ قال ابن عباس : هذا جواب لابن صُوريا حيث قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل عليك من آية بينة بها. فأنزل الله هذه الآية.

[٢٠]

قوله تعالى :( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) الآية. [١٠٢].

٤٤ ـ أخبرنا محمد بن عبد العزيز القَنْطَرِي ، أخبرنا أبو الفضل الحدادي ،

__________________

[٤٢] بدون إسناد.

[٤٣] ذكره السيوطي في لباب النقول (ص ١٨) وعزاه في الدر (١ / ٩٤) لابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرجه ابن جرير (١ / ٣٥٠)

[٤٤] إسناده صحيح : أخرجه الحاكم في المستدرك (٢ / ٢٦٥) وصححه ووافقه الذهبي على شرط مسلم. وأخرجه ابن جرير (١ / ٣٥٧)

٣٤

أخبرنا أبو يزيد الخالدي ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، حدَّثنا جرير ، أخبرنا حُصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال :

بينما نحن عند ابن عباس إذ قال : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فيجيء أحدهم بكلمة حق ، فإذا جُرِّب من أحدهم الصدق كذَب معها سبعين كذبة ، فيشربها قلوبَ الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي لا كنز له مثله؟ قالوا : نعم ، قال : تحت الكرسي ، فأخرجوه فقالوا : هذا سحر. فتناسخته الأمم ، فأنزل الله تعالى عذر سليمان( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ )

٤٤ م ـ وقال الكلبي : إن الشياطين كتبوا السحر والنَيْرَنْجِيَّات على لسان آصف : هذا ما علَّم آصفُ بن برخيا سليمانَ الملك ، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ، ولم يشعر بذلك سليمان ، فلما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه ، وقالوا للناس : إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه. فأما علماء بني إسرائيل فقالوا : معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان. وأما السفلة فقالوا : هذا علم سليمان ، وأقبلوا على تعلّمه ، ورفضوا كتب أنبيائهم. ففشت الملامة لسليمان ، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله عذر سليمان على لسانه ، وأظهر براءته مما رمي به ، فقال :( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) الآية.

٤٥ ـ أخبرنا سعيد بن العباس القرشي كتابة : أن الفضل بن زكرياء ، حدثهم عن أحمد بن نجدة ، أخبرنا سعيد بن منصور ، حدَّثنا عتاب بن بشير ، أخبرنا خُصَيف قال :

كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال : لأي داء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا. فلما

__________________

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ٩٥) لسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم.

[٤٤] م الكلبي ضعيف.

[٤٥] عزاه في الدر (١ / ٩٥) لسعيد بن منصور.

٣٥

نبتت شجرة الخُرْنُوبَة قال : لأي شيء أنت؟ قالت : لمسجدك أخربه قال : تخربينه؟! قالت : نعم ، قال : بئس الشجرة أنت. فلم يلبث أن توفي ، فجعل الناس يقولون في مرضاهم : لو كان [لنا] مثل سليمان. فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً فجعلوه في مصلى سليمان وقالوا : نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به. فانطلقوا فاستخرجوا ذلك [الكتاب] فإذا فيه سحر ورقى. فأنزل الله تعالى :( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) إلى قوله :( فَلا تَكْفُرْ ) .

٤٦ ـ قال السّدي : إن الناس في زمن سليمان اكتتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه ، فأخذ سليمان تلك الكتب [وجعلها في صندوق] ودفنها تحت كرسيه ، ونهاهم عن ذلك. فلما مات سليمان وذهب [الذين] كانوا يعرفون دفنه الكتب ، تمثل شيطان على صورة إنسان ، فأتى نفراً من بني إسرائيل فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا : نعم ، قال : فاحفروا تحت الكرسي ، فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذا. فاتخذ بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود. فبرّأ اللهعزوجل سليمان من ذلك ، وأنزل هذه الآية.

[٢١]

قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ) الآية. [١٠٤].

٤٧ ـ قال ابن عباس في رواية عطاء : وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها ، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أعجبهم ذلك. وكان راعنا في كلام اليهود السب القبيح فقالوا : إنا كنا نسب محمداً سراً ، فالآن أعلنوا السب لمحمد لأنه من كلامهم. فكانوا يأتون نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقولون : يا محمد ، راعنا ويضحكون ، ففطن بها رجل من الأنصار ، وهو سعد بن عبادة ، وكان عارفاً بلغة اليهود ، فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، والذي نفس محمد بيده ، لئن

__________________

[٤٦] مرسل.

[٤٧] عزاه السيوطي في (لباب النقول) ص ١٩ والدر (١ / ١٠٣) لأبي نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقال : هذا السند واه.

٣٦

سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه. فقالوا : ألستم تقولونها [له؟] فأنزل الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا ) الآية.

[٢٢]

قوله تعالى :( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) الآية. [١٠٥].

٤٨ ـ قال المفسرون : إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد ، قالوا : هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه ، ولَوَددنا لو كان خيراً. فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم [هذه الآية].

[٢٣]

قوله تعالى :( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ) . [١٠٦].

٤٩ ـ قال المفسرون : إن المشركين قالوا : ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً؟ ما هذا القرآن إلَّا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً. فأنزل الله تعالى :( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ) الآية. وأنزل أيضاً :( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) الآية.

[٢٤]

قوله تعالى :( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ) الآية. [١٠٨].

٥٠ ـ قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي أمية ورهط من قريش ، قالوا : يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ، ووسع لنا أرض مكة ، وفَجَّر الأنهارَ خلالها تفجيراً ـ نُؤْمِنْ بك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال المفسرون : إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن قائل يقول : ايتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة ،

__________________

[٤٨] بدون سند.

[٤٩] بدون سند.

[٥٠] بدون إسناد.

٣٧

ومن قائل يقول ـ وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي ـ : ايتنا بكتاب من السماء فيه : «من رب العالمين إلى ابن أبي أمية ، اعلم أنني قد أرسلت محمداً إلى الناس». ومن قائل يقول : لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٥]

قوله تعالى :( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) الآية. [١٠٩].

٥١ ـ قال ابن عباس : نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد : ألم تروا إلى ما أصابكم؟ ولو كنتم على الحق ما هزمتم ، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.

أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل.

٥٢ ـ أخبرنا أحمد بن محمد [بن الحسن] ، حدَّثنا محمد بن يحيى ، حدَّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه :

أَن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً ، وكان يهجو النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويحرض عليه كفار قريش في شعره ، وكان المشركون واليهود من [أهل] المدينة حين قدمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يؤذون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه أشد الأذى ، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم ، وفيهم أنزلت :( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) إلى قوله :( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) .

[٢٦]

قوله تعالى :( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ) [١١٣].

__________________

[٥١] بدون إسناد.

[٥٢] أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة (٣٠٠٠).

وعزاه السيوطي في الدر (١ / ١٠٧) لأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل.

٣٨

٥٣ ـ نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران ، وذلك أن وفد نَجْرَان لما قدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بموسى والتوراة. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

[٢٧]

قوله تعالى :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) الآية. [١١٤].

٥٤ ـ نزلت في طَطُوس الرومي وأصحابه من النصارى ، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتِلَتَهم ، وسَبَوْا ذراريهم ، وحرّقوا التوراة وخرّبوا بيت المقدس ، وقذفوا فيه الجيف. وهذا [معنى] قول ابن عباس في رواية الكلبي.

٥٥ ـ وقال قتادة [والسُّدّي] : هو بُخْتُنَصَّر وأصحابه ، غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس ، وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم.

٥٦ ـ وقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت في مشركي أهل مكة ومَنْعِهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.

[٢٨]

قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) [١١٥].

٥٧ ـ اختلفوا في سبب نزولها.

__________________

[٥٣] عزاه السيوطي في لباب النقول (ص ٢١) لابن أبي حاتم عن ابن عباس وزاد نسبته في الدر (١ / ١٠٨) لابن إسحاق وابن جرير.

[٥٤] الكلبي ضعيف ، وقد مرت ترجمته في رقم (١٠)

[٥٥] مرسل.

[٥٦] بدون إسناد. وعزاه السيوطي في الدر (١ / ١٠٨) لابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

[٥٧] أخرجه الدارقطني (١ / ٢٧١) والبيهقي في السنن (٢ / ١٢) وقال البيهقي : الطريق إلى عبد الملك العرزمي غير واضح لما فيه من الوجادة وغيرها وصحيح عن عبد الملك بن أبي سليمان

٣٩

فأخبرنا أبو منصور المنصوري ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، حدَّثنا أبو محمد إسماعيل بن علي ، حدَّثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري ، حدَّثنا أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري ، قال : وجدت في كتاب أبي : حدَّثنا عبد الملك العَرْزَمِيّ ، حدَّثنا عطاء بن أبي رَبَاح ، عن جابر بن عبد الله ، قال :

بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سَرِيَّة كنتُ فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منا : قد عرفنا القبلة ، هي هاهنا قِبَلَ الشمال. فصلّوا وخطّوا خطوطاً. وقال بعضنا : القبلة هاهنا قِبَلَ الجنوب ، [فصلوا] وخطوا خطوطاً. فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قَفَلْنَا من سفرنا سألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن ذلك فسكت ، فأنزل الله تعالى :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) الآية.

٥٨ ـ وأخبرنا أبو منصور ، أخبرنا علي ، حدَّثنا يحيى بن صاعد ، حدَّثنا

__________________

العرزمي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن الآية إنما نزلت في التطوع [حديث ٥٩] أ. ه.

وأخرجه الحاكم (١ / ٢٠٦) والدارقطني (١ / ٢٧١) والبيهقي (٢ / ١٠) من طريق محمد بن سالم أبي سهل وهو ضعيف [تقريب ٢ / ١٦٣].

والحديث عزاه السيوطي في لباب النقول (ص ٢٢) للدارقطني وابن مردويه.

[٥٨] إسناده ضعيف : في إسناده أشعث بن سعيد السمان : قال الحافظ في التقريب : متروك [تقريب ١ / ٧٩] وفي إسناده : عاصم بن عبيد الله قال الحافظ في التقريب : ضعيف [تقريب ١ / ٣٨٤].

وأخرجه الترمذي في الصلاة (٣٤٥) وفي التفسير (٢٩٥٧).

وأخرجه ابن ماجة في الصلاة (١٠٢٠) والدارقطني (١ / ٢٧٢).

والبيهقي في السنن (٢ / ١١) والعقيلي في الضعفاء (١ / ٣١).

وقد حَسَّن إسناده المرحوم أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي. ولكنه استدرك ذلك في تعليقه على نفس الحديث في تفسير الطبري في تفسير هذه الآية حيث قال : وقد ذهبت في شرحي للترمذي رقم ٣٤٥ إلى تحسين إسناده ولكني أستدرك الآن وأرى أنه حديث ضعيف.

وزاد السيوطي نسبته في الدر (١ / ١٠٩) لأبي داود الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية.

وأخرجه ابن جرير (١ / ٤٠١)

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأيّ فائدة لقولكم : « إنّا كسبنا المعصية » وأنتم تريدون به أنّكم محلّ بالاضطرار؟! فيكون أرحم الراحمين ـ بزعمكم ـ قد خلق المعصية مع كسبها فيكم بلا جرم ، فصيّر تموه أظلم الظالمين كما هو مرادكم بقولكم : إنّ « لك التصرّف » فينا ، فإنّ الله سبحانه يتنزّه عن التصرّف المطوي على الظلم والجور.

وأمّا ما ذكره في عذر عوامّهم بأن نبيّنا قال : « عليكم بالسواد الأعظم » فعذر بارد

لأنّه يقال لهم أوّلا : كيف أخذتم دينكم من هذا الحديث ، وهو لو صحّ سندا وتمّ دلالة لا يفيد إلّا الظنّ ، وقد سمعتم قوله تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) وقوله :( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) ؟!

ويقال لهم ثانيا : كيف أخذتم بهذا الحديث وتركتم قول الله تعالى :( أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٣) الدالّ على انقلاب السواد الأعظم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وما رواه معتمدكم البخاري في « كتاب الحوض » من صحيحه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أنّ الصحابة إذا وردوا عليه الحوض يحال بينه وبينهم ، ويقال له : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ويؤخذ بهم إلى النار ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النعم(٤) .

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٦.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ح ١٦٤ ـ ١٦٦ باب في الحوض.

٢٠١

وما رواه أهل صحاحكم وغيرهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل(١) ، وقد ارتدّ السواد الأعظم من بني إسرائيل ، وخالفوا خليفة موسى أخاه هارون

مع أنّ أكثر الناس في عامّة الأزمنة على الضلالة ، كما يصرّح به الكتاب العزيز في كثير من الآيات(٢) .

ويقال لهم ثالثا : كيف علمتم أنّ المراد بالحديث لزوم اتّباع السواد الأعظم حتّى في الدين؟! والحال أنّه مطلق صالح للتقييد بألف قيد ، كما قيّدتموه أنتم بغير المعصية والظلم ونحوهما(٣) ، فكان يلزمكم الفحص والنظر في الأدلّة العقلية والنقلية.

وقد كان يكفيكم من العقل أنّ الجبر مستوجب لنسبة الظلم إلى الله

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٦ ح ٢٦٤١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ / ٢٥ ح ٤٥ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٠٤ ح ٦٠١٧ وج ١٠ / ٣٩ ح ٩٨٨٢ وج ١٧ / ١٣ ح ٣ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٢٦ ـ ٢٧ ح ٢٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٤٤٤ و ٤٤٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ عن البزّار.

(٢) كقوله تعالى :( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) سورة الصافّات ٣٧ : ٧١.

وقوله تعالى : ( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) سورة الزخرف ٤٣ : ٧٨.

إلى كثير من الآيات الكريمة في هذا الصدد ، يمكنك مراجعتها في مادّة « كثر » من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(٣) انظر مثلا : الإحكام في أصول الأحكام ـ لابن حزم ـ ١ / ٥٩٢ وقد أثبت عدم صحّة رواية « عليكم بالسواد الأعظم » ، الاعتقاد على مذهب السلف ـ للبيهقي ـ : ١٣٩ ، المحصول في علم أصول الفقه ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، فواتح الرحموت ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١١١.

٢٠٢

سبحانه ومن النقل الآيات السابقة ؛ بل وجدان كلّ شخص أنّه يحرم عليه اتّباع السواد الأعظم في هذه المسألة ؛ لأنّه يجد من نفسه أنّه المؤثّر في فعله ، وعليه رأيه في كلّ عمله.

على أنّ السواد الأعظم هو العوامّ ، فما معنى اتّباعه لنفسه وكلّه جاهل؟!

.. إلى غير ذلك من المفاسد المانعة من الاعتذار بهذا الحديث!

وأمّا ما أشار إليه من أمر التقيّة ، فلو ذكره المعتذر كان الأمر عليه أشدّ وأخزى

إذ يقال له أوّلا : ما أنكرتم من التقيّة وقد شرّعها الله تعالى في كتابه العزيز ، فقال :( إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) (١) وقال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٢) ؟!

وثانيا : إنّ تقيّة الشيعة ليست إلّا منكم ؛ لأنّكم أخفتموهم وقتلتموهم لتمسّكهم بمن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته بالتمسّك بهم! وأنتم اتّبعتم الظالمين في معاداة أهل بيت الرحمة وشيعتهم المؤمنين ، وآمنتم المشركين والمنافقين والفاسقين!

وقولكم : « يستنكفون من هذه النسبة »

حاشا وكلّا ، رأينا علانيتهم تشهد لضمائرهم بالافتخار بموالاة آل محمّد الطاهرين ومعاداة أعدائهم ، كما قال شاعرهم الكميترحمه‌الله

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٢٨.

(٢) سورة النحل ١٦ : ١٠٦.

٢٠٣

تعالى :

وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب(١)

* * *

__________________

(١) القصائد الهاشميات : ٢٨ ، الأغاني ١٧ / ٢٩ ، وجاء البيت فيهما هكذا :

فما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب

٢٠٤

قال المصنّف ـ بلّغه الله مناه ـ (١) :

ومنها : مخالفة الحكم الضروري الحاصل لكلّ أحد ، عندما يطلب من غيره أن يفعل فعلا ، فإنّه يعلم بالضرورة أنّ ذلك الفعل يصدر عنه.

ولهذا يتلطّف في استدعاء الفعل منه بكلّ لطيفة ، ويعظه ويزجره عن تركه ، ويحتال عليه بكلّ حيلة ، ويعده ويتوعّده على تركه ، وينهاه عن فعل ما يكرهه ويعنّفه على فعله ، ويتعجّب من فعله ذلك ويستطرفه ، ويتعجّب العقلاء من فعله.

وهذا كلّه دليل على فعله ، ويعلم بالضرورة الفرق بين أمره بالقيام وبين أمره بإيجاد السماوات والكواكب ، ولو لا أنّ العلم الضروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا لما صحّ ذلك.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٥

وقال الفضل(١) :

الطلب من الغير للفعل ونهيه عن الفعل ، للحكم الضروري بأنّه فاعل الفعل ، وهذا لا ينكره إلّا من ينكر الضروريّات.

وقد مرّ مرارا أنّ هذا ليس محلّ النزاع(٢) ، فإنّ صدور الفعل عن أحدنا محسوس ، ولهذا نطلب منه ونتلطّف ، ونزجر ونعد ونوعد.

وكلّ هذه الأمور واقعة ، وليس النزاع إلّا في أنّ هذا الفعل هل هو مخلوق لنا ، أو نحن نباشره؟

فالنزاع راجع إلى الفرق بين المباشرة والخلق ، وأنّهما متّحدان أو متغايران؟ وهذا ليس بضروري ، ومن ادّعى ضرورية هذا فهو مكابرة لمقتضى العقل ، فمخالفة الضرورة في ما ذكر ليس في محلّ النزاع ، فليس له فيه دليل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٣.

(٢) انظر ردّ الفضل في الصفحتين ١٢١ و ١٤١.

٢٠٦

وأقول :

ما ذكره المصنّف من التلطّف في الاستدعاء ونحوه دليل ضروريّ على كون العبد موجدا لفعله ومؤثّرا فيه ، كما هو مذهبنا ، ومجرّد محلّيّته لفعل فاعل آخر مع عدم الأثر له أيضا في المحلّيّة ـ كما هو مذهبهم ـ لا يصحّح التلطّف ونحوه ، وهذا من أوّليّات الضروريّات.

ولكنّ الخصم يستعمل المغالطة والتمويه ، فادّعى أنّهم يقولون بمباشرة العبد للفعل ، وأنّها غير الإيجاد.

فإن أراد أنّها فعل آخر للعبد من آثاره فهو مخالف لمذهبه

وإن أراد أنّها عبارة عن محلّيّة العبد لفعل الله بلا أثر للعبد فيها أصلا ، لم يرتفع الإشكال بمخالفتهم للحكم الضروري كما أوضحه المصنّف.

وليت شعري إذا استعمل الإنسان التمويه في دينه اليوم ، فهل يراه منجيه غدا يوم تكشف الحقائق ويظهر الكاذب من الصادق؟!

فليحذر العاقل! وليعتبر من يريد خلاص نفسه يوم حلوله في رمسه!

* * *

٢٠٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : مخالفة إجماع الأنبياء والرسل ، فإنّه لا خلاف في أنّ الأنبياء أجمعوا على أنّ الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال كالصلاة والصوم ، ونهى عن بعضها كالظلم والجور ، ولا يصحّ ذلك إذا لم يكن العبد موجدا.

إذ كيف يصحّ أن يقال له : ائت بفعل الإيمان والصلاة ، ولا تأت بالكفر والزنا ، مع أنّ الفاعل لهذه الأفعال والتارك لها هو غيره؟!

فإنّ الأمر بالفعل يتضمّن الإخبار عن كون المأمور قادرا عليه ، حتّى لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به لمرض أو سبب آخر ثمّ أمره ، فإنّ العقلاء يتعجّبون منه وينسبونه إلى الحمق والجهل والجنون ، ويقولون : إنّك لتعلم أنّه لا يقدر على ذلك ، ثمّ تأمره به؟!

ولو صحّ هذا لصحّ أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب ، فيبلّغ إليها ما ذكرناه ، ثمّ إنّه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات ويعاقبها لأجل أنّها لم تمتثل أمر الرسول ، وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٨

وقال الفضل(١) :

أمر الأنبياء عباد الله بالأشياء ونهيهم عن الأشياء لا يتوقّف على كون العبد موجدا للفعل.

نعم ، يتوقّف على كون العبد فاعلا مستقلّا في الكسب والمباشرة ومختارا ، وهذا مذهب الأشاعرة(٢) ، وما ذكره لا يلزم من يقول بهذا ، بلى يلزم أهل مذهب الجبر.

وقد علمت أنّ الأشاعرة يثبتون اختيار العبد في كسب الفعل ، ويمنعون كون قدرته مؤثّرة في الفعل ، ومبدعة موجدة إيّاه ، وشتّانبين الأمرين.

فكلّ ما ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وليس في مذهبهم مخالفة لإجماع الأنبياء.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ، تمهيد الأوائل : ٣٤٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٥٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٦.

٢٠٩

وأقول :

لم يرد الخصم بقوله : « فاعلا مستقلّا في الكسب » تأثير قدرته فيه ، فإنّه مناف لقولهم : لا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى.

بل أراد مجرّد محلّيّته للفعل بلا تأثير له في الفعل والمحلّيّة ، غاية الأمر أنّه يقترن بالفعل قدرة له واختيار ، وهما لا يصحّحان أمره ونهيه ما لم يكن لهما تأثير ألبتّة.

فيرد عليهم ما ذكره المصنّفرحمه‌الله ، فليس أمر العباد ونهيهم إلّا بمنزلة أمر الجمادات ونهيها!

٢١٠

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، والاستدلال على كونه تعالى صادقا ، والاستدلال على صحّة النبوّة ، والاستدلال على صحّة الشريعة ، ويفضي إلى القول بخرق إجماع الأمّة ؛ لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال : العالم حادث ، فيكون محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمع منع حكم الأصل في القياس ، وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، فينسدّ عليه باب إثبات الصانع.

وأيضا : إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها ، لم يمتنع منه إظهار المعجز على يد الكاذب ، ومتى لم يقطع بامتناع ذلك انسدّ علينا باب إثبات الفرق بين النبيّ والمتنبّي.

وأيضا : إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ، فلا يوثق بوعده ووعيده وإخباره عن أحكام الآخرة والأحوال الماضية والقرون الخالية.

وأيضا : يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها وأن يبعث عليها ، ويحثّ ويرغّب فيها ، ولو جاز ذلك جاز أن يكون ما رغّب الله تعالى فيه من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها.

وأيضا : لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٤.

٢١١

ويزيّنه له ويصدّه عن الحقّ ، ويستدرجه بذلك إلى عقابه ، للزم في دين الإسلام جواز أن يكون هو الكفر والضلال ، مع أنّه تعالى زيّنه في قلوبنا ، وأن يكون بعض الملل المخالفة للإسلام هو الحقّ ، ولكنّ الله تعالى صدّنا عنه وزيّن خلافه في أعيننا

فإذا جوّزوا ذلك لزمهم تجويز ما هم عليه هو الضلالة والكفر ، وكون ما خصومهم عليه هو الحقّ ، وإذا لم يمكنهم القطع بأنّ ما هم عليه هو الحقّ ، وما خصومهم عليه هو الباطل ، لم يكونوا مستحقّين للجواب!

* * *

٢١٢

وقال الفضل(١) :

في هذا الفصل استدلّ بأشياء عجيبة ينبغي أن يتّخذه الظرفاء ضحكة لهم.

منها : إنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات الصانع وكونه صادقا والاستدلال بصحّة النبوّة على كون العبد موجد أفعاله.

وذكر في وجه الملازمة شيئا غريبا عجيبا ، وهو أنّا نستدلّ على حدوث العالم بكونه محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمن منع حكم الأصل في القياس وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، وإثبات هذه الملازمة من المضاحك

أمّا أوّلا : فلأنّه حصر حادثات العالم في أفعال الإنسان ، ولو لم يخلق الإنسان وأفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة بوجوب وجود المحدث ، وكأنّ هذا الرجل لم يمارس قطّ شيئا من المعقولات!

والحقّ أنّه ليس أهلا لأن يباحث لدناءة رتبته في العلم ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت.

وأمّا ثانيا : فلأنّه استدلّ بلزوم عدم كونه صادقا على كون العبد موجد فعله ، ولم يذكر هذه الملازمة ؛ لأنّ النسبة بينه وبين هذه الملازمة بعيدة جدّا.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٧.

٢١٣

وأمّا ثالثا : فلأنّه استدلّ بلزوم انسداد باب صحّة النبوّة ، وصحّة الشريعة على كون العبد موجد فعله ؛ ومن أين يفهم هذه الملازمة؟!

ثمّ ادّعى الإفضاء إلى خرق الإجماع

وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه بها إلّا أمثاله في العلم والمعرفة.

ثمّ استدلّ على بطلان كونه خالقا للقبائح بلزوم عدم امتناع إظهار المعجز على يد الكاذب ، وقد استدلّ قبل هذا بهذا مرارا وأجبناه في محالّه(١) .

وجواب هذا وما ذكر بعده من ترتّب الأمور المنكرة على خلق القبائح ، مثل : ارتفاع الثقة من الشريعة والوعد والوعيد وغيرها : إنّا نجزم بالعلم العادي وبما جرى من عادة الله تعالى أنّه لم يظهر المعجزة على يد الكاذب ، فهو محال عادة كسائر المحالات العادية ، وإن كان ممكنا بالذات ؛ لأنّه لا يجب على الله تعالى شيء على قاعدتنا.

فكلّ ما ذكره من لزوم جواز تزيين الكفر في القلوب عوض الإسلام ، وأنّ ما عليه الأشاعرة من اعتقاد الحقّيّة يمكن أن يكون كفرا وباطلا فلا يستحقّون الجواب

فجوابه : إنّ جميع هؤلاء لا يقع عادة كسائر العاديّات ، ونحن نجزم بعدم وقوعه ، وإن جاز عقلا ، حيث لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحات ١١ و ١٢ و ٤٩ و ٥٢ من هذا الجزء.

٢١٤

وأقول :

ينبغي بيان مقصود المصنّف وتوضيح بعض كلامه ؛ ليعرف منه خبط الخصم ، فنقول : ذكر المصنّف أنّه يلزم من القول بأنّ العباد غير فاعلين لأفعالهم لوازم أربعة :

[ اللازم ] الأوّل : سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، واستدلّ عليه بقوله : « لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال » إلى آخره.

وتوضيحه : إنّهم اختلفوا في أنّ المحوج إلى الصانع ؛ هل هو الإمكان ، أو الحدوث ، أو المركّب منهما ، أو الإمكان بشرط الحدوث؟

واختار الأشاعرة الثاني كما ذكره الخصم سابقا(١) .

وعلى مختارهم يتوقّف إثبات الصانع على قولنا : العالم حادث ، وكلّ حادث محتاج إلى محدث(٢) ، ولا دليل على الكبرى إلّا احتياج أفعالنا إلينا ، وقياس سائر الحوادث عليها في الحاجة إلى محدث.

فإذا منع الأشاعرة الأصل ـ وهو احتياج أفعالنا إلينا لعدم كوننا موجدين لها ، ولم يكن في سواها من الحوادث دلالة على الحاجة إلى المحدث ـ انسدّ عليهم باب إثبات الصانع.

فالمصنّف قد حصر الدليل على الكبرى بحاجة أفعالنا إلينا ، لا أنّه حصر الحادثات في أفعال الإنسان كما فهمه الخصم.

__________________

(١) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ٣١١.

(٢) انظر : تقريب المعارف : ٧١ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٤٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٨.

٢١٥

فإن قلت : نفس حدوث الحوادث يدلّ على وجود المحدث بلا حاجة إلى القياس على أفعالنا.

قلت : لا نسلّم ذلك ما لم يرجع إلى التعليل بالإمكان ، بلحاظ أنّ ما تساوى طرفاه يمتنع ترجّح أحدهما بلا مرجّح ، وهو خلاف قولهم بأنّ العلّة المحوجة هي الحدوث لا الإمكان(١) .

فنفس الحدوث ـ مع قطع النظر عن الإمكان ـ لا يقتضي الحاجة إلى صانع ؛ لجواز الصدفة ، فلا بدّ لهم من القول بأنّا فاعلون لأفعالنا ، وأنّها محتاجة إلينا ، ليقاس عليها سائر الحوادث وتتمّ كلّية الكبرى.

اللازم الثاني : سدّ باب الاستدلال على كونه تعالى صادقا ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا لو جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ».

وتوضيحه : إنّه إذا جاز أن يخلق تعالى الكذب الواقع من الناس وسائر القبائح ، فقد جاز أن يكذب في كلامه اللفظي ، إذ لا فرق بين أن يخلق الكذب في الناس ، وبين أن يخلقه في شجرة أو على لسان جبرائيل أو ألسنة الأنبياء ؛ لأنّ جميع الكذب والقبائح إنّما هي خلقه ، فلا يوثق بوعده ووعيده وسائر أخباره ، كما سبق موضّحا(٢) .

[ اللازم ] الثالث : سدّ باب الاستدلال على صحّة النبوّة ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها »

وهو غنيّ عن البيان ، والملازمة فيه ظاهرة.

__________________

(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٣٨ ـ ٤٢ ، المواقف : ٧٦ ـ ٧٧ ، شرح المقاصد ٢ / ١٣.

(٢) راجع الصفحة ١٩.

٢١٦

[ اللازم ] الرابع : سدّ باب الاستدلال على صحّة الشريعة ، واستدلّ عليه المصنّف بأمرين :

الأوّل : قوله : « وأيضا يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها ».

وتوضيحه : إنّ خلق الشيء يتوقّف على إرادته ، وهي تتوقّف على الرضا به ـ كما سبق(١) ـ

فإذا كان تعالى خالقا للقبائح ، كان مريدا لها وراضيا بها

وإذا أرادها ورضي بها ، جاز أن يدعو إليها ، ويبعث الرسل لأجل العمل بها ويرغّب فيها.

وإذا جاز ذلك ، جاز أن يكون ما رغّب فيه وبعث به الرسل من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها ؛ لجواز أن يكون ما تدعو إليه قبيحا.

الثاني : قوله : « وأيضا لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال »

وهو لا يحتاج إلى البيان.

ولا ريب أنّ سدّ باب الاستدلال على تلك الأمور خرق لإجماع الأمّة.

فظهر أنّ المصنّف ذكر اللوازم الأربعة ووجه لزومها لهم ، لكن على طريق اللف والنشر المشوّش ؛ لأنّه قدّم دليل اللازم الثالث على دليل الثاني ، فلم يتّضح للخصم كلام المصنّفرحمه‌الله مع غاية وضوحه!

وقد تشبّث للجواب عن بعض الأدلّة بأنّه محال عادة أن يخالف الله

__________________

(١) تقدّم في ج ٢ / ٣٦٤.

٢١٧

تعالى عادته ، حيث جرى في عادته أن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب ، وأن لا يكذب في إخباره ، وأن لا يبعث إلى القبائح ولا يحثّ عليها ، ولا يزيّن الكفر في القلوب ، إلى نحو ذلك ممّا رتّب المصنّف جوازه على جواز خلق الله سبحانه للقبائح.

وفيه ـ كما مرّ كثيرا ـ أنّا نطالبه بمستند العادة ، وهذه الأمور غيبية.

ثمّ ما معنى العادة في أنّ شريعة الإسلام وما عليه الأشاعرة دون غيرهما حقّ ، وقد أوكلنا جملة ممّا خبط به الخصم إلى فهم الناظر ؛ لئلّا يحصل الملل من البيان.

* * *

٢١٨

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى ظالما عابثاً ؛ لأنّه لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ومنها القبائح كالظلم والعبث ، لجاز أن يخلقها لا غير ، حتّى تكون كلّها ظلما وعبثا ، فيكون الله تعالى ظالما عابثا لاعبا ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٥.

٢١٩

وقال الفضل(١) :

نعوذ بالله من التفوّه بهذه الترّهات ، وأنّى يلزم هذا من هذه العقيدة ، والظلم والعبث من أفعال العباد ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، وخالق الشيء غير فاعله؟!

وهذا الرجل لا يفرّق بين خالق الصفة والمتّصف بتلك الصفة ، وكلّ محذوراته ناش من عدم هذا الفرق ، ألا يرى أنّ الله خالق السواد ، فهل يجوز أن يقال : هو الأسود؟!

كذلك لو كان خالق الظلم والعبث ، هل يجوز أن يقال : إنّه ظالم عابث؟! نعوذ بالله من التعصّب المؤدّي إلى الهلاك.

ثمّ إنّ هذا الرجل يحصر القبيح في أفعال الإنسان ، ويدّعي أن لا قبيح ولا شرّ في الوجود إلّا أفعال الإنسان ، وذلك باطل ، فإنّ القبائح ـ غير أفعال الإنسان ـ في الوجود كثيرة ، كالخنزير والحشرات المؤذية.

وهل يصحّ له أن يقول : إنّ هذه الأشياء غير مخلوقة لله تعالى؟!

فإذا قال : إنّها مخلوقة لله تعالى ، فهل يمنع قباحتها وشرّها؟! وذلك مخالف الضرورة والحسّ! فإذا يلزم ما ألزم الأشاعرة من القول بخلق الأفعال القبيحة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٠.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591