الحكايات

الحكايات42%

الحكايات مؤلف:
المحقق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 136

الحكايات
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42198 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
الحكايات

الحكايات

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من الاستدلالات، وفيها الكثير مما لم ينله السلفية من العامة لبعدهم عن الائمة عليهم السلام.

لكن المقلدة والسلفية يشتركون في أنهم لا يحاولون الاستدلال على شئ خارج عن النص، ولا يجتهدون في المزيد من البحث و الفكر فيما يرتبط بالعقائد.

والفرقة الثانية:

فأهل الحديث من العامة، هم " الاشاعرة " يلتزمون بالعقائد التي تدل عليها النصوص، ويفسرونها حسب ما تدل عليها العبارات من الظواهر المفهومة لهم، وبما يدركونه من المحسوسات، حتى ما ورد فيها من أسماء الاعضاء المضافة إلى اسم الله، كاليد، والرجل، والعين، والوجه، ولم يلجؤوا إلى تأويل ذلك عن ظاهره(١٤) ولذلك يسمون ب‍ " المشبهة ".

ويختلف الاشاعرة عن السلفية في تجويز هؤلاء البحث في الكلام، وقد كان أبو الحسن الاشعري - وهو زعيم الاشاعرة ومؤسس مذهبهم - من أوائل الرادين على دعوة ابن حنبل رئيس السلفية في النهي عن الكلام، إذ تصدى له في كتاب بعنوان " رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام " قال فيه: " إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين، ومالوا إلى التخفيف والتقليد، وطعنوا على من فتش عن اصول الدين، ونسبوه إلى الضلال

____________________

(١٤) تأريخ الفرق الاسلامية - للغرابي -: ٢٩٧، و تاريخ المذاهب الاسلامية - لابي زهرة -: ١٨٦.

٢١

وزعموا أن الكلام... بدعة وضلالة " ثم تصدى لردهم بقوة(١٥)

أما أهل الحديث من الشيعة، و هم " الاخبارية " فيعتقدون بلزوم متابعة ما ورد في النصوص والاعتماد عليها، لكنهم يعتمدون على ما ورد في حديث أئمة أهل البيت عليهم السلام من تأويل و تفسير لتلك النصوص، كما يتبعون ما ورد عنهم من الاستدلالات العقلية، ولذلك فإنهم يؤولون النصوص التي ظاهرها إثبات اليد والوجه والعين لله تعالى، و ينفون التشبيه، تبعا لاهل البيت عليهم السلام(١٦) .

قال الشيخ الكركي (ت ١٠٧٦) - وهو من الاخبارية المتأخرين - عند البحث عن التقليد في اصول الدين: " والحق أنه لا مخلص من الحيرة إلا التمسك بكلام أئمة الهدى عليهم السلام، إما من باب التسليم، لمن قلبه مطمئن بالايمان، أو بجعل كلامهم أصلا تبنى عليه الافكار الموصلة إلى الحق، ومن تأمل نهج البلاغة، والصحيفة الكاملة، واصول الكافي، وتوحيد الصدوق، بعين البصيرة، ظهر له من أسرار التوحيد والمعارف الالهية ما لا يحتاج معه إلى دليل، وأشرق قلبه من نور الهداية ما يستغني به عن تكلف القال والقيل "(١٧) .

ويشترك الاشاعرة من العامة والاخبارية من الشيعة، في رفض المحاولات العقلية، والاحتجاجات الخارجة عن النص.

____________________

(١٥) وردت الرسالة كاملة في: مذاهب الاسلاميين - للبدوي - ١ / ١٥ - ٢٦.

(١٦) انظر: مقدمة " التوحيد " للصدوق: ص ١٧، طبعة طهران.

(١٧) هداية الابرار إلى طريق الائمة الاطهار: ١ - ٣٠٢.

٢٢

والفرقة الثالثة:

فالمعتمدون على العقل من العامة، وهم " المعتزلة " يفترقون عن " الفقهاء " من الشيعة، في جهات عديدة كما سيأتي، وإن اشتركوا في اعتمادهم على العقل كمصدر للعقائد.

٢٣

٤ - الخلط بين المذاهب

والتشابه الكبير بين الشيعة من كل فرقة والعامة منها، أصبح منشأ لاتهام كل منهما بالاخذ من الآخر، أو للخلط بين كل من المذهبين، أو نسبة اراء كل منهما إلى الاخر، باعتبار أن منهجهما الكلامي واحد، ويلتزمان في الفكر بمصدر واحد(١٨) .

وعلى أساس من هذا الخلط، قد يسوي البعض بين أهل الحديث من العامة، وبين أهل الحديمث من الشيعة، باعتبار اعتمادهم على الحديث مصدرا للمعتقدات الكلامية، غفلة عن الفوارق المهمة الاخرى التي ذكرناها.

فإن أهل الحديث من العامة، يرفضون التأويل في النصوص، بينما أهل الحديث من الشيعة يلتزمون بالتأويل بالمقدار الموجود في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

والتزامهم بالتأويل - ولو بهذا المقدار منه - سبب اتهامهم بأنهم من المعتزلة، لان هؤلاء أيضا يلتزمون بتأويل الظواهر، غفلة عن أن المعتزلة يختلفون عن أهل الحديث من الشيعة في جهات عديدة - بعد الامامة - أهمها اختلاف المنهج الفكري، حيث يعتمد أهل الحديث من

____________________

(١٨) انظر: مقدمة " أوائل المقالات " - بقلم الزنجاني - ١٢ طبعة النجف.

٢٤

الشيعة على النصوص، بينما المعتزلة يلتزمون بالعقل مصدرا للفكر والعقيدة، كما ذكرنا.

وقد تكال هذه التهم عن علم بالواقع، وعمد للامر، لغرض تشويه سمعة الفرقة المتهمة، أو إثارة الفتن والاحن بين المذاهب المختلفة.

ومن ذلك الخلط بين المعتزلة وهم العامة من الفرقة الثالثة، وبين الفقهاء وهم الشيعة.

فمن لم يحدد المناهج الفكرية، ولم يقف على اصول الانقسامات المذهبية، قد يتهم جمعا من المعتزلة بالتشيع، لما يجد من وحدة المنهج والفكر الكلامي بينهما، واعتمادهما على العقل كمصدر للعقيدة(١٩) .

وقد يتهم التشيع بالاعتزال، على ذلك الاساس نفسه.

والمعترضون المغرضون، لا يفرقون بين التهمتين، تهمة الاعتزال بالتشيع، أو تهمة التشيع بالاعتزال، فأيتهما حصلت تحقق غرضهم، من ضرب الفريقين، لانهم يجدونهما - معا - معارضين لمنهجهم الكلامي، وملتزماتهم الفكرية.

وهذا ما وقع - مع الاسف - في تأريخ الفكر الاسلامي، حيث عمد بعض الاشاعرة، إلى إلقاء تلك التهم، بغرض التشويش على سمعة المعتزلة تارة، وعلى سمعة الشيعة اخرى.

____________________

(١٩) انظر: الملل والنحل - للشهرستاني - ١ / ٨٥، ومنهاج السنة - لابن تيمية الحنبلي - ا / ٣١ طبعة بولاق.

٢٥

مع أن الاشاعرة هم الذين يشتركون مع المعتزلة في أصل المذهب، وهو الالتزام بمنهج الخلافة على طريقة العامة، وبذلك يبتعدون عن التشيع في أصل المعتقد.

وكذلك يتهم بعض الشميعة من الاخباريين، الفقهاء من الشيعة بالاعتزال، باعتبار اتخاذهم كلهم العقل مصدرا للفكر.

ناسين أن التشيع يفترق عن الاعتزال في أصل الامامة - قبل كل لقاء - كما يفترق عنه في كثير من المسائل الفكرية المهمة.

وأن مجرد التقاء التشيع مع الاعتزال في بعض المواضع والنقاط، كالتوحيد، والعدل، ليس معناه اتحادهما في كل شئ، فضلا عن أن يكون التشيع مأخوذا من الاعتزال، أو أن يكون الاعتزال مأخوذا من التشيع !

والغريب أن أشخاصا كبارا من متكلمي الشيعة نسبوا إلى الاعتزال مثل الحسن بن موسى النوبختي (ت ٣٠٠)(٢٠) !

مع أنه قد ألف كتابا باسم " النقض على المنزلة بين المنزلتين "(٢١) .

والمنزلة بين المنزلتين من أهم عنامر الفكر المعتزلي، وهو رابع الاصول الخمسة التي يبتني عليها الاعتزال(٢٢) .

قال الشيخ المفيد: " المعتزلة لقب حدث لها عند القول بالمنزلة

____________________

(٢٠) لاحظ: طبقات المعتزلة - المنية والامل - لابن المرتضى.

(٢١) رجال النجاشي: ٥٠، خاندان نوبختي: ١٣١.

(٢٢) أنظر: مذاهب الاسلاميين - للبدوي - ١ / ٦٤ - ٦٩، والشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة: ١٢٦ وبعد ها.

٢٦

بين المنزلتين(٢٣) فمن وافق المعتزلة فيما تذهب إليه من المنزلة بين المنزلتين كان معتزليا على الحقيقة، وإن ضم إلى ذلك وفاقا لغيرهم من أهل الاراء(٢٤) .

وقد تصدى جمع من متكلمي الشيعة لرد هذا الاتهام ودفع تهمة أخذ مذهب الشيعة من المعتزلة، وبينوا الفرق بين المذهبين، وفي مقدمتهم الامام الشيخ المفيد (ت ٤١٣) فقد أورد في كتبه المختلفة أبوابا ذكر فيها الفرق بين الشيعة والمعتزلة، ومن ذلك ما ورد في كتابه " أوائل المقالات " بعنوان:

باب القول في الفرق بين الشيعة والمعتزلة فيما استحقت به اسم الاعتزال(٢٥) .

وباب في ما اتفقت الامامية فيه على خلاف المعتزلة مما أجمعوا عليه من القول في الامامة(٢٦) .

وقد رد الشيخ المفيد في كتب خاصة على آراء المعتزلة وكبار أهل الاعتزال مثل كتاب " نفض فضيلة المعتزلة "(٢٧) .

ونقوضه على معتزلة البصرة:

كأبي بكر الاصئم (ت ٢٣٦) وأبي علي الجبائي (ت ٣٠٣) وأبي

____________________

(٢٣) أوائل المقالات: ٤٠ طبعة النجف.

(٢٤) أوائل المقالات: ٤٢.

(٢٥) أوائل المقالات: ٣٨.

(٢٦) أوائل المقالات: ٤٨.

(٢٧) انظر عن هذا الكتاب، وما يلي من النقوض على المعتزلة، الفصل الخاص بمؤلفات الشيخ المفيد من كتاب " أنديشه هاي كلامي شيخ مفيد ": ٣٤ - ٦٦.

٢٧

هاشم ابن الجبائي (ت ٣٢١) وأبي عبد الله البصري (ت ٣٦٧).

وردوده على معتزلة بغداد:

كجعفر بن حرب أبي الفضل الهمداني (ت ٢٣٦) وأبي القاسم البلخي الكعبي (ت ٣١٩) وعلي بن محمد بن إبراهيم الخالدي أبي الطيب (ت بعد ٣٥١).

وكتابنا هذا " الحكايات " - الذي نقدم له - خاص لعرض عدد كبير من مخالفات المعتزلة، والرد عليها، وبيان آراء الشيعة فيها.

كما رد عليهم في أثناء كتبه الاخرى، فانظر " الافصاح " في " عدة رسائل "، ص ٦٨ و ٧٠ و ٧٣ و ٧٧.

والرسالة الساروية، عدة رسائل، ص ٢٣٠، المسألة (١١).

والمسائل الصاغانية، عدة رسائل، ص ٢٣٩.

وقد كتب من أئمة الزيدية عبد الله بن حمزة المنصور بالله (ت ٦١٤) كتاب " الكاشفة للاشكال في الفرق بين التشيع والاعتزال " كما أورد ذلك السيد مجد الدين المؤيدي، في مقدمة كتاب الشافي، ص ٩.

و " حكاية الاقوال العاصمة عن الاعتزال في بيان الفرق بين الشيعة والمعتزلة " في أربعة فصول، لابي عبد الله حميدان بن يحيى القاسمي الحسني الزيدي، يوجد في دار الكتب المصرية، ضمن المجموعة ٣٤، قسم النحل، [ الذريعة ٧ / ٥٢ ].

وهناك محاولات حديثة قيمة للرد على هذه التهمة، قام بها مؤلفون معاصرون.

٢٨

مثل ما جاد به العلامة المحقق المرحوم السيد هاشم معروف الحسني العاملي الصوري في كتاب " الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة " المطبوع(٢٨) .

وجعل مارتين مكدرموت من جامعة شيكاغو الامريكية هدفه من كتابه " الاراء الكامية للشيخ المفيد " التحقيق في أوجه الشبه والاختلاف بين آراء الشيخ المفيد، وبين آراء المعتزلة(٢٩) .

____________________

(٢٨) انظر: خاصة ص ٢٧٩ - ٢٥١ وهي خلاصة الكتاب.

(٢٩) أنديشه هاي كلامي شيخ مفيد: ٥.

٢٩

٥ - موضوع الكتاب:

يتركز البحث في الكتاب في الرد على المعتزلة وتسفيه آرائهم الشاذة عن جماعة المسلمين، والتي ينفردون بها عن جميع الامة، ويتصدى للذين يتهمون الشيعة بالاخذ من المعتزلة، مع وجود البون الشاسع بين التشيع والاعتزال في أصول المنهج الكلامي الذي يتبعه كل من المذهبين.

ومع أن المتعمدين لالقاء هذه التهم - وهم الاشاعرة - هم الذين يشتركون مع المعتزلة في أصول المذهب الواحد، كالالتزام بمنهج الخلافة على طريقة العامة، دون الامامة بالنص.

ولو كان مجرد الالتقاء بين المذهبين في شئ من الاراء والافكار والنظريات دليلا على أخذ أحدهما من الاخر، أو اتحادهما في الفكر والنظر، لكان الاشاعرة هم الاخذون من المعتزلة، لاتفاقهم في مسألة الخلافة، وأنها من واجبات الامة، بينما هذا من أهم ما افترقت به العامة عن المسلمين الشيعة.

وقد ركز الشيخ المفيد في هذه (الحكايات) على أن المعتزلة بعيدون عن الشعيعة في كثير من أصول معتقداتهم وفروع ملتزماتهم، وأن نسبة التشيع إلى الاعتزال منشؤها الخطأ، وعدم المعرفة، أو قلة الدين، والغرض الحاقد.

٣٠

وعرض كثيرا مما أجمعت عليه المعتزلة، مما لا تقره الشيعة.

ثم ذكر الجواب عن بعض التهم التي اشترك العامة - معتزلة وأشاعرة - في توجيهها إلى التشيع والشيعة. وأثبت بالنصوص عراقة القدم الشيعية في الالتزام بالبحث العلمي المعتمد على الفكر والنظر، في ظل التوجيهات الاسلامية المستلهمة من تعاليم النبي والائمة عليهم السلام، والتي جاءت بها النصوص الحديثية المعتمدة، بعد القرآن الكريم الآمر بالتدبر والتفكر، والنظر والبصر.

٣١

٦ - نسبة الكتاب إلى المفيد:

اتفقت القرائن الخارجية والداخلية على نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المفيد رحمه الله:

فمن الاولى:

- عدم نسبته، أو شئ مما فيه إلى شخص آخر ولو السيد المرتضى الذي ورد اسمه في صدر الكتاب، وهو الذي رواه، فلم ينسب - ولو احتمالا - إلا إلى الشيخ.

- وضعه مع كتب الشيخ وآثاره في أكثر نسخه المتوفرة، فتارة مع أوائل المقالات، وأخرى مع الفصول المختارة بعنوان (فصل من حكايات الشيخ المفيد) وأما النسخ المستقلة فهي معنونة باسمه كلها.

ومن الثانية:

- وجود اسم الشيخ أو كنيته في بداية الكتاب ونهايته بعنوان صاحب الحكايات، وأنها مسموعة منه ومروية بطريقه، وفي أثناء الكتاب يكرر السيد المرتضى - الراوي لها - قوله: سمعت الشيخ، و: قلت له، وقال أبو عبد الله، مما لا ريب في إرادة المفيد منه.

- ثم إن جميع ما في الكتاب من آراء ونظريات علمية هومن آراء

٣٢

الشيخ المعروفة، ولم تنقل عن غيره.

- وقد جاء في المتن ذكر كتابين للمؤلف هما " الاركان في دعائم الدين " و " الكامل في علوم الدين " وهما مذكوران في فهرست كتب المفيد دون غيره.

- ابتداء الاحاديث الواردة في الكتاب بمشايخ المفيد المعروفين، والروايات المذكورة منها ما لم ينقل إلا بواسطة الشيخ المفيد.

- وأخيرا: فإن نفس هذا الكتاب وأسلوبه، ليس إلا نفس المفيد وأسلوبه، وهو معروف لدى المتداولين لتراثه، والمأنوسين بأعماله.

ولكن يبدو وجود ما يعارض هذا الفرض:.

مثل: ابتداء الكتاب بذكر السيد الشريف المرتضى وقوله: سمعت الشيخ، وهو في مواضع عديدة يقول: قلت للشيخ، أو: قال الشيخ، ويطرح الاسئلة، وينقل الاعتراضات، ويستدعي الاجابة عليها من الشيخ.

وكل هذا يقتضي أن يكون العمل للسيد، وإن كانت الاجابة للشيخ ومن أقواله، وأفكاره ورواياته.

ومثل: وجود هذه الحكايات، وبعنوان (فصل من حكايات الشيخ المفيد) وبرواية السيد المرتضى، ملحقا بكتاب " الفصول المختارة اللسيد.

وهذا يقتضي أن يكون فصل الحكايات، واحدأ من الفصول الكثيرة التي اختارها السيد الشريف وجمعها في ذلك الكتاب. - ومثل: أن عنوان (الحكايات) لم يرد في قائمة مؤلفات

٣٣

الشيخ المفيد، لا عند القدماء، ولا عند المتأخرين، سوى ما ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة (٧ / ٥١ رقم ٢٦٩) والظاهر أنه اعتمد على ما وجده في بعض النسخ المتأخرة.

أقول: ولدفع هذه المعارضات، لا بد من التأمل في أمور:

فأولا: إن المادة العلمية التي تشكل قوام الكتاب، إنما هي من عبارة الشيخ المفيد وإنشائه.

فلا يمكن أن ينسب الكتاب إلى غيره، بينما جميع محتواه من كلامه وفكره.

وثانيا: إن الكتاب وإن ألحق بالفصول المختارة، في بعض نسخه، إلا أنه ملحق كذلك بكتاب أوائل المقالات، الذي يشبهه في موضوعه في نسخ أخرى، وهو موجود - مستقلا - في بعض النسخ أيضا.

وثالثا: إن الشيخ ابن إدريس الحلي، إنما نقل من هذا الكتاب، روايات، في ما استطرفه في آخر السرائر، وعنون لمصدرها ب‍ (العيون والمحاسن، للمفيد) وهذا يدل على كون (الحكايات) من (العيون والمحاسن) المعلوم النسبة إلى المفيد.

وربما يكون المرتضى هو الذي جمع فوائد الشيخ المفيد بعنوان (الفصول المختارة) وألحق بها (الحكايات) كفصل منها، وإن كتاب (العيون والمحاسن) ليس إلا هذه (الفصول...) التي جمعها السيد.

وبهذا يفسر وجود آثار السيد المرتضى بوضوح ووفرة في هذه

٣٤

الفصول وهذه الحكايات، فهو الذي رواها ونقلها عن الشيخ، وهو الذي عرض عليه الاسئلة المختلفة، ودفع الشيخ إلى الاجابة عنها، وهو الذي طلب منه أن يثيت الروايات، وأخيرا فهو الذي جمع بين شتات هذه الاجوبة والمقالات والحكايات والروايات.

ومن مجموع ما أوردنا ظهر لنا أن الانسب في حل أمر نسبة الكتاب هو:

١ - أن الكتاب ليس للمرتضى، قطعا، بل هو راويه.

٢ - أن الكتاب لم يكتبه الشيخ المفيد بيده وقلمه، وإنما هو منقول عنه شفهيا، ومروي عنه سماعا.

٣ - إذن: فالكتاب هو من إملاء الشيخ المفيد، وبيانه، أجاب فيه عن أسئلة عرضها عليه تلميذه السيد المرتضى.

ومن شأن الامالي والاجوبة، أن ينسب الكتاب الحاوي لها إلى الشيوخ المملين، أو العلماء المجيبين، لا إلى غيرهم من المستملين أو الكاتبين للامالي، أو السائلين، أو الجامعين للاجوبة، إلا باعتبارات أخر غير معتمدة علميا في فن الفهرسة المنهجية.

٣٥

٧ - نسخ الكتاب:

إن هذا الكتاب عني به النساخ، فمنهم من ألحقه بكتاب " الفصول المختارة " باعتباره فصلا منه، وعلى منهجه في التأليف، والبحث، ولعل المرتضى نفسه هو الذي وضعه هناك.

ومنهم من ألحقه بكتاب " أوائل المقالات " لاتحادهما موضوعا، ومحتوى، فكلاهما يتصديان للمعتزلة، ويحتويان على بيان الفرق بين التشيع والاعتزال فكريا وعقائديا.

ومنهم من جعله مستقلا، باعتبار اشتماله على حكايات تشكل في نفسها وحدة متكاملة، فأفردها بالاستنساخ.

وهذا الهدف الاخير هو الذي بعثنا على إفراد الكتاب بالعناية والتحقيق والتوثيق، لكونه فريدا في بابه، وجديرا بكل رعاية وعناية.

وقد توفرت لدي نسخ كثيرة منه، إلا أتي اعتمدت بعضها، للاكتفاء بها في الوصول إلى الهدف، وتيسر الوقوف عليها في مثل الظروف الراهنة، وهي:

١ - النسخة المطبوعة (مط):

طبعت ملحقة بكتاب " الفصول المختارة من العيون

٣٦

والمحاسن " المطبوع. في النجف الاشرف، بالمطبعة الحيدرية، سنة ١٣٧٠ ه‍، وقد أعادته بالافست مكتبة الداوري في قم سنة ١٣٩٦ ه‍.

ويقع كتاب " الحكايات " في الصفحات (٢٧٩ - ٢٨٩) منه، بعنوان " فصل من الحكايات ".

وهي من أجود النسخ، ورمزنا إليها برمز " مط ".

٢ - مخطوطة مجلس الشورى الاسلامي (مج):

نسخة منضمة إلى " الفصول المختارة " وتليها رسالة الشيخ المفيد حول حديث " نحن معاشر الانبياء لا نورث ".

وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي - في طهران، بر قم (٥٣٩٢) وفي هامش آخر صفحة منها: " بلغت المقابلة بعون الله).

وجاء في آخر الرسالة المذكورة:

اتفق فراغه عصر يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر جمادى... سنة السادسة والعشرين بعد الالف على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى رحمة ربه عيسى بن إبراهبم بن عبد الله لحسا منشأ ومولدا...

وقد رمزنا إليها ب‍ " مج ".

٣٧

٣ - مخطوطة السيد النجومي (ن):

ملحقة بكتاب " أوائل المقالات " للشيخ المفيد.

وهو ضمن مجموعة في مكتبة السيد الحجة النجومي، في مدينة كرمانشاه (باختران) من محافظات الجمهورية الاسلامية.

وقد سماه مفهرسها باسم " الفرق بين الشيعة والمعتزلة، والفصل بين العدلية منهما "(١) كما ذكر بهذا الاسم كتاب في قائمة مؤلفات المفيد(٢) .

ولكنه ليس إلا كتاب أوائل المقالات.

وقد رمزنا إليها ب‍ (ن).

٤ - مخطوطة مكتبة الامام الرضا عليه السلام (ضا):

ملحقة بكتاب (أوائل المقالات) أيضا، ضمن مجموع برقم (٧٤٥٤).

وفي آخرها:

" تمت الحكايات عن الشيخ أبي عبد الله المفيد قدس الله روحه، كتبه العبد الفقير عبد العزيز نجل المرحوم سعيد النجار، في سنة الالف والمائتين وثمانين

____________________

(١) دليل المخطوطات، للسيد أحمد الحسيني (ج ١ ص ٢٦١).

(٢) أمالي المفيد: المقدمة (ص ٢٢).

٣٨

من هجرة سيد الاولين والاخرين، وصلى الله عليه وعلى أولاده الطاهرين.

ولقد فرغت من تنسيخ هذه النسخة الشريفة في خمس ليال بقين من شعبان سنة ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين من الهجرة في مشهد مولاي أمير المؤمنين عليه السلام، وأنا العبد محمد حسين بن زين العابدين الا رومية ي عفا الله عن جرائمهما.

وقد رمزنا إليها ب‍ " ضا ".

٥ - مخطوطة السيد الروضاتي (تي):

في مكتبة العلامة الحجة السيد محمد علي الروضاتي الاصفهاني دام علاه مجموعة قيمة، بخظ جده السيد محمد الاصفهاني الجهار سوقي، جاء في آخرها:

" تمت الحكايات عن الشيخ أبي عبد الله المفيد قدس الله سره، نقلا عن خظ أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي، وكتب العبد محمد الموسوي حامدا مصليا مسلما مستغفرا.

وقد رمزنا إليها ب‍ " تي ".

والنسختان " مط " و " مج " متفقتان في الاكثر، كما أن النسخ البواقي: " ن " و " ضا " و " تي " متفقات كذلك، في إيراد النص.

٣٩

٨ - العمل في الكتاب:

تحدد عملنا في الكتاب بما يلي:

١ - التحقيق:

اعتمادا على النسخ المذكورة، قمنا باستخلاص النص الموثوق به، على أساس التلفيق بينها.

ولم نهمل ما جاء في النسخ، إذا خالف ما اخترناه للمتن، لدقة البحث، واحتمال احتوائها على معنى يختل النص بإهماله، أو ربما يستفاد منها أمر، أو تصلح للقرينتة على آخر.

وقد أضفت على النص ما وجدته ضروريا واضعا له بين المعقوفين للتمييز.

٢ - التقطيع:

عمدنا إلى النص، فقسمناه إلى عشر فقرات، تضم كل فقرة معلومات مترابطة، وحكاية لمطالب متكاملة.

والهدف من ذلك تحديد ما عرض في الكتاب، كما أن فيه تسهيلا لضبط المعلومات ويسر المراجعة والفهرسة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وهو يعلم ان ما يفعله على وفق المصلحة الواقعية التي ارتضاها رب العالمين ونصت به الصحيفة المخصوصة به.

اليس هو القائل لجابر الأنصاري لما قال له:

الا تصالح كما صالح اخوك الحسن ؟

فقال الحسين:

ان أخي فعل بامر من الله ورسوله وأنا أفعل بأمر من الله ورسوله.

ألم يكن الأصلح للحسنين مداراة أخيه المجتبى والتسليم له - لو صدقت المزاعم والأوهام - ويكون كعبد الله بن جعفر لما أبدى له الامام نظرية الصلح فخضع لرأيه وسلم له أمن الجائز ان يكون عبدالله اعرف بحكم الوقت من السبط الشهيد ؟

ويحدث ابن شهراشوب في المناقب ج ٢ ص ١٤٣ طبع ايران ان الحسين ما تكلم بحضرة الحسن اعظاماً له ولا تكلم محمد بن الحنفية بحضرة الحسين اعظاماً له وفي مشكاة الأنوار للطبرسي ص ١٥٤ كان أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام يقول ما مشى الحسين بين يدي الحسن قط ولابدره بمنطق قد اذا اجتمعا تعظيماً واجلاله له.

فهل يجوز العقل مع هذه الأداب الآلهية ان يخالف سيدالشهداء أخاه حجة الوقت ويخطأ رأيه مع علمه بانه لا يفعل الا وفق المصلحة الربوبية.

١٢١

١٢٢

نظرة اجمالية

علمنا من شتى النواحي مستنبطين من مدونات التاريخ وجوامع الحديث ومما عرفناه من مواقف أئمة الهدى من الاصلاح والتهذيب وخضوع من دونهم من ذوي قراباتهم إلا افراداً اخرجهم النص الصريح ان السيدة سكينة لم تكن متروكة سدى ترتكب الشنع وتقتحم المخاريق وانما كانت بمرصد من أخيها زين العابدين وابنه الباقر والصادق وبعين رعايتهم لها وهب ان الخلافة الصورية والسلطة العامة كانت مبتزة منهم لكن لم تبتز منهم القدرة على نسائهم وعائلتهم كيف وكل من سوقة الناس يقدر على من تحت حيطته من أهل بيته فيكبحهم عما يحط بكرامته أو لا يراه من صالحهم لجهات أخرى.

فهل من المعقول ان الامام زين العابدينعليه‌السلام يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار وهو القائل لأبي خالد الكابلي حين دخل عليه ورأى الباب مفتوحاً فتعجب من ذلك:

لا تعجب ان الخادمة خرجت من الدار ولا علم لها بفتح الباب ولا يجوز لبنات رسول الله ان يخرجن فيصفقن الباب(١) .

__________________

١ - مدينة المعاجز ص ٣١٨ حديث ٨٦.

١٢٣

أمن المعقول أنه لا يجوز لهن رد الباب وليس فيه إلا الخروج الى مظنة رؤية الأجنبي لهن من وراء الأزر والأخمرة ويكون من الجائز لهن التبرج الى الاجانب والمحادثة معهم والخوض في مجاملاتهم خصوصاً ما تمنع منه الشريعة وهو سماع الغناء وعقد المجالس للمغنين.

ثم ما بال الامام الباقرعليه‌السلام يذر عمته السيدة بين تلكم المخازي وما بال الاباة الهاشميون يغضون الطرف عما هنالك من بواعث العيب والنقص فالى من يدخرون الاصلاح وهم يتركون عقائل بيتهم والى أي زمن يرجئونه ان أخروه عن ايام حياتهم في خفراتهم.

وهذه جبلة فطر الله عليها الأمم جمعاء فضلاً عمن قيضهم المولى سبحانه لهداية البشر وارشادهم الى ما هو الأصلح وقد كان في الأمة العربية من لا يرضخ لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ حتى كان من امرهم ان وأدوا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل اذا شبب بها(١)

ولما شبب عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان وكان اسمها ( جمل ) عمد اليها اخوتها فقتلوها غيرة منهم(٢) .

ولما بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب الى عبدالملك بن مروان بذلك(٣) ولما شبب وضاح بامرأة الوليد قتله(٤) .

__________________

١ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢، ص ٦٥٩.

٢ - المصدر.

٣ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٦٥٨.

٤ - آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٨٣.

١٢٤

وشبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحساس فساء ذلك أباها فعدا عليه وقتله ثم احرقه(١)

وكان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحرث ابن هشام فاستعدى عليه اخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأباح دمه إن وجد يفعل مثل ذلك.

وغضب يزيد بن معاوية على عبدالرحمن بن حسان لما شبب باخته رملة بنت معاوية واستعدى عليه اباه معاوية بن أبي سفيان(٢) .

واشترى ابن معبد ( سحيم ) الشاعر فلما شبب سحيم بابنته عميرة وشهرها عدا إبن معبد عليه فأحرقه بالنار(٣) .

وفي هذه الشواهد مقنع للتعريف بما جبلت عليه نفوس العرب من الغيرة والشهامة فكيف بالهاشميين منهم الذين لم يرضخوا للدنايا وترفعوا عن كل ما يمس كرامتهم فتراهم ينكرون على من يتناول اعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم.

فهذا الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الامام السبط الحسن بن اميرالمؤمنينعليه‌السلام بلغه يوم كان والياً على المدينة ان ابن المولى الشاعر يشبب بحرم المسلمين فأغلظ القول له وتهدده ولم يتركه حتى حلف بالايمان المغلظة انه لم يقصد امرأة بعينها وانما عنى في شعره قوسه وسماها ( ليلى ).

__________________

١ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٧٢١.

٢ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

٣ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

١٢٥

ولقد أنكر الرشيد على اسحاق الموصلي لما غناه بشعر عمر بن أبي ربيعة وفيه لفظ سكينة ولم يتعين انها ابنة الحسين ولأجل المشابهة في الاسم قال له:

لعن الله الفاسق ولعنك معه ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق في سكينة ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من راسك.

فهل والحالة هذه ترى الهاشميين الذين هم في المدينة يغضون الطرف عما تفعله خفرة من نسائهم من المخاريق والشنع واذا لم يسعهم ذلك معها فهلا يسعهم ان يوصدوا الأبواب دون من يريد الاجتماع معها من شعراء ومغنين مع انه لم يكن لهؤلاء انصار يخاف منهم سو العاقبة.

ثم هل يعذر إمام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بآداب الشريعة الذي قيض لأحيائها وهو ومن جرى مجراه من ائمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون: المرأة عي وعورة فتداواعيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت(١) وانها اذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها وان تعطرت وخرجت حتى يوجد ريحها فهي زانية وانها تلعن حتى ترجع الى بيتها وليس لها ان تجلس مع الرجال في الخلاء ولا ان تتعلم الكتابة ولا سورة يوسف لما فيها من الفتن وعليها ان تتعلم سورة النور لما فيها من التهديد والزجر ولا تنزل الغرف فيراها الأجانب وليس عليها اذان ولا

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٣٠ باب ١٣٠ عن ابي عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢٦

اقامة كيلا يسمع صوتها الرجال ولا جمعة وجماعة ولا عيادة مريض ولا تشييع جنازة ولا الاجهار بالتلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الامارة ولا المشاورة في الأمور(١) .

وفي وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسن:

وإن استعطت ان لا يعرفن غيرك فافعل.

أيصح على هذا الحال نسبة المسامحة الى امام الأمةعليه‌السلام باسدال الستر على السيدة وكبحها عن محادثة الرجال ام ينسب اليه المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة.

كبرت كلمة تخرج من افواههم، ان يقولوا إلا زوراً.

ويا فض فم القائل ان لهج بشيء من ذلك.

والذي يهون الخطب ان أحاديث أبا الفرج لا قيمة لها في حق السيدة الزكية بعد ان كان مصدرها الزبير بن بكار وابن أخيه مصعب والهيثم بن عدي وأضرابهم ممن هو شانيء لهذا البيت الطاهر أو مستأجر لسياسة الوقت وان تاريخ حياة السيدة سكينة مما نطق به أقوام أخذهم الحنق على حمله الوحي وسادات الأمة كما لوثوا ساحة غيرها من رجالات هذا البيت الرفيع وخفراته بعد أن أعوزتهم الوسائل الى الطعن في قدس الأئمة الطاهرين فطفقوا يحطون من كرامة ابنائهم وذوي قراباتهم من أمثال هذه النواحي وهم لا يعلمون

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٢٧ باب ١١٧ جملة مما يحرم على النساء وما يكره.

١٢٧

ان المستقبل الكشاف سيوقف أرباب البحث على نواياهم السيئة ودحر ما افتعلوه فان للحق أنصاراً ولا بد للباغي من مصرع.

وقد عرفت فيما تقدم ان سكينة التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محفل الغناء هي ابنة خالد بن مصعب بن الزبير ومنه تعرف كيف زحزح آل الزبير هذه الشناعة عن ابنتهم وألصقوها بمن شابهتها في الاسم فراجت هذه الأكذوبة حتى على من زعم انه محص الحقائق وأخذت به الثقافة الى حد بعيد وفي الحقيقة لا يعرف من اين تؤكل الكتف.

ولعل هذا البيان الضافي لم يدع القارىء مندوحة عن الأذعان بان المصونة الطاهرة هي تلك البريئة من كل شين وعار والرضية المخفورة تحت خباء النبوة وبين سرادق الامامة يكتنفا الشرف ويحف بها الصون من جميع نواحيها ولم تبرح ترفل في مطارف من الحصافة قشيبة ولها أشواطها البعيدة في مستوى الآداب الأحمدية تزينها العفة والحياء وتجللها الرزانة والوقار ويزدان بذكرها المدح والثناء وإن كان لأرباب الأهواء والمطامع حول حياتها جلبة وتركاض فدعهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل الخائب والأمنية والمخفقة والظن المكدي.

وان كلمة الحسين في حقها:

( أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى ). نتشوف منها منزلة كبرى في اليقين والتجرد عن هذه العوارض الدنيوية الفانية.

ان هذه الجلبة بسرد هاتيك القصص الخرافية كما غرت أبا الفرج اغتر بها من جاء بعده من المؤرخين فنشروا فضائح في حق

١٢٨

السيدة البريئة سودوا بها صفحة التاريخ حسباناً منهم ان صاحب الأغاني ومن تقدمه لا يرسل ما لا تعويل عليه وعرفت بما أوضحناه ان هؤلاء كحاطب ليل لم يريدوا الا جمع اضغاث من هنا وهنا فألبسوها أطماراً من الظنون والأهوام.

١٢٩

١٣٠

الرباب

التاريخ دراسات لما يعبر في الزمن من خير وشر ودليل لمعرفة سير البشر في المعارف والصناعات والسياسيات والعادات والمؤهلات للرقي الانحطاط ومرآة صافية يتشوف منها الأعمال الصالحة والتعاليم النافعة وسير الأبطال الى اهدافهم المرموقة وما يؤثر عن العظماء من مزايا وآثار تكون قدوة في اقتصاص أثرهم والسير على هداهم ومن المؤسف جدا أهمال المؤرخين ورواة الحوادث واجبهم فنشروا فضائح وستروا فضائل طاعة للأمراء الذين استعبدوهم بالمال أو خضوعا للنزعات والأحقاد فجنوا على الحقايق الراهنة واضاعوا الأمانة المودعة عندهم فزويت معارف الرجال واعمالهم الصالحة واختلط الصحيح بالسقيم وديف السم بالعسل وان كلمة ( مقاتل ) للمنصور الدوانيقي ( اتحب ان اضع تك في فضل العباس )(١) تفيدنا فقهاً بتأثير الأطماع في النفوس وسحق العقائد وان اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى خصوصاً اذا كان الوضع على لسان صاحب الشريعة وقد نبه على وخامة عاقبته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستكثر القالة من بعدي فمن كذب علي

__________________

١ - تاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٦٧.

١٣١

فليتبوأ مقعده من النار(١) قال السبكي المؤرخون على جرف هار لتسليطهم على أعراض الناس ونقلهم مجرد ما يبلغهم من صادق أو كاذب(٢) وربما وضعوا من اناس ورفعوا اخرين أما لتعصب أو جهل أو اعتمادا على نقل من لا يوثق به والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وقل ما أرى مؤرخاً خالياً عن التعصب(٣) ولقد كان عيسى بن داب يضع للعباسيين وعوانة بن الحكم يضع لبني امية(٤) ومعاوية يستعبد سمرة بن جندب وابا هريرة وانس وزيد بن ارقم وعروة ابن الزبير(٥) لأهدافه وغاياته فأكثروا من فضائل السلف والطعن في اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب وولده وشوهوا احكام الشريعة وتجرؤا على قدس الرسالة فنسبوا اليه السهو مرة(٦) والخطأ اخرى(٧) وان السحر أثر فيه حتى خيل اليه انه يفعل الشيء ولم يفعله واستمر الحال الى سنة(٨) .

__________________

١ - الاحتجاج للطبرسي ص ٢٤٧ طبع النجف في احتجاج الجواد على يحيى بن اكثم.

٢ - معيد النعم ص ٧٤ باب ٤٦.

٣ - طبقات الشافية الكبرى ج ١ ص ١٩٧ ترجمة احمد بن صالح المصري.

٤ - معجم الادباء ج ١٦ ص ١٦٢ ترجمة عيسى بن داب.

٥ - شرح النهج لابن ابي الحديد ج ١ ص ٣٦٣.

٦ - صحيح البخاري في باب ما جاء في سجود السهو وفي فتح الباري ج ٣ ص ٦٠ ذكر حديث ذي اليدين في السهو النبي وذكره القاضي عياض في الشفا باب عصمة اقواله.

٧ - شرح الشفا للخفاجي ج ٤ ص ٢٥٦ وعمدة القارى شرح البخاري ج ١ ص ٥٧٧ باب كتابة العلم وجلاء العينين للالوسي ص ٢٦٨.

٨ - المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٨ ص ١٥٠ والبخاري كتاب الطب وارشاد الساري شرح البخاري ج ٨ ص ٤٠٣ والزواجر لابن حجر، ج ٢ ص ٨٢.

١٣٢

اذا فمن اين تبصر الأجيال المستقبلة الحوادث الصحيحة لتسير على ضوء هدى العظماء الذين لا يخضعون للدينه ويبذلون في تحصيل السعادة كل غال ورخيص.

ومن هنا اظلم الطريق ولم يهتد الباحث الى الصحيح في نسب ( الرباب ) زوجة الحسينعليه‌السلام والقصة التي يحكيها ابو الفرج الأصفهاني في مقال الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عن مجاهد عن محمد بن السائب الكلبي لا تأخذ بنا الى جهة نيرة فان القاريء لا يشك في تسطيرها على غير الواقع لغاية الحط من مقام اميرالمؤمنين الذي يقول كنت اتبع رسول الله اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي كل يوم علما من اخلاقه ويأمرني بالاقتداء به أرى نور الوحي واشم ريح النبوة.(١)

فان الأخلاق المحمدية التي تحلى بها صاحـب الخلافة الكبرى تتنافى مع الأسطورة التي يقصها مجاهد وابن الكلبي مع ان علمــاء الرجال تكلموا في مجــاهد ولم يقبل جملة منهم مرويــاته ومحمد بن هشام بن السائب الكلبي مجهول الحال عند علماء الشيعة ولم يعتمد عليه علماء السنة(٢) فما يتحدثان عنه في قصة زواج الحسين منها يرمي به عرض الجدار ولم يخف افتعالها على من يقرأها بروية.

ونصها المسطور في مقاتل الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسينعليه‌السلام ان رجلاً دخل المسجد ايام خلافة عمر بن الخطاب فحياه بتحية الاسلام وسأله عمر عن اسمه فقال انا نصراني انا امرء القيس بن عدي الكلبي، وغرض عليه عمر الاسلام فاسلم وعقد له على من

__________________

١ - نهج البلاغة ج ١ ص ٤١٧ من خطبته الفاصعة.

٢ - راجع عنهما تهذيب التهذيب لابن حجر، ج ١٠ ص ٤٢، وج ٩ ص ١٧٨.

١٣٣

أسلم بالشام من قضاعة ولما حمل اللواء وادبر تبعه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعه ابناه حسن وحسين فقال له انا ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي وقد رغبنا في صهرك فانكحنا فقال انكحتك يا علي ابنتي المحياة وانكحت الحسن اختها سلمى وانكحت الحسين اختها الرباب.

وهذه القصة لا مساس لها بالواقع فان الامعان في شخصية أميرالمؤمنين المتحلية بالخلاق الشريعة والعادات المألوفة يفيدنا الجزم بمنافات اسراعه في المصاهرة من هذا النصراني الذي هو جديد عهد بالاسلام والمسلمين وكل احد اذا راجع وجدانه يجد منه الانكار على من يرتكب مثل هذا الذي لا يتفق مع الآداب العرفية حتى لو كان سوقة فضلا عمن هو مؤهل للزعامة الكبرى وفرضه المولى سبحانه وتعالى خليفة على البشر عامة بعد النبوة وحاشا مثل اميرالمؤمنين ان يكون مقهوراً لحكم الشهوة وتحفزه الغريزة الجنسية إلى ما تتنفر منه العامة والخاصة.

ومما يبعد القصة اهمالها اختيار رأي البنات في الرضا والعدم كما انها لم تعين المهر مع ان الشريعة المقدسة قررت اختيار الزوجة في الرضا بالزوج ومعرفة الزوجة بالمهر لازم والالتزام بفضولية العقد ووقوفه على الاجازة وان لها مهر امثالها لو لم يسم الصداق انما يتم مع فرض التنازل الى التسليم بمسارعة أميرالمؤمنين وخوف فوات هذا ( الكنز ) منه لو لم يبادر الى مذاكرة الرجل في بناته.

على أنا معشر الامامية نلتزم بان الله تعالى مكن الامام الحجة المؤهل للرياسة العامة من العلم الواسع لقطع شبه المعاندين أو لتركيز عقايد المتبعين للحق وعليه فامير المؤمنين على يقين من ان بنات هذا الرجل لا يغلبه عليهن احد لو انتظر الفرصة المناسبة.

١٣٤

لكن الأحقاد ابت الا ان تشوه مقام ولي الله وتسجل على سيد الأوصياءعليه‌السلام ما تتقزز منه النفوس لعل ان يوجد في الأجيال من يتقبل هذه الأكذوبة فينحاز عنه وقد أصاب وأضعها الغرض فقد آمن بها من لا خبرة له بمكانة ( باب مدينة علم الرسول ) المتحلي باخلاقه الكريمة.

وهناك شيء اخر وهو بقاء الرباب حائلاً عند الحسين أكثر من عشرين سنة فان التزويج منها كان في خلافة عمر بن الخطاب ولا أقل من التقدير بآخر ايامه فانه قتل ٢٥ سنة وولادة سكينة على أقل التقدير في سنة ٤٧ فتكون يوم الطف ابنة ١٣ سنة والعادة بتعد بقاءها حائلاً هذه المدة الطويلة واذا كان الزواج في اوائل خلافته تكون المسافة ابعد.

وعلى هذا فلا حجة واضحة تأخذ بنا الى الايمان بهذه الاسطورة مع ان ابن كثير في البداية ج ٨ ص ٢١٧ يسمى أباها ( انيف ) ولم ينسبه الى احد ولم يذكر هذه الأسطورة.

وعلى كل حال فالرباب من خيرات النساء وأفضلهن جاء بها الحسين مع حرمه الى الطف وحملت معهن الى الكوفة والشام ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً(١) .

وليس بصحيح ما قيل انها أقامت على قبر الحسين سنة(٢) تنوح الليل والنهار وذلك بعد الرجوع من الشام ومرورهم بكربلاء

__________________

١ - كامل ابن الاثير ج ٤ ص ٣٦.

٢ - ابن الاثير.

١٣٥

فان العقيلة زينب الكبرى هي المتكفلة بحياطة الحرم وحفظهم وكلأتهم فلا تستطيع أن تفارقها بتلك البيداء المقفرة من دون عاطف ولا متحنن وهي امرأة عزلاء لا حامي لها ولا كفيل.

وكيف كان ففي تلك السنة التي عاشت فيها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وحق لها إذا أمتنعت من التزويج فانها لا ترى أي احد يوازي سيد شباب أهل الجنة لتحضى به أو أن هناك من يباري من هو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسىعليه‌السلام لتفوز بمصاهرته:

من يباريهم وفي الشمس معنى

مجهد متعـب لمن بـاراها

قـادة علـمهم ورأى حجـاهم

مسمعا كـل حكمية منظراها

ورثوا مـن محمد سبـق أولا

ها وحازوا مالم تحز اخراها

وهم الأعين الصحيحات تهدي

كـل عـين مكفوفة عيناها

كـم لهم ألسـن عن الله تنبي

هي أقـلام حكمـة قد براها

لـم يكونوا للعـرش إلا كنوزا

خافيات سبحان من أبداها(٢)

على أن الرواية جــاءت عن امـامة بنت زينب ربيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكـانت في عداد أزواج أميرالمؤمنين عنهعليه‌السلام ان ازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيعليه‌السلام لا يتزوجن بعده فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد أميرالمؤمنين عملاً بهذا الحديث(٣) .

____________

١ - تذكرة الخواص ص ١٥٠ وابن الاثير ج ٤، ص ٣٦ والاغاني ج ١٤، ص ١٥٨.

٢ - من الفية ملا كاظم الازري.

٣ - المجلسي في البحار ٩، ص ٦٢١ عن قوت القلوب.

١٣٦