تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة0%

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 276

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف: الدكتور نورالدين الهاشمي
تصنيف:

الصفحات: 276
المشاهدات: 38189
تحميل: 5230

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38189 / تحميل: 5230
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف:
العربية

تبوك فلو كان شيئاً يفوته شيء غير النبوة لاستثناه ، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثقلان كتاب الله وعترتي ، وأنه لم يؤمر عليه أمير قط ، وقد امرت الامراء على غيره(1) .

يبقى هذا عرض مختصر وموجز جداً لخصال تحلّى بها الامام دون سواه من أصحاب الرسول ، وماذكرناه ماهو إلاّ تلميحات زخرت بها كتب التاريخ وأفرد لها المؤرخين كتباً تبرز خصائص الامام والتي هي عين خصائص الامام عليعليه‌السلام إن هذه الخصائص التي تجلت في شخصه الشريف تكفيه دون الأحاديث الصادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعله الخليفة من بعده وحامل عبأ الرسالة بشقيها الدنيوي والديني ، وما حياة الرسول إلاّ عملية لإيصال الناس إلى مستوى الرشد وتهيئتهم للإيمان بولاية آل بيتهعليهم‌السلام فمنذ حديث الدار وهو الشرارة الاولى للولاية إلى يوم الغدير وحديث التنصيب الإلهي المباشر وإتمام الدين حيث نزل قوله تعالى( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) فكان إتمام الدين بتنصيب الإمام عليعليه‌السلام ولياً للمسلمين ، وبالتالي الدخول إلى مرحلة ثانية بعد مرحلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانطلاق سلسلة الاثنى عشر إماماً. وتعتبر هذه أكبر مشكلة يواجهها فكر أهل العامة إذ لحد الآن لم يستطيعوا إعطاء إجابة كافية تجيب على إشكالية الأئمة الاثني عشر. وقبل الولوج في إعطاء إطلالة

__________________

1 ـ ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة : 1 / 329.

٢٤١

على هذا الموضوع يجب أن نلفت الانتباه إلى أن مسألة الاثنى عشر خليفة وردت في الكتب القديمة وخصوصاً العهد القديم مما يجعل منه حقيقة قائمة وجب الإجابة عنها بشكل صحيح يستجيب ومعطيات المجتمع الإسلامي وحقيقة الدين الإسلامي.

فأما ما جاءت به الكتب القديمة فقد جاء في العهد القديم سفر التكوين الاصحاح السابع عشر :

وقال إبراهيم لله ليت اسماعيل يعيش امامك ، فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه اسحاق واقيم عهدي معه عهد أبدياً لنسله من بعده ، وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً ، اثنى عشر رئيساً يلد ، واجعله أمة كبيرة.

هذه من إحدى المبشرات التي ذكرت في الكتب القديمة وأما على مستوى المرويات الإسلامية فإن حديث الاثنى عشر مما تواترت به أحاديث العامة والشيعة وأصبحت صحتها أوضح من الشمس في كبد السماء.

روى البخاري في صحيحه عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يكون اثنا عشرة أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنه قال كلهم من قريش(1) وأما مسلم فأخرجه عن جابر بن سمرة وهذا الحديث محل إجماع المسلمين لكن الإشكالية التي طرحت هو

__________________

1 ـ صحيح البخاري : 8 / 128.

٢٤٢

من هم هؤلاء الاثنى عشرة؟

لقد وقف علماء أهل العامة عند هذه الحقيقة المرة فراحوا يؤولونها تأويلات لا تنسجم وطبيعة النص وحقيقة الوقائع التاريخية.

وأول الوقائع التاريخية والمرتبطة خاصة بالقرشية. ونتذكر هنا ما جرى في السقيفة واحتجاج المهاجرين بالقرشية وكانت لديهم المفصل الرئيسي في الاستيلاء على الحكم ونزعه من يد الانصار. لكن مع الاسف الشديد يأتي أحد زعماء السقيفة وهو الخليفة عمر بن الخطاب ليرمي بهذا المبدأ بعرض الحائط ويقول : لو كان سالم مولى حذيفة لوليته ففي مجمع(1) . عن ابي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستنداً إلى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال : إعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئاً ولم استخلف من بعدي أحداً ، وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله عز وجل فقال سعيد بن زيد : أما أنك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك الناس وقد فعل ذلك أبو بكر وائتمنه الناس.

فقال عمر : قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً ، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض ثم قال لو ادركني أحد الرجلين ، ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت سالم

__________________

1 ـ مجمع الزوائد : 4 / 220.

٢٤٣

مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة ابن الجراح(1) .

هكذا يفقد الشرط الحديثي مصداقيته عند عمر بن الخطاب ليعطي دلالة واضحة على ارتجاج فكرة العامة في هذه النقطة ، ويلاحظ هذا مع الفقه الحنفي والذي لم يجعل القرشية شرطاً للإمارة. ومما يزيد في ارتباك المذهب السني فشله في تحديد الاثني عشر خليفة حيث تضاربت الأقاويل والآراء عنده.

إذن هناك من يعد الاربعة الاوائل باضافة ملوك بني أمية وبالطبع من ضمنهم يزيد وهو قاتل حفيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف أصلح به أمر الامة والدين وهو اللاعب بالقردة شارب الخمر ، وكيف يكون معاوية بن أبي سفيان أحد الاثني عشرة وهو الآمر بسب الإمام علي على المنابر والرسول جعل حب علي من الإيمان وكرهه من النفاق وهو ـ أي معاوية ـ قاتل حجر بن عدي الصحابي الجليل الذي رفض سب الامام عليعليه‌السلام هو وأصحابه.

وأقدم قول لتفسير هذا الإشكال ماذكره ابن حبان والذي نقله عنه في عون المعبود في شرح سنن ابي داود(2) : قال :

وأما الخلفاء اثنا عشر ، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره إن آخرهم عمر بن عبد العزيز ، فذكروا الخلفاء الأربعة ، ثم معاوية ، ثم يزيد ابنه ثم معاوية ابن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم عبد

__________________

1 ـ آيات الغدير منشورات مؤسسة المصطفى ص 48 طبعة 1 سنة 1419هـ. ق.

2 ـ شرح سنن أبي داود : 11 / 321.

٢٤٤

الملك ابنه ، ثم الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر ابن عبد العزيز. وكانت وفاته على رأس المائة(1) .

وأول ما يمكن ملاحظته هنا وهو غياب شخصية الإمام المهديعليه‌السلام باعتباره هو محيي الدين ومجدد الإسلام وقيام الإسلام بقيام المهدي والحديث يقول لا يزال هذا الدين قائماً ما وليهم اثني عشر خليفة من قريش » المهدي ممن يقوم به الدين فأين هو في هذا العدِّ. وقول آخر نعلم أن الإمامة والحكم تعقد بالبيعة فأين الإمام الحسنعليه‌السلام وقد عقدت له البيعة لستة أشهر.

وليس هذا القول الوحيد بل الكل اجتهد في تفسيره لكن يصطدم بحواجز فمثلا بن حجر يورد في الاثني عشر خليفة من بني العباس وكذلك عبد الله بن الزبير وكذلك هناك من اجتهد على غير العادة فقال إن الإمام عليعليه‌السلام والحسنعليه‌السلام لم يكونا من الاثنا عشر باعتبار انعدام انعقاد البيعة لهم من كل المسلمين وهذا من أكبر الشطحات وقد أورد هذا القول ابن كثير عند شرحه لهذا الحديث في البداية والنهاية مما يعطي رؤية واضحة عن ضعف لاستيعاب هذا الحديث وإعطائه حقه الطبيعي.

وأتذكر هنا حادثة وقعت خلال محاورتي مع أحد الاشخاص حول حديث الاثنا عشر خليفة وبعد ما أحس بعجزه التام : قال لي حكاية أن أحد مريدي زاوية السيد الرفاعي بمصر رأى رؤيا أن السيد الرفاعي

__________________

1 ـ آيات الغدير : 55.

٢٤٥

هو إمام بالإضافة إلى الاثنى عشر من آل بيت النبوة. ولما حكاه لشيخه أثبت له الفكرة. فقال محاوري وكذلك عندنا فإننا نؤمن بالاثنا عشر ونضيف إليهم أئمة آخرين. من هنا يظهر أن عقول هؤلاء الاشخاص قد ضاقت بهذه الحقيقة المرة وصارت عقولهم تزيد على الاثني عشر ربما يوصلونها إلى المئات وهذه من إحدى السلبيات التي اكتسبها العقل السني وهي انعدام الجرأة النقدية بحيث إذا تصادف عقلهم مع نص مقدس عندهم لا ينظرون فيه ويبحثون عن مصداقيته بل يحومون حول جوانبه مما يجعله مبهما في العقول. لكن في بعض الحالات. تجد من أهل العامة من يقف عند هذه الحقيقة ويصرح بها فها هو الكنجي الشافعي في ينابيع المودة(1) يقول :

قال بعض المحققين : إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يعمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الاموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز ولكونهم من غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كلهم من بني هاشم. وفي حديث جابر ورد ، وإخفائه صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا القول يرجح هذه الرواية ، لأنهم لا يحسنون

__________________

1 ـ ينابيع المودة : 446.

٢٤٦

خلافة بني هاشم.

ولا يمكن أن يعملوا على الملوك العباسية ، لزيادتهم على العدد المذكور او لقلة رعايتهم الآية : قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ، وحديث الكساء فلابد أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم واتقاهم وأعلاهم ، وأفضلهم حسباً ، وأكرمهم عند الله(1) .

وهكذا يكون الكنجي الشافعي قد وضع يده على رأس الامر وحقيقة الاثنى عشر ، ونذكر هنا حديث الثقلين والذي أخرجه أحمد في مسنده « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».

وقيمومة الدين مرتبطة بالقرآن الكريم وعلاقته من خلال هذا الحديث هي علاقة وطيدة وعلاقة مماثلة حيث آل البيت هم الوجه الثاني للقرآن الكريم ، وبذلك لن يقوم هذا القرآن إلاّ ببقاء هؤلاء العترة وباستعمال علاقة التعدي الرياضية فإن بقاء هذا الدين ببقاء العترة الطاهرة وإذا ما جمعنا الحديثين فإن معناهم يوصلنا إلى كون الاثنا عشر لن يكونوا إلاّ أعضاء العترة الطاهرة.

وأحاديث كثيرة تجمع على هذه التلازمية ، تلازمية الدين وآل البيت

__________________

1 ـ المصدر السابق ص 52.

٢٤٧

النبوي. فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسراءيل من دخله غفر له »(1) .

وقد أفرد صاحب كتاب التشيع عبد الله الغريفي اغلب المصادر مع اختلاف الالفاظ للحديث ناهيك عن الأحاديث الأخرى المرتبطة بأعلمية أهل البيت ومدى استيعابهم لحقيقة الدين مما يوافق حديث الأئمة الاثنى عشر وكذلك فإن تسلسل أئمة آل البيت يجيب على الإشكال بسهولة تامة ولا يعيش التشيع الامامي الاثنا عشري اشكالية الحديث. ويدعمهم في ذلك القرائن التاريخية والمعطيات الدينية المتوفرة من أدلة قرآنية وأخرى حديثية ، وأما القرائن التاريخية فهي الإمارات والعلامات التي كان يشير بها الأئمة للناس لإرشادهم وتعريفهم بحقيقتهم.

الأئمة الاثني عشر

إن الايمان بالأئمة الاثنى عشر يعتبر من أهم الأساسيات التي ينبني عليها المذهب الإمامي ، وذلك لما صدر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبما عبر به الأئمة عن أنفسهم فقد أخرج القندوزي الحنفي في ينابيع المودة بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ الطبراني : المعجم الصغير : 2 / 303 ، المستدرك للحاكم : 2 / 323 ، ابن حجر : الصواعق المحرقة ص 186 طبعة القاهرة.

٢٤٨

« يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم جعفر بن محمّد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد ابن علي ثم علي بن محمّد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي محمد ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان »(1) .

بهذا الشكل تجيب الامامية على تسلسل الأئمة لتجيب بذلك على إشكالية لا زال فكر أهل العامة يعيشها لغاية يومنا هذا. فمن يكون هؤلاء الائمة؟

الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام

هو علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم من البيت الهاشمي ذو السيادة والريادة في المجتمع القرشي ومن أشرف الأنساب ولدعليه‌السلام قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة وأمه هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وهو صهر الرسول الكريم وزوج سيدة نساء العالمين فاطمةعليها‌السلام وأب سيدا شباب أهل الجنة. كانت له حظوة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قالعليه‌السلام عن نفسه.

__________________

1 ـ نقلا عن التشيع نشؤة ومراحله ـ مقوماته للغريفي ص 574.

٢٤٩

« وقد علمتم موضعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه »(1) .

وأما عن علمهعليه‌السلام فقد كانت له منزلة عند الرسول حيث كان يأتيه في كل ليلة فيعلمه وكان تابعه حيثما حل وأرتحل فقد قال الامام عن نفسه : « ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به(2) .

ولعظمة هذه الشخصية تاهت فيه أقوام وغالوا في حقه حتى ألهوه ، فكيف لا يتيه فيه الشخص لولا اللطف الإلهي ، وهو الذي وضعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق كتفه عند هدم أصنام الكعبة وهو حامل باب خيبر حيث لم يستطع أكثر من عشرة أنفار حمله. وهو قاهر الكفار والمشركين والمنافقين والعلامات قائمة والآيات ظاهرة تدل دلالة واضحة على إمامتهعليه‌السلام ورغم ما يمكن أن نكتب عنه فإننا لن نوفي له حقه لكن نورد أقوالا :

قال عمر بن الخطاب : « عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب »(3) .

__________________

1 ـ نهج البلاغة ، شرح محمد عبده : 2 / 182.

2 ـ نهج البلاغة ، شرح محمد عبده : 2 / 182.

3 ـ الأميني ، الغدير : 6 / 38.

٢٥٠

ويقول جورج جرداق وهو كاتب مسيحي لبناني : « وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن علياً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره »(1) .

وقد استشهدعليه‌السلام بالكوفة سنة 40 للهجرة وعمره 63.

وأما باقي الأئمة فهم على النحو التالي :

2 ـ الحسن بن علي المجتبىعليه‌السلام .

3 ـ الحسين بن علي الشهيدعليه‌السلام .

4 ـ علي بن الحسين السجاد وزين العابدينعليه‌السلام .

5 ـ محمد بن علي الباقرعليه‌السلام .

6 ـ جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام .

7 ـ موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام .

8 ـ علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

9 ـ محمد بن علي الجوادعليه‌السلام .

10 ـ علي بن محمد الهاديعليه‌السلام .

11 ـ الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام .

12 ـ الحجة القائم محمد بن الحسن ( عج ).

__________________

1 ـ الإمام علي صوت العدالة : 1 / 49.

٢٥١

٢٥٢

المهدي حقيقة

إن الرؤية البشرية للكون أجمعت كلّها على نهاية العالم بقدوم المخلص ، فبعدما تكون الدنيا قد ملئت ظلماً وجوراً ، يأتي هو لإخراجها من هذا الوضع اللاإنساني إلى حالة العدل الشامل ، أو بالتعبير الاسلامي إلى عالم العدل الإلهي.

إن هذه الرؤية الكونية لايشك أحد في كونها معطى فطري تركّب في عقلية الإنسان ، حتى أصبح انتظاره للفرج ، وتحقيق هذا الموعود حقيقة واقعية تنتظر التحقيق ، وعلى صعيد الفكر الإسلامي فإن حقيقة الانتظار ارتبطت بفكرة المهدوية ، والتي يكون قائدها المهدي المنتظر أحد أحفاد الرسول الكريم ، وقد تعارفت المدارس الفكرية الإسلامية على هذه النظرة حتى بلغ معدل الحقيقة فيها سطح المائة بالمائة ، ذلك لما فاضت به كتب الحديث حول هذا الموضوع ، والذي يؤيد ويقوي الدلالات الرمزية الواقعة في القرآن والتي تنبأ باليوم الموعود ، يوم تحقق العدل المنشود ووراثة الأرض من طرف عباد الله الصالحين( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) (1) .

__________________

1 ـ الأنبياء : 105.

٢٥٣

كما أن هذه النهاية الموعودة ستعطي تحقق الوعد الإلهي من هذه الخلقة( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) والذي يبرهن على السيادة المطلقة للقدرة الإلهية ، وكذلك تحقق الجانب المهم ، وهو تجسد الاستخلاف البشري للكون ، كما اخبر به سبحانه وتعالى :( إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (2) والتي تقوم على سيادة الدين الإلهي وتحقق المشروع السماوي على أرض الواقع( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (3) .

إذن كل هذه الرموز الدلالية وجدت سنداً قوياً في المرويات التي فاضت بها كتب الحديث ، والتي تخبر بأنّ اليوم الموعود يكون على يدي الإمام المهدي.

وفي هذا الباب قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر : ( إنّ فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً ، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً ، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك ، ولقد أحصى مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية ، هذا رقم إحصائي

__________________

1 ـ الذاريات : 56.

2 ـ البقرة : 30.

3 ـ التوبة : 33 ، الفتح : 28 ، الصف : 9.

٢٥٤

كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا شك فيها لمسلم عادة )(1) .

إذن هذا الكم الهائل من الأحاديث الواردة لم يكن عن عبث أو افتراء وكذب ، بل هي إبراز وتأييد لفكرة إسلامية ، حيث لا يمكن أن يكون مجرد الشك في الحدث مدعاة لإلغاء كل ذلك الموروث من ساحة الفكر الإسلامي ، لأن أصل الخبر واحد ودائرة حركته تتسع في كل الأوساط الإسلامية مما يعطي لهذا الخبر دلالة واقعية وحقيقة ثابتة.

ربما قد يكون التاريخ تلاعب بمفهومه حتى أصبح مجرد أسطورة غير قابلة للتصديق ، لكن العقل الحر المتأمّل فيها لا يجد عيباً أو حرجاً في تقبلها والإيمان بها ، وخصوصاً وكما أسلفنا سابقاً إذا كانت قائمة على أسس دينية تشريعية قوية ، والتي تتمثل في القرآن والسنة النبوية.

كما أن كثيراً من السلف ـرضي‌الله‌عنهم ـ لم يعارضوا هذا القول ، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين(2) ، كما أنّ بعض المرويات الصحاح عند السنة تورد اسم هذا الشخص في آخر الزمان باسم الإمام ، وخصوصاً في البخاري من حديث أبي هريرة : « كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم

__________________

1 ـ الشهيد محمد باقر الصدر : بحث حول المهدي ص 63.

2 ـ الدكتور عبد الباقي : بين يدي الساعة ص 123 ـ 125.

٢٥٥

منكم »(1) ، وكذلك في حديث جابر بن عبد الله الذي أخرجه مسلم « فيقول أميرهم ( لعيسى ) : تعال صل بنا »(2) .

لكن مدعاة الاختلاف بين الطوائف الإسلامية حول المهدي راجع بالدرجة الأولى إلى حقيقة المهدي بمعنى آخر ، هل المهدي موجود وهو غائب عن الأنظار كما تقول الشيعة الإمامية؟ أم لم يخلق بعد كما هو حال أهل العامة؟

يقول الشيعة ـ وباستنادهم على مجموعة من المرويات الصادرة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل بيتهعليهم‌السلام ـ بكون الامام المهدي مولود ، وهو محمد ابن الحسن العسكري ، وذلك سنة 255 هـ وغاب بأمر من الله تعالى ، وكانت له غيبتان : صغرى حيث كانت وساطته مع شيعته بوسيلة نوابه ، وبعد آخر نائب ( الرابع ) غاب غيبته الكبرى.

وهذا الامر عن ولادته لم يقتصر على الشيعة فقط ، بل مجموعة من علماء السنة أقروا وأيدوا هذا القول منهم ابن الصباغ المالكي اذ قال(3) : ( قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) في الباب ( 25 ) : من الدلالة على كون المهديعليه‌السلام حياً باقياً منذ غيبته وإلى الآن ، وأنه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر والياس من أولياء الله تعالى ، وبقاء

__________________

1 ـ صحيح البخاري : 14 / 334.

2 ـ صحيح مسلم : 1 / 59 ( باب نزول عيسى ).

3 ـ ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة ، طبع نجف الاشرف ص 281.

٢٥٦

الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله هؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب والسنة(1) .

كما أورد سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص(2) قال : ( قال السرى : يجتمع المهدي وعيسى بن مريم ، فيجيء وقت الصلاة فيقول المهدي لعيسى تقدم ، فيقول عيسى ابن مريم : أنت أولى بالصلاة ، فيصلي وراءه مأموماً ، وعامة الإمامية يذهبون إلى أن الحجة موجود ، وأنه حي يرزق ، ويحتجون على حياته بأدلة ، منها أن جماعة طالت أعمارهم كالخضر والياس )(3) .

ويطرح في هذا المقام سؤال مهمّ : لماذا يعترض أهل السنّة على فكرة المهدي الواردة عند الشيعة؟!

الجواب هو : إن الطرح الإمامي لفكرة المهدي قد يكون العقل القاصر غير قادر على استيعابه ، نظراً لاحتوائه على خوارق يعجز عن إدراكها ، كما أنه لم يعتد عليها ، وأكثر ما يحيد ويذهل العقول هو :

تولي الإمام المهديعليه‌السلام الخلافة وهو صغير السن « خمس سنوات ».

وكذلك طول عمر المهدي ( عج ).

__________________

1 ـ الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري ، المهدي الموعود المنتظرعليه‌السلام عند علماء أهل السنة والامامية ص 348.

2 ـ ابن الجوزي / تذكرة الخواص : ص 373.

3 ـ المصدر السابق ص 349.

٢٥٧

المهدي عجل الله فرجه وتولّي الإمامة :

إن تولّي مسؤولية دينية مهمّة من قبيل النبوة أو الامامة خلال المراحل الأولى من العمر لم يكن أمراً عجيباً في الفكر الإسلامي ، لأن القرآن الكريم لم يترك أي باب إلاّ وطرقه ، وقد تكون كل نقطة ذكرها القرآن وتطرق إليها ليس من قبيل الذكر ، ولكن من أجل توجيه العقول وتعريفها على كل الحقائق المرتبطة بالرسالة كمشروع إلهي للبشرية وكل ما يمكن أن يحيط بهذه الرسالة من التباس ، حتى لا يبقى هناك شك وتقوم البينة على الإنسان الخاضع لها.

إن القرآن الكريم أدرج لنا قصة النبي عيسىعليه‌السلام كمثال وعبرة لحل هذا اللغز الذي أوقف أهل العامة عن تصديق حقيقة المهدي ، إذ أن هذا النبي العظيم شرع في ممارسة عمله الرسالي وهو صغير في المهد يقيم الحجة على الناس بذلك الإعجاز الخالد ، وهو تكليم الناس في المهد وهو صبي ، إذ قال تعالى :( يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْء وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ) (1) .

وهذه دلالة واضحة على كون النبي عيسىعليه‌السلام مارس رسالته صغيراً ، وكانت هذه اللحظة إحدى حالات الإعجاز من أجل التصديق بالرسالة.

__________________

1 ـ مريم : 28 ـ 30.

٢٥٨

فإذا كان القرآن موجهاً إلينا ، فإننا ملزمون بالتمعن في كل حيثياته ، لأنه لم يكن إيراد هذا الكم الهائل من القصص وحكايات الأنبياء السابقين من أجل التسلية ، بل للإستفادة وأخذ العبر والوقوف عند طيات الأحداث والقصد من إدراجها.

ومثال عيسىعليه‌السلام في هذه الحادثة هي إحدى الدلائل على انعدام اشكالية ممارسة الأمر الديني في أي لحظة من العمر ، مما لا يجعل الأمر غريباً في كون الامام المهدي تولّى الامامة وهو صغير السن ، وهذه إحدى نقاط التشابه بين الامام الحجة عجل الله فرجه وعيسىعليه‌السلام .

المهدي عجل الله فرجه وطول العمر

إن طول العمر قد يكون من جانب الرؤية الحياتية شيئاً مستحيلا ، لأن الإنسان في الحياة لم يعتد على مثل هذه الأشياء ، فيظل حكم الإنسان قاصر على ما حصلته مداركه في الحياة.

فإذا أخبرت شخصاً معيناً أنَّ فلاناً سقط من أعلى قمة الجبل ، فجوابه يكون أسرع من البرق وهو نهاية هذا الشخص ، لكنه لا يصدق إذا أخبرته بكونه لم يمت.

أو مثلا شخصاً إذا ألقي في النار فحتماً مصيره الموت ، لأنها أشياء تعارف عليها البشر وأصبحت حقائق ، في حين نرى أن هذه الحقيقة تتزحزح بحصول الإعجاز ، فسيدنا إبراهيمعليه‌السلام ألقي في النار لكنه لم

٢٥٩

يمت ، لكون اللطف الإلهي تدخل فقال :( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) فصارت برداً وسلاماً على إبراهيم ، فخالفت بذلك ما هو متعارف في الحياة.

فمسألة طول العمر وبالشكل المطروح في حياة الإمام المهدي عجل الله فرجه يعد أمراً غير متعارف ، رغم أن الفكر الإسلامي لا يجد هذه الفكرة مخالفة للعقل ، سواءاً من جانب القرآن أو السنة النبوية :

فالقرآن الكريم تحدث عن نوحعليه‌السلام ، فقال :( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إِلاّ خَمْسِينَ عاماً ) (1) ، بالإضافة إلى ما عاشه من دون قومه ، أي : ما يفوق الألف سنة.

كما أن القرآن الكريم أورد لنا قصة أهل الكهف ، وكيف أن الله حفظهم في الكهف ما يفوق ثلاثمائة سنة.

كما أن المرويات تحكي عن طول عمر الخضرعليه‌السلام وبقائه إلى يومنا هذا.

إذن نماذج طول العمر واردة في المصادر الإسلامية ، وهي من الأمور التي قد لا يستوعبها العقل بسهولة ، ولكن هي حقائق وقعت ولم تكن لأجل التسلية ، كما ذكرنا سابقاً ، ولكن هي حمل العقل الإسلامي على تقبلها وإخراجه من ذلك الحيز الضيق المرتبط بالحياة بحيث يفتح أفق تفكيره على مجال أوسع من قدرته العقلية.

__________________

1 ـ العنكبوت : 13.

٢٦٠