تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة21%

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 276

  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40750 / تحميل: 6328
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

تاريخ الشيعة بين المورخ والحقيقة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

__________________

إلى التاريخ بكل محتوياته وبدون استثناء ، فرأى أنه قابل للنقد والنظر فيه وذلك من أجل تخليصه من تلك الأسطورية التي طبعته وأصبغها عليه المؤرخون والعلماء حيث يقول : « إنه من الغريب أن نلاحظ أن الفكر الإسلامي قد بقي اليوم يعيش على أفكار ابن حجر العسقلاني ( مات ٨٥٢هـ / ١٤٤٩م ) وأسلافه بخصوص موضوع الصحابة هذا على الرغم من أن هؤلاء يحتلون موقعاً مفتاحياً وأساسياً فيما يتعلق بنقل النصوص المؤسسة للإسلام ولكل تراثه. ولكننا نلاحظ أن تراجم ( كتاب الرجال ) لابن حجر تصور لنا شخصيات مثالية ترتفع بالخيال الإسلامي الشائع وتجيشه وتنكر ( = تقنع ، تحجب ) في ذات الوقت الحقيقة التأريخية المتعلقة بكل شخصية من الشخصيات المترجم لها. لقد آن الأوان لكي نفتح هذه الأضبارة الشائكة على مصراعيها ( كلياً ) اننا لانستطيع أن نكتفي بمفهوم العدالة الذي بلوره المحدثون ( أصحاب الحديث ) ، وإنما ينبغي إعادة تفحص كل الإسنادات ليس فقط عن طريق تطبيق المنهجية الوضعية للمؤرخ الحديث الذي لايهتم إلا بالمعطيات والأحداث التي يمكن تحديدها بدقة ويرمي كل ما عداها فهي ساحة المزيج المعقد الغامض للخرافات والأساطير الشعبية. وإنما نريد على العكس ، أن نبين أن العناصر الأسطورية الزائدة المضافة على سير الصحابة من أجل تشكيل شخصيات نموذجية مقدسة كانت قد دعمت « حقيقة » المعلومات التأسيسية المكونة لكل التراث الإسلامي بشكل أقوى مما فعلته المعطيات والأحداث التاريخية الواقعيّة التي حصلت بالفعل » [ تاريخية الفكر العربي الاسلامي ص ١٧ طبعة ١١١ ترجمة هاشم صالح ].

ومن هنا تظهر جرأة الكاتب ومحاولته إخراج التاريخ من تلك النظريات

٤١

الألوهية بطريقة لا شعورية. ولن ندخل هنا في تحديد معنى الصحابة لأن مفهومه يختلف حسب كل فرقة وخاصة الشيعة والسنة.

ولكن نقف عند بعض ملامح هذا التقديس الزائد الذي لم ينبني على أُسس نظرية متينة بحيث ترى مرويات خاصة عند السنة يكذب بعضها بعضاً مما يؤكد على أن هذا الثابت المزعوم هو من خلق هذا التاريخ المقدس.

__________________

الطوباوية القديمة وذلك من أجل تفعيله حتى ينسجم مع الواقع المعرفي للمجتمع الإسلامي وإخراجه من حالة التيه ووضعه في إطاره الصحيح. وهي إحدى الثورات على ذلك الثابت الذي أنتجه التاريخ المزيف ، حتى تتحقق المصالحة بين الواقع كمجال لحركة الفكر الإسلامي والموروث التاريخي كأرضية هذا الفكر.

٤٢
٤٣

وقفة قصيرة

لقد جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برسالة إلى كافة الناس هدفه إبلاغهم ، أي تبشيرهم بالجنة وإنذارهم من النار. وكانت هذه الرسالة قد استأنفت عملها من اللحظة التي نزلت فيها. بحيث وضعت إتباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معادلة قوامها الجنة والنار ولم يقل لهم كلكم في الجنة ، ولكن يخبرهم الله تعالى :( كُلُّ نَفْس ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ ) (١) .

وكذلك يقول عزّوجلّ :( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَة مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢) .

وترى في أغلب آيات الجزاء والعقاب هذا التخيير والخطاب المباشر والموجه ; أي أنّ كل واحد من الأشخاص المخاطبين بهذه الآية كيفما كان حجمه ، طالما هو على النهج المستقيم وملتزم بما جاء

__________________

١ ـ آل عمران : ١٨٥.

٢ ـ آل عمران : ١٨٨.

٤٤

به هذا الدين فإن الله تعالى يخاطبه بقوله :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ) (١) ، ولكن إذا خالف هذا الشخص شرائع الله تعالى وحدوده فقد دخل في خانة الظالمين والطغاة فيحق فيه قوله تعالى :( إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطّاغِينَ مَآباً ) (٢) .

نقف إذن على حقيقة يجب الإيمان بها ، وهي أن كل صحابي عاش في الصدر الأول من الإسلام عدا من نص عليهم في القرآن بقوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣) يحتمل ارتكابهم للخطأ والمعصية ومخالفة أحكام الله بل فيهم المنافق والناكث لعهده ، فعن حذيفة ابن اليمانرضي‌الله‌عنه ـ صاحب سرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال ( إنما كان النفاق على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان )(٤) .

ومنه تكون هذه الثابتية التي ألحقت بهم هي من قبيل التقديس الزائد لهذا التاريخ والذي يخالف حتما منطق العقل ، فوجب معها إسقاط كل المقولات التي تكبح العقل عن ممارسة عمله النقدي كمثيل ( إذا ذكر صحابتي فأمسكوا ) و ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ).

__________________

١ ـ النبأ : ٣١.

٢ ـ النبأ : ٢١ ، ٢٢.

٣ ـ الأحزاب : ٣٣.

٤ ـ مختصر صحيح البخاري : ٢ / ٥٦٦ ، ط٣.

٤٥

مع السيوطي

حينما تكون الدفاعات مبنية على أسس عاطفية لا على مقوّمات عقلية وعلمية سريعاً ما يظهر ضعفها وتسقط ركائزها. ومثال ذلك ما جاء على لسان جلال الدين السيوطي في المنهج السوي في ترجمة الإمام النووي على هامش صحيح مسلم وبالضبط في التعليق على الحديث ٢٣٨١ في باب فضائل أبي بكر حيث قال : « وأما عليرضي‌الله‌عنه فخلافته صحيحة بالإجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره ، وأما معاويةرضي‌الله‌عنه من العدول الفضلاء والصحابة النجباءرضي‌الله‌عنهم ، وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدولرضي‌الله‌عنهم متأولون في حروبهم وغيرها فكلهم معذورونرضي‌الله‌عنهم »(١) .

بقراءتنا لنص التعليق نجد إن الإمام عليعليه‌السلام خليفة شرعي للأمة ، وأما معاوية فهو من هذه الأمة وخرج لقتال إمامها ، فنسأل الشيخ جلال الدين : ما قول الشرع في ذلك؟ لن نناقشه باقوالنا ، ولكن ندعه يجيب على نفسه في الحديث ١٨٥٣ من صحيح مسلم باب من فرق أمر المسلمين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ستكون هنات وهنات(٢) فمن أراد أن يفرق هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ).

__________________

١ ـ جلال الدين السيوطي : المنهج السوي في ترجمة الإمام النووي على هامش صحيح مسلم ج ٧ ص ٣٦ طبعة ١٩٩٥ دار الفكر للطباعة والنشر.

٢ ـ هنات وهنات بمعنى فتن.

٤٦

ويعلّق السيوطي على هذا الحديث بقوله :

« وفيه الامر بقتال من خرج على الإمام وأراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلاّ بقتله فقتله كان هدراً »(١) .

أظن أن شيخنا قد نسي قوله السابق وهو يتعرض لهذا الحديث ، إن المسألة ليست في تخطئة فلان وتصويب ذاك بل في هذه النظرة الطوباوية للتاريخ الإسلامي بحيث لا نستطيع أن نقف وقفة صريحة مع أنفسنا لنعطي كل ذي حق حقه.

فما قول شيخنا إذا بعدما أجاب عن نفسه؟

ما موقفه من الخارج على الإمام الشرعي؟

ما موقفه لمن عقد بيعة لنفسه في حضور إمام سابق؟

قد يقول لا إشكال مادام الصحابة العدول هم أصحاب هذه الفعلة.

وهنا يتجلى قولنا السابق بثابتية هذا المتحول وفقد الثابت لتابتيته ، فبينما يقول شيخنا كلّهم عدولرضي‌الله‌عنهم متأولون في حروبهم والتي نعرف سببها يأتي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول عن ابي سعيد الخدري : ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )(٢) .

وأخرج ابن ماجة في سننه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من بايع إماماً

__________________

١ ـ المصدر السابق م٦ ج٢ / ١٩١ ح١٨٥٣.

٢ ـ صحيح مسلم م٦ ج ٢ / ١٩١ ح١٨٥٢.

٤٧

فأعطاه صفقة يمينه ، وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر )(١) .

إذن لم يعد لفقيهنا ما يدافع عنه فكل القرائن والدلائل تبطل قوله وتجعل للمعادلة حلاً وحيداً صحيحاً يتمثّل بأحقيّة الإمام عليعليه‌السلام ومشروعية حربه ضد الخارجين عن طاعته وضلال من وقف بوجهه.

إن عقل المسلم لم يستطع أن يتحرر من هذه العبودية والتأليهية لتاريخه بل قلب موازين الحقيقة قدسية بهذه الشخصيات التاريخية. والتي هي شخصيات بشرية بطبعها تخضع لقانون الخطأ والصواب مما أعطاها صفة الثابت الذي لايجوز تغييره على الاطلاق.

وهذا مايحتم علينا تنقية هذا التراث ، إذ هو المخزون النفسي لدى الجماهير ، وهو الأساس النظري لابنية الواقع(٢) .

ونقف مع السؤال الذي طرحه الالماني البرت اشفيستر : لماذا تتوقف الحقائق التقليدية عن أن تكون وقائع وتنتقل من لسان إلى لسان على أنها مجرد كلمات؟(٣)

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ٤ / ٣٣٣ ، ط٢ ، سنة ١٩٩٧ ، دار المعرفة. واخرجه مسلم أيضاً.

٢ ـ حسن حنفي من العقيدة إلى الثورة طبعة اولى ١٩٨٨ دار التنوير للطباعة والنشر / عن التراث والتجديد.

٣ ـ البرت اشفيتسر مفهوم الحضارة ص ٥٨ ترجمة عبد الرحمن بدوي عن دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع.

٤٨
٤٩

التغيير التاريخي*

هل يقف العقل عند الإيمان بالمسلمات التي ورثها منذ أجيال ويجعلها أقانيم لا تتحول ولا تتبدل وثم يقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا؟

إن للعقل أهمية تجعله مسؤولا عن تثبيت هذه المسلمات إذا لامست الحقيقة وبذلك يتحقق الايمان الكلي او بإسقاط هذه الاوهام إذا كانت على غير ذلك من الصراحة والشفافية لأن هذه المادة الدماغية

__________________

(*) كان العنوان الذي اخترته لهذه الفقرة في الأول هو « الاستقلاب التاريخي » وهو مصطلح رائج في ميدان العلوم الطبيعية ويقابله في الفرنسي ( Metabolisme ) ويخص العمليات الحياتية التي تحدث في البدن وتتمثل في هدم أو هضم المواد الأولية فيتم التخلص من الزائد منها والاستفادة من المتبقي الصالح والذي يصطلح عليه بـ ( Cetabolisme ) و ( Aetabolisme ).

لذلك فإن دراستنا للتاريخ لانتوخى منها رفض كل معطياته ، بل الأصل هو الاستفادة من الشيء الذي يصلح لإعادة بناء حاضرنا ورفض كل مايقف أمام هذه الحركة.

وبما أن مصطلح « الاستقلاب التاريخي » غير متداول داخل الأوساط الثقافية والأدبية ، غيّرته إلى « التغيير التاريخي » رغم أن التغيير له طابع حاد إقصائي لذلك يكون قصدي من التغيير هو المصطلح الذي حذفته.

٥٠

هي التي يرتكز عليها الوجود البشري.

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال ( لما خلق الله العقل استنطقه ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلاّ فيمن أحب ، أما اني إياك آمر وإياك أنهى ، وإياك أُعاقب ، وإياك اُثيب )(١) .

فلهذا يكون عمل العقل هو الإقبال على الحقيقة بالبحث والمتابعة والإدبار عنها إذا خالفت الصريح من المعقول.

وقد يكون هذا الأمر صعبا لأول وهلة ، وذلك للترسبات التاريخية الموروثة ، ولكن لا تحيدنا هذه الصعوبة عن مسايرة الحقيقة والبحث عنها ، ونحن لسنا أقل من ديكارت الذي اعتمد على منهج الشك في الوصول إلى اليقين ; فأعطى بذلك الكوجيطو الديكارتي أنا أُفكر إذن أنا موجود. ونحن أيضاً ينبغي أن نقوم بتفعيل عملية التفكير ننطلق في البحث بعد هدم المسلّمات ، لنعيد النظر في موروثاتنا العقائدية بكل دقة ونحن اذ نقوم بتمحيص ما نؤمن بأنه من المسلمات العقائدية ، فالاحرى بنا أن نمحص المسلمات والمعطيات التاريخية؟ وهي بطبعها بشرية الصياغة وتنبني على مسلمة ـ أي المناهج التاريخية ـ قد تكون محل نظر(٢) .

__________________

١ ـ الكليني ، اصول الكافي : ١ / ١٠ كتاب العقل والجهل.

٢ ـ العروي : مفهوم التاريخ : ١ / ٢٠٧ ( بتصرف ).

٥١

وقد أسلفنا سابقاً قولا لابن خلدون على ان التاريخ مجرد نظر وهذا النظر لن يكون حاصل إقناع إلاّ إذا أُعيدت صياغته بطريقة صحيحة عبر إجلاء المسلمات المختلقة ، كي نصل إلى مادة تعني الحقيقة وتعيها عبر تقييم الحقائق السياسية ، والاجتماعية والأخلاقية ; ومنه يصبح رفض التاريخ يصبح سائغا وربما واجباً(١) ، بحيث نصل في الأخير الى اقتناع ينفي هذا الشك ، علماً أن شكنا هذا هو من باب إحلال النفس على الحقائق الثابتة والراسخة تاريخياً.

كما أن منهج التشكيك هو منهج يؤدي إلى الاطمئنان القلبي وحصول اليقين وهو مثبت في القرآن الكريم على لسان إبراهيمعليه‌السلام إذ قال تعالى :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ، وقول إبراهيم ـ وهو نبي ـ لم يكن من قبيل التشكيك الناتج عن عدم الإيمان ، بل كان طلباً للوصول إلى الحقيقة المطلقة ، ورسالة إلى الآخرين يكون إيمانهم عن اقتناع.

ويقول العلامة الطباطبائي في تفسير( لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) مطلوبهعليه‌السلام من هذا السؤال حصول الإطمئنان المطلق وقطع منابت كل خطور قلبي واعراقه [ ] فقد ظهر : أن وجود الخطورات المنافية للعقائد اليقينيّة لا ينافي الايمان والتصديق دائماً ، غير أنها تؤذي النفس ، وتسلب

__________________

١ ـ المصدر السابق.

٢ ـ البقرة الآية : ٢٦٠.

٥٢

السكون والقرار منها ، ولا يزول وجود هذه الخواطر إلاّ بالحس أو المشاهدة(١) .

وهذا ما يمكن أن ينطبق على التاريخ الإسلامي ، لأن المسلمات التي أوجدت قد تألهت بمرور الزمن ، فأصبح التشكيك فيها يسبب عدم الاستقرار ، ولكنه ضرورة علمية تتطلب منا إرجاع النصاب إلى حقه حتى يتحقق الإيمان القلبي واليقين والإفلات من قبضة شيطان التخلف والجهل. ونمارس بذلك دورنا الطبيعي.

قد جاء في شرح خطبة وقوع الفتن للإمام عليعليه‌السلام ما قوله : « على أوليائه » ( أي على من عنده استعداد للجهل ، وتمرن على اتباع الهوى ، وزهد في تحقيق الامور العقلية على وجهها ، تقليد الأسلاف ومحبة لأتباع المذهب المألوف ، فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان ويضله وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، وهم الذين يتبعون محض العقل ولا يركنون إلى التقليد ، ويسلكون مسلك التحقيق ، وينظرون النظر الدقيق ويجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم )(٢) .

والكلام واضح مفاده عدم الركون إلى التقليد عدم الاتباع الاعمى لما وجدنا عليه آباءنا ، لأنه ليس بعذر لنا بقدر ماهو إدانة صريحة لهذا العقل الذي تقاعس عن البحث عن الحقيقة ; وهو بطبعه عقل فعّال.

__________________

١ ـ الطباطبائي ، تفسير الميزان : ٢ / ٣٧٨.

٢ ـ ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ٣ / ١٧٦.

٥٣

لهذا نحن لا نريد من خلال دراستنا وتحقيقاتنا التاريخية الهدم الذي يؤدي إلى التخلّف ، ولكن نبتغي إعادة بناء وضعنا الحالي ، وهذا لن يتأتى إلاّ إذا قبضنا بأيدينا على مفتاح ا لسر ، لنفتح به العصر الجديد ، ذلك العصر الذي يتجدد فيه البالي ولا يبلى فيه ماهو روحي أو أخلاقي ، وهذا لن يتأتى إلاّ بدراستنا لتاريخنا على غير المنهج الذي اتبعه أسلافنا وإلاّ ضعنا نهائياً.

إذن الحل الوحيد هو اكتساب الجرأة النقدية ; المبنية على إخضاع كل المسلمات للتحقيق ، بحيث لا يبقى ثابت إلاّ ماهو ثابت طبيعياً ودينياً أما غيره فمآله إلى إعادة النظر ، وهو ضرورة حتمية بحيث قد أصبح من الضروري القيام بفعل نقدي يكتسح كل ألوان السذاجة ، وعدم الامانة(١) .

إننا نحتاج إلى عملية استقلاب ( Metabolisme ) تاريخية نستطيع من خلالها إظهار الحقائق والتي هي متطلبات آنية عبر عملية الهدم التاريخي ، اوما يمكن الاصطلاح عليه ( cotabolisme historique ) ، حتى يتم التخلص من كل ما يمكن أن يسبب التسمم المعرفي والتخلف للأمة الإسلامية ; وإعادة بنائها من جديد عبر بناء تاريخي ( historique Anabolisme ) مستفيدين من كل ماتم استخلاصه عبر

__________________

١ ـ البرت اشفيتسر : فلسفة الحضارة ص ٣٣٩ ترجمة عبد الرحمن البدوي ١٩٩٨ دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع.

٥٤

عملية الهدم ، وهو ما أطلق عليه د. حسن حنفي تثوير التاريخ من أجل ثورة حقيقية لهذه الامة واستعادة دورها الطلائعي في العالم. لأن التاريخ والدراسات القويمة لا تقتصر على كونها من معطيات الماضي فقط وبقائها كشيء لا قيمة له بل انه يستطيع أيضاً أن يلقي علينا ظلا ساماً.

فهناك أفكار لم ندع عقولنا تعمل فيها مباشرة ، وذلك لاننا وجدناها مُعدّة الصياغة في مجرى التاريخ ، والافكار التي ورثناها لا تسمح ببروز الحق ليعمل عمله وإنما تظهره من خلال قناع جنائزي ، والانجازات البالية التي تنتقل من حضارة منحلة إلى مجرى عصر جديد كثيراً ما تصبح مثل افرازات الدورة الجسمية وتفعل فعل السموم(١) . فيا ترى هل كان التاريخ الإسلامي فعلا كان نزيهاً إلى حد تصديق كل مافيه؟ أم هو نتاج تحالفات سياسية وايديلوجية أدت إلى ظهوره على الشكل الموجود عليه حالياً؟

__________________

١ ـ المصدر السابق ص ٥٨.

٥٥

الفصل الثاني

ابن كثير والتاريخ

يُعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الـهدى عـلى الـهوى ، ويعطف الـرأي عـلـى الـقرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي

الإمام عليعليه‌السلام

٥٦
٥٧

ابن كثير المحدث المؤرخ

لعل كتاب البداية والنهاية يعتبر من أهم المراجع التاريخية المعتمدة في الفكر الإسلامي ، وذلك لما اكتسب صاحبه من شهرة ومكانة كعالم من علماء المسلمين ، بحيث سعى في كتابة تدوين التاريخ الإسلامي بطريقة يحفظ من خلالها كرامة هذا التاريخ وعزته ; وخصوصاً المرحلة المباركة! والتي تشكّل الشعلة الأولى للأمّة الإسلامية.

وقد لبس هذا المؤرخ رداء المسلم المشبّع بالمؤثرات السلفية ; فصبغ تلك المرحلة ورجالاتها بقداسة خارقة يتوقف فيها العقل عن ممارسة فعله الحقيقي في الدراسة ، وذلك للتراكمات المعرفية المؤطّرة للعقل الفاعل ، وجْعلهِ محدود الفعالية.

فبنظر ابن كثير أن تلك المرحلة هي خير القرون ، ورجالاتها خير الرجالات ، لأن في الحديث النبوي الشريف قد ورد أن خير القرون قرني هذا والذي يليه ثم الذي يليه ، ومن هنا ندخل في النقطة الحساسة ، وهي هذه القداسة المفتعلة والتي حاول البعض أن يصبغ التاريخ بها. وابن كثير في تاريخه أحد ضحايا هذه الأحاديث حيث لم يكن ذلك المؤرخ الذي يعمل على توثيق الأحداث التاريخية بضرب

٥٨

بعضها ببعض ، بل تعامل مع الحدث التاريخي من خلال وضعيته العلمية والتي يطغى فيها المحدث على المؤرخ ، إذ اهتم في تأريخه على الرواية تماشياً مع صبغته كإمام محدث يكره الاجتهاد وابداء الراي ; ولم يجرأ على الدخول في معاني الرواية واستعمال اسلوب نقدي لفرزها. كما أنه لم يتعامل مع الأحداث التاريخية كمؤرخ محترف على حد تعبير عبد الله العروي في تعريفه للمؤرخ المحترف ، إذ أنه هذا الأخير لا ينفك يقيس أي حكم يعرِّف ; أي يستعمل « مفاهيم جامعة » ، و « يؤلف مباحثات » أي يفترض « قيمة محورية » ، « او وحدة انتسابية » قلنا إنه ينقد رواية موروثة ليخطط اثناء عملية النقد والتفكيك لرواية بديلة حتى ولو لم يفصح أبداً عنها(١) .

إن عملية نقد الروايات والأخبار الواردة لم تكن واردة في ذهن ابن كثير بقدر ما كان همه الكبير هو جمع عدد كبير من الروايات والأحداث ومحاولة إخراجها بشكل يساير طابعه الايديلوجي الطاغي عليه ، حيث أن النظر عنده في الرواية ، او الحدث التاريخي لا يخرج عن إطارين ; الأول : تمجيد مرحلة الصحابة والتابعين ، والانتصار لهذا التاريخ الملغوم ; ثانياً قبول كل ماروي في رفع شأن هذه المرحلة حتى ولو المشهود عليه بالكذب ، من قبيل روايات سيف بن عمر التميمي حيث لم يكتف ابن كثير بأخذ الرواية عنه بل ترحم عليه أيضاً(٢) .

__________________

١ ـ عبد الله العروي مفهوم التاريخ : ٢ / ٣٤٣.

٢ ـ ابن كثير ـ البداية والنهاية : ٥ / ٣١٩.

٥٩

وهنا كذلك تدخل اعتبارات كثيرة ، فنجد أنه يرفض روايات الوضاعين التي قد تمس ببعض شخصيات هذا التاريخ ، وقد يكون سبب رفضه لهذه الروايات هو التوجه المذهبي للراوي ; فمثلا يرفض رواية الوضاعين ـ على حد تعبيره ـ من قبيل حماد بن عمرو أبي اسماعيل الناصبي وسلام بن مسلم لا لشيء إلاّ لأن مروياتهم تخص بالتقديس علي ابن ابي طالبعليه‌السلام (١) .

ومن هذا المنطلق فإن ابن كثير تعامل بشكل انتقائي مع الأحداث ، بحيث لم يراعي الموضوعية وتواتر الحدث ، بقدر ما راعى طبيعة رواة الحدث مما يجعل تاريخه هذا انتقائياً يراد منه الانتصار لجهة معينة دون اُخرى ، إذ أن الكتابة التاريخية عنده لم تكن من أجل تدوين تاريخ كما يريده البشر مطابقاً للواقع بل كانت كتابته بالطريقة التي أرادها هو لهذا البشر.

وقد عبر ابن كثير بنفسه عن هذا المنهج الانتقائي بقوله :

« وكان فراغي من الانتقاء من تأريخه في يوم الأربعاء العشرين من جمادي الآخرة سنة ٧٥١ »(٢) وهذا اعتراف ضمني منه بعملية الانتقاء التي قام بها.

ويقول في آخر هذا الفصل :

__________________

١ ـ ابن كثير ـ البداية والنهاية : ٥ / ٢٢٢ ، ٢٢٣.

٢ ـ المصدر السابق : ١٤ / ١٩٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والحاصل أنه كان يكبِّر كثيراً من الاُمور الصغيرة وكانت له روحية خاصة تحمله على ذلك.

ويشهد على ذلك أن الشيخ والنجاشي ربّما ضعفا رجلاً ، والغضائري أيضاً ضعفه ، لكن بين التعبيرين اختلافاً واضحاً.

مثلاً ذكر الشيخ في عبدالله بن محمد انه كان واعظاً فقيهاً ، وضعفه النجاشي بقوله : « إنه ضعيف » وضعَّفه الغضائري بقوله : « انه كذاب ، وضّاع للحديث لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به ».

ومثله علي بن أبي حمزة البطائني الذي ضعفه أهل الرجال ، فعرفه الشيخ بأنه واقفّي ، والعلاّمة بأنه احد عمد الواقفة. وقال الغضائري : « عليّ بن أبي حمزة لعنه الله ، أصل الوقف وأشدّ الخلق عداوة للوليّ من بعد أبي إبراهيم ».

ومثله إسحاق بن أحمد المكنّى بـ « أبي يعقوب أخي الاشتر » قال النجاشي : « معدن التَّخليط وله كتب في التخليط » وقال الغضائري : « فاسد المذهب ، كذّاب في الرواية ، وضّاع للحديث ، لا يلتفت إلى ما رواه »(1) .

وبذلك يعلم ضعف ما استدل به على عدم صحَّة نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري من أن النجاشي ذكر في ترجمة الخيبري عن ابن الغضائري ، انه ضعيف في مذهبه ، ولكن في الكتاب المنسوب اليه : « إنه ضعيف الحديث ، غالي المذهب » فلو صحَّ هذا الكتاب ، لذكر النجاشي ما هو الموجود أيضاً(2) .

وذلك لما عرفت من أن الرجل كان ذا روحيَّة خاصَّة ، وكان إذا رأى

__________________

1 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 19 ـ 21 بتلخيص منّا.

2 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 114 ، من المقدَّمات طبعة النجف ، والصفحة 102 طبعة لبنان.

١٠١

مكروهاً ، اشتدَّت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته ، فيأتي بألفاظ لا يصحّ التعبير بها الا عند صاحب هذه الروحية ، ولما كان النجاشي على جهة الاعتدال نقل مرامه من دون غلوّ وإغراق.

وبالجملة الآفة كلّ الآفة في رجاله هو تضعيف الأجلة والموثَّقين مثل « أحمد بن مهران » قال : « أحمد بن مهران روى عنه الكليني ضعيف » ولكن ثقة الاسلام يروي عنه بلا واسطة ، ويترحَّم عليه كما في باب مولد الزهراءعليها‌السلام (1) قال : « أحمد بن مهرانرحمه‌الله رفعه وأحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار الشيباني » إلى غير ذلك من الموارد.

ولأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على تضعيفاته ، فضلا عن معارضته بتوثيق النجاشي خبير الفنّ والشيخ عماد العلم. نعم ربما يقال توثيقاته في أعلى مراتب الاعتبار ولكنه قليل وقد عرفت من المحقق الداماد من أنه قل أن يسلم أحد من جرحه او ينجو ثقة من قدحه(2) . وقد عرفت آنفاً وسيأتي أن الاعتماد على توثيقه كالاعتماد على جرحه.

النظرية الخامسة

وفي الختام نشير إلى نظرية خامسة وان لم نوعز اليها في صدر الكلام وهي أنه ربما يقال بعدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري لانه كان جراحا كثير الردّ على الرواة ، وقليل التعديل والتصديق بهم ومثل هذا يعدّ خرقاً للعادة وتجاوزاً عنها ، وانما يعتبر قول الشاهد إذا كان انسانا متعارفاً غير خارق للعادة. ولأجل ذلك لو ادعى رجلان رؤية الهلال مع الغيم الكثيف في السماء وكثرة الناظرين ، لا يقبل قولهما ، لان مثل تلك الشهادة تعدّ على خلاف العادة ، وعلى ذلك فلا يقبل تضعيفه ، ولكن يقبل تعديله.

__________________

1 ـ الكافي : 1 / 458 ، الحديث 3.

2 ـ لاحظ سماء المقال : 22.

١٠٢

وفيه : أن ذلك إنما يتمّ لو وصل الينا كتاب الممدوحين منه ، فعندئذ لو كان المضعفون أكثر من الممدوحين والموثقين ، لكان لهذا الرأي مجال. ولكن يا للأسف! لم يصل الينا ذلك الكتاب ، حتى نقف على مقدار تعديله وتصديقه ، فمن الممكن أن يكون الممدوحون عنده أكثر من الضعفاء ، ومعه كيف يرمى بالخروج عن المتعارف؟

ولأجل ذلك نجد أن النسبة بين ما ضعفه الشيخ والنجاشي أو وثَّقاه ، وما ضعَّفه ابن الغضائري او وثقه ، عموم من وجه. فربَّ ضعيف عندهما ثقة عنده وبالعكس ، وعلى ذلك فلا يصحّ رد تضعيفاته بحجّة أنه كان خارجاً عن الحدّ المتعارف في مجال الجرح.

بل الحقّ في عدم قبوله هو ما أوعزنا اليه من أن توثيقاته وتضعيفاته لم تكن مستندة الى الحسّ والشهود والسماع عن المشايخ والثقات ، بل كانت مستندة الى الحدس والاستنباط وقراءة المتون والروايات ، ثمَّ القضاء في حقّ الراوي بما نقل من الرواية ، ومثل هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق. نعم ، كلامه حجة في غير هذا المجال ، كما إذا وصف الراوي بأنه كوفيٌّ او بصريٌّ أو واقفيٌّ او فطحيٌّ او له كتب ، والله العالم بالحقائق.

١٠٣
١٠٤

الفصل الرابع

المصادر الثانوية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الأربعة

2 ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة.

3 ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء.

4 ـ تطوّر في تأليف الجوامع الرجالية.

١٠٥
١٠٦

1 ـ الأصول الرجالية الاربعة

* فهرس الشيخ منتجب الدين.

* معالم العلماء.

* رجال ابن داود.

* خلاصة الاقوال في علم الرجال.

١٠٧
١٠٨

الاصول الرجالية الاربعة

قد وقفت بفضل الابحاث السابقة ، على الاصول الاولية لعلم الرجال ، التي تعد امهات الكتب المؤلفة في العصور المتأخرة ومؤلفو هذه الاصول يعدون في الرعيل الاول من علماء الرجال ، لا يدرك لهم شأو ولا يشق لهم غبار ، لانهم5 قد عاصروا أساتذة الحديث وأساطينه ، وكانوا قريبي العهد من رواة الاخبار ونقلة الآثار ، ولاجل ذلك تمكنوا تمكناً تاماً مورثاً للاطمئنان ، من الوقوف على أحوالهم وخصوصيات حياتهم ، اما عن طريق الحس والسماع ـ كما هو التحقيق ـ أو من طريق جمع القرائن والشواهد المورثة للاطمئنان الذي هو علم عرفي ، كما سيوافيك تحقيقه في الابحاث الآتية.

وقد تلت الطبقة الاولى ، طبقة اخرى تعد من اشهر علماء الرجال بعدهم ، كما تعد كتبهم مصادر له بعد الاصول الاولية نأتي بأسمائهم وأسماء كتبهم ، وكلهم كانوا عائشين في القرن السادس.

ان أقدم فهرس عام لكتب الشيعة ، هو فهرس الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري ، الذي قد تعرفت عليه وما حوله من الاقوال والآراء.

نعم ، ان فهرست أبي الفرج محمد بن اسحاق المعروف بابن النديم

١٠٩

( المتوفّى عام 385 هـ ) وان كان أقدم من فهرس ابن الغضائري ، لكنه غير مختص بكتب الشيعة ، وانما يضم بين دفتيه الكتب الاسلامية وغيرها ، وقد أشار الى تصانيف قليلة من كتب الشيعة.

وقد قام الشيخ الطوسي بعد ابن الغضائري ، فألف فهرسه المعروف حول كتب الشيعة ومؤلفاتهم ، وهو من احسن الفهارس المؤلفة ، وقد نقل عنه النجاشي في فهرسه واعتمد عليه ، وان كان النجاسي أقدم منه عصراً وأرسخ منه قدماً في هذا المجال.

وقد قام بعدهم في القرن السادس ، العلاّمتان الجليلان ، الشيخ الحافظ ابو الحسن منتجب الدين الرازي ، والشيخ الحافظ محمَّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني ، فأكملا عمل الشيخ الطوسي وجهوده إلى عصرهما ، وإليك الكلام فيهما إجمالاً :

1 ـ فهرس الشيخ منتجب الدين

وهو تأليف الحافظ عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين ( أخي الشيخ الصدوققدس‌سره ) بن علي ( والد الصدوق ). عرَّفه صاحب الرياض بقوله : « كان بحراً لا ينزف ، شيخ الاصحاب ، صاحب كتاب الفهرس. يروي عن الشيخ الطبرسي ( المتوفّى عام 548 هـ ) وأبي الفتوح الرازي ، وعن جمع كثير من علماء العامة والخاصَّة. ويروي عن الشيخ الطّوسي ( المتوفّى 460 هـ ) بواسطة عمّه الشيخ بابويه بن سعد.

وهذا الامام الرّافعي ( وهو الشيخ ابو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الشافعي ، المتوفّى عام 623 ) يعرفه في تاريخه ( التدوين ) : الشيخ عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه شيخ ريّان من علم الحديث سماعاً وضبطاً وحفظاً وجمعاً ، قلَّ من يدانيه في هذه الاعصار في كثرة الجمع والسماع ، قرأت عليه بالرىّ سنة 584 هـ ، وتولد سنة 504 هـ ، ومات بعد

١١٠

سنة 585 هـ ، ثمَّ قال : ولئن اطلت عند ذكره بعض الاطالة فقد كثر انتفاعي بمكتوباته وتعاليقه فقضيت بعض حقه باشاعة ذكره وأحواله »(1) .

وقال الشيخ الحرّ العاملي في ترجمته : « الشيخ الجليل عليّ بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي ، كان فاضلا عالما ثقة صدوقاً محدّثاً حافظاً راوية علاّمة ، له كتاب الفهرس في ذكر المشايخ المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين إلى زمانه »(2) .

وقد ألَّفه للسيد الجليل أبي القاسم يحيى بن الصدر(3) السعيد المرتضى باستدعاء منه حيث قال السيد له : « إن شيخنا الموفق السعيد أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ رفع الله منزلته ـ قد صنف كتابا في أسامي مشايخ الشيعة ومصنّفيهم ، ولم يصنف بعده شيء من ذلك » فأجابه الشيخ منتجب الدين بقوله : « لو أخَّر الله أجلي وحقق أملي ، لأضفت اليه ما عندي من أسماء مشايخ الشيعة ومصنّفيهم ، الذين تأخر زمانهم عن زمان الشيخ أبي جعفررحمه‌الله وعاصروه » ثمَّ يقول : « وقد بنيت هذا الكتاب على حروف المعجم اقتداء بالشيخ أبي جعفررحمه‌الله وليكون أسهل مأخذاً ومن الله التوفيق »(4) .

وكلامه هذا ينبئ عن أنه لم يصل اليه تأليف معاصره الشيخ محمد بن عليّ بن شهرآشوب ، الذي كتب كتابه الموسوم بـ « معالم العلماء » تكملة لفهرس الشيخ ، ولأجل ذلك قام بهذا العمل من غير ذكر لذلك الكتاب.

__________________

1 ـ رياض العلماء : 4 / 140 ـ 141 ، ولكن التحقيق انه كان حيّاً الى عام 600 هـ. لاحظ مقال المحقق السيد موسى الزنجاني المنشور في مجموعة حول ذكرى العلاّمة الامينيقدس‌سره .

2 ـ أمل الآمل : 2 / 194.

3 ـ المدفون بـ « ري » المعروف عند الناس بامام زادة يحيى وربما يحتمل تعدد الرجلين.

4 ـ فهرس الشيخ منتجب الدين : 5 ـ 6.

١١١

وقد ألَّف الشيخ الطوسي الفهرس بأمر استاذه المفيد الذي توفي سنة 413 هـ ، وفي حياته ، كما صرَّح به في أوله.

وقد أورد الشيخ منتجب الدين في فهرسه هذا ، من كان في عصر المفيد إلى عصره المتجاوز عن مائة وخمسين سنة.

وفي الختام ، نقول : « إن الحافظ بن حجر العسقلاني ( المتوفّى عام 852 هـ ) قد أكثر النقل عن هذا الفهرس في كتابه المعروف بـ « لسان الميزان » ، معبّراً عنه بـ « رجال الشيعة » أو « رجال الامامية » ولا يريد منهما إلا هذا الفهرس ، ويعلم ذلك بمقارنة ما نقله في لسان الميزان ، مع ما جاء في هذا الفهرس ، كما أن لصاحب هذا الفهرس تأليفاً آخر اسماه تاريخ الريّ ، وينقل منه أيضاً ابن حجر في كتابه المزبور ، والأسف كل الاسف أن هذا الكتاب وغيره مثل « تاريخ ابن ابي طيّ »(1) و « رجال عليّ بن الحكم » و « رجال الصدوق » التي وقف على الجميع ، ابن حجر في عصره ونقل عنها في كتابه « لسان الميزان » لم تصل إلينا ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

ثم إن الغاية من اقتراح السيد عزّ الدين يحيى ، نقيب السادات ، هو كتابة ذيل لفهرس الشيخ على غراره ، بأن يشتمل على أسامي المؤلفين ، ومؤلفاتهم واحداً بعد واحد ، وقد قبل الشيخ منتجب الدين اقتراح السيّد ، وقام بهذا العمل لكنهقدس‌سره عدل عند الاشتغال بتأليف الفهرس عن هذا النمط ، فجاء بترجمة كثير من شخصيات الشيعة ، يناهز عددهم إلى 540 شخصية علمية وحديثية من دون أن يذكر لهم أصلا وتصنيفا ، ومن ذكر لهم كتاباً لا يتجاوز عددهم عن حدود مائة شخص.

نعم ما يوافيك من الفهرس الآخر لمعاصره ـ أعني معالم العلماء ـ فهو على غرار فهرس الشيخ حذو القذّة بالقذّة.

__________________

1 ـ راجع في الوقوف على وصف هذا التاريخ وما كتبه في طبقات الامامية ايضا « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » ج 3 ، ص 219 ـ 220 هذا وتوفي ابن ابي طي سنة 630 هـ.

١١٢

2 ـ معالم العلماء في فهرس كتب الشيعة وأسماء المصنفين

وهو تأليف الحافظ الشهير محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ، المولود عام 488 هـ ، والمتوفّى سنة 588 هـ ، وهو اشهر من أن يعرّف ، فقد أطراه أرباب المعاجم من العامة والخاصّة.

قال صلاح الدين الصفدي : « محمد بن علي بن شهرآشوب ابو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين الشيعي ، احد شيوخ الشيعة. حفظ القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل اليه من البلاد ، ثم تقدَّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ذكره ابن أبي طيّ في تاريخه ، وأثنى عليه ثناء بليغاً ، وكذلك الفيروزآبادي في كتاب البلغة في تراجم أئمة النَّحو واللغة ، وزاد أنه كان واسع العلم ، كثير العبادة دائم الوضوء ، وعاش مائة سنة الا ثمانية أشهر ، ومات سنة 588 هـ »(1) .

وذكره الشيخ الحرّ العاملي في « أمل الآمل » في باب المحمدين ، وذكر كتبه الكثيرة ، التي أعرفها « مناقب آل أبي طالب » وقد طبع في أربعة مجلدات ، و « متشابه القرآن » وهو من محاسن الكتب وقد طبع في مجلد واحد ، و « معالم العلماء » الذي نحن بصدد تعريفه ، وهذا الكتاب يتضمن 1021 ترجمة وفي آخرها « فصل فيما جهل مصنّفه » و « باب في بعض شعراء أهل البيت » وهذا الفهرس ، كفهرس الشيخ منتجب الدين تكملة لفهرس الشيخ الطوسي ، والمؤلفان متعاصران ، والكتابان متقاربا التأليف ، وقد أصبح معالم العلماء من المدارك المهمة لعلماء الرجال ، كالعلامة الحلي في « الخلاصة » ، ومن بعده.

__________________

1 ـ الوافي بالوفيات : 4 / 164.

١١٣

3 ـ رجال ابن داود

وهو تأليف تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي المولود سنة 647 ، أي قبل تولد العلاّمة بسنة ، والمتوفّى بعد سنة 707 هـ ، تتلمذ على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس ( المتوفّى سنة 673 هـ ) قرأ عليه أكثر كتاب « البشرى » و « الملاذ » حتى قال : « وأكثر فوائد هذا الكتاب من اشاراته وتحقيقاته ، رباني وعلمني وأحسن إلي »(1) .

كما قرأ على الامام نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى المعروف بالمحقق ، وقال في حقه : « قرأت عليه ورباني صغيراً ، وكان له علي احسان عظيم والتفات ، وأجاز لي جميع ما صنفه وقرأه ورواه »(2) .

مميزات رجال ابن داود

ومن مزايا ذلك الكتاب ، أنه سلك فيه مسلكاً لم يسبقه أحد من الاصحاب ، لانه رتبه على الحروف ، الاول فالاول ، من الاسماء وأسماء الاباء والاجداد ، وجمع ما وصل اليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب ، فنقل ما في فهرس الشيخ والنجاشي ، ورجال الكشي ، والشيخ وابن الغضائري والبرقي والعقيقي وابن عقدة والفضل بن شاذان وابن عبدون ، وجعل لكل كتاب علامة ولم يذكر المتأخرين عن الشيخ إلا اسماء يسيرة ، وجعل كتابه في جزأين ، الاول يختص بذكر الموثقين والمهملين ، والثاني بالمجروحين والمجهولين.

وذكر في آخر القسم الاول ، تحت عنوان خاص ، جماعة وصفهم النجاشي بقوله « ثقة ثقة » مرتين ، عدتهم أربعة وثلاثون رجلاً مرتبين على

__________________

1 ـ لاحظ رجال ابن داود : 45 ـ 46 طبعة النجف.

2 ـ رجال ابن داود : 62 طبعة النجف.

١١٤

حروف الهجاء ، ثم أضاف بأن الغضائري جاء في كتاب خمسة رجال زيادة على ما ذكره النجاشي ، ووضف كلا منهم بأنه « ثقة ثقة » مرتين ، ثم ذكر خمسة فصول لا غنى للباحث عنها ، كل فصل معنون بعنوان خاص.

ثم ذكر في آخر القسم الثاني ، سبعة عشر فصلاً لا يستغني عنها الباحثون ، كل فصل معنون بعنوان خاص ثم أورد تنبيهات تسعة مفيدة.

وبما أنه وقع في هذا الكتاب إشتباهات عند النقل عن كتب الرجال ، مثلا نقل عن النجاشي مطلباً وهو للكشّي أو بالعكس ، قام المحقق الكبير السيد محمد صادق آل بحر العلوم في تعليقاته على الكتاب ، باصلاح تلك الهفوات ولعل أكثر تلك الهفوات نشأت من استنساخ النساخ ، وعلى كل تقدير ، فلهذا الكتاب مزية خاصة لا توجد في قرينه الآتي أعني خلاصة العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ.

قال الافندي في « رياض العلماء » : « وليعلم أن نقل ابن داود في رجاله عن كتب رجال الاصحاب ، ما ليس فيها ، مما ليس فيه طعن عليه ، إذ أكثر هذا نشأ من اختلاف النسخ ، والازدياد والنقصان الحاصلين من جانب المؤلفين أنفسهم بعد اشتهار بعض نسخها وبقي في أيدي الناس على حالته الاولى من غير تغيير ، كما يشاهد في مصنفات معاصرينا أيضاً ولا سيّما في كتب الرجال التي يزيد فيها مؤلفوها ، الأسامي والأحوال يوماً فيوماً وقد رأيت نظير ذلك في كتاب فهرست الشيخ منتجب الدين ، وفهرست الشيخ الطوسي ، وكتاب رجال النجاشي وغيرها ، حتى إني رأيت في بلدة الساري نسخة من خلاصة العلاّمة قد كتبها تلميذه في عصره ، وكان عليها خطه وفيه اختلاف شديد مع النسخ المشهورة بل لم يكن فيها كثير من الأسامي والأحوال المذكورة في النسخ المتداولة منه »(1) .

__________________

1 ـ رياض العلماء : 1 / 258.

١١٥

أقول : ويشهد لذلك ان المؤلفات المطبوعة في عصرنا هذا تزيد وتنقص حسب طبعاتها المختلفة ، فيقوم المؤلف في الطبعة اللاحقة بتنقيح ما كتب بإسقاط بعض ما كتبه وإضافة مالم يقف عليه في الطبعة الأولى ، ولأجل ذلك تختلف الكتب للمعاصرين حسب اختلاف الطبعات.

وفي الختام نذكر نصّ اجازة السيّد أحمد بن طاووس ، لتلميذه ابن داود مؤلّف الرجال ، وهي تعرب عن وجود صلة وثيقة بين الاستاذ والمؤلف فإنه بعد ما قرأ ابن داود كتاب « نقض عثمانية جاحظ » على مؤلفه « أحمد بن طاووس » كتب الاستاذ اجازة له وهذه صورتها :

« قرأ عليّ هذا « البناء » من تصنيفي ، الولد العالم الأديب التقي ، حسن بن علي بن داود ـ أحسن الله عاقبته وشرف خاتمته ـ وأذنت له في روايته عنّي.

وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن طاووس حامداً لله ومصلّياً على رسوله ، والطاهرين من عترته ، والمهديّين من ذريته ».

وفي آخر الرسالة ما هذه صورته :

« أنجزت الرسالة ، والحمد لله على نعمه ، وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى ، حسن بن علي بن داود ربيب صدقات مولانا المصّنف ـ ضاعف الله مجده وأمتعه الله بطول حياته ـ وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله وسلامه ».

وكان نسخ الكتاب في شوال من سنة خمس وستين وستمائة(1) .

__________________

1 ـ وقد أسماه المؤلف بـ « بناء المقالة الفاطمية في نفض الرسالة العثمانية للجاحظ » ويقال اختصاراً « البناء ».

١١٦

مشايخه

قال الافندي : ويروي ابن داود عن جماعة من الفضلاء :

منهم : السيد جمال الدين ابو الفضائل أحمد بن طاووس.

ومنهم : الشيخ مفيد الدين محمد بن جهيم الاسدي على ما يظهر من ديباجة رجاله(1) .

أقول : وهو يروي عن جماعة اخرى أيضاً.

منهم : المحقّق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ).

ومنهم الشيخ نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن سعيد الحّلي ابن عم المحقق المذكور ( المتوفّى عام 689 هـ ).

ومنهم الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي والد العلاّمة الحلي.

ونقل الافندي في الرياض أنه كان شريك الدرس مع السيد عبد الكريم بن جمال الدين(2) أحمد بن طاووس الحلي ( المتوفّى عام 693 هـ ) عند المحقّق. ولكن العلاّمة الاميني عدّه من مشايخه(3) ، والظاهر اتقان الاول.

تلاميذه

يروي عنه جماعة كثيرة :

__________________

1 ـ نقض عثمانية جاحظ المطبوع حديثاً بـ « عمان ».

2 ـ رياض العلماء : 1 / 256.

3 ـ الغدير : 6 / 7.

١١٧

منهم : الشيخ رضي الدين علي بن أحمد المزيدي الحلي(1) ، استاذ الشهيد الاول ، المتوفّى عام 757 هـ.

ومنهم : الشيخ زين الدين ابو الحسن علي بن طراد المطارآبادي ، المتوفّى بالحلة 754 هـ.

تآليفه

للمترجم له تآليف قيّمة تبلغ ثلاثين كتاباً ذكر أسماءها في رجاله.

ومن شعره الرائق قوله في حقّ الوصي :

وإذا نظرت إلى خطاب محمَّد

يوم الغدير إذ استقّر المنزل

من كنت مولاه فهذا حيدر

مولاه لا يرتاب فيه محصِّل

لعرفت نصّ المصطفى بخلافة

مَنْ بعدَه غرّاء لا يتأوّل

وله اُرجوزة في الإمامة ، طويلة ، مستهلها :

وقد جرت لي قصّة غريبة

قد نتجت قضيّة عجيبة(2)

وفاته

قد عرفت أنه قد فرغ من رجاله عام 707 هـ ، ولم يعلم تاريخ وفاته على وجه اليقين ، غير أن العلاّمة الاميني ينقل عن « رياض العلماء » أنه رأى في مشهد الرضا نسخة من « الفصيح » بخط المترجم له ، في آخرها : « كتبه مملوكه حقاً حسن بن علي بن داود غفر له في ثالث عشر شهر رمضان المبارك سنة احدى وأربعين وسبعمائة حامداً مصلّياً مستغفراً ».

__________________

1 ـ وفي رياض العلماء مكان « المزيدي » ، « المرندي » ، وهو تصحيف.

2 ـ لاحظ الغدير : 6 / 3 ـ 6 ، وذكر شطراً منها السيد الامين في أعيان الشيعة : 22 / 343.

١١٨

فيكون له من العمر حينذاك 94 عاماً ، فيكون من المعمرين ، ولم يذكر منهم(1) .

4 ـ خلاصة الاقوال في علم الرجال

وهي للعلاّمة(2) على الاطلاق الحسن بن يوسف بن المطهَّر ، المولود عام 648 هـ ، والمتوفّى عام 726 هـ ، الذي طار صيته في الآفاق ، برع في المعقول والمنقول ، وتقدَّم على الفحول وهو في عصر الصبا. ألَّف في فقه الشريعة مطوَّلات ومتوسّطات ومختصرات ، وكتابه هذا في قسمين : القسم الاول ؛ فيمن اعتمد عليه وفيه سبعة عشر فصلا ، والقسم الثاني ؛ مختصّ بذكر الضعفاء ومن ردَّ قوله أو وقف فيه ، وفيه أيضا سبعة عشر فصلا ، وفي آخر القسم الثاني خاتمة تشتمل على عشر فوائد مهمَّة ، وكتابه هذا خلاصة ما في فهرست الشيخ والنجاشي وقد يزيد عليهما.

قال المحقّق التستري : « إن ما ينقله العلاّمة من رجال الكشي والشيخ ورجال النجاشي مع وجود المنقول في هذه الكتب غير مفيد ، وإنما يفيد في ما لم نقف على مستنده ، كما في ما ينقل من جزء من رجال العقيقي ، وجزء من رجال ابن عقدة ، وجزء من ثقات كتاب ابن الغضائري ، ومن كتاب آخر له في المذمومين لم يصل الينا ، كما يظهر منه في سليمان النخعي ، كما يفيد أيضاً فيما ينقله من النجاشي في ما لم يكن في نسختنا ، فكان عنده النسخة الكاملة من النجاشي واكمل من الموجود من ابن الغضائري ، كما في ليث البختري ، وهشام بن إبراهيم العبّاسي ، ومحمد بن نصير ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن سنان ، ومحمد بن أحمد بن قضاعة ، ومحمد بن الوليد الصيرفي ، والمغيرة بن

__________________

1 ـ الغدير : 6 / 8 نقلاً عن روضات الجنات : 357.

2 ـ إن العلاّمة غني عن الاطراء ، وترجمته تستدعي تأليف رسالة مفردة ، وقد كفانا ، ما ذكره اصحاب المعاجم والتراجم في حياته وفضله وآثاره.

١١٩

سعيد ، ونقيع بن الحارث ، وكما ينقل في بعضهم اخباراً لم نقف على مأخذها ، كما في اسماعيل بن الفضل الهاشمي ، وفيما أخذه من مطاوي الكتب كمحمد بن أحمد النطنزي »(1) .

وبما أن هذا الكتاب ورجال ابن داود متماثلان في التنسيق وكيفية التأليف ، يمكن أن يقال : إن واحداً منهما اقتبس المنهج عن الآخر ، كما يمكن أن يقال : إن كليهما قد استقلاّ في التنسيق والمنهج ، بلا استلهام من آخر ، غير أن المظنون هو أن المؤلفين ، بما أنهما تتلمذا على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس المتوفّى سنة 673 هـ ، وقد كان هو رجالي عصره ومحقق زمانه في ذلك الفن ، قد اقتفيا في تنسيق الكتاب ما خطَّه استاذهما في ذلك الموقف ، والله العالم.

الفروق بين رجالي العلاّمة وابن داود

ثم ان هنا فروقاً بين رجالي العلاّمة وابن داود يجب الوقوف عليها واليك بيانها :

1 ـ ان القسم الاول من الخلاصة مختص بمن يعمل بروايته ، والثاني بمن لا يعمل بروايته ، حيث قال : « الاول ؛ في من اعتمد على روايته أو ترجح عندي قبول قوله. الثاني ؛ في مَنْ تركت روايته أو توقفت فيه ».

ولاجل ذلك يذكر في الاول الممدوح ، لعمله بروايته ، كما يذكر فيه فاسد المذهب إذا عمل بروايته كابن بكير وعليّ بن فضال. وأما الموثقون الذين ليسوا كذلك ، فيعنونهم في الجزء الثّاني لعدم عمله بخبرهم ، هذا.

والجزء الأوّل من كتاب ابن داود فيمن ورد فيه أدنى مدح ولو مع ورود ذموم كثيرة أيضا فيه ولم يعمل بخبره والجزء الثاني من كتابه ، فيمن ورد فيه

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 15.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276