السقيفة وفدك

السقيفة وفدك37%

السقيفة وفدك مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 155

  • البداية
  • السابق
  • 155 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8600 / تحميل: 6186
الحجم الحجم الحجم
السقيفة وفدك

السقيفة وفدك

مؤلف:
العربية

السقيفة وفدك

لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣
٤

وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري. في السقيفة وفدك. وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث ، كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته ..

ابن ابي الحديد ١٦ ـ ٢١٠

٥
٦

المقدمة :

على أثر الظروف القاسية والحوادث السياسية الدامية والخلافات العاتية الطالبة للسيطرة والغلبة التي اجتازت الوطن العربي ، وانتابت العواصم الإسلامية. وفرضت حكومتها التوسّعية على الأمم والشعوب الإسلامية ، فأبادتها وشرّدتها وجعلتها طراق قددا ، وفرقتها ودعتها متوزّعة متفرقة كقصصات الورق ضاع التراث الفكري وانهارت صروح ومعالم الحضارة الثقافية ، بصورة جعل التاريخ تلك الشحصية الإسلامية الزاخرة بالحيوية ، واليقظة الروحية التي غزت العالم من أقصاه الى أقصاه بالنشاطات الفكرية ، والمعالم الثقافية.

أن الحوادث الدامية التي انتابت الوطن الإسلامي تركت في التراث الفكري رواسب قاتمة وآثارا جذرية من التقهقر والانحطاط ، في الحضارة الإسلامية لأنها لم تدع للمسلمين في أكثر الاحايين فرصة التمتع بشيء يسير من الاستقرار والهدوء.

لقد توالت على التراث العربي ، والمكتبة العربية نكبات وويلات بسبب المنازعات العقائدية ، والأطماع التوسعية التي كانت تنتهي دائما الى إحراق واتفلاف الكثير من الكتب النفيسة وبسبب الغزاة الفاتحين الذين الذين احتلّوا البلاد الإسلامية وسلبوا ديارها وخربوا معالمها ومآثرها وكانت خزائن الكتب ودور النفائس الفكرية من جملة ما خربوا ، واننا في الوقت الحاضر لا نملك إلا الحزن والأسى حينما نتصفح

٧

التاريخ ونقرأ ما جرى على الخزائن والمكتبات من إحراق وإغراق واتلاف وتدمير ، فقد أقام الفاتحون من الكتب جسراً على نهر دجلة ، ورموا الكثير منها في مواقد المطابخ والاتلاف والحمامات.

والذي نراه اليوم بأيدينا من التراث ومن كتب الأقدمين لكم يكن غير النذر اليسير من التراث الضخم الفخم الذي تركه السلف لنا ، وإننا لنقرأ أسماء الكثير بن من العلماء والأدباء والرواة والمحدثين ولايوجد بين أيدينا شيء من آثارهم ، كما اننا نقرأ أسماء لكثير من المؤلفات والمصنفات ولا أثر لها في دور الكتب العامة والخاصة.

هذا وبعد هذه المرحلة الأليمة يأتي دور الغزو الغربي للشرق فحين بدأ الإستعمار الغربي يغزو الشرق بحيله ومواعيده الخلابة الفارغة اندفعت شرذمة من أذنابه وعيونه لنهب التراث الفكري واستعمار الجانب الثقافي بعد أن تهافت الغرب على نقل العلوم التي اشتغل العرب بها أبان نهضتهم العلمية ، فكان تراثنا العلمي مبعثرا في الآفاق وموزعاً في الأقطار فمنه جانب في مكاتب الأستانة ، وجانب في الأسكوريال ، وقسم كبير في مكتبات أوروبا ومتاحفها ، وقد انقضت السنون وتلتها أخواتها وما زلنا حتى الساعة هذه نمشي على انتظار ما تجود به علينا أيدي المستشرقين من هذا التراث الحي الذي فيه النتاج العلمي والنتاج الأدبي والنتاج الروحي. لقد أخذ تراثنا الفكري طريقه الى الغرب ، وشق ركبه اليه منذ سنين وقرون متمادية على يد نفر زيّن لهم ، حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب(١) .

زين لهم وأغروهم بالأموال فجمعوا التراث الفكري وشروه ببخس دراهم معدودة ، وأدعوه في الصناديق وجهوه الى الغرب بشتى الطرق والوسائل ، وهذا

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤.

٨

كان ديدنهم مدى حياتهم.

هنا يكشف التاريخ القناع عن وجه واحد من هؤلاء ، ويعرف بتاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد الكندي البغدادي الدمشقي المصري المتوفى ٦١٣ قال ابن خلكان : أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع ، وشهرته تغني عن الأطناب في وصفه ، سافر عن بغداد في شبابه ، واستوطن حلب مدة ، كان يبتاع الخليق ويسافر به الى بلاد الروم ويعود اليها ، ثم انتقل الى دمشق وصحب الأميرعز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه ، وهو ابن أخي السلطان صلاح الدين ، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته الى الديار المصرية واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس وعاد الى دمشق واستوطنها وقصده الناس وأخذوا عنه(١) .

والله أعلم كم كان لمدة أمال تاج الدين وكم حملوا الى الروم من التراث ويمكن القول ان العراق وسورية كانا أول البلاد التي فقدت ثروتها الفكرية لهذا لا تخلو مكتبة كبرى في الغرب من مجموعة كبيرة تتناول البحث عن تاريخ العرب والاسلام وما يتصل بها من آثار وحضارة وأديان ولغات وسياسة وغير ذلك ، كما أولوا البحوث الاسلامية عناية خاصة ، وحرصوا أشد الحرص على اكتناز ما يصدر من المطبوعات في أغلب العواصم العربية والاسلامية ، أما ما ينشره المستشرقون من كتب عربية قديمة في الغرب فإنهم يتسابقون الى إحرازه واختزانه والانتفاع به.

ففي سنة ١٩٤٣م. أحرزت جامعة ـ برنستن ـ مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية يقدر عددها بستة آلاف مخطوطة اقتنتها من الاستاذ يهودا البغدادي صفقة واحدة بمبلغ٠٠٠ / ٧٥ ألف دولار ، ويهودا المذكور بغدادي الأصل طاف في بلدان الشرف الأدنى ولا سيما في مصر وجمع منها هذه الآلاف من

__________________

(١) وفيات الأعيان ٢ : ٣٤٠ نسمة السحر ١ : ٢٤٢ ـ خ ـ.

٩

المخطوطات ونقلها الى اميركة ، حيث استقر بها المقام في مكتبة جامعة برنستن(١) .

ومهما يكن من أمر فالتراث الفكري العربي منذ القرن السابع الهجري ، كان موضع نهب ورق وتدمير وابادة وتمزيق نفر من أذناب الغرب وشياطينه.

* * *

أجل اننا نقرأ أسماء الآلاف من العلماء ، والرواة ، والأدباء ، ولا نجد بين أيدينا شيئا من آثارهم ، كما اننا نطالع أسماء لكثير من التصانيف والموسوعات ، ولا أثر لها في خزائن الكتب ، ومهم على سبيل المثال ، أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي ، فقد كان كثير العلم والرواية والأدب. وصاحب مدرسة ومكتبة وحوزة في البصرة وبغداد يجتمع إليه الأدباء والمحدثون وينقلوا ويسجلوا ما يمليه عليهم ، أو يستمع الى قراءة كتبه ومؤلفاته سنين طويلة

ولا بد لعالم كهذا تصانيف وكتب ورسائل جمة غير أن لم يحفظ التاريخ لنا منه كتاب ولا رسالة ولا ورقة مع العلم كما سنوقفك عليه من أن مؤلفاته كانت متداولة وموجودة الى القرن السابع الهجري ، وموضع عناية المحققين ، والمصنفين ، بحيث اتخذوها من المراجع الهامة ، وحسبوها من المصادر الأسلامية أو الأدبية الحية. قال عز الدين ابن أبي الحديد عنه : وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث ، كثير الأدب ، ثقة ، ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته(٢) .

ان هذه الجملة على اختصارها ، ان دلت على شيء فانما تدل على وجود مصنفات لأبي بكر الجوهري في شتى المواضيع ومختلف البحوث غير أن التاريخ لم يحتفظ لنا بشيء منها ، حتى أن بعضا من المحققين والمتتبعين رغم البحث والتتبع في كافة مظان خزائن المخطوطات العربية أعلن أن كثيرا من الكتب التي أصبحت

__________________

(١) جولة في دور الكتب الاميركية : ٤٦.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢١.

١٠

من عداد التراث العربي المفقود ، لا تزال عناوينها ومقتبسات منها محفوظة في سائر المؤلفات ، منها مثلا كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري(١) .

وإذا ما تصفحنا بعض المعاجم والمراجع الأدبية والتاريخية ، لوجدناها زاخرة بروايات وأحاديث تحدث بها أبو بكر الجوهري ، أو أملاها على المؤلفين ، ومنها مؤلفات أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني ، وأبي عبيدة محمد بن عمران المرزباني ، وأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري الخراساني ، وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، وعز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي وغيرهم.

ولما كانت أحاديث وروايات الجوهري ، مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم وتعتبر بحق نصوصا تاريخية وأدبية ، أخذت على نفسي جمعها ولمها من ثنايا الكتب وجعلها في كتب خاصة مستقلة باسمه ، مع ذكر المراجع التي نقلت وأخذت منها فكانت مؤلفاته كما يلي :

مؤلفات الجوهري :

تقع تصانيف الجوهري وتنقسم على جوانب شتى ، وبحوث مختلفة من التاريخ ، والأدب ، والحديث ، والتفسير ، وكانت على النحو التالي :

أ ـ أخبار الشعراء :

جمعت فيه ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن أبي بكر الجوهري ، من أحاديث وأخبار الشعراء في كتابيه ـ الأغاني ـ و ـ مقاتل الطالبيين ـ.

ب ـ السقيفة وفدك :

ويحتوي على جميع النصوص التي ذكرها ابن أبي الحديد ، في كتابه ـ شرح نهج البلاغة ـ عن كتاب السقيفة لأبي الجوهري ، حسب ما كانت في خزانة كتبه من نسخة ، وكذا نسخة اخرى منه

__________________

(١) الغارات ١ : عو ـ المقدمة ـ ط ايران سنة ١٣٩٥هـ تحقيق وتقديم المرحوم العلامة مير جلال الدين الحسيني الارموي المحدث. ويقع في مجلدين ٣٧٢ + ٧٤٩.

١١

نسخة ، كذا نسخة اخرى منه في مكتبة بهاء الدين أبي الحسن علي الاربلي البغدادي صاحب كتاب ـ كشف الغمة ـ.

ج ـ مآخذ العلماء على الشعراء :

ويضم ما ذكره أبو عبيد الله محمد المرزباني ، في كتابه ـ الموشح ـ عن أبي بكر الجوهري ، وهي مآخذ كتبها الجوهري ، الى المرزباني ، وهي مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر واسأل الله جل شأنه التوفيق والصحة والعون والعمر في اخراج الجميع وطبعه ونشره انه ولي التوفيق.

هذا وحدثني الفقيه آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي انه شاهد في مكتبة المرحوم العلامة الشيخ محمد السماوي النجفي كتابا لأبي بكر الجوهري ، في علوم القرآن ، وفي الأغاني أحاديث وروايات قرآنية جاءت عن الجوهري ، تثبت هذا الرأي.

مشايخه في الرواية :

يروي أبو بكر الجوهري ، في كتابه عن رجال أجمعت أئمة الجرح والتعديل على توثيقهم وصدقهم ، كما ترجمت لهم أصحاب المعاجم واثنوا عليهم ، وترجموا لهم وذكروهم بالتقدير والاكبار ، وهم من كبار الشيوخ وفطاحل السنة ، لأن المؤلف كان يستقصي في وضع تأليفه الأحاديث من منابعها السليمة ، ويتوخى الأخبار عن مصادرها الموثوقة الشافية حسب اعتقاده وعلمه ، وان أتى فيه ما يخالفه الحقيقة والواقع في بعض الأحايين ، فذكر أحاديث وأخبار مباينة للحق الصراح ، ولذلك أشرنا إليها في الهوامش ، وترجمنا رجال السند ، وأقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم ، لتمتاز الأحاديث الصحيحة من السقيمة ، والمعتمدة من المختلفة ، ولينتقى التاريخ عن المختلقات والموضوعات ، ويصفى من الشبه والضلالات.

١٢

ان التاريخ ينبغي أن يتطهر من زلات الميول والعواطف ، ويتجرد عن الأهواء والاتجاهات الطائفية والسياسية ، ويتنزه عن الهوى والأهواء ، والحب والتقليد الذي تبيد في صعيده الحقائق ، وتتلاشى في ظلاله الواقع ، كل ذلك لئلا يذهب الحق جفاء ، وما يفسد الناس ويضلهم فيمكث.

لقد روى المؤلف في كتابه هذا عن نفر عرفوا بالصدق ، والعدل ، والثقة ، وكثيرا ما نجده في نقله الحديث يبتدأه بقوله : أخبرنا ، حدثني ، حدثنا ، أنبأنا ، وما أكثرهم مشايخه في الرواية ، بيد أنه كثير النقل والرواية عن :

أ ـ عمر بن شبة :

أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد بن رائطة بن أبي معاذ النميري البصري النحوي الأخباري البغدادي المتوفى ٢٦٢(١) .

روى عن أبيه وعمر بن علي المقدمي ، ومسعود بن واصل ، وعبيد بن الطفيل ، وعبد الوهاب الثقفي ، وحسين الجعفي ، وأبي داود الطيالسي ، وابي اسامة ، وبشر بن عمر الزهراني ، وابن مهدي ، والقطان ، وأبي أحمد الزبيري ، وأبي عامر العقدي ، وسعيد بن عامر الضبعي ، وأبي بدر شجاع بن الوليد ، وأبي عاصم ، والأصمعي ، وعبد الوهاب الخفاف وعفان ، وعلي بن عاصم ، وقريش بن أنس ، وغندر ، وابن أبي عدي ، ومعاذ بن معاذ ، ومعاوية بن هشام القصار ، والوليد بن هشام القحذمي ، وأبي زيد الأنصاري ، ومسلم بن ابراهيم ، فمن بعدهم.

وروى عنه ، ابن ماجة ، وأبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني ، وأحمد بن يحيى ثعلب النحوي ، وأحمد بن يحيى البلاذري ، وابن أبي الدنيا ، وأبو نعيم

__________________

(١) الشذرات ٢ : ١٤٦. الغدير ١ : ٩٤. النديم : ١٢٥. تهذيب التهذيب ٧ : ٤٦ وفيه مات سنة اثنتين ومأتين وهو تصحيف. تاريخ بغداد ١١ : ٢ ٨. تهذيب الاسماء ٢ : ١٦. معجم الأدباء ١٦ : ٦. تذكرة الحفاظ ٢ : ٩. بغية الوعاة : ٣٦١. هدية العارفين ١ : ٧٨. وفيات الأعيان ٣ : ٤٤. العبر ١ : ٣٦٢. البداية والنهاية ١١ : ٣٥.

١٣

بن عدي ، وابن صاعد ، وابن أبي حاتم ، واسماعيل بن العباس الوراق ، وأبو الحسن علي بن عيسى الوزير ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي ، وأحمد بن اسحاق بن بهلول ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وأبو بكر بن أبي داود ، وأبو العباس السراج ، ومحمد بن زكريا الدقاق ، والحسين بن اسماعيل المحاملي ، ومحمد بن أحمد الأثرم ، ومحمد بن مخلد الدوري.

قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وهو صدوق صاحب عربية وأدب ، وقال الدارقطني ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : مستقيم الحديث وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ، ومعرفة بأيام الناس. وقال الخطيب : كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس. وله تصانيف كثيرة وكان قد نزل في آخر عمره سر من رأى ، وقال المرزباني في معجم الشعراء : أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة. وقال مسلمة : ثقة انبأنا عنه المهرواني ، وقال محمد بن سهل : روايته ، كان اكثر الناس حديثا وخبرا ، وكان صدوقاً ذكياً نزل بغداد عند خراب البصرة(١) .

ب ـ محمد بن زكريا الغلابي :

أبو جعفر محمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري الجوهري الاخباري ، وقيل : أبو عبد الله مات سنة ٢٩٨(٢) .

كان هذا الرجل وجها من وجوه أصحابنا بالبصرة ، وكان اخباريا واسع العلم ، وصنف كتبا كثيرة ، له كتب منها : الجمل الكبير ، والجمل المختصر ، وكتاب صفين الكبير ، وكتاب صفين المختصر ، مقتل الحسين (ع) ، كتاب النهر ، كتاب الأجواد ، كتاب الواقدين ، مقتل أمير المؤمنين (ع) ، أخبار زيد ، أخبار فاطمة (ع) ، كتاب الخيل ، قال النديم : كان ثقة صادقا ، روى عن عبد

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ : ٤٦.

(٢) الشذرات ٢ : ٢٠٦. تنقيح المقال ٣ : ١١٧. النجاشي : ٢٤٤. تأسيس الشيعة : ٢٣٤ ، ٢٥٢. ميزان الاعتدال ٣ : ٥٥. هدية العارفين ٢ : ٢٣. ايضاح المكنون ٢ : ٢٨٦ ، ٢٨٩ ، ٣ ٩ ، ٣٤٨ ، ٥٤ ، ٧١٤. جامع الرواة ٢ : ١١٤. النديم : ١٢١.

١٤

الله بن رجاء الغداني وطبقته ، قال ابن حبان : يعتبر بحديثه ، وقال السيد الصدر : أبو عبد الله محمد بن زكريا الغلابي البصري ، امام أهل السير والآثار والتاريخ والأشعار.

وما جاء في الشذرات من تقييد وفاته ٢٩ ه‍ بعيد عن الصحة ، والصواب ما ذكرناه.

ج ـ يعقوب بن شبية :

أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري المتوفى ٢٦٢(١) .

الحافظ أحد الأعلام ، وصاحب المسند المعلل ، سمع علي بن عاصم ، ويزيد بن هارون ، وروح بن عبادة ، وعفان بن مسلم ، ويعلي بن عبيد ، ومعلى بن منصور ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبا النضر هاشم بن القاسم ، واسور بن عامر ، وأبا نعيم ، وقبيصة بن عتبة ، ويحيى بن أبى بكر ، وحسينا المروزي ، ومسلم بن ابراهيم ، وأبا الوليد الطيالسي ، ومحمد بن كثير ، وأبا مسلمة التبوذكي ، وأبا أحمد الزبيري ، واحوص بن جواب ، وخلقا كثيرا من أمثالهم.

روى عنه ابن ابنه محمد بن أحمد بن يعقوب ، ويوسف بن يعقوب بن اسحاق بن البهلول ، وكان ثقة ، سكن بغداد وحدث بها وصنف ، كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين لتبيض المسند ونقله ، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار ، وكان من فقهاء البغداديين على قول مالك ، ومن كبار أصحاب أحمد بن المعدل ، والحارث بن مسكين ، وأخذ عن عدة من أصحاب مالك ، وكان من ذوي السرور ، كثير الرواية والتصنيف.

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٤ : ٢٨١. تذكرة الحفاظ ٢ : ١٤١. البداية والنهاية ١١ : ٣٥. النجوم الزاهرة ٣ : ٣٧. الشذرات ٢ : ١٤٩. كشف الظنون : ١٦٧٨. هدية العارفين ٢ : ٣٥٧. ايضاح المكنون ٢ : ٤٨٢. طبقات الحفاظ : ٢٥١.

١٥

د ـ أحمد بن منصور الرمادي :

أبو بكر احمد بن منصور بن سيار بن معارك الرمادي المتوفى ٢٦٥(١) .

حافظ ثقة سمع عبد الرزاق بن همام ، وابا النضر هاشم بن قاسم ، وزيد بن الحباب ، ويزيد بن أبي حكيم ، وأبا داود الطيالسي ، ويزيد بن هارون ، ويحيى بن اسحاق السيلحيني ، وأسود بن عامر ، ومعاذ بن فضالة ، وعلي بن الجعد ، وأبا سلمة التبوذكي ، وأبا حذيفة النهدي ، وعمرو بن القاسم بن حكام ، والقعني ، ونعيم بن حماد المروزي ، وسعيد بن أبي مريم ، ويحيى بن بكير ، وحرملة بن يحيى ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواء ، وعبد الملك بن ابراهيم الجدي ، وأبا عاصم النبيل ، وعفان بن مسلم ، وعبيد الله بن موسى ، ويحيى بن الحماني ، وأحمد بن حنبل ، وهناء بن السري ، وهارون بن معروف ، وعثمان بن عمر بن فارس ، وهشام بن عمار ، ورحيما وغيرهم من أهل العراق ، والحجاز ، واليمن ، والشام ، ومصر ، وكان قد رحل واكثر السماع والكتابة وصنف المسند.

كان أثبت من أبي بكر بن أبي شبية ، قال الدارقطني : أحمد بن منصور الرمادي ثقة ، توفي سنة ٢٦٥ ، وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة ، وصلى عليه ابراهيم بن أرملة الأصبهاني(٢) .

هـ ـ مغيرة بن محمد المهلبي :

أبو حاتم مغيرة بن محمد بن المهلب بن المغيرة بن حرب بن محمد بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي الأزدي المتوفى ٣٧٨(٣) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ : ٨٣. تاريخ بغداد ٥ : ١٥١. ميزان الاعتدال ١ : ١٥٨. معجم البلدان ٣ : ٦٦. الشذرات ٢ : ١٤٩. طبقات الحفاظ : ٢٥١.

(٢) تاريخ بغداد ٥ : ١٥١.

(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ١٩٥. النديم : ١٢١.

١٦

كان أديباً اخبارياً ثقة ، حدث عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، ومسلم بن ابراهيم الأودي ، وعبد الله بن رجاء الغداني ، وعبد الغفار بن محمد الكلابي ، وعمر بن عبد الوهاب الرماحي ، والنضر بن حماد المهلبي ، وهارون بن موسى الفروي ، والنصر بن محمد الأودي ، وسليمان الشاذكوني ، واسحاق بن ابراهيم الموصلي ، روي عنه هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات ، ومحمد بن خلف بن المرزبان ، ويوسف بن يعقوب بن اسحاق بن البهلول ، ومحمد بن يحيى الصولي ، وغيرهم وهو من أهل البصرة ، ورد بغداد وحدث بها وقال : دخلت على المتوكل فمثلت بين يديه قائما ، قال فقال : انتسب ، فقلت انا المغيرة بن محمد فقال :

قتل المغيرة بعد طول تعرض

للقتل بين أسنة وصفائح

قال : فغمزني سيف حاجبه ، فقال لي أجبه ، قال فقلت : والله يا أمير المؤمنين لقد بر قسم أخي يزيد ـ وكان يزيد حاضرا ـ حين يقول :

فاحلف حلفه لا أتقيها

بخبث في اليمين ولا ارتياب

لوجهك أحسن الخلفاء وجها

وأسمحهم يدين ولا أحابي

قال : فجعل يردد الشعر حتى حفظه واجازني بسبعة آلاف درهم(١) .

و ـ أبو بكر الوزان :

أبو بكر أحمد بن اسحاق بن صالح بن عطاء الوزان البغدادي المتوفى ٢٨١(٢) .

حدث ببغداد وسر من رأى ، عن مسلم بن ابراهيم الفراهيدي ، والربيع بن

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ١٩٥.

(٢) تاريخ بغداد ٤ : ٢٨.

١٧

يحيى الاشناني ، وقرة بن حبيب القنوي ، وهريم بن عثمان ، وخالد بن خداش ، وعلي بن المديني ، وسعد بن محمد الحرمي ، وحبذل بن والق وغيرهم ، قال الدارقطني : صدوق لا بأس به. مات بسر من رأى يوم السبت في أول يوم من المحرم سنة ٢٨١.

وله غير هؤلاء من المشايخ الثقات الذين يروي المؤلف عنهم ، وقد ترجمنا لهم حسب ما جاء في مطاوي الكتاب في الهوامش.

تلاميذه في الرواية :

كما أخذ أبو بكر الجوهري ، عن مشايخ الحديث والرواية ، ومن الذين أجمعت أئمة الجرح والتعديل على توثيقهم وضبطهم ، كذلك يحدثنا التاريخ ان نفرا من المحدثين وشيوخ الأدب والشعر والتاريخ قد أخذوا عنه ، وضعوا على ضوء أحاديثه ورواياته مؤلفاتهم وكتبهم ، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على تضلع الجوهري وصدقه ووفور علمه وعبقريته ، وانه كان من كل صوب وحدب ، ويأخذون عنه ويسجلون ما يلقيه عليهم من أخبار وحكايات شتى ، وأحاديث مختلفة وقضايا متنوعة في التاريخ والحديث والأدب ، ولم يأت في كل هذه بما ينكر عليه.

لقد تخرج من مدرسة أبي بكر الجوهري رجال حفظوا التراث الاسلامي بثقافتهم ، وخلفوا ورائهم ثروة فكرية ضخمة ، ومناعة علمية حية ، بحيث أصبحوا من كبار المؤلفين الذين عرفتهم اللغة العربية خلال القرون المتطاولة ، لأن كل واحد منهم كان ذا شخصية ثقافية متعددة الجوانب ، كثيرة المعارف ، ويكفينا للتعريف بشخصيته العلمية مؤلفاته التي أصبحت ضالة كل أديب وعالم ومؤرخ وباحث ، وأقوله بصراحة : أن المؤلفين منذ القرن الرابع الهجري الى الآن عيال في التاريخ والأدب ، على كل واحد تلاميذ مدرسة الجوهري.

وهنا يجدر الاشارة الى بعض من تلاميذه في الرواية لنقف على مدى حيوية

١٨

الشيخ الجوهري ، الثقافية ومناعته الفكرية التي أخرجت أمثال هذا الرعيل من العلماء ، فراحوا يثبتون روايتهم عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في مؤلفاتهم.

١ ـ أبو الفرج الأصبهاني :

أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمان بن مروان بن عبد الله بن مروان المعروف بالحمار ، آخر خلفاء الدولة الأموية في الشام ، ابن محمد بن مروان بن الحكم بن ابي العباس بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي الاصبهاني ، البغدادي المتوفى ٣٥٦(١) .

فاضل علمه محيط ما وجد له قاف ، قد جمع الأدب له من طريق هو نزهة الخليع ونفس ذات عفاف ، فكتبه سلوة المهموم ، وعلى أغانيه خوافق القلوب تحوم ، وله شعر يستعير منه النسيم اللطف ، ويعلم من عكف عليه انه جامع الظرف ، وأخذ عن كثير من العلماء يطول عددهم ، وكان بحرا في أخبار الناس وأيام العرب وأنسابهم ، وأحوال الشعراء الجاهليين والمخضرمين والمولدين.

وحكى عن الصحاب بن عباد ، انه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها ، فلما وصل إليه كتاب ـ الاغاني ـ لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها(٢) .

له تآليف مستملحة منها : الأغاني ، القيان ، الآماء الشواعر ، الديارات ، دعوة التجار ، أخبار مجظة البرمكي ، مقاتل الطالبيين ، الحانات ، آداب الغرباء.

أخذ أبو الفرج ، عن أبي بكر الجوهري ، ونقل وروى عنه الكثير وتخرج عليه

__________________

(١) ترجمة في : معجم المؤلفين ٧ : ٧٨. الكنى والألقاب ١ : ١٣٨. ريحانة الأدب ٧ : ٢٣٦. جامع الرواة ٢ : ٤٠٩. معالم ٧العلماء : ١٢٨. تاريخ آداب اللغة ٢ : ٥٩١. مجالس المؤمنين ١ : ٥٦. نسمة السحر ٢ ـ خ ـ. سفينة البحار ٢ : ٣٥٣.

(٢) نسمة السحر ج ٢ ـ حرف العين ـ خ ـ.

١٩

وهذا ما نجده واضحا في كتابيه الأغاني ومقاتل الطالبيين ، فكثيرا ما يقول : حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، أو أخبرنا الجوهري ، وهذه العبارات جاءت من المجلد الأول ص ١٧ من الأغاني ، وتكررت في جميع مجلداته الى المجلد الأخير وآخرها ص ١٨١ من المجلد العشرين.

أما في مقاتل الطالبيين(١) فقد روي عن الجوهري ، ونقل عنه في اكثر صفحات كتابه ونجده ص ١٧١ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ١٩١ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩.

وهذا ان دل على شيء فانما يدل على أن أبا الفرج كان ملازما لمجلس الجوهري ، يسجل ما يمليه في شيت الجوانب التاريخية والأدبية ، ولعله استفاد من أبي بكر اكثر مما استفاد من غيره ، والغريب جدا أن مصنف فهارس كتاب الأغاني(٢) لم يذكر اسم أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، في فهرست أسماء الرجال والنساء والقبائل ، مع كثرة ما ورد في مجلدات الأغاني.

٢ ـ أبو عبيد الله المرزباني :

أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بين عبيد الله المرزباني الكاتب الخراساني الأصل البغدادي المولد ، والمتوفى ٣٨٥(٣) .

كان صاحب أخبار ورواية للآداب ، ثقة في الحديث صادق اللهجة ، واسع المعرفة كثير المساع ، صنف كتبا كثيرة مستحسنة في فنون ، وكان ما بين لحاف ودواج معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده ، وكان عضد الدولة البويهي يجتاز على داره فيقف

__________________

(١) طبع النجف سنة ١٣٨٥ تقديم المرحوم الاستاذ كاظم المظفر.

(٢) طبع ليدن عام ١٣١٨.

(٣) اخبار السيد الحميري : ٧ ـ ٩.

٢٠

قيام مؤسسة الخلافة وتطورها السياسي

ليس من السهل أن نبحث في مسألة نشوء الخلافة وتطور أسسها والتحول في مفاهيمها السياسية والعقائدية. فذلك يحتاج أولاً التعرض الى المنطلقات السياسية مع أصول الادارة والسلطة عند العرب قبل قيام الاسلام، ثم تطور هذه الاصول والمنطلقات بعد انتصار الاسلام وتأسيس دولته.

ولا بد للباحث، عند الشروع بمثل هذا العمل، أن يجد نفسه ملزماً في التعرف الى أحوال مكة ومجتمعها بشكل أساسي، ثم أحوال بقية شبه الجزيرة حاضرها وباديها. لم تعرف مكة قبل قيام الاسلام الحكومة بأي شكل من اشكالها وحدود سلطاتها، بل أديرت شؤونها من قبل كبار التجار وممثلي كبار الاسرة القرشية. وكان للمدينة عدد من الشعب الوظائفية وزعت كل واحدة منها على أسرة من الأسر، دون أن يكون هنالك اية هيئة حاكمة تتمتع بصفة من صفات الشرعية. كذلك لم تعرف المدينة

٢١

أي نوع من أنواع القوة المسلحة، او يوجد فيها جماعات كهنة لهم نفوذ وسلطات، بل كان زعماؤها يجتمعون أحياناً للتداول في القضايا والمشاكل، وكان مكان اجتماعهم يدعى (دار الندوة). غير أن القرارات التي كانت تتخذ في هذه الاخيرة، لم يكن لها صفة الالزام، وانما كان الاخذ بها اختيارياً وفردياً... وكان اجماع زعماء المدينة على أمر من الامور متعذراً في كثير من الاحيان، وكثيراً ما كانت تنقسم المدينة في مواقفها من القضايا وتعقد التحالفات المتضادة داخلها، وفي النهاية يكون النصر غالباً للحلف الأقوى. وفي كتب الاخبار والسيرة أحاديث طويلة حول بعض القضايا التي واجهها مجتمع مكة وحول أحلاف هذا المجتمع، ويستفاد من بعض الاخبار انه وجد لدى المكيين مفهوم واحد للشرعية الواجب الالتزام بأوامرها مهما كانت، وهذا المفهوم ارتبط بالكعبة التي كانت موضع اجلالهم وقداستهم. فعندما كان يجمع غالبية الزعماء المكيون على أمر من الأمور كانوا يدونون ما أجمعوا عليه في صحيفة ويقومون بتعليقها في جوف الكعبة، وهنا يأخذ الامر صفة الشرعية. ولدينا مثال واضح حول هذا : ما عمله المكيون حين أعلنوا صحيفة مقاطعة بني هاشم التي اضطرت هؤلاء الالتزام بها، فتركوا مكة وأقاموا محصورين في شعب ابي طالب، وعاشوا في ظل المقاطعة حتى مزقت الصحيفة(١) .

_____________________

(١) سهيل زكار : التاريخ عند العرب، ٩٥ - ١١٥.

٢٢

هذا وقد استمرت عادة تعليق صحف المعاهدات والوصايا وغيرها في الكعبة. ومن أوضح الامثلة على ذلك ما فعله هارون الرشيد حين قام بتولية اولاده العهد من بعده.

ان أمر الالتزام بشرعية الاوامر المعلقة في جوف الكعبة مرتبط بقدسيتها، حيث اعتبرها القرشيون بيت الله. وهكذا فالامر المعلق في جوفها تصبح له صفات الهية، وهو أمر في غاية الاهمية، وقد تطور بعد ذلك تطوراً كبيراً.

وبعد قيام الاسلام، ومع بداية التبشير به لم يحدث تغيير جوهري فيما كان سائداً في مكة، ذلك أن النبي لم يمارس أية سلطات على الذين آمنوا برسالته، ولكنه مع ذلك فقد غدا مسموع الكلمة، محترماً ومتبع الرأي بين أتباعه.

وقد تبدل هذا الحال كلياً بانقضاء الفترة المكية وهجرة المسلمين الى المدينة، حين عمل النبي الذي أصبح بالاضافة الى صفة النبوة يتحلى بصفة زعيم أمة وحاكمها المطلق النابعة أحكامه من ارادة الله، عمل هذا النبي على انشاء أمة جديدة ذات تقاليد وقواعد جديدة. ولاول مرة في حياة مجتمع شمالي شبه الجزيرة العربية، لا بل في مجتمع الجزيرة كله، قامت تجربة جديدة للحكم، مركزية السلطة،

٢٣

حاكمها يملك الحق في التشريع وفي نفس الوقت يقع عليه واجب تنفيذ الاحكام. ولم يكن تطبيق هذا والقبول به من قبل العرب من الامور السهلة، لكن النبي نجح الى أبعد الحدود في ارساء قواعد لحكم الامة الجديدة التي أقامها وان كان لم يأت بنظرية للحكم ذات أسس ومنطلقات ثابتة.

هذا وقد تناول بعض الناس هذه القضية حيث يرون بأن النبي قد أتى بنظرية خاصة في الحكم والسياسة، هي نظرية الشورى، معتمدين على ما جاء في القرآن الكريم( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) أو «وشاورهم بالامر». ومع الاقرار بما ترمي اليه هذه الآيات، فان القرآن لم يبيّن قواعد الشورى هذه وحدودها وطرق تطبيقها، كما لم يبين الى أي حد كان على النبي الاخذ برأي أصحابه وأتباعه. وعندما يعود المرء الى كتب السيرة يجد أن مفهوم هذه القضية لم يكن واضحاً عند أحد من الصحابة، كما لم تتوضح معالمه في الممارسات زمن النبي.

لقد ملك النبي وحده جميع فروع السلطة من تشريع وقضاء وادارة وجباية وأعمال حربية، وذلك بالاضافة الى صفته الاساسية وهي النبوة. وهكذا امتزجت مفاهيم السلطات الزمنية بمفاهيم السلطات الدينية في الاسلام، وصار كل أمر في الدولة العربية الناشئة مزدوج الصفات

٢٤

زمنياً ودينياً. وكان النبي أحياناً ينتدب بعض أصحابه فيكلفهم ببعض الوظائف حين يبتعد عن المدينة، أو يرسلهم لتنفيذ بعض المهام مثل جباية الصدقات أو تفقية الناس بالاسلام وامامتهم بالصلوات او تنفيذ مهمات عسكرية. وكان الذي ينوُب عن النبي في امامة الصلوات يدعى خليفة النبي، وكان قائد الحملة العسكرية يسمى أمير. ولما كانت القوات التي يقودها هذا الاخير قواتاً مؤمنة تقوم بتنفيذ مهمة ضد جماعات غير مؤمنة، فقد كان بعض القادة العسكريين يُميزون عن قادة الاعداء بلفظة «أمير المؤمنين !»(١) .

وكان الخليفة على الصلوات يؤدي الصلاة كما يؤديها النبي دونما زيادة او نقصان، ذلك أن الخليفة هو النائب عن الأصيل الملتزم كلياً بما عهد اليه من أوامر وتعاليم. وكانت صلاحيات أمير الجيش أوسع من صلاحيات الخليفة، ذلك أن قيادة العساكر تستوجب الطاعة المبرمة، وتعطي القائد فرص التصرف وابداع الحلول واصدار ما يراه ضرورياً من أوامر وتعليمات. ففي حين حُرم الخليفة من السلطات التشريعية مُنح ذلك للامير وتمتع به.

ومع اتساع رقعة الدولة الجديدة، وتعاظم

_____________________

(١) التراتيب الادارية : ١/٢ - ٨.

٢٥

المسؤوليات فيها، تقدم النبي بالسن وأخذت آثار المرض وما عاناه تظهر عليه، وهنا - كما يُستخلص من الاخبار - أخذ بعض المسلمين يفكرون في مستقبل العقيدة وفي شؤون الحكم في الدولة ومع مرض النبي الاخير أصبحت هذه المسألة هاجساً جثم على صدور المسلمين، وأثيرت هذه القضية قبل موت النبي، ويبدو انه حاول وضع الحل لهذه المسألة ولكن مرضه وأموراً أخرى حالت بينه وبين ذلك(١) .

وبعدما توفي النبي تمّ استلام أبي بكر لمقاليد الحكم في الدولة الجديدة في ظروف سبق شرحها، وأصبح منصب الخلافة منذ ذلك الحين رسمياً وأساسياً في الحياة السياسية للامة الاسلامية، بينما لم تكن له في البداية أية هوية واضحة المعالم والاسس.

وحاول ابو بكر تحديد معالم منصبه الجديد منطلقاً من مفهوم «الخلافة» اللغوي، أي أن الخليفة نائب ملتزم بأوامر المنيب وأفعاله. وقد ظهر ذلك في قوله «انما أنا متبع ولست بمبتدع»، وظل أبو بكر يعرف طيلة حكمه بخليفة رسول الله، ذلك انه لم يحتج الى تبديل لقبه، لان

_____________________

(١) انظر صحيح البخاري : ٥/١٣٧ - ١٤١.

٢٦

مدة حكمه كانت قصيرة، لم يحدث فيها مشاكل جديدة تحتاج الى تشريع. وهكذا ظل ابو بكر يعتبر نفسه نائباً عن النبي منفذاً لكل ما جاء به، ويرى نفسه انه لا يملك اية صلاحيات تشريعية، كما انه لا يملك اجبار المسلمين على ركوب خطة لم يحدد معالمها النبي والقرآن الكريم.

ومات ابو بكر والحالة من حيث الجوهر كما هي، سوى ان رقعة الدولة قد اتسعت فشملت أراضي خارج شبه الجزيرة، كما انه تجمع في الاقاليم المفتوحة قوات عربية مسلحة لا ريب انها أخذت تتطلع نحو اسماع صوتها ورأيها في السلطة. وقبيل وفاته قام ابو بكر بتعيين عمر بن الخطاب لتولي شؤون الحكم من بعده. وقبل الناس بهذا التعيين، الامر الذي يدل على حدوث تغييرات في مفاهيم الناس السياسية.

واستلم عمر السلطة والدولة الناشئة تجتاز مرحلة حاسمة وتواجه مشاكل خطيرة تحتاج الى حلول، ومثل هذه الحلول تطلبت ممارسة الخليفة صلاحيات تشريعية، ذلك أن الكثير من المشاكل كان جديداً ليس له نظير بين مشاكل العصر النبوي، ومن الامثلة على ذلك قضيتا السواد ونصارى تغلب، حيث قضت الاحكام الاسلامية بتقسيم الغنائم التي يحصل عليها المسلمون وفقاً لقواعد

٢٧

حددها القرآن، كما قضى الاسلام بأن يدفع أهل الذمة من نصارى وسواهم من غير المسلمين الجزية دونما استثناء.

فبعد الاستيلاء على سواد العراق وفتح الجزيرة اقتضت الاحكام تقسيم أرض السواد، ودفع قبيلة تغلب العربية للجزية اسوة ببقية سكان الجزيرة النصارى، لكن هؤلاء رفضوا دفع الجزية. ولقد أدرك عمر ما يمكن أن يلحقه تقسيم السواد من مضار، فما كان منه الا ان ترك قسمته، ولجأ الى مضاعفة الصدقة على نصارى تغلب، بدفع ضريبة من نفس النوع الذي يدفعه المسلم انما الكمية مضاعفة(١) .

ان في اقدام عمر على مثل هذا العمل، يعني انه قد منح نفسه صلاحيات تشريعية الامر الذي لم يفعله ابو بكر، فهو بذلك لم يعد خليفة بمعنى النائب بل تصرف كتصرف أمير الجيش. وهكذا تخلى عمر عن لقب خليفة ليكتسب لقب «أمير المؤمنين»(٢) ، وفي هذا التعبير مؤشرات تدل على تبدل جوهري في المفاهيم السياسية للدولة الاسلامية، خاصة وأن العرب المسلمين اختلطوا بشعوب كانت خاضعة لفارس وبيزنطه قبل خضوعها للعرب فتركت بعض التأثير.

_____________________

(١) أبو يوسف : الخراج، ٢٨ - ٤٧.

(٢) الطبري : ٥/٢٢.

٢٨

ومع امتداد الايام واتساع رقعة الدولة وبروز مشاكل جديدة أصبح الناس أكثر قبولاً لاعطاء الخليفة صلاحيات أوسع في التشريع، ويبدو أن عمر كان متنبهاً لذلك، فأخذ يبحث عن قاعدة يُرتكز اليها في المستقبل، غير أن اغتياله المفاجئ جاء ليمنعه من اتمام هذا الامر. وبينما هو على فراش الموت يعاني من آلام جراحه، لم يشغله ذلك عن هاجس الحكم ومستقبل زمام السلطة في الدولة الاسلامية الناشئة. نظر عمر حوله، فرأى ستة من اصحاب النبي كل واحد منهم يمثل فرعاً بارزاً من أسرة الزعامة القرشية. وكان أبرز هؤلاء الستة، علي بن ابي طالب ممثل بني هاشم، اسرة النبي، آل البيت في الاسلام، وأبرز أسر الزعامة قبل الاسلام منجهة، ومن جهة ثانية عثمان بن عفان ممثل أسرة بني أمية، أسرة المال والزعامة الاولى قبل الاسلام، والتي تسلم العديد من أفرادها أخطر مناصب الولايات بعد فتح مكة وأيام الفتوح زمن أبي بكر وعمر نفسه. ويبدو أن هذا الاخير رأى في تعيين علي مقدمة لقيام حكم الاسرة المقدسة، ورأى في تعيين عثمان تمهيداً لتمكين بني أمية من التسلط الكلي على الدولة وتسييرها بعقلية الارستقراطية التجارية المؤثرة.

لهذا آثر عمر عدم تحمل مثل هذه المسؤولية فتكون آخر أعماله وأخطرها، فكان أن ترك هذا الامر للستة الباقين من أصحاب النبي، ليقوموا باختيار أحدهم خليفة.

٢٩

وتوفي عمر، واجتمع هؤلاء فوضحت منذ البداية معالم الصراع، حيث أعلن أربعة من المرشحين عزفهم عن ترشيح أنفسهم مع احتفاظهم بحق التصويت. وبذلك انحصرت المعركة بين علي وعثمان، وأوكلت الامور الى عبد الرحمن بن عوف لاختيار واحد منهما. وقام هذا الاخير باستطلاع آراء الناس، فكان أن واجه تيارين : أحدهما ملّ قسوة نظام عمر ورقابته المركزية الشديدة وعدم تساهله، ورأى في استلام علي للحكم استمراراً، لا بل تطويراً لنظام الخليفة السابق، وتطبيقاً أشد لقوانين الاسلام. ذلك ان علياً كان ابن الاسلام وربيب البيت النبوي وعارفاً بأمور الدين وعلومه أكثر من سواه، فقد شرب من ينابيعه الاولى منذ البداية وحتى نهاية حياة النبي بلا انقطاع أو توقف، كما رأى اتباع هذا التيار ان في استلام علي للسلطة انتصاراً دائماً للتيار الهاشمي الذي انتصر بنجاح النبي وطعن يوم السقيفة. ولقد كان اتباع هذا التيار أقل قوة من التيار الآخر، غير انه كان أكثر مرونة وأوسع دهاء وأقل مثالية وأبرع في اعداد الانقلابات وخلق المواقف المحرجة(١) .

_____________________

(١) جاء في تاريخ الطبري ان عبد الرحمن بن عوف بعث في صبيحة اليوم الثالث لوفاة عمر «الى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، والى اُمراء الاجناد فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال : ايها الناس، ان الناس قد احبوا ان يلحق اهل الامصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم، فقال سعيد بن زيد : انا نراك لها أهلاً، فقال : أشيروا علي بغير هذا. فقال عمار : ان أردت الا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الاسود : صدق عمار، ان بايعت علياً =

٣٠

لقد رفض علي القبول بشروط عبد الرحمن بن عوف

_____________________

= قلنا سمعنا واطعنا. قال ابن ابي سرح : ان أردت الا تختلف قريش فبايع عثمان : فقال عبيد الله بن ابي ربيعة : صدق أن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا. فشتم عمار ابن أبي سرح وقال : متى كنت تنصح المسلمين. فتكلم بنو هاشم وبنو امية فقال عمار : أيها الناس أن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيكم ! فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية، وما انت وتأمير قريش لانفسها. فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبد الرحمن افرغ قبل ان يفتتن الناس، فقال عبد الرحمن : اني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على انفسكم سبيلاً. ودعا علياً فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ؟ قال : أرجو أن أفعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال : نعم، فبايعه، فقال علي : حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك والله كل يوم هو في شأن. فقال عبد الرحمن : يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً فاني قد نظرت وشاورت الناس فاذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج علي وهو يقول : سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد : يا عبد الرحمن أما واللّه لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال : يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين. فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، أني لاعجب من قريش انهم تركوا رجلاً ما أقول أن أحداً أعلم ولا أقضى منه بالعدل. فقال عبد الرحمن : يا مقداد اتق الله فأني خائف عليك الفتنة، فقال علي : أن الناس ينظرون الى قريش وقريش تنظر الى بيتها فتقول : أن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم» - الطبري : ٥/٣٧ - ٣٨.

٣١

وأصر على أن يعمل بمبلغ علمه وطاقته، ذلك انه أتسم بالعلم والمعرفة الواسعة بالاسلام، والى هذه الناحية الاساسية أشار المقداد بن الاسود، واتسام علي بالعلم والمعرفة صار فيما بعد، أي بعد نشوء الحزب الشيعي وتطوره حجر أساس في العقيدة الشيعية.

وبعدما صار عثمان أميراً للمؤمنين تمهد السبيل امام بني أمية للسيطرة على مقاليد السلطة للأمة الجديدة والتحكم بها، على ان ذلك لم يحدث دون ردات فعل، ودونما ثمن باهظ كان على عثمان أن يدفعه بدمه. وجاءت خلافة علي،

٣٢

فكانت أشبه بفترة انتقال انتهت معها فترة الخلافة لتحل محلها على الصعيد الرسمي والعملي، حكم الاسرة الاموية الملكي، وعلى صعيد المعارضة الامامة.

ولن أحاول هنا التأريخ لما واجهه عثمان أيام حكمه او الاسهاب عن خلافة علي والمشاكل التي اعترضتها، فلذلك مكان آخر ومناسبة خاصة، وانما سأكتفي بالاشارة الى ان استلام علي للحكم واتخاذه من الكوفة عاصمة له، جعل حزبه الذي تكوّن مع الايام يمارس السلطة وينظم نفسه بعض الشيء. هذا وقد نظر هذا الحزب مع الذين آمنوا بأحقية علي بالخلافة الى هذا الاخير بعد استلامه الحكم، نفس نظرتهم السابقة : رجل له من المؤهلات ثم القرابة ما يجعله أجدر الناس وأحقهم بالقيادة، أي أن القرابة كانت مزية من المزايا، انما لم تكن بحال من الاحوال المنطلق والقاعدة الاساسية.

وبعد اغتيال علي، ووصول معاوية الى أن يكون «أمير المؤمنين» كما كان أبوه «سيد أهل الجاهلية» حرمت شيعة علي (حزبه) من الحكم، وغدا أفرادها رجال المعارضة الملاحقون من قبل السلطة. وقامت جماعة الشيعة بمبايعة الحسن بن علي خليفة بعده، لكن الحسن تنازل لمعاوية ثم ما لبث أن أغتيل، فتوجه الشيعة بأبصارهم نحو أخيه الحسين. وفي خلال هذا الوقت ثبت في أذهان الناس

٣٣

أن الخلافة حق لعلي وأولاده، فبعد فاجعة كربلاء لم ير بعض الشيعة غضاضة بالاعتراف بمحمد بن الحنفية كصاحب حق في الخلافة، وكان هذا شعار المختار وأتباعه. وبعد اخفاق ثورة هذا الاخير أجمع غالبية الشيعة على حصر الحق الخلافي في أولاد علي من زوجته فاطمة بنت النبي، ذلك أن تطوراً كبيراً قد ألم بالفكر الشيعي من كافة الجوانب، وغدت القرابة هي العمود الفقري لحق الحكم والقيادة، وهذا الحق ثابت بالنص والتعيين، ومحاط بخصائص ومزايا. فالنبي كان خاتم الانبياء وهو عند وفاته لم يورّث النبوة وانما ورّث قيادة الامة لعلي، وهذا ورّثها لأولاده من بعده. ومع وفاة النبي انقطع الوحي لكن النبي كان قد تدارك ذلك بأن أعطى علياً علماً خاصاً، وعلي - الذي وصف دائماً بالعلم - ورّث هذا العلم لابنه وهكذا.

وعلى هذا نجد انه بعد استيلاء معاوية على السلطة حدث تطور كبير في الخلافة وامرة المؤمنين، فقد أصبح رأس السلطة ملكاً أو أشبه بالملك، مع احتفاظه بلقب «أمير المؤمنين» دون سواه من أصحاب السلطة، وصار زعيم المعارضة اماماً. كذلك تطورت فكرة الامامة تطوراً كبيراً، فقد حدث انشقاق بين صفوف الحزب الشيعي، بحيث طورت كل جماعة فكرة الامامة تطويراً خاصاً وحددتها بما شاءت وبما اقتضت الاحوال.

٣٤

علي والخلافة

٣٥

بعد مصرع عثمان، الذي أخفق في تحمل مسؤوليات الحكم بعد خليفة قوي هو عمر بن الخطاب، شغر مركز الحكم مرة أخرى، وعادت الازمة من جديد تفجر صراعات وتثير تناقضات لا حد لها، وهي أزمة فاقت كثيراً في خطورتها وأبعادها الازمة الاولى التي انتهت في السقيفة. ذلك ان مقتل الخليفة في أعقاب ثورة دموية قام بها الجند العرب في الامصار، لم يكن حدثاً عادياً يمكن أن يمر دون أن يخلّف رواسب ستصبح متأصلة في جسم الدولة الناشئة، فتهدد وحدتها بين الحين والآخر، فهو حدث ترك تأثيره العميق على مجرى التاريخ الاسلامي كله، وجعل للسيف الكلمة الفاصلة في امور الحكم(١) . ولعل ما ينسب الى عثمان بعد اشتداد وطأة المحاصرين على داره يعبّر عن هذه الحقيقة حين قال : «فو الله لئن قتلوني لا

_____________________

(١) فلهوزن : تاريخ الدولة العربية، ٥٠.

٣٦

يتحابون بعدي أبداً ولا يصلون بعدي جميعاً، ولا يقاتلون بعدي عدواً»(١) .

واذا كان هدف الثوار الذين قادوا انقلابهم على عثمان تحرير الخلافة من طغيان العائلية والاحتكار لمغانم الحكم، فانهم قضوا بحركتهم دون قصد على آخر ما تبقى من نظام الشورى الذي تحول الى ملكية مطلقة في عهد معاوية(٢) .

ظلت عاصمة الخلافة تعيش في غليان لعدة أيام، بانتظار من يخلف عثمان في الخلافة.. ولم تكن المسألة بسيطة في ظروف حرجة كهذه لان مسؤوليات ضخمة ومهمات خطيرة كانت تنتظر الحاكم الجديد وكان لا بد ان يبت بها سريعاً قبل أن يحترق بنار الحكم. وعلى ذلك لم يكن مستغرباً أن يبتعد بعض كبار السياسيين عن المدينة بعدما أدركوا خطورة الوضع، تاركين معالجة الازمة لعلي المرشح الاوفر حظاً حينئذ للخلافة والذي كان قد بدأ يمارس بعض اعمالها قبل مقتل عثمان(٣) . وتردد عليّ نفسه في قبول هذا المنصب حين توجه اليه الثوار وعرضوه

_____________________

(١) ابن كثير : ٧/١٨٠.

(٢) بيضون - زكار : تاريخ العرب السياسي، ٧٦.

(٣) ابن كثير : ٧/١٧٧.

٣٧

عليه بعدما رأوا ميل الغالبية العظمى اليه. ولكن تردده زال أمام اصرار الثوار على بيعته وربما لشعوره بأن التهرب من الحكم في مثل هذه الظروف خيانة للامة، وللعقيدة، فقد كانت فترة حاسمة في تاريخ الاسلام، فترة في أشد الحاجة الى رجل قوي كعلي، ارتبط تاريخياً بالاسلام منذ ظهوره. وثمة شيء آخر هو ان علياً كان السياسي الذي يحظى بتأييد الغالبية في المدينة والزعيم الذي يمكن ان يتفق عليه بقية الزعماء.

اجتازت الازمة بعض خطورتها بتولية علي مهام الخلافة، ولكن الامور في عهد الخليفة الجديد سارت في اتجاه أكثر تعقيداً وأخذت الاحداث تتلاحق بصورة عجيبة. فقد كان هناك أكثر من عائق يعترض هذا الخليفة ويمنعه من القيام بمهماته لا سيما في مجال التغييرات التي كان لا بد من اجرائها لازالة رواسب الحكم السابق. فقد كان عليه أن يوجد حلاً لجميع المشاكل التي أثيرت في عهد عثمان وأدت الى مقتله.. وهذا معناه الاصطدام بعدد من كبار الصحابة ورجالات الاسلام الذين اصابوا حداً بعيداً من الثراء زمن الخليفة السابق، ومن الطبيعي أن تتعارض مصالحهم مع الخليفة الجديد المعروف عنه المثالية وشدة التصلب في الرأي.

٣٨

والحقيقة ان مهمة الخليفة الجديد كانت على جانب كبير من الخطورة، ذلك أنه لم يكن يحظى بتأييد كل القوى السياسية في الدولة يضاف الى ذلك ان بعض الذين بايعوه أخذوا يرفضّون عنه ويتطلعون كل بدوره الى الافادة من الظروف والوصول الى مكاسب معينة. ومن المدهش حقاً أن نرى اثنين من الصحابة الكبار هما الزبير وطلحة اللذين ما انفكا يكيدان ضد الخليفة السابق، أول من ينقلب على علي، ويصل الامر بهما الى اتهامه بالوقوف وراء مقتل عثمان.

بدأ علي أولى مهماته الكبيرة، بعزل ولاة الاقاليم وكانوا موضع السخط والتذمر ووضع مكانهم مجموعة جديدة تتمتع بثقة وتنسجم مع سياسته(١) . وقد نفّذ الجميع أوامره الخليفة باستثناء والي الشام معاوية الذي اتخذ من قضية الخليفة المقتول عثمان ذريعة لعدم الاعتراف بعلي، فافتتح بذلك صفحة جديدة دامية في تاريخ الحرب الاهلية التي شهدها حينئذ العالم الاسلامي.

وكان علي بدوره يدرك جيداً أبعاد المشكلة ويعرف ان القضاء على خصمه القوي المتمرس في المنطقة الشامية

_____________________

(١) اليعقوبي : ٢/١٥٥.

٣٩

ليس بالامر السهل. ولكن الشام لم تكن كل هموم الخليفة الجديد، فقد كان هناك أكثر من منتحل لقضية عثمان، تصدى لعلي وراح يزرع في دربه المتاعب. ففي الحجاز ناوءه الزبير وطلحة وكانا أصلاً من أصحاب الطموح للخلافة، وقد أيدا علياً أول الامر ثم ثاراً عليه بعد تعيين ولاة الاقاليم الجدد دون أن يكون لاي منهما نصيب(١) . وانضمت عائشة التي كانت تحقد على علي منذ أيام النبي الى فريق الساخطين بزعامة طلحة والزبير(٢) وكانت غير بعيدة عن مجرى الاحداث التي أودت بالخليفة السابق، ثم انسحبت الى مكة، بعد شعورها بأن علياً سيكون الخليفة، تعمل على تجميع القوى ضده، وتستغل في نفس الوقت لعبة التشكيك بموقف الخليفة الجديد من قتلة عثمان. واجتمع الساخطون الثلاثة في مكة، ثم غادروها الى العراق بعد أن أدركوا صعوبة مناجزة الخليفة في الحجاز ونجحوا في اقناع البصرة بالانضمام الى حركتهم. ولكن هذه الحركة لم تكلف الخليفة كبير عناء، فسرعان ما خرجت قواته من المدينة (٣٦ هجري / ٦٥٦م) وتمكنت من إخضاع الثائرين دونما صعوبة في معركة الجمل التي سميت

_____________________

(١) ابن قتيبة : الامامة والسياسة ١/٤٩.

(٢) Perier Vie Dal - Hadjajadj ibn yousof, P١٠

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155