المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية33%

المسائل الصاغانية مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 177

المسائل الصاغانية
  • البداية
  • السابق
  • 177 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51761 / تحميل: 4647
الحجم الحجم الحجم
المسائل الصاغانية

المسائل الصاغانية

مؤلف:
الناشر: كنگره شيخ مفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ففي الفصيح البحرالطويل هو: (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ) قال عبد القاهر الجرجاني في (بيان العروض) ٢٧ تحقيق قيس العطار.

أتاك الطويل الغضّ يختال في الحلى

ويبقى بقاء الدهر إن مات قائله

قريض كحد السيف صغنا عروضه

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن

وفي الشعر الشعبي ينظم على: (مفاعيلن مفاعلين مفاعيلن مفاعيلن ) وهو من الأوزان المبتكرة منبرياً أما الأطوار التي يُقرأ بها فهي كثيرة يعرفها ذوو الاختصاص(١) .

وأخيرا أذكر مثالا واحداً من وزن البحر الطويل:

يا سلّاب تاج احسين گلي وين لباسه

گلهاالتاج شلّچ بيه شوفي اعله الرمح راسه

راس احسين يمشي اوياچ للكوفة تشوفينه

او جسمه ابكربله عريان يا زينب تعوفينه

اشعندچ من بصيره او راي خلّي عينچ ابعينه

چتّاله الذي ايباريچ سالب درعه او طاسه

وقد ذكر الشاعر جابر الكاظمي ان البحر الطويل انتشر في أوائل هذا القرن حتى أصبح من الأوزان الأكثر شيوعا عن سواها. (موسوعة الدموع

____________________

(١) - وللاطلاع راجع أشرطة تعليم الأطوار بصوت المؤلف.

٢١

الناطقة حلقة ١٠ ص٦٨).

بحر القصير:

هذا الوزن من بحر الهَزَج وهو مجزوؤه لان عروض بحر الهزج (مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ) صدرا وعجزا مثله. يقول شارح كتاب بيان العروض: ولم يستعمل على أصل الدائرة إلا نادرا واستعماله مجزوءً وعليه فان عروض القصير يكون: (مفاعيلن مفاعيلن ) مثاله:

لون يلمصطفى تحضر

تعاين شبلك اموذر

سليب او بالثره اتعفّر

عگب ما وذّروا جسمه

والقصير ينظم تارة مستقلا عن البحر الطويل وأخرى ملحقا به كما هو الحال في المسوبع (السباعي) الذي يتكون من أربعة أشطر بحر طويل وثلاثة بحر قصير مثاله:

لكن من سمع علتل زينب نادته يحسين

گام او طاح علغبره واكيد الطيّحنّه اثنين

جرح گصته او جرح صدره من سهم النفذ صوبين

ذني اثنينهن كلفات

السهم بيه شعب مختلفات

لو ما ينذبح چا مات

من ذني الاثنين الچان منهن تنزف ادمومه

فانك ترى ان الأشطر الثلاثة الأولى والشطر الأخير هي من البحر الطويل والرابع والخامس والسادس من القصير.

٢٢

ويطلق الشعراء الشعبيون على القصير اسم (مقاصير بحر الطويل) او يكتفون بكلمة (مقاصير).

ويرى الشاعر جابر الكاظمي: ان اسم بحر القصير يراد به ما يقابل بحر الطويل. (الحلقة ١٠ ص٦٦) ويمتاز النظم بهذا الوزن بالرقة والوضوح وتصوير واقعة الطف بأكمل وجه، ولولا الإطالة لأتيت بالشواهد على ذلك ولكني أحيل القارئ إلى قراءة القصائد والمقاطع المبثوثة في مجمع مصائب أهل البيتعليهم‌السلام (١) ودواوين الشعر.

أما الأطوار التي يقرأ بها فهي كثيرة وخلال تجربتي المنبرية طبقت عليه جميع أطوار النصاري وبعض أطوار بحرالطويل.

التجليبة:

التجليبة اسم، يطلق على فن من فنون الأدب الشعبي وهو من بحر الهوج: (مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ) كاملا من غير إنقاص من التفعيلة، كما هو الحال في بحر القصير حيث ينقص منه (مفاعيلن) الثالث.

وسبب تسميته بالتجليبة نسبة إلى القصيدة المشهورة ومطلعها:

لجلبنك يليلي بألف تجليبه

تنام اهل الهوه وتگول مدري به

هذا مطلع تلك القصيدة التي لا يعرف من هو قائلها وقد نظم على غرارها عدة من كبار الشعراء منهم الحاج زاير الدويچ والملا منفي العبد العباس وغيرهما. (فنون الأدب الشعبي الحلقة ١).

____________________

(١) - وللمؤلف بعض المقاطع.

٢٣

ويرى الخاقاني: ان التجليبة هو الغناء المحبب لدى العرب الشماليين في العراق وقد انتشر في أرياف الجنوب.

ويستخدمه المنبريون الخطباء والمنشدون - الرواديد - حيث يقرأونه بمختلف الأطوار لاسيما العراقي الذي سمي به الشعر من وزن التجليبة فيقال عراقي وأذكّر بانني كتبت في الطبعات السابقة لكتاب مجمع مصائب أهل البيتعليهم‌السلام عراقي أمام كل قطعة من بحر التجليبة وفي هذه الطبعة رأيت أن أكتب كلمة التجليبة لانها تشير إلى الوزن بينما كلمة العراقي - فكما ذكرت - إنما تشير إلى الطور الشائع للتجليبة ولمعرفة هذا الطور وخصائصه راجع أشرطة الأطوار للمؤلف.

وأخيراً أذكر هنا هذا النموذج من شعر التجليبة الحسيني.

عجيب الشرب ماي ابشربته اتهنّه

او مات احسين ظامي اولا شرب منه

ليس ابني نزل كربله المعروفه

او دون الماي توگف ليش اهل كوفه

أبو فاضل عليمن طارن اچفوفه

يشوف اطفال ولهه امن العطش ونه

هذا مطلع من بيت من قصيدة للمرحوم عبد الأمير الفتلاوي راجع سلوة الذاكرين.

حّدي:

الحدي من الأوزان المعروفة في الشعر الشعبي وهو مجزوء الرجز.

والرجز التام: (مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) أما الحدي فيكون (مستفعلن مستفعلن ) فقط.

والحدي ينظم رباعيا مثال:

٢٤

لمن حده الحادي بودايع الهادي

لن زينب اتنادي ابهونك يحادينه

لاوين بينه اتريد گاطع افجوج البيد

خاف الطريج ابعيد والتعب ياذينه

وينظم على شكل مقطوعات تكون القافية فيه موحدة في العجز مثال:

من هجمت اخيول العده

او لحدود المخيم دنت

طلعت من الخيمه اتعدي

زينب على التل اوچبت

او شبچت العشره من الخطر

والصوب اخوها اتوجهت

صاحت يبو الغيره عدل

يو روحك الطيبه اظهرت

انچان حي النه انتهض

واسرع تره اسكينه انولت

إلى آخر المقطوعة الشهيرة. ويرى بعض الباحثين: أن الحدي سمي بذلك لاعتماده على إيقاع سير الإبل عند حدوها وهو من الأوزان المنبرية الابتكار ولعله من أقدمها. (الحلقة العاشرة الدموع الناطقة ٨٩).

أما أطوار الحدي فهي كثيرة وقد تعرضت إلى بعضها في الأشرطة الخاصة بأطوار النعي.

وهنا أضيف أن الحدي تطبّق عليه أطوار البحر الطويل.

ولعل أقرب أطوار الحدي إلى تسميته الطريقة التي يقرأها الرواديد في آخر القصيدة المعروفة بـ(الگعده) أي التي تقرأ والمستمعون قعود أثناء قرائتها ولا لطم فيها على الصدور.

شيعتي:

وزن قديم من الأوزان التي شاعت في وسط المنبريين وهو من بحر الرمل ولكن بإضافة فاعلاتن رابعه فيكون هكذا: (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

٢٥

فاعلاتن ) أي من الرمل المربوع.

وسبب تسميته بالشيعتي لدى شعراء العامية لأنه على وزن الشعر المنسوب للإمام الحسينعليه‌السلام :

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغريب او شهيد فاندبوني

ومثاله من الشعر الشعبي:

زينب اتنادي اخوها اتصيح خويه المن عفتني

يا كفيل الضعن انته امن المدينه اتكفلتني

گوم شوف اسياط اميه وانظر اشسوت ابمتني

يابو فاضل هاي صورة حالتي من بعد عينك

يذكر ان الشيعتي يستخدمه الرواديد كثيرا أما الخطباء فان استخدامهم له قليل ولعل السبب في ذلك يعود إلى كون المنظوم لا يصلح - إلا النادر منه - لقراءة العزاء بينما الكثير منه يصلح لقراءة اللطميات والاحتفالات الدينية ولذلك تجد الرواديد يستفيدون من الشيعتي أكثر من الخطباء(١) .

مع ملاحظة: ان الرواديد يتحكم في القصيدة أكثر من الشاعر لانه يلي طلبات السامعين وليس للشاعر إلا تلبية طلبات الرادود والجمهور بينما لا

____________________

(١) - هذا البيت الذي مر عليك من وزن الشيعتي هو للأخ الشاعر علي ملا محمد الكاظمي نظمه بطلب من المؤلف لعدم وجود بيت في الرثاء يصلح لأن يكون شاهدا.

٢٦

يكون الخطيب، كذلك فان من النادر ان تجد خطيبا يذهب إلى الشاعر ويطلب منه نظم قصيدة من وزن ما تلبية لرغبة الجمهور.

وملاحظة أخرى هي: ان الخطيب يرغب في حفظ الشعر الرقيق القصير مثل النصاري والمجردات والأبوذية.

أما الأطوار التي يقرأ بها الشيعتي فهي الأطوار نفسها التي يقرأ بها الهجري والبحر الطويل والموشح أيضاً وان بعضها قد بيناها في أشرطة الأطوار فراجع.

فايزي:

وزن منبري شهير ينسب إلى الخطيب البحراني الشاعر الملا علي(١) الفايز صاحب ديوان الفائزيات الكبرى. ويعد ابن فايز - كما يسميه البحرانيون - أشهر خطيب في بلاد البحرين إلى يومنا هذا.

والفائزي من تفعيلة بحر الرجز: (مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) مع زيادة خفيفة على الرجز وينظم على نحوين: (مستفعلن مستفعلن مستفعلان ) و(مستفعلن مستفعلن مستفعلاتان ).

____________________

(١) - حدثني المرحوم الأديب الشيخ جمعة الحاوي البحرانيرحمه‌الله بهذه القصة: قال: كان الملا علي الفايز رجلا صالحا محبا لأهل البيتعليه‌السلام متفانيا في حدمتهم ولكنه لم يكون خطيبا ولا شاعرا وفي ذات ليلة جاءته مولاتنا السيدة فاطمةعليه‌السلام في عالم المنام فقالت له: يا علي قم وأقرأ مصيبة ولدي الحسينعليه‌السلام فقال سيدتي أنا لست خطيبا ولا شاعرا، قالت له: قم وأقرأ كما أمرتك فاستيقظ من النوم وهو يشعر كأن شيئا ما حدث له فقد تفتحت آفاق الشعر في داخله وبدأ ينظم ويقرأ المجالس الحسينية حتى أصبح من أشهر خطباء البحرين في عصره وله منزلة لدى أهلها.

٢٧

مثاله:

يلي تناشدني عليهمن تهمل العين

كل البچه والنوح والحسره على احسين

حبه ابگلبي او تظهره ابصبها ادموعي

مجبور في حبه ولا شوفه ابطوعي

ياليت گبل اضلوعه انرضت اضلوعي

او من دون خده اتعفرت مني الخدين

وبعد الملا علي الفايز انتشر النظم بهذا الوزن من قبل فحول الشعراء في العراق والخليج والأهواز - عرب إيران - ولعل أبدع شاعر فيه بعد ابن فايز هو الشاعر البحراني الخطيب الشيخ ملا عطية صاحب موسوعة الجمرات الودية(١) .

علما إن أشهر من قرأه(٢) على منابر العراق هو خطيب كربلاء التقي الشيخ هادي الخفاجي الكربلائيرحمه‌الله .

والفايزي ابتكار منبري محض يعود تأريخه إلى مائة سنة مضت ويقرأه خطباء البحرين بعشرة أطوار تقريبا وكلها مؤثرة تستدر الدموع وتعطي مجالا للجمهور للمشاركة مع الخطيب، أما في العراق فلا تتعدى القراءة به بأكثر

____________________

(١) - كان ديوان الجمرات مطبوعا على شكل حلقات وطبع أخيرا بقم في مجلدين ضخمين.

(٢) - بل نظم في أيضا وقصيدة يلّي تناشدني عليمن تهمل العين هي له كما أخبرني بذلك نجله الخطيب الشيخ علاء الذي أثلج صدري بسعيه لطباعة ديوان والده.

٢٨

من نوعين من أطوراه التي يقرأ بها في البحرين ولعل الاقتصار على الطور العادي هو السائد لدى مشاهير الخطباء، نعم ربما كان جيل الشباب أكثر تطويراً. مع العلم ان الفائزي يقرأ بكافة الأطوار المنبرية وقد تعرضت في الأشرطة المسجلة بصوتي إلى ذلك فراجع.

نعي (مجردات، مهداد):

المهداد أو النعي أو المجردات كلها أسماء لوزن واحد يتكون من ثلاثة تفعيلات: (مستفعلن فعلن فعولن ) وفي بعض الأحيان ينظم على فعولان. راجع الدموع الناطفة ج١٠ ص٢١.

ويقول إبراهيم وفي: ان النعي هو مجزوء للركباني وليس بحرا مستقلا بذاته يدل على قوله انه في حالة إضافة (مفعول) في وسط أي شعر من شعر النعي يصبح الوزن ركبانيا كاملا ومثاله:

قول إحدى النائحات:

دحَّجِت لن الگبر گامه

او لن اللحد ضيّج منامه

اتلوذ ابعلي ذيچ الجهامه

هذا النعي إذا أضفنا عليه (مفعول) يكون ركبانيا:

دحجت لن (آشوف) الگبر گامه

او لن اللحد (يا ناس) ضيّج منامه

اتلوذ ابعلي (المهيوب) ذيچ الجهامه

ويضيف قائلا: ولعل سبب تسمية البعض له دارميا تعود إلى كونه ركبانيا بالأصل حيث هناك طائفة من الشعراء الشعبيين تطلق على الركباني وزن (دارمي). راجع: فنون الأدب الشعبي.

٢٩

ويقول المتخصصون: ان النعي كان ينظم ويغنى عند الفجيعة منذ العصور الغابرة وقد كانت المرأة تكرر كلمات التوجع عند الفجيعة وفاق لطم الوجه واللدم على الصدر والشهيق والزفير وهي إذا ندبت ترفع صوتها مرة وتخفضه أخرى تبعا لتوازن إحساساتها وخَوَرها من كثرة اللطم واللدم ويتخلل كلماتها او حروفها نشيج وانقطاعات قصيرة كما تفعل المرأة القروية في الأرياف، والبدوية في الفلوات. ولنساء العراق أنغام محزنة لا تخلو من ضروب الموسيقى تأخذ باللب وتسمع غالبا من المرأة لدى ثكلها وترملها أو موت حبيب لها وقد اشتهرت في القرن الثاني عشر الشاعة فدعة بنت الشيخ علي آل صوّيح التي عرفت بخنساء خزاعة لمشابهتها للخنساء في كثرة رثائها لأخيها (حسين) وكانت تعيش في زمن زعيم خزاعة الشهير (حمد آل حمود) وكانت ذات أثر فعال في الحروب ومن رثائها لأخيها:

يحسين انته عتبة الباب

او يطرادتي والماي خنياب

او يعكازتي والگاع چبچاب

او يا سترتي من يطرگ اشهاب

يا حلّتي بسنين الاصعاب

او يا هيهبتي يحسين يا ياب

يا وسفه عليه امسى بالاتراب

ثجيل اللحد واظلم السرداب

وقالت ترثيه أيضا:

يبات الگلب يحسين ملهود

يجمع ابمدّه يخزن اچبود

٣٠

ساده او خزاعل گاعده اگعود

شَي تندعي اوشي گلوبها سود

يحسين چيف ابثار عبود(١)

عگبه تظل ازنودها ابنود

وهذه مقطوعة قصيرة لزوجة توي زوجها او فنيخ وهو ابن عمها فقالت:

الك دين يابو افنيخ بالراس

يكفل علي او يشهد العباس

جسم اللمسته عيب ينجاس

ومن هنا يستبان ان زوجة القتيل آلت على نفسها ان لا تتزوج بعده وهو نوع من الوفاء لدى المرأة العربية. راجع فنون الأدب الشعبي الحلقة ٤ ص٣٩.

وهذا مثال من النعي الحسيني:

يا دار انشدچ عن أهاليچ

يا دار وين احسين راعيچ

عگب العشيرة والزلم ذيچ

تالي اغراب البين ناعيچ

او وين البطل عباس احاچيچ

يا دار عزيني وعزيچ

ومثال آخر:

انهض يعزي او شوف حالي

حال الغريبه ابغير والي

توني اذكرت عزي او دلالي

من گوّضت ذيچ الليالي

بيت او صفه امن الزلم خالي

____________________

(١) - عبود زوجها وقد قتل وهي تحرض على أخذ الثار له.

٣١

وهنا أنبه القارئ إلى أن المؤلف نظم مجموعة ضخمة من مقاطيع النعي تجدها مبثوثة في هذا الكتاب كتب تحت كل واحدة منها كلمة (للمؤلف).

يذكر ان النعي سهل الحفظ لذلك تجد الخطباء يحفظونه أكثر من غيره من الأوزان الأخرى.

أما أطواره فهي كثيرة بل كل ما ينطبق على النصاري ينطبق على النعي بالإضافة إلى الأطوار الأخرى مثل الركباني والبحراني. راجع الأشرطة الخاصة بالأطوار للمؤلف.

موال:

الموال من أقدم الأوزان الشعبية التي يعود تأريخها إلى بداية العصر العباسي الأول.

وكان في انطلاقته الأولى ذا شكل غير الشكل الذي عليه اليوم كما ان الشاعر لم يكون - في البداية - يلتزم بالنحو إلا أن الكلمات تكاد تكون عربية كلها وعن بدايته وسبب تسميته بالموال يقول الخاقاني: نقلا عن كتاب الطرب عند العرب لمؤلفه عبد الكريم العلاف: إن أول من نطق به أهل (واسط) في العراق وأول بيت منه:

منازل كنت فيها بعد بعدك درس

خراب لا للعزا تصلح ولا للعرس

فأين عينيك تنظر كيف فيها الفرس

تحكم والسنة المداح فيها خرس

ونقل عن السيوطي في (شرح الموشح) ان هارون الرشيد لما قتل الرامكة ومن بينهم جعفر البرمكي أمر أن يرثى بشعر فرثته جارية بهذا الوزن وجعلت

٣٢

تقول يا (موالياً) وأول ما نظمت قولها:

يا دار أين ملوك الأرض أين الفرس

أين الذين حموها بالقنا والترس

قالت تراهم رمم تحت الأراضي الدرس

سكوت بعد الفصاحة السنتهم خرس

واختلف في سبب تسميته بهذا الاسم فقيل سمي به لموالات قوافيه بعضها ببعض، وقيل سمي بذلك لان أول من نطق به: موالي بني برمك وكان أحدهم إذا نطق به ونعى مواليه قال: موالياً.

ومن أمعن النظر في الموال يتحقق لديه انه يتبع أحد بحور الشعر وهو (البسيط) وانه من الفنون التي لا يلزم فيها مراعاة قواعد اللغة العربية من إعراب أواخر الكلمات، بل انه يطرأ عليه اللحن ويجوز فيه استخدام الألفاظ الجارية في تخاطب العوام من الناس لفظاً وخطاً. راجع فنون الأدب الشعبي حلقة ١ ص١٦/١٧.

ويقول الشاعر جابر الكاظمي: لا يختلف وزن الموال - الزهيري - عن وزن النايل وكلاهما من بحر البسيط الذي يتكون من أربع تفعيلات (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ).

مثال النايلي هذا المطلع:

لارسل سلامي خفي بجنيح الخضيري

ربيتكم من زغر صرتوا ابّخت غيري

وسبب تسميته بالنايلي ان المرأة كانت تهوى فتى اسمه نايل فقالت فيه:

نايل چتلني او نايل، غيّر الواني

اونايل ابشوگه، سجيم الروح خلّاني

٣٣

والنايل غنائي الابتكار استخدمه فيما بعد قراء العزاء وقد نظم فيه شعراء كبار أمثال الشيخ محمد حسن دكسن صاحب الروضة الدكسنية كما حدثني بذلك فضيلة الخطيب الأستاذ الشيخ مجيد الصيمري(١) أن للشيخ دكسن مقاطع مؤثرة من النايلي في رثاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعترة الطاهرةعليه‌السلام وهناك شعراء آخرون نظموا النايلي فأبدعوا وهذا بيت من قصيدة الكاظمي في مدح الحمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه:

ولحمزه عمّه ابگلب، ينضح وفه او ايمان

يكشف سحاب الخطر، عن سيد الأكوان

او حين الرسول ابتده، يردد صده الاعلان

بالحمزه عمه انحفظ، نهجه او شَرع حكمه

بعد هذه السطور حول النايلي أعود إلى الموال ووجه الاختلاف بينه وبين النايلي فنقول: يتكون الموال من بندين أو أكثر والربّاط والبند يتكون من ثلاثة أشطر متحدة الوزن والجناس اللفظي والرباط يتبع في الجناس البند الأول، مثال:

عباس يوم الترل للماي جابه ورد

أبطال تدري اشذبح من ترس جوده ورد

____________________

(١) - الشيخ مجيد الصيمري عالم جليل وخطيب رسالي وكاتب قدير صدر له عدة كتب منها: الزواج في الإسلام ومنها: في ظلال السيرة النبوية وله فضل كبير على قطاع واسع من خطباء المنبر ومنهم المؤلف الذي درس عليه مادة النصوص الحسينية وفن الخطابة واليوم يمارس مهمة التبليغ الإسلامي في كندا. (حفظ الله شيخنا أبا جهاد).

٣٤

هذا ابن حامي الحمه يرتجز باسمه ورد

يا حيف راعي الوفه صاب السهم عينه

عد ابو اليمه اعتقد حامي الظعن عينه

يحسين راسه انطبر لحگ عليه عينه

ليتل يصل للخيم يروي العطاشه ورد

وتحدث الخاقاني عن مراحل تطول الموال فقال - وقد أجاد - والموال أول ما بدأ النظم به على أربعة أشطر دون الالتزام بوحدة القافية ولكن مع مراعاة الوزن ويسمى الرباعي وقد تقدم نموذج منه.

والموال استمر على هذه الطريقة إلى نهاية القرن الثامن الهجري حيث كان يشارك في نظمه فريق من شعراء الفصحى أمثال صفي الدين الحلي ومن تقدمه فقد نظم في الموال كثيرا من القطع التي نستوضح منها اللهجة العراقية في عصره وقد استخدمه لمختلف الأغراض الشعرية التي استخدمها في الشعر الفصيح.

والثاني يسمى الأعرج وهو ما يؤلف من خمسه أشطر يلتزم في الشطرين الأولين وحدة اللفظ واختلاف المعنى وفي الثالث والخامس أيضا أما الرابع فقد أفرد بقافية واحدة كقول ابن معتوق بمناسبة عيد النوروز:

الغيث إنْ خصّ أحيانا فجودك عام

دوّام والبحر يغرق إن بكفّك عام

والليث من خوف باسمك سالم الانعام

والدهر لما شكا الحاجه أتى النيروز

٣٥

اليك في كل عام يجتدي الإنعام

والثالث يسمى (النعماني) ويتكون البيت من سبعة أشطر تتحد قوافي كل ثلاثة أشطر باللفظ وتختلف في المعنى أما السابع فيرجع إلى الثلاثة الأولى بوحدة اللفظ واختلاف المعنى وقد تفشى استعمال هذا اللون حتى استمر طيلة القرون الثلاثة الأخيرة. راجعع الحلقة الأولى من كتاب فنون الأدب الشعبي.

ثم أصبح الشاعر ينظم الموال بعشرات الأشطر وهناك نماذج كثيرة فراجع.

أما أطوار الموال فهي خاصة به يعرفها أهل الفن، وقد بينت خمسة منها في كتاب الخطابة الحسينية من دون معلم وطبقتها صوتها في الأشرطة فراجع.

والموال يقرأ في المواليد والوفيات ويقرأه الرواديد أكثر من الخطباء وقد شاع كثيرا في العقدين الأخيرين وسيجد القارئ نماذج كثيرة من الموال في هذه الطبعة.

موشح:

الموشح وزن من أوزان الشعر الشعبي المعروفة ويرجع إلى بحر الرمل وتفعيلته: (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ).

ويقول الشاعر الكاظمي: ينظم الموشح على ثلاثة نماذج:

١- (فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ).

٢- (فاعلاتن فاعلاتن فاعلات ).

٣- (فاعلاتن فاعلاتن فعلن ). الحلقة العاشرة ص٢٥.

ويقول الخاقاني: والموشح منه ما هو منظوم على أوزان الموشحات

٣٦

الأندلسية، أي على وزن الرمل في القريض ويسمى الركباني في بعض مناطق العراق كالبسته في الموشح والمعروف ان (الپسته) تنظم في أربعة أشطر الشطرين الأولان منهما يختلفان في وزنهما عن الشطرين الآخرين ومثال ذلك:

شوهل رحه ابلا صوت

بس ايدچ اتدير

اطحن بگايه الروح

ما أطحن اشعير

وينظم عن طريقة المربع أو يستمر في نظمه على قافية واحدة حتى الأخير. راجع كتاب فنون الأدب الشعبي الحلقة الأولى ص٧٣.

وإليك هذا المثال:

جينه ننشد كربله امضيعينها

بيها زينب گالوا اميسرينها

يسروها اولالها واحد فزع

شال حادي اضعونها ابساع او گطع

جينه ننشد وين ابو فاضل وگع

ما تدلونه الشريعة وينها

والموشح من الأوزان المنبرية الابتكار يقرأها الخطباء والرواديد كل بحسب طريقته وما يهمنا بيانه هنا الأطوار التي يقرأها الخطيب وهي كثيرة وقد بيناها في الأشرطة الخاصة بأطوار النعي وهنا نذكر بان أطوار الموشح هي أطوار البحر الطويل والتجليبة والهجري.

ويقرأ الموشح ببعض أطوار النعي المهداد والنصاري مع ملاحظة: لا تستحسن (الونة) في أطوار الموشح.

النصاري:

النصاري هو أشهر الأوزان في الشعر الشعبي وأصله من بحر الهزج المتكون من ثلاث تفعيلات: (مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ) وقد تقدم ان هذا

٣٧

الوزن ينظم على غرار وزن من الشعر الشعبي يسمى التجليبة.

أما النصاري فانه ينظم بنفس التفعيلة ولكن يدخل عليه الحذف في (مفاعيلن) الثالثة فتصبح (مفاعيل) أو (فعولان) فتكون تفعيلته: (مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل ) او (مفاعيلن مفاعيلن فعولان ).

مثال:

گعد عنده او شافه امغمض العين

ابدمه سابح المترب الخدين

متواصل طبر والراس نصين

حنه ظهره على اوليده او تحسر

ومثال آخر:

وگف ما بينهم والدمع سچاب

يگلهم هاي تاليكم يلحباب

يصير اعتب وانه ادري مامش اعتاب

او عند الموت كلشي موش مگدور

ومثال آخر:

وسافه اعلى ابو محمد منهل الجود

گضه نحبه او منه الچبد ممرود

اشحال احسين لّمن عاين العود

يجلب بيه چبده اللي تخذم

والنصاري سمي بهذا الإسم نسبة إلى الشيخ محمد بن نصار المتوفى في العقد الأخير من القرن الثاني عشر وابن نصار هذا كان عالما جليلا وشاعرا فصيحا له قصائد ومقاطع في الفصحى إلا ان شهرته التي طبقت الآفاق كانت بسبب نظمه ملحمته الحسينية (النصاريات الكبرى(١) ) التي طبعت عشرات

____________________

(١) - أقول: لقد حدثني الأستاذ الشيخ جعفر الهلالي أن لابن نصار شعر شعبي كثير لم يطبع مع الملحمة.

٣٨

المرات في العراق والخليج وإيران ولبنان.

وكثيرون هم الشعراء الذين نظموا في هذا الوزن إلا ان ابن نصار ونصارياته تبقى الأرقى من حيث السبك والصورة الشعرية وان أغلب ما يستحق منها الحفظ يحفظه الخبطاء حتى قيل ان من لم يحفظ خطبا من نهج البلاغة وقصائد السيد حيدر الحلي (الحوليات) ونصاريات الشيخ محمد بن نصار فليس بخطيب.

وقد حدثني الخطيب الكبير الشيخ جعفر الهلالي: ان مقطوعات كثيرة من ملحمة بن نصار مبثوثة في مجاميع الخطباء الأوائل لم تطبع مع تلك الملحمة، يذكر ان الشيخ الهلالي نفسه نظم الروضة الهلالية على غرار النصاريات الكبرى وهي روضى مفيدة سيجد القارئ كثيرا من أبياتها في هذا الكتاب.

والنصاري من الأوزان المنبرية الابتكار مع العلم ان النصاري والأبوذية هما من وزن واحد.

أما أطور النصاري فهي كثيرة وقد بينت بعضها في الأشرطة الخاصة بالنعي فراجع.

الهجري:

الهجري من أوزان الشعر الشعبي ويرجع إلى (الرمل المربوع) المتكون من أربعة أجزاء (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ).

يقول الشاعر الكاظمي وبعد دخول العلل والزحاف على تفعيلته الرابعة يصبح من (الهجري) وينظم على ثلاثة نماذج.

٣٩

١- (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ).

٢- (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلات ).

٣- (فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فعلن ).

مثال:

اصبحت بغداد كلها اعله الجسر متجمعه

هذا متشمت او ذاك فوگ خده مدمعه

ويل گلبي والجنازه على احماميل اربعه

او فوگ ذاك الجسر مدّوا مهجتك يالمرتضى

والهجري على ومن الأنشودة التي استقبلت بها نساء المدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قدم إليها مهاجرا من مكة:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

إلى آخرها.

أما أطوار الهجري فهي نفسها التي يقرأ بها البحر الطويل والموشح وهناك أطوار خاصة بالهجري وقد بينا ذلك في الأشرطة المسجلة لتعليم الأطوار فراجع.

هذه خلاصة عن الأوزان الشعرية الشعبية التي يتكون منها ما هو موجود من شعر في مجمع مصائب أهل البيتعليهم‌السلام .

كما انها الأوزان التي تستخدم تقريباً في قراءة العزاء أما غيرها وهو كثير فلا يقرأه الخطباء وأذكر على سبيل المثال: الچلمه أو نص، الميمر، الشبگها،

٤٠

فصل

ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: وقد بلغني عن فسوق فقيه(١) الرافضة، ومتكلم لهم من أهل بغداد، كان قد سرق الكلام من أصحابنا المعتزلة، فبان بالفهم من طائفته لذلك، ولفَّق طريقاً في الاحتجاج لفقههم، يسرقه من أصحابنا الفقهاء، أنه ادعى للمتمتعة سمة الزوجة، ليخلص من الحجة عليه في حظرها سمة الزوجة بقوله تعالى:(والذين هم لفروجهم حافظون () إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) (٢) .

وهذا مذهب أحدثه هذا المتكلم لأصحابه، لم يتقدم في القول به أحد منهم، وحسبه به خروجاً عن الإجماع.

فصل

فيقال له: لسنا نعرف للشيعة فقيهاً متكلماً على ما حكيت عنه من أخذه الكلام من المعتزلة، وتلفيقه الاحتجاج للفقه على طريقة أصحابك، وهذا من تخرصك الذي أسلفت نظائره قبل هذا المكان، وادعاؤك على هذا الرجل المذكور الخروج بما رسم بالمتعة من الزوجية عن الإجماع، لاحق ببهتانك فيما مضى، والمحللون لها من الشيعة وغيرهم لا يختلفون في أنها زوجة، ونكاحها

____________________

(١) في أ: بفقه.

(٢) المؤمنون: ٥، ٦.

٤١

صحيح مشروع في ملّة الإسلام، إلا أن يجهل ذلك بعض عامتهم، فلا يكون في جهله للحق عيار على العلماء، فإن كان عندك شئ أكثر من الدعاوي الباطلة والسباب فهلمَّه، وإلا فالصمت أستر لعيبك الذي فضحك بين الملأ.

فصل

ثم قال صاحب الكلام: وبعد فإنا نقول له: أيقع بالمتعة طلاق؟ فإن قال: نعم، زالت الشبهة في مكابرته لأصحابه أولاً، ثم لسائر الناس، وإن قال: لا، قيل له: كيف تكون زوجة من لا يقع بها الطلاق؟! وهذا معروف من ملة الإسلام.

فصل

فيقال له: أما المحفوظ من قول محللي المتعة فهو أنها لا يحتاج في فراقها لنكاحها إلى أكثر من حلول الأجل الذي وقع عليه العقد(١) ، وأما وقوع الطلاق بها قبل وقوع الأجل فليس عنهم في شئ محفوظ، وسواء قالوا: إنه يقع طلاق أو لا يقع، فإنه لا يلزمهم ما ظننت في الكلام، ولا يخرجون بما يقولونه فيه من الإجماع.

وذلك أنهم وإن حكموا بأن الطلاق لا يقع بها، احتجوا فيه: بأن الأجل

____________________

(١) انظر: المقنع: ١١٤، الانتصار: ١١٥، الوسيلة: ٣١٠.

٤٢

مبين لها باتفاق من دان بتحليلها، ووقوع الطلاق غير محكوم به عليها، لعدم الحجة من الشريعة بذلك في حكمها، وما سبيله الشرع فلا نقتضب(١) إلّا منه، ومتى لم يثبت في الشريعة لحوق الطلاق بها، لم يجز الحكم به على حال، و ليس في ذلك خروج عن الإجماع، لأن الأمة إنما أجمعت على وقوع الطلاق الثلاث بالزوجات التي لا ينعقد نكاحهنّ بالآجال، ولم يجمعوا على أنه واقع بالزوجات كلهن على العموم والاستيعاب، وليس يجوز حمل حكم بعض الزوجات على بعض في ملة الإسلام، لفساد القياس بها، لا سيما فيما لا تعرف له علة توجب الحكم فيعدى بها إلى ما سواه.

وإن قالوا: إن الطلاق يقع بها قبل الأجل، لأنها زوجة، أو للاستظهار والاختبار والخروج بالتبرء عما فيه الشبهة من الاختلاف. لم يلزمهم في ذلك شئ يقدره مخالفوهم من الأحوال.

ودعوى الخصم في هذا الفصل: أنهم خارجون به عن الإجماع، باطلة، لأنا قد بينا أنه لم يحفظ عنهم فيه ولا في نقيضه مقال، فكيف يكون القول بأحدهما خروجا عن الإجماع؟! اللهم إلا أن يعني بذلك أن القول فيما لم يُقَل فيه ولا في خلافه شئ يكون مبتدعاً، فيلزمه ذلك في كل ما تفرّع عن المسائل التي قال فيها برأيه، ولم يكن فيه قول، لإغفاله، أو عدم خطوره لهم ببال، أو لأنه لم يتقدم فيه سؤال.

ومتى صار إلى ذلك بدَّع جميع المتفقهة عنده، وخرج عن العرف فيما يحكم له بالإجماع، أو بخلافه عند الفقهاء.

____________________

(١) يقال اقتضب الحديث: انتزعه واقتطعه. (لسان العرب ١: ٦٧٨)

٤٣

وأقلُّ ما في هذا الباب أن يكون الحكم فيما حدث الآن ولم يحدث فيما سلف خروجاً عن الإجماع، وليس له أن ينفصل منا في هذا المعنى بما يذهب إليه من القول بالقياس - وإن لم نقل بمثل مقاله فيه - فإنا نقول في الشريعة ما يوجبه اليقين منها، والاحتياط للعبادات، فنقول على الحكم في الأشياء بما يقتضيه الأصل، إن كان يدل عليه دليل حظر أو إباحة، من طريق السمع أو العقل، ولا ينتقل ذلك عن حكم شرعي إلا بنص شرعي.

وهذه جملة لها تفصيل لا يحتملها(١) هذا المكان، وهي أيضاً منصوصة عندنا من طريق الآثار، إذ كنَّا لا نرى القول بالظن في الأحكام.

فصل

ثم قال صاحب الكلام: على أنهم إن حملوا أنفسهم على وقوع الطلاق بها، وخالفوا الإجماع، قيل لهم: هذا ينقض أصلكم في عددهن، على ما تذهبوا إليه في ذلك، لأن الله جلَّ اسمه يقول:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) ، ومن مذهبكم أن المتمتع بهن عددهن قرءان، فقولكم بوقوع الطلاق بهن يقتضي نقض مذهبكم، وقولكم بمذهبكم في عددهن بما(٣) وصفناه يناقض حكم القرآن.

____________________

(١) في جميع النسخ: يحملها.

(٢) البقرة: ٢٢٨.

(٣) (بما) ساقطة من جميع النسخ، وإثباتها أنسب.

٤٤

فصل

فيقال له: إنما يجب الحكم بالعموم ما لم يقم دليل على الخصوص، باتفاق القائلين بالعموم من المتكلمين والفقهاء(١) ، فأما ما خصَّه البرهان فالحكم بعمومه بخلاف العقول ودين الإسلام، وهذه الآية مخصوصة عندنا بالسنة عن النبي (عليه السلام).

فصل

ويقال له: ما تقول في الإماء المنكوحات بعقد النكاح أيقع بهن طلاق؟ فإن قلت: لا، خرجت عن ملة الإسلام، وإن قلت: نعم، ناقضت بحكمك علينا ظاهر القرآن، فإن عدد الإماء من الطلاق - إذا كنَّ يحضن - قرءان، وإن لم يكنَّ من ذوات الحيض للارتياب فشهر ونصف(٢) ، وذلك مخالف لظاهر قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (٣) ، فقل ما شئت في هذا المكان، فإنه مسقط لشناعتك علينا فيما احتججت به من عموم القرآن.

____________________

(١) المستصفى ٢: ٩٨، الإبهاج في شرح المنهاج ٢: ١٤٠.

(٢) الأم ٥: ٢١٦، المغني ٩: ٩٢، ٩٨ الشرح الكبير ٩: ٩٦، ١٠٥، المبسوط للسرخسي ٦: ٣٩، شرح فتح القدير ٤: ١٤٠، المحلّى ١٠: ٣٠٦، تبيين الحقائق ٣: ٢٨، الوجيز ٢: ٩٤ - ٩٥، السراج الوهاج: ٤٤٩.

(٣) البقرة: ٢٢٨.

٤٥

فصل

ثم قال هذا الشيخ المتفقه عند نفسه: ومما يقال لهذه الفرقة المبتدعة ما تقولون في الإيلاء، أيقع بالمستمتع بها عندكم؟ فإن قالوا: نعم، كابروا أيضاً بالخروج عن أصولهم، وإن قالوا: لا، قيل لهم: كيف تكون زوجة والإيلاء غير واقع بها؟! مع قول الله عزَّ اسمه:(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) .

فصل

فيقال له: لسنا نقول إن المستمتع بها يلحقها الإيلاء، وهذا منصوص عندنا عن أئمتنا (عليهم السلام)(٢) ، وليس يمنع عدم لحوق الإيلاء بالمتعة أن لا تكون من جملة الأزواج، لأن فيهن عندنا من لا يقع بها الإيلاء، في حال و أحوال، وهي:

التي وقع عليها العقد ولم يدخل بها الزوج، فإنه لا يقع بهذا الإيلاء، بالأمر الصحيح والسنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)(٣) .

____________________

(١) البقرة: ٢٢٦، ٢٢٧.

(٢) لم أعثر على نص بخصوص المورد، ولكنه هو المشهور بين فقهاء الإمامية، انظر الانتصار للمرتضى: ١١٥.

(٣) المقنعة: ٥٢ ٣، المهذب ٢: ٣٠٢، الوسيلة: ٣٣٥، النهاية للطوسي: ٥٢٨، المراسم: ١٦٠، فقه القرآن للراوندي: ٢: ٢٠١، وهو قول عطاء، والزهري، والثوري، المغني ٨: ٥٢٤، الجامع لأحكام القرآن ٣: ١٠٧، ونسبه الزيلعي إلى أبي حنيفة، انظر تبيين الحقائق ٢: ٢٦١.

٤٦

والمرضع إذا آلى زوجها أن لا يقربها مخافة من حملها، فيضرُّ ذلك بولدها، لانقطاع لبنها(١) ، وهي زوجة في الحقيقة.

والمريض إذا آلى لصلاح نفسه(٢) .

وهذا مما يوافقنا عليه كثير من مخالفينا في الأصول من متفقهة العامة، و ليس القول به فساداً.

فأما التعلق بعموم قوله:(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (٣) ، ففيه جوابان:

أحدهما: أن هذه التسمية لا تطلق على ذوات الآجال من النساء، ومتى لم تستحق لم تدخل تحت اللفظ، فيقضى بها على العموم.

والآخر: أنها لو كانت مطلقة عليهنّ لخرجن من عموم اللفظ، بدليل الآية المتضمن حكم السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والإجماع الذي تعلق به صاحب الكلام.

ثم قال: ومما يسألون عنه أيضا في الظهار، أيقع بها أم لا؟ فمهما قالوه في الأمرين خرجوا به من الإجماع.

____________________

(١) المقنعة: ٥٢٣، الانتصار: ١٤٣، النهاية للطوسي: ٥٢٨، المهذب ٢: ٣٠ ٢، المراسم: ١٦٠، فقه القرآن للراوندي ٢: ٢٠٢، الكافي لابن عبد البرّ: ٢٨٢، بلغة السالك ١: ٤٨١، الجامع لأحكام القرآن ٣: ١٠٧.

(٢) الانتصار للمرتضى: ١٤٤، الكافي لابن عبد البرّ: ٢٨٢.

(٣) البقرة: ٢٢٦.

٤٧

فصل

فيقال له: ما تزال تزيد على الدعوى بغير برهان، والحكم بغير بيان، كأنك مطبوع على التخليط والهذيان.

عندنا أن الظهار يقع على المستمتع بها(١) ، كما يقع على غيرها من الأزواج الحرائر والإماء، وفي أصحابنا من يوقعه على ملك الأيمان(٢) ، فأي خلاف في هذا الإجماع؟! وهل معك فيه إلا محض الحكم الجائر، والدعوى بغير بيان.

فصل

قال هذا المتكلم: على أنهم لا يرون وقوع اللعان بين المتمتع والمتمتع بها، فكيف تكون زوجة لزوج لا يقع بينهما عند الفرية وجحد الولد اللعان.

قيل له: يكون ذلك إذا تقرر في شريعة الإسلام، وليس معك أن من شرط الزوجية ثبوت اللعان بينهما وعلى كل حال، وإنما يتعلق من أوجب ذلك لعموم قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ ) الآية(٣) ؛ وليس يمنع قيام دليل تخصيص العام، وقد ثبت الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طرق عترته (عليهم السلام) بما يخصص عموم

____________________

(١) انظر: الانتصار للمرتضي ١١ ٥، الكافي في الفقه: ٢٩٨.

(٢) المبسوط للطوسي ٥: ١٤٨.

(٣) النور: ٦.

٤٨

هذه الآية(١) ، مع إجماع الأمة - على اختلافهم - بأن المتمتعة ليس بينها وبين المستمتع لعان.

والمحلل لها يسقط ذلك بما ذكرناه من الشرع فيه، والأفراد لهذا الضرب من النكاح مما سواه في خروجه عن الحكم المتعلق بغيره في مقتضى النكاح.

ومن حرمها يخرجه من حكم ذلك، لنفي السمة عنه المتعلق بها حكم اللعان(٢) .

وإذا اتفقت الأمة على إسقاط حكم اللعان في نكاح المتعة، وجب تخصيص الظاهر من الآي وإن اختلفت الأمة في تعليل ما أوجب الإسقاط.

فصل

على أن من لا حدَّ عليه من الأزواج والزوجات لا يصح التلاعن بينهم: بإجماع الأمة أزواج، وأكثر فقهاء العامة لا يرون بين اليهودية والمسلم لعاناً(٣) ، ولا بين الأمة(٤) والحرَّ لعاناً(٥) ، وليس يصح بين المنطلق اللسان والخرساء

____________________

(١) من هذه الأخبار ما رواه ابن أبي يعفور - في الصحيح - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يلاعن الرجلُ المرأة التي يتمتع بها. (فروع الكافي ٦: ١٦٦، تهذيب الأحكام ٧: ٤٧٢)

(٢) المبسوط للسرخسي ٧: ٤٦، بدائع الصنائع ٣: ٢٤١، اللباب ٣: ٧٦، تحفة الفقهاء ٢: ٢١٩.

(٣) الكافي لابن عبد البرّ: ٢٨٦، المبسوط للسرخسي ٧: ٤٠، بدائع الصنائع ٣: ٢٤٢، حلية العلماء ٧: ٢٢٧، تحفة الفقهاء ٢: ٢١٩.

(٤) في النسخ الثلاث تأنيث (المسلم) و (الحرّ)، وما أثبته هو الأنسب.

(٥) الكافي لابن عبد البرّ: ٢٨٦، المبسوط للسرخسي ٧: ٤٠، بدائع الصنائع ٣: ٢٤٢، حلية العلماء ٧: ٢٢٧، تحفة الفقهاء ٢: ٢١٩.

٤٩

والصماء لعان(١) ، وإن كان واحد منهما زوجاً بالإجماع.

فيعلم بذلك أن حكم اللعان غير عام للأزواج.

فصل

ثم قال هذا الشيخ المعاند: ويقال لهم خبِّرونا عمَّن طلَّق امرأته ثلاثاً للعدة، فبانت منه بينونة لا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره، أرأيتم إن تزوجت بعد خروجها من العدة متعةً، ثم فارقها المتمتع، وقضت عدتها منه، أتحل بذلك للزوج الأول؟ فمن قولهم لا.

وقد قرأت بذلك خبراً أسندوه إلى بعض الطالبيين - وهو جعفر بن محمد - وعليه يعتمدون فيما يذهبون إليه في الأحكام المخالفة لجميع الفقهاء.

فيقال لهم: كيف تكون المتمتعة زوجة، والمتمتع بها لا يستحق اسم الزوجية؟! إذ لو استحقها لحلّت بنكاحه المطلقة بالثلاث، وبقوله تعالى:(فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (٢) ، اللّهُمَّ إلّا أن يكونوا ممن لا يدين بأحكام القرآن.

فصل

فيقال له: الأمر في هذا الباب كما وقفت عليه، في الخبر المسند إلى إمام

____________________

(١) حلية العلماء ٧: ٢٢٧، بدائع الصنائع ٣: ٢٤٢.

(٢) البقرة: ٢٣٠.

٥٠

المؤمنين وسيِّد المسلمين - في وقته -، وأفضلهم عند الله عزَّوجلَّ، الصادق المصدَّق، جعفر بن محمد (عليهما السلام).

ونحن لا نرى تحليل المطلقة ثلاثاً بنكاح المتعة، للسنة الثابتة بذلك عن صاحب الشريعة (عليه السلام)، لما صحّت به الرواية عنه في معناه من جهة عترته الراشدين (عليهم السلام)(١) ، وليس يجب ذلك ما حكمت به في نفي سمة الزوجية عن المتمتع، إذ ليس من شرط ثبوت هذه السمة لمستحقها تحليل طلاق العدة بالنكاح، للإجماع على ثبوتها لمن لا يحلُّ به بعد البينونة منه لمطلقها ثلاثاً للعدَّة على شرط الحكم في الإسلام.

وهو:

الغلام قبل بلوغه الحلم، وإن جامع في الفرج(٢) .

والخصيُّ، وإن لذّ من المرأة، ولذَّت منه(٣) .

والعنّين(٤) .

ومن سبق طلاقه أو موته الدخول(٥) .

وهؤلاء الأربعة نفر أزواج على التحقيق، وليس يحللون المرأة المطلقة ثلاثاً باتفاق.

____________________

(١) فمن ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل طلَّق امرأته ثلاثاً، ثم تمتع فيها رجل آخر، هل تحلُّ للأول؟ قال: لا. وفي حديث آخر: لا، حتى تدخل فيما خرجت منه. (فروع الكافي ٥: ٤٢٥، تهذيب الأحكام ٨: ٣٢).

(٢) بداية المجتهد ٢: ٨٧، حلية العلماء ٧: ١٣٣.

(٣) كشاف القناع ٥: ٣٥٠، وهو المروي عن أحمد، انظر المغني ٨: ٤٧٥. في ج: وولدت منه.

(٤) حاشية الجمل على شرح المنهج ٤: ١٨٦، كشاف القناع ٥: ٣٥٠.

(٥) الأم ٥: ٢٤٨، المجموع ١٧: ٢٨١، المغني ٨: ٤٧٤، الشرح الكبير ٨: ٤٩ ٦، بداية المجتهد ٢: ٨٧، بدائع الصنائع ٣: ١٨٨ المحلى ٧: ١٣١، حلية العلماء ٧: ١٣١.

٥١

فإن كانت الشيعة في إثباتها للمتمتع سمة الزوجية، مناقضة للقرآن، أو جاهلة بأحكامه - على ما ادعاه الشيخ الضال - فالأمة بأجمعها رادّة للقرآن عناداً وجهلاً بمعناه.

وإن لم تكن الأمة في ذلك على خلاف القرآن، لتعلقها في خصوصه بسنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فكذلك الشيعة غير مخالفة للقرآن، ولا جاهلة بمعناه، بل موافقة لحكمه، عارفة بمقتضاه، وإنما خصت عموم لفظ منه بسنة عن نبيِّها (عليه السلام)، أداها إليهم عنه عترته الصادقون الأبرار (عليهم السلام).

وهذا يسقط شناعتك أيها الشيخ المتعصب بما تعلقت به من ذكر تحليل النكاح، ويبطل ما تخيلته في لزومه الشيعة من الفساد.

فصل

على أن قوله تعالى:(حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (١) من باب المجمل - عند كثير من أهل النظر - وليس من العموم في شيء؛ وهو يجري مجرى قول حكيم - قال لرجل قد أعتق في كفارة القتل عبداً كافراً -: هذالا يجزي عنك و ليس تبرء عهدتك حتى تعتق عبداً غيره.

أو قال لعاقد على امرأة عقداً فاسداً: هذا العقد لا يحلُّ لك به النكاح، و إنما يحلُّ بعقد غيره.

____________________

(١) البقرة: ٢٣٠.

٥٢

أو قال لمعتذر إليه: هذا ليس بعذر عندي، إذ تأتي بعذر غيره.

وما أشبه هذا من الأقوال المجملة، فإنه لا يعقد بها العموم، بل تحوج المخاطب معها إلى الاستفهام في المراد بها، إن لم يكن قد قرن إليها دليلاً عليه.

وإذا كان الأمر كما وصفناه، وكانت الاُمّة متفقة على أن الذي يحلِّل المرأة لمطلقها بالثلاث زوج مخصوص، مما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في صفته من الأخبار، وجب الاقتصار عليه في هذا المعنى، وفسد بعده في الحكم بذلك إلى غيره، ولم يمنع هذا القضاء أن يكون غيره زوجاً في الشريعة، مستحقاً هذه السمة على الإطلاق، كما لم يمنع الاقتصار على ما يفسر به الحكم ما ضربنا به المثل عنه، من الكلام في العبد، والعقد، والاعتذار؛ أن يكون ما سوى كل واحد منه في معناه مستقحاً لسمته حسب ما بيناه.

فصل

فأما ما ذكره الشيخ الضال في فصله الذي قد بينا تجاهله فيه من القول: بأنا نعتمد على الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في الأحكام؛ فإنه ديننا الذي نتقرب به إلى الله عزَّوجلَّ، إذ كان الإمام المعصوم، المنصوص عليه من قبل الله عزَّوجلَّ، المأمور بطاعته في كافة الأنام، مع كونه من سادة العترة الذين خلَّفهم نبينا (عليه السلام) فينا، وأخبرنا بأنهم لا يفارقون كتاب الله جلَّ اسمه، حكماً ووجوداً، حتى يردا عليه الحوض يوم المعاد(١) .

____________________

(١) يشير إلى الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:

٥٣

إلا أن دعواه علينا الاعتماد على مقالته (عليه السلام) في الأحكام المخالفة لجميع الفقهاء من بهتانه الذي تقدم أمثاله منه في العناد.

وذلك أن الفقهاء هم العالمون بالكتاب والسنة، دون أصحابه الجاهلين بها، الدائبين بالعمل على الظن والهوى في دين الله، المقلِّدين في الأحكام أهل الفسوق والطغيان، العادلين عن معدن الحقِّ ومستقرِّه من عترة نبي الهدى (عليهم السلام)، المتظاهرين لهم بالعداوة والشنئان.

فصل

مع أنه لو لم يكن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في الإمامة والعصمة والكمال كما وصفناه، بل كان من جملة الصالحين من ذرية النبي (عليه السلام) لكان الاعتماد عليه في الدين أولى من الاعتماد على النعمان المارق بالإجماع عن الإيمان، ونظرائه المشاركين له فيما ابتدعه، من الخلاف لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والوفاق للشيطان.

ومن لم يسقط لمروقه عن الدين بمفارقة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، و اتباع أعدائهم الضلال، مع تحليه باسم الإسلام، فليس ممن يجب عداده في الأحياء، بل هو من جملة الهالكين الأموات.

____________________

= إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما؟!. (الجامع الصحيح للترمذي ٥: ٦٦٣)

٥٤

فصل

فأما ما قصد به هذا الشيخ الضال من التحقير لشأن الصادق (عليه السلام) بإضافته إلى الطالبيين على الإجمال، فذلك هو اللائق بكفره وجهله وعناده لنبي الهدى، ولذي الحكم، وبغضه لأهل بيته وعصبيته على خاصته وذوي رحمه، وما يضرُّ ذلك بمن أعلى الله شأنه، ورفع في الدين مكانه.

ولو قال: - في الحكاية عن عبد الله بن عباس - إن هذا شيء قيل عن بعض الهاشمية، لبدت لنا منه عصبيته عليه، وعناده للنبي (صلى الله عليه و آله) فيما دعا الله من تعظيمه، وهل قوله في ذلك إلا كقول مَن قال(١) : - في إضافة حكم النبي (صلى الله عليه وآله) - هذا حكم حكم به بعض العرب، أو قال حكم به رجل من قريش.

ولو أن خصومه - مع ظهور مذهبهم في أئمته الذين تدين الله ببغضهم - قالوا - فيما يضاف إليهم مقال -: هذا مذهب بعض التيميين، أو قول رجل من العدويين، أو حكم به بعض الأمويين، لما رضي هذا الشيخ الضال بتكفيرهم، دون الفتيا بإباحة دمائهم، وإن كانوا أعذر منه فيما يقوله من ذلك، لتدينهم بالبغض ممن ذكرناه، وتظاهرهم بالبرائة منهم في الدين، وهو لا يصرح بالبرائة منهم في الدين، وهو لا يصرح بالبرائة أيضاً من الصادق وآبائه و أبنائه والأئمة الأخيار (عليهم السلام)، وإن عرَّض بذلك ودلّ عليه بما ذكرناه عنه فيما مضى، وبينا ضلاله منه، والحق لا تضرُّه عصبية الرجال.

____________________

(١) في أ «كقول وقال».

٥٥

فصل

ثم قال هذا الشيخ الجاهل: وقد كان وصل إلى نيسابور(١) ، في سنة أربعين وثلاثمائة، رجل من هؤلاء الرافضة يعرف بـ (الجنيدي)(٢) ، يدعى معرفة بفقههم، ويتصنع بالنفاق لهم، فسلَّموا إليه مالاً كثيراً ليوصله إلى إمامهم - الذين يدعون وجوده الآن، ويحيلون في ذلك على السرداب وكان يذكر لهم أن بينه وبينه مكاتبة، وأن مستقرَّة بنواحي الحجاز.

وحمل إليه إنسان منهم - كان يعاملني في التجارة أخيراً مرَّة - سيفاً بحلية ثقيلة، له مقدار، وأهدى إليه في خاصته ثياباً، وبرَّه بشيء من ماله، و رأيت جماعة من رافضة نيسابور يكرمونه ويعتقدون فيه الصلاح.

فخاطبت معاملي في استحضاره إلى منزله، فحضر، وقايسته فوجدته من أجهل الناس، وأبعدهم عن طريق العلم، وتقرَّب إليَّ بوفاق أبي حنيفة في مسائل، وبالقول بالقياس - في الأحكام - والرأي، ولم يكن يحسن من ذلك كله شيئاً.

فعجبت لشدَّة غباوة هذه الفرقة، ونفاق الجهال عليها، لكن لا عجب! مع ما هم عليه من الضلال عما تقتضيه العقول، وتوفِّيه شرائع الإسلام، و

____________________

(١) نيسابور بفتح أوله، والعامة تسميه «نشاور»، وهي مدينة عظيمة، ذات فضائل جسيمة، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم أرَ - فيما طوَّفت من البلاد - مدينة كانت مثلها. (معجم البلدان ٥: ٣٣٠)

(٢) هو محمد بن أحمد الجنيد، أبو علي الأسكافي، وجه من وجوه أصحابنا، ثقة جليل القدر، صنَّف فأكثر، إلا أنه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كتبه ولم يعوّل عليها. (الفهرست للطوسي: ٣٦٨)

٥٦

اعتمادهم على التقليد، واعتقاد موت الأحياء وحياة الأموات.

فصل

فقالوا له: لسنا نثق بك فنصدقك فيما تحكيه، ولا نعلم كيف جرت حال الرجل الذي ذكرت وصوله إلى نيسابور؛ ويغلب في الظن تخرصك فيما ذكرت عنه من قبض مال الإمام، ونحن أعرف به منك لحلوله معنا في البلد و في الجوار، ووقوفنا على كثير من خفيّ أمره، ولم نسمع عنه - قط - دعوى مكاتبة الإمام، ولا العلم بمكانه من البلاد.

ولو كان ادعى ذلك الموضع - الذي ذكرت - لم يخف ذلك، وتظاهرت به الأخبار، لمواصلة شيعة نيسابور وكثير من شيعة بغداد، ومكاتبتهم بما يتعلَّق بالديانة والاعتقاد، وكان ذلك ينتشر عن هذا الرجل، في الموافقين وأهل الخلاف، كما انتشر عن غيره، ممن ادعى هذا المقام، كالعمريّ(١) ؛ وابنه(٢) ؛ وابن روح(٣) من الثقات (رحمهم الله).

____________________

(١) هو أول السفراء في زمان الغيبة، وهو الشيخ الموثوق به، أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان أسدياً، ويقال له: السمّان، لأنه كان يتَّجر في السمن تغطية على الأمر. (الغيبة للطوسي: ٢١٤)

(٢) هو محمد بن عثمان بن سعيد العمري - بفتح العين - الأسدي، يكنى: أبا جعفر، وأبوه يكنى: أبا عمرو؛ جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان (عليه السلام) ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة. (رجال العلّامة الحلي: ١٤٩)

(٣) هو الحسين بن روح بن بحر، أبو القاسم، قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر خرج على يديه تواقيع كثيرة، فلما مات أبو جعفر صارت النيابة إليه، وكثرت غاشيته، حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء، والمعزولون عن الوزارة والأعيان، وتواصف الناس عقله (الوافي بالوفيات للصفدي ١٢: ٣٦٦)

٥٧

والحلّاج(١) ، والعزاقري(٢) ، وأمثالها من المبطلين، المعروفين بالفسق والخروج عن الإيمان.

ولسنا ننكر أن يكون قد وصل أهل نيسابور هذا الرجل وأكرموه، و أقاموا بما يجب له من حقوق الإخوان، وقد عرفنا برَّ القوم له، وما كان يصل إليه من ناحية المشرق بعد عوده إلى بغداد، ما كان يصون به وجهه عن البذلة و مسألة الناس، وليس في هذا عيب له ولا عليه فيه عار.

ولو قد ذكرنا حيلة بعضكم على بعض في الأموال، وصغر أنفس مشايخكم - مع غناهم بالكفاية - في الطلب ومسألة الناس، وصلات بعضكم لبعض في عداوة أولياء الله، لأطلنا به الكلام. وشهرتكم في ذلك عند الكافَّة تغني عن تكلُّف الأخبار على التفصيل، لا سيما مع القصد إلى الاختصار.

فأما شهادتك بجهل الجنيدي، فقد أسرفت بما قلت في معناه وزدت في الإسراف، ولم يكن كذلك في النقصان، وإن كان عندنا غير سديد فيما يتحلَّى به من الفقه ومعرفة الآثار، لكنه - مع ذلك - أمثل من جمهور أئمتك، و أقرب منهم إلى الفطنة والذكاء.

فأما قوله بالقياس في الأحكام الشرعية، واختياره مذاهب لأبي حنيفة و غيره من فقهاء العامة لم يأتِ بها أثر عن الصادقين (عليهم السلام)، فقد كنّا

____________________

(١) هو الحسين بن منصور الحلّاج، المقتول على الزندقة، وكانت له بداية جيدة، ثم تألّه وتصوّف، ثم انسلخ من الدين، وتعلّم السحر وأراهم المخاريق، أباح العلماء دمه، فقتل سنة إحدى عشرة و ثلاثمائة. (ميزان الاعتدال ١: ٥٤٨)

(٢) هو محمد بن علي الشلمغاني، ويعرف بابن أبي العزاقر، له كتب وروايات، كان مستقيم الطريقة، متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم ابن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة، حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه. (رجال العلّامة الحلي: ٢٥٤)

٥٨

ننكره عليه غاية الإنكار، ولذلك أهمل جماعة من أصحابنا أمره واطرحوه، و لم يلتفت أحد منهم إلى مصنف له ولا كلام.

وهذا يدلُّ على ضدِّ ما ادعيت - أيها الجاهل - على الشيعة من الغباوة، والتقليد للرجال، لأنه لو كان منهم خمسة نفر كذلك لاعترفنا، به فيما أجبناه من خلاف الحق لسوء الاختيار، وفي اطراحهم له ذلك الإجماع على استرذاله فيه، بيان لذلك فيما حكمت به عليهم من التقليد حسب ما قدمناه.

فصل

وأما سبّك الإمامية باعتقاد موت الأحياء وحياة الأموات، فهو سفه محض، لا نرى مقابلتك عليه، صيانة لأنفسنا عن الدخول في السباب.

لكنَّا نسألك عن الأموات الذين ادعوا - بزعمك - حياتهم، والأحياء الذين اعتقدوا موتهم، مَن هم من الناس؟ فلا يجد شيئاً يتعلق به عليهم في هذا الباب.

اللَّهمَّ إلّا أن يذكر الكيسانية(١) ، والممطورة(٢) ، والغلاة(٣) ، فيبين تعمدك للعناد بإضافة مذاهب فاسدة إلى قوم يبرؤن إلى الله منها، وقد جرَّدوا الحجج

____________________

(١) وهم الفرقة القائلة بإمامة محمد بن أمير المؤمنين (ع)، لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة، دون أخويه، ويدّعون بقاءه حياً. انظر (فرق الشيعة للنوبختي: ٢٣)

(٢) هو لقب الفرقة الواقفة على الإمام موسى بن جعفر (ع)، وتعتقد حياته. انظر (فرق الشيعة: ٨٢)

(٣) هم الذين قالوا بإلهية الأئمة (ع)، وأباحوا محرّمات الشريعة، وأسقطوا وجوب فرائض الشريعة، كالبيانية، والمغيرية، والجناحية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية، ومن جرى مجراهم. (الفرق بين الفرق: ٢٣)

٥٩

في الردِّ على القائلين بها، وباينوهم في الظاهر والباطن وعلى كل حال.

وتذكر قولهم بوجود ولد (الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا «عليهم السلام»)، يعتقدون حياته للآن، وغيبته للتقية الموجبة للاستتار.

فتُظهر بذلك جهلك ونقصانك، لاعتقادك أنه لم يوجد هذا الشخص في العالم قط، فكيف يكون ميتاً فيعتقد القوم حياته؟! أو حيَّاً فيدينون بموته؟! هل هذا إلا اختلاط ممن قاله وهذيان.

فصل

ثم قال هذا الشيخ الضال: فكان مما قايست هذا الرجل فيه أمر المتعة، و أحكامها عنده، فقال: هي في عقيدتي حلال مع الاضطرار إليها وحرام مع الاختيار.

قال: فقلت له: وأيُّ ضرورة تدعو إلى الالتذاذ بالنكاح؟ يدَّعي الضرورة مَن يعرف الاختيار والاضطرار.

فقال: من الناس من تدعوه الشهوة للجماع وليست له زوجة ولا ملك يمين، ولا يقدر على ابتياع أمة، ولا له طَول النكاح غبطة؛ فإذا لم يستمتع اضطُرَّ إلى الفجور.

قال: فقلت له: إن دعته شهوته إلى ذلك في بلد لا يجد فيه من يستمتع بها من النساء، ووجد من يطاوعه على الزنا؛ أيحلُّ له ذلك مع الاضطرار؟.

فقال: لا.

فقلت له: ولم؟! والضرورة نازلة به، وقد أحلّ الله تعالى عندها ما حرَّمه

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177