الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية20%

الصحيفة الصادقية مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 294

الصحيفة الصادقية
  • البداية
  • السابق
  • 294 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174370 / تحميل: 8819
الحجم الحجم الحجم
الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية

مؤلف:
العربية

الصحيفة الصادقية

المؤلف: باقر شريف القرشي

١

٢

بْسم الله الرَّحْمنِ الَّرحِيمِ

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادي عَنَيِّ فَاِّني قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ »(١) أمَّن يجيبُ المضطَّر إذا دَعَاهُ وَيَكْشفُ السوءَ «وَإذَا مَسَّ الانْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعداً أوْ قَائِماً »(٢) «وإذا مَسَّ الانسان ضُرِّ دعا ربه منيباً إليه »(٣) «وَإذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرِّ دَعوْا رَبَّهُمْ مُنيِبيِنَ إلَيْه »(٤) .

القرآن الكريم

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٨٦.

٢ ـ سورة يونس ـ آية ١٢.

٣ ـ سورة الزمر : آية ٨.

٤ ـ سورة الروم ـ آية ٣٣.

٣
٤

تقريظ آية الله العظمى السيد عبد الاعلى السبزواري دامت بركاته.

بْسم الله الرَّحْمنِ الَّرحِيمِ

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصَلاةُ والسَلامُ على خير خلقه ، محمد وآله الطَيِّبينَ الطاهرينَ. وبعد ، فإنَّ من قضاء الله تعالى وقدره الحتميِّين ، أنه جلَّ جلاله ، يختار في كل قرنٍ رجالاً ، هم صفوة الناس ، بهم ، يثير دفائن العقول ، ويذكِّرهم منسيُّ الفطرة إتماماً للحجة ، وإيضاحاً للحجَّة ، وممَّن اختاره الله تعالى ، لهذه الموهبة العظمى ، الامام الهمام ، ووصيُّ مَن هو للانبياء شرفٌ وختام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام ، الذي يروي عن أجداده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرائيل ، عن الله جلَّت عظمته ، جميعَ المعارف التكوينية والتشريعية ، فهوعليه‌السلام ، لسانُ خاتم النبيِّين ، بل جميع الانبياء ومِّمن أخذ قطرة من هذا البحر ، الذي لا ساحلَ له ، علم الاعلام ، الحجَّة قرة المتتبِّعين العظام ، الشيخ باقر شريف القرشي ، فانه دامت معاليه ، أشار إلى حقيقة ، تقصر عن معرفتها إفهام ذوي العقول ، وورد ساحة تزلُّ دونها أقدام الفحول ، فهو المثل الاعلى ، علماً وعملاً ، وصار أهلاً لان تكون له هذه « الصحيفة الصادقية » الغراء التي يحق أن يقال فيها أنها من تجليات المدعو في الداعي ، وتفاني الداعي في مرضاة المدعو ، عند التوجه والثناء ، فرفع الله

٥

تعالى في الدارين شأنه ، وجعل أفئدة الناس ، تهوى إلى مؤلفَاتهِ الشريفةِ ، ونفعهم من ثمرات علمه وعمله ، انه سميع مجيب.

٩ شعبان عام ١٤٠٨ ه‍

عبد الاعلى الموسوي السبزواري

٦

تقديم

ـ ١ ـ

الدعاء ، سمو في الروح ، وإشراق في النفس ، يربط الانسان بربه خالق الكون ، وواهب الحياة ، من بيده مجريات الاحداث ، وهو بكل شيء محيط.

إن علاقة الانسان بربه ، علاقة ذاتية ، ومتأصلة في نفس الانسان ، فهو يفزع إليه ، أذا دهمته كارثة من كوارث الدهر ، أو ألمت به محنة من محن الايام إنه يدعو ربه ضارعاً منكسراً ، لا يجد أحداً يلجأ إليه ، ولا يكشف عنه الضر والشقاء سوى الله تعالى اللطيف بعباده ، وقد تحدث القرآن الكريم ، عن هذه الظاهرة ، في كثير من آياته ، قال تعالى : «وَإذَا مَسَّ الانْسَانَ الضُرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ، فَلَمّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ »(١) وقال تعالى : «وَإذَا مَسَّ النَاسَ ضُرِّ دَعُوا رَبَّهُم مُنِيبينَ إليْه ، ثُمَّ إذا إذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ، إذَا فَريقٌ مِنْهُمْ بِرَّبهمْ يُشْرِكوُنَ »(٢) إن الالتجاء إلى الله تعالى ، والفزع إليه ، في وقت المحنة والازمات ، أمر ذاتي للانسان ، مهما كانت اتجاهاته وميوله ، وقد قرأت في بعض الكتب ، أو الصحف ، أن شخصاً

__________________

١ ـ سورة يونس آية ١٢.

٢ ـ سورة الروم ـ آية ٣٣.

٧

كان في طائرة ، وفيها جماعة من الماركسيين وغيرهم ، ممن لا دين لهم ، فاصاب الطائرة عطب ، وهي في الجو ، ففزعوا جميعا إلى الله تعالى ، ببكاء لينقذهم من هذه الكارثة ، فاستجاب الله دعاءهم ، ونجاهم مما هم فيه ، وعقب الشخص قائلا : إني لا أصدق بعد ذلك ، أن هناك من يجحد الله تعالى ولا يؤمن به ، فإنه إن جحده بلسانه ، فان قلبه مطمئن به.

ـ ٢ ـ

إن من ثمرات الدعاء ، ومعطياته ، إزالة ما ران على القلوب ، من غشاوات وجفاء ، ورفع المرء إلى البشرية المثالية ، والانسانية الكريمة ، إنه ـ من دون شك ـ يهذب النفوس ، ويحسن الطباع ، وينمي النزعات الخيرة ، ويبعث على الاقتداء بآداب المتيقن والصالحين ، الذين هم سادات المجتمع وقادته ، ويحذر من شرار الخلق ، الذين يؤثرون الباطل على الحق ، ويفضلون الشر على الخير ، وهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وأي ثمرة يظفر بها الانسان أهم وأغلى من هذه الثمرة؟.

ـ ٣ ـ

أما الدعاء إلى الله ، والابتهال إليه ، فانه من أبرز القيم ، الرفيعة الماثلة عند الانبياءعليهم‌السلام ، فقد كان ابتهالهم إلى الله ، ومناجاتهم له من أهم المتع عندهم ، ولنستمع إلى خليل الله إبراهيم وإبنه إسماعيل وهما يرفعان أسس البيت الحرام ، فكانا مع كل لبنة يضعانها في بناء البيت المعظم ، يشفعانها بالدعاء إلى رب البيت قائلين :

«ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم »(١) .

ويدعوان أيضا قائلين :

«ربنا واجعلنا مسلمين لك ، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٢٧.

٨

مناسكنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم »(١) .

إن دعاء إبراهيم ، ودعاء ولده إسماعيل ، إنما هو دعوة إلى التكامل الانساني ، ودعوة إلى التحرر ، من النزعات الشريرة ، ودعوة للظفر بالخير ، بجميع صورة ومفاهيمه.

ـ ٤ ـ

واهتم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بالادعية إهتماما باغلا ، لانها بلسم للنفوس الحائرة في متاهات هذا الكون ، كما أنها في نفس الوقت ، خير ضمان لردع النفوس ، عن غيها وطيشها.

وبلغ من اهتمام أئمة الهدىعليهم‌السلام ، بهذا التراث الروحي ، أنهم خلفوا ثروة هائلة ، من الادعية النفيسة ، فقد ذكر السيد الجليل ، نادرة زمانه ، السيد ابن طاووس ، ان خزانة مكتبته تحتوي على ثماني مائة كتاب من الادعية ، أثرت عن الائمة الطاهرين(٢) .

ومن الطبيعي ، أن هذا الزخم من الادعية ، ينم عن معرفتهم الكاملة بالله تعالى ، فقد أبصروه بقلوبهم المشرفة ، وعقولهم النيرة تدبروا في آيات الله ، وأمعنوا النظر في عجائب هذا الكون ، وتأملوا في خلق هذا الانسان ، فآمنوا بالله إيمانا لا يخامره أدنى شك ، وكان من مظاهر إيمانهم الوثيق ، أنهم إذا قاموا للصلاة بين يدي الله تعالى ، ترتعد فرائصهم ، وتتغير الوانهم ، وقد قيل للامام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وريحانته في ذلك ، فأجاب سلام الله عليه : « حق على من وقف بين يدي رب العرش ، ان ترتعد فرائصه ، ويصفر لونه(٣) .

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٢٨.

٢ ـ كشف المحجة لثمرة المهجة.

٣ ـ حياة الامام الحسن ١ / ٣٢٧.

٩

لقد اتجهوا بقلوبهم ، وعواطفهم نحو الله ، الذي يعلم دقائق النفوس ، وخواطر القلوب ، فعبدوه ، واخلصوا في عبادته وطاعته ، كأعظم ما يكون الاخلاص.

وكان أول من فتح باب الادعية ، من الائمة الطاهرين ، سيد العترة الطاهرة ، الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد حفلت كتب الادعية ، بالشئ الكثير من أدعيته ، كدعاء كميل ، ودعاء الصباح وغيرهما من الادعية ، التي تمثل جوهر الايمان ، وحقيقة العبودية المطلقة لله تعالى ، وهكذا كانت أدعية ولده الامام ، السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام ، فإن أدعيته في عرفات ، وفي كربلاء ، تعتبر صرحا من صروح الايمان بالله تعالى ، يتزود بها الداعي ، ويتسلح بها الذاكر ، ويتبصر بها المؤمن ، وأما أدعية ولده الامام زين العابدينعليه‌السلام ، التي سميت بالصحيفة السجادية ، فهي انجيل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي من أجل الثروات الروحية في الاسلام ، وقد اهتم بها علماء المسلمين وغيرهم ، لانها من مناجم الفكر ومن ذخائر التراث الانساني.

لقد حفلت سيرة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بالابتهال والتضرع إليه ، فلا تقرأ سيرة أحد منهم ، إلا وتجد صفحات مشرقة من أدعيتهم ، ومناجاتهم لله تعالى ، الامر الذي يدل ـ بوضوح ـ على عميق أتصالهم بالله ، وأنقطاعهم إليه.

ـ ٦ ـ

إن أدعية أئمة أهل البيتعليهم‌السلام نفحة من رحمات الله ، تهدي الحائر ، وتضئ الطريق ، وتوضح القصد إلى الله ، وقد امتازت عن بقية أدعية الصالحين والمتقين بما يلي :

أولا : ـ إنما تمثل انقطاعهم الكامل ، واتصالهم الوثيق بالله تعالى ، استمعوا إلى ما يقوله الحسينعليه‌السلام ، في بعض أدعيته مخاطبا الله :

١٠

« ماذا وجد من فقدك ، وماذا فقد من وجدك؟؟. »

أرأيتم هذا الايمان الذي تجاوز حدود الزمان والمكان؟ لقد تفاعل مع عواطف أبي الاحرار ومشاعره ، حتى صار من عناصره ومقوماته.

ثانياً : ـ إنها لم تقتصر على التضرع إلى الله تعالى ، فقد احتوت على أمور بالغة الاهمية كان منها :

أ ـ التوحيد ، والنبوة ، والامامة.

ب ـ الاخلاق.

ج‍ ـ السياسة.

د ـ الاجتماع.

ه‍ ـ الاقتصاد.

وأدعيتهم ، مليئة بهذه الامور ، كما دعت إلى النشاط الفكري ، والعمل الجاد ، في مختلف جوانب الحياة.

ثالثا : ـ إن أدعيتهم ، تمتاز بأساليبها الرائعة ، فقد بلغت الذروة ، في بلاغتها ، وفصاحتها ، فليس في أي بند من بنودها ، أو فقرة من فقراتها ، جملة أو كلمة ، يمجها الطبع ، وينفر منها الذوق ، فقد نظمت في أرقي أسلاك البلاغة والفصاحة ، وتعد من مناجم الادب العربي.

رابعا : ـ إنها تدعو إلى صفاء النفوس ، من أدران الحياة ، المليئة باللهو والمغريات ، وتحليتها بالآداب والفضائل هذا مجمل ما أمتازت به أدعية الائمة الطاهرينعليهم‌السلام من الخصائص.

ـ ٧ ـ

والشئ المحقق الذي لا يخالجه شك ، أنه لا يمكن بأي حال من

١١

الاحوال ، أن تتحقق الاهداف النبيلة ، التي يصبوا إليها الانسان ، من الحرية ، والكرامة والامن ، والاخاء ، إلا إذا ساد الايمان بالله تعالى ، بين أمم العالم ، وشعوب الارض ، وارتبط الانسان بخالقه ، وآمن بأنه مسؤول أمام الله عما يعمله ، وعما يقترفه من إثم أو ذنب ، في حق نفسه ، أو في حق مجتمعه ، كما أنه من المؤكد أنه لا يجدي شيئا ، ما تعمله هيئة الامم المتحدة ، بمنظماتها المختلفة ، وما يجاهد في سبيله فلاسفة العصر ، وقادة الفكر والسياسة ، في العالم ، من العمل على تقدم الانسان ، وتطوير حياته ، وإنقاذه من ويلات الحروب ، ودمارها ، وإزالة الحواجز ، التي أحدثها اختلاف الجنسيات والقوميات ، واختلاف الالوان والمذاهب الاقتصادية ، من الرأسمالية والشيوعية ، فإنه بالرغم مما بذلته من جهود مكثفة ، في سبيل الاصلاح الاجتماعي ، فانها لم تستطع تحقيق ذلك ، وبقيت مقرراتها حبرا على ورق إن الذي يغير مجرى تأريخ البشرية إلى الافضل ، ويفتح لها آفاقا مشرقة ، من العزة والكرامة ، إنما هو الايمان بالله تعالى لا غيره ، من الوسائل المادية ، ومما لا شك فيه ، أنه سيظل الانسان يطارده الخوف والفزع ، كلما بعد عن الله تعالى

ـ ٨ ـ

ونعود للحديث عن أدعية الامام أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام ، فانها قبس من نور الاسلام ، ومشاعل مضيئة ، من هدي القرآن ، وهي ـ من دون شك ـ من انجع الوسائل التربوية ، في إقامة الاخلاق ، وتهذيب الطباع ، وهي من ذخائر الارصدة الروحية في الاسلام. ومن الجدير بالذكر ، أن أدعية الامامعليه‌السلام ، قد شملت جميع أعماله ، فلم يقم بأي عمل إلا وشفعه بالدعاء ، والتضرع إلى الله ، وهذا مما يؤكد ما قاله مالك بن أنس من أن الامامعليه‌السلام ، كان في جميع أوقاته مشغولا بذكر الله تعالى ، والانابة إليه.

وبحثت جهد ما توصل إليه تتبعي في مصادر الادعية والحديث ، عن

١٢

أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، فظفرت بمجموعة كبيرة من أدعيته ، أسميتها « الصحيفة الصادقية » وجعلتها إحدى حلقات « حياة الامام الصادقعليه‌السلام ». وهي تلقي الاضواء ، على روحانية هذا الامام العظيم ، الذي ملا الدنيا بعلومه ، ـ على حد تعبير الجاحظ ، ومنه تعالى نستمد التوفيق والعون ، لاكمال هذه الموسوعة ، وابرازها إلى عالم النشر ، ورأيت أن أقدم هذا الجزء إلى القراء ، نظرا لاهميته ، فإنه من تراثه الروحي الذي يحتاج إليه الناس أبدا في كل زمان ومكان! ..

المؤلف

باقر شريف القرشي

١٣
١٤

أحاديث الامام الصادق (ع) في الدعاء

١٥
١٦

وأولى الامام الصادقعليه‌السلام ، المزيد من الاهتمام ، في الدعاء والابتهال إلى الله ، لانه من أنجع الوسائل وأعمقها ، في تهذيب النفوس ، واتصالها بالله تعالى ، وقد أثرت عنه كوكبة من الاحاديث ، في فضل الدعاء وآدابه ، وأوقات استجابته ، وغير ذلك مما يرتبط بالموضوع ، ويتصل به ، وفي ما يلي ذلك.

فصل الدعاء :

أشاد الامام الصادقعليه‌السلام بفضل الدعاء ، وأهاب بالمسلمين أن لا يتركوه في جميع أمورهم ، صغيرها وكبيرها ، وأن يكونوا على اتصال دائم بالله ، الذي بيده جميع مجريات الاحداث ، وكان من بعض ما قاله فيه :

أ ـ : قالعليه‌السلام : « عليكم بالدعاء ، فإنكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار »(١) .

ب ـ واوصى الامامعليه‌السلام ، صاحبه ميسر بن عبد العزيز ، بملازمة الدعاء في جميع الاحوال ، قال له :

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٦.

١٧

« يا ميسر ادع ، ولا تقل إن الامر قد فرغ منه ، أن عند الله عزوجل ، منزلة لا تنال إلا بمسألة ، ولو أن عبدا سد فاه ، ولم يسأل ، لم يعط شيئا ، فسل تعط ، يا ميسر ، إنه ليس من باب يقرع ، إلا يوشك أن يفتح لصاحبه »(١) .

إن الامامعليه‌السلام اراد من الانسان المسلم ، أن يرتبط بخالقه ، في جميع شوؤنه وأحواله ، فبيده تعالى ، العطاء والحرمان ، ومن فاز بالاتصال به فقد فاز بخير عميم.

الدعاء عبادة :

واعتبر الامام الصادقعليه‌السلام ، الدعاء ضربا من ضروب العبادة ، ونوعا من أنواعها فقال :

« الدعاء هو العبادة ، التي قال الله عزوجل : «إن الذين يستكبرون عن عبادتي »(٢) ، أدع الله عزوجل ، ولا تقل ، إن الامر قد فرغ منه ، فان الدعاء هو العبادة.

وعلق الفقيه الكبير زرارة على الجملة الاخيرة ، من كلام الامام. قال : إنما يعني لا يمنعك ايمانك بالقضاء والقدر ، أن تبالغ بالدعاء ، وتجهد فيه(٣) .

الدعاء يدفع القضاء :

وحث الامام الصادقعليه‌السلام ، على الدعاء ، لانه من جملة الاسباب ، التي يستدفع بها البلاء ، وقد أدلىعليه‌السلام بذلك ، بمجموعة

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٦.

٢ ـ سورة غافر : آية ٦٠.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٧.

١٨

من الاحاديث من بينها :

أ ـ قالعليه‌السلام : « إن الدعاء يرد القضاء ، ينقضه كما ينقض السلك ، وقد أبرم إبراما. »(١) .

ب ـ قالعليه‌السلام : « إن الله عزوجل ، ليدفع بالدعاء الامر الذي علمه ، أن يدعي له فيستجيب ، ولولا ما وفق العبد من ذلك الدعاء ، لاصابه ما يجتثه من جديد الارض. »(٢) .

ج‍ : ـ قالعليه‌السلام : « الدعاء يرد القضاء ، بعدما أبرم إبراما ، فاكثروا من الدعاء ، فانه مفتاح كل رحمة ، ونجاح كل حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزوجل إلا بالدعاء ، وإنه ليس باب يكثر قرعه ألا يوشك أن يفتح لصاحبه »(٣) .

وحكت هذه الاحاديث غن أهمية الدعاء ، وأنه من الاسباب الفعالة في دفع البلاء المبرم.

الدعاء شفاء من الداء :

إن الدعاء وصفة روحية ، وهو من أوكد الاسباب في ازالة الامراض ، فإن له تأثيرا بالغا في الشفاء من كل داء ، وقد قررت البحوث الطبية الحديثة ذلك ، واكدت ان الطب الروحي ، من أهم الاسباب في إزالة الامراض المستعصية ، خصوصا الامراض النفسية ، وقد اكتشف الامام الصادقعليه‌السلام ، هذه الظاهرة ، فقال للعلاء بن كامل :

« عليك بالدعاء فانه شفاء من كل داء »(٤) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٧.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٠.

٣ ـ اصول الكافي ٢ /.

٤ ـ اصول الكافي ٢ /.

١٩

آداب الدعاء :

وضع الامام الصادقعليه‌السلام ، منهجا خاصا لآداب الدعاء ، فعلى المسلم السير على ضوئه ، يقولعليه‌السلام :

« إحفظ أدب الدعاء ، وانظر من تدعو ، وكيف تدعو ، وحقق عظمة الله وكبرياءه ، وعاين بقلبك علمه ، بما في ضميرك ، وإطلاعه على سرك ، وما تكون فيه من الحق والباطل ، واعرف طرق نجاتك وهلاكك ، كي تدعو الله بشيء فيه هلاكك ، وأنت تظن أن فيه نجاتك ، قال الله تعالى : «وَيَدْعُو الانسَانُ بِالشرِّ دُعَاءَهُ بالخَيْرِ ، وكان الانسَانُ عَجُولاً » وتفكر : ماذا تسأل؟ وكم تسأل؟ ولماذا تسأل؟!.

والدعاء : إستجابة الكل منك للحق ، وتذويب المهجة في مشاهدة الرب ، وترك الاختيار جميعا ، وتسليم الامور كلها ، ظاهرا وباطنا ، إلى الله تعالى فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الاجابة ، فانه يعلم السر وأخفى ، فلعلك تدعوه بشيء ، قد علم من سرك خلاف ذلك »(١) .

ووضع الامامعليه‌السلام في هذا الحديث ، المناهج لآداب الدعاء ، التي منها أن يتأمل الداعي ، ويفكر بوعي في عظمة من يدعوه ، ويرجو منه أن يفيض عليه بقضاء حوائجه ، وعليه أن يعرف ، أنه يدعو خالق الكون ، العالم بخفايا النفوس ، وأسرار القلوب ، كما أن على السائل ، أن يمعن في مسألته ، وينظر في أبعادها ، لكي لا يدعو بما فيه هلاكه ، وكذلك عليه ، أن يسلم جميع أموره ، ظاهرها وباطنها لله تعالى ، من بيده العطاء والحرمان ، وعلى الداعي أن يراعي بدقة هذه الآداب ، فان أهملها فلا ينتظر الاجابة من الله.

__________________

١ ـ البحار ١٩ / ٤٤ طبع حجر.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

علي (عليه‌السلام ) إلى اليمن مرتين:

وبالنسبة لذهاب علي (عليه‌السلام ) إلى اليمن نقول:

لعل الصحيح هو: أنه (عليه‌السلام ) ذهب إلى اليمن أولاً، فأسلمت همدان كلها على يديه في ساعة واحدة، وانتشر الإسلام في تلك البلاد.

ثم شعر أهلها بحاجتهم إلى من يفقههم في الدين، فوفدوا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وطلبوا منه ذلك، فأرسل إليهم علياً (عليه‌السلام ) مرة ثانية.

فقد روي: أنه أتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ناس من اليمن، فقالوا: ابعث فينا من يفقهنا في الدين، ويعلمنا السنن، ويحكم فينا بكتاب الله.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): انطلق يا علي إلى أهل اليمن، ففقههم في الدين وعلمهم السنن، واحكم فيهم بكتاب الله.

فقلت: إن أهل اليمن قوم طغام، يأتوني من القضاء بما لا علم لي به.

فضرب (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على صدري، ثم قال: اذهب، فإن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك. فما شككت في قضاء بين اثنين حتى الساعة(1) .

____________

1- منتخب كنز العمال (مطبوع مـع مسند أحمـد) ج5 ص36 وكنز العـمال ج13 = = ص113 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص35 و 40 و 45 وج21 ص634 وج22 ص511 وج23 ص667 وراجع: أخبار القضاة لمحمد بن خلف بن حيان ج1 ص86 و تاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص637.

٢٢١

وقال الطبرسي: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن، ليدعوهم إلى الإسلام، وليخمس ركازهم، ويعلمهم الأحكام، ويبين لهم الحلال والحرام، وإلى أهل نجران ليجمع صدقاتهم، ويقدم عليه بجزيتهم(1) .

هل أرسل علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن قاضياً؟!:

إننا لا ننكر أن يكون علي (عليه‌السلام ) قد قضى وحكم بين الناس في اليمن، كما أنه علمهم، وفقههم في دينهم، وسعى إلى تزكية نفوسهم، وبث مكارم الأخلاق فيهم..

ولكن بعض الروايات تزعم: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسل علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن قاضياً، وحسب بعض الروايات: أنه قال للنبي:

تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء (أو بكثير من القضاء)؟!

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص360 ومكاتيب الرسول ج1 ص210 وإعلام الورى (ط1) ص79 و 80 و (ط2) ص137 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص257.

٢٢٢

فوضع يده على صدره وقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك.

يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر الخ..(1) .

ولذلك اعتبر السكتواري: أن علياً (عليه‌السلام ) أول قاض بعثه رسول

____________

1- مسند أحمد ج1 ص83 و 88 و 149 و (ط دار صادر) ج1 ص111 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار المعارف بمصر) ج2 ص337 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص140 وذخائر المواريث ج3 ص14 وتيسير الوصول (ط نول كشور) ج2 ص216 وقضاة الأندلس ص23 وخصائص الإمام علي ( عليه‌السلام ) للنسائي (ط التقدم بمصر) ص12 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص85 وفرائد السمطين، ونظم درر السمطين ص127 والشذورات الذهبية ص119 وطبقات الفقهاء ص16 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص236 ومناقب علي ( عليه‌السلام ) لابن المغازلي ص248 والرصف ص313 وجمع الفوائد من جامع الأصول، ومجمع الزوائد ج1 ص259 وفتح المنعم (مطبوع مع زاد المسلم) ج4 ص217 وبحار الأنوار ج21 ص360 و 361 وفي هامشه عن: إعلام الورى (ط 1) ص80 و (ط2) ص137. وراجع: العمدة لابن البطريق ص256 وفتح الباري ج8 ص52 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص117 وكنز العمال ج13 ص125 والبداية والنهاية ج5 ص124 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص208 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليه‌السلام ) ج1 ص205 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص65 وج20 ص565 و 571 وج22 ص176 وج31 ص387.

٢٢٣

الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى اليمن(1) .

ونقول:

قد يقال: إن علياً كان باب مدينة علم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعنده علم الكتاب بنص القرآن الكريم، فما معنى قوله (عليه‌السلام ): أنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء؟!.

ويمكن أن يجاب:

بأنه (عليه‌السلام ) إنما تكلم بلسان غيره، وعبر عما قد يدور بِخَلَدِ بعضهم، لا سيما وأن القضاء من أي كان لا يرضي من يُقْضى عليهم.. فيبادرون إلى إدعاء المظلومية، أو ادعاء حصول خطأ في الحكم، نتيجة التقصير أو القصور لدى الحاكم، أو لغير ذلك من أسباب، قد يجدون من يصدقهم، أو من يقع في الشبهة نتيجة لذلك.. فأراد (عليه‌السلام ) أن يتلافى ذلك بهذا السؤال، وبذاك الجواب..

ويشهد لذلك:

أن الجواب الذي سمعه من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يتضمن تعليماً لأحكام القضاء، بل هو مجرد دعاء له (عليه‌السلام ) بالهداية والثبات، ثم أخبره بأن الله تعالى هو الذي يتولى هداية قلبه (عليه‌السلام )، وذلك ليدلنا على عظيم منزلته (عليه‌السلام ) عند الله، لأن هداية القلب لا تكون على سبيل الجبر والقهر لأي كان من الناس، بل هي منحة إلهية لمن

____________

1- محاضرة الأوائل ص62 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص47 عنه.

٢٢٤

جاهد في الله حق جهاده على قاعدة:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (1) و( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً ) (2) و( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) (3) .

مفردات من قضائه (عليه‌السلام ) في اليمن:

وقد ذكروا العديد من مفردات الأقضية التي صدرت عن علي (عليه‌السلام ) في اليمن، ومنها:

1 ـ إن قوماً احتفروا بئراً باليمن، فأصبحوا وقد سقط فيها أسد، فنظروا إليه، فسقط إنسان بالبئر، فتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر، حتى كانوا في البئر أربعة، فقتلهم الأسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله.

فتحاكموا إلى علي (عليه‌السلام ).

فقال: ربع دية، وثلث دية، ونصف دية، ودية تامة: للأسفل ربع دية، من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية، لأنه هلك فوقه إثنان، وللثالث نصف دية، من أجل أنه هلك فوقه واحد، وللأعلى الدية كاملة.

فإن رضيتم فهو بينكم قضاء، وإن لم ترضوا فلا حق لكم حتى تأتوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيقضي بينكم.

فلما أتوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قصوا عليه خبرهم، فقال: (أنا

____________

1- الآية 69 من سورة العنكبوت.

2- الآية 17 من سورة محمد.

3- الآية 11 من سورة التغابن.

٢٢٥

أقضي بينكم إن شاء الله تعالى).

فقال بعضهم: يا رسول الله، إن علياً قد قضى بيننا.

قال: (فيم قضى)؟!

فأخبروه، فقال: (هو كما قضى به)(1) .

2 ـ كان علي (عليه‌السلام ) باليمن، فأُتي بامرأة وطأها ثلاثة نفر في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟!

____________

1- راجع: مسند الطيالسي ص18 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص95 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص111 وذخائر العقبى ص84 وتذكرة الخواص ص49 والقياس في الشرع الإسلامي ص45 وأعلام الموقعين ج2 ص39 ومجمع بحار الأنوار ج2 ص57 وينابيع المودة ص75 وأرجح المطالب ص120 والطرق الحكمية لابن القيم ص262 عن أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم في صحيحه، وإرشاد الفحول ص257 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص239 ومسند أحمد ج1 ص77 و 152 ومشكل الآثار ج3 ص58 وكتاب الديات للشيباني ص65 وتفريع الأحباب ص321 ووسيلة النجاة للسهالوي ص152 ومرآة المؤمنين ص70 وكنز العمال (ط الهند) ج15 ص103 عن الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، وابن منيع، وابن جرير وصححه، وقرة العينين في تفضيل الشيخين ص158 وبذل القوة ص285 وتلخيص التحبير ج4 ص30 عن أحمد، والبزار، والبيهقي، وإحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص493 ـ 497 وج8 ص67 ـ 70 عما تقدم وعن مصادر أخرى.

٢٢٦

فلم يقرَّا.

ثم سأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟!

فلم يقرَّا.

ثم سأل اثنين، حتى فرغ، يسأل اثنين اثنين غير واحد، فلم يقرُّوا.

ثم أقرع بينهم، فألزم الولد، الذي خرجت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية.

فرفُع ذلك للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فضحك حتى بدت نواجذه

زاد في نص آخر: وقال: (القضاء ما قضى).

أو قال: (لا أعلم فيها إلا ما قضى علي).

أو قال: (حكمتَ فيه بحكم الله).

أو قال: (لقد رضي الله عز وجل حكمك فيهم)(1) .

____________

1- راجع: مسند أحمد ج4 ص373 وسنن النسائي (ط الميمنة بمصر) ج2 ص107 وأخبار القضاة ج1 ص90 و 91 و 93 و 94 ومستدرك الحاكم ج2 ص207 وج3 ص135 وج4 ص96 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع مع المستدرك) ج4 ص96 وذخائر العقبى ص85 والقياس في الشرع الإسلامي ص48 وزاد المعاد لابن القيم (ط الأزهرية بمصر) ج7 ص380 والبداية والنهاية ج5 ص107 عن أحمد، وأبي داود، والنسائي، وينابيع المودة ص211 و 75 وتيسير الوصول ج2 ص281 وأرجح المطالب ص121 والمعجم الكبير = = ج5 ص193 و 194 وفيه: أن علياً ( عليه‌السلام ) كتب إلى رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخبره بذلك. ومسند ابن أبي شيبة ج2 ص345 وأخبار الموفقيات ص363 عن مسند الحميدي، ومرآة المؤمنين ص71.

٢٢٧

3 ـ عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام )، قال: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن، فنفح رجلاً برجله فقتله، وأخذه أولياء المقتول، فرفعوه إلى علي (عليه‌السلام )، فأقام صاحب الفرس البيّنة أن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله، فأبطل علي (عليه‌السلام ) دم الرجل.

فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يشكون علياً (عليه‌السلام ) فيما حكم عليهم، فقالوا: إن علياً ظلمنا، وأبطل دم صاحبنا.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إن علياً ليس بظلام، ولم يخلق علي للظلم، وإن الولاية من بعدي لعلي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن.

فلما سمع اليمانيون قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في علي (عليه‌السلام ) قالوا: يا رسول الله، رضينا بقول علي وحكمه.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): هو توبتكم مما قلتم(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص362 وج38 ص102 وج40 ص316 وج101 ص390= = والأمالي للشيخ الصدوق ص428 ومستدرك الوسائل ج18 ص322 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص343 وعجائب أحكام أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للسيد محسن الأمين ص42 وقضاء أمير المؤمنين علي ( عليه‌السلام ) ص192 عن الكليني، والشيخ، وعن الصدوق في أماليه. والكافي ج7 ص353.

٢٢٨

ونقول:

يحسن لفت النظر إلى أمور تضمنتها النصوص الآنفة الذكر، نذكر منها ما يلي:

أولاً: ذكرت الروايات الثلاث الأولى المتقدمة أن الذين قضى عليهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لم يرضوا بقضائه..

ولا نرى أن سبب ذلك هو كراهتهم لشخص علي (عليه‌السلام ).. بل لأن التخاصم عادة يكون بسبب شبهة عرضت لأحد المتخاصمين، أو كليهما، أوهمته أن الحق له، ودفعته إلى السعي لتحصيل حقه ولو بالترافع إلى القاضي، فإذا قضى عليه القاضي توهم أنه قصر في تحري الحق، أو جهل الحكم، أو مال مع الهوى..

وبما أن الناس كانوا في اليمن لا يعرفون الكثير عن علي (عليه‌السلام )، وعلمه وتقواه، وتضحياته وعدله، والآيات النازلة في حقه، وبيان فضله، فلا يلامون إذا ظنوا أنه لم يدقق بما يكفي لإحقاق الحق، أو لم يكن يعرف الكثير من أسرار القضاء، فأرادوا الإستيثاق من صحة قضائه.

فجاء الرد الحاسم من قبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبين لهم:

٢٢٩

أولاً: موقع علي فيهم، وحقيقة علي (عليه‌السلام ) ومنزلته، وأن له فيهم مقام الولاية، وهو الذي لا يرد حكمه، ولا يشك في قوله..

ثانياً: لقد قرر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه (عليه‌السلام ) ليس بظلام، ليكون هذا القول هو الضابطة لمن تكون له الولاية على الناس، لأن من يظلم واحداً منهم، فلا يؤمن أن ينال ظلمه الجميع، إذ لا خصوصية للفرد من هذه الجهة، ولذلك قال: (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (إن علياً ليس بظلام)، فجاء بصيغة المبالغة لتدل على نفي الظلم عن كل فرد، والمطلوب من الولي الإنصاف والعدل، وإيصال الخير للناس، والظلاّم لا يؤمن أن ينال ظلمه هذا الفرد أو ذاك، فلا يصلح للولاية لأنها نقض للغرض.

ثالثاً: قوله: إن علياً (عليه‌السلام ) لم يخلق للظلم، أي أن علياً (عليه‌السلام ) هو صاحب الفطرة السليمة والصافية، والمعافاة من كل سوء، فهي لم تتعرض لأي تشويه، أو عدوان. وفطرة كهذه لا يصدر منها الظلم، لأن الظلم لا يلائمها، بل هي تتنافر معه وترفضه..

الذين وقعوا في زبية الأسد:

بالنسبة للذين قتلهم الأسد في البئر نقول:

اختلفت الرواية في الحكم الذي صدر عنه (عليه‌السلام )، فواحدة منها تقول: إن للأول ربع الدية، وللثاني ثلثها، وللثالث نصفها، وللرابع الدية كاملة، وقد جعلها (عليه‌السلام ) على قبائل الذين ازدحموا..

قال التستري: للأول الربع، لاحتمال استناد موته إلى أربعة أشياء:

أحدها: تضييق المزدحمين، وباقيها إسقاطه لثلاثة رجال فوق نفسه.

٢٣٠

وللثاني الثلث، لإحتمال استناده إلى ثلاثة أمور:

أحدها: إسقاط الأول له.

وللثالث النصف، حيث يحتمل استناده إلى أمرين:

أحدهما: إسقاط الثاني له.

وللرابع التمام حيث إن قتله كله مستند إلى الثالث، وجعل الدية على قبائل المزدحمين لأن الساقطين أيضاً كانوا منهم(1) .

وجاء في نص آخر أنه (عليه‌السلام ) قال: الأول فريسة الأسد، وغرّم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية.. وغرّم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة(2) .

وذكر التستري: أن الوجه في ذلك: أن هلاك الأول لم يكن مستنداً إلى أحد..

____________

1- قضاء أمير المؤمنين علي ( عليه‌السلام ) ص36.

2- راجع: وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج9 ص176 وقضاء أمير المؤمنين علي ( عليه‌السلام ) للتستري ص35 عن الإرشاد، وعن المشايخ الثلاثة، والمناقب، ومسند أحمد، وأمالي أحمد بن منيع. وراجع: دعائم الإسلام ج2 ص418 ومستدرك الوسائل ج18 ص313 وشرح الأخبار ج2 ص331 والإرشاد للمفيد ج1 ص196 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص198 وبحار الأنوار ج40 ص245 وج101 ص393 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص338 و 339 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص280.

٢٣١

والثاني كان هلاكه مستنداً إلى ثلاثة أمور: جذب الأول، وسقوط الثالث والرابع فوقه، وكان هو السبب في سقوطهما، فيكون ثلث قتله مستنداً إلى الأول فله الثلث.

والثالث كان ثلث قتله مستنداً إلى نفسه بجذب الرابع، فيكون له الثلثان فقط على الثاني.

والرابع كان جميع قتله مستنداً إلى الثالث، فكان عليه تمام ديته(1) .

ويحتمل أن هذه الحادثة قد تكررت مرتين، كان سقوط الأشخاص فوق بعضهم البعض في إحداهما، وكان السقوط للأفراد في مواقع أخرى في الحادثة الثانية.

من وصايا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ):

1 ـ روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): بعثني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى اليمن وقال لي: يا علي، لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه، وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي(2) .

____________

1- قضاء أمير المؤمنين علي ( عليه‌السلام ) ص35 و 36.

2- بحار الأنوار ج21 ص361 وج97 ص34 والكافي ج5 ص28 ومختلف الشيعة ج4 ص393 وكشف اللثام (ط ج) ج9 ص341 و (ط ق) ج2 ص276 وجـواهـر = = الكلام ج21 ص52 وتهذيب الأحكام ج6 ص141 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص43 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 والنوادر للراوندي ص140 ومستدرك الوسائل ج11 ص30 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص143 وموسوعة أحاديث أهل البيت ج12 ص23 وأعيان الشيعة ج1 ص418.

٢٣٢

قال المجلسي (رحمه‌الله ): قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ولك ولاؤه، أي لك ميراثه إن لم يكن له وارث، وعليك خطاؤه(1) .

2 ـ روى جماعة عن أبي المفضل، عن عبد الرزاق بن سليمان، عن الفضل بن الفضل الأشعري، عن الرضا، عن آبائه (عليهم‌السلام ): أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعث علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن، فقال له وهو يوصيه:

يا علي، أوصيك بالدعاء، فإن معه الإجابة، وبالشكر، فإن معه المزيد، وإياك عن أن تخفر عهداً وتعين عليه، وأنهاك عن المكر، فإنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وأنهاك عن البغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله(2) .

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص361.

2- بحار الأنوار ج21 ص361 وج74 ص69 عن المجالس والأخبار ص28 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج7 ص29 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص1088 والأمالي للطوسي ص597 وجامع أحاديث الشيعة ج15 ص192 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص345 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) ج2 ص62 وج10 ص414.

٢٣٣

ونقول:

أولاً: تقدم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أوصى علياً (عليه‌السلام ) بأن لا يقاتل أحداً حتى يدعوه، ثم قال: (وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت علي الشمس وغربت..).

والكلام إنما هو بالنسبة لأولئك الذين يعلنون العداء للإسلام وأهله، أو بالنسبة لأولئك الذين يريدون منع الناس من ممارسة حريتهم في الإعتقاد، أو في الدعوة..

وهذا يدل على أن الهدف الأول والأخير هو هداية الناس، ونشر الإسلام، والقتال إنما هو لدفع الأعداء، أو للحصول على حرية الإعتقاد والدعوة..

فما يذكرونه في أكثر السرايا والبعوث من أنها كانت تبادر إلى الغارة، واغتنام الأموال، وسبي النساء والأطفال، وأسر واستعباد الرجال، إما غير صحيح، أو أنه إن كان قد حصل منه شيء فهو على سبيل التمرد على صريح الأوامر النبوية، طمعاً بالدنيا، وجريا على عادات أهل الجاهلية، واستجابة لدواعي الهوى العصبية.

ثانياً: إن مجرد إسلام شخصٍ على يد آخر ليس من أسباب اختصاصه بإرثه، إلا في موردين.

أحدهما: أن يكون مولى له، وما نحن فيه ليس كذلك، إذا المفروض: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر علياً أن يدعوهم إلى الإسلام قبل حربهم، فمن أسلم منهم كان له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم..

٢٣٤

الثاني: أن يكون ولاؤه له من حيث أنه إمام مفترض الطاعة، لأن الإمام وارث من لا وارث له.. ومعنى هذا أن يصبح هذا الحديث من دلائل إمامة علي (عليه‌السلام ) بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثالثاً: إن الوصايا المتقدمة، التي رويت عن الإمام الرضا (عليه‌السلام )، عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليس فقط لا تشير إلى أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أصدر أي أمر بقتال، وإنما هي في سياق إثارة أجواء ومشاعر سليمة وطبيعية، والتوجيه نحو تنظيم العلاقة مع أهل اليمن، على أساس التوافق، وإبرام العهود، ولزوم الوفاء بها. ولزوم الوضوح والصدق في التعامل، والإبتعاد عن المكر والخداع، وعن البغي والتجني، والتزام جادة الإنصاف، والرفق..

وقد مهد لذلك كله بالتوجيه نحو الله تعالى بالدعاء، والطلب منه دون سواه، ثم بالشكر له، الذي يجلب معه المزيد من العطاءات الإلهية، والألطاف والرحمات والبركات الربانية..

هدايا علي (عليه‌السلام ) من اليمن إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

روى الكليني عن العدة، عن سهل وأحمد بن محمد جميعاً، عن بكر بن صالح، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن (عليه‌السلام ) قال: سمعته يقول: أهدى أمير المؤمنين إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أربعة أفراس من اليمن، فقال: سمها لي.

فقال: هي ألوان مختلفة.

فقال: ففيها وضح؟!

٢٣٥

قال: نعم، فيها أشقر به وضح.

قال: فأمسكه عليّ.

قال: وفيها كميتان أوضحان.

فقال: أعطهما ابنيك.

قال: والرابع أدهم بهيم.

قال: بعه، واستخلف به نفقة لعيالك، إنما يمن الخيل في ذوات الأوضاح(1) .

ونقول:

1 ـ في هذه الهدية إلماح إلى استمرار المسيرة الجهادية، التي تحتاج إلى إعداد القوة التي ترهب العدو.. على قاعدة:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (2) .

وقد جاءت هذه الهدية في وقت ظهر فيه أن بعض قاصري النظر من

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص361 وج61 ص169 عن الكافي، والمحاسن للبرقي ج2 ص631 والكافي ج6 ص536 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص285 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص475 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص347 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص855 ومسند الإمام الرضا ( عليه‌السلام ) للعطاردي ج2 ص377 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) ج12 ص339.

2- الآية 60 من سورة الأنفال.

٢٣٦

المسلمين اعتبر أن زمن الجهاد قد انتهى، ولا حاجة بعد للسلاح، فباعوا أسلحتهم، كما صرحت به الروايات(1) .

2 ـ تضمن هذا النص إشارة إلى أن للألوان والأشكال دورها في الإختيار، وإن لقضية اليُمْنِ أيضاً تأثير في ذلك، فلا معنى لإسقاطها من الحساب..

ذهبية أخرى من اليمن:

وعن أبي سعيد الخدري: أن علياً كرم الله وجهه (بعث إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصَّل من ترابها، فقسمها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر،

____________

1- راجع: السنن الكبرى للنسائي ج3 ص35 وج5 ص218 ومسند أحمد ج4 ص104 وسنن النسائي ج6 ص214 والآحاد والمثاني ج4 ص411 وج5 ص84 و 259 وصحيح ابن حبان ج16 ص297 والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص52 ومسند الشاميين ج3 ص387 والأربعين في الجهاد لأبي الفرج المقرئ ص44 وموارد الظمآن ج5 ص205 وكنز العمال ج4 ص450 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص187 والطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص427 والتاريخ الكبير للبخاري ج4 ص70 وتاريخ مدينة دمشق ج1 ص115 و 116 و 117 وتهذيب الكمال ج11 ص324 والدر المنثور ج6 ص47 وتفسير الآلوسي ج26 ص42.

٢٣٧

وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن غيلان (علاثة) (1) .

وهؤلاء من المؤلفة قلوبهم، الذين يهتمون لهذه الأمور.

مع ملاحظة: أن هذا الذهب لم يكن من الأموال العامة التي لا بد من تقسيمها بين أهلها ومستحقيها من المسلمين، وإنما هي مال خاص برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). وقد أراد أن يجعلها في خدمة هذا الدين، وكف الأذى عن أهله، وتوفير المنافع لهم بهذه الطريقة.

علي (عليه‌السلام ) في اليمن مرة أخرى:

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) قال: دعاني رسول

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص358 وراجع: الإصابة ج1 ص572 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص158 والدر المنثور ج3 ص251 عن البخاري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والمحلى لابن حزم ج6 ص110 وج11 ص220 وعمدة القاري ج18 ص7 والبداية والنهاية ج5 ص123 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص206 ودعائم الإسلام ج1 ص260.

وراجع ايضاً: مستدرك الوسائل ج7 ص116 وبحار الأنوار ج93 ص70 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص235 و مسند أحمد ج3 ص4 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص110 وصحيح مسلم (ط دارالفكر) ج3 ص110 وشرح مسلم للنووي ج7 ص162 وفتح الباري ج8 ص53 وصفات الرب جل وعلا للواسطي ص13 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص160.

٢٣٨

الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فوجهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت له: يا رسول الله، إنهم قوم كثير، وأنا شاب حدث!

فقال لي: يا علي، إذا صرت بأعلى عقبة (أفيق) فناد بأعلى صوتك: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمدٌ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقرؤكم السلام.

قال: فذهبت، فلما صرت بأعلى عقبة أفيق أشرفت على اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي، مشرعون أسنتهم، متنكبون قسيهم، شاهرون سلاحهم، فناديت بأعلى صوتي: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقرؤكم السلام.

قال: فلم يبق شجرة، ولا مدرة، ولا ثرى إلا ارتجت بصوت واحد: وعلى محمد رسول الله وعليك السلام.

فاضطربت قوائم القوم، وارتعدت ركبهم، ووقع السلاح من أيديهم، وأقبلوا مسرعين، فأصلحت بينهم، وانصرفت(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج17 ص371 وج21 ص362 وج41 ص252 وبصائر الدرجات ص145 و 146 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص521 و 523 والأمالي للصدوق ص293 وروضة الواعظين ص116 ومختصر بصائر الدرجات (ط المطبعة الحيدرية) ص14 والثاقب في المناقب ص69 والخرائج والجرائح ج2 ص492 ومدينة المعاجز ج1 ص416 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص299 وقصص الأنبياء للراوندي ص285 وغاية المرام ج5 ص255 وراجع: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج7 ص62 وتاريخ جرجان للسهمي ص387.

٢٣٩

ونقول:

هناك شكوك تراودنا حول هذه الرواية، فلاحظ ما يلي:

أولاً: إن عقبة أفيق كانت بين حوران وغور الأردن، فغور الأردن في أول العقبة التي تنزل منها إلى الغور، وهي عقبة طولها نحو ميلين(1) فهي شمالي المدينة..

أما اليمن فهي إلى الجنوب من المدينة، فكيف تقول الرواية: إن علياً (عليه‌السلام ) لما صار بأعلى عقبة أفيق أشرف على اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوهم؟!

ثانياً: هل يمكن أن يأتي أهل اليمن بأسرهم لاستقبال علي (عليه‌السلام ) بالسلاح ليحاربوه؟!

وهل هم مجتمعون عند عقبة أفيق؟!

وهل اليمن بمثابة قرية أو مدينة، يمكن أن تخرج على بكرة أبيها لمواجهة قادم؟!

ثالثاً: لم يكن هناك أية مشكلة بينهم وبين علي (عليه‌السلام ) ومن معه، بل هم قد اختلفوا فيما بينهم، وقد جاء علي (عليه‌السلام ) ليصلح بينهم، فدفع الله شرهم عنه بطريقة الكرامة والإعجاز..

فما معنى أن يتفق الفريقان المتنازعان على حرب من جاء ليصلح

____________

1- معجم البلدان ج1 ص233 وراجع: ج4 ص286 وبحار الأنوار ج21 ص363 وراجع: تاج العروس ج13 ص7 و413.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294