الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية20%

الصحيفة الصادقية مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 294

الصحيفة الصادقية
  • البداية
  • السابق
  • 294 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174257 / تحميل: 8795
الحجم الحجم الحجم
الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأيّ فائدة لقولكم : « إنّا كسبنا المعصية » وأنتم تريدون به أنّكم محلّ بالاضطرار؟! فيكون أرحم الراحمين ـ بزعمكم ـ قد خلق المعصية مع كسبها فيكم بلا جرم ، فصيّر تموه أظلم الظالمين كما هو مرادكم بقولكم : إنّ « لك التصرّف » فينا ، فإنّ الله سبحانه يتنزّه عن التصرّف المطوي على الظلم والجور.

وأمّا ما ذكره في عذر عوامّهم بأن نبيّنا قال : « عليكم بالسواد الأعظم » فعذر بارد

لأنّه يقال لهم أوّلا : كيف أخذتم دينكم من هذا الحديث ، وهو لو صحّ سندا وتمّ دلالة لا يفيد إلّا الظنّ ، وقد سمعتم قوله تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) وقوله :( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) ؟!

ويقال لهم ثانيا : كيف أخذتم بهذا الحديث وتركتم قول الله تعالى :( أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٣) الدالّ على انقلاب السواد الأعظم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وما رواه معتمدكم البخاري في « كتاب الحوض » من صحيحه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أنّ الصحابة إذا وردوا عليه الحوض يحال بينه وبينهم ، ويقال له : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ويؤخذ بهم إلى النار ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النعم(٤) .

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٦.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ح ١٦٤ ـ ١٦٦ باب في الحوض.

٢٠١

وما رواه أهل صحاحكم وغيرهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل(١) ، وقد ارتدّ السواد الأعظم من بني إسرائيل ، وخالفوا خليفة موسى أخاه هارون

مع أنّ أكثر الناس في عامّة الأزمنة على الضلالة ، كما يصرّح به الكتاب العزيز في كثير من الآيات(٢) .

ويقال لهم ثالثا : كيف علمتم أنّ المراد بالحديث لزوم اتّباع السواد الأعظم حتّى في الدين؟! والحال أنّه مطلق صالح للتقييد بألف قيد ، كما قيّدتموه أنتم بغير المعصية والظلم ونحوهما(٣) ، فكان يلزمكم الفحص والنظر في الأدلّة العقلية والنقلية.

وقد كان يكفيكم من العقل أنّ الجبر مستوجب لنسبة الظلم إلى الله

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٦ ح ٢٦٤١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ / ٢٥ ح ٤٥ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٠٤ ح ٦٠١٧ وج ١٠ / ٣٩ ح ٩٨٨٢ وج ١٧ / ١٣ ح ٣ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٢٦ ـ ٢٧ ح ٢٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٤٤٤ و ٤٤٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ عن البزّار.

(٢) كقوله تعالى :( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) سورة الصافّات ٣٧ : ٧١.

وقوله تعالى : ( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) سورة الزخرف ٤٣ : ٧٨.

إلى كثير من الآيات الكريمة في هذا الصدد ، يمكنك مراجعتها في مادّة « كثر » من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(٣) انظر مثلا : الإحكام في أصول الأحكام ـ لابن حزم ـ ١ / ٥٩٢ وقد أثبت عدم صحّة رواية « عليكم بالسواد الأعظم » ، الاعتقاد على مذهب السلف ـ للبيهقي ـ : ١٣٩ ، المحصول في علم أصول الفقه ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، فواتح الرحموت ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١١١.

٢٠٢

سبحانه ومن النقل الآيات السابقة ؛ بل وجدان كلّ شخص أنّه يحرم عليه اتّباع السواد الأعظم في هذه المسألة ؛ لأنّه يجد من نفسه أنّه المؤثّر في فعله ، وعليه رأيه في كلّ عمله.

على أنّ السواد الأعظم هو العوامّ ، فما معنى اتّباعه لنفسه وكلّه جاهل؟!

.. إلى غير ذلك من المفاسد المانعة من الاعتذار بهذا الحديث!

وأمّا ما أشار إليه من أمر التقيّة ، فلو ذكره المعتذر كان الأمر عليه أشدّ وأخزى

إذ يقال له أوّلا : ما أنكرتم من التقيّة وقد شرّعها الله تعالى في كتابه العزيز ، فقال :( إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) (١) وقال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٢) ؟!

وثانيا : إنّ تقيّة الشيعة ليست إلّا منكم ؛ لأنّكم أخفتموهم وقتلتموهم لتمسّكهم بمن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته بالتمسّك بهم! وأنتم اتّبعتم الظالمين في معاداة أهل بيت الرحمة وشيعتهم المؤمنين ، وآمنتم المشركين والمنافقين والفاسقين!

وقولكم : « يستنكفون من هذه النسبة »

حاشا وكلّا ، رأينا علانيتهم تشهد لضمائرهم بالافتخار بموالاة آل محمّد الطاهرين ومعاداة أعدائهم ، كما قال شاعرهم الكميترحمه‌الله

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٢٨.

(٢) سورة النحل ١٦ : ١٠٦.

٢٠٣

تعالى :

وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب(١)

* * *

__________________

(١) القصائد الهاشميات : ٢٨ ، الأغاني ١٧ / ٢٩ ، وجاء البيت فيهما هكذا :

فما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب

٢٠٤

قال المصنّف ـ بلّغه الله مناه ـ (١) :

ومنها : مخالفة الحكم الضروري الحاصل لكلّ أحد ، عندما يطلب من غيره أن يفعل فعلا ، فإنّه يعلم بالضرورة أنّ ذلك الفعل يصدر عنه.

ولهذا يتلطّف في استدعاء الفعل منه بكلّ لطيفة ، ويعظه ويزجره عن تركه ، ويحتال عليه بكلّ حيلة ، ويعده ويتوعّده على تركه ، وينهاه عن فعل ما يكرهه ويعنّفه على فعله ، ويتعجّب من فعله ذلك ويستطرفه ، ويتعجّب العقلاء من فعله.

وهذا كلّه دليل على فعله ، ويعلم بالضرورة الفرق بين أمره بالقيام وبين أمره بإيجاد السماوات والكواكب ، ولو لا أنّ العلم الضروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا لما صحّ ذلك.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٥

وقال الفضل(١) :

الطلب من الغير للفعل ونهيه عن الفعل ، للحكم الضروري بأنّه فاعل الفعل ، وهذا لا ينكره إلّا من ينكر الضروريّات.

وقد مرّ مرارا أنّ هذا ليس محلّ النزاع(٢) ، فإنّ صدور الفعل عن أحدنا محسوس ، ولهذا نطلب منه ونتلطّف ، ونزجر ونعد ونوعد.

وكلّ هذه الأمور واقعة ، وليس النزاع إلّا في أنّ هذا الفعل هل هو مخلوق لنا ، أو نحن نباشره؟

فالنزاع راجع إلى الفرق بين المباشرة والخلق ، وأنّهما متّحدان أو متغايران؟ وهذا ليس بضروري ، ومن ادّعى ضرورية هذا فهو مكابرة لمقتضى العقل ، فمخالفة الضرورة في ما ذكر ليس في محلّ النزاع ، فليس له فيه دليل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٣.

(٢) انظر ردّ الفضل في الصفحتين ١٢١ و ١٤١.

٢٠٦

وأقول :

ما ذكره المصنّف من التلطّف في الاستدعاء ونحوه دليل ضروريّ على كون العبد موجدا لفعله ومؤثّرا فيه ، كما هو مذهبنا ، ومجرّد محلّيّته لفعل فاعل آخر مع عدم الأثر له أيضا في المحلّيّة ـ كما هو مذهبهم ـ لا يصحّح التلطّف ونحوه ، وهذا من أوّليّات الضروريّات.

ولكنّ الخصم يستعمل المغالطة والتمويه ، فادّعى أنّهم يقولون بمباشرة العبد للفعل ، وأنّها غير الإيجاد.

فإن أراد أنّها فعل آخر للعبد من آثاره فهو مخالف لمذهبه

وإن أراد أنّها عبارة عن محلّيّة العبد لفعل الله بلا أثر للعبد فيها أصلا ، لم يرتفع الإشكال بمخالفتهم للحكم الضروري كما أوضحه المصنّف.

وليت شعري إذا استعمل الإنسان التمويه في دينه اليوم ، فهل يراه منجيه غدا يوم تكشف الحقائق ويظهر الكاذب من الصادق؟!

فليحذر العاقل! وليعتبر من يريد خلاص نفسه يوم حلوله في رمسه!

* * *

٢٠٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : مخالفة إجماع الأنبياء والرسل ، فإنّه لا خلاف في أنّ الأنبياء أجمعوا على أنّ الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال كالصلاة والصوم ، ونهى عن بعضها كالظلم والجور ، ولا يصحّ ذلك إذا لم يكن العبد موجدا.

إذ كيف يصحّ أن يقال له : ائت بفعل الإيمان والصلاة ، ولا تأت بالكفر والزنا ، مع أنّ الفاعل لهذه الأفعال والتارك لها هو غيره؟!

فإنّ الأمر بالفعل يتضمّن الإخبار عن كون المأمور قادرا عليه ، حتّى لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به لمرض أو سبب آخر ثمّ أمره ، فإنّ العقلاء يتعجّبون منه وينسبونه إلى الحمق والجهل والجنون ، ويقولون : إنّك لتعلم أنّه لا يقدر على ذلك ، ثمّ تأمره به؟!

ولو صحّ هذا لصحّ أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب ، فيبلّغ إليها ما ذكرناه ، ثمّ إنّه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات ويعاقبها لأجل أنّها لم تمتثل أمر الرسول ، وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٨

وقال الفضل(١) :

أمر الأنبياء عباد الله بالأشياء ونهيهم عن الأشياء لا يتوقّف على كون العبد موجدا للفعل.

نعم ، يتوقّف على كون العبد فاعلا مستقلّا في الكسب والمباشرة ومختارا ، وهذا مذهب الأشاعرة(٢) ، وما ذكره لا يلزم من يقول بهذا ، بلى يلزم أهل مذهب الجبر.

وقد علمت أنّ الأشاعرة يثبتون اختيار العبد في كسب الفعل ، ويمنعون كون قدرته مؤثّرة في الفعل ، ومبدعة موجدة إيّاه ، وشتّانبين الأمرين.

فكلّ ما ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وليس في مذهبهم مخالفة لإجماع الأنبياء.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ، تمهيد الأوائل : ٣٤٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٥٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٦.

٢٠٩

وأقول :

لم يرد الخصم بقوله : « فاعلا مستقلّا في الكسب » تأثير قدرته فيه ، فإنّه مناف لقولهم : لا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى.

بل أراد مجرّد محلّيّته للفعل بلا تأثير له في الفعل والمحلّيّة ، غاية الأمر أنّه يقترن بالفعل قدرة له واختيار ، وهما لا يصحّحان أمره ونهيه ما لم يكن لهما تأثير ألبتّة.

فيرد عليهم ما ذكره المصنّفرحمه‌الله ، فليس أمر العباد ونهيهم إلّا بمنزلة أمر الجمادات ونهيها!

٢١٠

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، والاستدلال على كونه تعالى صادقا ، والاستدلال على صحّة النبوّة ، والاستدلال على صحّة الشريعة ، ويفضي إلى القول بخرق إجماع الأمّة ؛ لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال : العالم حادث ، فيكون محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمع منع حكم الأصل في القياس ، وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، فينسدّ عليه باب إثبات الصانع.

وأيضا : إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها ، لم يمتنع منه إظهار المعجز على يد الكاذب ، ومتى لم يقطع بامتناع ذلك انسدّ علينا باب إثبات الفرق بين النبيّ والمتنبّي.

وأيضا : إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ، فلا يوثق بوعده ووعيده وإخباره عن أحكام الآخرة والأحوال الماضية والقرون الخالية.

وأيضا : يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها وأن يبعث عليها ، ويحثّ ويرغّب فيها ، ولو جاز ذلك جاز أن يكون ما رغّب الله تعالى فيه من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها.

وأيضا : لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٤.

٢١١

ويزيّنه له ويصدّه عن الحقّ ، ويستدرجه بذلك إلى عقابه ، للزم في دين الإسلام جواز أن يكون هو الكفر والضلال ، مع أنّه تعالى زيّنه في قلوبنا ، وأن يكون بعض الملل المخالفة للإسلام هو الحقّ ، ولكنّ الله تعالى صدّنا عنه وزيّن خلافه في أعيننا

فإذا جوّزوا ذلك لزمهم تجويز ما هم عليه هو الضلالة والكفر ، وكون ما خصومهم عليه هو الحقّ ، وإذا لم يمكنهم القطع بأنّ ما هم عليه هو الحقّ ، وما خصومهم عليه هو الباطل ، لم يكونوا مستحقّين للجواب!

* * *

٢١٢

وقال الفضل(١) :

في هذا الفصل استدلّ بأشياء عجيبة ينبغي أن يتّخذه الظرفاء ضحكة لهم.

منها : إنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات الصانع وكونه صادقا والاستدلال بصحّة النبوّة على كون العبد موجد أفعاله.

وذكر في وجه الملازمة شيئا غريبا عجيبا ، وهو أنّا نستدلّ على حدوث العالم بكونه محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمن منع حكم الأصل في القياس وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، وإثبات هذه الملازمة من المضاحك

أمّا أوّلا : فلأنّه حصر حادثات العالم في أفعال الإنسان ، ولو لم يخلق الإنسان وأفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة بوجوب وجود المحدث ، وكأنّ هذا الرجل لم يمارس قطّ شيئا من المعقولات!

والحقّ أنّه ليس أهلا لأن يباحث لدناءة رتبته في العلم ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت.

وأمّا ثانيا : فلأنّه استدلّ بلزوم عدم كونه صادقا على كون العبد موجد فعله ، ولم يذكر هذه الملازمة ؛ لأنّ النسبة بينه وبين هذه الملازمة بعيدة جدّا.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٧.

٢١٣

وأمّا ثالثا : فلأنّه استدلّ بلزوم انسداد باب صحّة النبوّة ، وصحّة الشريعة على كون العبد موجد فعله ؛ ومن أين يفهم هذه الملازمة؟!

ثمّ ادّعى الإفضاء إلى خرق الإجماع

وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه بها إلّا أمثاله في العلم والمعرفة.

ثمّ استدلّ على بطلان كونه خالقا للقبائح بلزوم عدم امتناع إظهار المعجز على يد الكاذب ، وقد استدلّ قبل هذا بهذا مرارا وأجبناه في محالّه(١) .

وجواب هذا وما ذكر بعده من ترتّب الأمور المنكرة على خلق القبائح ، مثل : ارتفاع الثقة من الشريعة والوعد والوعيد وغيرها : إنّا نجزم بالعلم العادي وبما جرى من عادة الله تعالى أنّه لم يظهر المعجزة على يد الكاذب ، فهو محال عادة كسائر المحالات العادية ، وإن كان ممكنا بالذات ؛ لأنّه لا يجب على الله تعالى شيء على قاعدتنا.

فكلّ ما ذكره من لزوم جواز تزيين الكفر في القلوب عوض الإسلام ، وأنّ ما عليه الأشاعرة من اعتقاد الحقّيّة يمكن أن يكون كفرا وباطلا فلا يستحقّون الجواب

فجوابه : إنّ جميع هؤلاء لا يقع عادة كسائر العاديّات ، ونحن نجزم بعدم وقوعه ، وإن جاز عقلا ، حيث لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحات ١١ و ١٢ و ٤٩ و ٥٢ من هذا الجزء.

٢١٤

وأقول :

ينبغي بيان مقصود المصنّف وتوضيح بعض كلامه ؛ ليعرف منه خبط الخصم ، فنقول : ذكر المصنّف أنّه يلزم من القول بأنّ العباد غير فاعلين لأفعالهم لوازم أربعة :

[ اللازم ] الأوّل : سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، واستدلّ عليه بقوله : « لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال » إلى آخره.

وتوضيحه : إنّهم اختلفوا في أنّ المحوج إلى الصانع ؛ هل هو الإمكان ، أو الحدوث ، أو المركّب منهما ، أو الإمكان بشرط الحدوث؟

واختار الأشاعرة الثاني كما ذكره الخصم سابقا(١) .

وعلى مختارهم يتوقّف إثبات الصانع على قولنا : العالم حادث ، وكلّ حادث محتاج إلى محدث(٢) ، ولا دليل على الكبرى إلّا احتياج أفعالنا إلينا ، وقياس سائر الحوادث عليها في الحاجة إلى محدث.

فإذا منع الأشاعرة الأصل ـ وهو احتياج أفعالنا إلينا لعدم كوننا موجدين لها ، ولم يكن في سواها من الحوادث دلالة على الحاجة إلى المحدث ـ انسدّ عليهم باب إثبات الصانع.

فالمصنّف قد حصر الدليل على الكبرى بحاجة أفعالنا إلينا ، لا أنّه حصر الحادثات في أفعال الإنسان كما فهمه الخصم.

__________________

(١) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ٣١١.

(٢) انظر : تقريب المعارف : ٧١ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٤٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٨.

٢١٥

فإن قلت : نفس حدوث الحوادث يدلّ على وجود المحدث بلا حاجة إلى القياس على أفعالنا.

قلت : لا نسلّم ذلك ما لم يرجع إلى التعليل بالإمكان ، بلحاظ أنّ ما تساوى طرفاه يمتنع ترجّح أحدهما بلا مرجّح ، وهو خلاف قولهم بأنّ العلّة المحوجة هي الحدوث لا الإمكان(١) .

فنفس الحدوث ـ مع قطع النظر عن الإمكان ـ لا يقتضي الحاجة إلى صانع ؛ لجواز الصدفة ، فلا بدّ لهم من القول بأنّا فاعلون لأفعالنا ، وأنّها محتاجة إلينا ، ليقاس عليها سائر الحوادث وتتمّ كلّية الكبرى.

اللازم الثاني : سدّ باب الاستدلال على كونه تعالى صادقا ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا لو جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ».

وتوضيحه : إنّه إذا جاز أن يخلق تعالى الكذب الواقع من الناس وسائر القبائح ، فقد جاز أن يكذب في كلامه اللفظي ، إذ لا فرق بين أن يخلق الكذب في الناس ، وبين أن يخلقه في شجرة أو على لسان جبرائيل أو ألسنة الأنبياء ؛ لأنّ جميع الكذب والقبائح إنّما هي خلقه ، فلا يوثق بوعده ووعيده وسائر أخباره ، كما سبق موضّحا(٢) .

[ اللازم ] الثالث : سدّ باب الاستدلال على صحّة النبوّة ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها »

وهو غنيّ عن البيان ، والملازمة فيه ظاهرة.

__________________

(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٣٨ ـ ٤٢ ، المواقف : ٧٦ ـ ٧٧ ، شرح المقاصد ٢ / ١٣.

(٢) راجع الصفحة ١٩.

٢١٦

[ اللازم ] الرابع : سدّ باب الاستدلال على صحّة الشريعة ، واستدلّ عليه المصنّف بأمرين :

الأوّل : قوله : « وأيضا يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها ».

وتوضيحه : إنّ خلق الشيء يتوقّف على إرادته ، وهي تتوقّف على الرضا به ـ كما سبق(١) ـ

فإذا كان تعالى خالقا للقبائح ، كان مريدا لها وراضيا بها

وإذا أرادها ورضي بها ، جاز أن يدعو إليها ، ويبعث الرسل لأجل العمل بها ويرغّب فيها.

وإذا جاز ذلك ، جاز أن يكون ما رغّب فيه وبعث به الرسل من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها ؛ لجواز أن يكون ما تدعو إليه قبيحا.

الثاني : قوله : « وأيضا لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال »

وهو لا يحتاج إلى البيان.

ولا ريب أنّ سدّ باب الاستدلال على تلك الأمور خرق لإجماع الأمّة.

فظهر أنّ المصنّف ذكر اللوازم الأربعة ووجه لزومها لهم ، لكن على طريق اللف والنشر المشوّش ؛ لأنّه قدّم دليل اللازم الثالث على دليل الثاني ، فلم يتّضح للخصم كلام المصنّفرحمه‌الله مع غاية وضوحه!

وقد تشبّث للجواب عن بعض الأدلّة بأنّه محال عادة أن يخالف الله

__________________

(١) تقدّم في ج ٢ / ٣٦٤.

٢١٧

تعالى عادته ، حيث جرى في عادته أن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب ، وأن لا يكذب في إخباره ، وأن لا يبعث إلى القبائح ولا يحثّ عليها ، ولا يزيّن الكفر في القلوب ، إلى نحو ذلك ممّا رتّب المصنّف جوازه على جواز خلق الله سبحانه للقبائح.

وفيه ـ كما مرّ كثيرا ـ أنّا نطالبه بمستند العادة ، وهذه الأمور غيبية.

ثمّ ما معنى العادة في أنّ شريعة الإسلام وما عليه الأشاعرة دون غيرهما حقّ ، وقد أوكلنا جملة ممّا خبط به الخصم إلى فهم الناظر ؛ لئلّا يحصل الملل من البيان.

* * *

٢١٨

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى ظالما عابثاً ؛ لأنّه لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ومنها القبائح كالظلم والعبث ، لجاز أن يخلقها لا غير ، حتّى تكون كلّها ظلما وعبثا ، فيكون الله تعالى ظالما عابثا لاعبا ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٥.

٢١٩

وقال الفضل(١) :

نعوذ بالله من التفوّه بهذه الترّهات ، وأنّى يلزم هذا من هذه العقيدة ، والظلم والعبث من أفعال العباد ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، وخالق الشيء غير فاعله؟!

وهذا الرجل لا يفرّق بين خالق الصفة والمتّصف بتلك الصفة ، وكلّ محذوراته ناش من عدم هذا الفرق ، ألا يرى أنّ الله خالق السواد ، فهل يجوز أن يقال : هو الأسود؟!

كذلك لو كان خالق الظلم والعبث ، هل يجوز أن يقال : إنّه ظالم عابث؟! نعوذ بالله من التعصّب المؤدّي إلى الهلاك.

ثمّ إنّ هذا الرجل يحصر القبيح في أفعال الإنسان ، ويدّعي أن لا قبيح ولا شرّ في الوجود إلّا أفعال الإنسان ، وذلك باطل ، فإنّ القبائح ـ غير أفعال الإنسان ـ في الوجود كثيرة ، كالخنزير والحشرات المؤذية.

وهل يصحّ له أن يقول : إنّ هذه الأشياء غير مخلوقة لله تعالى؟!

فإذا قال : إنّها مخلوقة لله تعالى ، فهل يمنع قباحتها وشرّها؟! وذلك مخالف الضرورة والحسّ! فإذا يلزم ما ألزم الأشاعرة من القول بخلق الأفعال القبيحة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٠.

٢٢٠

اللّهُمَّ ، اجْعَلْ لِقُلُوبِنَا ذَكَاءاً عِنْدَ عَجَائِبِهِ ، التي لا تَنْقَضِي ، وَلَذَاذَةُ عِنْدَ تَرْدِيدِهِ ، وَعَبْرَةًَ تَرْجِيعِهِ ، وَنَفْعاً بَينِّاً عِنْدَ اسْتِفْهَامِهِ ، اللّهُمَّ ، إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ تَخَلُّفِهِ في قُلُوبِنَا ، وَتَوَسُّدِهِ عِنْدَ رُقَادِنَا ، وَنَبْذِهِ وَرَاءَ ظُهُورِنَا ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ قَسَاوَةِ قُلُوبِنَا ، لِمَا بِهِ وَعَظْتَنَا ، اللّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا صَرَّفْتَ فِيهِ مِنَ الآيَاتِ ، وَذَكِّرْنَا بِمَا ضَرَبْتَ فِيهِ مِنَ المُثُلاتِ ، وَكَفِّرْ عَنَّا بِتَأْوِيلِهِ السَيِّئَاتِ ، وَضَاعِف لِنَا بِهِ جَزَاءاً في الحَسَنَاتِ ، وَارْفَعْنا بِهِ ثَوَاباً في الدَّرَجَاتٍ ، وَلَقِّنَا بِهِ البُشْرَى بَعْدَ المَمَاتِ.

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا زَاداً ، تَقَوِّينَا بِهِ في المَوْقِفِ وَفي الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَطَريقاً وَاضِحاً نَسْلُكُ بِهِ إلَيْكَ ، وَعِلْماً نَافِعاً نَشْكُرُ بِهِ نَعْمَاءَكَ ، وَتَخَشُّعاً صَادِقاً نُسَبِّحْ بِهِ أسْمَاءَكَ ، اللّهُمَّ ، فَإنَّكَ اتَّخَذْتَ بِهِ عَلَيْنَا حُجَّةً قَطَعْتَ بِهِ عُذْرَنَا ، وَاصْطَنَعْتَ بِهِ عِنْدَنَا قَصُر عَنْهَا شُكْرُنَا.

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا وَلِيَّاً يُثَبِّتُنَا مِنَ الزَّلَلِ ، وَدَلِيلاً يَهْدِينَا لِصَالِحِ العَمَلِ ، وَعَوْناً وَهَادِياً يُقَوِّمُنَا مِنَ المَلَلِ ، حَتَّى يَبْلُغَ بِنَا أَفْضَلَ الَأمَلِ اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا شَافِعاً يَوْمَ اللِّقَاءِ ، وَسِلَاحاً يَوْمَ الَأرْتِقَاءِ ، وَحَجِيجاً يَوْمَ القَضَاءِ ، وَنُوراً يَوْمَ الظَلْمَاءِ ، يَوْمَ لا أَرْضَ وَلا سَمَاءَ ، يَوْمَ يُجْزَي كُلِّ سَاعٍ بِمَا سَعَى.

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا رياَّ يَوْمَ الظَّمأ ، وَنُوراً يَوْمَ الجَزَاءِ ، مَنْ نَارٍ حَامِيَةٍ قَلِيلَةِ البَقْياء(١) على مَنِ اصْطَلَى ، وَبِحَرِّهَا تَلْظَّى. اللّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا بُرْهَاناً على رُؤوسِ المَلأ ، يَوْمَ يُجْمَعُ فِيهِ أَهْلُ الَأرْضِ ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ ، اللّهُمَّ

__________________

١ ـ البقيا : الرحمة والشفقة.

٢٢١

ارْزُقْنَا مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ ، وَمُرَافَقَةَ اَلَأنْبِيَاءِ.(١) .

أرأيتم ، هذا التقييم الكامل ، لكتاب الله العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟

أرأيتم ، هذا الثناء العاطر ، على القرآن المجيد ، الذي هو أعظم ثروة فكرية في الارض؟

إنه لا يعرف قيمته ، ولا يثمن جواهره ، إلا أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين هم تراجمته ، وحملته ودعاته.

٢ ـ دعاؤه الثاني عند تلاوته للقرآن

وأثر عن الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الثاني عند تلاوته للقرآن الحكيم وهذا نصه :

« اللّهُمَّ ، إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُكَ ، المُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِكَ ، عَلى رَسُولِكَ ، مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِاللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وَكتِاَبكُ َالنَّاطِقُ ، على لِسَانِ رَسُولِكَ ، وَفِيهِ حِكَمُكَ ، وَشَرَائِعُ دِينِكَ ، أَنْزَلْتَهُ على نَبِيِّكَ ، وَجَعَلْتَهُ عَهْداً مِنْكَ ، إلى خَلْقِكَ ، وَحَبْلاً مُتَّصِلاً ، فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِكَ.

اللّهُمَّ إنِّي نَشَرْتُ عَهْدَكَ وَكِتَابَكَ ، اللّهُمَّ فَاجْعَلْ نَظَرِي فِيهِ عِبَادَةً ، وِقِرَاءَتي تَفَكُّراً ، وَفِكْرَتي اعْتِبَاراً ، وَاجْعَلْني مِمَّن اتَّعَظَ ، بِبَيَانِ مَوَاعِظِكَ فِيهِ ، وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَكَ ، وَلا تَطْبَعْ عِنْدَ قِرَاءَتِي كِتَابَكَ عَلى قَلْبِي ، وَلا على سَمْعي ، وَلا تَجْعَلْ على بَصَري غِشَاوَةً ، وَلا تَجْعَلْ قِرَاءَتِي ، قِرَاءَةً لا تَدَبُّرَ فِيهَا ، بَلْ اجْعَلْني أَتَدَبَّرُ آياتِهِ ، وَأَحْكَامَهُ ، آخِذاً بِشَرَائِعِ دِينِكَ ، وَلا

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٧٣ ـ ٥٧٥.

٢٢٢

تَجْعَلْ نَظَرِي فِيهِ غَفْلَةً ، وَلا قِرَاءَتي هَذْرَمَةً(١) إنَكَ أَنْتَ الرَّؤوفُ الرَّحِيمِ »(٢) .

لقد كان الامام الصادقعليه‌السلام ، يقرأ القرآن الكريم ، بعمق وتأمل ، فيستخرج كنوزه ، وجواهره ، ويفيضها على تلاميذه ، وقد حفلت موسوعات التفسير ، بالشئ الكثير من آرائه القيمة ، في الكشف عن حقائق الكتاب العظيم.

والشئ الملفت للنظر ، في هذا الدعاء ، هو قولهعليه‌السلام :

« اللّهُمَّ ، إنِّي نَشَرْتُ عَهْدَكَ وَكِتَابَكَ »

فقد أشارعليه‌السلام ، إلى ما قام به من دور ايجابي ، في نشر معارف الاسلام ، وإذاعة أحكامه وتعاليمه ، ويعتبر العقل المبدع الصانع للحضارة الاسلامية.

٣ ـ دعاؤه عند الفراغ من تلاوة القرآن

وكان الامام الصادقعليه‌السلام ، إذا فرغ ، من تلاوة القرآن الكريم ، دعا بهذا الدعاء :

« اللّهُمَّ ، إنِّي قَرَأتُ ، بَعْضَ ما قَضَيْتَ لي ، مِنْ كِتَابِكَ ، الذي أَنْزَلْتَهُ على نَبِيِّكَ ، مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ ، وَرَحْمَتُكَ ، فَلَكَ الحَمْدُ رَبَّنَا وَلَكَ الشُكْرُ ، وَالمِنَّةُ على مَا قَدَّرْتَ وَوَفَّقْتَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْني مِمَّنْ يُحَلِّلُ حَلَالَكَ ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَكَ ، وَيُتَجَنَّبُ مَعَاصيَكَ ، وَيُؤْمِنْ بِمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابَهِهِ ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَاجْعَلْهُ لي

__________________

١ ـ الهذرمة: السرعة في القرأة.

٢ ـ الاقبال ( ص ١١٠ ) الاختصاص ( ص ١٣٦ ).

٢٢٣

شِفَاءً وَرَحْمَةً ، وَحِرْزاً ، وَذُخْراً ،

اللّهُمَّ ، اجْعَلْهُ أنِيْساً لي في قَبْرِي ، وَارْفَعْ لي ، بِكُلِّ حَرْفٍ ، دَرَسْتُهُ دَرَجَةً في أَعْلَى عِلِّيينَ آمينَ يا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَصَفِيِّكَ ، وَنَجِيِّكَ ، وَدَلِيلِكَ ، وَالدَّاعِي إلى سَبِيِلِكَ ، وَعلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَلِيِّكَ ، وَخَلِيفَتِكَ ، مِنْ بَعْدِ رَسُولِكَ ، وَعَلى أَوْصِيَائِهِمَا المُسْتَحْفَظِينَ دِينَكَ ، المُسْتَوْعِبِينَ حَقَّكَ ، المُسْتَرْعِينَ خَلْقَكَ ، وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ »(١) .

ودل هذا الدعاء ، على مدى سروره ، بتلاوته للقرآن الكريم ، فقد حمد الله وشكره ، على ذلك ، وسأله أن يجعله ، شفاء ورحمة وحرزا له في الدنيا ، وأن يجعله أنسا له في قبره يلقى الله.

٤ ـ دعاؤه لحفظ القرآن

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الجليل ، وهو مما يساعد على حفظ القرآن الكريم ، وقد رواه عنه ، العالم الجليل أبان بن تغلب ، وهذا نصه :

« اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ وَلَمْ يَسْأَلِ ، العِبَادُ مِثْلَكَ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ ، وَإبْراهِيمَ خَلِيِلكَ ، وَصَفِيِّكَ ، وَمُوسى كَلِيمِكَ ، وَنَجِيِّكَ ، وَعِيسَى كَلِمَتِكَ ، وَرُوحِكَ ، أَسْأَلُكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى ، وَزَبُورِ دَاوودَ ، وَإنْجيلِ عِيسَى ، وَقُرْآنِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وَبِكُلِّ وَحْيٍ أَوْحَيْتَهُ ، وَقَضَاءٍ أَمْضَيْتَهُ ، وَحَقِّ قَضَيْتَهُ ، وَغَنِيٍّ أَغْنَيْتَهُ ، وَضَالٍّ هَدَيْتَهُ ، وَسَائِلٍ أَعْطَيْتَهُُ ، وَأَسْأَلُكَ ، بِاسْمِكَ الذي وَضَعْتَهُ

____________

١ ـ الاقبال ( ص ١١ ).

٢٢٤

على اللَّيْلَ ، فَأَظْلَمَ ، وَوَضَعْتَهُ على النَّهار فَاسْتَنَارَ ، وَبِاسْمِكَ الذي وَضَعْتَهُ على الَأرْضِ ، فَاسْتَقَرَّتْ ، ودعَمْتَ بِهِ السَّمَاوَاتِ فَاسْتَعْلَتْ ، وَوَضَعْتَهُ على الجِبَالِ فَرَسَتْ ، وَبِاسْمِكَ الذي بَثَثْتَ بِهِ الَأرْزَاقَ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الذي تُحْيي بِهِ المَوْتَى ، وَأَسْأَلُكَ بِمَعاَقِدِ العِزِّ مِنْ عَرْشِكَ ، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَرْزُقَني ، حِفْظَ القُرْآنِ ، وَأصْنَافَ الِعْلِم ، وَأَنْ تُثْبِتَهَا في قَلْبي ، وَسَمْعي ، وَبَصَرِي ، وَأَنْ تُخَالِطَ بِهَا لَحْمي ، وَدَمِي ، وَعِظَامِي ، وَتَسْتَعْمِلَ بِهَا لَيْلي ، وَنَهَارِي ، بِرَحْمَتِكَ وَقُدْرَتِكَ ، فَإنَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ يا حَيُّ يا قَيُّومُ ».

وأضافت بعض الروايات إلى ذلك :

وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ ، الذي دَعَاكَ بِهِ عِبَادُكَ ، الذين اسْتَجْبْتَ لَهُمْ ، وَأَنْبِيَاؤُكَ فَغَفَرْتَ لَهُمْ وَرَحِمْتَهُمْ ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ أَنْزَلْتَهُ في كُتُبِكَ ، وَبِاسْمِكَ الذي اسْتَقَرَّ بِهِ عَرْشُكَ ، وَبِاسمِكَ الوَاحِدِ ، الَأحَدِ ، الفَرْدِ ، الوَتْرِ ، الصَمدِ ، الذي يَمْلُا الَأرْكَانَ كُلَّهَا ، الطَّاهِرِ ، الطُهْرِ ، المُبَارَكِ ، المُقَدَّسِ ، الحَيِ القَيُّومِ ، نُورِ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الكَبِيرِ ، المُتَعَالِ ، وُكِتَابِكَ المُنْزَلِ بِالحَقِّ ، وَكَلِمَاتِكَ التَامَاتِ ، وَنُورِكَ التَّامِ ، وَبِعَظَمَتِكَ وَأَرْكَانِكَ »(١) .

وهذا الدعاء الشريف ، مما يعين على حفظ القرآن الكريم ، الذي هو رحمة للعالمين ، وذخر للانسان المسلم ، وقد أقسم سليل النبوة على الله بجميع قدراته وأسمائه ، على الاعانة ، لحفظ كتابه ، ومن الطبيعي أن للدعاء أثرا في تحقيق ذلك.

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٧٦ ـ ٥٧٧.

٢٢٥

أدعيته الجامعة

وأثرت عن الامام الصادقعليه‌السلام ، كوكبة من الادعية الجامعة ، وقد حفلت بكل ما يسعد به الانسان المسلم في أمر آخرته ، ودنياه ، وفي ما يلي ذلك :

١ ـ الدعاء الجامع

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الجليل ، وقد سماه بالدعاء الجامع وذلك ، لما يحتويه من المضامين ، وجاء فيه بعد البسملة :

« أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَداً عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ ، آمَنْتُ بِاللهِ ، وَبِجَمِيعِ رُسُلِ اللهِ ، وَبِجَمِيعِ مَا أَتى بِهِ جَمِيعُ رُسُلِ اللهِ ، وَأَنْ وَعْدَ اللهِ حَقُّ ، وَلِقَاءَهُ حَقُّ ، وَصَدَقَ اللهُ ، وَبَلَّغَ المُرْسَلُونَ ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَسُبْحَانَ اللهِ ، كُلَّمَا سَبَّحَ اللهَ شَيْءٌ ، وَكَمَا يُحِبَّ اللهُ أَنْ يُسَبَّحَ ، وَالحَمْدُ للهِ كُلَّمَا حَمِدَ اللهَ شَيْءٌ ، وَكَمَا يُحِبَّ اللهُ أَنْ يُحْمَدَ ، وَلا إلهَ إلاَّ اللهُ كُلَّمَا هَلَّلَ اللهَ شَيْءٌ ، وَكَمَا يُحِبُّ اللهُ أِنْ يُهَلَّلَ ، وَاللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا كَبَّرَ اللهُ شَيْءٌ ، وَكَمَا يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُكَبَّرَ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ وَخَوَاتِيمَهُ ، سَوَابِغَهُ وَفَوَايِدَهُ ، وَبَرَكَاتِهِ ، مِمَّا بَلَغَ عِلْمُهُ عِلْمي ، وَمَا قَصَّرَ عَنْ إحْصَائِهِ حِفْظِي ، اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَانْهَجْ لي أَسْبَابَ مَعْرِفَتِهِ ، وَافْتَحْ لي أَبوَابَهُ ، وَغْشِّنِي بِبَرَكَاتِ رَحْمَتِكَ ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِعِصْمَةٍ عَنْ الإزَالَةِ عَنْ دِينِكَ ، وَطَهِّرْ قَلْبي مِنَ الشَكِّ ، وَلا تُشْغِلْ قَلْبِي بِدُنْيَايَ ، وَعَاجِلَ مَعَاشِي عَنْ آجِلِ ثَوَابِ آخِرَتي ، وَاشْغِلْ قَلْبِي ، بِحِفْظِ ما لا تَقَبَلُ مِنِّي جَهْلَهُ ،

٢٢٦

وَذَلِّلْ لِكُلِّ خَيْرٍ لِسَانِي ، وَطَهِّرْ قَلْبِي مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، وَلَا تُجْرِهِماَ في مَفَاصِلِي ، وَاجْعَلْ عَمَلي خَالِصاً لَكَ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَرِّ ، وَأَنْوَاعِ الفَوَاحِشِ كُلِّها ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا ، وَغَفلَاتِهَا ، وَجَمِيعِ مَا يُرِيدُنِي بِهِ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ ، وَمَا يُرِيدُنِي بِهِ السُّلْطَانُ العَنِيدُ ، مِمَّا اَحَطْتَ بِعِلْمِهِ ، وَأَنْتَ القَادِرُ على صَرْفِهِ عَنِّي ، اللّهُمَّ ، أنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ طَوَارِقِ الجِنِّ وَالإِنْسِ ، وَزَوَابِعِهِمْ ، وَبَوَائِقِهِمْ ، وَمَكَائِدِهِمْ ، وَمَشَاهِدِ الفَسَقَةِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ ، وَأَنْ اسْتَزَلَّ عَنْ دِيني ، فَتَفْسُدَ عَلَيَّ آخِرَتي ، وَأَنْ يَكُونَ ذلِكَ ضَرَراً عَلَيَّ في مَعَاشِي ، أَوْ تَعَرُّضَ بَلَاءٍ يُصِيبُني ، وَلَا صَبْرَ لي على إحْتِمَالِهِ ، فَلَا تَبْتَلني يا إلهِي ، بِمُقَاسَاتِهِ ، فَيَمْنَعَني ذلِكَ عَنْ ذِكْرِكَ ، وَيُشْغِلَني عَنْ عِبَادَتِكَ ، أَنْتَ العَاصِمُ ، المَانِعُ ، وَالدَّافِعُ الوَاقِي مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ.

أَسْأَلُكَ اللّهُمَّ ، الرَّفَاهِيَةَ في مَعِيشَتِي ما أَبْقَيْتَني ، مَعيشَةً أَقْوى بِهَا على طَاعَتِكَ ، وَأبْلُغُ بِهَا رِضْوَانَكَ ، وَأَصِيرُ بِهَا بِمَنِّكَ إلى دَارِ الحَيَوَانِ غَداً ، وَلا تَرْزُقْني رِزْقاً يُطْغِيني ، وَلَا تَبْتَلِني بِفَقْرٍ أَشْقَى بِهِ ، مُضَيِّقاً عَلَيَّ ، إعْطِني حَظّاً وَافِراً في آخِرَتي ، وَمَعَاشاً وَاسِعاً هَنِيئاً مَرِيئاً في دُنْيَايَ ، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيا عَلَيَّ سِجْناً ، وَلا تَجْعَلْ فِرَاقَهَا عَلَيَّ حُزْناً ، أَجِرْنِي مِنْ فِتْنَتِهَا سَلِيماً ، وَأجْعَلْ عَمَلِي فِيهَا مَقْبُولاً ، وَسَعْيي فِيهَا مَشْكُوراً.

اللّهُمَّ ، مَنْ أَرَادَني بِسُوءٍ فَأَرِدْهُ ، وَمَنْ كَادَني فَكِدْهُ ، وَاصْرِفْ عَنِّي هَمَّ مَنْ أَدْخَلَ عَلَيَّ هَمَّهُ ، وَامْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِي ، فَإنَّكَ خَيْرُ المَاكِرِينَ ، وَافْقَأ عَنِّي عُيُونَ الكَفَرَةِ الظَّلَمَةِ ، الطُّغَاةِ ، الحَسَدَةِ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْزِلْ عَلَيَّ مِنْكَ سَكِينَةً ،

٢٢٧

وَأَلْبِسْني دِرْعَكَ الحَصِينَةَ ، وَاحْفَظني بِسِتْرِكَ الوَاقِي ، وَجَلِّلْنِي عَافِيَتَكَ النَّافِعَةَ ، وَصَدِّقْ قَوْلي ، وَفِعَالي ، وَبَارِكْ لي في أَهْلي ، وَمَالي ، وَوَلَدي ، وَمَا قَدَّمْتُ ، وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَغْفَلْتُ ، وَمَا تَعَمَّدْتُ ، وَمَا تَوَانَيْتُ ، وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ ، فَاغْفِرْ لي ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلِّ على مًُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ ، الطَّيِّبِينَ ، كَمَا أَنْتَ أَهْلَهُ يا وَلِيَّ المُؤْمِنِينَ »(١) .

حقا ، لقد كان هذا الدعاء الجليل ، جامعا لما يسمو به الانسان من مكارم الاخلاق ، ومحاسن الصفات ، وملما بما يقرب الانسان من ربه ، وبما يبعده عن نزعات الهوى والغرور.

٢ ـ دعاؤه الجامع لالطاف الله على انبيائه

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الجامع ، وقد ذكر فيه ألطاف الله ، على أنبيائه ، ورسله ، كما ذكر فيه النقم التي أنزلها ، على أعداء الحق ، وخصوم الانبياء ، كما احتوى على الثناء والتعظيم لخالق الكون ، وبيان بعض قدراته اللامتناهية ، وهذا نصه :

« اللّهُمَّ ، يا رَبَّ السَّموَاتِ السَبْعِ وَمَنْ فِيهنَّ ، وَمُجْرِيَ البحار السَّبْعَ ، وَرَازق منْ فِيهنَّ ، وَمُسخِّرَ السَّحَاب ، وَمُجْريَ الفُلْك ، وَجَاعِلَ الشَّمْس ضياءً ، وَالقَمرِ نُوراً ، وَخَالِقَ آدَمَ ، وَمُنْشِىءَ الأنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَتِهِ ، وَحَامِلَ نُوح من الغَرَق ، وَمُعَلِّمَ إدْرِيسَ النُّجُومَ ، وَرَافِعَهُ إلى المَلَكُوت ، وَمُنْجِّيَ إبْراهيم ، وجاعل النَّار عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً ، وَمُكَلِّم مُوسى ، وَجَاعِلَ عَصَاهُ ثُعْبانا ، وَمُنزِّلَ التَّوْرَاةِ في الألْوَاَح ، وفادي أسمَاعِل من الذَّبْح ،

__________________

١ ـ الاقبال ( ص ٦٠ ـ ٦١.

٢٢٨

وَمُبْتَليَ يَعْقُوبَ بِفَقْدِ ابْنِهِ ، وَرَادَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ بعْدَ إبْيِضَاضِ عَيْنَيْهِ ، وَرَازِقَ زَكَرِيَّا يَحْيَى بَعْدَ اليَأسِ وَالكِبَرِ ، وَمُخْرِجَ النَّاقَةِ لِصَالِحَ مِنْ صَخْرَةٍ ، وَمُرْسِلَ الرِّيحِ على قَوْمَ هُودٍ ، وَكَاشِفَ البَلَاءِ عَنْ أَيُّوبَ ، وَمُنْزِلَ العَذَابِ على قَوْمَ شُعَيْبَ ، وَمُنَجِّيَ لُوطاً مِنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ ، وَوَاهِبَ الحِكْمَةِ لِلُقْمَانَ ، وَمُلَيِّنَ الحَدِيدِ لِدَاوودَ ، وَمُسَخِّرَ الجِنِّ لِسُلَيْمَانَ ، وَمُخْرِجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ ، وَمُلْقِيَ رُوحِ القُدُسِ إلى مَرْيَمَ ، وَمُخْرِجَ عِيسَى مِنَ العَذْرَاءِ البَتُولِ ، وَمُحْييَ المَوْتَى ، وَمُرْسِلَ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَخَاتَماً لِلْنَبِيّينَ بِدِينِكَ القَدِيمِ ، وَمِلَّةِ خَليلِكَ إبْرَاهِيمَعليه‌السلام ، وَإظْهَارِ دِينِهِ ، وَإعْلَاءِ كَلِمَتِهِ ، وَبِوَصِيِّهِ وَمُؤَيِّدِهِ ، وَسِبْطَيْهِ ، وَوَلَدَيْهِ ، وَالسَجَّادِ وَالبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالكَاظِمِ ، وَالرِّضَا ، وَالتَقيِّ وَالنَقِيِّ ، وَالزَكِيِّ وَالمَهْدِيِّ يا ذا الجَلَالَ ، وَالإِكْرَامِ ، وَالعِزَّةِ ، وَالسُّلطَانِ ، يا مَنْ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ، يا أَحَدُ ، يا صَمَدُ ، يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ ، يا قَادِرُ يا ظَاهِرُ ، يا ذَا الجَبَرُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ ، وَالمَلَكُوتِ ، يا حَيُّ لا يَمُوتُ ، يا عَلِيُّ ، يا وَفِيُّ يا قَرِيبُ ، يا مُجِيبُ ، يا مُبْدِىءُ ، يا مُعِيدُ ، يا فَعَّالاُ لِمَا يُرِيدُ ، يا دَائِمُ ، يا كَرِيمُ ، يا رَحِيمُ ، يا عَظِيمُ ، يا غَفُورُ يا شَكُورُ ، يا رَحْمنُ ، يا حَنَّانُ ، يا مَنَّانُ ، يا رَؤُوفُ ، يا عَطُوفُ ، يا مُنْعِمُ ، يا مُطْعِمُ ، يا شَافِي ، يا كَافِي ، يا مُعَافِي ، يا عَلِيمُ ، يا حَلِيمُ ، يا سَمِيعُ ، يا بَصِيرُ ، يا مُحْيي ، يا سَلَامُ ، يا مُؤْمِنُ ، يا مُهَيْمِنُ ، يا عَزِيزُ ، يا جَبَّارُ ، يا مُتَكَبِّرُ ، يا خَالِقُ ، يا بَارِيُ ، يا مُصَوِّرُ ، يا مُقْتَدِرُ ، يا قَاهِرُ ، يا أَوَّابُ ، يا وَهَّابُ ، يا خَبِيرُ يا كَبِيرُ ، يا ذا الطَّولِ ، يا ذَا المَعَارِجِ ، يا مَنْ بَانَ مِنَ الَأشْيَاءِ ، وَبَانَتْ الَأشْيَاءُ مِنْهُ ، بِقَهْرِهِ لَهَا ، وَخُضُوعِهَا لِهُ ، يا مَنْ خَلَقَ البِحَارَ ، وَأَجْرَى الَأنْهَارَ ، وَأَنْبَتَ الَأشْجَارَ ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا الثَّمَارَ ، مِنَ البَارِدِ

٢٢٩

وَالحَارِّ ، يا فَالِقَ البِحَارِ بِإذْنِهِ وَمُغْرِقَ فِرْعَوْنَ عَدُوِّه ، وَمُهْلِكَ ثَمُودَ ، وَمُدَمِّرَ الظَّالِمِينَ ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الذي إذَا دُعِيتَ بِهِ ، اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُكَ ، وَسَرَتْ بِهِ مَلائِكَتُكَ ، يا اللهُ ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الوَاحِدُ القَدِيمُ ، الفَرْدُ ، خَالِقُ النَّسْمَةِ ، وَبَارِىءُ النَوَى وَالحبَّةِ ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ العَزِيزِ ، الكَبِيِر ، الجَلِيلِ ، الرَّفِيعِ ، العَظِيمِ ، القَويِّ ، الشَدِيدِ ، وَبِالإسْمِ الذي يَنْفُخُ بِهِ عَبْدُكَ إسْرَافِيلُ ، في الصُّورِ ، فَيَقُومُ بِهِ أَهْلُ القُبُورِ ، لِلْبَعْثِ وَالنُّشُورِ سِرَاعاً ، إلى أَمْرِكَ يَنْسِلُونَ ، وَبِاسْمِكَ الذي رَفَعْتَ بِهِ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ، وَدَحَوْتَ بِهِ الَأرْضِينَ على المَاءِ ، وَجَعَلْتَ الجِبَالَ فِيهَا أَوْتَاداً ، وَبِالإسْمِ الذي حَبَسْتَ بِهِ المَاءِ ، وَأَرْسَلْتَ بِهِ الرِّيحَ ، وَبِاسْمِكَ الذي جَعَلْتَ بِهِ الَأرْضِينَ على الحُوتِ ، وَأَجْرَيْتَ بِهِ الشَّمْسِ ، وَالقَمَرَ ، كُلاٍّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ، وَبِالإسْمِ الذي أِذَا دُعِيتَ بِهِ ، أَنْزَلْتَ أَرْزَاقَ خَلْقِكَ ، مِنْ سَكَّانِ سَمَوَاتِكَ وَأَرَاضِيكَ ، وَالهَوَامِّ وَالحَيتَانِ ، وَالطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ ، وَالجِنِّ وَالإنْسِ ، وَالشَّيَاطينِ ، وَكُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَبِاسْمِكَ الذي جَعَلْتَ بِهِ ، لِجَعْفَرَ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا ، مَعَ مَلَائِكَتِكَ ، وَجَعَلْتَ المَلَائِكَةَ رُسُلاً ، أُولي أَجْنِحَةٍ ، مَثْنَىْ وَثُلَاثَ وَرْبَاعَ ، يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يَشَاءُ ، وَبِالإسْمِ الذي دَعَاكَ بِهِ ، عَبْدُكَ يُونُسَ ، فَأَخْرَجْتَهُ مِنَ اليَمِّ ، وَأَنْبَتَّ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يقطِينَ ، وَاسْتَجَبْتَ لَهُ ، وَكَشَفْتَ عَنْهُ البَلَاءَ.

وَأَنَا يا رَبُّ عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدَيْكَ ، وَمِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ ، وَصَفِيِّكَ وَنَجيِّكَ ، الذي بَارَكْتُ عَلَيْهِمْ ، وَرَحِمْتَهُمْ ، وَصَلّيتَ عَلَيْهِمْ ، وَزَكَّيْتَهُمْ ، كَمَا صَلَّيْتَ ، وَبَارَكْتَ ، وَرَحِمْتَ ، وَزَكَّيْتَ ، إبْرَاهِيمَ ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، أَسْأَلُكَ بِمَجْدِكَ ، وَجُودِكَ ، وَسُؤْدَدِكَ ، وَسَخَائِكَ ،

٢٣٠

وَبَهَائِكَ ، وَعِزِّكَ ، وَثَنَائِكَ ، وَكَرَمِكَ ، ووفائك ، وطوْلِك ، وَحَوْلِكَ ، وَعَظَمَتِكَ ، وَقُدْرَتِكَ يا رَبَّاهُ ، يا سَيِّدَاهُ ، وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ ، عَبْدِكَ ، وَرَسُولِكَ ، وَصَفِيِّكَ ، وَنَجِيِّكَ ، وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَبِحَقِّكَ على نَفْسِكَ. وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ ، وَآيَاتِكَ المُرْسَلَاتِ ، وَكُتُبِكَ الطَاهِرةِ ، وَبِحَقِّ مَلَائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيَائِكَ المُرْسَلِينَ ، وَحَمَلَةِ عَرْشِكَ المُقَدَّسِينَ ، وَأَوْلِيَائِكَ المُؤْمِنِينَ ، إلاَّ صَلَّيْتَ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَانْتَقَمْتَ لِنَفْسِك مِنْ عَدُوِّكَ ، وَغَضِبْتَ لِنَبِيِّكَ ، وَوَلِيِّكَ ، الذي افْتَرضْتَ طَاعتَهُ على عِبَادِكَ المُوَحِّدِينَ. وَطَهَّرْتَ أَرْضَكَ ، مِنَ العُتَاةِ الظَّالِمِين ، الجَبَابِرَةِ المُعْتَدِينَ ، وَوَلَّيْتَ أَرْضَكَ ، أَفْضَلَ عِبَادِكَ عنْدَكَ مَنْزِلَةً ، وَأَشْرَفَهُمْ لَدَيْكَ مَزِيَّةً ، وَأَعْظَمَهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً ، وَأَطْوَعَهُمْ لَكَ أَمْراً ، وَأَكْثَرَهُمْ لَكَ ذِكْراً ، وَأَعْمَلَهُمْ في عِبَادِكَ ، وَبِلَادِكَ بِطَاعَتِكَ ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ ، وَأَقْوَمَهُمْ بِشَرَائِع دِينِكَ ، وَآيَاتِ كِتَابِكَ ، يا رَبِّ السَّموَاتِ وَالَأرْضِينَ ، وَمَنْ فِيهِمَا ، يا مُدَبِّرَ الَأوَّلِينَ ، وَالآخِرِينَ ، أَدْعُوكَ دُعَاءَ مُوقِنٍ بِالإجَابَةِ ، مُقِرٍ بِالرَّحْمَةِ ، مُتَوَقِّعٌ لِلْفَرَجِ ، رَاجٍ لِلْفَضْلِ ، خَائِفٍ مِنَ العِقَابِ ، وَجِلٍ مِنَ العَذَابِ ، رَاكِنٍ إلى عَفْوِكَ ، مُسَلِّمٍ لِقَضَائِكَ ، رَاضٍ بِحُكْمِكَ ، مُفَوِّضٍ ( أَمره ) إلَيْكَ ، فَأَجِبْ دُعَائي ، وَحَقِّقْ أَمَلِي ، يا عُدَّتِي عِنْدَ شِدَّتي ، وَيا غِيَاثي في كُرْبَتي ، وَيَا وَلِيِّ نِعْمَتي ، وَيَا غَافِرَ خَطِيئَتي ، وَيا كَاشِفَ مِحْنَتي ، بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، وَقُدْرَتِكَ ، وَكَمَالِكَ وَعَظَمَتِكَ ، وَبَهَائِكَ ، وَنُورِكَ ، وَسَنَائِكَ ، إنَّكَ فَعَالٌ لِمَا تُرِيدُ »(١)

وبعد ما ذكر الامامعليه‌السلام ، في هذا الدعاء الشريف ، نعم الله

__________________

١ ـ البلد الامين ( ص ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ).

٢٣١

والطافه على انبيائه ورسله ، قدم جميع كلمات الثناء ، والتعظيم ، للخالق الحكيم ، سائلا اياه ، أن يطهر الارض من الحكام المجرمين ، والعتاة الظالمين الذي صادروا حريات الناس ، ونهبوا ثرواتهم ، واستبدوا في أمورهم ، وطلب من الله تعالى ، ان يمن على الامة بحكام عادلين ، يضعون المصلحة العامة ، فوق الاعتبارات ، ويعملون بكتاب الله ، وسنة نبيه ، لقد كان المقطع الاخير من هذا الدعاء ، سياسيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

٣ ـ دعاؤه الجامع لمهام الامور

هذه أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، الجامعة لمهام الامور.

هذا الدعاء الجليل ، وقد علمه تلميذه نوحا أبا اليقظان وهذا نصه :

اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ التي لا تُنَالُ مِنْكَ إلَا بِرِضَاكَ ، الخُروُجَ مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيكَ ، وَالدُّخُولَ في كُلِّ ما يُرْضِيكَ ، وَالنَّجَاةَ مِنْ كُلِّ وَرْطَةٍ ، وَالمُخْرَجَ مِنْ كُلِّ كَبِيرَةٍ ، أُتِيَ بِهَا مِنِّي عَمْداً ، وَزُلَّ بِهَا مِنيِّ خَطَأً ، وَخَطَرَتْ بِهَا عَلَىَّ خَطَرَاتُ الشَّيْطَانِ ، أَسْأَلُكَ خَوْفاً تُوقِفُني بِهِ على حُدُودِكَ ، وَرِضَاكَ ، وَاشْعَبْ بِهِ عَنِّي كُلِّ شَهْوَةٍ خَطَرَ بِهَا هَوَايَ ، وَاسْتَزَلَّ بِهَا رَأْيي ، لِيُجَاوِزَ حُدُودَ جَلَالِكَ ، أَسْأَلُكَ اللّهُمَّ الَأخْذَ بِأَحْسَنِ مَا تَعْلَمُ ، وَتَرْكِ سَيِّءِ كُلِّ ما تَعْلَمُ ، من خطَأي حَيْثُ لا أَعْلَمُ ، أَوْ مِنْ حَيْثُ أَعْلَمُ ، أَسْأَلُكَ السَّعَةَ في الرِّزْقِ ، وَالزُّهْدَ في الكَفَافِ ، وَالمَخْرَجَ بِالبَيَانِ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ ، وَالصَّوَابَ في كُلِّ حُجَّةٍ ، وَالصِّدْقَ في جَمِيعِ مَوَاطِنِ السُّخْطِ وَالرِّضَا ، وَتَرْكَ قَلِيلِ البَغْيِ ، وَكَثِيرِهِ ، في القَوْلِ مِني وَالفِعلِ ، وَتَمَامَ نِعْمَتِكَ في جَمِيعِ الأشْيَاءِ ، وَالشُكْرَ لَكَ عَلَيْهَا ، لِكَيْ تُرْضِيَني وَبَعْدَ الرِضَا ، وَأَسْأَلُكَ الخِيَرَةَ في كُلِّ ما يَكُونُ فِيهِ الخِيَرةُ بِمَيْسُورِ الُأمُورِ

٢٣٢

كُلِّهَا ، لا بِمَعْسُورِهَا ، يا كَرِيمُ ، يا كَرِيمُ ، وِافْتَحْ لي بَابَ الامْر الذي فِيهِ ، العَافِيَةُ وَالفَرَجُ ، وَافْتَحْ لي بابَهُ ، وَيَسِّرْ لي مَخْرَجَهُ ، وَمَنْ قَدَّرَتْ لَهُ عَلَيَّ مَقْدِرَةً مِنْ خَلْقِكَ ، فَخُذْ مِنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَخُذْهُ عَنْ يَمِيِنِهِ ، وَعَنْ يَسَارِهِ ، وَمِنْ خَلْفِهِ ، وِمِنْ قُدَّامِهِ ، وَامْنَعْهُ أَنْ يَصِلَ لي بِسُوءٍ ، عَزَّ جَارُكَ ، وَجَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ ، وَلا إلهَ غَيْرُكَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ.

اللّهُمَّ ، أَنْتَ رَجَائِي في كُلِّ كَرْبَةٍ ، وَأَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ شِدَّةٍ ، وَأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ ، كَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ عَنْهُ الفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الحِيلَةُ ، وَيَشْمَتُ فِيهِ العَدُوُّ ، وَتُعْيِيني فِيهِ الأمُورُ ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ ، رَاغِباً فِيهِ إلَيْكَ ، عَمَّنْ سِوَاكَ ، قَدْ فَرَّجْتَهُ وَكَفَيْتَهُ ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَاجَةٍ ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ ، فَلَكَ الحَمْدُ كَثِيراً وَلَكَ المَنُّ فَاضِلاً »(١) .

سأل الامامعليه‌السلام ، من الله تعالى في هذا الدعاء الشريف ، أن يوفقه لكل ما يقربه ، إليه زلفى ، وأن يبعده ، عن كل طريق منحرف ، لا يوصله إلى الحق ، ولا إلى طريق مستقيم.

لقد كان هذا الدعاء ، جامعا لمهام أمور الدين والدنيا ، وملما بجميع وسائل الخير ..

٤ ـ دعاؤه الجامع لوسائل الخير

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، الجامعة لوسائل الخير هذا الدعاء الجليل :

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣.

٢٣٣

« اللّهُمَّ ، إمْلْأ قَلْبي حُبَّاً لَكَ ، وَخِشْيَةً مِنْكَ ، وَتَصْدِيقاً وَإيمَاناً بِكَ ، وَفَرجاً مِنْكَ وَشَوقاً إلَيْكَ ، يا ذا الجَلَالَ وَالإِكرَامِ ، اللّهُمَّ ، حَبِّبْ إلَيَّ لِقَاءَكَ ، وَاجْعَلْ لي في لِقَائِكَ خَيْرَ الرَّحْمَةِ وَالبَرَكَةِ ، وَأَلْحِقْني بِالصَّالِحِينَ ، وَلا تُخْزِنَي مَعَ الأشْرَارِ ، وَأَلْحِقْني بِصَالِحِ مَنْ مَضَى ، وَاجْعَلْني مِنَ صَالِحِ مَنْ بَقِيَ ، وَخُذْ بي في سَبيلِ الصَّالِحِينَ ، وَأَعِنِّي على نَفْسِي ، بِمَا تُعِينُ بِهِ الصَّالِحِينَ على أَنْفُسِهِمْ ، وَلا تَرُدَّنِي في سَوءٍ إسْتَنْقَذْتَني مِنْهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ ، أَسْأَلُكَ إيمَاناً لا أَجَلَ لَهُ دُونَ لِقَائِكَ ، تُحْيِيني وَتُمِيتُني عَلَيْهِ ، وَتَبْعَثُني عَلَيْهِ ، إذَا بَعَثْتَني ، وَأَبْرِىءْ قَلْبي مِنَ الرِّيَاءِ ، وَالسُّمْعَةِ ، وَالشَكَّ في دِينِكَ.

اللّهُمَّ ، أَعْطِني نَصْراً في دِينِكَ ، وَقُوَّةً في عِبَادَتِكَ ، وَفَهْْمَاً في خَلْقِكَ ، وَاكْفَلْني في رَحْمَتِكَ ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ ، وَاجْعَلْ رَغْبَتي فِيمَا عِنْدَكَ ، وَتَوَفني في سَبِيلِكَ على مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ رَسُولِكَ.

اللّهُمَّ ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الكَسَلِ وَالهَمِّ ، وَالجُبْنَ ، وَالبُخْلِ ، وَالقَسْوَةِ ، وَالفَتْرَةِ ، وَالمَسْكَنَةِ ، أَعُوذُ بِكَ يا رَبِّ مِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ ، وَمِنْ صَلَاةٍ لا تُرْفَعُ ، وَأُعيذُ بِكَ نَفْسِي ، وَأَهْلي ، وَذُرِّيَتي ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، اللّهُمَّ لا يُجِيرُني مِنْكَ أَحَدٌ ، وَلا أَجِدُ مِنْ دُونِكَ مُلْتَحَداً ، فَلَا تَخْذُلْني ولا تَرُدَّني في هَلَكَةِ ، وَلا تُرْدِني بِعَذَابِ ، أَسْأَلُكَ الثَبَّاتَ على دِينِكَ ، وَالتَصْدِيقَ بِكِتَابِكَ وَتَقَبَّلْ مِنِّي ، وَزِدْني مِنْ فَضْلِكَ ، إنِّي إلَيْكَ رَاغِبٌ ، اللّهُمَّ ، إجْعَلْ ثَوَابَ مَنْطِقي ، وَثَوَابَ مَجْلِسي ، رِضَاكَ عَنِّي ، وَاجْعَلْ عَمَلي ، وَدُعَائي خَالِصاً

٢٣٤

لَكَ ، وَاجْعَلْ ثَوَابِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، وَاجْمَعْ لي جَمِيعَ ما سَأَلْتُكَ ، وَزِدْني مِنْ فَضْلِكَ إنِّي إلَيْكَ رَاغِبٌ.

اللّهُمَّ ، غَارَتِ النُّجُومُ ، وَنَامَتِ العُيُونُ ، وَأَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ ، لا يُوَارَي مِنْكَ لَيْلٌ سَاجٍ ، وَلا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجِ ، وَلَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ ، وَلا بَحْرٌ لُجِّيُّ وَلا ظُلُمَاتٌ بعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، تُدْلِجُ الرَحْمَةَ على مَنْ تَشَاءُ مِنْ خَلْقِكَ ، تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ ، وَماَ تُخْفي الصُّدُورُ ، أَشْهَدُ بِمَا شَهِدْتَ بِهِ على نَفْسِكَ ، وَشَهِدْتُ مَلَائِكَتُكَ ، وَأُولُو العِلْمِ ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ على ما شَهِدْتَ بِهِ على نَفْسِكَ ، وَشَهِدَتْ مَلَائِكَتُكَ وَأُولُو الِعْلِم ، فَاكْتُبْ شَهَادَتي مَكَانَ شَهَادَتِهِ ، اللّهُمَّ ، أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ يا ذَا الجَلَالِ وَالإكْرَامِ أسالك أنْ تَفُكَّ رَقَبَتيِ مِنَ النَّارِ »(١) .

وحفل هذا الدعاء الجليل ، بجميع وسائل الخير ، التي يسمو بها الانسان ، وترفع مستواه ، إلى أرقي درجات المنيبين والمتقين ، فما من وسيلة من وسائل الخير إلا سألها الامامعليه‌السلام ، من الله تعالى ، أن يمنحه اياها ، ويوفقه إلى العمل بها.

٥ ـ دعاؤه الجامع للخضوع والخشوع لله

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، الجامعة للخضوع والخشوع ، لله تعالى ، هذا الدعاء الجليل ، وقد أعطاه إلى عبدالرحمن بن سيابة ، وهذا نصه :

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٨٦ ـ ٥٨٧.

٢٣٥

« الحَمْدُ للهِ وَليِّ الحَمْدُ ، وَأَهْلِه وَمُنْتَهاهُ وَمَحِلِّه ، أَخْلَصَ مَنْ وَحَّدَهُ ، وَاهْتَدَى مَنْ عَبَدَهُ ، وَفَازَ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَأَمِنَ المُعْتَصِمُ بِهِ.

اللّهُمَّ ، يا ذَا الجُودِ وَالمَجْدِ ، وَالثَّنَاءِ الجَمِيلِ وَالحَمْدِ ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ مَنْ خَضَعَ لَكَ ، بِرَقَبَتِهِ ، وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ ، وَعَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ ، وَذَلَّلَ لَكَ نَفْسَهُ ، وَفَاضَتْ مِنْ خَوْفِك دُمُوعُهُ ، وَتَرَدَّدَتْ عَبْرَتُهُ ، وَاعْتَرَفَ لَكَ بِذُنُوبِهِ ، وَفَضَحَتْهُ عِنْدِكَ خَطِيئَتُهُ ، وَشَانَتْهُ عِنْدَكَ جَرِيرَتُهُ ، وَضَعُفَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُوَّتُهُ ، وَقَلَّتْ حيلَتُهُ ، وَأنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ خَدائِعِهِ ، وَأَضْمَحَلَّ عَنْهُ كُلُّ بَاطِلِ ، وَأَلْجَأَتْهُ ذُنُوبُهُ إلى ذُلِّ مَقَامِهِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَخُضُوعِهِ لَدَيْكَ ، وَابْتِهَالِهِ إلَيْكَ ، أَسْأَلُكَ اللّهُمَّ ، سُؤَالَ مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ ، أَرْغَبُ إلَيْكَ كَرَغْبَتِهِ وَأَتَضَرَّعُ إلَيْكَ كَتَضَرُّعِهِ ، وَاْبَتِهُل إلَيْكَ كَأَشَدِّ ابْتِهَالِهِ.

اللّهُمَّ ، فَارْحَمِ اِستِكَانَةَ مَنْطِقي ، وَذُلَّ مَقَامي وَمَجْلِسِي ، وَخُضُوعِي إلَيْكَ بِرَقَبَتي ، أَسْأَلُكَ اللّهُمَّ الهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَالبَصِيرَةَ مِنَ العَمَى ، وَالرُشْدَ مِنَ الغِوَايَةِ ، وَأَسْأَلُكَ اللّهُمَّ ، أَكْثَرَ الحَمْدُ عِنْدَ الرِضَاءِ ، وَأَجْمَلَ الصَّبْرِ عِنْدَ المُصيبَةِ ، وَأَفْضَلَ الشُّكْرِ عِنْدَ مَوْضعِ ِالشُّكْرِ ، وَالتَسْلِيمَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ ، وَأَسْأَلُكَ القُوَّةَ في طَاعَتِكَ ، وَالضَعْفَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَالهَرَبَ إلَيْكَ مِنْكَ ، وَالتَقَرُّبَ إلَيْكَ رَبِّي لِتَرْضَى ، وَالتّحري لِكُلِّ ما يُرْضيكَ عَني ، في إسْخَاطِ خَلْقِكَ ، إلْتِمَاسًا لِرَضَاكَ ، رَبِّ مَنْ أَرْجُوهُ إنْ لَمْ تَرْحَمْني ، أَوْ مَنْ يَعُودُ عَلَيَّ إنْ أَقْصَيْتَني ، أَوْ مَنْ يَنْفَعُني عَفْوُهُ إنْ عَاقَبْتَني ، أَوْ مَنْ آمُلُ عَطَايَاهُ إنْ حَرَمْتَني ، أَوْ مَنْ يَمْلِكُ كَرَامَتي إنْ أَهَنْتَني ، أَوْ مَنْ يَضُرُّني هَوَانُهُ إنْ أَكْرَمْتَني ، رَبِّ ما أَسْوَأ فِعْلي ، وَأَقْبَحَ عَمَلي ، وَأَقْسَ قَلْبِي ، وَأَطْوَلَ أَمَلِي ، وَأَقْصَرَ أَجَلِي ، وَأَجْرَأَني على عِصْيَانِ مَنْ خَلَقَني ، رَبِّ ما أَحْسَنَ بَلَاءَكَ عِنْدِي ، وَأَظْهَرَ نَعْمَاءَكَ عَلَيَّ ،

٢٣٦

كَثُرتْ عَلَيَّ مِنْكَ النِعَمُ فَمَا أُحْصيهَا ، وَقَلَّ مِني الشَّكْرُ فِيمَا أَوْلَيْتِنِيهُ ، فَبَطِرْتُ بِالنِعَمِ ، وَتَعَرَّضْتُ لِلْنِّقَمِ ، وَسَهَوْتُ عَنِ الذِكْرِ ، وَرَكِبْتُ الجَهْلَ بَعْدَ العِلْمِ ، وَجُزْتُ مِنَ العَدْلِ إلى الظُلْمِ ، وَجَاوَزْتُ البِرِّ إلى الإثْمِ ، وَصِرْتُ إلى الهَرَبِ مِنَ الخَوْفِ وَالُحُزْنِ ، فَمَا أَصْغَرَ حَسَنَاتي ، وَأَقَلَّهَا في كَثْرَةِ ذُنُوبِي ، وَأَعْظَمَهَا على قَدْرِ صِغَرِ خَلْقي ، وَضَعْفِ رُكْني ، رَبِّ وَمَا أَطْوَلَ أَمَلي في قِصَرِ أَجَلي في بُعْدِ أَمَلي ، وَمَا أَقْبَحَ سَرِيرَتي في عَلَانِيَتِي ، رَبِّ لا حُجَّةَ لي إنِ احْتَجَجتُ ، وَلا عُذْرَ لي إن اعْتَذَرْتُ ، وَلا شُكْرَ عِنْدِي إنْ أَبْلَيْتَ وَأَوْلَيْتَ ، إنْ لَمْ تُعِنِّي على شكرِ ما أَوْلَيْتَ ، رَبِّ ما أَخَفَّ مِيزَاني غَداً إنْ لَمْ تُرْجِحْهُ ، وَأَزَلَّ لِسَاني إنْ لَمْ تُثْبِّتْهُ ، وَأَسْوَدَ وَجْهِي إنْ لَمْ تُبَيِّضهُ ، رَبِّ كَيْفَ لي بِذُنُوبي التي سَلَفَتْ مِنِّي ، قَدْ هُدَّتْ لَهَا أَرْكَانِي ، رَبِّ كَيْفَ أَطْلُبُ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا ، وَأَبْكي على خَيْبَتي مِنْهَا ، وَلَا أَبْكي وَتَشْتَدُّ حَسَرَاتي على عِصْيَاني ، وَتَفْرِيطِي ، رَبِّ دَعَتْني دَوَاعي الدُّنْيَا فَأَجَبْتُهَا سَرِيعاً ، وَرَكَنْتُ إلَيْهَا طَائِعاً ، وَدَعَتْني دَوَاعي الآخِرَةِ فَثَبِطْتُ عَنْهَا ، وَأَبْطَأْتُ في الإجَابَةِ وَالمُسَارَعَةِ إلَيْهَا ، كَمَا سَارَعْتَ إلى دَوَاعي الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا الهَامِدِ ، وَهَشِيمِهَا البَائِدِ وَسَرَابِهَا الذَاهِبِ ، رَبِّ خَوَّفْتَني وَشَوَّقْتَني ، وَاحْتَجَجْتُ عَلَيَّ بِرِقِّي ، وَكَفِلْتَ لي بِرَزْقي ، فَأمِنْتَ مِنْ خَوْفِكَ ، وَتَثَبَطْتُ عَنْ تَشْوِيقِكَ ، وَلَمْ أَتَّكِلْ على ضَمَانِكَ ، وَتَهَاوَنْتَ بِاحْتِجَاجِكَ ، اللّهُمَّ ، فَاجْعَلْ أَمْني مِنْكَ في هَذِهِ الدُّنْيَا خَوْفاً ، وَحَوِّلْ تَثْبِيطِي شُوْقاً ، وَتَهاوُني بِحُجَّتِكَ فَرَقاً مِنْكَ ، ثُمَّ إرضِني بِمَا قَسَمْتَ لي مِنْ رِزْقِكَ يا كَرِيمُ ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظِيمِ رِضَاكَ عنْدَ السَّخْطَةِ ، وَالفَرْجَةَ عِنْدَ الكُرْبَةِ ، وَالنُّورَ عِنْدَ الظُلْمَةِ ، وَالبَصيِرَةَ عِنْدَ تَشْبِيهِ الفِتْنَةِ ، رَبِّ اجْعَلْ جُنَّتي مِنْ خَطَايَايَ حَصِينَةٌ ، وَدَرَجَاتي في الجِنَانِ رَفِيعَةٌ ، وَأَعْمَالي كُلَّهَا

٢٣٧

مُتَقَبِّلَةٌ ، وَحَسَنَاتي مُضَاعَفَةٌ زَاكِيَةٌ ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ كُلِّهَا ، ما ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ ، وَمِنْ رَفِيعِ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ ، وَمِنْ شَرِّ ما أَعْلَمُ ، وَمِنْ شَرِّ ما لا أَعْلَمُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَشْتَريَ الجَهْلَ بِالعِلْمِ ، وَالجَفَاءَ بِالحِلْمِ ، وَالجَوْرَ بِالعَدْلِ ، وَالقَطِيعَةَ بِالبِرِّ ، وَالجَزَعَ بِالصَبْرِ ، وَالهُدَى بِالضَلَالَةِ ، وَالكُفْرَ بِالإيمَانِ »(١)

لقد احتوى هذا الدعاء الجليل على جميع ألوان الخضوع والخشوع ، لله تعالى ، خالق الكون وواهب الحياة ، الذي آمن له كأعظم ما يكون الايمان ، أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين رفعوا مشعل التوحيد ، ونشروا حقيقة الايمان بسلوكهم وأدعيتهم ، ومناجاتهم مع الله.

٦ ـ دعاؤه الجامع لتوحيد الله

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، هذا الدعاء الجامع ، لتوحيد الله تعالى ، وقد أملاه ، على عمرو بن أبي المقدام ، وهذا نصه :

« اللّهُمَّ ، أَنْتَ الله لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الحليمُ الكريمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، العَزِيزُ الحَكيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، المَلِكُ الجَبَّارُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الرَّحِيمُ الغَفَّارُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الشَّدِيدُ المِحَالُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الكَبِيرُ المُتَعَالِ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، السّمِيعُ البَّصِيرُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، المَنِيعُ القَدِيرُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الغَفُورُ الشَكُورُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الحَمِيدُ المَجِيدُ ، وَأَنْتَ اللهُ ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الغَفُورُ الوَدُودُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الحَنَّانُ المَنَّانُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الحَلِيمُ الدَيَّانُ ، وَأَنْتَ الله ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الجَوَادُ

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٩٠ ـ ٥٩٢.

٢٣٨

المَاجِدُ ، وَأَنْت الله ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الوَاحِدُ الَأحدُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الغَائِبُ الشَّاهِدُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الظاهِرُ الباطنُ ، وَأَنْتَ اللهُ ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، بِكُلِّ شيْءٍ عليمٌ.

تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيْتَ ، وَبَسَطْتَ يَدَكَ فَأَعْطَيْتَ ، رَبَّنَا وَجْهُكَ أَكْرَمُ الوُجُوهِ ، وَجِهَتُكَ خَيْرُ الجِهَاتِ ، وَعَطِيَّتُكَ أَفْضَلُ العَطَايَا ، وَأَهْنَأْهَا ، تُطاعُ رَبَّنَا فَتُشْكَرَ ، وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتَ ، تُجِيبُ المُضْطَرِّينَ ، وَتكْشفُ السُوءَ ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، وَتَعْفُو عَنِ الذُنُوبِ ، لا تُجَارَي آيَاديك ، ولا تُحْصَى نِعَمُكَ ، وَلَا يبْلُغُ مِدْحَتُكَ قَوْلَ قَائِلٍ.

اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ ، وَرَوحَهُمْ ، وَرَاحَتَهُمْ ، وَسُرُورَهُمْ ، وَأَذِقْني طَعْمَ فَرَجِهِمْ ، وَأهْلكْ أَعْدَاءَهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ ، وَآتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذِينَ لا خوْفُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، وَعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وَثَبِّتْني بِالقَوْلِ الثَّابِتِ ، في الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وفي الآخِرَةِ ، وَبَارِكْ لي في المَحْيَا ، وَالمَمَاتِ وَالمَوْقِفِ وَالنُشُورِ وَالحسَابِ وَالمِيزَانِ ، وَأَهْوَالِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَسَلِّمْني على الصِرَاطِ ، وَأَجِزْني عَلَيْهِ ، وَارْزُقْني عِلْماً نَافِعاً ، وَيَقِيناً صَادِقاً وَتُقىً وَبِرّاً ، وَوَرَعاً وَخَوْفاً مِنْكَ ، وَفَرَقاً يُبَلِّغُني مِنْكَ زُلْفَى ، وَلا يُبَاعِدُني مِنْكَ ، وَأَحْببْني وَلا تَبْغُضْني ، وَتَوَلَّني ، وَلا تَخْذُلْني ، وَأَعَطِني مِنْ جَمِيعِ خَيْرٍ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، ما عَلَمْتُ مِنْهُ ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَجِرْني مِنَ السُوءِ كُلِّهِ ، بِحَذَافِيرِهِ ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ »(١)

____________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٨٣ ـ ٥٨٤.

٢٣٩

قدم الامامعليه‌السلام ، أجمل عبارات التوحيد ، وأبدعها ، لله تعالى ، الذي خلق جميع الكائنات ، ومما لا شبهة فيه ، إن الامامعليه‌السلام ، هو سيد الموحدين ، وإمام المتقين ، فقد رفع كلمة التوحيد ، بإبطاله لشبه الملحدين ، وأوهامهم ، وبهذه الادعية العظيمة ، التي هي غذاء للؤمنين والمتقين.

٧ ـ دعاؤه الجامع في طلب الامن والسلامة

من أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، الجامعة ، لطلب الامن والسلامة ، وغيرها ، من معالي الامور ، هذا الدعاء الجليل :

« اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ أَمْناً وَإيمَاناً ، وَسَلَامَةً وَإسْلَاماً ، وَرِزْقاً وَغِنىً ، وَمَغْفِرَةً لا تُغَادِرُ ذَنْباً ، اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُقَى ، وَالعِفَّةَ وَالغِنَى ، يا خَيْرَ مَنْ نُودِيَ فَأَجَابَ ، وَيَا خَيْرَ مَنْ دُعِيَ فَاسْتَجَابَ وَيا خَيْرَ مَنْ عُبِدَ فَأَثَابَ ، با جَلِيسَ كُلِّ مُتَوَحِّدٍ مَعَكَ ، وَيَا أَنِيسَ كُلِّ مُتَقَرِّبٍ يَخْلُو بِكَ ، يا مَنِ الكرِمُ مِنْ صِفَةِ أَفْعَالِهِ ، وَالكَرِيمُ مِنْ أَجَلِّ أَسْمَائِهِ ، أَعِذْني وَأَجِرني يا كَرِيم.

اللّهُمَّ ، أَجِرْني مِنَ النَّارِ ، وَارْزُقْني صُحْبَةَ الَأخْيَارِ ، وَاجْعَلْني يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الَأبْرَارِ ، إنَّكَ وَاحِدٌ قَهَّارٌ ، مَلِكُ جَبَّارٌ ، عَزِيزٌ غَفَّارٌ.

اللّهُمَّ ، إنِّي مُسْتَجِيرُكَ فَأَجِرْني ، وَمُسْتَعِيذُكَ فَأَعِذْني ، وَمُسْتَغِيثُكَ فَأَغِثْني ، وَمُستَعِينُكَ فَأَعِني ، وَمُسْتَنقِذُكَ فَأَنْقِذني ، وَمُسْتَنصِرُكَ فَانصُرني ، وَمُسْتَرْزِقُكَ فَارْزُقْني ، وَمُسْتَرْشِدُكَ فَأرْشِدْني ، وَمُسْتَعْصِمُكَ فَاعْصِمني ، وَمُسْتَهْدِيكَ فَاهْدِني ، وَمُسْتَكْفِيكَ فَاكْفِني ، وَمُسْتَرْحِمُكَ فَارْحَمْنِي ، وَمُسْتَتيبُكَ فَتُبْ عَلَيَّ ، وَمُسْتَغْفِرُكَ فَاغْفِرْ لي ذُنُوبي ، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُنُوبَ ،

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294