الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية20%

الصحيفة الصادقية مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 294

الصحيفة الصادقية
  • البداية
  • السابق
  • 294 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173962 / تحميل: 8762
الحجم الحجم الحجم
الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية

مؤلف:
العربية

الصحيفة الصادقية

المؤلف: باقر شريف القرشي

١

٢

بْسم الله الرَّحْمنِ الَّرحِيمِ

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادي عَنَيِّ فَاِّني قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ »(١) أمَّن يجيبُ المضطَّر إذا دَعَاهُ وَيَكْشفُ السوءَ «وَإذَا مَسَّ الانْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعداً أوْ قَائِماً »(٢) «وإذا مَسَّ الانسان ضُرِّ دعا ربه منيباً إليه »(٣) «وَإذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرِّ دَعوْا رَبَّهُمْ مُنيِبيِنَ إلَيْه »(٤) .

القرآن الكريم

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٨٦.

٢ ـ سورة يونس ـ آية ١٢.

٣ ـ سورة الزمر : آية ٨.

٤ ـ سورة الروم ـ آية ٣٣.

٣
٤

تقريظ آية الله العظمى السيد عبد الاعلى السبزواري دامت بركاته.

بْسم الله الرَّحْمنِ الَّرحِيمِ

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصَلاةُ والسَلامُ على خير خلقه ، محمد وآله الطَيِّبينَ الطاهرينَ. وبعد ، فإنَّ من قضاء الله تعالى وقدره الحتميِّين ، أنه جلَّ جلاله ، يختار في كل قرنٍ رجالاً ، هم صفوة الناس ، بهم ، يثير دفائن العقول ، ويذكِّرهم منسيُّ الفطرة إتماماً للحجة ، وإيضاحاً للحجَّة ، وممَّن اختاره الله تعالى ، لهذه الموهبة العظمى ، الامام الهمام ، ووصيُّ مَن هو للانبياء شرفٌ وختام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام ، الذي يروي عن أجداده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرائيل ، عن الله جلَّت عظمته ، جميعَ المعارف التكوينية والتشريعية ، فهوعليه‌السلام ، لسانُ خاتم النبيِّين ، بل جميع الانبياء ومِّمن أخذ قطرة من هذا البحر ، الذي لا ساحلَ له ، علم الاعلام ، الحجَّة قرة المتتبِّعين العظام ، الشيخ باقر شريف القرشي ، فانه دامت معاليه ، أشار إلى حقيقة ، تقصر عن معرفتها إفهام ذوي العقول ، وورد ساحة تزلُّ دونها أقدام الفحول ، فهو المثل الاعلى ، علماً وعملاً ، وصار أهلاً لان تكون له هذه « الصحيفة الصادقية » الغراء التي يحق أن يقال فيها أنها من تجليات المدعو في الداعي ، وتفاني الداعي في مرضاة المدعو ، عند التوجه والثناء ، فرفع الله

٥

تعالى في الدارين شأنه ، وجعل أفئدة الناس ، تهوى إلى مؤلفَاتهِ الشريفةِ ، ونفعهم من ثمرات علمه وعمله ، انه سميع مجيب.

٩ شعبان عام ١٤٠٨ ه‍

عبد الاعلى الموسوي السبزواري

٦

تقديم

ـ ١ ـ

الدعاء ، سمو في الروح ، وإشراق في النفس ، يربط الانسان بربه خالق الكون ، وواهب الحياة ، من بيده مجريات الاحداث ، وهو بكل شيء محيط.

إن علاقة الانسان بربه ، علاقة ذاتية ، ومتأصلة في نفس الانسان ، فهو يفزع إليه ، أذا دهمته كارثة من كوارث الدهر ، أو ألمت به محنة من محن الايام إنه يدعو ربه ضارعاً منكسراً ، لا يجد أحداً يلجأ إليه ، ولا يكشف عنه الضر والشقاء سوى الله تعالى اللطيف بعباده ، وقد تحدث القرآن الكريم ، عن هذه الظاهرة ، في كثير من آياته ، قال تعالى : «وَإذَا مَسَّ الانْسَانَ الضُرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ، فَلَمّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ »(١) وقال تعالى : «وَإذَا مَسَّ النَاسَ ضُرِّ دَعُوا رَبَّهُم مُنِيبينَ إليْه ، ثُمَّ إذا إذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ، إذَا فَريقٌ مِنْهُمْ بِرَّبهمْ يُشْرِكوُنَ »(٢) إن الالتجاء إلى الله تعالى ، والفزع إليه ، في وقت المحنة والازمات ، أمر ذاتي للانسان ، مهما كانت اتجاهاته وميوله ، وقد قرأت في بعض الكتب ، أو الصحف ، أن شخصاً

__________________

١ ـ سورة يونس آية ١٢.

٢ ـ سورة الروم ـ آية ٣٣.

٧

كان في طائرة ، وفيها جماعة من الماركسيين وغيرهم ، ممن لا دين لهم ، فاصاب الطائرة عطب ، وهي في الجو ، ففزعوا جميعا إلى الله تعالى ، ببكاء لينقذهم من هذه الكارثة ، فاستجاب الله دعاءهم ، ونجاهم مما هم فيه ، وعقب الشخص قائلا : إني لا أصدق بعد ذلك ، أن هناك من يجحد الله تعالى ولا يؤمن به ، فإنه إن جحده بلسانه ، فان قلبه مطمئن به.

ـ ٢ ـ

إن من ثمرات الدعاء ، ومعطياته ، إزالة ما ران على القلوب ، من غشاوات وجفاء ، ورفع المرء إلى البشرية المثالية ، والانسانية الكريمة ، إنه ـ من دون شك ـ يهذب النفوس ، ويحسن الطباع ، وينمي النزعات الخيرة ، ويبعث على الاقتداء بآداب المتيقن والصالحين ، الذين هم سادات المجتمع وقادته ، ويحذر من شرار الخلق ، الذين يؤثرون الباطل على الحق ، ويفضلون الشر على الخير ، وهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وأي ثمرة يظفر بها الانسان أهم وأغلى من هذه الثمرة؟.

ـ ٣ ـ

أما الدعاء إلى الله ، والابتهال إليه ، فانه من أبرز القيم ، الرفيعة الماثلة عند الانبياءعليهم‌السلام ، فقد كان ابتهالهم إلى الله ، ومناجاتهم له من أهم المتع عندهم ، ولنستمع إلى خليل الله إبراهيم وإبنه إسماعيل وهما يرفعان أسس البيت الحرام ، فكانا مع كل لبنة يضعانها في بناء البيت المعظم ، يشفعانها بالدعاء إلى رب البيت قائلين :

«ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم »(١) .

ويدعوان أيضا قائلين :

«ربنا واجعلنا مسلمين لك ، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٢٧.

٨

مناسكنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم »(١) .

إن دعاء إبراهيم ، ودعاء ولده إسماعيل ، إنما هو دعوة إلى التكامل الانساني ، ودعوة إلى التحرر ، من النزعات الشريرة ، ودعوة للظفر بالخير ، بجميع صورة ومفاهيمه.

ـ ٤ ـ

واهتم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بالادعية إهتماما باغلا ، لانها بلسم للنفوس الحائرة في متاهات هذا الكون ، كما أنها في نفس الوقت ، خير ضمان لردع النفوس ، عن غيها وطيشها.

وبلغ من اهتمام أئمة الهدىعليهم‌السلام ، بهذا التراث الروحي ، أنهم خلفوا ثروة هائلة ، من الادعية النفيسة ، فقد ذكر السيد الجليل ، نادرة زمانه ، السيد ابن طاووس ، ان خزانة مكتبته تحتوي على ثماني مائة كتاب من الادعية ، أثرت عن الائمة الطاهرين(٢) .

ومن الطبيعي ، أن هذا الزخم من الادعية ، ينم عن معرفتهم الكاملة بالله تعالى ، فقد أبصروه بقلوبهم المشرفة ، وعقولهم النيرة تدبروا في آيات الله ، وأمعنوا النظر في عجائب هذا الكون ، وتأملوا في خلق هذا الانسان ، فآمنوا بالله إيمانا لا يخامره أدنى شك ، وكان من مظاهر إيمانهم الوثيق ، أنهم إذا قاموا للصلاة بين يدي الله تعالى ، ترتعد فرائصهم ، وتتغير الوانهم ، وقد قيل للامام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وريحانته في ذلك ، فأجاب سلام الله عليه : « حق على من وقف بين يدي رب العرش ، ان ترتعد فرائصه ، ويصفر لونه(٣) .

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٢٨.

٢ ـ كشف المحجة لثمرة المهجة.

٣ ـ حياة الامام الحسن ١ / ٣٢٧.

٩

لقد اتجهوا بقلوبهم ، وعواطفهم نحو الله ، الذي يعلم دقائق النفوس ، وخواطر القلوب ، فعبدوه ، واخلصوا في عبادته وطاعته ، كأعظم ما يكون الاخلاص.

وكان أول من فتح باب الادعية ، من الائمة الطاهرين ، سيد العترة الطاهرة ، الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد حفلت كتب الادعية ، بالشئ الكثير من أدعيته ، كدعاء كميل ، ودعاء الصباح وغيرهما من الادعية ، التي تمثل جوهر الايمان ، وحقيقة العبودية المطلقة لله تعالى ، وهكذا كانت أدعية ولده الامام ، السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام ، فإن أدعيته في عرفات ، وفي كربلاء ، تعتبر صرحا من صروح الايمان بالله تعالى ، يتزود بها الداعي ، ويتسلح بها الذاكر ، ويتبصر بها المؤمن ، وأما أدعية ولده الامام زين العابدينعليه‌السلام ، التي سميت بالصحيفة السجادية ، فهي انجيل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي من أجل الثروات الروحية في الاسلام ، وقد اهتم بها علماء المسلمين وغيرهم ، لانها من مناجم الفكر ومن ذخائر التراث الانساني.

لقد حفلت سيرة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بالابتهال والتضرع إليه ، فلا تقرأ سيرة أحد منهم ، إلا وتجد صفحات مشرقة من أدعيتهم ، ومناجاتهم لله تعالى ، الامر الذي يدل ـ بوضوح ـ على عميق أتصالهم بالله ، وأنقطاعهم إليه.

ـ ٦ ـ

إن أدعية أئمة أهل البيتعليهم‌السلام نفحة من رحمات الله ، تهدي الحائر ، وتضئ الطريق ، وتوضح القصد إلى الله ، وقد امتازت عن بقية أدعية الصالحين والمتقين بما يلي :

أولا : ـ إنما تمثل انقطاعهم الكامل ، واتصالهم الوثيق بالله تعالى ، استمعوا إلى ما يقوله الحسينعليه‌السلام ، في بعض أدعيته مخاطبا الله :

١٠

« ماذا وجد من فقدك ، وماذا فقد من وجدك؟؟. »

أرأيتم هذا الايمان الذي تجاوز حدود الزمان والمكان؟ لقد تفاعل مع عواطف أبي الاحرار ومشاعره ، حتى صار من عناصره ومقوماته.

ثانياً : ـ إنها لم تقتصر على التضرع إلى الله تعالى ، فقد احتوت على أمور بالغة الاهمية كان منها :

أ ـ التوحيد ، والنبوة ، والامامة.

ب ـ الاخلاق.

ج‍ ـ السياسة.

د ـ الاجتماع.

ه‍ ـ الاقتصاد.

وأدعيتهم ، مليئة بهذه الامور ، كما دعت إلى النشاط الفكري ، والعمل الجاد ، في مختلف جوانب الحياة.

ثالثا : ـ إن أدعيتهم ، تمتاز بأساليبها الرائعة ، فقد بلغت الذروة ، في بلاغتها ، وفصاحتها ، فليس في أي بند من بنودها ، أو فقرة من فقراتها ، جملة أو كلمة ، يمجها الطبع ، وينفر منها الذوق ، فقد نظمت في أرقي أسلاك البلاغة والفصاحة ، وتعد من مناجم الادب العربي.

رابعا : ـ إنها تدعو إلى صفاء النفوس ، من أدران الحياة ، المليئة باللهو والمغريات ، وتحليتها بالآداب والفضائل هذا مجمل ما أمتازت به أدعية الائمة الطاهرينعليهم‌السلام من الخصائص.

ـ ٧ ـ

والشئ المحقق الذي لا يخالجه شك ، أنه لا يمكن بأي حال من

١١

الاحوال ، أن تتحقق الاهداف النبيلة ، التي يصبوا إليها الانسان ، من الحرية ، والكرامة والامن ، والاخاء ، إلا إذا ساد الايمان بالله تعالى ، بين أمم العالم ، وشعوب الارض ، وارتبط الانسان بخالقه ، وآمن بأنه مسؤول أمام الله عما يعمله ، وعما يقترفه من إثم أو ذنب ، في حق نفسه ، أو في حق مجتمعه ، كما أنه من المؤكد أنه لا يجدي شيئا ، ما تعمله هيئة الامم المتحدة ، بمنظماتها المختلفة ، وما يجاهد في سبيله فلاسفة العصر ، وقادة الفكر والسياسة ، في العالم ، من العمل على تقدم الانسان ، وتطوير حياته ، وإنقاذه من ويلات الحروب ، ودمارها ، وإزالة الحواجز ، التي أحدثها اختلاف الجنسيات والقوميات ، واختلاف الالوان والمذاهب الاقتصادية ، من الرأسمالية والشيوعية ، فإنه بالرغم مما بذلته من جهود مكثفة ، في سبيل الاصلاح الاجتماعي ، فانها لم تستطع تحقيق ذلك ، وبقيت مقرراتها حبرا على ورق إن الذي يغير مجرى تأريخ البشرية إلى الافضل ، ويفتح لها آفاقا مشرقة ، من العزة والكرامة ، إنما هو الايمان بالله تعالى لا غيره ، من الوسائل المادية ، ومما لا شك فيه ، أنه سيظل الانسان يطارده الخوف والفزع ، كلما بعد عن الله تعالى

ـ ٨ ـ

ونعود للحديث عن أدعية الامام أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام ، فانها قبس من نور الاسلام ، ومشاعل مضيئة ، من هدي القرآن ، وهي ـ من دون شك ـ من انجع الوسائل التربوية ، في إقامة الاخلاق ، وتهذيب الطباع ، وهي من ذخائر الارصدة الروحية في الاسلام. ومن الجدير بالذكر ، أن أدعية الامامعليه‌السلام ، قد شملت جميع أعماله ، فلم يقم بأي عمل إلا وشفعه بالدعاء ، والتضرع إلى الله ، وهذا مما يؤكد ما قاله مالك بن أنس من أن الامامعليه‌السلام ، كان في جميع أوقاته مشغولا بذكر الله تعالى ، والانابة إليه.

وبحثت جهد ما توصل إليه تتبعي في مصادر الادعية والحديث ، عن

١٢

أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، فظفرت بمجموعة كبيرة من أدعيته ، أسميتها « الصحيفة الصادقية » وجعلتها إحدى حلقات « حياة الامام الصادقعليه‌السلام ». وهي تلقي الاضواء ، على روحانية هذا الامام العظيم ، الذي ملا الدنيا بعلومه ، ـ على حد تعبير الجاحظ ، ومنه تعالى نستمد التوفيق والعون ، لاكمال هذه الموسوعة ، وابرازها إلى عالم النشر ، ورأيت أن أقدم هذا الجزء إلى القراء ، نظرا لاهميته ، فإنه من تراثه الروحي الذي يحتاج إليه الناس أبدا في كل زمان ومكان! ..

المؤلف

باقر شريف القرشي

١٣
١٤

أحاديث الامام الصادق (ع) في الدعاء

١٥
١٦

وأولى الامام الصادقعليه‌السلام ، المزيد من الاهتمام ، في الدعاء والابتهال إلى الله ، لانه من أنجع الوسائل وأعمقها ، في تهذيب النفوس ، واتصالها بالله تعالى ، وقد أثرت عنه كوكبة من الاحاديث ، في فضل الدعاء وآدابه ، وأوقات استجابته ، وغير ذلك مما يرتبط بالموضوع ، ويتصل به ، وفي ما يلي ذلك.

فصل الدعاء :

أشاد الامام الصادقعليه‌السلام بفضل الدعاء ، وأهاب بالمسلمين أن لا يتركوه في جميع أمورهم ، صغيرها وكبيرها ، وأن يكونوا على اتصال دائم بالله ، الذي بيده جميع مجريات الاحداث ، وكان من بعض ما قاله فيه :

أ ـ : قالعليه‌السلام : « عليكم بالدعاء ، فإنكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار »(١) .

ب ـ واوصى الامامعليه‌السلام ، صاحبه ميسر بن عبد العزيز ، بملازمة الدعاء في جميع الاحوال ، قال له :

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٦.

١٧

« يا ميسر ادع ، ولا تقل إن الامر قد فرغ منه ، أن عند الله عزوجل ، منزلة لا تنال إلا بمسألة ، ولو أن عبدا سد فاه ، ولم يسأل ، لم يعط شيئا ، فسل تعط ، يا ميسر ، إنه ليس من باب يقرع ، إلا يوشك أن يفتح لصاحبه »(١) .

إن الامامعليه‌السلام اراد من الانسان المسلم ، أن يرتبط بخالقه ، في جميع شوؤنه وأحواله ، فبيده تعالى ، العطاء والحرمان ، ومن فاز بالاتصال به فقد فاز بخير عميم.

الدعاء عبادة :

واعتبر الامام الصادقعليه‌السلام ، الدعاء ضربا من ضروب العبادة ، ونوعا من أنواعها فقال :

« الدعاء هو العبادة ، التي قال الله عزوجل : «إن الذين يستكبرون عن عبادتي »(٢) ، أدع الله عزوجل ، ولا تقل ، إن الامر قد فرغ منه ، فان الدعاء هو العبادة.

وعلق الفقيه الكبير زرارة على الجملة الاخيرة ، من كلام الامام. قال : إنما يعني لا يمنعك ايمانك بالقضاء والقدر ، أن تبالغ بالدعاء ، وتجهد فيه(٣) .

الدعاء يدفع القضاء :

وحث الامام الصادقعليه‌السلام ، على الدعاء ، لانه من جملة الاسباب ، التي يستدفع بها البلاء ، وقد أدلىعليه‌السلام بذلك ، بمجموعة

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٦.

٢ ـ سورة غافر : آية ٦٠.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٧.

١٨

من الاحاديث من بينها :

أ ـ قالعليه‌السلام : « إن الدعاء يرد القضاء ، ينقضه كما ينقض السلك ، وقد أبرم إبراما. »(١) .

ب ـ قالعليه‌السلام : « إن الله عزوجل ، ليدفع بالدعاء الامر الذي علمه ، أن يدعي له فيستجيب ، ولولا ما وفق العبد من ذلك الدعاء ، لاصابه ما يجتثه من جديد الارض. »(٢) .

ج‍ : ـ قالعليه‌السلام : « الدعاء يرد القضاء ، بعدما أبرم إبراما ، فاكثروا من الدعاء ، فانه مفتاح كل رحمة ، ونجاح كل حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزوجل إلا بالدعاء ، وإنه ليس باب يكثر قرعه ألا يوشك أن يفتح لصاحبه »(٣) .

وحكت هذه الاحاديث غن أهمية الدعاء ، وأنه من الاسباب الفعالة في دفع البلاء المبرم.

الدعاء شفاء من الداء :

إن الدعاء وصفة روحية ، وهو من أوكد الاسباب في ازالة الامراض ، فإن له تأثيرا بالغا في الشفاء من كل داء ، وقد قررت البحوث الطبية الحديثة ذلك ، واكدت ان الطب الروحي ، من أهم الاسباب في إزالة الامراض المستعصية ، خصوصا الامراض النفسية ، وقد اكتشف الامام الصادقعليه‌السلام ، هذه الظاهرة ، فقال للعلاء بن كامل :

« عليك بالدعاء فانه شفاء من كل داء »(٤) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٦٧.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٠.

٣ ـ اصول الكافي ٢ /.

٤ ـ اصول الكافي ٢ /.

١٩

آداب الدعاء :

وضع الامام الصادقعليه‌السلام ، منهجا خاصا لآداب الدعاء ، فعلى المسلم السير على ضوئه ، يقولعليه‌السلام :

« إحفظ أدب الدعاء ، وانظر من تدعو ، وكيف تدعو ، وحقق عظمة الله وكبرياءه ، وعاين بقلبك علمه ، بما في ضميرك ، وإطلاعه على سرك ، وما تكون فيه من الحق والباطل ، واعرف طرق نجاتك وهلاكك ، كي تدعو الله بشيء فيه هلاكك ، وأنت تظن أن فيه نجاتك ، قال الله تعالى : «وَيَدْعُو الانسَانُ بِالشرِّ دُعَاءَهُ بالخَيْرِ ، وكان الانسَانُ عَجُولاً » وتفكر : ماذا تسأل؟ وكم تسأل؟ ولماذا تسأل؟!.

والدعاء : إستجابة الكل منك للحق ، وتذويب المهجة في مشاهدة الرب ، وترك الاختيار جميعا ، وتسليم الامور كلها ، ظاهرا وباطنا ، إلى الله تعالى فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الاجابة ، فانه يعلم السر وأخفى ، فلعلك تدعوه بشيء ، قد علم من سرك خلاف ذلك »(١) .

ووضع الامامعليه‌السلام في هذا الحديث ، المناهج لآداب الدعاء ، التي منها أن يتأمل الداعي ، ويفكر بوعي في عظمة من يدعوه ، ويرجو منه أن يفيض عليه بقضاء حوائجه ، وعليه أن يعرف ، أنه يدعو خالق الكون ، العالم بخفايا النفوس ، وأسرار القلوب ، كما أن على السائل ، أن يمعن في مسألته ، وينظر في أبعادها ، لكي لا يدعو بما فيه هلاكه ، وكذلك عليه ، أن يسلم جميع أموره ، ظاهرها وباطنها لله تعالى ، من بيده العطاء والحرمان ، وعلى الداعي أن يراعي بدقة هذه الآداب ، فان أهملها فلا ينتظر الاجابة من الله.

__________________

١ ـ البحار ١٩ / ٤٤ طبع حجر.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

معركة؟

قال الثّعالبي: وأكثر الرّوايات في سبب نزول الآية أنّ عبد الرّحمن بن عوف تصدّق بأربعة آلاف وأمسك مثلها وقيل هو عمر بن الخطّاب تصدّق بنصف ماله(1) .

أقول:

شهد على عمر بن الخطّاب صحابة وصحابيّات ببخله ومنعه الخير. ولو كان صاحب جود في الجاهليّة أو الإسلام لذكر في الأجواد. وقد سمّى محمد بن حبيب البغدادي أجواد العرب في الجاهليّة والإسلام فلم يذكر فيهم عدويّا واحدا، لا عمر ولا غيره.

قال ابن كثير: روى قيس بن حجّاج قال: لما فتحت مصر أتى أهلها (عمرو بن العاص) وكان أميرا بها فقالوا: أيّها الأمير، إنّ لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلاّ بها! قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشّهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثّياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في هذا النّيل؛ فقال لهم عمرو: إنّ هذا لا يكون في الإسلام، إنّ الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا والنّيل لا يجري حتّى همّوا بالجلاء فكتب (عمرو) إلى (عمر بن الخطّاب) بذلك فكتب إليه عمر: إنّك قد أصبت بالذي فعلت، قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النّيل. فلمّا قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد: فإنّك إن كنت إنّما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النّيل فأصبحوا يوم السّبت وقد أجرى الله النيل ستّة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقد قطع الله تلك السّنّة عن أهل مصر إلى اليوم. (رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنّة)(2) .

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 2 ص 144.

(2) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 104.

٨١

أقول:

يبدو أنّ عمر بن الخطّاب علّم منطق الأنهار، كما يبدو أنّ النّيل يفهم اللّغة العربيّة الحجازيّة، ويعرف خطّ عمر، ولا يحتاج إلى ترجمان! لكنّ سنيّ عمر كانت سنيّ قحط بالمدينة، ومن تلك السنيّ عام الرّمادة. فلماذا لم يتوجّه إلى السّماء ليقول لها: إن كنت إنّما تمطرين من قبلك فأمسكي وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يرسلك فأمطري!

ويبقى السؤال كما يلي: هذا السّلوك من النّيل هل هو لكلّ أنهار الدّنيا أم أنّه خاصّ بالنيل؟ وما أشدّ ولع النّيل بالجواري الأبكار في الليلة الثانية عشرة بالضبط! لا قبل ولا بعد! وقبل ابتكار السّاعة بزمان! لكن يبدو أنّ ثورة المصريّين على عثمان كان لها على بني أميّة أثر بالغ لا يكاد يوصف، وهو ما دعاهم وأتباعهم إلى الافتراء على أهل مصر ووسمهم بصفات لا تنسجم مع روح الإسلام الحنيف؛ ولا تزال آثار تلك الافتراءات بادية في كتب الأدب، شعرها ونثرها؛ وإنّما المصريّون شعب من شعوب الدّنيا، فيه من كل الأصناف، فيه الظالم لنفسه وفيه المقتصد وفيه السابق بالخيرات، وفيه المسلمون وغير المسلمين.

قال ابن كثير: ومما يدلّ على ذلك ما قاله البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه ما قال: ما سمعت عمررضي‌الله‌عنه يقول لشيء قطّ إني لأظنّه هكذا إلا كان كما يظن. بينما عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظنّي أو أنّ هذا على دينه في الجاهليّة، أو لقد كان كاهنهم. عليّ بالرّجل! فدعي له فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم. قال: فإنّي أعزم عليك إلاّ ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهليّة. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنّيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السّوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجنّ وإبلاسها... ويأسها من بعد إنكاسها... ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمررضي‌الله‌عنه : صدق؛ بينما أنا نائم عند آلهتهم [!] إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قطّ أشدّ صوتا

٨٢

منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله. قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتّى أعلم ما وراء هذا. ثمّ نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي (هذا لفظ البخاريّ وقد رواه البيهقي بنحوه)(1) .

أقول:

هذه القصّة تفيد أنّ عمر بن الخطاب كان يعلم ببعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا أصرّ على البقاء على الشّرك طوال تلك السنين؟ ولماذا كان يعذّب الإماء اللاتي كنّ يعتنقن الإسلام؟! ثم لا يغب عنك أنّ الراوي هو عبد الله بن عمر! عبد الله بن عمر بن الخطّاب يروي بخصوص عمر بن الخطاب.

وعن الزّهري عن ابن المسيّب في قوله تعالى( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) قال: لما طعن عمر بن الخطّاب قال كعب: لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله. فقال الناس: سبحان الله! أليس قد قال الله( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَستَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) ؟ فقال كعب: أو ليس قد قال الله:( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلّا فِي كِتَابٍ ) ؟ قال الزّهري فنرى أنّ ذلك يؤخّر ما لم يحضر الأجل، فإذا حضر لم يؤخّر(2) .

أقول:

هكذا يضحك كعب الأحبار اليهوديّ على المسلمين، لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله يقول هذا الكلام عن عمر بعد أن قال له: أعهد فإنّك مقتول بعد ثلاث. وما يدري كعب الأحبار متى يقتل عمر لو لم يكن مطّلعا على مؤامرة قتله؟!

قال البغويّ في تفسير قوله( وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ .. ) الصدّيق: الكثير الصّدق قال مجاهد: كلّ من آمن بالله ورسوله فهو صدّيق وتلا هذه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 369.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 137.

٨٣

الآية. قال الضّحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمّة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطّاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته(1) .

أقول:

بعد أن عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، ووأد ابنته، وآذى المسلمين في بداية الدّعوة في مكّة، والنّساء بشكل خاصّ، وفرّ من الزّحف مرّة بعد مرّة، تاركا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء، وتردّد كثيرا على مدارس اليهود أيّام السّبت حتى قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمتهوّكون يا ابن الخطّاب؟! بعد هذا كلّه نال مرتبة الصّدّيقية فجأة كما تقضي به ثقافة الكرسيّ. والذي لا يشكّ فيه من قرأ القرآن الكريم وتدبّر معانيه أنه لا يجد عبارة الصدّيق واردة إلاّ في حقّ معصوم. فقد جاء وصف مريم عليها السلام بـ الصدّيقة بعد أن خاطبتها الملائكة( إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى‏ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، فهي مصطفاة مطهّرة؛ وكذلك وصف يوسف عليه السلام بالصدّيق في قوله تعالى( يُوسُفُ أَيّهَا الصّدّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ... ) وقبل ذلك قول أبيه يعقوب عليه السلام له كما حكى القرآن الكريم( وَكَذلِكَ يَجْتَبيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى‏ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمّهَا عَلَى‏ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ... ) . فهو مجتبى من قبل الله تعالى. فمرتبة الصّديقية لا تجتمع مع عبادة الأصنام لحظة فما فوقها.

قال ابن عاشور: وقد قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد فعمر بن الخطّاب). قال ابن وهب: محدثون: ملهمون(2) .

أقول:

أين كان التّحديث يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أنكرها الرّجل، والقرآن الكريم

____________________

(1) تفسير البغوي، ج 1 ص 38.

(2) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 3892.

٨٤

يهتف( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُم مَيّتُونَ ) . وأين كان التّحديث في مسألة الكلالة؛ ثمّ هو رجل كثير السّبّ والشّتم فهل كان السّبّ والشّتم من التّحديث، وهل كان قوله حسبنا كتاب الله ونسبته الهجر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإلهام أيضا؟

وجاء في تفسير الصّنعاني ما يلي: فانطلق سليمان يوما إلى الحمّام وكان قد قارف بعض نسائه في بعض المأثم، قال معمر لا أظنّه إلاّ قال حائضا [!](1) ، فدخل الحمّام فوضع خاتمه ومعه ذلك الشّيطان، فلمّا دخل أخذ ذلك الشّيطان خاتمه فألقاه في البحر، وألقي على الشّيطان شبه سليمان فخرج سليمان وقد ذهب ملكه وكان الشّيطان يجلس على سرير سليمان أربعين يوما، فاستنكره صحابة سليمان وقالوا: لقد افتتن سليمان من تهاونه بالصّلاة، وكان ذلك الشّيطان يتهاون بالصّلاة وبأشياء من أمر الدّين، وكان معه من صحابة سليمان رجل يشبّه بعمر بن الخطّاب في الجلد والقوّة فقال: إني سائله لكم. فجاء فقال: يا نبي الله ما تقول في أحدنا يصيب من امرأته في اللّيلة الباردة ثمّ ينام حتى تطلع الشمس، لا يغتسل ولا يصلّي، هل ترى عليه في ذلك بأسا؟ قال: لا بأس عليه! فرجع إلى أصحابه فقال: قد افتتن سليمان؛ قال فبينا سليمان ذاهب في الأرض إذ أوى إلى امرأة فصنعت له حوتا أو قال فجاءته بحوت، فشقّت بطنه فرأى سليمان خاتمه في بطن الحوت فعرفه فأخذه فلبسه فسجد له كل شيء لقيه من طير أو دابّة أو شيء، وردّ الله إليه ملكه فقال عند ذلك: ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى قال قتادة يقول له تسلبنيه مرة أخرى(2) .

صحابة الأنبياء السّابقين يشبّهون بعمر، وحظّ عمر من القصّة الشدّة والجلد، وحظّ سليمان عليه السلام مقارفة الحائض؛ وطالما ضحك كعب الأحبار وأصحابه على المسلمين.

____________________

(1) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبا؛ كيف يسمح مسلم لنفسه أن يقول عن نبي من أنبياء الله تعالى إنّه قارف بعض نسائه وهي حائض؟! إلى هذه الدرجة بلغ الاستخفاف بأنبياء الله تعالى في كتب التّفسير! وما أكثر الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 164.

٨٥

قال أبو سعيد (في قصّة الدجّال): ما كنت أدري ما النّحاس قبل يومئذ فذهب ليذبحه فلم يستطع ولم يسلّط عليه بعد قتله إيّاه، قال: فإنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فأخذ بيديه ورجليه فألقاه في الجنّة وهي غبراء ذات دخان يحسبها النّار، فذلك الرّجل أقرب أمّتي منّي درجة. قال: فقال أبو سعيد: ما كان أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحسبون ذلك الرّجل إلاّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه حتى سلك عمر سبيله(1) .

وروى الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام وقل له إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ(2) .

وفي المعجم الأوسط: عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام (وقل له) إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ. لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلاّ جرير بن حازم تفرّد به خالد بن يزيد العمريّ(3) .

أقول:

لقد رضي أن يفرّ من الزّحف، في أحد حنين وخيبر، وفي الفقهاء من لا يجيز شهادة من فرّ من الزحف. فهل يصبح الفرار حكما؟

ولقد كان هائجا حين الهجوم على بيت فاطمة؛ فهل هذا عزّ؟

وعن ابن عبّاس: لمّا أسلم عمر أتاني جبريل فقال: قد استبشر أهل السّماء بإسلام عمر(4) .

وعن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر (الفاروق)، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أنّ رسول

____________________

(1) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4، ص 539.

(2) المعجم الكبير، الطبرانيّ، ج 21 ص 48.

(3) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 6 ص 242.

(4) كنز العمال، المتقي الهندي ج 11 ص 577 الحديث رقم 32738.

٨٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر من ذلك شيئا(1) .

أقول:

وهذا يبطل ما أخرجه ابن سعد عن ذكوان قال (قلت لعائشة من سمّى عمر الفاروق قالت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(2) . وإنّما يدخل هذا وأمثاله في حرب عائشة على عليّ عليه السلام، فإنّها حاربته بالرّجال والكلمة، ولم تأل جهدا في محاولة سلب صفاته وألقابه وإضفائها على خصومه. وقد ثبت أن عليّا عليه السلام قال: أنا الصّدّيق الأكبر والفاروق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب(3) .

قال السيوطي: (وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشّيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقيه الشّيطان فاتخذا فاسطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمد فقال الشيطان: أرسلني أحدّثك حديثا فأرسله قال: لا. فاتّخذ الثّانية فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد، فقال: أرسلني فلأحدّثنّك حديثا يعجبك، فأرسله فقال: حدثني! قال: لا. فأتّخذ الثّالثة فصرعه الذي من أصحاب محمّد، ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها، فقال: أرسلني؛ فقال: لا أرسلك حتى تحدّثني. قال: سورة البقرة، فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشّياطين إلا تفرّقوا، ولا تقرأ في بيت فيدخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فمن ذلك الرّجل؟ قال: فمن ترونه إلاّ عمر بن الخطّاب)(4) !

____________________

(1) في تاريخ الطبري، ج 3 ص 267.

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 114.

(3) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 112 وخصائص أمير المؤمنين عليه السلام - النسائي، ص 46 وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13 ص 200، ونظم درر السمطين، الزرندي الحنفي ص 95، وكنز العمال، المتقي الهندي، ج 13 ص 129، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج 1 ص 69 وتاريخ الطبري، الطبري، ج 2 ص 56 و، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2 ص 57 والبداية والنهاية، ابن كثير، ج 3 ص 36.

(4) الدر المنثور ج 1 ص 52.

٨٧

أقول:

ما أسهل دعوى مصارعة الجنّ، وأنّى للجنّ أن تدفع عن نفسها ما اتّهمتها به كتب الحديث والتّاريخ. ويكفي لذلك أن يعلم أنّ قتل سعد بن عبادة الصّحابي المعارض لبيعة السّقيفة قتلته الجنّ بالشّام وقالت في ذلك شعرا(1) .

قد قتلنا سيد الخرزج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وأعجب ما في القصّة السابقة حرص الصّحابي على التعلّم من شيطان من الجنّ. فهل يتوقّع هذا الصّحابي أن يكون عند الجنّي ما لا يكون عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وفي تفسير الآلوسيّ: قال عبد الوهاب الشعراني:... واعلم أنّ حديث الحقّ سبحانه للخلق لا يزال أبدا، غير أنّ من النّاس من يفهم أنّه حديث كعمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه ومن ورثه من الأولياء، ومنهم من لا يعرف ذلك ويقول: ظهر لي كذا وكذا ولا يعرف أنّ ذلك من حديث الحقّ سبحانه معه؛ وكان شيخنا يقول: كان عمر من أهل سماع المطلق الذين يحدّثهم الله تعالى في كل شيء(2) .

أقول:

لا يخفى أنّه لو كان عمر محدّثا لفهم كلام الحقّ الموجّه إليه مباشرة في القرآن الكريم قبل الحديث عن المناجاة الباطنيّة؛ فالله تعالى قد خاطب عمر بن الخطّاب ومن معه في سورة الحجرات بقوله تعالى( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) ومع ذلك بقي يقدّم ويتدخّل في شؤون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لو كان شريكه

____________________

(1) البداية والنهاية ج 7 ص 33 والعبر في خبر من غبر ج 1 ص 19 والمنتظم ج 4 ص 200 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 352 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 489 وشذرات الذهب ج 1 ص 28 ومرآة الجنان ج 1 ص 71 وتاريخ الإسلام ج 3 ص 149 والوافي بالوفيات ج 15 ص 95 وصفة الصفوة ج 1 ص 505 تلقيح فهوم أهل الأثر ج 1 ص 96.

(2) روح المعاني، ج 25 ص 62.

(3) الحجرات: 1.

٨٨

في الرّسالة! وقد بقي يعارض رسول الله غير ملتفت إلى ما تضمنته الآية. ولو كان محدثا كما قيل لعرفت له فاطمة عليها السلام ذلك، ولما ماتت غاضبة عليه. وكيف يكون محدّثا من آذى فاطمة عليها السلام بعد أن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذاها فقد آذاني؟!

قال الثعالبيّ: وروي أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قرأ مرّة إنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع فأنّ أنّة عيد منها عشرين يوما(1) .

أقول: إن صحّ هذا فهو يعني أنّ عمر بن الخطاب تخلف عن الجمعة والجماعة ثلاثة أسابيع متوالية، ومثل هذا لا يعقل أن يتجاهله المؤرّخون! ثمّ كيف تجتمع هذه الدّرجة من الخشية مع الهجوم على بيت المطهّرين من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقصد إحراقه؟!.

ويروى أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه سمع قارئا يقرأ( وَالطّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ) قال هذا قسم حقّ، فلما بلغ القارئ إلى قوله عزّ وجلّ( إِنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ ) ظنّ أنّ العذاب قد وقع به فغشي عليه(2) .

أقول:

إلى هذا المستوى وصل تدبّره للقرآن ومع ذلك يتعامل مع آية( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ ) حين قرأها أبوبكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّما يسمعها لأوّل مرّة! وأبعد من ذلك: يسأل أبابكر أفي كتاب الله هذا؟.

وروى ابن جرير عن أمّ عطيّة قالت: لمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فقام على الباب وسلّم علينا فرددن أو فرددنا عليه السّلام ثمّ قال: أنا رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليكنّ، قال فقلنا: مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين قالت: فقلنا: نعم، قالت فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 1 ص 8.

(2) تفسير الثعالبي، ج 4 ص 215.

٨٩

ثمّ قال: اللّهم اشهد(1) .

أقول:

هذا بعيد، فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف غلظة عمر وجفاءه، وموقفه من النّساء وموقف النّساء منه، والرّحماء اللّطفاء كثيرون، فلماذا يرسله هو في هذه المهمّة الحسّاسة، مبايعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ على أنّه قد وردت روايات تفيد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بايعهنّ، والقرآن الكريم يقول (يبايعنك) ولا يقول يبايعن عمر!.

قال ابن عاشور: وأمّا السّفارة بكسر السّين وفتحها فهي السّعي بالصّلح بين القبائل، والقائم بها يسمّى سفيرا. وكانت لبني عديّ بن كعب أبناء عمّ لقصي، وجاء الإسلام وهي بيد عمر بن الخطّاب(2) .

أقول:

السّفارة مهمّة حسّاسة تحتاج إلى سعة صدر ومداراة وصبر ولياقة. وهو ما يسمّى في أيّامنا بالدّبلوماسيّة؛ وقد ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب كان سريعا إلى المساءة كثير الجبه والشّتم والسّبّ(3) . فهل تصلح أخلاق عمر لهذه الوظيفة؟!.

وروى الطبريّ أنّ المغيرة بن شعبة قال: لمّا دفن عمر أتيت عليّا وأنا أحبّ أن أسمع منه في عمر شيئا، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشكّ أنّ الأمر يصير إليه فقال: يرحم الله ابن الخطّاب، لقد صدقت ابنة أبي حثمة، لقد ذهب بخيرها ونجا من شرّها، أما والله ما قالت ولكن قوّلت!

أقول:

كيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام في عمر مثل هذا القول وهو القائل فيه في نهج البلاغة ما قال! وكيف تقبل رواية المغيرة بخصوص عليّ عليه السلام وهو الذي لم يكتف بسبّه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 508.

(2) التحرير والتنوير، ج 1 ص 1826.

(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4 ص 457.

٩٠

وشتمه ولعنه عليه السلام، بل وظّف لذلك الخطباء. روى أحمد في الفضائل عن سفيان بن منصور عن هلال عن عبد الله بن ظالم وذكر سفيان رجلا فيما بينه وبين عبد الله بن ظالم قال: سمعت سعيد بن زيد قال: لما قدم معاوية الكوفة أقام المغيرة بن شعبة خطباء يتناولون عليّا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى هذا الظالم الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة(1) . فإذا كان المغيرة لا يتورّع أن يسبّ ويلعن عليّا عليه السلام ويوظّف لسبّه ولعنه، فإنّ أهون شيء لديه أن يفتري عليه.

وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني عمّي عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت موت عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فانكسفت الشمس يومئذ(2) .

أقول:

هذا كلام يردّه حديث (إنّ الشّمس والقمر آيتان لا تنكسفان لموت أحد..). ولو كان كذلك لكان أولى أن تنكسف لموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن الممكن التّحقّق من المدّعى لدى الفلكيّن في أيّامنا، إن كان حدث كسوف في المدينة في الأسبوع الذي قتل فيه عمر.

وعن عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: أوّل من حيي عمر بن الخطّاب بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمر(3) .

أقول:

بل هو أمير جماعة السّقيفة، والدّليل على ذلك قول سعد بن أبي وقاص لمعاوية فنحن المؤمنون ولم نؤمّرك علينا. وكيف يكون أميرا للمؤمنين وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي لا يشكّ في إيمانها إلاّ خارج من الملّة ترفض أن يصلّي عليها أو يقف على قبرها، وتخرج من الدّنيا ساخطة عليه، وقد علم المسلمون قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ الله

____________________

(1) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، ص 32.

(2) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 71 تحت رقم 79.

(3) التاريخ الأوسط، ج 1 ص 54 تحت رقم 202.

٩١

ليرضى لرضاها ويغضب لغضبها).

وعن سلمة بن كهيل عن عبد خير قال: سمعت عليّا يقول: خيركم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبوبكر وخيركم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أخبرتكم بالثّالث قال سلمة وكأنه ينحو نفسه(1) .

أقول: على فرض صحّة الحديث فإنّ القول المنسوب إلى عليّ عليه السلام هو أفضلكم ولم يقل أفضلنا، فليس هو داخلا في المفضولين؛ وفي الخطبة الشقشقية ما يؤيد ذلك، وهو قوله عليه السلام: متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى أصبحت أقرن إلى هذه النظائر(2) .

وعن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردّوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة فزوّجوه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ردّوا رجلا ما في الأرض رجل خير منه(3) . والقصّة نفسها في تاريخ جرجان: عن معتمر بن سليمان عن يونس عن الحسين قال: خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطّاب امرأة فزوّج المغيرة ومنع عمر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد ردّوا خير هذه الأمّة(4) .

يقول الحديث: ما في الأرض رجل خير منه، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد الكائنات في الأرض! وعلي بن أبي طالب عليه السلام المطهّر بنصّ الكتاب الكريم في الأرض! وإذا لم يكن في الأرض أفضل منه فلماذا ردّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاء يخطب فاطمة عليها السلام؟! أيعقل أن يذمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما بشيء فعلوه ثمّ يفعله هو؟!. كلّ هذا الطّعن في شخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمرّ بسلام وبدون أدنى تعليق، لأنّه لا بأس بالتّضحية بكرامة ومقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل الحفاظ على صورة حزب السّقيفة في أذهان العوامّ وأشباه العوامّ،

____________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال، ج 6 ص 250.

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 184.

(3) أسد الغابة، ابن الأثير، ج 1 ص 823.

(4) تاريخ جرجان، ج 1 ص 294.

٩٢

ولعلّ هذا وأمثاله مما يفسّر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت قطّ. والواضح هو أنّ معاصري عمر كانوا أعلم به ممّن اختلق الرّواية، خصوصا إذا علم أنّ الذين ردّوا عمر هم من قريش، أي مكّة، عرفوه صغيرا وكبيرا!

وعن حيد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن فخلوت به فقلت له: يا أبا سعيد أما ترى ما النّاس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا يحيى، أصلح أمر النّاس أربعة وأفسده اثنان. أمّا الذين أصلحوا أمر النّاس فعمر بن الخطّاب يوم سقيفة بني ساعدة حيث قالت قريش منّا أمير وقالت الأنصار منّا أمير فقال لهم عمر: ألستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الأئمّة من قريش؟ قالوا: بلى. قال: أو لستم تعلمون أنّه أمر أبابكر يصلّي بالناس؟ قالوا: بلى. قال: فأيّكم يتقدّم أبابكر؟ قالوا: لا أحد! فسلّمت لهم الأنصار. ولو لا ما احتجّ به عمر من ذلك لتنازع النّاس هذه الخلافة إلى يوم القيامة..(1) .

أقول:

هذه شهادات المصوّبين وهم يعلمون أنّ تقدّم أبي بكر للصّلاة لم يكن بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كان بأمر من عائشة بنت أبي بكر من غير إذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي أمر بذلك لما خرج يجرّ رجليه وأزاح أبابكر وصلّى بالناس من جلوس. وكيف يأمره بالصّلاة بالنّاس وهو الذي تعجب من وجوه بالمدينة بعد أن جعله واحدا من جند أسامة؟! كان المفروض أن يكون أبوبكر في طريقه إلى مؤتة لا في المدينة. وهذا الكلام من عمر إن صحّ إنّما هو يحلب به حلبا له شطره، يشدّ له أمره اليوم ليردّه إليه غدا. وهو ما حدث فعلا.

عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده نساء من نساء الأنصار يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحك فقال: أضحك الله سنّك يا

____________________

(1) تاريخ دمشق، ج 30 ص 286.

٩٣

رسول الله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب. فقال عمر وأنت أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولم تهبن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قط سالكا فجّا إلاّ سلك غيره(1) .

أقول: نسي واضع هذا الحديث أنّ الله تعالى يقول:( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ ) وبما أنّهم لم ينفضّوا من حوله فلا فظاظة في خلقه الكريم، بل هو على خلق عظيم. بينما كلام الجواري المزعومات فيه (أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، وهذا يقتضي المشاركة وفضل أحد الطريفين! لأنّنا إذا قلنا زيد أعلم من سعيد فهذا يعني أنّ زيدا عالم وسعيدا أيضا عالم، لكنّ علم زيد أكثر من علم سعيد، وهذا شأن كلّ ما فيه صيغة التفضيل أفعل و من. وعليه يكون في كلامهنّ إثبات صفة الفظاظة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يتأتّى مثل هذا الكلام إلاّ ممن أعمى الله بصيرته وأضلّه على علم. وأمّا بخصوص الهيبة فسيمرّ بك لاحقا حوار بين زينب بنت مظعون زوجة عمر بن الخطّاب وبين أبي هريرة بخصوص شرب قدامة بين مظعون الخمر، وفيه تلعن زينب بنت مظعون أبا هريرة بمحضر زوجها عمر بن الخطاب! فأين الهيبة وهي تجلس مع الرّجال في مناقشة أمر لا دخل لها فيها، ولتعن صحابيّا اسمه أبو هريرة؟!

عن حميد عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: دخلت الجنّة فإذا أنا بقصر من ذهب قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشابّ من قريش. فظننت أنّي أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا عمر بن الخطّاب(2) .

عن مكحول عن غضيف بن الحارث رجل من أيلة عن أبي ذرّ قال: سمعت رسول

____________________

(1) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10 - 11.

(2) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10.

٩٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله وضع الحقّ على لسان عمر(1) .

وعن سيار أبي الحكم أنّ أبا بكر لما ثقل أطلع راسه إلى النّاس من كوّة فقال: يا أيّها الناس إنّي قد عهدت عهدا فترضون به؟ فقام النّاس فقالوا: قد رضينا. فقام عليّ فقال: (لا نرضى إلاّ أن يكون عمر بن الخطّاب؛ فكان عمر(2) .

أقول:

كيف يقول عليعليه‌السلام مثل هذا وهو القائل:.. إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم! فمني النّاس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض؛ فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة. حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم! فيا لله وللشّورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر(3) ؟!

وعن عبد الله بن شقيق عن عمرو بن العاص قال: قيل يا رسول الله أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: عائشة! قيل: من الرجال؟ قال: أبو بكر قيل: ثمّ من؟ قال: عمر. قيل ثمّ من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح(4) .

أقول:

هذا الحديث يبطله الحديث الصحيح المتفق عليه في حقّ عليّ عليه السلام: (يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، ولا يتوقّع من عمرو بن العاص الذي كان يلعن عليّا عليه السلام أن يذكره بخير، وكيف لا يمجّد عائشة وهي شريكته في عداوة أهل البيت عليهم السلام؟! على أنّ رواية عمرو بن العاص ههنا ينسفها فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عائشة بنت أبي بكر، فإنّ معظم روايات فضائل خديجة واردة من طريقها، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدرى النّاس بما يثيره

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 353 تحت رقم 31968.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 359 تحت رقم 32020.

(3) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام ج 1 ص 33.

(4) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 459 رقم 6998.

٩٥

تمجيد زوجة سابقة على الزّوجة الحاليّة، فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ عائشة كما يدّعي عمرو بن العاص لما أسمعها ذلك التمجيد لخديجة عليها السلام؛ ثمّ إنّ من الأحاديث المفيدة كون علي وفاطمة عليهما السلام أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو مروي من طريق عائشة نفسها؛ فعن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت: تسألني عن رجل والله ما أعلم رجلا كان أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته(1) .

وهذا الحديث رواه الحاكم أيضا في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(2) . وفي نفس المعنى حديث لعمر بن الخطاب يشهد فيه بنفس ما شهدت به عائشة. فعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمررضي‌الله‌عنه أنّه دخل على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: (يا فاطمة، والله ما رأيت أحدا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك والله ما كان أحد من النّاس بعد أبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ منك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه(3) . بل إنّ عمر بن الخطّاب نفسه يشهد أنّ زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه. فقد رووا أنّ عمر كان يفرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين فقال له عبد الله: فضّلت عليّ أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد! فقال: إنّ أسامة كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك وأباه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك(4) . قال القرطبي بعد ذكر القصّة: ففضّلرضي‌الله‌عنه

____________________

(1) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 139. وج 5 ص 140. وسنن الترمذي ج 5 ص 701 والمعجم الكبير ج 22 ص 403 ومسند أبي يعلى ج 8 ص 270 ومعجم أبي يعلى ج 1 ص 128 وخصائص علي، النسائي ج 1 ص 127 وج 1 ص 128.

(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 167 رقم 4731. وج 3 ص 171.

(3) المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 168 رقم 4736.

(4) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 6 ص 4 وسنن البيقهي الكبرى ج 6 ص 350 وسنن الترمذي ج 5 ص 675 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 453 وج 6 ص 455 والمعجم الأوسط ج 6 ص 356 ومسند أبي يعلى ج 1 ص 148 ومسند أسامة بن زيد ج 1 ص 47 وج 1 ص 49 ومسند البزار ج 1 ص 255 وج 1 ص 409.

٩٦

محبوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على محبوبه(1) .

قال السّيوطي: أخرج البزّار عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر سراج أهل الجنّة. وأخرجه ابن عساكر من حديث أبي هريرة والصّعب بن جثامة(2) .

أقول:

ليس سراجها إبراهيمولا موسى ولا عيسى ولا زكريا ولا داوود ولا الحسن والحسين.. سلام الله عليهم أجمعين، وإنّما سراجها رجل عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، وخرجت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا غاضبة عليه وهي التي يغضب الله لغضبها! ولا يغب عنك أنّ معظم روايات فضائل عمر مروية عن ابن عمر!

عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري، ثمّ أعطيت فضلي عمر بن الخطّاب) قالوا فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم(3) .

أقول:

ولذلك مات لا يعرف الكلالة وقال عن نفسه: كلّ النّاس أفقه من عمر!

وأخرج الترمذي عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه). قال ابن عمر: وما نزل بالنّاس أمر قطّ فقالوا وقال إلاّ نزل القرآن على نحو ما قال عمر(4) .

أقول: وكلّ رواية في فضل عمر من طريق ابن عمر إنّما هي شهادة ولد لأبيه.

____________________

(1) تفسير القرطبي، ج 14 ص 239. والقصة موجودة أيضا في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 645 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 517. وأقول: وهذا القول من عمر محلّ تأمّل، فإنّ فاطمة عليها السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أسامة وابيه ومع ذلك عاملها عمر بما عاملها به!

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 118.

(3) صحيح البخاري، ج 1 ص 43. وج 6 ص 2571 وج 6 ص 2577 و، ج 6 ص 2579 وسنن النسائي الكبرى ج 3 ص 425 وسنن الترمذي ج 5 ص 619 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 108.

(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 117.

٩٧

وأخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحقّ بعدي مع عمر حيث كان(1) .

أقول:

فلماذا هجرته فاطمة عليها السلام؟ وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟! ولماذا خالفه علي بن أبي طالب عليه السلام. أليس عمر نفسه هو الذي يقول: والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ؟! فكيف يقول مثل هذا لو صحّ الحديث؟

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإنّ الله باهي بالنّاس عشيّة عرفة عامّة وباهى بعمر خاصّة! وإنّه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمّته محدّث، وإن يكن في أمّتي منهم أحد فهو عمر! قالوا يا رسول الله كيف محدّث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه(2) .

أقول:

لكنّ الطبرانيّ نفسه روى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن حسين بن علي عن أمّه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشيّة عرفة فقال إنّ الله باهى بكم وغفر لكم عامّة ولعلي خاصّة، وإنّي رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي. هذا جبريل يخبرني أن السّعيد حق السّعيد من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته وإن الشّقيّ كل الشّقيّ من أبغض عليّا في حياته وبعد موته)(3) . كما أورد المتّقي الهندي حديثا فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (وما لي لا أضحك وهذا جبريل يخبرني عن الله عزوجل أنّ الله باهى بي وبعمّي العبّاس وبأخي عليّ بن أبي طالب سكّان الهواء وحملة العرش وأرواح النّبيين وملائكة ستّ سموات

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 119.

(2) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 7 ص 18 ومجمع الزوائد ج 9 ص 69.

(3) المعجم الكبير ج 22 ص 415 رقم 1026.

٩٨

وباهى بأمّتي أهل سماء الدنيا)(1) . وعن ابن عبّاس قال: أمر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المهاجرين والأنصار أن يصفّوا صفّين، ثمّ أخذ بيد عليّ وبيد العبّاس، ثمّ مشى بينهم، ثمّ ضحك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له عليّ: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: إنّ جبريل أخبرني أنّ الله باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السّماوات السبع وباهى بك يا عليّ، وبك يا عبّاس حملة العرش(2) . وبما أنّه لا يمكن الجمع بين الحديثين فلابدّ من توجيه السّهام إلى حديث المباهاة بعليّ عليه السلام ووصمه بأنّه موضوع وتصحيح حديث المباهاة بعمر، وقيل الحمد لله رب العالمين. لكنّ ذلك لا يحلّ المشكلة، لأنّ في سجلّ عليّ عليه السلام ما يباهى به، كالتّوحيد المحض مثلا، فإنّ عليّا عليه السلام لم يشرك بالله طرفة عين، بينما انحنى عمر للأصنام عشرات السّنين، فلا يعقل من العليّ الحكيم أن يباهي من أخلص له العبادة بمن أشرك به الأوثان. وكذلك القول في الجهاد، فإنّ لعليّ عليه السلام صولات وجولات في بدر وأحد وخيبر وحنين، ولعمر بن الخطاب فرار في بعضها وجبن في بعضها الآخر! فلا يعقل أن يباهي الله تعالى الشّجاع الكرّار بالجبان الفرّار بعد أن قال جلّ اسمه( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (3) وقال( وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (4) .

ولقد كانت فاطمة عليها السلام لا تحبّ عمر بن الخطّاب ولا ترتاح إليه، وأخبرت أنّها ستشكوه إلى أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي مع ذلك قطعا في الجنّة، بل سيّدة نساء أهل الجنّة، ولا يدخل الجنّة من يبغضه الله تعالى. فلو كان بغض عمر بغضا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دخلت فاطمة الجنّة وتربّعت على كرسيّ السّيادة فيها. ولقد كان علي عليه السلام لا يخفى

____________________

(1) كنز العمال، ج 11 ص 205 رقم 32133 (ابن عساكر عن علي).

(2) كنز العمال، ج 13 ص 220 رقم 37317. وكتاب العرش ج 1 ص 91 وسمط النجوم العوالي ج 3 ص 58.

(3) الصّف: 4.

(4) الأنفال: 16.

٩٩

موقفه من عمر، وأقواله فيه معلومة في خطبته الشّقشقيّة، وهو مع ذلك يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يشهد بذلك أولياؤه وأعداؤه كما في الصّحيحين وغيرهما(1) .

وعن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدا قطّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حين قبض أحد ولا أجود من عمر(2) .

أقول:

لقد كان من بين الأمور التي برّرت بها بنت عتبة بن ربيعة رفضها الزّواج من عمر أنّه يمنع خيره(3) . وقد اعترف هو بنفسه على المنبر أنّه كان بخيلا. أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن شدّاد قال: كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللّهم إنّي شديد فليّنّي، وإنّي ضعيف فقوّني، وإنّي بخيل فسخّني(4) . فعمر بن الخطاب يقول عن نفسه (إنّي بخيل)، وعبد الله بن عمر يقول عنه (أجود الناس بعد رسول الله)، ولا ريب أنّ أحد القولين مخالف للواقع. وعمر أدرى بنفسه من ابنه.

____________________

(1) حديث أنّ عليا يحبه الله ورسوله في: صحيح البخاري ج 3 ص 1096 وج 4 ص 1542 وصحيح مسلم ج 4 ص 1871 وج 4 ص 1872 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 382، والجمع بين الصحيحين، ج 1 ص 197 وج 1 ص 550، والمستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 143، وج 3 ص 494، وسنن النسائي الكبرى ج 5 ص 46 وج 5 ص 107 وج 5 ص 108 وص 109 وج 5 ص 112 وج 5 ص 144 وج 5 ص 173 وج 5 ص 178 وسنن ابن ماجه ج 1 ص 43 وسنن البيهقي الكبرى ج 9 ص 131 وسن الترمذي ج 4 ص 106 وج 4 ص 310 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 59 والمعجم الكبير ج 7 ص 13 و، ج 7 ص 17، وج 7 ص 77 وج 18 ص 238 ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 99، وج 1 ص 185 وج 5 ص 333 وج 5 ص 358 ومسند البزار ج 2 ص 136 وج 3 ص 22 و ج 3 ص 281 ومسند ابن أبي شيبة، ج 1 ص 96.

(2) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 273 وتاريخ الإسلام، الذهبي، ج 3 ص 266 والصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، ج 1 ص 283 وتاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 120.

(3) خطب [عمر] أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره يدخل عابسا ويخرج عابسا. [الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3 ص 55 وتاريخ الطبري ج 5 ص 17].

(4) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 3 ص 274 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 65 وج 7 ص 256 تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 139، وكنز العمال، ج 5 ص 273 والصواعق المحرقة، ج 1 ص 256 وسمط النجوم العوالي، ج 2 ص 468 وصفة الصفوة، ج 1 ص 280.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294