الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية20%

الصحيفة الصادقية مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 294

الصحيفة الصادقية
  • البداية
  • السابق
  • 294 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174358 / تحميل: 8818
الحجم الحجم الحجم
الصحيفة الصادقية

الصحيفة الصادقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

إستجابة الدعاء :

أدلى الامام الصادقعليه‌السلام ، بكوكبة من الاحاديث ، أعرب فيها ، عن الاسباب الموجبة لاستجابة الدعاء ، وهذه بعضها :

أ ـ الاقبال على الله :

من أهم الاسباب في استجابة الدعاء ، أن يقبل الداعي على الله تعالى بقلبه ، وأن لا يكون دعاؤه بلسانه ، وقلبه مشغولا بشؤون الدنيا ، وقد أعلن الامام الصادقعليه‌السلام ذلك بقوله :

« إن الله عزوجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه. فإذا دعوت فاقبل بقلبك ، ثم استيقن الاجابة »(١) .

وقالعليه‌السلام لبعض اصحابه :

« إذا دعوت فاقبل بقلبك ، وظن حاجتك بالباب »(٢) .

إن اتجاه الانسان بقلبه وعواطفه ، في حال دعائه ، شرط أساسي ، في نجاح دعائه.

ب ـ التضرع إلى الله

من الشروط في إجابة الدعاء : إبتهال الداعي ، وتضرعه أمام الله تعالى ، وقد ذم الله الذين لا يتضرعون إليه ، قال تعالى : «ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ».(٣) وقد سئل الامام الصادقعليه‌السلام ، عن كيفية الابتهال إلى الله في أثناء الدعاء ، فقال : الابتهال رفع

__________________

١ ـ اصول الكافي.

٢ ـ اصول الكافي.

٣ ـ سورة المؤمنين ـ آية ٧٥.

٢١

اليدين ، ومدهما وذلك عند الدمعة ، ثم أدع.(١) .

جـ ـ الثناء على الله :

وينبغي للداعي ، قبل أن يشرع في دعائه ، أن يمجد الله ، ويذكر الطافه ، ونعمه عليه ، ثم بعد ذلك يدعو ، وقد أثرت عن الامام الصادقعليه‌السلام ، في ذلك ، مجموعة من الاحاديث منها :

١ ـ قال عليه‌السلام : إذا طلب أحدكم الحاجة ، فليثن على ربه ، وليمدحه ، فان الرجل ، إذا طلب الحاجة من السلطان ، هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه ، فإذا طلبتم الحاجة ، فمجدوا الله العزيز الجبار ، وامدحوه ، وأثنوا عليه تقول :

« يا أجْوَدَ مَنْ أعْطَى ، وياخَيْرَ مَنْ سُئِلَ ، يا أَرْحَمَ مَنْ استًرْحِمَ ، يا أَحَدُ ، يا صَمَدُ ، يا مَنْ لم يَلِدْ ، ولم يُولَدْ ، ولم يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، يا مَنْ لم يَتَّخِدْ صَاحبةً ولا وَلَداً ، يا مَنْ يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ، وَيَحْكُمُ ما يُرِيد ، وَيَقْضِي ما أَحَب ، يا مَنْ يَحُولُ بَبْنَ المَرءِ وَقلْبِهِ ، يا مَنْ هُوَ بالمنْظَرِ الأعلََى ، يا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، يا سَمِيعُ يا بَصِيرُ.

ثم أوصى الامام ، بالاكثار من ذكر أسماء الله تعالى ، والصلاة على النبي وآله ، وبعد ذلك أمر بالقول :

اَلْلّهُمَ ، أَوسِعْ عَلَيَّ مِن رِزْقِكِ الحَلاَلِ ، ما أَكُفُّ بِهِ وَجْهِي ، وأَؤدي بِهِ أَمانَتي ، وَأَصِلُ بِهِ رَحِمي ، وَيَكُونُ عَوْناً لي في الحَجِّ وَالعُمْرَةِ »(٢) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٥.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٤.

٢٢

٢ ـ قال عليه‌السلام : « اياكم ، إذا أراد أحدكم ، أن يسأل ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة ، حتى يبدأ بالثناء على الله عزوجل ، والمدح له ، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يسأل الله حوائجه »(١) .

٣ ـ روى الفقيه الكبير محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إن في كتاب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام : ان المدحة قبل المسألة ، فإذا دعوت الله عزوجل فمجده ، قلت : كيف أمجده؟ قال : تقول :

« يَاَ مَنْ هُوَ أَقرَبُ إليَّ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ ، يا فَعَّالاً لِمَا يُرِيدُ ، يا مَنْ يَحُولُ بَين المَرْءِ وَقَلْبِهِ ، ويا مَنْ هُوَ بالمَنْظَرِ الاَعْلى ، يا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيْءٌ »(٢) .

٤ ـ قال عليه‌السلام : « إذا إردت أن تدعو فمجد الله عزوجل ، وأحمده ، وسبحه ، وهلله ، وأثن عليه ، وصلى على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم سل تعط »(٣) .

د ـ الالحاح في الدعاء :

من الامور ، التي لها الاثر في إجابة الدعاء ، الالحاح في الدعاء ، وكثرة السؤال من الله وقد أعلن ذلك الامام الصادقعليه‌السلام بقوله :

« إن الله عزوجل ، كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، وأحب ذلك لنفسه ، إن الله عزوجل يحب أن يسأل ، ويطلب ما عنده »(٤) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٥.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٥.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٧.

٤ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٥.

٢٣

هـ ـ اجتماع المسلمين :

من الاسباب المؤدية لاستجابة الدعاء ، إجتماع المسلمين في دعائهم ، وتضرعهم إلى الله تعالى ، وقد أعلن ذلك الامام الصادقعليه‌السلام بقوله :

« ما من رهط أربعين رجلا ، إجتمعوا فدعوا الله عزوجل في أمر ، إلا إستجاب لهم ، فان لم يكونوا أربعين فأربعة ، يدعون الله عزوجل ، عشر مرات ، إلا استجاب لهم ، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرة ، فيستجيب الله العزيز الجبار له »(١) إن إجتماع المسلمين له موضوعية في نجاح الدعاء واستجابته ، وقد أكد الامام الصادقعليه‌السلام ذلك ، في كثير من أحاديثه ، وقد قال : كان أبي ، إذا أحزنه أمر ، جمع النساء والصبيان ، ثم دعا ، وأمنوا(٢) .

و ـ الصلاة على النبي وآله :

وأعلن الامام الصادقعليه‌السلام ، أن من موجبات إستجابة الدعاء ، ونجاحه ، الصلاة على النبي وآله ، قالعليه‌السلام :

« لا يزال الدعاء محجوبا ، حتى يصلي على محمد وآل محمد. »(٣) .

وقالعليه‌السلام : من دعا ولم يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رفرف الدعاء على رأسه ، فإذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رفع الدعاء(٤) لقد جعل الله تعالى الصلاة على نبيه العظيم ، من الوسائل الفعالة ، في استجابة الدعاء.

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٧.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٨٧.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٩١.

٤ ـ اصول الكافي : ٢ / ٤٩١.

٢٤

ز ـ تسمية الحاجة :

وينبغي للداعي ، أن يذكر حاجته ، في إطار دعائه ، قال الامام الصادقعليه‌السلام : « إن الله تبارك وتعالى ، يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسم حاجتك »(١) .

ح ـ أوقات الدعاء :

وأدلى الامام الصادقعليه‌السلام ، بمجموعة من الاحاديث ، عن الاوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء ، وهي :

١ ـ قال عليه‌السلام : « أطلبوا الدعاء ، في أربع ساعات : عند هبوب الرياح ، وزوال الافياء(٢) ، ونزول القطر ، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن ، فان أبواب السماء تفتح ، عند هذه الاشياء(٣) .

٢ ـ قال عليه‌السلام : يستجاب الدعاء في أربعة مواطن : في الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وبعد المغرب(٤) .

٣ ـ قال عليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إغتنموا الدعاء عند أربع : عند قراءة القرآن ، وعند الاذان ، وعند نزول الغيث ، وعند إلتقاء الصفين للشهادة(٥) .

٤ ـ قال عليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير وقت دعوتم الله عزوجل فيه الاسحار ، وتلا هذه الآية في قول يعقوب : «سوف

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٦.

٢ ـ الافياء : جمع فيئ وهو رجوع الظل.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤ ٧٧.

٤ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٧.

٥ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٧.

٢٥

أستغفر لكم ربي » قال : « أخرهم إلى السحر »(١) .

٥ ـ قال عليه‌السلام : كان أبي ، أذا طلب الحاجة ، طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك ، قدم شيئا فتصدق به ، وشم شيئا من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا في حاجته بما شاء الله(٢) .

٦ ـ قال عليه‌السلام : « إن في الليل لساعة ، ما يوافقها عبد مسلم ، ثم يصلي ، ويدعو الله عزوجل فيها ، إلا استجاب له في كل ليلة ، فقال عمر بن أذينة : أصلحك الله ، وأي ساعة هي من الليل؟ قالعليه‌السلام : إذا مضى نصف الليل ، وهي السدس الاول من أول النصف(٣) .

٧ ـ روى عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة. قال : ما بين فراغ الامام من الخطبة ، إلى أن تستوي الصفوف بالناس ، وساعة أخرى من آخر النهار ، إلى غروب الشمس(٤) .

هذه هي الاوقات ، التي يؤمل فيها استجابة الدعاء ، فينبغي للداعي مراعاتها.

الدعاء للاخوان :

وحث الامام الصادقعليه‌السلام على الدعاء للاخوان ، بظهر الغيب ، لان في ذلك إيجادا للتضامن الاسلامي ، ونشرا للمودة والمحبة بين المسلمين ، قالعليه‌السلام : « دعاء المرء لاخيه ، بظهر الغيب ، يدر

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٧.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٧.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٤٧٨.

٤ ـ مصباح المتهجدين ( ص ٢٥٤ ).

٢٦

الرزق ، ويدفع المكروه »(١) .

وحكى الامامعليه‌السلام لاصحابه ، ما قاله جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في فضل دعاء المسلم ، لاخوانه المسلمين. قالعليه‌السلام :

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات ، إلا رد الله عزوجل عليه ، مثل الذي دعا لهم به ، من كل مؤمن ومؤمنة ، مضى من أول الدهر ، أو هو آت إلى يوم القيامة ، إن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب ، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا رب ، هذا الذي كان يدعو لنا ، فشفعنا فيه ، فيشفعهم الله عزوجل فيه ، فينجو »(٢) .

دعوات مستجابة :

وأدلى الامام الصادقعليه‌السلام ، في بعض أحاديثه ، عن الدعوات المستجابة وفي ما يلي ذلك :

١ ـ قال عليه‌السلام : كان أبي يقول :« خمس دعوات ، لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى : دعوة الامام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول الله عز وجل : « لانتقمن لك ، ولو بعد حين » ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لاخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله »(٣) .

٢ ـ قال عليه‌السلام : كان أبي يقول : إتقوا الظلم ، فان دعوة المظلوم تصعد إلى السماء(٤) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٤ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٢٧

٣ ـ قال عليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربعة لا ترد لهم دعوة ، حتى تفتح لهم أبواب السماء ، أو يصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ، والصائم حتى يفطر(١) .

٤ ـ قال عليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب(٢) .

٥ ـ قال عليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إياكم ، ودعوة المظلوم ، فانها ترفع فوق السحاب ، حتى ينظر الله عزوجل إليها ، فيقول : إدفعوها حتى استجيب له ، وإياكم ودعوة الوالد فإنها أحد من السيف(٣) .

٦ ـ قال عليه‌السلام : ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج ، فانظروا كيف تخلفونه ، والغازي في سبيل الله ، فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض ، فلا تغيظوه ولا يضجروه(٤) .

هؤلاء هم الاصناف الذين يستجيب الله دعاءهم ، وقد أكد الامامعليه‌السلام ، بصورة خاصة ، على دعوة المظلوم الذي لا يجد ناصرا إلا الله ، فإنها لا ترد ، وإن الله تعالى لابد أن ينتقم من ظالمه ولو بعد حين.

دعوات لا تستجاب :

وأعلن الامام الصادقعليه‌السلام ، في بعض أحاديثه ، عن الاشخاص الذين لا يستجاب دعاؤهم ، وهم.

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٣ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٠٩.

٤ ـ اصول الكافي ٢ / ٥١٠.

٢٨

أ ـ : قال عليه‌السلام : أربعة لا تستجاب لهم دعوة :

رجل جالس في بيته. يقول : الهم ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب؟

ورجل كانت له امرأة فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك؟

ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول :

اللهم ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم آمرك بالاصلاح؟

ثم تلا قوله تعالى : «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولن يقتروا وكان بين ذلك قواما »(١) ورجل كان له مال ، أدانه بغير بينة ، فيقال له ألم آمرك بالشهادة؟(٢) .

ب ـ قال عليه‌السلام : ثلاثة ترد عليهم دعوتهم : رجل رزقه الله مالا فأنفقه في غير وجهه ، ثم قال : يا رب ارزقني. فيقال له : ألم أرزقك؟ ورجل دعا على امرأته ، وهو لها ظالم ، فيقال له : ألم أجعل أمرها بيدك؟ ورجل جالس في بيته ، وقال : يا رب ارزقني ، فيقال له : الم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق؟(٣) .

وحكت هذه الاحاديث ، بعض المعالم في الاقتصاد الاسلامي ، فقد دعت إلى العمل ، الذي هو الركيزة الاولى في تنمية اقتصاد الامة ، وازدهار الرخاء فيها ، كما نهت عن الكسل والخمول ، وان الله تعالى ، لا يستجيب دعاء العاطلين عن العمل ، مع قدرتهم عليه ، وفي ذلك دعوة خلاقة إلى

____________

١ ـ سورة الفرقان ـ آية ٦٧.

٢ ـ اصول الكافي ٢ / ٥١١ ، وفريب منه في كنز الفوائد ( ص ٢٩١ ).

٣ ـ اصول الكافي ١ / ٥١١.

٢٩

العمل ، وعدم تجميد طاقة الانسان ، وهو من الاسس القويمة في بناء الاقتصاد العالمي.

ومنعت هذه الاحاديث ، تبذير المال ، والاسراف في إنفاقه فإنهما الاساس في فقر الفرد ، وانهيار ثروته.

وبهذا ينتهي بنا المطاف حول بعض أحاديث الامامعليه‌السلام ، التي القت الاضواء على الدعاء ، وبينت مدى أهميته البالغة في قضاء مهمات الناس.

٣٠

القسم الاول : من أدعيته في الصباح والمساء

٣١
٣٢

أما أدعية الامام الصادقعليه‌السلام ، فإنها تكشف جانبا مشرقا ، من روحانيته المقدسة ، وتدلل على إنابته ، وانقطاعه إلى الله ، في جميع شؤونه وأموره وكان يجد في دعائه مع الله ، متعة روحية لا تعادلها أية متعة ، من متع الحياة ، ونعرض في هذا المقطع بعض أدعيته ، وفي ما يلي ذلك :

١ ـ أدعيته في الصباح والمساء :

أثرت عن الامام الصادقعليه‌السلام ، كوكبة من الادعية الجليلة ، كان يدعو بها في صباحه ومسائه ، وهذه بعضها :

أ ـ روى فرات بن حمزة ، هذا الدعاء الجليل ، عن الامامعليه‌السلام ، وقد أوصاه بالمواظبة عليه ، وهذا نصه :

« اَللَّهُمَّ ، إني أَصْبَحْتُ أَسْتَغْفِرُكَ في هَذَا الصَّبَاحِ ، وَفي هَذَا اليَوْمِ ، وَأَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ أَهْلِ لَعْنَتِكَ. اَلْلّهُمَّ ، إني أَصْبَحْتُ أَبْرَأُ إلَيْكَ في هَذَا اليَوْمِ وَفي هَذَا الصَّبَاحِ ، مِمَّنْ نَحْنُ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ، وَمِمَّا كَانُوا يَعْبدُونَ ، إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ.

اَلّلُهَّم ، إجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ مِنَ السَّمَاءِ إلى اَلَأرْضِ ، في هَذَا

٣٣

الصَّبَاحِ ، وَفي هَذَا اليَوْمِ ، بَرَكَةً على أَوْليَائِكَ ، وَعِقَاباً عَلى أَعْدَائِكَ ، اَلّلهُمَّ ، وَالِ مَنْ وَالاَكَ ، وعَادِ مَنْ عَاَدَاكَ ، اللّهُمَّ ، أُختمْ لي بِالامنِ وَاَلايمَان ، كُلَّمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ أَوْ غَرُبَتْ ، اللّهُمَ ، اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ ، وَارْحَمْهُمَا ، كَمَا رَبَّيّاني صَغِيراً. اللّهُمَّ ، أغْفِرْ لِلمُؤْمِنينَ وَاَلمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمينَ وَاَلْمُسْلِمَات ، اَلاحيَاءِ مِنْهُمْ وَاَلَامْوَاتِ ، اللّهُمَّ ، إنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَهُمْ وَمَثْوَاهُمْ.

اَلْلَّهُمَّ ، إحْفَظْ إمَامَ المُسلِمينَ ، بِحِفْظِ الايمَانِ ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً ، وافتَحْ لَهُ فَتحاً يَسيرَاً ، واَجْعَلْ لَهُ وَلَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً اللّهُمَّ إلْعَنْ وَالفِرَقَ المُخْتَلِفَةَ على رَسولِكَ ، وَوُلاِةِِ اَلامْرِ بَعْدَ رَسولِكَ واَلَائِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَشِيعتِهِمْ ، وَأَسْأَلُكَ اَلْزِّيَادَةَ مِنْ فَضْلِكَ ، واَلاقْرَارَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ ، وَالتَسْلِيمَ لأمْرِكَ ، وَالمْحَافَظَةَ لِمَا أَمَرْتَ بِهِ ، لا أَبْتَغِي بِهِ بَدَلاً ، ولا أَشْتَرِي بِهِ ثَمناً قليلاً.

اَلْلّهُمَّ ، إهدِنِي فِيمنْ هَدَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَي عَلَيْكَ ، وَلا يُذَلُ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ وتَعالَيْتَ ، سُبحَانَكَ رَبَّ البَيْتِ ، تَقَبَّلْ مِني دُعَائي ، وَمَا تَقَّربْتُ بِهِ إليْكَ ، فَضَاعِفْهُ لي أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً كَثيِرَةً ، وَآتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ، وَأَجْراً عَظِيماً ، رَبِّ ، ما أَحْسَنَ ما ابْتَلَيْتَنِي ، وَأَعَظَمَ مَا أَعْطَيْتَني ، وأَطوَلَ مَا عَافَيْتَني ، وَأكْثَرَ مَا سَتَرْتَ عَليَّ فَلَكَ اَلْحمْدُ يا إلهي ، كَثيراً طَيِّباً مُبَارَكاً عَلَيْهِ ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ ، وَمِلْءَ اَلَأرْضِ وَمِلْءَ مَا شَاَء رَبِّي كَما يُحبُ وَيَرْضَى ، وَكَما يَنْبَغِي لِوَجْهِ رَبِّي ذَي الجَلالِ وَالإكْرَامِ »(١) .

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٣٠.

٣٤

حكى المقطع الاول من دعاء الامامعليه‌السلام ، براءته من المشركين ، الذين يعبدون غير الله. كما حكى عن نقمته البالغة ، على أئمة الظلم والجور في عصره ، الذين سلبوا حرية الامة ، ونهبوا ثرواتها ، واستبدوا في شؤونها ، فقد دعا عليهم بالهلاك والدمار ، لانقاذ المجتمع الاسلامي ، من ظلمهم وجورهم كما دعا لائمة الهدى بالنصر والفتح ، وهم الذين يشيعون العدل بين الناس ، وهذا الدعاء ، من الادعية السياسية ، التي كان يدعو بها الامام ، لاقرار الامن والرخاء بين الناس.

وختم الامام دعاءه ، بالدعاء لنفسه ، ملجئا جميع أموره إلى الله تعالى ، طالبا منه ، أن يضاعف له الخير ، وأن يسدي إليه بنعمه وألطافه.

ب ـ طلب صفوان من الامام الصادقعليه‌السلام ، أن يزوده بدعاء ، يقرأه في الصباح والمساء ، ليتسلح به من طوارق الزمان ، فعلمه الامامعليه‌السلام هذا الدعاء :

« اَلْحَمْدُ للِه ، الذي يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ، وَلا يَفْعَلُ ما يَشَاءُ غَيْرُهُ ، اَلْحَمْدُ للِه ، كَمَا يُحبُّ الله أَنْ يُحْمَدَ ، اَلْحَمْدُ للِه كَمَا هُوَ أَهْلُهُ ، اَلْلَّهُمَّ ، أدخِلّني في كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فيه مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ وَأََخْرجْني مِنْ كُلِّ سُوءٍ أخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ ، وَصَلَّى اَلله على مُحَمَّدٍ وَآلَ مُحَمَّدٍ »(١) .

أناط هذا الدعاء الشريف ، جميع الامور ، بقدرة الله ومشيئته ، فهو وحده يفعل ما يشاء ، ولا يشاركه أحد في ذلك ، فالحمد والمجد له ، لا لغيره تبارك وتعالى ، وطلب الامام في هذا الدعاء من الله ، أن يفيض عليه من كل خير أفاضه على نبيه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن ينقذه من كل سوء أنقذ منه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله ، وما أثمن هذا الطلب وأجله!

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٢٩.

٣٥

ج ـ ومن الادعية الجليلة التي كان يدعو بها الامامعليه‌السلام ، في الصباح هذا الدعاء :

« الحمد لله الذي أصبحنا ، والملك له ، وأصبحت عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك في قبضتك ، اللهم ، ارزقني من فضلك رزقا من حيث احتسب ، ومن حيث لا أحتسب ، واحفظني من حيث أحتفظ ومن حيث لا أحتفظ.

اللّهُمَّ ، ارْزُقْني مِنْ فَضْلِكَ ، وَلا تَجْعَلْ لي حَاجَةً ، إلى أَحَدٍ منْ خَلْقِكَ ، اللّهُمَّ ، ألبِسْني العَافِيَةَ ، وَارْزُقْني عَلَيْهِا اَلْشُكْرَ ، يا وَاحِدُ ، يا أَحَدُ يا صَمَدُ ، يا اللهُ الذي لَمْ يَلِدْ ، ولَمْ يُولَدْ ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ ، يا اللهُ يا رَحْمنُ يا رِحِيمُ ، يا مَالِكَ المُلْكِ ، وَرَبَّ الأرْبَابِ ، وَسَيِّدَ السَادَاتِ ، يا الله لا إلهَ إلَّا أنْتَ ، إشْفِني بِشِفَائِكَ ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَسُقْمٍ ، فَإني عَبْدُكَ ، وَأبْنُ عَبْدِكَ ، أتَقَلَّبُ في قَبْضَتِكَ »(١) .

وحكى هذا الدعاء ، إقرار الامامعليه‌السلام ، بالعبودية المطلقة لله تعالى ، الملك العدل ، الذي بيده جميع مجريات الاحداث ، كما حكى إنقطاع الامام ، والتجاءه إلى الله في جميع أموره ، التي منها رزقه وحفظه وعافيته.

د ـ ومن أدعية الامام الجليلة هذا الدعاء ، وكان يدعو به في الصباح ، وقد رواه الفقيه الثقة ، معاوية بن عمار ، وهذا نصه :

« اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ ، أَحْمَدُكَ ، وأَسْتَعِيُنكَ ، وَأَنْتَ رَبيِّ ، وَأَنا عَبْدُكَ ، أَصْبَحْتُ على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ، أو منُ بِوَعْدِكَ ، وَأوفي بِعَهْدِكَ ما

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٢٩.

٣٦

اسْتَطَعْتُ ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا باللهِ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَصْبَحْتُ على فِطْرَةِ الإسْلامِ ، وَكَلِمَةِ الإخلاصِ ، وَمِلَّةَ إبْرَاهيمَ ، وَدِينِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على ذلِكَ أحْيَا وَأَموتُ ، إنْ شَاءَ اللهُ

اللّهُمَّ ، أَحْيِنِي ما أحْيَيْتَني بِهِ ، وَأَمِتْني إذَا أمَتَّني على ذلِكَ ، وابْعَثْني إذا بَعَثْتَني على ذلِكَ ، أَبْتَغِي بِذلِكَ رِضْوَانَكَ ، وَاتِباع سَبيلِكَ ، إلَيْكَ ألْجَأتُ ظَهْري ، وَإلََيْكَ فَوَّضْتُ أمري ، آلُ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَئِمَّتي لَيْسَ لِي أَئِمَةٌ غَيْرَهمْ ، بِهِمْ أَئْتَمُّ ، وَإيَاهُمْ أَتَوَلَّى ، وَبِهِمْ أَقْتَدِي ، اللّهُمَّ إجْعَلْهمْ إوليائي في الدُّنْيا وَاَلآخِرَةِ ، وَاجْعَلْني أُوَالي أَوْلِيَاءَهُمْ ، وَأُعَادي أَعْدَاءَهُمْ ، في الدُّنْيا والآخِرَةِ ، وَأَلْحِقْني بالصَّالِحين وَآبائي مَعَهُمْ »(١) .

ولقد أعرب الامامعليه‌السلام ، في هذا الدعاء ، عن التزامه الكامل بحرفية الاسلام ، من الوفاء بعهد الله ، ووعده ، والشهادة له بالواحدانية ، والايمان برسالة رسوله العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي غير مجرى الحياة ، وأضاءها برسالته المشرقة ، كما أعرب الامامعليه‌السلام ، عن تفويض جميع أموره ، وشؤونه إلى الله ، وتمسكه الوثيق بأئمة الهدى ، من آبائه الذين هم سفن النجاة ، وأمن العباد ، وفي ذلك ارشاد إلى المسلمين بضرورة ولائهم ، والاخلاص لهم في المودة.

ه‍ : ـ وكان الامام الصادقعليه‌السلام ، يدعو بهذا الدعاء الجليل ، إذا إنبثق نور الصبح ، وهذا نصه بعد البسملة :

« أصْبَحْتُ بِالله مُمْتَنِعاً ، وَبِعِزَّتِهِ مُحْتَجِباً ، وَبِأَسْمَائِهِ عَائِذاً ، مِنْ شَرِّ

__________________

١ ـ اصول الكافي ٢ / ٥٣٣.

٣٧

الشيْطَانِ وَالسُّلْطَانِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَاَبَّةٍ ، رَبِّي أَخِذٌ بِنَاَصِيَتِهَا ، إنَّ رَبِّي على صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَوْا فَقُلْ : حَسْبِيَ اللهُ ، لا إلهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ ، فَسَيَكْفيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ ، اللهُ خَيْرٌ خَبِيْرٍ حَافِظاً ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ، إنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّموَاتِ وَاَلأرْضَ أَنْ تَزُولَا ، وَلَئِنْ زَالَتا ، إنْ أمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، إنَّهُ كَاَنَ حَليماً غَفُوراً.

اَلْحَمْدُ للهِ ، الذي أَذْهَبَ اللَّيْلَ بِقُدْرَتِهِ ، وَجَاءَ بِالنَّهَارِ بِرَحْمَتِهِ ، خَلْقاً جَدِيداً ، وَنَحْنُ في عَافِيَةٍ ، بِمَنِّهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ ، مَرْحَباً بِالحَافِظِينَ ،

وكان يلتفت عن يمينه ، ويقول : حياكما الله من كاتبين ، ثم يلتفت عن شماله ، ويقول : أكتبا رحمكما الله :

بِسْمِ اللهِ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ، عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَشْهدُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيةٌ لا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ ، على ذلِكَ أَحْيَا وَعَلَيْهِ أَمُوتُ ، وَعَلَيْهِ أُبْعَثُ إنْ شَاءَ اللهُ ، أَقْرِئَا مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِني السَّلامُ.

أصْبَحْتُ في جِوَارِ الله ، الذي لا يُضَامُ ، وَفي كَنَفِ اللهِ ، الذي لا يُرَامُ ، وَفي سُلْطَانِهِ الذي لا يُسْتَطَاعُ ، وفي ذِمَّةِ الله التي لا تُخْفَرُ ، وَفي عِزَّ الله الذي لا يُقْهَرُ ، وفي حَرَمِ الله المَنيعِ ، وَفي وَدَايِعِ اللهِ التي لا تَضِيعُ ، وَمَنْ أَصْبَحَ للهِ جَاراً فَهُوَ آمِنُ مَحْفوظً.

أَصْبَحْتُ وَاْلمُلْكُ والمَلَكُوتُ ، وَالعَظَمَةُ وَالجَبَروتُ ، وَالجَلالُ وَاَلاكْرَامُ ، والنَّقْضُ وَالابْرَامُ ، وَالعِزَّةُ وَالسُّلْطَانُ ، وَالحُجَّةُ وَالبُرْهَانُ ،

٣٨

وَالكِبْرِيَاءُ وَالرُّبُوبَيَّةُ ، وَالقُدْرَةُ ، وَالهَيْبَةُ ، وَالمِنْعَةُ ، وَالسَّطْوَةُ ، وَالرَّأْفَةُ وَالرَّحْمَةُ ، وَالعَفْوُ وَالعَافِيَةُ ، وَالسَّلَامَةُ ، وَالطَّولُ وَالآلآءُ ، وَالفَضْلُ وَالنَّعْمَاءُ ، وَالنُورُ وَالضِيَاءُ ، وَالَامْنُ ، وَخَزائِنُ الدُّنْيا وَالآخِرةِ ، لله رَبِّ العَالَمينَ الوَاحِدِ ، القَهَّارِ ، المَلِكِ الجَبَّارِ ، العَزِيزِ الغَفَّارِ.

أَصْحَبْتُ لا أُشْرِكُ بِاللهِ ، وَلا أتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلياً ، وَلا أَدْعو مَعَهُ إلهاً ، إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، اللهُ ربّي حَقّاً ، لا أُشرِك بِالله شَيْئاً ، الله أعَزُّ وَأَكْبَرُ ، وَأَعْلى وَأقْدَرُ ، مِما أَخَافُ وَأَحْذَرُ وَلا حوْلَ وَلا قُوَةَ إلَّا بِاللهِ العَليِّ العَظِيم.

اللّهُمَّ ، كَمَا أذْهَبْتَ بِاللَّيْلِ ، وَأَقْبَلتَ بِالنَّهَاَرِ ، خَلْقَاً جَديداً مِنْ خَلْقِكَ ، وآيةً بَيِنَهً مِنْ آيِاتِكَ ، فَصَلِّ على مْحَمَّدٍ ، وَأذْهِبْ عَنَّي كُلَّ غَمٍّ وَهَمٍّ ، وَحُزْنٍ وَمَكرْوهٍ ، وَبَلِيَّةٍ وَمِحْنَةٍ ، وَمُلِمَّةٍ ، وَأقْبِلْ إليَّ بِالعَافِيَةِ ، وَأمْنُنْ عليَّ بِالرَّحْمَةِ ، وَالعَفْوِ وَالتَّوْبَةِ ، وَادْفَع عَني كُلَّ مَعَرَّةٍ وَمَضَرَّةٍ ، بِحَوْلِكَ ، وَقُوَّتِكَ ، وَجُودِكَ ، وَكَرَمِكَ ، أعوذُ بالله ، بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ ، وَرُسُلُهُ ، مِنْ شَرِّ هَذَا اليَومِ ، وَما يَأتي بَعْدَهُ ، وَمِنَ الشيْطَانِ وَالسُّلطَانِ ، وَرُكوب الحَرَامِ وَالآثَامِ ، وَمِنْ شَرِّ السَامَّةِ والهَامَّةِ ، وَالعَيْنِ اَلْلَّامَّةِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابةٍ ، رَبِّي آخِذٌ بَنَاصِيَتِهَا ، إنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ ، أعوذُ بالله ، وَبِكَلِمَاتِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَحَوْلهِ وَقُوَّتِهِ ، وَقُدْرَتِهِ مِنْ غَضَبِِهِ وَسُخْطِهِ وَعِقَابِهِ ، وَأَخْذَهِ وَبَأْسِهِ ، وَسَطْوَتِهِ وَنَقْمَتِهِ ، مِنْ جَميعِ مَكَارِهِ الدُّنْيا وَالآخِرَة ، وامْتَنَعتُ بِحَوْلِ الله وَقُوَّتِهِ ، مِنْ حَوْلِ خَلْقِهِ جَميعاً ، وقُوَّتهمْ ، وَبِرَبِّ اَلفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذا وَقَبَ ، وَمنْ شَرِّ النفَّاثَاتِ في العُقَدِ ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذا حَسَدَ ، وَبِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إلهِ النَّاسِ ، مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ ، الخَنَّاسِ ،

٣٩

الذي يُوَسْوِسُ في صُدورِ النَّاس ، مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ ، فَإنْ تَوَلَّوا فَقُل : حَسْبِيَ اللهُ ، لا إله إلا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيم ،

بِالله أَسْتَفْتِحُ ، وَبِالله اَسْتَنْجِحُ ، وَعلى اللهِ أَتَوَكَّلُ ، وَبِاللهِ اَعْتَصِمُ ، وَأسْتَعينُ ، وَأسْتَجيرُ ، بَسْمِ اللهِ خَيْرِ الَاسْماءِ ، بِسْمِ اللهِ ، الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الارْض ، وَلا في السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ ، رَبّي إني تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ ، رَبِّي إنّي فَوَّضْتُ أَمْري إلَيْكَ ، رَبِّي إنّي ألْجَاْتُ ضَعْفَ رُكْني إلى قُوَّةٍ رُكْنِكَ ، مستعيناً بِكَ على ذَوي التَعَزُّزِ عَلىَّ ، وَالقَهْرِ لي ، وَالقُدْرَةِ على ضَيْمي ، والاقْدَامِ على ظُلْمي ، أَنا وَأْهلي وَوَلَدي في جوارِكَ ، وَكَنَفِكَ ، رَبِّ ، لا ضَعْفَ مَعَكَ ، وَلا ضَيْمَ على جَارِكَ ، رَبِّ ، فاقْهَرْ قَاهِري بِعِزَّتِكَ ، وَأوهِنْ مُسْتَوْهِني بِقُدْرَتِكَ ، وَاقْصِمْ ضَائِمي بِبَطْشِكَ ، وَخُذْ لي مِنْ ظَالمي بِعَدْلِكَ ، وَأَعِذْني مِنْهُ بِعِيَاذِكَ ، وَأَسْبِلْ عليَّ سِتْرَكَ ، فَإنَّ مَنْ سَتَرْتَهُ آمِنٌ مَحْفُوظٌ ، وَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَليّ العَظيمِ.

يَا حَسَنَ البَلاءِ ، يا إلهَ مَنْ في الَارْض ، وَمَنْ في السَّماءِ ، يا مَنْ لا غِنى لِشَيْءٍ عَنْهُ ، وَلا بُدَّ لِشَيْءٍ مِنْهُ ، يا مَنْ مَصيرُ كُلِّ شَيْءٍ إليهِ ، وَوُرُودُهُ إليهِ ، وَرِزْقُهُ عَلَيْهِ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَتِوَلَّني ، وَلا تَولِني أَحَداً مِنْ شِرَارِ خَلْقِكَ ، كَمَا خَلَقْتَني ، وَغَذيْتَني ، وَرَحِمْتَني ، فَلا تُضَيِّعْني ، يا مَنْ جودُهُ وَسِيلَةُ كُلِ سَائِلٍ ، وَكَرَمُهُ شَفيعُ كُلِّ آمِلٍ ، يا مَنْ هُوَ بالجودِ مَوْصوفٌ ، إرْحَمْ مَنْ هُوَ بِاْلإِسَاءَة مَعْروفٌ ، يا كَنْزَ الفُقَرَاءِ ، يا مُعِينَ الضُعَفَاءِ.

اللّهُمَّ : إنّي أدْعوكَ ، لِهَمّ لا يُفَرِّجْهُ غَيرُكَ ، وَلِرَحْمَةٍ ، لا تُنَالُ إلَّا مِنْكَ ، وَلِحَاجَةٍ لا يَقْضيهِِا إلَّا أَنْتَ ، اللّهُمَّ كَمَا كَانَ مِنْ شَأنِكَ ، ما أرَدْتني

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الآيات

( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) )

التّفسير

الوعد بنصر المؤمنين :

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن تحاجج أهل النّار وعجزهم عن أن ينصر أحدهم الآخر ، وبعد أن تحدثت الآيات التي سبقتها عن مؤمن آل فرعون وحماية الله له من كيد فرعون وآل فرعون ، عادت هذه المجموعة من الآيات البينات تتحدث عن شمول الحماية والنصر الإلهي لأنبياء الله ورسله وللذين آمنوا ، في هذه الدنيا وفي الآخرة.

إنّها تتحدث عن قانون عام تنطق بمضمونه الآية الكريمة :( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا

٢٨١

وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

إنّها الحماية المؤكّدة بأنواع التأكيد ، والتي لا ترتبط بقيد أو شرط ، والتي يستتبعها الفوز والنصر ، النصر في المنطق والبيان ، وفي الحرب والميدان ، وفي إرسال العذاب الإلهي على القوم الظالمين ، وفي الإمداد الغيبي الذي يقوي القلوب ويشد الأرواح ويجذبها إلى بارئها جلّ وعلا.

إنّ الآية تواجهنا باسم جديد ليوم القيامة هو :( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

«أشهاد» جمع «شاهد» أو «شهيد» (مثل ما أنّ أصحاب جمع صاحب ، وأشراف جمع شريف) وهي تعني الذي يشهد على شيء ما.

لقد ذكرت مجموعة من الآراء حول المقصود بالأشهاد ، نستطيع اجمالها بما يلي :

١ ـ الأشهاد هم الملائكة الذين يراقبون أعمال الإنسان.

٢ ـ هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم.

٣ ـ هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون الذين يشهدون على أعمال الناس.

أمّا احتمال أن تدخل أعضاء الإنسان ضمن هذا المعنى ، فهو أمر غير وارد ، بالرغم من شمولية مصطلح «الأشهاد» لأنّ تعبير( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) لا يتناسب وهذا الاحتمال.

إنّ التعبير يشير إلى معنى لطيف ، حيث يريد أن يقول أنّ :( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) الذي تنبسط فيه الأمور في محضر الله تبارك وتعالى ، وتنكشف السرائر والأسرار لكافة الخلائق ، هو يوم تكون الفضيحة فيه أفظع ما تكون ، ويكون الإنتصار فيه أروع ما يكون إنّه اليوم الذي ينصر الله فيه الأنبياء والمؤمنين ويزيد في كرامتهم.

إنّ يوم الأشهاد يوم افتضاح الكافرين وسوء عاقبة الظالمين ، هو :( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .

٢٨٢

فمن جهة هو يوم لا تنفع المعذرة فيه ، ولا يحول شيء دون افتضاح الظالمين أمام الأشهاد.

ومن جهة اخرى هو يوم تشمل اللعنة الإلهية فيه الظالمين ، واللعنة هنا البعد عن الرحمة.

ومن جهة ثالثة هو يوم ينزل فيه العذاب الجسماني على الظالمين ، ويوضعون في أسوأ مكان من نار جهنم.

سؤال :

إنّ الآية تفتح المجال واسعا للسؤال التالي ، : إذا كان الله (تبارك وتعالى) قد وعد حتما بانتصار الأنبياء والمؤمنين ، فلما ذا نشاهد ، ـ على طول التأريخ ـ مقتل مجموعة من الأنبياء والمؤمنين على أيدي الكفار؟ ولماذا ينزل بهم الضيق والشدة من قبل أعداء الله ، ثمّ لماذا تلحق بهم الهزيمة العسكرية؟ وهل يكون ذلك نقضا للوعد الإلهي الذي تتحدث عنه الآية الكريمة؟

الجواب على كلّ هذه الأسئلة المتشعبة يتضح من خلال ملاحظة واحدة هي : إن أكثر الناس ضحية المقاييس المحدودة فى تقييم مفهوم النصر ، إذ يعتبرون الإنتصار يتمثل فقط في قدرة الإنسان على دحر عدوه ، أو السيطرة على الحكم لفترة وجيزة!

إنّ مثل هؤلاء لا يرون أي اعتبار لانتصار الهدف وتقدم الغاية ، أو تفوق وانتشار المذهب والفكرة ، هؤلاء لا ينظرون إلى قيمة المجاهد الشهيد الذي يتحول إلى نموذج وقدوة في حياة الناس وعلى مدى الأجيال. ولا ينظرون إلى القيمة الكبرى التي يستبطنها مفهوم العزة والكرامة والرفعة التي ينادي بها أحرار البشر والقرب من الله تعالى ونيل رضاه.

وبديهي إنّ الانحباس في إطار هذا التقييم المحدود يجعل من العسير الجواب

٢٨٣

على ذلك الاشكال ، أما الانطلاق إلى أفق المعاني الواسعة الوضّاءة لمفهوم النصر الإلهي والأخذ بنظر الاعتبار القيم الواقعية للنصر سيؤدي بنا الى معرفة المعنى العميق للآية.

ثمّة كلام لطيف لسيّد قطب في تفسيره «في ظلال القرآن» يناسب هذا المقام ، إذ يورد فيه ذكرى بطل كربلاء الإمام الحسينعليه‌السلام كمثال على المعنى الواسع لمفهوم النصر فيقول : «... والحسين ـ رضوان الله عليه وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب ، المفجعة من جانب ، أكانت هذه نصرا أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة. فأمّا في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصرا. فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفوا له القلوب وتجيش بالغير والفداء كالحسين رضوان الله عليه ، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين»(١) .

وينبغي أن نضيف إلى هذا الكلام أن شيعة أهل البيتعليهم‌السلام يشاهدون كل يوم بأعينهم آثار الخير من حياة سيّد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ويلمسون آثار استشهاده واستشهاد صحبه البررة من أهل بيته وأصحابه ؛ إن مجالس العزاء التي تقام للحديث عن مناقب الحسين وصحبه الكرام هي ينبوع الخير لحركة عظيمة ثرّة ما زال عطاؤها لم ولن ينضب!

لقد شاهدنا بأعيننا ومن خلال النموذج الثوري الذي شهدته أرض إيران المسلمة ، كيف استطاع الملايين من أبناء الإسلام أن يتحركوا في أيّام عاشوراء للقضاء على الظلم والطغيان والاستكبار.

لقد شاهدنا بأعيننا كيف استطاع هذا الجيل المضحي الذي تربى في مدرسة أبي الشهداء الحسينعليه‌السلام وتغذى ممّا تدره مجالس عزائه ، أن يحطّم بأيد خالية عرش أقوى السلاطين الجبّارين.

__________________

(١) في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠.

٢٨٤

نعم ، لقد شاهدنا دم الحسين الشهيد وقد سرى في العروق عزة وحركة وانتفاضة ، وغيرت الحسابات السياسية والعسكرية للدول الكبرى.

بعد كلّ ذلك ، ومع كلّ العطاء الثر الهادي الذي استمدته كلّ الأجيال ـ خلال التأريخ ـ من ذكرى الطف وسيّد الشهداء ، ألا يعتبر الحسينعليه‌السلام منتصرا حتى باتت آثار نصره الظافر حاضرة فينا بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عشر قرنا على استشهاده!؟

سؤال آخر

ثمة سؤال آخر يتبلور من المقابلة بين الآية التي بين أيدينا والآية (٣٦) من سورة «المرسلات» إذ نقرأ الآية التي نحن بصددها أنّ اعتذار الظالمين لا يؤثر ولا ينفعهم يوم القيامة ، فيما تنص الآية من سورة المرسلات على أنّه لا يسمح لهم بالاعتذار أصلا ، حيث قوله تعالى :( وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) فكيف يا ترى نوفّق بين الإثنين؟

قبل الإجابة ينبغي الانتباه إلى ملاحظتين :

الأولى : أنّ ليوم القيامة مواقف معينة تختلف شرائطها ، ففي بعضها يتوقف اللسان عن العمل وتنطق الأرجل والأيدي والجوارح ، وتقوم بالشهادة على عمل الإنسان. وفي مواقف اخرى ينطلق اللسان بالنطق والكلام (كما تحكي ذلك الآية ٦٥ من سورة «يس» والآيات السابقة في هذه السورة التي تحدث عن تحاجج أهل النّار).

بناء على هذا ، فلا مانع من عدم السماح لهم بالاعتذار في بعض المواقف ، في حين يسمح لهم في مواقف اخرى ، وإن كان الاعتذار لا يجدي شيئا ولا يغير من المصير.

الملاحظة الثانية : إنّ الإنسان يتحدث في بعض الأحيان بكلام لا فائدة منه ،

٢٨٥

ففي مثل هذه الموارد يكون الشخص كمن لم يتكلّم أصلا. بناء على هذا يمكن أن تكون الآية الدالة على عدم السماح لهم بالاعتذار تقع وفق هذا المعنى ، أي أنّ اعتذارهم برغم خروجه من أفواههم ، إلّا أنّه لا فائدة ترجى منه.

تنتقل الآيات الكريمة بعد ذلك للحديث عن أحد الموارد التي انتصر فيها الرسل نتيجة الحماية الإلهية والدعم الربّاني لهم ، فتتحدث عن النّبي الكليمعليه‌السلام :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ) .

إنّ هداية الله لموسى تنطوي على معاني واسعة إذ تشمل مقام النبوة والوحي ، والكتاب السماوي (التوراة) والمعاجز التي وقعت على يديهعليه‌السلام أثناء تنفيذه لرسالات ربّه وتبليغه إيّاها.

إن استخدام كلمة «ميراث» بالنسبة إلى التوراة يعود إلى أنّ بني إسرائيل توارثوه جيلا بعد جيل ، وكان بإمكانهم الاستفادة منه بدون مشقة ، تماما مثل الميراث الذي يصل إلى الإنسان بدون عناء وتعب ، ولكنّهم فرّطوا بهذا الميراث الإلهي الكبير.

الآية التي بعدها تضيف :( هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ) (١) .

الفرق بين «الهداية» و «الذكرى» أنّ الهداية تكون في مطلع العمل وبدايته ، أما التذكير فهو يشمل تنبيه الإنسان بأمور سمعها مسبقا وآمن بها لكنّه نسيها.

وبعبارة اخرى : إنّ الكتب السماوية تعتبر مشاعل هداية ونور في بداية انطلاقة الإنسان ، وترافقه في أشواط حياته تبث من نورها وهداها عليه.

ولكن الذي يستفيد من مشاعل الهدى هذه هم «أولو الألباب» وأصحاب العقل ، وليس الجهلة والمعاندون المتعصبون.

الآية الاخيرة ـ من المقطع الذي بين أيدينا ـ تنطوي على وصايا وتعليمات

__________________

(١) يمكن أن تكون «هدى وذكرى» مفعولا لأجله أو مصدرا بمعنى الحال ، أي (هاديا ومذكرا لأولى الألباب) لكن البعض احتمل أن تكون بدلا أو خيرا لمبتدأ محذوف ، إلّا أن ذلك غير مناسب كما يبدو.

٢٨٦

مهمّة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي في واقعها تعليمات عامة للجميع ، بالرغم من أنّ المخاطب بها هو شخص الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول تعالى :( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) .

عليك أن تصبر على عناد القوم ولجاجة الأعداء.

عليك أن تصبر حيال جهل بعض الأصدقاء والمعارف ، وتتحمل أحيانا أذاهم وتخاذلهم.

وعليك أيضا أن تصبر إزاء العواطف النفسية.

إنّ سر انتصارك في جميع الأمور يقوم على أساس الصبر والاستقامة.

ثم اعلم أنّ وعد الله بنصرك وأمتك لا يمكن التخلف عنه ، وإيمانك ـ وإيمانهم ـ بحقانية الوعد الإلهي يجعلك مطمئنا ومستقيما في عملك ، فتهون الصعاب عليك وعلى المؤمنين.

لقد أمر الله تعالى رسوله مرّات عديدة بالصبر ، والأمر بالصبر جاء مطلقا في بعض الموارد ، كما في الآية التي بصددها ، وجاء مقيدا في موارد اخرى ويختص بأمر معين ، كما في الآيتين (٣٩ ـ ٤٠) من سورة «ق» :( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) .

وكذلك يخاطبه تعالى فى الآية (٢٨) من سورة الكهف بقوله تعالى :( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .

إنّ جميع انتصارات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين الأوائل إنّما تمّت بفضل الصبر والاستقامة واليوم لا بدّ أن نسير على خطى رسول الله ، ونصبر كما صبر الرّسول وأصحابه إذ لولاه لما حالفنا النصر مقابل أعدائنا الألداء.

الفقرة الأخرى من التعليمات الربانية تقول :( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) .

واضح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم لم يرتكب ذنبا ولا معصية ، لكنّا قد أشرنا

٢٨٧

في غير هذا المكان إلى أنّ أمثال هذه التعابير في القرآن الكريم ، والتي تشمل في خطابها الرّسول الأكرم وسائر الأنبياء ، إنّما تشمل ما نستطيع تسميته بـ «الذنوب النسبية» لأنّ من الأعمال ما هو عبادة وحسنة بالنسبة للناس العاديين ، بينما هي ذنب للرسل والأنبياء لأنّ : (حسنات الأبرار سيئات المقربين).

فالغفلة ـ مثلا ـ لا تليق بمقامهم ، ولو لحظة واحدة. وكذلك الحال بالنسبة لترك الأولى ، إذ أن منزلتهم الرفيعة ومعرفتهم العالية تتوجب أن يحذروا هذه الأمور ويستغفروا منها متى ما صدرت عنهم.

وما ذهب إليه البعض من أنّ المقصود بالذنوب هي ذنوب المجتمع ، أو ذنوب الآخرين التي ارتكبوها بشأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أنّ الاستغفار تعبدي فهو بعيد.

الفقرة الأخيرة في الآية الكريمة تقول :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ) .

«العشي» فترة ما بعد الظهر إلى قبل غروب الشمس ، أما «الإبكار» فهو ما بين الطلوعين.

ويمكن أن تطلق لفظتا (العشي والإبكار) على الوقت المعيّن بالعصر والصباح ، حيث يكون الإنسان مهيأ للحمد وتسبيح خالقه تبارك وتعالى بسبب عدم شروعه بعد بعمله اليومي ، أو أنّه قد انتهى منه.

وقد اعتبر البعض أنّ هذا الحمد والتسبيح إشارة إلى صلاة الصبح والعصر ، أو الصلوات اليومية الخمس ، في حين أنّ ظاهر الآية ينطوي على مفهوم أوسع من ذلك الصلوات هي إحدى مصاديقها.

في كلّ الأحوال تعتبر التعليمات الثلاث الآنفة الذكر شاملة بناء الإنسان وإعداده للرقي في ظل اللطف والرعاية الإلهية ، وهي إلى ذلك زاده في سيره للوصول نحو الأهداف الكبيرة.

فهناك أولا ـ وقبل كلّ شيء ـ التحمّل والصبر على الشدائد

٢٨٨

والصعوبات ، ثمّ تطهير النفس من آثار الذنوب. وأخيرا تكليل كلّ ذلك بذكر الله ، حيث تسبيحه وحمده يعني تنزيهه من كلّ عيب ونقص ، وحمده فوق كلّ حسن وكمال.

إنّ الحمد والتسبيح الذي يكون لله تعالى يؤثر في قلب الإنسان ويطهره من جميع العيوب ، ومن سيئات الغفلة واللهو ، ويجعله يتصف باليقظة والكمال.

٢٨٩

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) )

التّفسير

ما يستوي الأعمى والبصير!

دعت الآيات السابقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصبر والاستقامة أمام المعارضين وأكاذيبهم ومخططاتهم الشيطانية ، والآيات التي نحن بصددها تذكر سبب مجادلتهم للحق.

يقول تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي

٢٩٠

صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ) .

«المجادلة» ـ كما أشرنا سابقا ـ تعني العناد في الكلام وإطالته بأحاديث غير منطقية ، وإن كانت تشمل أحيانا في معناها الواسع الحق والباطل.

أما قوله تعالى :( بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ) فهي للتأكيد على ما يستفاد من معنى المجادلة حيث تعني «سلطان» الدليل والبرهان الذي يكون سببا لهيمنة الإنسان على خصمه.

أما «آتاهم» فهي إشارة إلى الأدلة والبراهين التي أوحى الله بها إلى أنبيائهعليهم‌السلام ، ولا ريب أنّ الوحي هو أفضل الطرق وأكثرها اطمئنانا لإثبات الحقائق.

أما المقصود بـ «آيات الله» التي كانوا يجادلون فيها ، فهي معجزات وآيات القرآن والأحاديث المختصة بالمبدأ والمعاد ، حيث كانوا يعتبرونها سحرا ، أو أنّها علامات الجنون ، أو أساطير الأولين!

من ذلك يتبيّن أن ليس لهؤلاء من دليل حي ومنطقي في المجادلة سوى التعالي والغرور والتكبر عن الانصياع إلى الحق ، لذلك كانوا يرون أنّ أفكار الآخرين وعقائدهم باطلة وأن عقائدهم وأفكارهم حقّة!

تشير كلمة (إن) إلى أنّ السبب الوحيد لعنادهم في هذه الموارد هو الغرور والتكبّر ، وإلّا كيف يصرّ الإنسان على كلامه وموقفه دون دليل أو برهان.

«الصدور» تشير هنا إلى القلوب ، والمقصود بالقلب هو الفكر والروح ، حيث ورد هذا المعنى مرّات عدّة في آيات الكتاب المبين.

أمّا كلمة (كبر) في الآية فقد فسّرها بعض المفسّرين بالحسد.

وبذلك اعتبر هؤلاء أن سبب مجادلتهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو حسدهم له ولمنزلته ومقامه المعنوي الظاهري.

لكن «كبر» لا تعني في اللغة المعنى الآنف الذكر ، لكنّه يمكن أن يلازمها ، لأنّ

٢٩١

من يتكبّر يحسد ، إذ لا يرى المتكبّر المواهب إلّا لنفسه ، ويتألم إذا انصرفت لغيره حسدا منه وجهلا.

ثم تضيف الآية :( ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) .

إنّ هدفهم أن يروا أنفسهم كبارا ، يفاخرون بذلك ويفتخرون على غيرهم ، لكنّهم لن يحصدوا سوى الذلة والخسران ، ولن يصلوا بطريق التكبر والغرور والعلو والمجادلة بالباطل إلى ما يبتغونه(١) .

في نهاية الآية تعليمات قيمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يستعيذ بالله من شر هؤلاء المتكبرين المغرورين الذين لا منطق لهم ، حيث يقول تعالى :( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

فهو ـ تعالى ـ يسمع أحاديثهم الباطلة الواهية ، وينظر إلى مؤامراتهم وأعمالهم القبيحة وخططهم الشريرة.

والاستعاذة بالله لا تنبغي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده وحسب ، وإنّما تجب على كل السائرين في طريق الحق عند ما تتعاظم الحوادث ويستعر الصدام مع المتكبرين عدمي المنطق!

لذلك نرى استعاذة يوسفعليه‌السلام عند ما تواجهه العاصفة الشديدة المتمثلة بشهوة «زليخا» يقول :( مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) فكيف أخون عزيز مصر الذي أكرمني وأحسن وفادتي.

وفي آيات سابقة من نفس هذه السورة نقرأ أنّ كليم الله موسىعليه‌السلام قال :( إِنِّي

__________________

(١) ثمة بين المفسرين كلام حول مرجع الضمير في قوله : «بالغيه» أشهره قولان.

الأول : أن يعود الضمير إلى «كبر» وتكون «ما هم ببالغيه» جملة وصفية لـ (كبر) ويكون المعنى هكذا : إنهم لا يصلون إلى مقتضى وهدف تكبرهم (في الواقع حذف هنا المضاف والتقدير «ما هم ببالغي مقتضى كبرهم»).

الثاني : أن يعود الضمير إلى «جدال» الذي يستفاد من جملة «يجادلون» والمعنى أنهم لن يصلوا إلى هدف جدالهم المتمثل بإبطال الحق. ولكن في هذه الحالة لا تستطيع أن نقول : إن الجملة صفة (كبر) بل ينبغي أن نعطفها على ما سبقها مع حذف العاطف.

٢٩٢

عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) (١) .

إنّ قضية المعاد وعودة الروح للإنسان بعد موته ، تعتبر من أكثر القضايا التي يجادل فيها الكفار ، ويعاندون بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك تنتقل الآية التالية إلى التذكير بهذه القضية ، وإعادة طرحها وفق منطق قرآني آخر ، إذ يقول تعالى :( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

إنّ خالق هذه المجرّات العظيمة ومدبّرها يستطيع ـ بصورة أولى ـ أن يحيي الموتى ، وإلّا كيف يتسق القول بخلقه السماوات والأرض وعجزه من إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت؟

إنّ هذا المنطق يعبّر عن جهل هؤلاء الذين لا يستطيعون إدراك هذه الحقائق الكبرى!

أغلب المفسّرين اعتبر هذه الآية ردّا على مجادلة المشركين بشأن قضية المعاد ، بينما احتمل البعض أنّها رد على كبر المتكبرين والمغرورين الذين كانوا يتصورون أن ذواتهم وأفكارهم عظيمة غير قابلة للردّ أو النقض ، في حين آنها تافهة بالقياس إلى عظمة عالم الوجود(٢) .

هذا المعنى غير مستبعد ، ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار الآيات التي بعدها يكون المعنى الأوّل أفضل.

لقد تضمنت الآية الكريمة سببا آخر من أسباب المجادلة متمثلا بـ «الجهل» في حين طرحت الآيات السابقة عامل «الكبر». والعاملان يرتبطان مع بعضهما ، لأن أصل وأساس «الكبر» هو «الجهل» وعدم معرفة الإنسان لحدوده وقدره ، ولعدم تقديره لحجم علمه ومعرفته.

الآية التي بعدها ، وفي إطار مقارنة واضحة تكشف عن الفرق بين حال

__________________

(١) المؤمن ـ ٢٧.

(٢) يلاحظ الرأي الأوّل في مجمع البيان ، تفسير الفخر الرازي ، الكشاف ، روح المعاني ، الصافي وروح البيان.

٢٩٣

المتكبرين الجهلة إزاء المؤمنين الواعين ، حيث يقول :( وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ) (١) .

إلّا أنكم بسبب جهلكم وتكبركم :( قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ) (٢) .

إنّ المبصرين يرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحيط بهم ، وبذلك فهم يعرفون قدر أنفسهم ومعرفتهم وموقعهم ، إلّا أنّ الأعمى لا يدرك موقعه أو حجمه في الزمان والمكان وفي عموم الوجود المحيط به. لذلك فهو يخطئ دائما في تقييم أبعاد وجوده ، ويصاب بالكبر والغرور والوهم الذي يدفعه إلى ما هو قبيح وسيّء.

ونستفيد أيضا من خلال ارتباط الجملتين ببعضهما البعض أنّ الإيمان والعمل الصالح ينوّر بصائر القلب والفكر بنور المعرفة والتواضع والاستقرار ، بعكس الكفر والعمل الطالح الذي يجعل الإنسان أعمى فاقدا لبصيرته ، مشوّها في رؤيته للأشياء والمقاييس.

الآية الأخيرة في المجموعة القرآنية التي بين أيدينا تتعرض إلى وقوع القيامة وقيام الساعة حيث يقول تعالى :( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ) .

«إن» و «اللام» في (لاتية) وجملة (لا ريب فيها) كلها للتأكيد المكرّر الذي يستهدف تأكيد المضمون والمعنى المراد ، وهو قيام القيامة.

لقد عالجت الرؤية القرآنية قضية القيامة في أكثر من مكان ومورد ، بمختلف الأدلة ووسائل الإقناع ، ذلك نرى بعض الآيات تذكر قيام الساعة والقيامة بدون مقدمات أو دليل ، مكتفية بما ورد من أدلة ومقدمات في أماكن اخرى من الكتاب

__________________

(١) النظرة الأولية في الآية قد لا توجب معنى لـ «لا النافية» في قوله تعالى :( وَلَا الْمُسِيءُ ) ولكن تأكيد النفي من ناحية ، وتجلية المقصود من الجملة من ناحية ثانية ، أوجب تكرار النفي ، مضافا إلى أن طول الجملة قد يؤدي إلى نسيان الإنسان للنفي الأول ، الأمر الذي يوجب التكرار.

(٢) «ما» في قوله تعالى :( قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ) زائدة ، وهي للتأكيد.

٢٩٤