تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191772 / تحميل: 6302
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فكان العالم المجرّب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحسّ، نقيّ الجوهر، وضّاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفاً بمهمّات الأُمور(١) .

عبادته وتقواهعليه‌السلام :

اشتهر عليّ بن أبي طالب بتقواه التي كانت علّة الكثير من تصرّفاته مع نفسه وذويه والناس... وفيما ترى العبادة لدى المعظم رجع أصداء الضعف في نفوسهم أحياناً، ومعنىً من معاني التهرّب من مواجهة الحياة والأحياء أحياناً أُخرى، وهوساً موروثاً ثمّ مدعوماً بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكلّ موروث في أكثر الأحيان... تراها تشتهر عند الإمام أخْذاً من كلّ قوّة ووصلاً لأطراف الحلقة الخلقية التي تشتدّ وتمتدّ حتى تجمع الأرض والسماء، ومعنىً من معاني الجهاد في سبيل ما يربط الأحياء بكلّ خير، وهي على كلّ حال شيء من روح التمرّد على الفساد يريد محاربته من كلّ صوب، ثمّ على النفاق وروح الاستغلال والاقتتال من أجل المنافع الخاصّة.. وعلى المذلّة والفقر والمسكنة والضعف، ثمّ على سائر الصفات التي تميّز بها عصره المضطرب القلق.

إنّ من تبصّر في عبادة الإمام، تبيّن له أنّ عليّاً متمرّد في عبادته وتقواه، كما هو متمرّد في أُسلوبه في السياسة والحكم، ففي عبادته افتتان الشاعر يقف في هيكل الوجود الرحب صافي النفس ممتلئ القلب، حتى إذا انكشفت له جمالات هذا الكون; تجاوبت وما في كيانه من أصداء وأظلال وموازين، فأطلق هذه الكلمة الرائعة التي نرى فيها دستوراً كاملاً لتقوى الأحرار وعبادة عظماء النفوس: (وإنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ

ــــــــــــ

(١) راجع: مقدمة شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢١

قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار)(١) .

إنّ عبادة الإمام ليست شيئاً من سلبيّة الخائف الهارب أو التاجر الراغب كما هي الحال عند الكثيرين من المتعبّدين، بل هي شيء من إيجابية الإنسان العظيم الواعي نفسه والكون على أساس من خبرة المجرّب وعقل الحكيم وقلب الشاعر.

وبهذا المفهوم للتقوى والعبادة كان عليّ يوجّه الناس إلى أن يتّقوا الله في سبيل الخير الإنساني العام، أو قل: في سبيل أمر أجلّ من رغبة تجّار العبادات في نعيم الآخرة، كان يوجّههم إلى التقوى لعلّ فيها ما يحملهم على أن يعدلوا وينصفوا المظلوم من الظالم فيقول:) عليكم بتقوى الله وبالعدل على الصديق والعدوّ ( (٢) . ولا خير في التقوى في نظر الإمام; إلاّ إذا دفعتك إلى أن تعترف بالحقّ قبل أن تشهد عليه، وألاّ تحيف على من تبغض ولا تأثم، والحياة ـ بهذا المعنى للعبادة ـ لا تبتغى لمتاع ولا تُرجى للذّة عابرة.

زُهدهعليه‌السلام :

لقد زهد عليّ في الدنيا وتقشّف، وكان صادقاً في زهده كما كان صادقاً في كلّ ما نتج عن يمينه أو بَدَر من قلبه ولسانه، زهد في لذّة الدنيا وسبب الدولة وعلّة السلطان وكلّ ما يطمح لبلوغه الآخرون، ويَرَوْن أنّه مرتكز وجودهم، فإذا هو يسكن مع أولاده في بيت متواضع تأوي إليه الخلافة لا المُلك، وإذا هو يأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها فيما كان عمّاله يعيشون على أطايب الشام وخيرات مصر ونعيم العراق، وكثيراً ما كان يأبى على زوجته أن تطحن له، فيطحن لنفسه وهو أمير المؤمنين، ويأكل من الخبز اليابس الذي يكسره على ركبته، وكان إذا أرعده البرد واشتدّ عليه الصقيع لا يتّخذ له عدّة من دثار يقيه أذى البرد، بل يكتفي بما رقّ من لباس الصيف إغراقاً منه في صوفيّة الروح.

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح : ٥١٠ الحكمة ٢٣٧ ط دار الهجرة قم.

(٢) بحار الأنوار: ٧٧/٢٣٦ باب وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام ط الوفاء .

٢٢

روى هارون بن عنترة عن أبيه، قال: دخلتُ على عليّ بالخورنق، وكان فصل شتاء، وعليه خلق قطيفة هو يرعد فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً وأنت تفعل ذلك بنفسك؟ فقال: (والله ما أرزؤكم شيئاً، وما هي إلاّ قطيفتي التي أخرجتها من المدينة) (١) .

وأتى أحدهم عليّاً بطعام نفيس حلو يقال له: الفالوذج، فلم يأكله عليّ ونظر إليه يقول:(والله إنّك لطيّب الريح حسن اللون طيّب الطعم، ولكن أكره أن أُعوِّد نفسي ما لم تعتد) (٢) .

ولعمري إنّ زهد عليّ هذا ليس إلاّ معنىً ومزاجاً من معاني فروسيّته ومزاجها وإن بدا للبعض أنّهما مختلفان.

وقد حملت هذه السيرة الطيّبة عمر بن عبد العزيز ـ أحد خلفاء الأسرة الأموية التي تكره عليّاً وتختلق له السيّئات وتسبّه على المنابر ـ على أن يقول: أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب(٣) .

والمشهور أنّ عليّاً أبى أن يسكن قصر الإمارة الذي كان معدّاً له بالكوفة، لئلاّ يرفع سكنه عن سكن أولئك الفقراء الكثيرين الذين يقيمون في خِصاصهم البائسة، ومن كلامه هذا القول الذي انبثق عن أُسلوبه في العيش انبثاقاً:) أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟ !( (٤) .

إباؤه وشهامتهعليه‌السلام :

مثّل عليّ بن أبي طالب الفروسيّة بأروع معانيها وبكلّ ما تنطوي عليه

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٠/٣٣٤ ط الوفاء.

(٢) المصدر السابق : ٤٠/٣٢٧.

(٣) المصدر السابق : ٤٠/٣٣١ باب ٩٨ ذ ح ١٣ ط الوفاء.

(٤) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح: ٤١٨ الكتاب ٤٥ .

٢٣

من ألوان الشهامة. والإباء والترفّع أصلان من أصول روح الفروسيّة، فهما إذن من طبائع الإمام، لذلك كان بغيضاً لديه أن ينال أحداً من الناس بالأذى وإن آذاه، وأن يبادر مخلوقاً بالاعتداء ولو على ثقة بأنّ هذا المخلوق يقصد قتله.

وروح الإباء والترفّع هذه هي التي ارتفعت به عن مقابلة الأمويين بالسباب يوم كانوا يرشقونه به.. بل إنّه منع على أصحابه أن ينالوا الأمويين بالشتيمة المقذعة حتى قال لهم: (إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم; كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ مَن جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان مَن لهج به ) (١) .

مروءتهعليه‌السلام :

إنّ مروءة الإمام أندر من أن يكون لها مثيل في التأريخ، وحوادث المروءة في سيرته أكثر من أن تعدّ، منها أنّه أبى على جنده ـ وهم في حال من النقمة والسخط ـ أن يقتلوا عدوّاً تراجع، كما أبى عليهم أن يكشفوا ستراً أو يأخذوا مالاً، ومنها: أنّه حين ظفر بألدّ أعدائه الذين يتحيّنون الفرص للتخلّص منه; عفا عنهم وأحسن إليهم وأبى على أنصاره أن يتعقّبوهم بسوء وهم على ذلك قادرون(٢) .

صدقه وإخلاصهعليه‌السلام :

وتتماسك هذه الصفات الكريمة في سلسلة لا تنتهي; وبعضها على بعض دليل، ومن أروع حلقاتها: الصدق والإخلاص، وقد بلغ به الصدق مبلغاً أضاع به الخلافة، وهو لو رضي عن الصدق بديلاً في بعض أحواله; لما نال منه عدوّ ولا انقلب عليه صديق.. لقد رفض أن يقرّ معاوية على عمله وقال:( لا أداهن في ديني

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح: ٣٢٣ ، الخطبة ٢٠٦.

(٢) البداية والنهاية: ٧ / ٢٧٦.

٢٤

ولا أعطي الدنيّة في أمري ) ولمّا ظهرت حيلة معاوية; أطلق عبارته التي صحّت أن تكون صيغة للخلق العظيم:( والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر; لكنت من أدهى الناس ) (١) . وقال مشدّداً على ضرورة الصدق مهما اختلفت الظروف:( الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك ، على الكذب حيث ينفعك ) (٢) .

شجاعتهعليه‌السلام :

إن شجاعة الإمام هي من الإمام بمنزلة التعبير من الفكرة وبمثابة العمل من الإرادة، لأنّ محورها الدفاع عن طبع في الحق وإيمان بالخير، والمشهور أنّ أحداً من الأبطال لم ينهض له في ميدان.. فقد كان لجرأته على الموت لا يهاب صنديداً، بل إنّ فكرة الموت لم تجل مرة في خاطر الإمام وهو في موقف نزال، وأنّه لم يقارع بطلاً إلاّ بعد أن يحاوره لينصحه ويهديه.

وكان عليّ مع قوته البالغة يتورّع عن البغي أيّاً كان الظرف، وأجمع المؤرّخون على أنّه كان يأنف القتال إلاّ إذا حُمِل عليه حملاً، فكان يسعى أن يسوّي الأُمور مع خصومه على وجوه سلميّة تحقن الدم وتحول دون النزال.

وطبيعة التورّع عن البغي أصل من أصول نفسيّة عليّ وخلق من أخلاقه، وهي متّصلة اتّصالاً وثيقاً بمبدئه العام الذي يقوم بمعرفة العهد وصيانة الذمّة والرحمة بالناس حتى يخونوا كلّ عهد ويقسوا دون كلّ رحمة.

وما كان لعليّ أن يستنجد الصداقة على العداوة; لولا ذلك الفيض العظيم من الوفاء والحنان الذي تزخر به نفسه ويطغى على جنانه.

ولكنّ صاحب المودّات لم يرعَ أصدقاؤه له مودّة، لأنّهم لم يكونوا ليطمعوا

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، الخطبة : ٢٠٠.

(٢) نهج البلاغة، قصار الحكم: ٤٥٨.

٢٥

بأن يحولوا بينه وبين نفسه، فيطلق أيديهم في خيرات الأرض دون سائر الخلق، يقول عليّعليه‌السلام :( والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلُبها جَلبَ شعيرة ما فعلتُ، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة ) (١) وليس عليّ في هذا المجال قائلاً ثمّ عاملاً، بل هو القول يجري من طبيعة العمل الذي يُعمل والشعور الذي يُحَسّ... فعليّ أكرم الناس مع الناس، وأبعد الخلق عن أن ينال الخلق بالأذى، وأقربهم إلى بذل نفسه في سبيلهم على أن يقتنع ضميره بضرورة هذا البذل، أوَليست حياته كلّها سلسلة معارك في سبيل المظلومين والمستضعفين، وانتصاراً دائماً للاُمّة دون من يريدونه آلة إنتاج لهم من السادة ورثة الأمجاد العائلية، أولم يكن سيفاً صارماً فوق أعناق القرشيّين الذين أرادوا استغلال الخلافة والإمارة للسلطان والجاه وتكديس الأموال ؟! أَلمْ يَضع الخلافةَ والحياةَ على الأرض لأنّه أبى مسايرة أهل الدنيا في استعباد إخوانهم الضعفاء والفقراء والمظلومين ؟

عدلهعليه‌السلام :

ليس غريباً أن يكون عليٌّ أعدل الناس، بل الغريب أن لا يكونَهُ، وأخبار عليّ في عدله تراثٌ يشرّف المكانة الإنسانية والروح الإنساني.

وكان الإمام يأبى الترفّع عن رعاياه في المخاصمة والمقاضاة، بل إنّه كان يسعى إلى المقاضاة إذا وجبت لتشبّعه بروح العدالة.

وتجري في روحه العدالة حتى أمام أبسط الأُمور، ووصايا الإمام ورسائله إلى الولاة تكاد تدور حول محور واحد هو العدل، وقد انتصر العدل في قلب عليّ وقلوب أتباعه وإن ظلموا وظلم.

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، الخطبة: ٢٢٤.

٢٦

تواضعهعليه‌السلام :

إنّ من أصول أخلاق الإمام أنّه كان يعتمد البساطة ويمقت التكلّف. وكان يقول:( شر الإخوان من تكلّف له ) (١) . ويقول:( إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه ) (٢) ويقصد بالاحتشام مراعاته حتى التكلّف.

وكان لا يتصنّع في رأي يراه أو نصيحة يسديها أو رزق يهبه أو مال يمنعه. وكانت هذه الطبيعة تلازمه حتى يسأم أصحاب الأغراض من استرضائه بالحيلة. وإذا هم ينسبون إليه القسوة والجفوة والزهو على الناس، وليس صدق الشعور وإظهاره زهواً وليس جفوة، بل إنّه كان يمقت الزهو والعجب.. ولطالما نهى ولدَه وأعوانه وعمّاله عن الكبر والعجب قائلاً:( إيّاك والإعجاب بنفسك، واعلم أنّ الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب ) (٣) . وكره التكلّف في محبّيه الغالين كما كره التكلّف في مبغضيه المفرطين فقال:( هلك فيّ اثنان: محبٌ غال ومبغضٌ قال ) (٤) .

لقد كان يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنعون بالحديد، أفعجيب أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنعون بالحيلة والرياء؟.

نقاؤهعليه‌السلام :

وتميّز عليّ بسلامة القلب، فهو لا يحمل ضغينة على مخلوق ولا يعرف حقداً على ألدّ أعدائه ومناوئيه ومن يحقدون عليه حسداً وكرهاً.

كرمهعليه‌السلام :

وكان من خلقه أنّه كان كريماً ولا حدود لكرمه، ولكنّه الكرم السليم

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة، قصار الحكم: ٤٧٩.

(٢) المصدر السابق: ٤٨٠.

(٣) المصدر السابق من كتاب ٣١ رقم ٥٧.

(٤) نهج البلاغة : ١١٧.

٢٧

بأصوله وغاياته لا كرم الولاة الذين (يكرمون) بأموال الناس وجهودهم. وهذا الكرم لم يعرفه عليٌّ مرّة في حياته، وإنّما كرمه هو الذي يعبّر عن جملة المروءات، ففيما كان يزجر ابنته زجراً شديداً إذ هي استعارت من بيت المال قلادة تتزيّن بها في عيد من الأعياد. كان يسقي بيده النخل لقوم من يهود المدينة حتى تمْجلَ يده فيتناول أجرته فيهبها لأهل الفاقة والعوز ويشتري بها الأرقاء ويحرّرهم في الحال.

وقد شهد معاوية على كرم عليّ قائلاً: لو ملك عليّ بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه(١) .

علمه ومعارفهعليه‌السلام :

قال ابن أبي الحديد: (وما أقول في رجل تُعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتمي إليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عُذْرِها، وسابق مضمارها، ومجلّي حَلْبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى. وإنّ أشرف العلوم ـ وهو العلم الإلهي ـ من كلامهعليه‌السلام اقتبس وعنه نقل وإليه انتهى ومنه ابتدأ... وعلم الفقه هو أصله وأساسه وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه... وعلم تفسير القرآن عنه أُخذ ومنه فُرّع وعلم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوّف(؟!) إنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون.. وعلم النحو والعربية قد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعَه وأصوله...)

ثم قال: (وأمّا الفصاحة، فهوعليه‌السلام إمام الفصحاء وسيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين)، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ..

ــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر : ٤٣/٤١٤ ترجمة علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

٢٨

فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره، ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالةً على أنّه لا يجارى في الفصاحة ولا يُبارى في البلاغة...)

ثم قال: (وأمّا الزهد في الدنيا، فهو سيّد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تُنْفَضُ الأحلاس، ما شبع من طعام قطّ، وكان أخشنَ الناس مأكلاً وملبساً(.

وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسَط له نِطَعٌ بين الصفّين ليلةَ الهرير(١) فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته... وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما يتضمّنه من الخضوع لهيبتهِ والخشوع لعزّته والاستخذاء له; عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت، وعلى أيّ لسان جَرَت. وقال عليّ بن الحسين وكان الغاية في العبادة:عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا الباب; اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هو أوّل من جمعه. وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه.

وما أقول في رجل تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتصوِّر ملوك الإفرنج والروم صورته في بِيَعها وبيوت عباداتها، حاملاً سيفه؟ وما أقول في رجل أحبّ كلُّ واحد أن يتكثّر به، وودّ كلُّ أحد أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه؟

ــــــــــــ

(١) هي أشد ليلة مرّت على الجيشين في معركة صفّين، راجع مروج الذهب : ٢ / ٣٨٩ .

٢٩

وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى.. لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلاّ السابق لكلّ خير محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ؟

ــــــــــــ

(١) من مقدمة ابن أبي الحديد لشرح نهج البلاغة ١ / ١٦ ـ ٣٠ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٣٠

الباب الثاني: فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام عليعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام عليعليه‌السلام .

الفصل الثالث: من الولادة إلى الإمامة.

الفصل الأول: نشأة الإمام عليعليه‌السلام

نسبه الوضّاء :

هو الإمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.

جدّه الكريم :

عبد المطلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مؤمناً بالله تعالى، ويعلم بأنّ محمداً سيكون نبيّاً(١) .

ولمّا حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجدي به أنظر كيف تحفظني فيه قال أبو طالب: يا أبه! لا توصني بمحمّد فإنّه ابني وابن أخي(٢) .

ــــــــــــ

(١) الطبقات لمحمد بن سعد: ١ / ٧٤ ط. ليدن.

(٢) كمال الدين للصدوق : ١٧٠ ط النجف الأشرف و ١٧٢ ط طهران عن ابن عباس. وفي موسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٢٨٥.

٣١

والده :

عبد مناف، وقيل: عمران، وقيل: شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو أخو عبد الله والد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأُمه وأبيه. ولد أبو طالب بمكّة قبل ولادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس وثلاثين سنة، وانتهت إليه بعد أبيه عبد المطلب الزعامة المطلقة لقريش، وكان يروي الماء لوفود مكّة كافّة لأنّ السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد الله سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت الله الحرام(١) . ولمّا توفّي عبد المطلب; تكفّل أبو طالب رعاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان أبو طالب يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصّه بالطعام دون أولاده.

وروي أنّ أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وما زالت قريش كافّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات أبو طالب(٢) .

توفّي أبو طالب قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشِعب وعمره بضع وثمانون سنة(٣) ، وكان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعلّق شديد بأبي طالب، فقد عاش في كنفه (٤٣) عاماً منذ الثامنة من عمره الشريف حينما توفّي جدّه عبد المطلب.. وقد ثبت أنّ أبا طالب كان موحّداً مؤمناً بالله ومعتقداً بالإسلام أرسخ الاعتقاد، وبقي على حاله هذه حتى وافاه الأجل، وإنّما أخفى إيمانه ليتمكّن أن يكون له شأن واتّصال مع كفّار مكّة، وليطّلع على

ــــــــــــ

(١) روضة الواعظين للفتال: ١٢١ ـ ١٢٢ وصية أبي طالب لبني هاشم.

(٢) الطبقات لابن سعد: ١ / ٧٥.

(٣) الكامل في التأريخ لأبن الأثير: ٢ / ٩٠، راجع : موسوعة التاريخ الإسلامي : ١/٤٣٦.

٣٢

مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقيّة، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممّن آتاهم الله أجرهم مرّتين لإيمانه وتقيّته(١) .

أُمّه :

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، تجتمع هي وأبو طالب في هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت من السابقات إلى الإيمان وبمنزلة الأُم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ربّته في حجرها، ولمّا ماتت فاطمة بنت أسد; دخل إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس عند رأسها وقال:( رحمك الله يا أُمي، كنت أُمي بعد أُمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والآخرة ) .

وغمّضها، ثمّ أمر أن تغسل بالماء ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الّذي فيه الكافور سكبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسه إيّاها وكفّنت فوقه ودعا لها أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاماً أسود فحفروا لها قبرها، فلمّا بلغوا اللّحد حفره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده، وأخرج ترابه ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبرها فاضطجع فيه، ثمّ قال:( الله الّذي يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، اللّهمّ اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ولقّنها حجتها، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين ) وأدخلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللحد والعباسُ وأبو بكر(٣) .

فقيل: يا رسول الله رأيناك وضعت شيئاً لم تكن وضعته بأحد من قبل:

ــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٢. وانظر: منية الطالب في إيمان أبي طالب للشيخ الطبسي، وأبو طالب مؤمن قريش للشيخ عبد الله الخُنيزي وموسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٥١٤ ـ ٥١٧ و ٥٩٦ ـ ٦٠١.

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ٣١.

(٣) بصائر الدرجات : ٧١ عن الصادق عليه‌السلام ، وراجع: موسوعة التاريخ الإسلامي: ٢/٤٣٣ ـ ٤٣٧ .

٣٣

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة، واضطجعت في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّها كانت من أحسن خلق الله صُنعاً إليّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما ( (١) .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام عليّعليه‌السلام

ولد الإمام عليعليه‌السلام قبل البعثة النبوية بعقد واحد، وعاصر إرهاصات البعثة وكل حركة الرسالة خلال العهد المكّي ـ وهو عهد بناء الأمة المسلمة وتكوين القاعدة الرسالية الصلبة ـ كما عاصر كل أحداث العهد المدني، حيث تم فيه بناء الدولة الإسلامية بقيادة سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وساهم بكل وجوده في بناء هذا الكيان الشامخ حتى تجلّى للجميع عمق وجوده في هذا البناء الرسالي الفريد.

وحمل الإمامعليه‌السلام بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشعل الهداهية الربّانية والقيادة الإسلامية بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم تراجع جمع من الصحابة وتمرّدهم على نصوص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخذلانهم للإمامعليه‌السلام والحيولة دون استلامه للقيادة السياسية ولكنه استمر في انجاز مهمامّه الرسالية في تلك الظروف العصيبة وعايس الخلفاء رغم انه كان يرى محلّه من القيادة محل القطب من الرحى فصبر وفي العين قذى مدة عقدين وصنف عقد حتّى انكشفت للأمة جملة من نتائج انحرافها الخطير عن تخطيط الرسول الأمين.

من هنا التجأت الأمة إلى الإمام لتسلم له زمام أمرها بعد تلك الخطوب وذلك التصدع الذي طال كيانه فحمل عبء القيادة بكل جدارة خلال نصف عقد فقط حتّى قدّم دمه الطاهر في سبيل الله رخيصا يبتغي به رضوان الله تعالى تثبيتا للقيم الرسالية التي جاهد من أجل إرسائها في وجدان المجتمع الإسلامي وضمير المجتمع الإنساني.

وعلى هذا تنقسم حياة الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى شطرين رئيسين:

الشطر الأول: حياته منذ ولادته وحتّى وفاة سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشطر الثاني: حياته من حين وفاة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتولّيه لمهامّ الإمامة الشرعية وحتّى استشهادهعليه‌السلام في محراب العبادة.

ــــــــــــ

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ: ٣٢، وفي فرائد السمطين: ١ / ٣٧٩: (صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد) وروى إسلام فاطمة بنت أسد وهجرتها وحنانها ورعايتها للرسول ووفاتها وما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضلها كثير من الحفّاظ والمؤلّفين في كتبهم كابن عساكر وابن الأثير وابن عبد البرّ ومحب الدين الطبري ومحمد بن طلحة والشبلنجي وابن الصبّاغ البلاذري وغيرهم.

٣٤

ونظرا لتنوّع الأدوار والظروف التي عاشهاعليه‌السلام يمكننا أن نصنّف حياته إلى عدّة مراحل:

المرحلة الأولى: من الولادة إلى البعثة النبويّة المباركة.

المرحلة الثانية: من البعثة إلى الهجرة.

المرحلة الثالثة: من الهجرة إلى وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه المراحل الثلاث تدخل في الشطر الأول من حياته وقد تجلّى فيها انقياده المطلق للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدفاع المستميت عن الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

المرحلة الرابعة: حياة الإمام في عهد (أبي بكر وعمر وعثمان(.

المرحلة الخامسة: حياته في عهد دولته.

وسوف ندرس المراحل الثلاث الأولى في الفصل الثالث من الباب الثاني.

كما نبحث عن المرحلة الرابعة من حياته في الباب الثالث بفصوله الأربعة، ونخصص الباب الرابع بالمرحلة الخامسة من حياتهعليه‌السلام .

الفصل الثالث: المرحلة الأولى : من الولادة إلى البعثة النبوية المباركة

ولادته :

قال عليّعليه‌السلام :(فإنّي ولدتُ على الفطرة وسَبقتُ إلى الإيمان والهجرة ( (١) .

ولِد الإمام عليّعليه‌السلام بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته(٢) .

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة (صبحي الصالح): الخطبة ٥٧ ص٩٢، وأمالي الطوسي: ص٣٦٤ الرقم ٧٦٥، ومناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٠٧، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ٤ / ١١٤، وبحار الأنوار: ٤١ / ٢١٧.

(٢) خصائص أمير المؤمنين للشريف الرضي: ٣٩، والغدير للأميني: ٦ / ٢٢، والمستدرك للحاكم النيشابوري: ٣/٤٨٣، والكفاية للحافظ الكنجي الشافعي والخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينيّة للآلوسي صاحب التفسير، ومروج الذهب للمسعودي، والسيرة النبوية، وموسوعة التاريخ الإسلامي: ١/٣٠٦ ـ ٣١٠.

٣٥

روي عن يزيد بن قعنب أنّه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: يا ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جديّ إبراهيم الخليلعليه‌السلام وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي.

قال يزيد: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عَزَّ وجَلَّ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبِشر يعلو وجوههم، وتقدّم من بينهم محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب ـ حيث كان الرسول في تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه ـ وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده (عليّاً) وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام(٢) .

كناه وألقابه :

إن لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ألقاباً وكنىً ونعوتاً يصعب حصرها والإلمام بها، وكلّها صادرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفهاعليه‌السلام لنشر الإسلام والدفاع عنه وعن الرسول.

فمن ألقابهعليه‌السلام : أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير(٣)  الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنار، وصاحب اللواء، وسيّد

ــــــــــــ

(١) علل الشرائع للصدوق: ص٥٦، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص٦٧، وبحار الأنوار: ٣٥ / ٨ ، وكشف الغمة للأربلي: ١ / ٨٢ .

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٨.

(٣) اليعسوب: يقصد به هنا سيّد قومه. المبير: المهلك.

٣٦

العرب، وخاصف النعل، وكشّاف الكرب، والصدّيق الأكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصيّ، وقاضي دين رسول الله، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، والأنزع البطين(١) .

وأمّا كناه فمنها: أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب.

الإعداد النبويّ للإمام عليّعليه‌السلام :

كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاًعليه‌السلام بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية(٢) .

وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه ، قال العباس: نعم.

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له:إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا

ــــــــــــ

(١) كشف الغمة للأربلي: ١ / ٩٣. وقد وردت ألقاب أُخرى عديدة لأمير المؤمنين في مصادر الرواة والمحدّثين منها: صحيح الترمذي والخصائص للنسائي والمستدرك للحاكم النيسابوري وحلية الأولياء للأصفهاني وأُسد الغابة لابن الأثير وتأريخ الإسلام للذهبي وغيرهم.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ٤٣.

٣٧

ما شئتما، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّعليه‌السلام فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(١) .

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن اختار عليّاًعليه‌السلام : (قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً ( (٢) .

وهكذا آن لعليّعليه‌السلام أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.

وقد أشار الإمام عليّعليه‌السلام إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربّيه النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: (وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة (٣) ، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه (٤) ، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة (٥) في فعل) .

إلى أن قال:(ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل (٦) أثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري: ٢ / ٥٨ ط مؤسسة الأعلمي بيروت، وشرح ابن أبي الحديد: ١٣ / ١٩٨، وينابيع المودة: ٢٠٢، وكشف الغمة: ١ / ١٠٤، وموسوعة التاريخ الإسلامي : ١ / ٣٥١  ـ ٣٥٦.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١ / ١٥ ، نقلاً عن البلاذري والأصفهاني.

(٣) الخصيصة: الخاصة.

(٤) عرفه (بالفتح): رائحته، وأكثر استعماله في الطيب.

(٥) الخطلة: الخطأ ينشأ من عدم الرؤية.

(٦) الفصيل: ولد الناقة.

٣٨

أخلاقه علماً (١) ، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء (٢) ، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة (٣) الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأنّك لعلى خير) (٤) .

المرحلة الثانية : من البعثة إلى الهجرة

عليّعليه‌السلام أول المؤمنين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لقد نشأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قيم إلهية سامية كما صرّح بذلك القرآن الكريم بقوله تعالى:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٥) ، فكان النموذج المغاير لإنسان الجزيرة في معتقده وتفكيره وسلوكه وأخلاقه، فسلك منذ نعومة أظفاره خطّاً موازياً لقيم رسالات الأنبياء سيَّما شيخهم إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وكان في قناعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ هذا الخطّ لا يلتقي بقيم المجتمع الجاهلي، من هنا بدأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإنشاء نواة الأسرة المؤمنة المتكونة منه وخديجة وعليّعليهم‌السلام .

وقرّر أن يشقّ مجرى التأريخ، وأن يفتح طريقاً وسط التيار العام، وأن يقاوم بتلك الأسرة الانحراف السائد، وأن يُحدث موجاً هادراً يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى تيار جارف للوثنية والجاهلية من ربوع الأرض، إنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والذي تربّى في حِجر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسجد لصنم قطّ، ولم يُشرك بالله طرفة

ــــــــــــ

(١) عَلَماً: فضلاً ظاهراً.

(٢) حراء: جبل قرب مكّة.

(٣) رنّة الشيطان: صوته.

(٤) شرح نهج البلاغة للفيض: ٨٠٢ ، الخطبة ٢٣٤.

(٥) القلم (٦٨) : ٤.

٣٩

عين. وعندما نزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عليّعليه‌السلام إلى جانبه، وكان أوّل من آمن برسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما شهدت بذلك عامّة مصادر التأريخ.

وعن أنس بن مالك قال : أنزلت النبوّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الاثنين وصلّى عليّعليه‌السلام يوم الثلاثاء(١) .

كما روي عن سلمان الفارسي أَنّه قال: أوّل هذه الأمة وروداً على نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (٢) .

وعن العباس بن عبد المطلب أنّه سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب إلاّ بخير، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: في عليّ ثلاث خصال، وددت أنّ لي واحدةً منهنّ، كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، وذلك أنّي كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ضرب النبي على كتف عليّ بن أبي طالب وقال: يا عليّ، أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أول المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، كذب من زعم أنّه يحبّني وهو مبغضك (٣) .

وإذ اتّفق المؤرّخون على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل الناس إسلاماً(٤) ;  فقد

ــــــــــــ

(١) تأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٤١، والكامل في التأريخ: ٢ / ٥٨، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥، وسنن الترمذي: ٥ / ٦٠٠ الحديث ٣٧٣٥.

(٢) الاستيعاب لابن عبد البرّ المالكي بهامش الإصابة: ٣ / ٢٩، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥ وفيه: عليّ أول من أسلم، وفي تأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٣٢، ٣٦، ٦٥ ذكر أنّ عليّاً أول من أسلم، وتأريخ بغداد: ٢ / ٨١ رقم ٤٥٩.

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ١٢٦، وتأريخ دمشق لابن عساكر: ١ / ٣٣١ رقم الحديث ٤٠١.

(٤) من مصادر حديث أنّ علي بن أبي طالب أول من أسلم: سنن البيهقي: ٦ / ٢٠٦، ومسند أبي حنيفة: رقم ٣٦٨ ص١٧٣، وتأريخ الطبري: ٢ / ٥٥ ط مؤسسة الأعلمي، والكامل في التأريخ: ٢ / ٥٧، واُسد الغابة: ٤ / ١٦، تاريخ ابن خلدون : ج٣ / ص٧١٥ ، بدء الوحي والسيرة النبوية: ١ / ٢٦٢، والسيرة الحلبية: ١ / ٤٣٢، ومروج الذهب: ٢ / ٢٨٣، وعيون الأثر: ١ / ٩٢، والإصابة في معرفة الصحابة: ٢ / ٥٠٧، وتأريخ بغداد للخطيب البغدادي: ٢ / ١٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أماكنها ، وسواء كان بينهما مسافة القصر أو لا عند علمائنا أجمع ، وبه قال عامة العلماء(١) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( في أربعين شاةً شاةٌ )(٢) .

ولأنّه ملك واحد فأشبه ما لو تقاربت البُلدان.

وعن أحمد رواية : أنّه إن كان بينهما مسافة القصر فلكلّ مالٍ حكم نفسه يعتبر على حدته ، إن كان نصاباً ففيه الزكاة وإلّا فلا ، ولا يضمّ إلى المال الذي في البلد الآخر.

قال ابن المنذر : لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين مفترق )(٣) وهذا مفترق فلا يجمع.

ولأنّه لمـّا أثّر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثّر افتراق مال الرجل الواحد حتى يجعله كالمالين(٤) .

وقد بيّنا أنّ المراد لا يجمع بين متفرّق في الملك ، والمقيس عليه ممنوع.

فروع :

أ - إذا كان له ثمانون شاة مضى عليها ستّة أشهر فباع منها النصف مشاعاً أو أربعين معيّنةً انقطع الحول في المبيع دون الباقي إجماعاً ، لأنّه نصاب فإذا تمّ الحول فزكاته على البائع ، وإذا حال حول المبيع كانت زكاته على المشتري.

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩ / ٦٢١ ، مسند أحمد ١ : ١٢ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٣.

١٠١

وقال الشافعي : تكون زكاة المشتري زكاة الخلطة(١) .

ب - إذا ملك أربعين في المحرّم ، وأربعين في صفر ، وأربعين في شهر ربيع ، وحال الحول على الجميع ، فعليه في الأول شاة عندنا ، ولا شي‌ء عليه في الزائد ، لقصوره عن النصاب ، والجميع لمالك واحد ، وبه قال أحمد في رواية(٢) .

وقال الشافعي - في القديم - : عليه في كلّ أربعين ثُلث شاة ، و - على الجديد - في الاُولى شاة ، وفي الثانية نصف شاة ، لأنّها مختلطة بالأربعين الاُولى في جميع الحول ، وفي الثالثة ثلث شاة ، لاختلاطها بالثمانين في جميع الحول(٣) .

وله وجه آخر : وجوب شاة في كلّ واحدة(٤) .

ج - لو ملك ثلاثين من البقر واشترى بعد ستّة أشهر عشراً ، فعليه عند تمام حول الثلاثين تبيع ، وعند تمام حول العشر ربع مسنّة ، فإذا تمّ حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنّة ، وإذا حال حولٌ آخر على العشر فعليه ربع مسنّة ، وهكذا ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

وقال ابن سريج : لا ينعقد حول العشر حتّى يتمّ حول الثلاثين ثم يستأنف حول الكلّ(٦) . ولا بأس به.

ويحتمل وجوب التبيع عند تمام كلّ حول الثلاثين ، ورُبع المسنّة عند تمام كلّ حول العشرة.

وكذا لو ملك أربعين من الغنم ستّة أشهر ، ثم ملك إحدى وثمانين‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٦٦ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٥ - ٤٥٧.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٥٧.

(٥ و ٦ ) المجموع ٥ : ٣٦٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

١٠٢

فالأقرب أنّ عليه عند كمال حول الاُولى شاة ، وعند كمال حول الثانية شاة اُخرى ، وهكذا.

ولو ملك أربعين شاة في المحرّم ، ومائة في صفر ، ومائة في ربيع فعليه عند تمام حول الاُولى شاة، وكذا عند تمام حول الثانية والثالثة ؛ لأنّا نجعل ملكه في الإِيجاب كملكه لذلك في حال واحدة فصار كأنّه ملك مائتين وأربعين فتجب ثلاث شياه عند تمام حول كلّ مال شاة.

وقال بعض الجمهور : يجب عليه في الشهر الثاني حصّة من فرض الثالث معاً وهي شاة وثلاثة أسباع شاة ، لأنّه لو ملك المالين دفعةً كان عليه فيهما شاتان حصّة المائة منهما خمسة أسباعهما وهو شاة وثلاثة أسباع شاة ، وعليه في الثالث شاة وربع ، لأنّه لو ملك الجميع دفعة - وهو مائتان وأربعون - كان عليه ثلاث شياه حصّة الثالث ربعهنّ وسدسهنّ وهو شاة وربع(١) .

د - لو ملك عشرين من الإِبل في المحرّم وستّاً في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولها أربع شياه ، وفي الستّ عند تمام حولها ستّة أجزاء من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض.

ولو ملك في المحرّم ستّاً وعشرين ، وفي صفر خمساً فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ، ولا شي‌ء عليه في الخمس الزائدة.

وقال بعض الجمهور : عليه فيها شاة ، لأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه(٢) . وهو ممنوع.

وقال آخرون : عليه سُدس بنت مخاض(٣) . بناءً على أنّ بنت المخاض تجب في خمس وعشرين.

وعلى الخلطة ، فإن ملك مع ذلك في ربيع ستّاً اُخرى فعليه في الأول‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٠.

(٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤١.

١٠٣

عند تمام حوله بنت مخاض ، ولا شي‌ء في الخمس حتّى يتمّ حول الستّ فيجب فيها رُبع بنت لبون ورُبع تُسعها.

وقال بعض الجمهور : عليه في الخمس سُدس ( بنت مخاض )(١) إذا تمّ حولها ، وفي الستّ سُدس بنت لبون عند تمام حولها(٢) .

وقيل : عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها ، وفي الستّ شاة عند تمام حولها(٣) .

* * *

____________________

(١) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية بدل ما بين القوسين : ( شاة ) وما أثبتناه موافق للمصادر.

(٢ و ٣) المغني ٢ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤١.

١٠٤

١٠٥

الفصل الخامس

في صفة الفريضة‌

مسألة ٥٧ : أسنان الإِبل المأخوذة في الزكاة أربع :

بنت مخاض وهي التي كملت سنةً ، ودخلت في الثانية ، وسمّيت بذلك ، لأنّ اُمّها ماخض أي حامل ، والمخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه ، والواحدة : خلفة.

وبنت لبون : وهي التي كمل لها سنتان ، ودخلت في الثالثة ، سمّيت بذلك ، لأنّ اُمّها قد ولدت وصار بها لبن.

وحِقّة وهي التي لها ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، سمّيت بذلك ، لاستحقاقها أن يطرقها الفحل ، أو لأنْ يُحمل عليها.

وجَذَعة - بفتح الذال - وهي التي لها أربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، وهي أكبر سنّ تؤخذ في الزكاة.

ولا توجب حقيقة بنت المخاض أو بنت اللبون ، بل ما كمل لها ما قدّر لها وإن لم تكن لها أمٌّ ، ولا يجب ما زاد على الجَذَعة في الزكاة.

ويسمّى ما دخل في السادسة ثنيّ ، وما دخل في السابعة رباع ورباعية ، وما دخل في الثامنة سديس وسدس ، وما دخل في التاسعة بازل ، لأنّه طلع‌

١٠٦

نابه ، ثم يقال : بازل عام ، وبازل عامين ، وهكذا ، والبازل والمـُخلِف واحد ، وما دون بنت المخاض يقال له : فصيل ، وحوار : أوّل ما ينفصل الولد ، ثم بنت مخاض.

وأسنان البقر : أوّلها : الجذع والجذعة وهي التي لها حول ، ويسمّى شرعاً : تبيعاً وتبيعةً ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة )(١) .

وكذا قال الباقر والصادقعليهما‌السلام حيث فسّراهما بالحولي(٢) .

فإذا كمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ثنيّ وثنيّة وهي المسنّة شرعاً ، فإذا دخل في الرابعة فهو رباع ورباعية ، فإذا دخل في الخامسة فهو سَدِيس وسَدَس ، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ - بالصاد غير المعجمة والغين المعجمة - ثم لا اسم له ، بل يقال : صالغ عام وعامين وثلاثة. وهكذا.

وأمّا الغنم ، فأوّل ما تلد الشاة يقال لولدها : سخلة ، ذكراً كان أو اُنثى في الضأن والمعز ، ثم يقال بعد ذلك : بَهْمة ، ذكراً كان أو اُنثى فيهما ، فإذا بلغت أربعة أشهر ، ففي الغنم : جَفْر ، للذكر ، وجَفْرة ، للاُنثى ، وجمعهما : جِفار ، فإذا جازت أربعة أشهر فهي العَتُود ، وجمعها : عِتْدان ، وعريض ، وجمعها : عراض ، ويقال لها من حين الولادة إلى هذه الغاية : عناق ، للاُنثى ، وللذكر : جدي ، فإذا كملت سنة فالاُنثى : عنز ، والذكر : تيس ، فإذا دخلت في الثانية فهي جَذَعة ، والذكر : جَذَع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثَنِيّة ، والذكر : ثَنِيّ ، فإذا دخلت في الرابعة فرَباع ورَباعِية ، فإذا دخلت في الخامسة فهي سَدِيس وسَدَس ، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ ، ثم صالغ عام وعامين دائماً(٣) .

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٩٩.

(٢) راجع : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٣) فقه اللغة - للثعالبي - : ٨٨ - ٨٩ ، حياة الحيوان - للدميري - ٢ : ١٢٣.

١٠٧

وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ، ثم هو حمل للذكر ورَخِل للْأُنثى إلى سبعة أشهر ، فإذا بلغتها ، قال ابن الأعرابي : إن كان من شابين فهو جذع ، وإن كان من هرمين فلا يقال : جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر وهو جذع أبداً حتى يستكمل سنة ، فإذا دخل في الثانية فهو ثِنيّ وثَنِيّة(١) على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها.

وإنّما قيل في الضأن : جذع إذا بلغ سبعة أشهر ، وأجزأ في الاُضحية ، لأنّه ينزو حينئذٍ ويضرب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في الثانية.

مسألة ٥٨ : الشاة المأخوذة في نصب الإِبل والجبران والغنم : الجَذَعَة من الضأن ، والثَنِيّة من المعز‌ ، لقول سويد بن غفلة : أتانا مصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : نهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نأخذ من المراضع(٢) ، وأمرنا بالجذعة والثنيّة(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يؤخذ إلّا الثَنِيّة منهما(٥) .

وقال مالك : الجذعة فيهما(٦) .

____________________

(١) راجع : لسان العرب ٨ : ٤٤.

(٢) سنن النسائي ٥ : ٣٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٢ / ١٥٧٩ نقلاً بالمعنى.

(٣) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

(٤) الاُم ٢ : ٨ ، مختصر المزني : ٤١ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٠ ، المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٦ - ٥١٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣.

(٦) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٤٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٥٣ ، المغني ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

١٠٨

فروع :

أ - يجزئ الذكر والاُنثى ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق لفظ الشاة(١) ، وهو يتناول الذكر والاُنثى ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الثاني : تجب الاُنثى ، لأنّ الغنم الواجبة في نُصبها إناث(٢) .

ب - يجوز أن يخرج من غنم البلد وغيره ، ومن غنمه وغيرها ، عملاً بالإِطلاق.

وقال الشافعي : يؤخذ من غالب غنم البلد سواء كانت شامية ، أو مكيّة ، أو عربيّة ، أو نبطيّة(٣) ، واختاره الشيخ(٤) ، فإن قصد بذلك الوجوب ، منعناه عملاً بالإِطلاق.

ولا فرق بين أن يكون ما يخرجه من الغنم من جنس غالب غنم البلد أو لا ، خلافاً للشافعي(٥) .

ولو عدل من جنس بلده إلى جنس بلدٍ آخر أجزأ وإن كان أدون من غنم بلده ، خلافاً للشافعي(٦) .

ج - يجوز أن يُخرج من الضأن أو المعز سواء كان الغالب أحدهما أو لا ، وسواء كان عنده أحدهما أو لا ، لقول سويد بن غفلة : أتانا مصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثنيّ من‌

____________________

(١) اُنظر على سبيل المثال : سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٢ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٤ - ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٥٥.

(٣) المجموع ٥ : ٣٩٨ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٦.

(٥ و ٦ ) المجموع ٥ : ٣٩٨ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

١٠٩

المعز(١) ، ولأنّ اسم الشاة يتناولهما ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : ينظر إلى الغالب فيؤخذ منه ، فإن تساويا أخرج من أيّهما شاء ، وبه قال عكرمة وإسحاق(٣) .

وما قلناه أولى ، فيُخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين ، فإذا تساويا عدداً وكانت قيمة المخرج من أحدهما اثني عشر ومن الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف ، ولو كان الثُلث ضأناً وثُلثان ماعزاً(٤) أخرج ما قيمته ثلاثة عشر ، ولو انعكس أخرج ما قيمته أربعة عشر.

د - يجزئ إخراج البعير عن الشاة وإن كانت قيمته أقلّ من قيمة الشاة ، على إشكال - وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي(٥) - لأنّه يجزئ عن ستّ وعشرين فعن الأقلّ أولى.

وقال مالك وداود وأحمد : لا يجزئه ، لأنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئه إلّا بالقيمة(٦) ، ولا بأس به.

وكذا يجزئ إخراج المسنّة عن التبيع.

ه- لو كانت الإِبل كراماً سماناً ففي وجوب كون الشاة كذلك إشكال ينشأ من الإِطلاق ، ومن وجوب ذلك في المأخوذ من الإِبل ، وأوجب الشافعي‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٧.

(٢) الاُم ٢ : ١١ ، مختصر المزني : ٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٧ ، الوجيز ١ : ٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٥.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٢٧ و ١٣٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المغني ٢ : ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٦.

(٤) الماعز اسم جنس وهي العنز ، والجمع : معز. لسان العرب ٥ : ٤١٠.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ و ٣٩٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٠ ، المغني ٢ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨١.

(٦) المجموع ٥ : ٣٩٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤١ ، المغني ٢ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨١.

١١٠

المساواة(١) .

أمّا لو كانت الإِبل مراضاً ، فللشافعيّة في الشاة قولان(٢) : صحيحة تجزئ في الاُضحية ، وشاة بقيمة المراض ، فيقال : كم قيمة الإِبل صحاحاً؟

فإذا قيل : مائة ، قيل : وكم قيمتها مراضاً؟ فإذا قيل : خمسون ، قيل : كم قيمة الشاة الصحيحة المجزئة؟ فإذا قيل : عشرة ، أخذ شاة صحيحة قيمتها خمسة ، فإن أمكن أن تُشترى بحيث تجزئ في الاُضحية بهذه الصفة وإلّا فَرَّق الدراهم.

و - يخرج عن الماشية من جنسها على صفتها ، فيخرج عن البخاتي بختية ، وعن العراب عربيّة ، وعن الكرام كريمة ، وعن السمان سمينة ، فإن أخرج عن البخاتي عربيّةً بقيمة البختية ، أو عن السمان هزيلةً بقيمة السمينة جاز ، لأنّ القصد التساوي في القيمة مع اتّحاد الجنس.

ومنع بعض الجمهور منه ، لما فيه من تفويت صفة مقصودة فلم يَجُز ، كما لو أخرج من غير الجنس(٣) .

والحكم في الأصل ممنوع ، ولو قصرت القيمة فالوجه : عدم الإِجزاء.

ولو أخرج عن اللئيمة كريمةً ، وعن الهزيلة سمينةً أجزأ بلا خلاف.

قال اُبيّ بن كعب : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدّقاً ، فمررت برجل فلمـّا جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلّا بنت مخاض ، فقلت له : أدِّ بنت مخاض فإنّها صدقتك ، فقال : ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخُذها ، فقلت : ما أنا بآخذ ما لم اُؤمر به ، وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٤٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٥ و ٣٩٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٤١ - ٤٢.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٤٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٣.

١١١

عليَّ فافعل ، فإن قبله منك قبلته ، وإن ردّه عليك رددته ، قال : فإنّي فاعل ، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض عليّ حتى قدمنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ منّي صدقة مالي ، وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قط قبله ، فجمعت له مالي ، فزعم أنّ ما عليّ فيه بنت مخاض ، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى ، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خُذها ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ذاك الذي وجب عليك فإن تطوّعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك ) قال : فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها ، قال : فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقبضها ، ودعا له في ماله بالبركة(١) .

ويحتمل إجزاء أيّ الصنفين شاء في جميع ذلك إذا كان بالصفة الواجبة.

مسألة ٥٩ : ولا تؤخذ مريضة من الصحاح ، ولا هرمة ، ولا ذات عوار‌ أي : ذات عيب ، لقوله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلّا ما شاء المصدِّق )(٣) أي : العامل.

فقيل : التيس لا يؤخذ ؛ لنقصه ، وفساد لحمه ، وكونه ذكراً(٤) .

وقيل : لفضيلته ، لأنّه فحلها(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار ، إلّا أن يشاء المصدّق ، يعدّ صغيرها وكبيرها »(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٦ - ٩٧.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، الموطّأ ١ : ٢٥٩ / ٢٣ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١١٤ / ٢.

(٤ و ٥ ) المغني ٢ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ و ٢٣ / ٦٢.

١١٢

فروع :

أ - لو كانت الإِبل كلّها مراضاً جاز أن يأخذ مريضة ، ولا تجب صحيحة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) ، لأنّ المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الخيار من الردي‌ء كالحبوب.

وقال مالك : تجب عليه صحيحة من غير المال(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( ولا ذات عوار )(٣) .

وهو محمول على ما إذا كان النصاب صحاحاً.

ولو كانت كلّها مراضاً إلّا مقدار الفرض تخيّر بين إخراجه وشراء مريضة.

ولو كان النصف صحيحاً ، والنصف مريضاً أخرج صحيحة بقيمة المريضة.

ب - لو كانت كلّها مراضاً ، والفرض صحيح لم يَجُز أن يُعطي مريضاً ، لأنّ في الفرض صحيحاً ، بل يكلّف شراء صحيح بقيمة الصحيح والمريض ، فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستّ وثلاثين مراض كلّف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستّة وثلاثين جزءاً من صحيحة ، وخمسة وثلاثين جزءاً من مريضة.

ج - لو كان المال كلّه صحاحاً ، والفرض مريض لم يَجُز أخذه ، وكان له الصعود والنزول مع الجبران ، أو يشتري فرضاً بقيمة الصحيح والمريض.

د - لو كانت كلّها مراضاً وليس فيها الفرض فأراد أن يصعد ويطلب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٩٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٨.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣١ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٣) من الصفحة ١١١.

١١٣

الجبران لم يكن له ذلك ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الجبران بين الفرضين الصحيحين(١) ، فلا يدفعه بين المريضين ، لأنّ قيمتهما أقلّ من قيمة الصحيحين ، وكذلك قيمة ما بينهما.

ولو أراد النزول ودفع الجبران جاز ، والمعيب كالمريض في ذلك كلّه.

ه- لو كان عليه حِقّتان ، ونصف ماله مريض ، ونصفه صحيح كان له إخراج حِقّة صحيحة وحِقّة مريضة ، لأنّ النصف الذي يجب فيه إحدى الحقّتين مريض كلّه.

وقال أحمد : لا تجزئ ، لأنّ في ماله صحيحا ومريضا فلا يملك إخراج مريضة ، كما لو كان نصابا واحدا(٢) .

و - لو كانت كلّها صغاراً أخرج منها ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال مالك : تجب كبيرة(٤) .

ز - لو كان الصحيح دون قدر الواجب كمائتي شاة ليس فيها إلّا صحيحة أجزأ إخراج صحيحة ومريضة ، وهو أصح وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إلزامه بصحيحتين ، لأنّ المخرجتين كما تزكّيان الباقي تزكّي كلّ واحدة منهما الاُخرى فيلزم أن تزكّي المريضة الصحيحة وهو ممتنع(٥) .

ونمنع كون كلّ منهما تزكّي الاُخرى.

____________________

(١) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ - ١١٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٢) المغني ٢ : ٤٦٦ - ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٤٢٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٥٤.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٣.

(٥) المجموع ٥ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧١.

١١٤

ح - لو كان له أربعون بعضها صحيح ، وبعضها مريض أخرج صحيحة قيمتها ربع عُشر الأربعين التي يملكها ، لأنّ الواحد ربع عُشر الأربعين.

ولو كان عنده مائة وإحدى وعشرون منقسمة أخرج صحيحتين قيمتهما قدر جُزءين من مائة وإحدى وعشرين جزءاً من قيمة الجملة وهو يغني عن النظر في قيمة آحاد الماشية.

ويحتمل التقسيط بالنسبة ، فلو كان نصف الأربعين صحاحا ، ونصفها مراضا ، وقيمة كلّ مريضة دينار ، وقيمة كلّ صحيحة ديناران أخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وهي دينار ونصف.

ط - لو كان المال كلّه معيباً أخذت معيبة ، ولو كان فيها سليم طولب بسليمة تقرب قيمتها من ربع عُشر ماله ، وإن كان الكلّ معيباً ، وبعضها أرْدأ أخرج الوسط ممّا عنده.

ولو ملك ستّاً وعشرين معيبة وفيها بنتا مخاض إحداهما أجود ما عنده لم يلزمه إخراجها ، وفي وجه للشافعي : وجوبه(١) .

والعيب المعتبر في هذا الباب ما يثبت الردّ في البيع أو ما يمنع التضحية ، والوجهان للشافعية(٢) ، والأقرب : الأول.

ي - لو كانت ماشيته ذكراناً كلّها أجزأ أن يُخرج منها ذكراً - وهو أحد وجهي الشافعي - كالمريضة ، وفي الآخر : لا يجوز - وبه قال مالك - لورود النصّ بالإِناث(٣) .

وقال بعضهم : إن أدّى أخذ الذكر في الإِبل إلى التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلّا أخذ ، فلا يؤخذ ابن لبون من ستّ وثلاثين ، لأنّه مأخوذ من ستّ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٧٢ - ٣٧٣ ، المجموع ٥ : ٤٢١.

(٢) المجموع ٥ : ٤٢٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٣.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢١ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٤ - ٣٧٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٠.

١١٥

وعشرين فيؤدّي إلى التسوية ، ويؤخذ حِقٌّ من ستّ وأربعين ، وجَذَع من إحدى وستّين ، وابن مخاض من ستّ وعشرين(١) .

والوجه عندي في ذلك اتّباع النصّ ، فلا يجزئ في ستّ وعشرين ابن مخاض ، ولا في ستّ وأربعين حِقّ ، ولا جَذَع في إحدى وستّين ، لورود النصّ بالاُنثى ، ويجزئ في غير ذلك كالغنم.

يا - لا يجزئ الصغار عن الكبار ، لورود النصّ بالسنّ ، نعم لو كانت كلّها صغاراً أجزأ الواحد منها - وهو متعذّر في أكثر المواشي عند أكثر الجمهور ، لاشتراط حولان الحول فيخرج إلى حدّ الإِجزاء(٢) ، ويتأتّى(٣) على مذهبنا ، ومذهب أبي حنيفة(٤) ، لأنّ الحول إنّما يبتدأ من وقت زوال الصغر - وهو أحد وجهي الشافعي(٥) .

ويتصوّر على مذهبه(٦) بأن يحدث من الماشية نتاج في الحول ، ثم تموت الاُمّهات ، ويبقى من النتاج النصاب فتجب الزكاة في النتاج إذا تمّ حول الأصل - وبه قال مالك - أو يمضي على صغار المعز حول فتجب فيها الزكاة وإن لم تبلغ سنّ الإِجزاء عنده على الأظهر ، لأن سنّ إجزاء المعز سنتان(٧) .

وفي الثاني : لا يجوز أخذ الصغيرة عن الصغار(٨) .

ومنهم من سوّغ في الغنم ، وفي الإبل والبقر ثلاثة أوجه :

المنع ، لما فيه من التسوية بين ستّ وعشرين من الإِبل وإحدى وستّين‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٧٦.

(٢) راجع : فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٢٣.

(٣) بهامش نسخة « ن » : أي : ويتأتّى التعذّر على مذهبنا.

(٤) وهو : عدم انعقاد الحول على الصغار. راجع : بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٧٩.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، المجموع ٥ : ٤٢٣.

(٦) أي : مذهب الشافعي.

(٧ و ٨ ) فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، المجموع ٥ : ٤٢٣.

١١٦

وما بينهما من النصابين في أخذ فصيل ، وبين ثلاثين من البقر وأربعين في أخذ عجل.

الثاني : المنع من أخذ صغيرة من إحدى وستّين فما دونها ، لأنّ الواجب واحد ، وفيما جاوز ذلك يعتبر العدد كالغنم.

واُلزم على هذا أنّ الواجب في إحدى وتسعين حقّتان ، وفي ستّ وسبعين بنتا لبون ، فالأولى على هذا أن يقال : إن أدّى أخذ الصغيرة إلى التسوية لم تؤخذ وإلّا اُخذت.

الثالث - وهو الأظهر - جواز(١) أخذها كما يؤخذ من الغنم(٢) .

يب - الأقرب جواز إخراج ثنيّة من المعز عن أربعين من الضأن ، وجَذَعة من الضأن عن أربعين من المعز - وهو أحد وجهي الشافعي - لاتّحاد الجنس.

والثاني : المنع ، فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس ، لأنّ الضأن فوق المعز(٣) .

ولو اختلف النوع جاز إخراج مهما شاء المالك ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وأظهرهما : التقسيط ، وله آخر : التخيير إذا لم يمكن إخراج الصنفين ، فإن أمكن كمائتين من الإِبل نصفها مَهْرية(٤) ، ونصفها عربية ، تؤخذ حِقّتان من هذه ، وحِقّتان من هذه ، وله رابع : الأخذ من الأجود ، وخامس : أن يؤخذا [ لـ ] وسط(٥) .

مسألة ٦٠ : لا تؤخذ الرُبّى - وهي الوالد - إلى خمسة عشر يوماً‌ ، وقيل :

____________________

(١) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : عدم جواز وما أثبتناه من المصادر.

(٢) المجموع ٥ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٤.

(٤) إبل مَهْرية : نسبة إلى قبيلة مَهْرة بن حَيْدان. لسان العرب ٥ : ١٨٦.

(٥) المجموع ٥ : ٤٢٤ - ٤٢٥ ، الوجيز ١ : ٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ - ٣٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٥.

١١٧

إلى خمسين ، لاشتغالها بتربية ولدها.

ولا الماخض - وهي الحامل - ولا الأكولة - وهي السمينة المعدّة للأكل - ولا فحل الضراب؛ لقولهعليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(١) .

ونهىعليه‌السلام أن يأخذ شافعاً(٢) أي : حاملاً ، سمّيت به ، لأنّ ولدها قد شفعها.

فإن تطوّع المالك بذلك أجزأ ، ولو اتّصفت الكلّ بالماخض وجب إخراج ماخض ، وكذا الأكولة مع السوم.

وأما الرُبّى ففي أخذها إشكال ، للخوف على الولد ، فالأقرب إلزامه بالقيمة.

فروع :

أ - إذا وجب عليه جَذَعة وكانت حاملاً لم يكن للساعي أخذها إلّا أن يتطوّع المالك وكذا إذا وجب عليه سنّ فأعطى المالك أعلى جاز وكان متطوّعاً بالفضل ، ولا نعلم فيه خلافاً إلّا من داود ، فإنّه قال : لا يجوز أخذ الحامل والأعلى من السنّ الواجب(٣) ، لأنّه عدل المنصوص فلم يجزئه.

ولقولهعليه‌السلام لمعاذ : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(٤) .

والتنصيص على الأخفّ إرفاقاً بالمالك فلا يمنع من الأعلى.

ب - لو تعدّد الفرض في ماشيته كان الخيار إلى المالك أيّ واحدةٍ مُجزئةٍ

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٢ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٣ / ١٥٨١ ، سنن النسائي ٥ : ٣٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠.

(٣) المجموع ٥ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٥ ، المسألة ١٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صدر المسألة.

١١٨

أخرجها جاز.

وقال بعض علمائنا : يقرع حتى تبقى الواجبة(١) ، وهو عندي على الاستحباب.

ج - إذا لم يظهر بالبهيمة الحمل ولكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلّا برضا المالك ، وكانت كالحامل ينتقل إلى ما فوقها أو دونها.

المطلب الثاني

في زكاة الذهب والفضة‌

مسألة ٦١ : الذهب والفضّة تجب فيهما الزكاة‌ بالنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٢) ولا يتوعّد بهذه العقوبة إلّا على ترك الواجب.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاُحمي عليها في نار جهنم فيكوى جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت اُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد )(٣) .

وأجمع المسلمون كافّة على الوجوب مع الشرائط.

مسألة ٦٢ : يشترط في وجوب الزكاة في هذين أمور أربعة : الملك إجماعاً ، والحول كذلك ، والنصاب أيضاً ، وكونهما مضروبين منقوشين‌

____________________

(١) حكاه أيضاً المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٤٧ ، وانظر : الخلاف للشيخ الطوسي ٢ : ٢٥ ، المسألة ٢١.

(٢) التوبة : ٣٤‌

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٠ / ٩٨٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ١٣٧.

١١٩

دراهم ودنانير عند علمائنا خاصة ، فلا زكاة في السبائك والنقار والتبر والحليّ ، لقولهعليه‌السلام : (ليس في الحليّ زكاة )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الكاظمعليه‌السلام : « ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة زكاة »(٢) .

وقول الصادق والكاظمعليهما‌السلام : « ليس على التبر زكاة »(٣) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « كلّ مال لم يكن ركازاً فلا زكاة فيه » قلت : وما الركاز؟ قال : « الصامت المنقوش »(٤) ولأنّه يجري مجرى الأمتعة.

وأوجب الجمهور كافّة الزكاة في غير المنقوش كالتبر والنقار(٥) - وإن اختلفوا في الحُليّ على ما يأتي(٦) - للعموم ، والخاصّ مقدّم.

مسألة ٦٣ : ولكلّ منهما نصابان وعفوان‌ عندنا على ما يأتي(٧) ، فأوّل نصاب الذهب عشرون مثقالاً ، وعليه إجماع العلماء - إلّا ما حكي عن الحسن البصري(٨) وشيخنا علي بن بابويه(٩) فإنّهما قالا : لا شي‌ء في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالاً - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس في أقلّ من عشرين‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٧ ذيل الحديث ٤ ، وفيه عن جابر مقطوعاً.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ / ١٩ ، الاستبصار ٢ : ٦ / ١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٧ / ١٨ ، الاستبصار ٢ : ٧ / ١٦.

(٤) المصادر في الهامش (٢) من هذه الصفحة.

(٥) الشرح الصغير ١ : ٢١٨ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٢٤٣ ، المجموع ٦ : ٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦ - ١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ١٤٨ ، المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٦) يأتي في المسألة ٧٠.

(٧) يأتي في نفس المسألة والمسألتين ٦٦ و ٦٨.

(٨) المجموع ٦ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧.

(٩) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ١٠٣.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460