تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192402 / تحميل: 6322
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مثقالاً من الذهب ، ولا في أقلّ من مائتي درهم صدقة )(١) وهو يدلّ بمفهومه على وجوبه في العشرين ، خصوصاً مع اقترانه بالمائتين.

وقول عليعليه‌السلام : « على كلّ أربعين ديناراً دينارٌ ، وفي كلّ عشرين نصف دينار »(٢) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس فيما دون العشرين مثقالاً من الذهب شي‌ء ، فإذا كملت عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة »(٣) .

احتجّ ابن بابويه بقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقلّ من أربعين مثقالاً شي‌ء ، ولا في أقلّ من مائتي درهم شي‌ء »(٤) .

والجواب : يحتمل أن يكون أراد بالشي‌ء المنفي فيما دون الأربعين هو الدينار الواجب في الأربعين لأنه مجمل فيجوز بيانه بما قلناه جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٦٤ : أوّل نصاب الفضة مائتا درهم‌ بإجماع العلماء.

لقولهعليه‌السلام : ( ولا في أقلّ من مائتي درهم صدقة )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( في الرقّة ربع العشر ، فإن لم يكن إلّا تسعين ومائة‌

____________________

(١) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٤٩ / ١٢٩١ ، ونقله عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٩٨.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٩٨ نقلاً عن سعيد والأثرم ، وفي مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ١١٩ نحوه.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٥ - ٥١٦ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥.

(٤) التهذيب ٤ : ١١ / ٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣ / ٣٩.

(٥) المصادر في الهامش (١) من هذه الصفحة.

١٢١

فليس فيها شي‌ء إلّا أن يشاء ربّها )(١) والرقّة : الدراهم المضروبة.

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم »(٢) .

واعلم أنّ المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام ، وأمّا الدراهم فإنّها مختلفة الأوزان ، فكانت في صدر الإِسلام صنفين : سوداً وطبريّة ، وكانت السود كلّ درهم ثمانية دوانيق ، والطبريّة أربعة دوانيق ، فجمعا في الإِسلام وجعلا درهمين متساويين ، كلّ درهم ستّة دوانيق ، فالدراهم التي يعتبر فيها النصاب هي الدراهم التي كلّ عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، فكلّ درهم نصف مثقال وخمسه ، وهي الدراهم الإسلامية التي يقدّر بها نصب الزكاة ، ومقدار الجزية ، والديات ، ونصاب القطع في السرقة ، وغير ذلك ، والدانق : ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير.

مسألة ٦٥ : نصاب الذهب عشرون مثقالاً ، ولا تعتبر قيمته بالفضّة‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء(٣) .

لقول عليعليه‌السلام : « في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار »(٤) .

ولأنّه نصاب تجب الزكاة في عينه فلا يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال طاوس والزهري وسليمان بن حرب وأيوب السجستاني : إنّه معتبر بالفضّة ، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة وإلّا فلا ، لأنّه لم يثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدير في نصابه فيحمل على الفضّة(٥) ، وقد بيّنا النقل‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ - ١٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢ / ٣٠.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧.

(٤) أوعزنا إلى مصادره في المسألة ٦٣.

(٥) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧ ، و ٥٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

١٢٢

عنه وعن أهل بيتهعليهم‌السلام .

مسألة ٦٦ : لو نقص نصاب الذهب أو الفضّة شيئاً يسيراً كالحبّة سقطت الزكاة‌ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )(٢) والأوقيّة : أربعون درهماً إجماعاً.

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم ، وليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالاً »(٣) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « في كلّ مائتين خمسة دراهم من الفضّة ، وإن نقص فليس عليك زكاة ، ومن الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار ، وإن نقص فليس عليك شي‌ء »(٤) .

وهو رواية عن أحمد ، وفي اُخرى : إن كان النقص يسيراً كالحبّة والحبّتين من الفضّة وجبت الزكاة ، لأنّه لا يضبط غالباً فهو كنقص الحول ساعة وساعتين ، وإن كان نقصاً بيّناً كالدانق والدانقين فلا زكاة.

وعن أحمد : إنّ الذهب إن نقص ثُلث مثقال زكّاه - وبه قال عمر بن عبد العزيز وسفيان - وإن نقص نصفاً فلا زكاة ، وعن أحمد أيضاً : إن نقص ثُمناً فلا زكاة(٥) .

وعن مالك روايتان : إحداهما : إن نقص النصاب نقصاً يسيراً يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة ؛ لأنّها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٧ و ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٣ : ٨٩ ، المغني ٢ : ٥٩٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ٥ و ٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، الموطأ ١ : ٢٤٤ / ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢ / ٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٥ ( باب زكاة الذهب والفضة ) ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٢ / ٣١.

(٥) المغني ٢ : ٥٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

١٢٣

الثانية : إن نقص الحبّة والحبّتين في جميع الموازين وجبت الزكاة(١) ، وهي المعروفة من مذهبه.

وقال الأبهري : ليس هذا مذهب مالك ، وإنّما مذهبه أنّها إن نقصت في بعض الموازين وهي كاملة في بعضها ففيها الزكاة(٢) .

والأحاديث تدلّ على اعتبار النصاب تحقيقاً.

تذنيب : المعتبر في نصاب الفضّة الوزن وهو أن يكون كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وكلّ درهم ستّة دوانيق ، ولا اعتبار بالعدد ، ولا بالسود البغليّة(٣) التي في كلّ درهم درهم ودانقان ، ولا بالطبرية الخفيفة التي في كلّ درهم أربعة دوانيق ، وبه قال عامّة فقهاء الإِسلام(٤) .

وقال ( المغربي من أهل الظاهر )(٥) : الاعتبار بالعدد دون الوزن ، فإذا بلغت المائتين عدداً ففيها الزكاة ، سواء كانت وافيةً(٦) أو من الخفيفة ، وإن كانت أقلّ من المائتين عدداً فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفةً أو وافية(٧) .

وهو مدفوع بالإِجماع ، وخلاف المغربي قد انقرض ، وانعقد الإِجماع على خلافه ، فعلى هذا لو زاد العدد عن مائتين ولم تبلغ مائة وأربعين مثقالاً فلا زكاة ، ولو نقص عن مائتين وبلغ مائة وأربعين مثقالاً وجبت.

مسألة ٦٧ : إذا بلغ أحدهما النصاب وجب فيه ربع العشر‌ ، فيجب في العشرين مثقالاً نصف دينار ، وفي المائتين من الفضّة خمسة دراهم بإجماع‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٧ ، الموطأ ١ : ٢٤٧ ، المنتقى للباجي ٢ : ٩٥ ، المجموع ٦ : ٧.

(٢) المنتقى للباجي ٢ : ٩٦.

(٣) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : التغلبية. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المجموع ٦ : ١٩.

(٥) ورد في النسخ الخطية بدل ما بين القوسين هكذا : المغربي وأهل الظاهر. والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٦) درهمٌ وافٍ : وفى بزنته لا زيادة فيه ولا نقص. لسان العرب ١٥ : ٣٩٩ « وفى ».

(٧) المجموع ٦ : ١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٩.

١٢٤

علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهماً درهماً ، وليس في تسعين ومائة شي‌ء )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً فعليه(٢) نصف دينار ، وليس فيما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس فيما دون المائتين شي‌ء »(٣) .

مسألة ٦٨ : النصاب الثاني للذهب : أربعة دنانير وفيها قيراطان ، وللفضّة : أربعون درهماً وفيها درهم واحد‌ ، ولا شي‌ء في الزائد على النصاب الأول منهما ما لم يبلغ ما قلناه عند علمائنا كافّة ، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن والشعبي ومكحول والزهري وعمرو بن دينار وأبو حنيفة(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( من كلّ أربعين درهماً درهماً )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم ، ثم لا شي‌ء فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهماً )(٦) وهذا نصّ.

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا كملت‌

____________________

(١) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠٠ ونحوه في سنن الترمذي ٣ : ١٦ / ٦٢٠.

(٢) في المصدر : ففيه.

(٣) التهذيب ٤ : ٧ / ١٥.

(٤) المجموع ٦ : ١٦ - ١٧ ، المغني ٢ : ٦٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ - ١٨ ، اللباب ١ : ١٤٦ و ١٤٨.

(٥) أوعزنا إلى مصادره في الهامش (١) من هذه الصفحة.

(٦) أورده كما في المتن ، ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠١ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٥.

١٢٥

عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة »(١) .

وعن الباقرعليه‌السلام : « ليس فيما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وكذلك الدنانير على هذا الحساب »(٢) .

ولأنّ له عفواً في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية.

وقال مالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وأحمد : لا يعتبر نصاب أحدهما بل تجب الزكاة في زيادتهما وإن قلّت.

ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام وابن عمر وعمر بن عبد العزيز والنخعي.

لما روي عن عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ، قال : ( هاتوا ربع العشر عن كلّ أربعين درهماً درهماً ، وليس عليكم شي‌ء حتى تتمّ مائتين ، وإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك )(٣) .

ولأنّه مال متجر(٤) فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب(٥) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٧ / ١٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ١٥٧٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٢ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٥.

(٤) ورد في النسخ الخطية : يتجر. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ١٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ - ١٨.

١٢٦

ولا دلالة في الحديث ؛ لأنّ ما زاد على المائتين بحساب المائتين في كلّ أربعين درهم وليس في الناقص عنها شي‌ء ؛ إذ لا يسمّى أربعين فهو حجّة لنا ، والقياس مدفوع بما تقدّم.

إذا ثبت هذا ، فكلّما زاد الذهب أربعة أربعة كان فيها قيراطان في كلّ أربعة ، وإذا زادت الفضّة أربعين أربعين ففيها درهم في كلّ أربعين بلا خلاف عندنا ، ولا زكاة فيما نقص عن ذلك وإن خرج بالتامّ.

تذنيب : لا فرق في النصاب الأول والثاني في أنّه لو نقص منه شي‌ء يسير كالحبّة تسقط الزكاة سواء اتّفقت الموازين في النقص أو اختلفت فيه كما قلناه في الأول ، ولو اختلفت بما جرت العادة به فالأقرب عدم الوجوب‌.

مسألة ٦٩ : لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصاباً ، وكذا المختلط بغيره‌ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة )(٢) .

ولأنّ المناط كونه ذهباً وفضّة ، والغشّ ليس أحدهما.

وقال أبو حنيفة : إن كان الغشّ النصف أو أكثر كانت كالعروض تعتبر بالقيمة ، وإن كان الغشّ دون النصف سقط حكم الغشّ وكانت كالفضّة الخالصة التي لا غشّ فيها ، لأنّ الفضّة لا تنطبع إلّا بالغشّ(٣) ، وليس حجّةً.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٩ و ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١١ - ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، الموطأ ١ : ٢٤٤ - ٢٤٥ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٤.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ١٤٧ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٦٢ ، المجموع ٦ : ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، وحكاه عنه أيضاً المحقّق في المعتبر : ٢٦٦.

١٢٧

فروع :

أ - لا يجوز أن يخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة مغشوشة - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه من ردي‌ء المال فلا يجزئ عن الجيّد.

وقال أبو حنيفة : يجوز(٢) .

ب - لو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا وجبت الزكاة ، لأصالة الصحّة والسلامة.

ولو علم أنّ فيه غشّا وشك هل بلغ الصافي نصاباً أو لا لم يؤمر بالسبك ولا الإخراج منها ولا من غيرها ، لأنّ بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء.

وقال أحمد : يلزمه أحدهما(٣) .

ج - لو عرف أنّ فيه نصاباً خالصاً وجهل الزيادة عليه ، قال الشيخ : يؤمر بسبكها إن لم يتبرّع بالاحتياط في الإِخراج(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لأنّ الذمّة مشغولة ، ولا يحصل يقين البراءة إلّا بالسبك أو الاحتياط في الإِخراج.

والوجه : أخذ ما تيقّن وجوبه ، ويطرح المشكوك فيه عملاً بأصالة البراءة ، ولأنّ الزيادة كالأصل ، فكما لو شكّ هل بلغ الصافي نصاباً تسقط كذا لو شكّ هل بلغت الزيادة نصاباً آخر.

د - لو أخرج عن المغشوشة منها فإن اتّفق مثل أن يكون في كلّ دينار سُدسه وعلم ذلك أجزأ ؛ لأنّه يكون مخرجاً لربع العُشر ، وإن اختلف أو لم‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٨ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩٠.

(٢) المجموع ٦ : ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٠ ، وعنه في المعتبر : ٢٦٦.

(٥) المجموع ٦ : ١٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

١٢٨

يعلم لم يجزئه إلّا الاستظهار بأن يتيقّن أنّ ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة ، ولو أخرج ذهباً لا غشّ فيه فهو أفضل.

ه- لو أراد إسقاط الغشّ وإخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب كمن معه أربعة وعشرون ديناراً سُدسها غشّ فأسقطه وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز ؛ لأنّه لو سبكها لم يلزمه إلّا ذلك ، ولأنّ غشّها لا زكاة فيه.

و - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة فيه أيضاً إن بلغ نصاباً أو كمل ما معه من جنسه نصاباً.

ز - كره الشافعي ضرب الدراهم المغشوشة(١) .

والوجه : التحريم إلّا مع الاعتياد بإخراجها.

ثم إن كانت مضبوطةً صحّت المعاملة بها ، وإن كانت مجهولة النقرة احتمل جواز المعاملة كما يجوز بيع المعجونات وإن جهلت مقادير بسائطها ، والمنع ، لأنّها تطلب لما فيها من النقرة وهي مجهولة القدر.

ح - لو علم النصاب وقدر الغشّ أخرج عن الخالصة مثلها وعن المغشوشة منها.

ط - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت عنهما على ما تقدّم ، فإن اُشكل الأكثر منهما ولم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة ، فلو كان أحد النقدين ستمائة والآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهباً وأربعمائة فضّة إن كان الذهب أكثر قيمة ، وإلّا فالعكس.

ي - لو تساوى العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية استحب الأفضل ، والوجه : عدم إجزاء الأنقص قيمة وإن تساوى قدراً ، بل يجب التقسيط ، ولو أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب وقيمته أجزأ ، ولو نقص قدراً مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيّد احتمل الإِجزاء اعتباراً بالقيمة‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ١٣.

١٢٩

وعدمه ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على نصف دينار(١) فلم يجز النقص منه ، ولو أخرج من الأردأ وزاد في القدر بقدر ما يفي بقيمة الواجب جاز.

يا - يكمل جيّد النقرة برديئها كالنعام والخشن ، وكذا الذهب العالي والدون ، ثم يخرج من كلّ جنس بقدره ، وكذا الدراهم والدنانير الصحاح والمكسّرة يضمّ بعضها إلى بعض ما لم يخرج بالكسر عن اسم المضروبة كما لو سحقت أجزاءً صغاراً لا يظهر الضرب والنقش فيها ، ثم يخرج عن كلّ جنس بقدره ، ولو أخرج من المكسّرة بقدر الواجب قيمة أجزأ ، وكذا من الصحيحة وإن قصر الوزن على إشكال.

يب - لو أخرج بهرجاً عن الجيّد وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيّد جاز ؛ لأنّه أخرج القيمة.

وقال الشافعي : لا يجوز(٢) ، وهل يرجع فيما أخرجه من المعيب؟

وجهان عند أصحابه(٣) .

وقال أبو حنيفة : يجوز إخراج الرديئة عن الجيّدة من غير جبران ، لأنّ الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها(٤) .

مسألة ٧٠ : لا زكاة في الحليّ المباح استعماله كالسوار للمرأة ، والمِنطقة للرجل عند علمائنا أجمع ، وبه قال في الصحابة : ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء ، وفي التابعين : سعيد بن المسيب والحسن البصري والشعبي والقاسم وقتادة ومحمد بن علي الباقرعليه‌السلام وأبو عبيد وقالوا :

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٨‌

(٢) المجموع ٦ : ٨ ، فتح العزيز ٦ : ١١ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، المغني ٢ : ٦٠١ - ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٤.

(٣) المجموع ٦ : ٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٤.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٤٢ ، المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

١٣٠

زكاته إعارته كما يقوله علماؤنا.

وفي الفقهاء : مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي - في القديم - والبويطي ، وأحد قوليه في الاُم ، وعليه أصحابه ، وبه يفتون(١) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في الحليّ )(٢) .

قالت فريعة بنت أبي أمامة : حلّاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رعاثاً ، وحلّى اُختي ، وكنّا في حِجْره فما أخذ منّا زكاةَ حُليّ قطّ(٣) ، والرعاث : الحِلَق(٤) .

لا يقال : ترك الزكاة لأنّه لم يبلغ نصاباً.

لأنّا نقول : إنّما يقال : ما أخذ زكاةً ، إلّا والمال ممّا تجب فيه الزكاة.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الحُليّ فيه الزكاة؟ فقال : « لا وإن بلغ مائة ألف »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « زكاة الحليّ أن يعار »(٦) ولأنّه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل وثياب القُنية.

وقال الشافعي في الجديد : تجب فيه الزكاة ، وبه قال عمرو ابن مسعود‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٤١ ، المغني ٢ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٩ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٤٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ - ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٥ و ٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٠ و ٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩ ذيل الحديث ٦٣٦ ، المحلّى ٦ : ٧٥ و ٧٦.

(٢) لم نجده في المصادر الحديثية المتوفّرة لدينا ، نعم أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٨٨ ، المسألة ١٠٢.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١٤١ ، وأورده الشيخ الطوسي أيضا في الخلاف ٢ : ٨٩ ، المسألة ١٠٢.

(٤) الرعاث : القِرَطة وهي من حُليّ الاُذن ، واحدتها رعثة. وهو القرط. لسان العرب ٢ : ١٥٢ « رعث ».

(٥) التهذيب ٤ : ٨ / ٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٧ / ١٧ ، والكافي ٤ : ٥١٨ / ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٨ / ٢٢ ، والكافي ٤ : ٥١٨ / ٦ بتفاوت فيه.

١٣١

وابن عباس وعبد الله بن عمر ، وابن العاص وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وجابر بن زيد وابن سيرين والزهري والثوري وأحمد - في رواية - وأصحاب الرأي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( في الرقة رُبع العُشر )(٢) و ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )(٣) دلّ بمفهومه على وجوب الزكاة إذا بلغت خمساً.

ولأنّ امرأةً من اليمن أتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعها ابنة لها في يديها مسكتان(٤) من ذهب ، فقال : ( هل تعطينّ زكاة هذا؟ ) فقالت : لا ، فقال : ( أيسرّك أن يسوِّرك الله بسوارين من نار؟)(٥) ولأنّه من جنس الأثمان فأشبه التبر.

والرقّة هي الدراهم المنقوشة ، قال أبو عبيد : لا نعلم هذا الاسم في الكلام المنقول عن العرب إلّا على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس(٦) .

وكذا الأواقي معناها الدراهم ، كلّ أوقية أربعون درهماً.

والمسكتان طُعن في حديثهما ، قال الترمذي : ليس يصحّ في هذا الباب شي‌ء(٧) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٦ و ٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ١٩ - ٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٩٦ ، المغني ٢ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١١ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ٢٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ - ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٤ / ٣ و ٥ ، الموطّأ ١ : ٢٤٤ / ١.

(٤) تثنية مَسَكة ، بالتحريك ، وهي نوع من السوار. النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٣١ « مسك ».

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٣ ، سنن النسائي ٥ : ٣٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٤٠.

(٦) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦١٢.

(٧) سنن الترمذي ٣ : ٣٠ ذيل الحديث ٦٣٧ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦١٢.

١٣٢

ويحتمل إرادة العارية والأصل ممنوع.

وقال مالك : يزكّي عاماً واحداً(١) .

إذا ثبت هذا فقولنا : زكاته إعارته ، محمول على الاستحباب لا الوجوب عملاً بالأصل.

مسألة ٧١ : الحُليّ المحرّم استعماله‌ كالمنطقة وحلية السيف للمرأة إذا قصدت لُبسها ، والسوار والدملج والخلخال للرجل إذا قصد التحلّي به لا زكاة فيه عند علمائنا ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في الحليّ )(٢) .

وأطبق الجمهور كافّة على إيجاب الزكاة فيه ، لأنّ المحظور شرعاً كالمعدوم حسّاً(٣) .

ولا حجّة فيه ، لأنّ عدم الصنعة غير مقتضٍ لإِيجاب الزكاة ، فإنّ المناط كونهما مضروبين بسكّة المعاملة.

فروع :

أ - لا فرق في سقوط الزكاة في المباح بين أن يُعدّ للّبس أو للإِجارة والقُنية.

وقال أحمد : لا تجب في الأول على إحدى الروايتين ، وتجب في الثاني ، لأنّ الزكاة سقطت عمّا اُعدّ للاستعمال لصرفه عن جهة النماء فتجب فيما عداه على الأصل(٤) ، ونمنع الإِيجاب في الأصل.

وكذا لا فرق بين كون الحُليّ المباح مملوكاً لامرأة تلبسه أو تُعيره ، أو لرجل يحلّي به أهله ، أو يعيره ، أو يعدّه لذلك.

____________________

(١) حكاه عنه ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤.

(٢) راجع : الهامش (٢) من الصفحة ١٣٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٥ و ٣٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٣ ، المغني ٢ : ٦٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٤ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ - ٢١٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٢ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٤) المغني ٢ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٣ و ٦١٤.

١٣٣

ب - قليل الحُليّ وكثيره سواء في الإِباحة والزكاة.

وقال بعض الجمهور : يباح ما لم يبلغ مائة ألف ، فإن بلغها حرم وفيه الزكاة ، لأنّه يخرج إلى السرف والخيلاء ، ولا يحتاج إليه في الاستعمال(١) .

وليس بجيّد ، لأنّ الشرع أباح التحلّي مطلقاً من غير تقييد ، وقال تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ) (٢) .

ج - يباح للمرأة من حُليّ الذهب والفضة كلّ ما جرت عادتهنّ بلُبسه كالسوار والخلخال والقُرْط(٣) والخاتم ، وما تلبسه على وجهها وعُنقها ويدها ورِجْلها واُذنها وغيرها ، فأمّا ما لم تجر عادتها بلبسه كالمِنْطقة وشبهها من حُليّ الرجال فهو محرَّم.

وأمّا الرجل فيحرم عليه التحلّي بالذهب إجماعاً ، ويحرم التمويه به وإن لم يحصل منه ذهب ، وللشافعي وجهان(٤) .

أمّا اتّخاذ أنف لمن جدع(٥) أنفه ، فالأقرب الجواز ، ويجوز أن يتحلّى بمثل المِنْطقة والسيف والسكّين وغيرها من آلات الحرب بالفضّة خاصّة.

قال الشيخ : ولا يجوز ذلك في حُليّ الدواة والقوس(٦) ، لأنّه من الآلات ، وآلات الفضّة يحرم استعمالها.

ثم قال : وإن قلنا بالإِباحة كان قويّاً ، قال : ولا يجوز أن يُحلّى المصحف بالفضّة ، والمرآة والمشط والميل والمكحلة وغيرها ، لأنّه من‌

____________________

(١) هو ابن حامد كما في المغني ٢ : ٦٠٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٢١ و ٦٢٢ وفيهما : ( ألف مثقال ) بدل ( مائة ألف ).

(٢) الأعراف : ٣٢.

(٣) القُرْط : نوع من حُليّ الاُذن. لسان العرب ٧ : ٣٤٧ « قرط ».

(٤) المجموع ٦ : ٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٧.

(٥) الجدع : قطع الأنفّ. الصحاح ٣ : ١١٩٣ ، القاموس المحيط ٣ : ١١ « جدع ».

(٦) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( الفرس ) بدل ( القوس ) وما أثبتناه من المبسوط هو الصحيح بقرينة الآلات.

١٣٤

الأواني والآلات ، وأمّا تضبيب الأواني فإنّه مكروه للحاجة وغيرها ، فيجتنب موضع الفضّة في الاستعمال(١) .

وقال الشافعي : لا يحلّ للرجل التحلّي بالفضّة إلّا التختّم به ، وتحلية آلات الحرب ، وفي السرج واللجام وجهان ، ويحرم على المرأة آلات الحرب ، لما فيه من التشبّه بالرجال ، وأمّا في غير التحلّي فقد حرّم الشرع اتّخاذ الأواني من الذهب والفضّة على الرجال والنساء(٢) .

وللشافعيّة في تحلية المصحف بالفضة وجهان ، وفي تحليته بالذهب ثلاثة أوجه ، يفرّق في الثالث بين الرجال والنساء ، وأمّا تحلية غير المصحف من الكتب فإنّه حرام(٣) .

وفي تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضّة إشكال ينشأ من كون تجويزه إكراماً.

وما يجرى على السقوف والحيطان من الذهب ، قال الشيخ : لا نصّ في تحريمها ، ولا في تحلية المصاحف وربط الأسنان بالذهب ، والأصل الإِباحة ، ولا زكاة في الجميع(٤) .

وقال الشافعي وباقي الفقهاء : إن كان لو جمع وسبك بلغ نصاباً وجبت الزكاة(٥) .

د - لا زكاة في نفائس الأموال إلّا في النقدين.

ه- لو كان معه خلخال وزنه مائتا درهم ، وقيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لم تجب الزكاة عندنا.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٢ - ٢١٣.

(٢) المجموع ٦ : ٣٨ و ٣٩ ، الوجيز ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨ - ٢٩ و ٣٢ - ٣٣.

(٣) المجموع ٦ : ٤٢ ، الوجيز ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٤ - ٣٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٨٩ - ٩٠ ، المسألة ١٠٣.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٦٧.

١٣٥

وقال أبو حنيفة : تجزئه خمسة دراهم ، ولا عبرة بالصنعة(١) .

وقال الشافعي : لا تجزئه ، لأنّ القيمة تضم إلى وزنه(٢) .

و - لو فَرّ بالسبك من الزكاة ، فإن كان بعد الحول لم تسقط لسبق الوجوب ، وإن كان قبله فروايتان : أقربهما : السقوط ، لفوات الشرط.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله هارون بن خارجة إنّ أخي يوسف وَلِي لهؤلاء أعمالاً ، وأصاب فيها أموالاً كثيرة ، وإنّه جعل ذلك المال حُليّاً أراد أن يفرّ به من الزكاة ، أعليه الزكاة؟ قال : « ليس على الحُليّ زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة »(٣) .

والاُخرى : وجوب الزكاة عن الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الحُليّ فيه الزكاة؟ قال : « لا إلّا ما فرّ به من الزكاة »(٤) .

وتحمل على الاستحباب ، أو على ما إذا جعله بعد الحول.

ز - لا تضمّ النقار إلى الدراهم ، ولا السبائك إلى الذهب ، لفوات الشرط.

وأطبق الجمهور على الضمّ ، لأنّه جنس واحد(٥) ، وهو ممنوع ، لأنّ أحدهما لا تجب فيه.

مسألة ٧٢ : يشترط ملك النصاب في النقدين بتمامه في جميع الحول‌ كما قلنا في المواشي عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) اُنظر : حلية العلماء ٣ : ٩٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩ / ٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٩ / ٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢١.

(٥) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٧ ، المسألة ٩٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٦٧.

(٦) المجموع ٦ : ٨ و ١٩ - ٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨.

١٣٦

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « فإن كانت مائة وخمسين فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول »(٢) .

وقال أبو حنيفة : يشترط النصاب في أول الحول وآخره ، ولا يضر نقصانه في خلال الحول(٣) ، وقد سلف في المواشي(٤) .

مسألة ٧٣ : لو كان في يده أقلّ من النصاب وكان له دَيْن يتمّ به‌ ، فإن أوجبنا الزكاة في الدِّين ضمّمناه هنا إن كان على مَليّ باذل ؛ لأنّه قادر على أخذه فوجب إخراج زكاته كالوديعة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجب الإِخراج حتى يقبضه ، لأنّه دَيْن فلا يجب الإِخراج عنه حتى يقبضه كما لو كان على جاحد(٦) .

والفرق ظاهر ، فإنّه لا يقدر على أخذه من الجاحد.

ولو كان جاحداً في الظاهر دون الباطن لم يلزمه إخراجها حتى يقبضه.

وهل تجب فيه؟ قال الشافعي : نعم ، لأنّه مليّ مُقرٌّ به فأشبه ما إذا أقرّ عند الحاكم(٧) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩١ / ٣ و ٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٥ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٥ / ٩٢ قطعة من الحديث.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٦٨ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المجموع ٦ : ٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨.

(٤) سلف في المسألة ٣٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، الميزان للشعراني ٢ : ٨ ، رحمة الاُمّة ١ : ١١٧.

(٦) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٤ - ١٩٥ ، المغني ٢ : ٦٣٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، الميزان للشعراني ٢ : ٨ ، رحمة الاُمّة ١ : ١١٧.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٩٢.

١٣٧

وقال أبو يوسف : لا زكاة فيه ، لأنّه لا يقدر على قبضه فهو كالمجحود(١) ، وهو أوجه عندي.

وإن كان جاحداً في الظاهر والباطن ، أو كان معسراً فلا زكاة ، وللشافعي قولان(٢) .

ولو كان له بيّنة بالمال ، أو علمه الحاكم فالأقرب الوجوب - وبه قال الشافعي(٣) - لتمكّنه.

وقال محمد بن الحسن : إن عَلِمه الحاكم وجبت ، وإن كان له بيّنة لم تجب ، لأنّ الحاكم قد لا يقبلها(٤) .

ويشكل بأنّه إذا ترك إقامة البيّنة حولاً فقد ترك الأخذ مع إمكانه وأمّا المؤجّل فلا زكاة فيه ، لعدم تمكّنه منه ، وللشافعي قولان(٥) .

وإن قلنا بعدم الوجوب في الدّين - وهو القديم للشافعي(٦) - فلا زكاة هنا.

مسألة ٧٤ : لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض(٧) التجارة‌ عند علمائنا ، لنقص النصاب ، ومال التجارة لا تجب فيه الزكاة ، وإن وجبت إلّا أنّه لا يضمّ جنس إلى غيره على ما يأتي(٨) .

وأطبق الجمهور على الضمّ هنا ، لأنّ الزكاة إنّما تجب في القيمة ويقوّم‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣ ، المغني ٢ : ٦٣٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٥) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٦) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢.

(٧) العَرْض : المتاع. الصحاح ٣ : ١٠٨٣.

(٨) يأتي في المسألة التالية (٧٥).

١٣٨

بكلّ واحد منهما فيضمّ.

ولو كان له ذهب وفضّة وعروض وجب ضمّ الجميع عندهم في تكميل النصاب ، لأنّ العرض مضموم إلى كلّ واحد منهما فيجب ضمّهما إليه وجمع الثلاثة(١) .

مسألة ٧٥ : ولا يضمّ أحد النقدين إلى الآخر لو كمل النصاب بهما‌ عند علمائنا أجمع ، فلو كان له من كلّ من الذهب والفضّة ما لا يبلغ نصاباً بمفرده ، أو كان له نصاب من أحدهما وأقلّ من نصاب من الآخر كما لو كان له مائتا درهم وأربعة دنانير أو عشرون دينارا وأربعون درهما لم يضمّ أحدهما إلى الآخر ، وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد في رواية(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الكسور شي‌ء »(٤) .

ولأنّهما مالان يختلف نصابهما فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر كأجناس الماشية.

وقال مالك والأوزاعي والثوري وأحمد - في رواية - والحسن وقتادة وأصحاب الرأي : يضمّ أحدهما إلى الآخر ، لأنّ أحدهما يضمّ إلى ما يضمّ إليه الآخر وهو مال التجارة فيضمّ إلى الآخر كأنواع الجنس ، ولأنّ نفعهما‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٠.

(٢) المجموع ٦ : ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٩ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٢٤ - ٤٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، الموطّأ ١ : ٢٤٤ / ١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠ و ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧ / ١٥ ، وعن أحدهماعليهما‌السلام في صفحة ١٢ / ٣٠.

١٣٩

واحد ، والمقصود منهما متّحد فإنّهما قِيَم المتلفات واُروش الجنايات وأثمان البياعات(١) (٢) .

إذا عرفت هذا فالقائلون بالضمّ اختلفوا ، فقال مالك وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي وأحمد في رواية : يضمّ إلى الآخر بالأجزاء يعني أنّه يحسب كلّ واحد منهما من نصابه ، فإذا كملت أجزاؤهما نصاباً وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ، ونصف نصاب أو أكثر من الآخر ، أو ثلث من أحدهما وثلثان أو أكثر من الآخر ، فلو ملك مائة درهم وعشرة دنانير ، أو مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير ، أو مائة وعشرين درهما وثمانية دنانير وجبت الزكاة فيهما.

وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما بأن يكون عنده ثمانية دنانير ومائة درهم ، لأنّ كلّ واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة إذا كان منفرداً فلا تعتبر إذا كان مضموماً كالحبوب(٣) .

وقال أبو حنيفة : يضمّ بالأحوط من الأجزاء والقيمة معاً ؛ ومعناه أنّه يقوّم الغالي منهما بقيمة الرخيص ، فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصاباً وجبت الزكاة فيهما ، فلو ملك مائة درهم وتسعة(٤) دنانير قيمتها مائة درهم ، أو عشرة‌

____________________

(١) البياعات : الأشياء التي يتبايع بها في التجارة. لسان العرب ٨ : ٢٥.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٢ و ٣ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المجموع ٦ : ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٣ ، و ٣ : ٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

(٤) في المغني والشرح الكبير : سبعة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ينجلي )(١) .

ولأنّ المطلوب ردّ النور بكماله.

ولأنّه لو انكسف بعضها في الابتداء صلّى لها وكذلك إذا بقي بعضها.

ونحن نقول بموجب الحديث ، لأنّه إذا انجلى البعض فقد انجلى.

والحذر قد زال بسبب الشروع في ردّ النور.

والفرق بين ابتداء الكسوف وابتداء الانجلاء ظاهر.

مسألة ٤٨٤ : وقت الرياح المظلمة والظلمة الشديدة والحمرة الشديدة : مدّتها ، أما الزلزلة : فإنّ وقتها مدّة العمر ، فتصلّي أداءً وإن سكنت ، لأنّها سبب في الوجوب. وكذا الصيحة. وبالجملة كلّ آية يضيق وقتها عن العبادة يكون وقتها دائماً ، أمّا ما نقص عن فعلها وقتاً دون آخر ، فإنّ وقتها مدّة الفعل ، فإن قصر ، لم تُصَلّ.

مسألة ٤٨٥ : إذا علم بالكسوف أو الخسوف ، وأهمل الصلاة عمداً أو نسياناً ، أعاد‌ سواء احترق القرص كلّه أو بعضه ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها )(٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها»(٤) .

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) أورده المحقق في المعتبر : ٢٣٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ / ٦٨٤ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢٦٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ١١٩ / ٤٣٥ ، سنن النسائي ١ : ٣ : و ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ / ٦٩٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ - ١٧٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٨٦ / ١٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٥٩ و ٣ : ١٥٩ / ٣٤١ ، الاستبصار ١ : =

١٨١

وقول الصادقعليه‌السلام ، في صلاة الكسوف : « إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها »(١) .

وقال الشيخ : إن احترق البعض وتركها نسياناً ، لم يقض(٢) .

وليس بجيّد.

وقال الجمهور كافّة : لا قضاء مطلقاً ، لقولهعليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حتى ينجلي )(٣) فجعل الانجلاء غاية للصلاة ، فلم يصلّ بعده. ولأنّها شرّعت لردّ النور وقد حصل(٤) .

والحديث المراد به الأداء. ونمنع العليّة ، بل يجوز أن يكون علامةً لوجوب الصلاة.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ الرغبة إلى ردّه تستلزم عدم الشكر على الابتداء بردّه.

سلّمنا ، لكن ينتقض عندهم بالاستسقاء ، فإنّهم يصلّون بعد السقي(٥) وإن كانت صلاتهم رغبة في ذلك.

مسألة ٤٨٦ : لو لم يعلم بالكسوف حتى انجلى ، فإن كان قد احترق القرص كلّه ، وجب القضاء ، وإلّا فلا‌ ، عند علمائنا - إلّا في قول للمفيد : إنّه يقضي لو احترق البعض فرادى لا جماعة(٦) - لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا انكسف القمر ولم تعلم حتى أصبحت ، ثم بلغك ، فإن احترق كلّه ،

____________________

= ٢٨٦ - ١٠٤٦.

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ / ١٧٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٢.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٤) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٧.

(٥) راجع : المغني ٢ : ٢٩٤ ، والمجموع ٥ : ٨٩ - ٩٠.

(٦) المقنعة : ٣٥.

١٨٢

فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلّه ، فلا قضاء عليك »(١) .

وقولهعليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس كلّها ولم تعلم وعلمت ، فعليك القضاء ، وإن لم تحترق كلّها فلا قضاء عليك »(٢) .

وقال الجمهور : لا قضاء(٣) ، لما تقدّم في المسألة السابقة.

والجواب قد تقدّم.

أمّا جاهل غير الكسوف ، مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة ، فالوجه سقوطها عن الجاهل عملاً بالأصل السالم عن المعارض.

مسألة ٤٨٧ : لا تسقط هذه الصلاة بغيبوبة الشمس منخسفة ، لقولهعليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(٤) والأصل البقاء.

وقال الجمهور : لا يصلّي ، لأنّها إذا غابت فقد ذهب سلطانها ، وفات وقتها ، فلم يصلّ لردّها(٥) .

وهو ممنوع ، ونمنع أنّ مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه. مع أنّه اجتهاد ، فلا يعارض النصّ. وينتقض بالقمر عندهم(٦) .

ولا تسقط صلاة الخسوف بغيبوبة القمر منخسفاً إجماعاً ، لأنّ وقته باقٍ وهو الليل ، والحاجة داعية إليه.

ولا تسقط صلاة الخسوف والكسوف بستر السحاب إجماعاً ، لأنّ الأصل بقاؤهما.

ولو طلعت الشمس والقمر منخسف ، لم تسقط صلاته ، عملاً

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٧ / ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٣٣٩.

(٣) أوعزنا الى مصادره في الهامش (٤) من الصفحة السابقة.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ / ١٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٢.

(٥) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

١٨٣

بالموجب.

وقال الجمهور : تسقط ، لفوات وقته ، وذهاب سلطانه(١) .

ولو طلع الفجر فكذلك عندنا لا تسقط - وهو الجديد للشافعي(٢) - لبقاء سلطانه قبل طلوع الشمس ، لقوله تعالى( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٣) فما لم تطلع الشمس فالسلطان باقٍ.

والقديم : لا يصلّي ، لذهاب سلطانه بطلوع الفجر ، لأنّه من النهار ، والفجر حاجب الشمس(٤) .

ولو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الفجر صلّاها عندنا ، خلافاً للشافعي في القديم(٥) .

ولو كان قد شرع في الصلاة فطلعت الشمس ، لم تبطلها إجماعاً ، لأنّها صلاة مؤقّتة ، فلا تبطل بخروج وقتها ، وعندنا أنّ وقتها باقٍ.

مسألة ٤٨٨ : وهذه الصلاة مشروعة مع الإِمام وعدمه‌ ، عند علمائنا أجمع - وهو قول أكثر العلماء(٦) - لعموم الأخبار.

ولأنّ صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : رأيت ابن عباس على ظهر زمزم يصلّي الخسوف للشمس والقمر(٧) . والظاهر أنّه صلّى منفرداً.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في صلاة الكسوف :

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١.

(٢) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٣) الإسراء : ١٢.

(٤) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٥) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٧) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤٩٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٨.

١٨٤

« تصلّى جماعة وفرادى »(١) .

ولأنّها صلاة ليس من شرطها البنيان والاستيطان ، فلم يكن من شرطها الجماعة ، كغيرها من النوافل.

وقال الثوري ومحمد : إن صلّى الإِمام صلّوها معه ، ولا يصلّون منفردين ، لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع والخطبة ، فلا يصلّيها المنفرد كالجمعة(٢) .

ونمنع العلّيّة ، فإنّ الخطبة عندنا ليست مشروعةً.

مسألة ٤٨٩ : وتستحبّ الجماعة في هذه الصلاة إجماعاً منّا‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّاها في الجماعة(٤) .

وصلّى ابن عباس خسوف القمر في جماعة في عهد عليعليه‌السلام (٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس والقمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى الإِمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده »(٦) .

ولأنّ خسوف القمر أحد الكسوفين ، فاستحبّت فيه الجماعة كالآخر.

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٥ : ٤٤ و ٤٥ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٩ / ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٢٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٩ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٦ / ١١٧٧ و ١١٧٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٠.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ٣٣٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨١.

١٨٥

وقال أبو حنيفة : يصلّون للقمر فرادى في بيوتهم ، لأنّ في خروجهم ليلاً مشقّةً(١) .

وينتقض : بالتراويح.

تذنيب : لو أدرك المأموم الإِمام راكعاً في الأول ، فقد أدرك الركعة‌. ولو أدركه في الركوع الثاني ، أو الثالث ، فالوجه : أنّه فاتته تلك الركعة - وبه قال الشافعي(٢) - لأن الركوع ركن فيها ، ولا يتحمّل الإِمام شيئاً سوى القراءة ، لا فعل الركوع ، فحينئذٍ ينبغي المتابعة حتى يقوم في الثانية ، فيستأنف الصلاة معه ، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية ، ويجوز الصبر حتى يبتدئ بالثانية.

وتحتمل المتابعة بنية صحيحة ، فإذا سجد الإِمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإِمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع الإِمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الْأُولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ، ثم لحق الإِمام ، ويتمّ الركعات قبل سجود الثانية.

والوجه : الأول.

مسألة ٤٩٠ : لا خطبة لهذه الصلاة عند علمائنا أجمع‌ ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك(٣) ، عملاً بالأصل السالم عن المعارض.

ولأنّه لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد خطب ، لنُقِل كما نُقِلت خطبته في العيد والجمعة وغيرهما.

وقال الشافعي : تستحب الخطبة بعد الصلاة على المنبر - ولم يذكر‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٥ - ٧٦ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨.

(٢) المجموع ٥ : ٦١ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٩.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ : ٥٧ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، المجموع ٥ : ٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ - ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

١٨٦

أحمد الخطبة(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا خسفت الشمس صلّى ، فوصفت عائشة صلاته إلى أن قالت : فلمّا فرغ وقد تجلّت انصرف وذكر الله تعالى فأثنى عليه وقال : ( يا أيها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى ، وكبّروا وانصرفوا ) ثم قال : ( يا اُمّة محمّد ما أحد أغير من الله تعالى أن يزني ، عبده أو أمته ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )(٢) (٣) .

ولا حجّة فيه ، لتضمّنه الدعاء والتكبير والإِعلام بحكم الكسوف ، وليس ذلك من الخطبة في شي‌ء.

مسألة ٤٩١ : وتجب هذه الصلاة على النساء والرجال والخناثى ، إجماعاً منّا وللعموم.

وعند الجمهور بالاستحباب(٤) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر قالت : فزع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم كسفت الشمس ، فقام قياماً ، فرأيت المرأة التي أكبر منّي ، والمرأة التي أصغر منّي قائمة ، فقلت : أنا أحرى بالصبر على طول القيام(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه يستحب للعجائز ، ومَنْ لا هيئة لها الصلاة جماعة مع الرجال ، ويكره ذلك للشواب ، ويستحب لهنّ الجماعة تصلّي بهنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٢ - ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ / ٩٠١ ، سنن النسائي ٣ : ١٣٠ - ١٣٣ ، مسند أحمد ٦ : ١٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٢.

(٣) الْاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ - ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٤ - ٤٥ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٦٢٥ - ٦٢٦ / ٩٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٢.

١٨٧

إحداهنّ.

واستحبّه الشافعي مطلقاً ، لكنه لم يستحبّ الخطبة لو صلّين جماعة ، لأنّ الخطبة ليست من سنن النساء ، فإن قامت إحداهنّ وذكّرتهنّ ووعظتهنّ ، كان حسناً عنده(١) .

ولو حصل رجل في قرية مع النساء ولا رجل سواه ، تقدّم وصلّى بهنّ وإن كنّ أجانب - خلافاً للشافعي(٢) - إلّا أن يخاف الافتتان ، فيصلّين فرادى.

إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه الصلاة تجب على المسافر كما تجب على الحاضر ، وليس الاستيطان ، ولا البنيان شرطاً فيهما إجماعاً ، ولا المصر ولا الإِمام ، للعموم.

مسألة ٤٩٢ : اختلف علماؤنا في الإِعادة بعد الفراغ من الصلاة قبل الانجلاء ، فالأشهر : استحباب إعادة الصلاة ، لأنّ المقتضي للمشروعية باقٍ.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد »(٣) .

وقال آخرون منّا : بالوجوب ، لثبوت المقتضي له ، وهو : بقاء الكسوف. ولهذا الحديث(٤) .

والحقّ خلافه ، لأصالة البراءة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد ، وادْعُ الله حتى ينجلي »(٥) .

ونمنع كون الكسوف سبباً ، بل علامةً ووقتاً.

____________________

(١و٢) الاُم ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٥ : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٤.

(٤) الذي مرّ آنفاً.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٣ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

١٨٨

والخبر محمول على الاستحباب ، جمعاً بين الأدلّة.

وقال آخرون منّا : لا تعاد الصلاة وجوباً ولا استحباباً - وهو قول الجمهور كافة(١) - لأنّه لم ينقل عنهعليه‌السلام التكرّر.

ولا حجّة فيه ، لأنّهعليه‌السلام كان يطيل الصلاة بقدر زمانه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي استحب الخطبة بعدها(٣) . وقد أبطلناه.

ويستحب الدعاء والذكر والاستغفار والتكبير والتضرع إلى الله تعالى ، لقولهعليه‌السلام : ( فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، ودعائه واستغفاره )(٤) .

وقالت أسماء : كنّا نؤمر بالعتق في الكسوف(٥) .

ولأنّه تخويف من الله تعالى ، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله ليكشفه عن عباده.

مسألة ٤٩٣ : تصلّى هذه الصلاة في أيّ وقت حصل السبب‌ وإن كان أحد الأوقات(٦) الخمسة المكروهة لابتداء النوافل عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٧) - لأنّها صلاة فرض مؤقتة ، فلا يتناولها النهي.

____________________

(١) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ / ٩٠١ و ٦٢٤ / ٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١ و ٣٢٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٥٣ - ١٥٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٤٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣١٠ / ١١٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٤.

(٦) وهي : طلوع الشمس ، وغروبها ، وقيامها إلى أن تزول ، وبعد صلاتي الصبح والعصر.

(٧) الاُم ١ : ١٤٩ و ٢٤٣ ، المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، عمدة القاري ٧ : ٦٢ و ٧٩.

١٨٩

ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها »(٢) .

ولأنّها ذات سبب ، فجاز فعلها في الأوقات الخمسة.

وقال مالك وأبو حنيفة : بالمنع ، وعن أحمد روايتان : المنع أشهرهما ، لأنّ عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات(٣) كان النبيعليه‌السلام ينهانا أن نصلّي فيها ، وأن نقبر موتانا(٤) (٥) .

وهو مختص بالنوافل ، وقد بيّنّا وجوب هذه الصلاة.

مسألة ٤٩٤ : لو اتّفق في وقت فريضة حاضرة ، فإنّ اتّسع الوقتان ، قدّم الحاضرة استحباباً‌ ؛ لشدة اعتناء الشارع بها ، ولهذا سُوّغ قطع الكسوف والاشتغال بالحاضرة ، فتقديمها أولى.

ولو تضيّق الوقتان ، قدّمت الحاضرة وجوباً ، لما تقدّم ، ثم إن فرّط في صلاة الكسوف بالتأخير مع الإِمكان قضى وإلّا فلا.

ولو تضيّقت إحداهما ، تعيّنت للفعل ، ثم يصلّي الْاُخرى بعد إكمالها.

ولا يجب مع اتّساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ / ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٦.

(٣) الساعات الثلاث هي : طلوع الشمس وغروبها وزوالها. وانظر : المصادر في الهامش التالي.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ / ٨٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ / ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٨ / ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ و ٢٧٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٥٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٩٤ و ٢ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٠.

١٩٠

أن تحرم ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الكسوف والجنازة »(١) ولا خلاف فيه.

فروع :

أ : لو تلبّس بصلاة الكسوف وتضيّق وقت الحاضرة وخاف فوتها لو أتمّ الكسوف ، قطع إجماعاً‌ ، وصلّى بالحاضرة ، تحصيلاً للفرض.

ولقول الصادقعليه‌السلام في صلاة الكسوف يخشى فوت الفريضة قال : « اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم »(٢) .

وسأله محمد بن مسلم : ربما ابتلينا بعد المغرب قبل العشاء ، فإن صلّينا الكسوف ، خشينا أن تفوت الفريضة ، قال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عُدْ فيها »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإذا قطع الكسوف وصلّى الفريضة هل يعود إلى الكسوف من حيث قطع ، أو يستأنف الصلاة؟.

قال الشيخان والمرتضى : بالأول(٤) ، للروايتين.

وفيه إشكال ينشأ : من أنّ صلاة الفرض يبطلها العمل الكثير ، ودلالة الحديثين ليست قطعيّةً ، لاحتمال العود إلى ابتداء الصلاة.

ب : لو اشتغل بالكسوف وخشي فوت الحاضرة لو أتمّها وفوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة ، احتمل تقديم الحاضرة‌ ؛ لأولويتها ، فيقطع الكسوف ويستأنف.

وإتمام الكسوف ؛ لأولويته بالشروع فيه ، والنهي عن إبطال العمل ،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢.

(٤) النهاية : ١٣٧ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٤٥ ، وحكاه عن الثلاثة ، المحقق في المعتبر : ٢١٨.

١٩١

ومساواته بالحاضرة في الوجوب.

ويحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة وإلّا استأنف.

ج : لو اتّسع وقت الحاضرة ، وشرع القرص في الكسوف ، أو حدثت الرياح المظلمة ، فالوجه : تقديم الكسوف والرياح‌ - وبه قال الشافعي(١) - لجواز عدم طول اللبث ، فيفوت بالاشتغال بالحاضرة.

د : الزلزلة متأخّرة عن الحاضرة‌ مطلقاً إن قلنا : وقتها العمر. وإن قلنا : وقتها حدوثها ، فتجب وإن سكنت ، كما قال بعض علمائنا(٢) ، وكالكسوف.

ه- : لو اتّفقت مع صلاة منذورة مؤقّتة ، بدأ بما يخشى فواته‌ ، ولو أمن فواتهما ، تخيّر فيهما.

و : الكسوف أولى من النافلة الموقّتة كصلاة الليل‌ وغيرها وإن خرج وقتها ، ثم يقضي ندباً.

ز : لو اجتمع الكسوف والعيد وصلاة الجنازة والاستسقاء ، قدّم من الفرائض ما يخشى فواته‌ أو التغيّر ، وإن تساويا ، تخيّر ، أمّا الاستسقاء فتؤخّر ، لأنّ المندوب لا يزاحم الواجب.

وقال الشافعي : تقدّم الجنازة ؛ لأنّها فرض ، وللخوف من التغيّر ، ثم الخسوف ، لتعلّقها بسبب يخاف فواته ، إلّا أن تتضيّق العيد فتقدّم ، لأنّ فواته متحقّق وفوات الخسوف غير متحقّق ، ثم الاستسقاء ، لأنّها تصلّى في أيّ وقت كان(٣) .

لا يقال : لا يمكن اجتماع العيد والكسوف ، لأنّ الشمس لا تنكسف في العادة إلّا في التاسع والعشرين من الشهر ، فلا يتصوّر كونه في الفطر ولا الأضحى.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المجموع ٥ : ٥٥ و ٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٨١ ، الاُم ١ : ٢٤٣.

(٢) قاله المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٠٣.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٣ ، مختصر المزني : ٣٢ ، المجموع ٥ : ٥٧.

١٩٢

لأنّا نقول : نمنع عدم الإِمكان ، والعادة لا تخرج نقيضها عن حدّ الإِمكان ، والله على كلّ شي‌ء قدير ، والفقهاء يفرضون الممكن وإن لم يقع عادةً ليبيّنوا الأحكام المنوطة به ، كما يفرضون مائة جدّة وما أشبه ذلك.

ثم هذا لا يرد علينا ، لأنّ هذه الصلاة لا تختص بكسوف الشمس ، بل هي واجبة لباقي الآيات الخارجة عن الضابط الزماني.

ح : لو خاف خروج وقت العيد ، قدّمت صلاته‌ ولم يخطب لها حتى يصلّي الخسوف ، فإذا صلّى الخسوف ، خطب للعيد خاصة عندنا - وعند الشافعي يخطب لهما(١) - وذكر ما يحتاج إلى ذكره لهما.

ط : لو اجتمع الخسوف والجمعة ، فإن اتّسع وقت الجمعة ، بدأ بالخسوف ، ويقصّر في قراءته ، فيقرأ السور القصار ، فإذا فرغ ، اشتغل بخطبة الجمعة خاصة.

وقال الشافعي : يخطب للخسوف والجمعة ، ثم يصلّي الجمعة(٢) .

ولو تضيّق الوقت ، بدأ بالخطبة للجمعة مخفّفةً ، ثم بالجمعة ثم بالخسوف.

ي : لو كان في الموقف حالة الكسوف ، قدّمت صلاته على الدعاء‌ ولا خطبة.

وقال الشافعي : يخطب راكباُ ويدعو(٣) .

وإن كسفت وهو في الموضع الذي يصلّى فيه الظهر ، قدّمت صلاته على الدفع إلى عرفة لئلّا تفوته.

يا : لو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة وهو بها ، صلّى صلاة الخسوف‌ وإن كان يؤدّي إلى ان يفوته الدفع منها إلى منى قبل طلوع الشمس.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٢) الاُم ١ : ٢٤٣ ، المجموع ٥ : ٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٧ - ٥٨.

١٩٣

ويستحب التخفيف ليدفع قبله.

يب : لو خسفت الشمس يوم الثامن بمكة ، وخاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته فعل الظهر بمنى ، قدّم صلاة الخسوف‌ ، لأنّها واجبة ، بخلاف فعل الظهر بمنى.

يج : لو اتّفق الكسوف مع نافلة ، قدّم الكسوف‌ ولو فاتت النافلة ، راتبةً كانت أو لم تكن عند علمائنا ، لأنّها واجبة.

ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن صلاة الكسوف وصلاة الليل بأيّتهما نبدأ؟ : « صلّ صلاة الكسوف ، واقض صلاة الليل حين تصبح »(١) .

وقال أحمد : يقدّم أكدهما(٢) ، وهو بناء على أنّ صلاة الكسوف مندوبة ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٤٩٥ : قال الشيخ : صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر سواء(٣) .

وهو صحيح إن قصد المساواة في الهيئة ، أمّا في الإِطالة ففيه نظر ، لقول الباقرعليه‌السلام : « صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر ، وهما سواء في القراءة والركوع والسجود»(٤) .

مسألة ٤٩٦ : لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة ، لم تجب ، بخلاف الزلزلة ، فإنّها سبب في الوجوب لا وقت له.

( ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخفّ صلاة ، ففي الوجوب إشكال ينشأ : من قولهعليه‌السلام : ( مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )(٥) ومن‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٢ مسألة ٤٥٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٣٣٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ / ٦٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : =

١٩٤

استحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلاً ، إلّا أن يكون القصد القضاء ، ولم يثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المكلَّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة ، فعلى الأوّل يجب عليه الإِكمال ، وعلى الثاني لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين )(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو ضاق الوقت عن العدد ، لم يجز الاقتصار على الأقلّ.

ولو اتّسع للأكثر ، لم تجز الزيادة ، لأنّها فريضة معيّنة.

وللشافعي في كلٍّ من التقديرين وجهان(٢) .

مسألة ٤٩٧ : لا يجوز أن تصلّى هذه الصلاة على الراحلة اختيارا‌ً ولا مشياً إلّا مع الضرورة عند علمائنا - خلافاً للجمهور - لأنّها فريضة فلا تجوز على الراحلة ومشياً اختياراً ، كغيرها من الفرائض.

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام : أيصلّي الرجل شيئاً من الفروض على الراحلة؟ فقال : « لا »(٣) .

أمّا مع الضرورة فتجوز ، دفعاً للمشقّة ، كغيرها من الفرائض.

وكتب علي بن فضل الواسطي إلى الرضاعليه‌السلام : إذا كسفت‌

____________________

= ٣٥٦ - ١١٢٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٤ ، الموطأ ١ : ١٠ / ١٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ / ٥٢٤.

(١) ورد بدل ما بين القوسين في نسخة « ش » هكذا : ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخف صلاة لم يجب لاستحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلاً إلّا أن يكون القصد القضاء ولم يثبت القصد هنا ، فلو اشتغل أحد المكلَّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة يحتمل أن يجب عليه الإِكمال لأنه مكلَّف بالظن فصح ما فعل فيدخل تحت( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) والأقوى أنّه لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧ - ٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٧١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٤.

١٩٥

الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتبعليه‌السلام : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه »(١) .

مسألة ٤٩٨ : هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضاً ، أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم : إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، وخفائه ، إذ الحسّ لا يدلّ عليه ، وإنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم ، ومن كونه آية مخوفة ، فتشارك النيّرين في الحكم.

والأول أقوى.

* * *

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٥ / ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٨ ، قرب الإِسناد : ١٧٤.

١٩٦

١٩٧

الفصل الرابع : في صلاة النذر‌

مسألة ٤٩٩ : صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعاً.

ولقوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (١) وقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤولاً ) (٣) ولقوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤) .

ويشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة والاستقبال وغيرهما إجماعاً إلّا الوقت ، وتزيد الصفات التي عيّنها في نذره ، ولا يجب لو وقع في معصية ، لقبحه إلّا على وجه الزجر ، وسيأتي.

ولو عيّن الزمان ، تعيّن سواء كان فيه مزية كيوم الجمعة وغيره من الأوقات الشريفة ، أو لا ، لأنّ البقاء غير معلوم ، والتقدّم فعل للواجب قبل وجوبه ، فلا يقع مجزئاً ، كما لو صلّى الفرض قبل وقته ، فتعيّن.

ولو قيّده بوقت مكروه للنوافل ، فالأقرب الانعقاد ، لاختصاص الكراهة‌

____________________

(١) الإِنسان : ٧.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الإِسراء : ٣٤.

(٤) النحل : ٩١.

١٩٨

بالنوافل ، وهذه بالنذر خرجت عن كونها نافلةً ، وصارت واجبةً ذات سبب.

مسألة ٥٠٠ : لو قيّد نذر الصلاة بزمان فأوقعها في غيره ، فقد بيّنّا عدم الإِجزاء.

ثم إن كان الفعل متقدّماً على الزمان ، وجب عليه الإِعادة عند حضور الزمان ، فإن أهمل وجب القضاء وكفّارة خلف النذر.

وإن تأخّر الفعل ، فإن كان لعذر أجزأ ولا كفّارة ، وإن كان لغير عذر ، فإن أوقعه بنيّة القضاء ، أجزأ وكفّر ، وإلّا وجب عليه الفعل ثانياً والكفّارة.

ولو نذر إيقاعه في زمان يتكرّر مثله كيوم الجمعة ، لم يجب في الجمعة الْاُولى إلّا مع النذر ، بل يجزئه فعلها في أيّ جمعة شاء ، فإن أوقعها في خميس مثلاً لم يجزئه ، ووجب إيقاعها في الجمعة الْاُخرى أداءً لا قضاءً.

مسألة ٥٠١ : لو قيّد نذر الصلاة بمكان ، فإن كان له مزيّة ، تعيّن‌ كالمسجد.

وإن لم يكن له مزيّة ، ففي وجوب القيد نظر ينشأ : من أنّه نذر طاعة في موضع مباحٍ فيجب ، ومن أنّ القيد لا مزيّة فيه فلا تجب ، كما لو نذر المشي ولم يعيّن مقصداً ، وهو الأقرب ، فيجوز إيقاعها حينئذٍ في أيّ موضع شاء.

أمّا لو كان له مزيّة ، فصلاّها في مكان مزيّته أعلى ، فالأقرب : الجواز ، إذ زيادة المزية بالنسبة إلى الآخر كذي المزية بالنسبة إلى غير ذي المزيّة.

ويحتمل العدم ، لأنّه نذر انعقد ، فلا يجوز غيره ، فإن قلنا بالجواز فلا بحث ، وإلّا وجب القضاء.

ولو قيّده بزمان ومكان ، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان ممّا يساويه أو يزيد عليه في المزيّة ، أجزأ على إشكال ، وإلّا وجب القضاء في ذلك المكان بعينه ، والكفّارة ، لفوات الوقت.

مسألة ٥٠٢ : لو أطلق العدد ، أجزأه ركعتان إجماعاً.

وهل تجزئه الواحدة؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : ذلك ، للتعبّد بمثلها‌

١٩٩

في الوتر. والآخر : المنع ، صرفاً للإِطلاق إلى المتعارف وهو الركعتان.

ولو صلّاها ثلاثاً أو أربعاً ، أجزأ إجماعاً ، وفي وجوب التشهّدين إشكال. ولو صلّاها خمساً فإشكال.

ولو قيّد نذره بعدد ، تعيّن إن تُعبِّدَ بمثله.

ثم إن أطلق ، احتمل وجوب التسليم عقيب كلِّ ركعتين ، ووجوبه عقيب أربع أو ما زاد على إشكال.

وإن لم يتعبّد بمثله ، كالخمس والست ، قال ابن إدريس : لا ينعقد(١) .

ويحتمل انعقاده ، لأنّها عبادة ، وعدم التعبّد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادةً.

مسألة ٥٠٣ : لو قيّد النذر بقراءة سورة معيّنة ، أو آيات مخصوصة ، أو تسبيح معلوم ، تعيّن‌ ، فيعيد مع المخالفة ، فإن كان مقيّدا بوقت وخرج ، أعاد وكفّر.

ولو نذر أن يقرأ آياتٍ معيّنةٍ عوض السورة ففي الإِجزاء نظر ينشأ : من أنّها واجبة ، فتجب السورة مع الحمد كغيرها من الفرائض ، ومن أنّ وجوبها على هذا الحدّ فلا يجب غيره ، فعلى الأول يحتمل عدم انعقاد النذر مطلقاً ، كما لو نذر صلاة بغير طهارة ، وانعقاده فتجب سورة كاملة.

ولو نذر آياتٍ من سورة معيّنة عوض السورة ، وقلنا بوجوب السورة في الأول ، وجب هنا عين تلك السورة ليدخل ما نذره ضمناً ، ويحتمل إجزاء غيرها ، لعدم انعقاد النذر في التبعيض.

مسألة ٥٠٤ : لو نذر النافلة في وقتها ، صارت واجبةً ، فلو نذر صلاة العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما ، لزم ، ولو نذرهما في غير وقتهما ،

____________________

(١) السرائر : ٣٥٧.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460