تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191697 / تحميل: 6299
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دنانير وتسعين(١) درهماً قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - وهو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(٢) . والكلّ باطل عندنا ، لما تقدّم.

مسألة ٧٦ : يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة‌ - وهو أصحّ الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ ، فإنّ المقصود منهما جميعاً الثمنية ، والتوصّل بهما إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس ، وإذا كان المقصود حاصلاً وجب الإِجزاء ، إذ لا فائدة في اختصاص الإِجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

ولأنّه قد يكون أرفق بالمعطي والفقير ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك والفقير ، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير ، وسهل ذلك عليه ، وانتفع من غير كلفة ولا ضرر.

ولأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته ، ولو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا ، وربّما نقص عوضها عن قيمتها.

والرواية الثانية لأحمد : المنع من الجواز ، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس‌

____________________

(١) في المغني والشرح الكبير : سبعين.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٦.

١٤١

أولى(١) .

والاُولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى ما قلناه ، لا يجوز الإِبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضاً عمّا ينفق ، لأنّه كالمعيب.

ولو اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في ( أخذ الجنس)(٢) لم يلزم المالك إجابته ، لأنّه أدّى فرض الله عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث

في زكاة الغلّات والثمار‌

وفيه بحثان :

الأول : فيما تجب الزكاة فيه منها.

مسألة ٧٧ : الزكاة في الغلّات والثمار واجبة‌ بالنصّ والإِجماع :

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٣) والزكاة تسمّى نفقةً ، لقوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) .

وقال تعالى( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) قال ابن عباس : حقّه :

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٢) ورد في النسخ الخطية : أحد الجنسين. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) التوبة : ٣٤.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١٤٢

الزكاة المفروضة(١) .

وأجمع علماء الإِسلام على وجوب الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

مسألة ٧٨ : ويشترط في الزكاة في هذه الأنواع اُمور ثلاثة : النصاب ، وبدوّ الصلاح ، وتملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتّهاب.

والنصاب في الأربعة واحد وهو خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء بإجماع علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم : ابن عمر وجابر وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن البصري وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة‌

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الطبري ٨ : ٤٣ ، تفسير التبيان ٤ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير للرازي ١٣ : ٢١٣ ، والمغني ٢ : ٥٤٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٥٢ - ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٠ - ١٠١ و ١٠٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ و ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ و ١٥٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ - ٤١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٣

أوساق ، والعنب مثل ذلك »(١) .

ولأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال أبو حنيفة ومجاهد : تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره(٢) ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر )(٣) .

ولأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب والخاصّ مقدّم ، ولم يعتبر الحول ، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه ، واعتبر الحول في غيره ، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال ، والنصاب اعتبر ليبلغ حدّاً يحتمل المواساة.

مسألة ٧٩ : الوَسْق ستّون صاعاً‌(٤) بالإِجماع والنصّ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الوَسْق ستّون صاعاً )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « الوَسْق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٦) .

وأمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا ، والمـُدّ رطلان ورُبع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين وسبعمائة رطل.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ / ٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٩ ، المغني ٢ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ و ٥٨١ / ١٨١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٤) اُنظر : النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٨٥.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٦ / ١٨٣٢ و ٥٨٧ / ١٨٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٤

ولتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها ، لعدم الأولويّة ، ويصار إلى الأصل وهو البراءة ، وصيانة مال المسلم عن التسلّط.

ولأنّ النصاب شرط لما بيّنا ، ولا نعلم حصوله إلّا مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصاع أربعة أمداد »(١) .

وقول أبي الحسنعليه‌السلام : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي »(٢) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال »(٣) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(٤) .

وقال الشافعي وأحمد : وزن المـُدّ رطل وثلث ، والصاع : خمسة أرطال وثلث(٥) ، لأنّ مالكاً أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار ، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبيعليه‌السلام بهذا الصاع(٦) .

وهو ممنوع ، فإنّه لو كان مشتهراً في المدينة لم يَخْف عن أهلها ، مع‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ / ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٣٧٩.

(٤) قوله : بأرطال - إلى - بالعراقي ، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩ ، فلاحظ.

(٥) المجموع ٦ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ و ٦ : ١٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤ و ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٢ و ٤٠٥ ، المغني ١ : ٢٥٥ و ٢ : ٥٥٨ و ٦٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤ ، و ٢ : ٦٦٠.

(٦) أورده كما في المتن ، المحقّق في المعتبر ٢٦٨ ، وانظر أيضاً : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٤٥

أنّ الباقرعليه‌السلام سيّدهم وقد أخبر بخلاف ذلك وهو أعرف من عوامهم ، ولما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر(١) ، فإنّ صاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالتحرّي.

وقال أبو حنيفة : المـُدّ رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال(٢) ، لأنّ أنساً روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ثمانية أرطال(٣) .

وهي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة ٨٠ : هذا التحديد تحقيق لا تقريب‌ ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة )(٥) .

ولأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّداً كسائر الأوقاص ، ولأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدٌّ من حدّ فاصل.

وقال بعضهم : إنّه تقريب ، فإن نقص قليلاً وجبت الزكاة ؛ لأنّ الوَسْق في اللغة : الحِمْل(٦) . وهو يزيد وينقص(٧) ، ونحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

____________________

(١) نقله المحقق في المعتبر : ٢٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٧ ، اللباب ١ : ١٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٣ / ٧٢ و ١٥٤ / ٧٣ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ - ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ٥ وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠.

(٦) اُنظر : الصحاح ٤ : ١٥٦٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٨٩.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

١٤٦

فروع :

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : لا اعتبار باليسير منه(٢) .

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية؛ لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل ، لأنّ الأوساق مكيلة ، وإنّما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب اُخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

ولعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

مسألة ٨١ : إذا وجب العُشر مرّة لم يجب عليه عُشر آخر وإن بقيت عنده أحوالاً‌ إجماعاً - إلّا من الحسن البصري(٤) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شي‌ء ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه وإنّما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة فلا شي‌ء عليه »(٥) .

ولأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية ، فإن اشترى من ذلك شيئاً

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، وتعرّض لخلاف الشافعية أيضاً ، المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٥ / ١ ( باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة ) التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠٢ بتفاوت.

١٤٧

للتجارة صار عرضاً تتعلّق به زكاة التجارة استحباباً أو وجوباً على الخلاف ، وكذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة والثمار وحال عليه الحول وجبت وإلّا فلا.

مسألة ٨٢ : وقت وجوب الزكاة في الحَبّ إذا اشتدّ ، وفي الثمرة إذا بدا صلاحها‌ على الأقوى ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(١) .

ولأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البُسر ( نوع )(٢) من التمر ، ومن أوجب في الثمرة أوجبها في الحَبّ.

وقال بعض علمائنا : إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ؛ لتعلّق الحكم على الاسم(٣) .

وقد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

وعلى كلا القولين ، إنّما يجب الإِخراج ويستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(٤) ، والزرع في البيدر(٥) بعد التصفية من التبن والقشر ، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

وإنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة ، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

وعلى القول الآخر لا شي‌ء عليه ؛ لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه‌

____________________

(١) راجع المصادر في المسألة ٧٨.

(٢) كذا ، ولعلّ المصنّفرحمه‌الله يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. وانظر : الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٣) هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) الجرين : موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح ٥ : ٢٠٩١ « جرن ».

(٥) البيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح ٢ : ٥٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٩ « بدر ».

١٤٨

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

ولو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ وقبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف ، ووجب في الباقي بقدره وإن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصاباً.

مسألة ٨٣ : والنصاب المعتبر - وهو خمسة أوسق‌ - إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ، ويُبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق ، أو العنب ، أو الغلّة ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص ، فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطباً كالهلْباث(١) والبُرني وشبههما من الدّقل(٢) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمراً.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب : الأول وإن كان التمر يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمراً ، وكان هذا مثله رطباً ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(٤) .

مسألة ٨٤ : لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري‌ لحصول السبب في ملكه ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

____________________

(١) الهلْباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨ « هلبث ».

(٢) الدّقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

١٤٩

ومن أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفرداً لا بشرط القطع كان الملك باقياً على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة ٨٥ : لو مات وعليه دين مستوعب‌ ، فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة ؛ لتعلّقها بالعين ومحلّ الدَّين الذمّة وكان حقّ الزكاة مقدّماً وإن ضاع على صاحب الدَّين دَيْنه.

ولو مات قبل بدوّ الصلاح ، فلا زكاة على الوارث ولا على الميّت ، أمّا على الميّت : فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح ، وأمّا على الوارث : فلعدم الانتقال إليه إلّا بعد قضاء الدَّين عند قوم ، ولاشتغاله بتعلّق الدَّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه ، وقد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدَّيْن مستوعباً ، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة وإلّا فلا.

مسألة ٨٦ : قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلّات والثمار إلّا إذا نمت في الملك‌ ، لا ما يبتاع(١) ثمراً ، ولا ما يستوهب إجماعاً.

وأمّا عامل المساقاة والمزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب وإلّا فلا عند أكثر علمائنا(٢) ؛ لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

وقال بعض علمائنا : لا زكاة عليه ؛ لأنّه ملكه اُجرةً(٣) ؛ وليس بمعتمد.

وأمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضاً إن بلغت النصاب إجماعاً.

مسألة ٨٧ : الواجب في هذه الغلّات والثمار العُشر‌ إن لم يفتقر سقيه‌

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية والطبعة الحجرية : لا ما يباع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب المساقاة ، المسألة ١٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٥ و ٢٦٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ٢ : ١٦٠.

(٣) هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ( فصل : في المزارعة والمساقاة ).

١٥٠

إلى مؤونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج ، أو تسقيه الأنهار بغير آلة وإنّما تفيض إليها في زيادتها ، أو بحبس الماء عليه ، أو يشرب بعلاً وهو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي ، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

وأمّا ما يفتقر إلى مؤونة كالذي يشرب بالدوالي والدواليب وما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العُشر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بَعْلاً(١) العُشر ، وفيما سقي بالسواني والنّضح نصف العشر )(٢) والسواني : النواضح وهي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( فيما سقت العيون أو كان عَثَريّاً العُشر ، وما سقي بالنَّضْح نصف العشر )(٤) والعَثَرِي : ما تسقيه السماء وهو العِذْي(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وما كان منه يسقى بالرشاء(٦) والدوالي(٧) والنواضح ففيه نصف العُشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بَعْلاً ففيه العُشر تامّاً »(٨) .

ولأنّ للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.

____________________

(١) البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨١ / ١٨١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٣) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ « سنا ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٥) قاله أبو عبيد. راجع : الأموال : ٤٨٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٥٤١.

(٦) الرشا : الحَبْل. والجمع : أرشية. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢.

(٧) الدوالي ، جمع دالية. وهي : الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٤ : ١٣ - ١٤ / ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠.

١٥١

فروع :

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ؛ لأنّ المؤونة تقلّ ، ولأنّه من جملة إحياء الأرض ، ولا يتكرّر ، ولأنّه يجري مجرى الكراب(١) .

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلّا بدولاب وشبهه فهو من الكُلفة المسقطة لنصف الزكاة ؛ لأنّ مقدار الكُلفة وقُرب الماء وبُعده لا يعتبر.

والضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ، أو دالية ، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج الـمُؤَن ، والفرق بينهما باقٍ ؛ إذ تقديم المؤونة من الكُلفة فلهذا وجب نصف العُشر.

مسألة ٨٨ : لو سقي بعض المدّة بالسيح ، وبعضها بالآلة‌ ، فإن تساويا اُخذت الزكاة بحساب ذلك فاُخذ للسيح نصف العُشر ، وللدوالي رُبع العُشر ، فتجب ثلاثة أرباع العُشر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحاً : « النصف والنصف نصف بنصف العُشر ونصف بالعُشر »(٣) .

ولأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

وإن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا ، وبه قال عطاء والثوري وأبو‌

____________________

(١) كرب الأرض يكربها كرباً وكراباً : قلبها للحرث. لسان العرب ١ : ٧١٤ - ٧١٥ « كرب ».

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ / ٤٤.

١٥٢

حنيفة والشافعي - في أحد القولين - وأحمد في إحدى الروايتين(١) .

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية والسقيتان سيحاً ، فقال : « وكم تسقى السقية والسقيتان سيحاً؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكث [ قبل ](٢) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العُشر »(٣) .

ولأنّ اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ ويتعذّر ، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإِنسان كان عدلاً وإن ندرت منه المعصية.

وقال الشافعي - في الثاني - : يعتبر قدرهما وتقسَّم الزكاة عليهما بالحصّة ، فإن كان السيح الثلثان اُخذ ثلثا العُشر ، وكذا إن زاد ؛ لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(٤) . والفرق : عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع :

أ - إذا سقي بهما ولم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي ، واُخرج من كلّ واحد بالحصّة.

ب - لو شرب أحد القراحين(٥) سيحاً ، والآخر ناضحاً ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب واُخرج من السيحي العُشر ومن النضحي نصف العُشر.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٠ ، اللباب ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين مثبَت من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ - ١٧ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ - ١٦ / ٤٤‌.

(٤) المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦.

(٥) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر. الصحاح ١ : ٣٩٦ « قرح ».

١٥٣

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عدداً أو نفعاً ونموّاً؟ الأقرب : الثاني ؛ لاقتضاء ظاهر النصّ(١) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

ويحتمل الأول ؛ لأنّ المؤونة تقلّ وتكثر بهما ، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإِدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سَقْيَتَيْن ، وفي شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبر العدد وجب نصف العُشر.

وعلى أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خُمسا العُشر وثلاثة أخماس نصف العُشر(٢) .

وإن اعتبر مدّة العيش وجب العُشر ؛ لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول ، وعلى التقسيط يجب ثلاثة أرباع العُشر ورُبع نصف العُشر.

ولو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له وإلّا فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين ، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الاستصحاب(٣) ، وعلى التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب وإن اختلف قدر الواجب.

مسألة ٨٩ : الزكاة في الغلّات والثمار إنّما تجب بعد المؤونة‌ كاُجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد ومصفّى الغلّة وقاطع الثمرة وغير ذلك من الـمُؤَن.

____________________

(١) قوله : لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره.

هذا دليل بعض الشافعية أيضاً على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع ، والمراد من النصّ ، نصّ الشافعي ؛ لاحظ فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٦٣.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٠.

١٥٤

وقال عطاء(١) : إنّ المؤونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة ، ولأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه وإضرار به فيكون منفيّاً.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إنّها على المالك خاصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(٤) .

ولا يتناول محلّ النزاع ، لأنّ العشر فيما يكون نماء وفائدة.

فروع :

أ - الأقرب أنّ المؤونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة ، وإذا اُسقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤونة بل في الباقي.

ب - الأقوى أنّ البذر من المؤونة فلا تجب فيه زكاة ، ولأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة وتكرّرها في الغلّات.

ج - ثمن الثمرة من المؤونة ، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة ٩٠ : تجب الزكاة في زرع أرض الصلح ومن أسلم أهلها عليها‌ بإجماع العلماء.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٧.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٧ و ٥٣٢ و ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٩٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠١ ، المغني ٢ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٦.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢١٧.

١٥٥

أمّا ما فتح عنوةً فإنّها للمسلمين ويقبلها الإِمام ممّن شاء ، فإذا زرعها وأدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي ومالك والثوري والمغيرة والليث والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد(١) .

لقوله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العُشر ، وإنّما العُشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك »(٤) .

ولأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم ولا تنافي بينهما ، فجاز اجتماعهما كالكفّارة والقيمة في صيد الحرم المملوك.

وقال أصحاب الرأي : لا عُشر في الأرض الخراجية ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجتمع العُشر والخراج في أرض مسلم )(٥) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، المجموع ٥ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ و ٥٤٣ - ٥٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٩٥ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ / ٧٠.

(٥) اُنظر : سنن البيهقي ٤ : ١٣٤ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٧ : ٢٧١٠.

١٥٦

ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان ولا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة(١) .

والحديث يرويه يحيى بن عنبسة - وهو ضعيف - عن أبي حنيفة ، وأيضاً الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر ، والقياس ضعيف ؛ لأنّ التجارة وزكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج والزكاة ؛ لأنّ الخراج يجب في الأرض ، والزكاة في الزرع ، والمستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك : يقول الله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(٣) .

تذنيب : لو ضرب الإِمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ؛ لأنّه كالدَّين.

ولو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عُشر فيه وما فيه العُشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

وقال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافياً بالخراج ، وبه قال عمر بن عبد العزيز(٤) .

مسألة ٩١ : لو استأجر أرضاً فزرعها ، فالعُشر على الأجير دون مالك الأرض‌ عند علمائنا ، وبه قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن المنذر(٥) ؛ لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

وقال أبو حنيفة : إنّه على مالك الأرض ؛ لأنّه من مؤونتها فأشبه‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦ - ٥٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٧ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

١٥٧

الخراج(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لو كان من مؤونة الأرض لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ، ولتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفي‌ء دون مصرف الزكاة ، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإِجارة من المؤونة يندر(٢) كثمن الثمرة.

فروع :

أ - لو استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع ؛ لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعُشر عليه أيضاً ؛ لأنّه المالك ، وعليه اُجرة الأرض وتحسب من المؤونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعُشر على من يجب الزرع له ، فإن وجب لصاحب الأرض أندر اُجرة العامل من المؤونة ، وإن وجب للعامل أندر اُجرة مثل الأرض.

مسألة ٩٢ : يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي وإجارتها منه‌ لأدائه إلى إسقاط عُشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعاً صحّ البيع والإِجارة ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد(٣) .

وقال مالك : يمنعون من شرائها ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العُشر فاُخذ منهم الخُمس - وهو رواية عن أحمد(٤) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٥ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

(٢) الإِندار : الإِسقاط. لسان العرب ٥ : ١٩٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

١٥٨

هذه الأرض إضراراً بالفقراء وتقليلاً لحقّهم ، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العُشر. وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف والحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري(١) .

وعند علمائنا قريب منه ، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخُمس إذا اشترى أرضاً من مسلم سواء وجب فيها الخُمس كالمفتوحة عنوةً أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعاً وأرض الصلح.

وقال محمد بن الحسن : العُشر بحاله(٢) .

وقال أبو حنيفة : تصير أرض خراج(٣) .

وإنّما أوجب أصحابنا الخُمس لإِجماعهم ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ مستحقّ هذا الخُمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خُمس الغنائم.

ويحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة ، وعليه قول من أوجبه من الجمهور ؛ لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها ؛ ونمنع العلّة.

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ - ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣٥٥ و ١٣٩ / ٣٩٣.

(٥) المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

١٥٩

فروع :

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عُشر عليه ؛ لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها ، ولا على البائع ؛ لانتقالها عنه ، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العُشر في زرع المكاتب - خلافاً لأبي حنيفة(١) - وبه قال الشافعي(٢) ، هذا إن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ ، ولو أدّى تحرّر بقدره ، فإن بلغ نصيبه نصاباً وجبت ، ولم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - وهم نصارى العرب - أرضاً من مسلم وجب على المسلم فيها العُشر أو نصف العشر ولا خراج عليه ، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العُشر.

وقال الشافعي : عليه العُشر(٣) .

وقال أبو حنيفة : يؤخذ منه عُشران(٤) .

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضاً لزمته الجزية كما تلزم الذمّي ، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه عُشران وهما خراج يؤخذ باسم الصدقة(٥) .

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٦) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٢) الاُم ٢ : ٢٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ و ٥٦٤ ، الوجيز ١ : ٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣و٤) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٥و٦) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الشافعي ، ومسند الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك ، قال :

اتي النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بطائر فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.

فجاء عليعليه‌السلام فحجبته مرّتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عليّ! ما حبسك؟! قال : هذه ثلاث مرّات قد جئتها فحبسني أنس.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لم يا أنس؟! قال : قلت : سمعت دعوتك يا رسول الله ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.

فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : الرجل يحبّ قومه.

فأسأل الشيخ عبد السلام وأقول : هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟!

الشيخ عبد السلام : نعم ، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟! وهو سبحانه يعلم أنّ النبيّ لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلاّ في محلّها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستجابة في كلّ وقت.

قلت : على هذا فعليّعليه‌السلام هو أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

كما إنّ كبار علمائكم صرّحوا بذلك ، مثل : العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي ، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأوّل من كتابه «مطالب السئول» بمناسبة حديث الراية وحديث الطير ، فقد أثبت أنّ عليّاعليه‌السلام كان أحبّ الخلق إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ يقول : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقّق للناس ثبوت هذه المنقبة السنيّة والصفة العليّة ، التي هي أعلى درجات المتّقين ، لعليّعليه‌السلام إلى آخره.

٣٤١

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، فقيه الحرمين ومحدّث الشام وصدر الحفّاظ ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٣٣ ، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق ، عن أنس وسفينة خادمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وفيه دلالة واضحة على ان عليّاعليه‌السلام أحبّ الخلق الى الله ، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما دعا به ، وقد وعد الله تعالى من دعاه الإجابة ، حيث قال عزّ وجلّ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) .

فأمر بالدعاء ووعد الإجابة ، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد. وما كان الله عزّ وجلّ ليخلف وعده رسله ، ولا يردّ دعاء رسوله لأحبّ الخلق إليه ، ومن هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبّته ومحبّة من يحبّ لحبّه.

وبعد هذا يقول : وحديث أنس الذي صدّرته في أوّل الباب ، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستّة وثمانين رجلا ، كلّهم رووه عن أنس ، ثمّ يذكر أسماءهم(٢) .

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٦٠.

(٢) وإليك الحديث كما نقله العلاّمة الكنجي الشافعي في أول الباب ٣٣ من كتاب «كفاية الطالب» وأسماء رواته كما يلي :

أخبرنا منصور بن محمد أبو غالب المراتبي ، أخبرنا أبو الفرج بن أبي الحسين الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد السدّي ، أخبرنا عليّ بن عمر بن محمد السكّري ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن السرّاج المصري ، حدّثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحّاس ، حدّثنا أحمد بن يزيد ، حدّثنا زهير ، حدّثنا عثمان الطويل ، عن أنس بن مالك :اهدي إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

٣٤٢

__________________

فجاء عليّ بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله. قال : فقلت : ما عليه إذن ، وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه ، فسمع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كلامه ، فقال : ادخل يا عليّ ؛ ثمّ قال : اللهمّ وإليّ ، اللهمّ وإليّ. ـ أي : هو أحبّ الناس إليّ أيضا ـ.

وأمّا أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلاّمة الكنجي الشافعي نقلا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري ، وهم ستّة وثمانون رجلا ، ذكرهم في آخر الباب ٣٣ بترتيب حروف المعجم ، كما يلي :

[إ] إبراهيم بن هديّة أبو هديّة ، وإبراهيم بن مهاجر أبو إسحاق البجلي ، وإسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي ، وإسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق ، وإسماعيل بن وردان ، وإسماعيل بن سليمان ، وإسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة ، وإسماعيل بن سليمان التيمي ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وأبان بن أبي عيّاش أبو إسماعيل.

[ب] بسّام الصيرفي الكوفي ، وبرذعة بن عبد الرحمن.

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان ، وثمامة بن عبد الله بن أنس.

[ج] جعفر بن سليمان النخعي.

[ح] حسن بن أبي الحسن البصري ، وحسن بن الحكم البجلي ، وحميد بن التيرويه الطويل.

[خ] خالد بن عبيد أبو عصام.

[ز] زبير بن عديّ ، وزياد بن محمد الثقفي ، وزياد بن شروان.

[س] سعيد بن المسيّب ، وسعيد بن ميسرة البكري ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسليمان بن عامر بن عبد الله بن عبّاس ، وسليمان ابن الحجّاج الطائفي.

[ش] شقيق بن أبي عبد الله.

٣٤٣

__________________

[ع] عبد الله بن أنس بن مالك ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد العزيز بن زياد ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعمر بن أبي حفص الثقفي ، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يعلى الثقفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعمران بن مسلم الطائي ، وعمران بن هيثم ، وعطيّة بن سعد العوفي ، وعبّاد بن عبد الصمد ، وعيسى بن طهمان ، وعمّار بن أبي معاوية الدهني.

[ف] فضيل بن غزوان.

[ق] قتادة بن دعامة.

[ك‍] كلثوم بن جبر.

[م] محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الباقر عليه‌السلام ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن عمر بن علقمة ، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي ، ومحمد بن سليم ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، ومطيّر بن خالد ، ومعلّى بن هلال ، وميمون أبو خلف ، وميمون غير منسوب ، ومسلم الملائي ، ومطر بن طهمان الورّاق ، وميمون بن مهران ، ومسلم بن كيسان ، وميمون بن جابر السلمي ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ومصعب بن سليمان الأنصاري.

[ن] نافع مولى عبد الله بن عمر ، ونافع أبو هرمز.

[ه‍] هلال بن سويد.

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن هانئ ، ويوسف بن إبراهيم ، ويوسف أبو شيبة ـ وقيل هما واحد ـ ، ويزيد بن سفيان ، ويعلى بن مرّة ، ونعيم بن سالم.

[أبو] أبو الهندي ، وأبو مليح ، وأبو داود السبيعي ، وأبو حمزة الواسطي ، وأبو حذيفة العقيلي ، ورجل من آل عقيل ، وشيخ غير منسوب.

انتهى ما أردنا نقله من كتاب «كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن

٣٤٤

فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسّك بخبر واحد رواه عمرو بن العاص ، وهو أحد أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، والمعلن عليه الحرب ، والخارج لقتاله ، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم؟!

الشيخ عبد السلام : أظنّ أنّكم مصرّون على ردّ كلّ خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتّبع الحقّ!

قلت : إنّي أعجب من الشيخ إذ يتّهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟! حتّى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أنّنا نتّبع طريق اللجاج والعناد!!

__________________

أبي طالبعليه‌السلام » تأليف : العلاّمة ، فقيه الحرمين ، ومفتي العراقيين ، محدّث الشام ، وصدر الحفّاظ ، أبي عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي.

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحّة هذا الخبر ، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم ، كما ثبت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام احتجّ بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الّذين أوصاهم عمر بن الخطّاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم ، فقال الإمام عليّ عليه‌السلام : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء أحد غيري؟!

فقالوا : اللهمّ لا فقال عليه‌السلام : اللهمّ اشهد إلى آخره. «المترجم».

٣٤٥

وإنّي أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصّبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنّة عموما.

وإنّي أشهد الله ربّي وربّكم أنّي ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع المادّيّين والوجوديّين ، وسائر المذاهب والفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عزّ وجلّ وأبحث عن الحقّ والحقيقة على أساس المنطق والعقل واصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد ، وقبلة واحدة؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحقّ عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتّى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيّم علينا الاتّحاد والائتلاف ، ويتحقّق أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثّرتم بكلمات وأكاذيب الامويّين المعادين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيّبين فقلّدتم الناكثين والمارقين المتعصّبين ضدّ الإمام عليّ أمير المؤمنين وشيعته أهل الحقّ واليقين.

فإذا تخلّيتم عن أقاويل اولئك ، وتحرّرتم عن التعصّب والتقليد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣٤٦

الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنّا نصل إن شاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحقّ المعهود.

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلاّت ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إيّاهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحقّ ، وكنّا نحبّ زيارتكم ونتشوّق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المرويّة على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتّم نقاط تعارضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنّكم ستوافقون عليه ولا تردّونه ، لأنّه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أردّ الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أنّي حينما كنت احاور الفرق الملحدة مثل : الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الّذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجّون عليّ في إثبات ادّعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية! لأنّ بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعدّدة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد أن يفسّر القرآن برأيه ، فقال :

٣٤٧

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وكّل هذا الأمر الهامّ إلى أهل بيته الكرامعليهم‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وقد أجمعت الامّة على صحّة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ تفسير القرآن ومعناه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو القرآن الناطق ، ومن بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الّذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القرآن ككفّتي ميزان.

والله سبحانه أيضا أمر الامّة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

والمقصود من أهل الذكر : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بنيهعليهم‌السلام كما روى الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الباب ٣٩ نقلا عن تفسير «كشف البيان» للعلاّمة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٢) .

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى :( ... قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) (٣) .

فأهل الذكر هم آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل القرآن الّذين نزل الوحي في

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٩.

(٣) سورة الطلاق ، الآية ١٠ ـ ١١.

٣٤٨

بيتهم ، فهم أهل بيت النبوّة وأهل بيت الوحي.

ولذلك كان عليّعليه‌السلام يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما انزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من انزلت ، وإنّ ربّي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا إلى آخره.

ملخص القول : في نظرنا إنّ الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلاّ إذا كان كلّ إنسان يفسّر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع الاختلاف في الكلمة والتشتّت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.

والآن بعد هذه المقدّمة ، فإنّا نستمع لبيانكم.

الشيخ عبد السلام : لقد أوّل بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

قالوا :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر الصدّيق ، فهو كان مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في كلّ مكان حتّى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنوّرة.

والمقصود من( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) : هو عمر بن الخطّاب (رض) الذي كان شديدا على الكفّار.

والمراد من( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنّه كان

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

٣٤٩

كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.

والمعنيّ من( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : هو عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فإنّه ما سجد لصنم قطّ.

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!

قلت : يا شيخ! إنّي أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإنّي لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدّمون على الإمام عليّعليه‌السلام احتجّوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيّدة فاطمة الزّهراء والامام عليّعليه‌السلام من البيعة لهم.

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا في التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري والثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم.

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلاّ رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإنّ القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وإذا قلت : إنّ ما قلته هو تأويل لا تفسير.

فأقول : إنّ مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمّتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إنّ في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أوّلا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.

٣٥٠

وثانيا : صياغة الجمل ف( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مبتدأ ، و( رَسُولُ اللهِ ) : عطف بيان أو صفة ، و( الَّذِينَ مَعَهُ ) : عطف على( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و( أَشِدَّاءُ ) وما بعدها : خبر ؛ ولو قلنا غير هذا فهو غير معقول وخارج عن قواعد العربية والاصول.

ولذا فإنّ جميع المفسّرين من الفريقين قالوا : إنّ الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا.

ولكنّي أقول : إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في كلّ فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي : إنّ بعضهم كانوا( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) وبعضهم كانوا( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وبعضهم( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ولم يكن من المؤمنين إلاّ رجل واحد جمع كلّ هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أوّل رسالته وبعثته حتّى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.

الشيخ عبد السّلام : إنّك قلت : بأنّي لا اجادل ولست متعصّبا! بينما الآن تظهر التعصّب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أيّ فرد من أهل العلم!

أما قرأت قوله تعالى :( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ

٣٥١

كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة إضافة على أنّها تؤيّد رأينا في تأويل الآية السابقة :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فهي تسجّل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيّدنا أبي بكر الصدّيق (رض) ، لأنّ مصاحبته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدلّ على منزلته عنده ، ودليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بعلم الله أنّ أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتّى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبيّ أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته.

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصّب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لوجدتم أنّها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إنّي أتعجّب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلاّ معاند متعصّب!

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأنّي أخشى أن يمسّ ويخدش البحث عواطفكم ، فإنّ الكلام يجرّ الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمّله العوامّ ، لسوء ما تركّز عندهم في الأفهام.

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بيّن لنا كلّ ما عندك من الجواب والردّ على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنّما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدّون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنّه الحقّ الذي أمر به محمّد سيّد الأنام (صلّى الله

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

٣٥٢

عليه [وآله] وسلّم).

قلت : إنّ إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصّب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسئولية في كشف الحقّ وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض عليّ الردّ والجواب ، حتّى يعرف الحاضرون كلمة الحقّ والسداد ، فأقول :

أوّلا : قولك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل معه أبا بكر ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شرّ المشركين ، كلام غريب

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حمله لهذا السبب ، فلما ذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حدّ زعمكم؟! عمر وعثمان وعليّ ، لأنّهم كانوا في مكّة مهدّدين أيضا!

فلما ذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليّا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه!

هل هذا من العدل والإنصاف؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج ٣ : إنّ أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره بأنّه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرآه في الطريق فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول.

وقال بعض المحقّقين : إنّ أبا بكر بعد ما التقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ؛ لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه

٣٥٣

به الشيخ أبو القاسم ابن الصبّاغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه : «النور والبرهان» :

إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمر عليّا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!

ثالثا : أسألك أن تبيّن لنا محلّ الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجّلتها الآية لأبي بكر؟!

الشيخ عبد السلام : محلّ الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أوّلا : صحبة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، فإنّ الله تعالى يعبر عن الصدّيق (رض) بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

ثانيا : جملة :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيّدنا أبي بكر.

ومجموعها تثبت أفضليّة سيّدنا الصديق وأحقّيّته بالخلافة.

قلت : لا ينكر أحد أنّ أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنّه زوّج ابنته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنّ هذه الامور لا تدلّ على أحقّيّته بالخلافة.

وكذلك كلّ ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البرّ والخير ؛ فكم من كفّار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار.

٣٥٤

الصحبة ليست فضيلة

١ ـ فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيقعليه‌السلام أنّه قال :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) .

لقد اتّفق المفسّرون أنّ صاحبي يوسف الصدّيقعليه‌السلام هما ساقي الملك وطبّاخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبيّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ، ولم يؤمنا بالله ، حتّى أنّهما خرجا من السجن كافرين ؛ فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسفعليه‌السلام تعدّ منقبة وفضيلة لهما؟!

٢ ـ ونقرأ في سورة الكهف :( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (٢) .

ذكر المفسّرون : أنّ المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ؛ وقد نقل المفسّرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنقلها ؛ فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعدّ له فضيلة أو شرفا يقدّمه على أقرانه؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية :( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ) ؟!(٣) .

فالمصاحبة وحدها لا تدلّ على فضيلة وشرف يميّز صاحبها ويقدّمه على الآخرين.

وأمّا استدلالك علي أفضليّة أبي بكر ، بالجملة المحكيّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

٣٥٥

( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ؛ لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى :( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) (١) .

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يكون مع المؤمن والكافر والمنافق.

الشيخ عبد السلام : لا شكّ أنّ المراد من الآية الكريم :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) يعني : بما أنّنا مع الله ونعمل لله ، فإنّ ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهيّة تشملنا.

حقائق لا بدّ من كشفها

قلت : حتّى لو تنزّلنا لكم وسلّمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إنّ الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدلّ على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدّم صاحبها على الآخرين ؛ لأنّ هناك أشخاصا شملتهم الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

١ ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنّه عبد الله تعالى عبادة قلّ نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربّانية ، ولكن لمّا تمرّد عن أمر ربّه تكبّر واتّبع هواه واغترّ ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) .

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية ٧.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٣٤ ـ ٣٥.

٣٥٦

٢ ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنّه كما ذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى :( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) قالوا : إنّه تقرّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلّدين في النيران.

وإذا أحببتم تفصيل قصّته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي ٤ / ٤٦٣ ، فإنّه يروي عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

٣ ـ وبرصيصا في بني إسرائيل ، كان مجدّا في عبادة الله سبحانه حتّى أصبح من المقرّبين ، وكانت دعوته مستجابة. ولكن عند الامتحان اصيب بسوء العاقبة فترك عبادة ربّ العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه :( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (٢) .

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدلّ على أنّ ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأنّ عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٧٥.

(٢) سورة الحشر ، الآية ١٦.

٣٥٧

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيرا.

إضافة إلى ما قلنا : فإنّكم تعلمون أنّه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أنّ التأكيد في الكلام يدلّ على شكّ المخاطب وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك.

والآية مؤكّدة «بأنّ» فيظهر بأنّ مخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحبه في الغار كان شاكّا في الحقّ ، على غير يقين بأنّ الله سبحانه يكون معهما!

الشيخ عبد السلام ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثّل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!

قلت : أنا في البداية بيّنت أن : «لا مناقشة في الأمثال» ومن المعلوم أنّ في المحاورات أنّما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من جميع الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركّز عليها موضوع الحوار.

وإنّي اشهد الله! بأنّي ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وابيّن مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.

الشيخ عبد السلام : دليلي على أنّ الآية الكريمة تتضمّن مناقب وفضائل لسيّدنا أبي بكر (رض) ، جملة :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فإنّ الضمير في :( عَلَيْهِ ) يرجع لأبي بكر الصدّيق ، وهذا مقام عظيم.

قلت : الضمير يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية :( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) .

٣٥٨

وقد صرّح جميع المفسّرين : أنّ المؤيّد بجنود الله سبحانه هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إنّ المؤيّد بالجنود هو النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ولكنّ أبا بكر كذلك كان مؤيّدا مع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلت : إذا كان الأمر كما تقول ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلّها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الألطاف والعنايات الإلهيّة كالنصرة والسكينة شملت أبا بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. فينحصر القول بأنّها شملت رسول الله دون صاحبه!!

الشيخ عبد السّلام : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان في غنى عن نزول السكينة عليه ، لأنّ السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا ، ولكن سيّدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.

قلت : لما ذا تضيّع الوقت بتكرار الكلام ، بأيّ دليل تقول : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحتاج إلى السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول :( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) (١) وذلك في غزوة حنين.

ويقول سبحانه وتعالى أيضا :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٢٦.

٣٥٩

وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (١) وذلك في فتح مكّة المكرّمة.

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الّذين تشملهم السكينة الإلهيّة ، لكان الله عزّ وجلّ قد ذكره بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يقول : فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا ، وقد صرّح كثير من كبار علمائكم : بأنّ ضمير( عَلَيْهِ ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى أبي بكر ؛ راجعوا كتاب : «نقض العثمانية» للعلاّمة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو استاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيّم في ردّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

إضافة على ما ذكرنا ، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي :( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) فالنبيّ ينهى أبا بكر عن الحزن ، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيّئا؟

فإن كان حسنا ، فالرسول لا ينهى عن الحسن ، وإن كان سيّئا فنهي النبيّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب النهي عن المنكر بقوله :( لا تَحْزَنْ ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمّه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر ، لا تشمله العناية والسكينة الإلهيّة ، لأنّهما تختصّان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وهم أولياء الله الّذين لا يخشون أحدا إلاّ الله سبحانه.

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460