تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192153 / تحميل: 6309
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

دنانير وتسعين(١) درهماً قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - وهو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(٢) . والكلّ باطل عندنا ، لما تقدّم.

مسألة ٧٦ : يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة‌ - وهو أصحّ الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ ، فإنّ المقصود منهما جميعاً الثمنية ، والتوصّل بهما إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس ، وإذا كان المقصود حاصلاً وجب الإِجزاء ، إذ لا فائدة في اختصاص الإِجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

ولأنّه قد يكون أرفق بالمعطي والفقير ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك والفقير ، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير ، وسهل ذلك عليه ، وانتفع من غير كلفة ولا ضرر.

ولأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته ، ولو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا ، وربّما نقص عوضها عن قيمتها.

والرواية الثانية لأحمد : المنع من الجواز ، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس‌

____________________

(١) في المغني والشرح الكبير : سبعين.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٦.

١٤١

أولى(١) .

والاُولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى ما قلناه ، لا يجوز الإِبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضاً عمّا ينفق ، لأنّه كالمعيب.

ولو اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في ( أخذ الجنس)(٢) لم يلزم المالك إجابته ، لأنّه أدّى فرض الله عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث

في زكاة الغلّات والثمار‌

وفيه بحثان :

الأول : فيما تجب الزكاة فيه منها.

مسألة ٧٧ : الزكاة في الغلّات والثمار واجبة‌ بالنصّ والإِجماع :

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٣) والزكاة تسمّى نفقةً ، لقوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) .

وقال تعالى( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) قال ابن عباس : حقّه :

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٢) ورد في النسخ الخطية : أحد الجنسين. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) التوبة : ٣٤.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١٤٢

الزكاة المفروضة(١) .

وأجمع علماء الإِسلام على وجوب الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

مسألة ٧٨ : ويشترط في الزكاة في هذه الأنواع اُمور ثلاثة : النصاب ، وبدوّ الصلاح ، وتملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتّهاب.

والنصاب في الأربعة واحد وهو خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء بإجماع علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم : ابن عمر وجابر وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن البصري وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة‌

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الطبري ٨ : ٤٣ ، تفسير التبيان ٤ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير للرازي ١٣ : ٢١٣ ، والمغني ٢ : ٥٤٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٥٢ - ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٠ - ١٠١ و ١٠٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ و ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ و ١٥٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ - ٤١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٣

أوساق ، والعنب مثل ذلك »(١) .

ولأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال أبو حنيفة ومجاهد : تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره(٢) ، لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر )(٣) .

ولأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب والخاصّ مقدّم ، ولم يعتبر الحول ، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه ، واعتبر الحول في غيره ، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال ، والنصاب اعتبر ليبلغ حدّاً يحتمل المواساة.

مسألة ٧٩ : الوَسْق ستّون صاعاً‌(٤) بالإِجماع والنصّ ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الوَسْق ستّون صاعاً )(٥) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « الوَسْق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٦) .

وأمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا ، والمـُدّ رطلان ورُبع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين وسبعمائة رطل.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ / ٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٩ ، المغني ٢ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ و ٥٨١ / ١٨١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٤) اُنظر : النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٨٥.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٦ / ١٨٣٢ و ٥٨٧ / ١٨٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤١.

١٤٤

ولتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها ، لعدم الأولويّة ، ويصار إلى الأصل وهو البراءة ، وصيانة مال المسلم عن التسلّط.

ولأنّ النصاب شرط لما بيّنا ، ولا نعلم حصوله إلّا مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصاع أربعة أمداد »(١) .

وقول أبي الحسنعليه‌السلام : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي »(٢) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال »(٣) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(٤) .

وقال الشافعي وأحمد : وزن المـُدّ رطل وثلث ، والصاع : خمسة أرطال وثلث(٥) ، لأنّ مالكاً أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار ، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبيعليه‌السلام بهذا الصاع(٦) .

وهو ممنوع ، فإنّه لو كان مشتهراً في المدينة لم يَخْف عن أهلها ، مع‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ / ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٣٧٩.

(٤) قوله : بأرطال - إلى - بالعراقي ، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩ ، فلاحظ.

(٥) المجموع ٦ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ و ٦ : ١٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤ و ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٢ و ٤٠٥ ، المغني ١ : ٢٥٥ و ٢ : ٥٥٨ و ٦٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤ ، و ٢ : ٦٦٠.

(٦) أورده كما في المتن ، المحقّق في المعتبر ٢٦٨ ، وانظر أيضاً : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٤٥

أنّ الباقرعليه‌السلام سيّدهم وقد أخبر بخلاف ذلك وهو أعرف من عوامهم ، ولما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر(١) ، فإنّ صاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالتحرّي.

وقال أبو حنيفة : المـُدّ رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال(٢) ، لأنّ أنساً روى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضّأ بمُدّ ويغتسل بصاع ثمانية أرطال(٣) .

وهي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة ٨٠ : هذا التحديد تحقيق لا تقريب‌ ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة )(٥) .

ولأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّداً كسائر الأوقاص ، ولأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدٌّ من حدّ فاصل.

وقال بعضهم : إنّه تقريب ، فإن نقص قليلاً وجبت الزكاة ؛ لأنّ الوَسْق في اللغة : الحِمْل(٦) . وهو يزيد وينقص(٧) ، ونحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

____________________

(١) نقله المحقق في المعتبر : ٢٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٧ ، اللباب ١ : ١٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٣ / ٧٢ و ١٥٤ / ٧٣ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ - ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ / ٥ وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠.

(٦) اُنظر : الصحاح ٤ : ١٥٦٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٨٩.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

١٤٦

فروع :

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة ، لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : لا اعتبار باليسير منه(٢) .

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية؛ لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل ، لأنّ الأوساق مكيلة ، وإنّما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب اُخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

ولعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

مسألة ٨١ : إذا وجب العُشر مرّة لم يجب عليه عُشر آخر وإن بقيت عنده أحوالاً‌ إجماعاً - إلّا من الحسن البصري(٤) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شي‌ء ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه وإنّما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة فلا شي‌ء عليه »(٥) .

ولأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية ، فإن اشترى من ذلك شيئاً

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ - ٥٦٦ ، وتعرّض لخلاف الشافعية أيضاً ، المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٥ / ١ ( باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة ) التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠٢ بتفاوت.

١٤٧

للتجارة صار عرضاً تتعلّق به زكاة التجارة استحباباً أو وجوباً على الخلاف ، وكذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة والثمار وحال عليه الحول وجبت وإلّا فلا.

مسألة ٨٢ : وقت وجوب الزكاة في الحَبّ إذا اشتدّ ، وفي الثمرة إذا بدا صلاحها‌ على الأقوى ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(١) .

ولأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البُسر ( نوع )(٢) من التمر ، ومن أوجب في الثمرة أوجبها في الحَبّ.

وقال بعض علمائنا : إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ؛ لتعلّق الحكم على الاسم(٣) .

وقد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

وعلى كلا القولين ، إنّما يجب الإِخراج ويستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(٤) ، والزرع في البيدر(٥) بعد التصفية من التبن والقشر ، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

وإنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة ، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

وعلى القول الآخر لا شي‌ء عليه ؛ لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه‌

____________________

(١) راجع المصادر في المسألة ٧٨.

(٢) كذا ، ولعلّ المصنّفرحمه‌الله يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. وانظر : الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٣) هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) الجرين : موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح ٥ : ٢٠٩١ « جرن ».

(٥) البيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح ٢ : ٥٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٩ « بدر ».

١٤٨

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

ولو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ وقبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف ، ووجب في الباقي بقدره وإن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصاباً.

مسألة ٨٣ : والنصاب المعتبر - وهو خمسة أوسق‌ - إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ، ويُبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق ، أو العنب ، أو الغلّة ولو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص ، فلا زكاة إجماعاً وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصاباً.

أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطباً كالهلْباث(١) والبُرني وشبههما من الدّقل(٢) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمراً.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب : الأول وإن كان التمر يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمراً ، وكان هذا مثله رطباً ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(٤) .

مسألة ٨٤ : لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري‌ لحصول السبب في ملكه ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

____________________

(١) الهلْباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨ « هلبث ».

(٢) الدّقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

١٤٩

ومن أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفرداً لا بشرط القطع كان الملك باقياً على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة ٨٥ : لو مات وعليه دين مستوعب‌ ، فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة ؛ لتعلّقها بالعين ومحلّ الدَّين الذمّة وكان حقّ الزكاة مقدّماً وإن ضاع على صاحب الدَّين دَيْنه.

ولو مات قبل بدوّ الصلاح ، فلا زكاة على الوارث ولا على الميّت ، أمّا على الميّت : فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح ، وأمّا على الوارث : فلعدم الانتقال إليه إلّا بعد قضاء الدَّين عند قوم ، ولاشتغاله بتعلّق الدَّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه ، وقد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدَّيْن مستوعباً ، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة وإلّا فلا.

مسألة ٨٦ : قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلّات والثمار إلّا إذا نمت في الملك‌ ، لا ما يبتاع(١) ثمراً ، ولا ما يستوهب إجماعاً.

وأمّا عامل المساقاة والمزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب وإلّا فلا عند أكثر علمائنا(٢) ؛ لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

وقال بعض علمائنا : لا زكاة عليه ؛ لأنّه ملكه اُجرةً(٣) ؛ وليس بمعتمد.

وأمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضاً إن بلغت النصاب إجماعاً.

مسألة ٨٧ : الواجب في هذه الغلّات والثمار العُشر‌ إن لم يفتقر سقيه‌

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية والطبعة الحجرية : لا ما يباع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب المساقاة ، المسألة ١٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٥ و ٢٦٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإِسلام ٢ : ١٦٠.

(٣) هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ( فصل : في المزارعة والمساقاة ).

١٥٠

إلى مؤونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج ، أو تسقيه الأنهار بغير آلة وإنّما تفيض إليها في زيادتها ، أو بحبس الماء عليه ، أو يشرب بعلاً وهو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي ، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

وأمّا ما يفتقر إلى مؤونة كالذي يشرب بالدوالي والدواليب وما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العُشر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بَعْلاً(١) العُشر ، وفيما سقي بالسواني والنّضح نصف العشر )(٢) والسواني : النواضح وهي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( فيما سقت العيون أو كان عَثَريّاً العُشر ، وما سقي بالنَّضْح نصف العشر )(٤) والعَثَرِي : ما تسقيه السماء وهو العِذْي(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وما كان منه يسقى بالرشاء(٦) والدوالي(٧) والنواضح ففيه نصف العُشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بَعْلاً ففيه العُشر تامّاً »(٨) .

ولأنّ للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.

____________________

(١) البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨١ / ١٨١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٣) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ « سنا ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٥) قاله أبو عبيد. راجع : الأموال : ٤٨٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٥٤١.

(٦) الرشا : الحَبْل. والجمع : أرشية. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢.

(٧) الدوالي ، جمع دالية. وهي : الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٤ : ١٣ - ١٤ / ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠.

١٥١

فروع :

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ؛ لأنّ المؤونة تقلّ ، ولأنّه من جملة إحياء الأرض ، ولا يتكرّر ، ولأنّه يجري مجرى الكراب(١) .

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلّا بدولاب وشبهه فهو من الكُلفة المسقطة لنصف الزكاة ؛ لأنّ مقدار الكُلفة وقُرب الماء وبُعده لا يعتبر.

والضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ، أو دالية ، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج الـمُؤَن ، والفرق بينهما باقٍ ؛ إذ تقديم المؤونة من الكُلفة فلهذا وجب نصف العُشر.

مسألة ٨٨ : لو سقي بعض المدّة بالسيح ، وبعضها بالآلة‌ ، فإن تساويا اُخذت الزكاة بحساب ذلك فاُخذ للسيح نصف العُشر ، وللدوالي رُبع العُشر ، فتجب ثلاثة أرباع العُشر - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحاً : « النصف والنصف نصف بنصف العُشر ونصف بالعُشر »(٣) .

ولأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

وإن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا ، وبه قال عطاء والثوري وأبو‌

____________________

(١) كرب الأرض يكربها كرباً وكراباً : قلبها للحرث. لسان العرب ١ : ٧١٤ - ٧١٥ « كرب ».

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ / ٤٤.

١٥٢

حنيفة والشافعي - في أحد القولين - وأحمد في إحدى الروايتين(١) .

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية والسقيتان سيحاً ، فقال : « وكم تسقى السقية والسقيتان سيحاً؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكث [ قبل ](٢) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العُشر »(٣) .

ولأنّ اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ ويتعذّر ، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإِنسان كان عدلاً وإن ندرت منه المعصية.

وقال الشافعي - في الثاني - : يعتبر قدرهما وتقسَّم الزكاة عليهما بالحصّة ، فإن كان السيح الثلثان اُخذ ثلثا العُشر ، وكذا إن زاد ؛ لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(٤) . والفرق : عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع :

أ - إذا سقي بهما ولم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي ، واُخرج من كلّ واحد بالحصّة.

ب - لو شرب أحد القراحين(٥) سيحاً ، والآخر ناضحاً ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب واُخرج من السيحي العُشر ومن النضحي نصف العُشر.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٠ ، اللباب ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين مثبَت من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ - ١٧ / ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ - ١٦ / ٤٤‌.

(٤) المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦.

(٥) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر. الصحاح ١ : ٣٩٦ « قرح ».

١٥٣

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عدداً أو نفعاً ونموّاً؟ الأقرب : الثاني ؛ لاقتضاء ظاهر النصّ(١) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

ويحتمل الأول ؛ لأنّ المؤونة تقلّ وتكثر بهما ، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإِدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سَقْيَتَيْن ، وفي شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبر العدد وجب نصف العُشر.

وعلى أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خُمسا العُشر وثلاثة أخماس نصف العُشر(٢) .

وإن اعتبر مدّة العيش وجب العُشر ؛ لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول ، وعلى التقسيط يجب ثلاثة أرباع العُشر ورُبع نصف العُشر.

ولو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له وإلّا فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين ، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الاستصحاب(٣) ، وعلى التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب وإن اختلف قدر الواجب.

مسألة ٨٩ : الزكاة في الغلّات والثمار إنّما تجب بعد المؤونة‌ كاُجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد ومصفّى الغلّة وقاطع الثمرة وغير ذلك من الـمُؤَن.

____________________

(١) قوله : لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره.

هذا دليل بعض الشافعية أيضاً على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع ، والمراد من النصّ ، نصّ الشافعي ؛ لاحظ فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٦٣.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٦٣ - ٤٦٤ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٠.

١٥٤

وقال عطاء(١) : إنّ المؤونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة ، ولأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه وإضرار به فيكون منفيّاً.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إنّها على المالك خاصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(٤) .

ولا يتناول محلّ النزاع ، لأنّ العشر فيما يكون نماء وفائدة.

فروع :

أ - الأقرب أنّ المؤونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤونة ، وإذا اُسقطت المؤونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤونة بل في الباقي.

ب - الأقوى أنّ البذر من المؤونة فلا تجب فيه زكاة ، ولأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة وتكرّرها في الغلّات.

ج - ثمن الثمرة من المؤونة ، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة ٩٠ : تجب الزكاة في زرع أرض الصلح ومن أسلم أهلها عليها‌ بإجماع العلماء.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٧.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٧ و ٥٣٢ و ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١١٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٩٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠١ ، المغني ٢ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٦.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢١٧.

١٥٥

أمّا ما فتح عنوةً فإنّها للمسلمين ويقبلها الإِمام ممّن شاء ، فإذا زرعها وأدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي ومالك والثوري والمغيرة والليث والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد(١) .

لقوله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العُشر ، وإنّما العُشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك »(٤) .

ولأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم ولا تنافي بينهما ، فجاز اجتماعهما كالكفّارة والقيمة في صيد الحرم المملوك.

وقال أصحاب الرأي : لا عُشر في الأرض الخراجية ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يجتمع العُشر والخراج في أرض مسلم )(٥) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، المجموع ٥ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ و ٥٤٣ - ٥٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٩٥ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ / ٧٠.

(٥) اُنظر : سنن البيهقي ٤ : ١٣٤ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٧ : ٢٧١٠.

١٥٦

ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان ولا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة(١) .

والحديث يرويه يحيى بن عنبسة - وهو ضعيف - عن أبي حنيفة ، وأيضاً الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر ، والقياس ضعيف ؛ لأنّ التجارة وزكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج والزكاة ؛ لأنّ الخراج يجب في الأرض ، والزكاة في الزرع ، والمستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك : يقول الله تعالى( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(٣) .

تذنيب : لو ضرب الإِمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ؛ لأنّه كالدَّين.

ولو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عُشر فيه وما فيه العُشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

وقال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافياً بالخراج ، وبه قال عمر بن عبد العزيز(٤) .

مسألة ٩١ : لو استأجر أرضاً فزرعها ، فالعُشر على الأجير دون مالك الأرض‌ عند علمائنا ، وبه قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن المنذر(٥) ؛ لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

وقال أبو حنيفة : إنّه على مالك الأرض ؛ لأنّه من مؤونتها فأشبه‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦ - ٥٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٧ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

١٥٧

الخراج(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لو كان من مؤونة الأرض لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ، ولتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفي‌ء دون مصرف الزكاة ، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإِجارة من المؤونة يندر(٢) كثمن الثمرة.

فروع :

أ - لو استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع ؛ لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعُشر عليه أيضاً ؛ لأنّه المالك ، وعليه اُجرة الأرض وتحسب من المؤونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعُشر على من يجب الزرع له ، فإن وجب لصاحب الأرض أندر اُجرة العامل من المؤونة ، وإن وجب للعامل أندر اُجرة مثل الأرض.

مسألة ٩٢ : يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي وإجارتها منه‌ لأدائه إلى إسقاط عُشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعاً صحّ البيع والإِجارة ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد(٣) .

وقال مالك : يمنعون من شرائها ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العُشر فاُخذ منهم الخُمس - وهو رواية عن أحمد(٤) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٥ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

(٢) الإِندار : الإِسقاط. لسان العرب ٥ : ١٩٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

١٥٨

هذه الأرض إضراراً بالفقراء وتقليلاً لحقّهم ، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العُشر. وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف والحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري(١) .

وعند علمائنا قريب منه ، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخُمس إذا اشترى أرضاً من مسلم سواء وجب فيها الخُمس كالمفتوحة عنوةً أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعاً وأرض الصلح.

وقال محمد بن الحسن : العُشر بحاله(٢) .

وقال أبو حنيفة : تصير أرض خراج(٣) .

وإنّما أوجب أصحابنا الخُمس لإِجماعهم ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ مستحقّ هذا الخُمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خُمس الغنائم.

ويحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة ، وعليه قول من أوجبه من الجمهور ؛ لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها ؛ ونمنع العلّة.

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ - ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٣٥٥ و ١٣٩ / ٣٩٣.

(٥) المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

١٥٩

فروع :

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عُشر عليه ؛ لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها ، ولا على البائع ؛ لانتقالها عنه ، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العُشر في زرع المكاتب - خلافاً لأبي حنيفة(١) - وبه قال الشافعي(٢) ، هذا إن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ ، ولو أدّى تحرّر بقدره ، فإن بلغ نصيبه نصاباً وجبت ، ولم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - وهم نصارى العرب - أرضاً من مسلم وجب على المسلم فيها العُشر أو نصف العشر ولا خراج عليه ، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العُشر.

وقال الشافعي : عليه العُشر(٣) .

وقال أبو حنيفة : يؤخذ منه عُشران(٤) .

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضاً لزمته الجزية كما تلزم الذمّي ، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه عُشران وهما خراج يؤخذ باسم الصدقة(٥) .

وقال الشافعي : لا عُشر عليه ولا خراج(٦) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٢) الاُم ٢ : ٢٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ و ٥٦٤ ، الوجيز ١ : ٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣و٤) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٥و٦) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

١٦٠

ومولانا المهدي ( عج ) هو الحجة من آل محمد ، وهو بقية الله في أرضه ، وهو آخر العترة الطاهرة التي خلّفها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع القرآن الكريم في هذه الأُمة

وبتعبير آخر لتوضيح النقطة الأُولى ، أن الإمام المهدي ( عج ) وآبائهعليهم‌السلام هم الوسائط في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات وإليه أُشير في دعاء الندبة « أين السبب المتصلّ بين الأرض والسماء »

ثانياً : حق البقاء في الدنيا : فلولا الامام ( عج ) ما حييت في الدنيا ولا ساعة ، يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ الكليني في الكافي الشريف بسند صحيح عن الوشاء وهو الحسن بن علي قال سألت أبو الحسن الرضاعليه‌السلام هل تبقى الأرض بغير إمام ؟ قال : لا ، قلت : إنا نروي أنها لا تبقى إلّا أن يسخط الله عزوجل على العباد ، قال لا تبقى إذاً لساخت(١)

ثالثاً : حق القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الحق في سورة الشورى :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٢)

قال الشاعر :

وجدنا لكم في آل حم آية

تأولها منّا تقي ومعرب



ويقول ابن العربي :

رأيت ولأي آل طه فريضه

على رغم أهل البعد يورثني القُربى

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى

بتبليغه إلّا المودة في القربى



___________________

(١) الكافي ٢ / ١٧٩

(٢) سورة الشورى : الآية ٢٣

١٦١

وفي الحديث المروي في ظهور الإمام المهدي ( عج ) في مكة ينادي الناس اسألكم بحق الله وحق رسوله وبحقي فإنّ لي عليكم حق القربىٰ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

رابعاً : حق المنعم على المتنعم وحق واسطة النعمة : وتوضيح ذلك هناك إشارة في بعض الأحاديث ومنها الحديث المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا من أنفسكم أنكم قد كافأتموه »

وقد اجتمع الحقّان لمولانا صاحب الزمانعليه‌السلام فإن ما ينتفع به أهل كل زمان إنما هو ببركة إمام زمانهمعليه‌السلام وفي الزيارة الجامعة الكبيرة إشارة إلى هذا المعنى « السلام على أولياء النعم » فولي نعمتنا هو مولانا المهدي ( عج ) إذ « بيمينه رزق الورىٰ وبوجوده ثبتت الأرض والسماء » والحديث الذي يرويه الشيخ الكلينيقدس‌سره في الكافي الشريف عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار ، وبنا ينزل غيث السماء ، وينبت عشب الأرض ، وبعبادتنا عبد الله »(١)

ويدلّ على هذا المعنى ما رواه المحدّث النوري في دار السلام نقلاً عن كتاب بصائر الدرجات للصفار عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام : « يا أبا حمزة لا تنامن قبل طلوع الشمس ، فإني أكرهها لك إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد وعلى أيدينا يجريها »

خامساً : حق الوالد على الولد : وتوضيح ذلك حسب ما أفادت في بعض
الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام أنّ الشيعة خلقوا من فاضل طينة أهل البيت ،
وبعض الروايات تصرّح كرواية الشيخ الطوسي في أماليه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :
___________________

(١) الكافي ١ / ١٤٤

١٦٢

« أنا الشجرة وفاطمةعليهم‌السلام فرعها وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ومحبوهم من أُمتي ورقها »(١) ومن هنا يشير الشاعر :

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة

ما مثلها نبتت في الخلد من شجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح عليّ سيد البشر

والهاشميان سبطاه لها ثمر

والشيعة الورق الملتف بالثمر



وهناك حديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام يؤيد ذلك وهو أنّ منزلة الامام منزلة الوالد يقول الامامعليه‌السلام : « الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق »

سادساً : حق السيّد على العبد : وتوضيح ذلك أنّ القرآن الكريم يشير في آية من آياته :( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) وأهل البيت والعترة الطاهرة ورثوا مقام النبي وأمرنا الله عزّ وجل بطاعتهم حيث قال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ
) (٣) ومن هنا يظهر لنا معنى سيادتهمعليهم‌السلام كونهم أولىٰ بك منك في جميع أُمورك

وقد روى الخرازي في كفاية الأثر : ١٩٥ مسنداً عن الحسين بن عليعليه‌السلام قال ،
قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ثم أنت يا علي
أول ی بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعدك الحسن أول ی بالمؤمنين من أنفسهم ، وبعده
الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم
بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم
___________________

(١) بحار الأنوار ١٢ / ٣٧ نقلاً عن أمالي الشيخ الطوسي

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٦

(٣) سورة النساء : الآية ٥٩

١٦٣

بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والحجة ابن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أئمة أبرارهم مع الحق والحق معهم » ومن هنا ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة : « والسادة الولاة »

ومن هنا فيما ينقل في كتب التأريخ والسيرة كما ذكر ذلك الشيخ الحائري في معالي السبطين وهو يشير إلى أدب أبي الفضل العباسعليه‌السلام أنّه ما خاطب أخاه الحسينعليه‌السلام بلفظ يا أخي بل كان غالباً يخاطبه سيّدي أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على معرفة العباس بمقام أخيه الحسينعليه‌السلام وإنه إمام زمانه هذا من جانب ومن جانب آخر له حق القرابة برسول الله لأنه ابن فاطمة الزهراء ، من هنا رعىٰ حق هذه الحرمة ومن جهة أُخرى رأىٰ العباسّعليه‌السلام إنّ وجود الحسينعليه‌السلام أولى من وجوده في كل الأُمور حتى أنّه لما ملك المشرعة لم يشرب الماء قبل أخيه الحسينعليه‌السلام وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أو تكون

هذا حسينٌ واردُ المنون

وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني

         

يحاچي النفس يا نفس تهونين

وكل الناس تغده فدوه لحسين

الف وسفه يخويه ما لك امعين

وتظل بعدي يبو سكنه امحيّر



اشلون اشرب واخوي احسين عطشان

وسكنه والحرم واطفال رضعان

واظن گلب العليل التهب نيران

يريت الماي بعده لا حله او مر



١٦٤

اميأس وگف عاف العمر من ساسه

رايد مماته او لا غدر نوماسه

صابو ابعامود الضعاين راسه

طاح او نده سيد شباب الجنه



وحين الوصل لحسين صوت عضيده

صاح عباس عگبك للعمر ما ريده



الدهر يا عباس من بعدك لوانه

وتمنينه الفنه گبلک لوانه

الله اویاک یالشایل لوانه

عگبک من یشیل العلم لیّه



لمن اللوا اعطي ومن هو جامعٌ

شملي وفي ضنك الزمام يقيني



١٦٥

باب الحوائج
موسى بن جعفر عليه‌السلام

تباً لهم من أُمة لم يحفظوا

عهد النبي بآله الأمجاد

قد شتتوهم بين مقهور ومأسور

ومنحور بسيف عناد

هذا بسامرا وذاك بكربلا

وبطوس ذاك وذاك في بغداد

لهفي وهل يجدي أسىً لهفي على

موسى بن جعفر علّة الايجاد

ما زال ينقل في السجون معانياً

عضّ القيود ومثقل الأصفاد

قطع الرشيد عليه فرض صلاته

قسراً وأظهر كامن الأحقاد

حتى إليه دسّ سمّاً قاتلاً

فأصاب أقصى منية ومراد

وضعوا على جسر الرصاخة نعشه

وعليه نادى بالهوان منادي(١)



نحل جسمي وغده ينلظم بالسم

وثغري بالفرح ما يوم بالسم

على المات ابسجن هارون بالسم

ونعشه اعلى الجسر خلوه رميه



___________________

(١) السيد مهدي الأعرجي ، رياض المدح والرثاء : ٥٦٦

١٦٦

على الجسر خلوه فرجه لليروح ولليرد

والمنادي عليه ينادي والنده ايذوب الچبد

مر طبيب البلد شافه وگام ينشد والنشد

ما هالميت عشيره ابثاره تطلب لا تهيد

     



من سمع ويلي گبل هذا الشهيد

ميت شالوه وبرجله الحديد

لچن ابغربه وماله من عضيد

واظهرت اشرارها المكتومها



بكت على نعشك الأعداء قاطبة

ما حال نعش له الأعداء باكونا



لم تزل للأنام تحسن صنعا

وتجير الذي أتاك وترعى

وإذا ضاقت الفضا بي ذرعا

يا سمّي الكليم جئتك أسعى

والهوى مركبي وحبّك زادي

أنت غيث للمجد بين ولولا

فيض جودكم الوجود اضمحلا

قسماً بالذي تعالى وجلّا

ليس تقضى لنا الحوائج إلّا

عند باب الرجاء جدّ الجواد

         



باب الحوائج :

وهذا اللقب من أكثر ألقاب الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ذكراً وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً ، فقد اشتهر بين الخاص والعام أنه ما قصده مكروب أو حزين إلّا فرّج الله آلامه وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلّا قضيت حوائجه ، ورجع

١٦٧

إلى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألمّ به من طوارق الزمن وفجائع الأيام وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول :

« ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلّا سهل الله تعالى لي ما أُحب »(١)

وقال الامام الشافعي : « قبر موسى بن جعفر الكاظم الترياق المجرّب »(٢)

وقد ذكر المرحوم العلامة السيد أحمد المستنبط في كتاب القطرة إنّ الأبيات التي بدأنا بها صدر المجلس ما كتبت وألقيت في ضريح الامام موسى الكاظمعليه‌السلام إلّا وقد قضيت حاجته ببركة الامام موسى الكاظمعليه‌السلام

وقد روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد قصة كان فيها شاهد عيان فقد
رأى امرأة مذهولة قد فقدت رشدها لأنها أخبرت أن ولدها اعتقلته السلطة
المحلية وأودعته في السجن ، فأخذت تهرول نحو ضريح الامام مستجيرة به
فرآها بعض الأوغاد ممن لا يؤمن بالإمام فقال لها إلى أين ؟ فقالت إلى موسى بن
جعفر ، فانه قد حبس ابني ، فقال لها بسخرية واستهزاء « إنه قد مات بالحبس »
فاندفعت تقول بحرارة وقد لذعها قوله « اللهم بحق المقتول في الحبس ان تريني
القدرة » فاستجاب الله دعاءها ، فأطلق سراح ولدها ، وأودع ابن المستهزئ في
ظلمات السجون بجرم ذلك الشخص ونقل الشيخ الجليل الحائري في نور
الأبصار نقلاً عن البحار أن أحمد بن ربيعة كان أحد كتاب الخليفة المقتدر بالله ظهر
جرح في إحدى يديه ولم تزل تزاد العلة حتى اسودت يده ونتنت وظهرت منها
رائحة كريهة وأمر المعالج بقطعه استمهلهم ليلة ثم لجأ إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام
واستدعى منه الخلاص فنام فرأى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما يراه النائم وقال له
___________________

(١ و ٢) حياة الامام الكاظم ( باقر شريف القرشي ) ١ : ٥١

١٦٨

يا أحمد إنّي لمشغول عنك إذهب إلى ولدي موسى بن جعفر وسله حتى تبرئ من علتك فلما انتبه اغتسل وتطيب وأمر بأن يحملوه في محمل إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام ففعلوا ذلك وجاءوا به إلى القبر الشريف فرمى بنفسه على القبر وجعل يبكي ويتضرع ويتمسح بتراب القبر ويطلب الشفاء ثم شدّ يده فلما أصبح جاءوا إليه وكشفوا عنها فإذا هي بأحسن ما يكون كأن لم يكن فيها جرح ببركة تربة موسى بن جعفر والتوسل به يقول الشاعر :

زر ببغداد قبر موسى بن جعفر

قبر موسى مديحه ليس ينكر

هو باب إلى المهيمن تقضى

منه حاجاتنا وتحىٰ وتحبر

هو حصني وعدتي وغياثي

وملاذي وموئلي يوم احشر

كم مريض وافىٰ إليه فعافاه

وأعمى أتاه صح وابصر



نعم أنّ الأئمة هم أبواب رحمة الله تعالى ، وهم الوسيلة إليه وهم أقرب الخلق إليه لانّهم أعمل الناس بطاعته سبحانه ، فلهم الجاه الوجيه عند الله سبحانه وفي الزيارة الرجبية الواردة عن الناحية المقدّسة« اَنَا سٰائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فيمٰا اِلَيْكُمُ ،
التَّفْويضُ ، وَعَلَيْكُمُ التَّعْويضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهيضُ ، وَيُشْفَى الْمَريضُ ، وَمٰا تَزْدٰادُ
الْأَرْحٰامُ وَمٰا تَغيضُ »

وفي الزيارة الجامعة الكبيرة« مُسْتَجيرٌ بِكُمْ ، زٰآئِرٌ لَكُمْ لٰۤائِذٌ عٰآئِذٌ بِقُبُورِكُمْ ،
مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمٰامَ طَلِبَتي ،
وحَوٰآئِجي»
يقول السيد عبد الباقي العمري :

لذو استجر متوسلاً

إن ضاق أمرك أو تعسّر

بأبي الرضا جد الجواد

محمد موسى بن جعفر



١٦٩

ويقول الامام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام في دعاءه :« اَللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الْكَهْفِ الْحَصينِ ، وَغِيٰاثِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَكينِ ، وَمَلْجَأِ الْهٰارِبينَ ،
وَعِصْمَةِ الْمُعْتَصِمينَ »
(١)

إخلاص العبودية لله عزّ وجل من أهمّ الأسباب التي جعلت لهم الجاه الوجيه عند الله عزّ وجل :

ولبيان هذه النقطة ينقل بعض أهل الفن « العبودية جوهرة كنهها الربوبية » وعبادة الامام موس ی بن جعفر كان يضرب فيها المثل وإنّه معروف حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة ، ولم يحدثنا التاريخ عن مسجون ـ غير الامام موسى بن جعفر ـ كان يشكر الله تعالى على ما أتاح من نعمة التفرّغ للعبادة بين جدران السجن

قال ابن الصباغ المالكي : إنّ شخصاً من بعض العيون التي كانت عليه في السجن ، رفع إلى عيسى بن جعفر أنه سمعه يقول في دعاءه « اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت اسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت فلك الحمد »(٢)

وروى أصحابنا أنّه دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد سجدة في أول الليل ، وسمع وهو يقول في سجوده « عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة » فجعل يرددها حتى أصبح(٣)

وكانعليه‌السلام يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقّب حتى تطلع الشمس
وخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتى يقرب زوال الشمس
___________________

(١) مفاتيح الجنان ، في أدعية الزوال من كل يوم في شهر شعبان

(٢) الفصول المهمة : ٢٢٢

(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ٢٧

١٧٠

وكان يدعو كثيراً فيقول : « اللهم إنّي أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب » ويكرر ذلك(١)

وحدّث هشام بن أحمر كنت أسير مع أبي الحسن في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخرّ ساجداً فأطال وأطال ، ثم رفع رأسه وركب دابته ، فقلت جعلت فداك قد أطلت السجود ؟ فقال إنّي ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ ، فأحببت أن اشكر ربي(٢)

وكانعليه‌السلام يبكي من خشية الله حتى تخضل كريمته الشريفة من دموع عينيه(٣) ، ولكثرة سجوده فقد كان له غلام يقص اللحم من جبينه ، وعرنين أنفه فقد نظم بعض الشعراء ذلك بقوله :

طالت لطول سجود منه ثفنته

فقرّحت جبهة منه وعرنينا

رأى فراغته في السجن منيته

ونعمة شكر الباري بها حببنا



وكانعليه‌السلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن ويبكي السامعون لتلاوته ويروى أنّ الرشيد كان يشرف على الحبس الذي هو فيه فيراه ساجداً فيقول للربيع : ما ذلك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ فيخبره أنّه ليس بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ، فقال هارون : أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم(٤)

___________________

(١) كشف الغمة : ٢٤٧

(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ٢٦٦

(٣) كشف الغمة : ٢٤٧

(٤) أعيان الشيعة ٤ ق ٣ / ٤٢

١٧١

وكان من أشدّ السجون على إمامنا موسى بن جعفرعليه‌السلام سجن السندي بن شاهك وكان طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار ، وفي هذا السجن زاره ابن سويد يقول بعد أن أرضيت بعض السجانين ببعض الدنانير ، فلمّا أردت النزول قالی لي الإمام لحظة يابن سويد لأسرج لك ، يقول لمّا أسرج لي ونزلت نظرت وإذا بسلاسل الحديد والقيود في رجلي الامامعليه‌السلام وقد أُشير إلى هذه المظلومية في الزيارة« وَالْمُعَذَّبِ في قَعْرِ السُّجُونِ وَظُلَمِ الْمَطٰاميرِ ،
ذِي السّٰاقِ الْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ الْقُيُودِ »
وكذلك ورد في زيارة الجامعة لأئمة المؤمنين« وَمُكَبَّلٍ فِي السِّجْنِ قَدْ رُضَّتْ بِالْحَديدِ اَعْضٰآئُهُ » يقول ابن سويد فسألت الإمام مسائل فأجابني عنها ، فقلت له سيدي بقت مسألة واحدة ، فقال لي سَل يابن سويد ، قلت له متى الفرج لقد ضاقت صدورنا ؟ فقال لي إنّ الفرج قريب ! قلت ومتى وأين ؟ فقالعليه‌السلام يوم الجمعة ضحیً على الجسر ببغداد ، يقول خرجت وأنا لا تكاد تحملني رجلاي أقبلت إلى شيعتنا وأصحابنا أقول لهم البشارة البشارة إنّ إمامكم سوف يخرج فقالوا متى وأين ؟ فقلت لهم يوم الجمعة ضحىً على الجسر ببغداد ، يقول بينما نحن وقوف علىٰ أحرّ من الجمر وإذا بجنازة يحملها أربع من السجانين والمنادي ينادي هذا إمام الرافضة

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان منادي



امن البصره السجن بغداد جابه

ابحديد او گید ويدوّر ذهابه

ذبّه بسجن مظلم غلگ بابه

نهى السجان يمّه ناس يصلون



١٧٢

ابسجن والسندي بن شاهك السجان

عليه ابكل وكت مغلق البيبان

ظل اسنين للوادم فلا بان

ما يدرون ميت والله مسجون



يگولون غريب اهله امبينين

لچن بالمدينه اعليه بعيدين



سمع سليمان بالضحية على الجسر فسأل ما الخبر فقيل له نعيش باب الحوائج على جسر الرصافة ، فقال لغلمانه خذوا نعشه وهيأ له كفناً بـ ( عشرين الف دينار ) ونادى عليه بهذا النداء ألا ومن أراد تشييع جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليحضر

من سمعت الشيعه الصوت گبّر

طلعت فرد طلعه ابحال الاگشر

صاحت آه وا موسى بن جعفر

هاذي امصيبتك بچّت الدارين



الاصل والرحم لسليمان جابه

على موسى ودحجته عروگ النجابه

بس لحسين ما حصّل گرابه

يغسلونه ويكفنونه ويدفنون



غسلته دماؤه ، قلبته أرجل الخيل ، كفّنته الرمول



١٧٣

أخلاق القائد

من ذا الفقيد علا عليه عويل

فعرى جميع العالمين ذهول

ولفقده جبريل نادى في السّما

صوتاً وجبريل به مثكول

يا من تسايل أيّ خطب قد عرى

وتكاد منه الراسيات تزول

بينا أُسايل إذ سمعت بأنّ ذا

الهادي وهذا نعشه محمول

أو ما ترى الزهراء تندب خلفه

ودموعها سيل الغمام تسيل

وتحنّ من قلب ملئ بالأسىٰ

طوراً وطوراً تنثني فتقول

حزني لفقدك سمرد لا تنقضي

أيّامه حتى يحين رحيل

أبتاه بعدك لا يطيب ليّ الكرى

كلّا ولا عيني إليه تمثيل(١)



يبويه اشلون يا راعي المحنّه

نضل بالدار وانته اتشيل عنّه

يبويه اعليك ما فتّر الونّه

ولا أبطل النياحه يا ولينه



___________________

(١) في شهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للشيخ محمد سعيد المنصوري

١٧٤

من غاب شخصك يا ولينه

علگت روايه شر علينه

لفانه الصهاكي وشياطينه

ويّاهم حطبهم شايلينه

نشدته اشعندك جاي لينه

وكل يوم گلبي امروعينه

بسما لمحني وزرگ عينه

عصرني او مني استافه دينه

وآمر على شيوخ المدينه

تگود الفحل ليث العرينه

گادوا وراسه امكشفينه

ينخه ولا واحد يعينه

وراه اطلعت ولهه او حزينه

لاوين أصيحن ماخذينه

بس ما شافني المشرچ ابدينه

رد لي او سطر عيني ابيمينه



طول الليل فگدناك وعاني

وبگيت اجرع هظم بعدك وعاني

انكسر ضلعي اووگع محسن وعيني

لطمها الرجس وامتوني او اديّه



والداخلين على البتولة بيتها

والمسقطين لها أعزّ جنين



( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (١)

________________________

المقدمة :

من جملة الأُمور المهمة التي يحتاجها القائد بشكل عام ، وخصوصاً القائد
الربّاني الإلهي هو ( سعة الصدر ) وقد ورد في الحديث « آلة الرئاسة سعة الصدر »
___________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٩

١٧٥

إذا لم يتمتع القائد بهذه الخصلة فهو قائد فاشل ولا يمكنه أن يواصل هذه المهمّة والمسؤولية بنجاح بل سوف يخسر أقرب المقرّبين إليه

ولأهميّة هذه النقطة في حياة الأنبياء بشكل عام وخصوصاً نبينا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله لذا فقد شملته الرحمة الإلهية والعناية الربانية في تهيأة الظرف المناسب لهذه النقطة ، ولعلّ من جملة المنن الإلهية على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى له( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ
) وكذلك قوله تعالى( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
)

الأخلاق الحسنة للقائد سبب رئيسي لكسب الجماهير :

كثير من القادة استطاعوا ان يكسبوا اعداءهم بأخلاقهم العالية وذلك لأنّ الإنسان الطبيعي غير الشاذ تؤثر فيه الأخلاق العالية ، ولعلّ من أبرز الشواهد على ذلك ، ما ينقله التأريخ من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

دخول اليهودي في الإسلام : كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاراً يؤذيه وذلك يرمي سلّة الفضلات عليه حين رجوعه من صلاة الجماعة ، وكان يهودياً ، فافتقده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمدة ثلاثة أيام لم يرم النبي بتلك الفضلات فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه فقيل له إنّه يشتكي جسده ، فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذن نعوده ، باعتبار من حقوق الجار عيادته إذا مرض ، وذهب هو وبعض أصحابه واستأذنوا للدخول عليه ، وعرف اليهودي أنّ ذلك من آداب الإسلام الحنيف ، فقال اليهودي يا رسول الله مدّ يدك فإني اشهد أن لا إله إلّا الله وإنّك محمد رسول الله

لين الجانب يبلغ بالعبد رضوان الله تعالى :

ورد في حديث عن إمامنا محمد الجوادعليه‌السلام أنّه قال : ثلاثة تبلغن بالعبد رضوان الله تعالى ، أولها : كثرة الإستغفار وثانيها كثرة الصدقة وثالثها لين الجانب

١٧٦

لين الجانب له أثر في استدرار عطف الطرف المقابل بخلاف الشدّة والغلظة والفظاظة تؤدي إلى انصراف الناس عن هذا الشخص وبالتالي تسقط شعبية القائد وجماهيرته في الوسط الاجتماعي ومن هنا يقول الله سبحانه وتعالى وهو يتحدث ويشير( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ) وفي الأحاديث الكثيرة هناك حثّ وترغيب على ضرورة التخلّق بالرفق ، « ما وضع الرفق في شيء إلّا زانه » وفي حديث قريب من هذا المعنى « خيركم الموطأين أكنافاً الذين يألفون ويُألفون »

لين الجانب لا يعني التنازل عن المبادئ والقيّم :

في الوقت الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمتع بهذه الخصلة الحميدة لكنّه لم يتنازل عن معتقداته ومبادئه مهما كلّفه الأمر ، ولعلّ من أوضح الشواهد على ذلك قول المشركين لعمّه أبي الطالب قل لابن أخيك أن يسكت عن الكلام عن آلهتنا ونحن نعطيه مبالغ وأموال ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عم لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه »

من مواقف أمير المؤمنينعليه‌السلام :

لما آلت الأُمور إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وصار هو الحاكم أقبل جماعة وقالوا له يا أمير المؤمنين ، لو أبقيت فلاناً وفلاناً في وظائفهم إلى أن تستتب لك الأُمور فقال لهم : « أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور »

الغلظة والفظاظة من أخلاق المنافقين والكافرين :

من أبرز صفات المنافقين والكافرين وأعداء الله ورسوله هي الغلظة ، والذي

١٧٧

يسير التأريخ يجد نماذج وصور كثيرة لأمثال هؤلاء ، فبعضهم من كان قبل أن يدخل في الإسلام قد وأد ابنته ، هذه التي ينبغي أن يعطف عليها حتى أنزل الله عزّ وجل :( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ )

مثل هذا يتجرأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

لمّا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفاً ، فقال له عمر : ارجع [ قد غلب عليه الوجع !! فانه يهجر !! وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله !! فاختلف أهل المجلس واختصموا فمنهم من يقول : قرّبوا منه الدواة والكتف ليكتب لكم رسول الله ومنهم من يقول ما قال عمر !! ]

العجب كل العجب لقولة عمر مع أن القرآن يقول في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا
يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ويقول في حقه كذلك( وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
) ولكنّها الرئاسة والدنيا والملك أنستهم كل هذه الآيات

ومثل هذا لا نستبعد أن يقول بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما قيل له إنّ في الدار فاطمة ، فيقول وإن !

أو أن يقول في جواب الطاهرة المطهّرة حينما قالت له : يابن صهاك أراك محرقاً عليّ داري ؟ فيقول : ذاك أقوى لما جاء به أبوك !!

شهادة ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان : أخرج الإمام الحافظ شهاب الدين ابو الفضل المعروف بالعسقلاني ( المتوفى عام ٨٥٢ هـ ) في كتابه لسان الميزان بسنده عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال :

١٧٨

دخلت على أبي بكر أعوده فاستوى جالساً فقلت أصبحت بحمد الله بارئاً فقال أبو بكر : أما إنّي على ما ترى بي إنّي لا آسىٰ على شيء إلّا على ثلاث وددت إنّي لم أفعلهنّ وددت انّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أُغلق على الحرب ، وددت إنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر فكان أميراً وكنت وزيراً(١)

علماً أنّ هذا المقطع رواه كذلك المتقي الهندي في كنزل العمال ٥ / ٦٣١ رقم الحديث ١٤١١٣ ورواه الذهبي في تاريخ الاسلام ٣ / ١١٧ ـ ١١٨ ورواه نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ وغيرهم

ومن هنا أشارت الزهراءعليهما‌السلام بعد كلامها مع الأول يقول الراوي ثم عطفت على قبر النبي وقالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم

لمّا مضيت وحالت دونك الترب

تجهّمتنا رجال واستخف بنا

لمّا فقدت وكل الأرض مغتصب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لمّا مضيت وحالت دونك الكثبُ



من غبت يا سيد البريّه

ردت أصحابك جاهلية

للدار اجوني اشلون جيّه

جدامهم نسل الدعيّه

ورى الباب لمّن هجس بيّه

عصرني او طحت فوگ الوطيّه



___________________

(١) لسان الميزان ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩

١٧٩

يبو ابراهيم من عگبك مظلمه الدار

تدري اشصار يوم الهجمت الأنصار

الباب ابحطب گاموا يحرگونه ابنار

والدخان من گبّر غدت رنّه



گمت للباب لاچن ما عليّ احجاب

حس بيّه الرجس من لذت خلف الباب

عصرني واسگط المحسن وصدري انعاب

وكسر ضلعي وجنيني ايّست منّه

     



الزهره الزچيه بعد ابوها

هجموا عليها او روعوها

غصبوا فدكها او ما رعوها

او سگطوا محسنها ولوّعوها



وعليها هجم القوم ولم

تك لاثت لا وعلياها الخمارا



١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460