تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190000 / تحميل: 6263
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الادوية بقلب حاضر وفهم وافر بأنامل التصديق وكف التوفيق ثم تضعها في طبق التحقيق ثم تغسلها بماء الدموع ، ثم تضعها في قد الرجاء ثم توقد عليها بنار الشوق حتى ترغى زبد الحكمة ، ثم تفرغها في صحاف الرضا وتروّح عليها بمراوح الاستغفار ، ينعقد لك من ذلك شربة جديدة ، ثم تشربها في مكان لا يراك فيه احد الا الله تعالى فان ذلك يزيل عنك الذنوب حتى لا يبقى عليك ذنب. فأنشأ الطبيب يقول :

يا خاطب الحوراء في خدرها

مر فتقوى الله من مهرها

وكن مجداً لا تكن وانياً

جاهد النفس على برها

إلى غير ذلك مما يدلنا على ما للدين الحنيف من العناية بالصحة ، وما لدى النبي (ص) وأوصيائه من المعرفة الإلهية والكنوز القرآنية التي اختارهم الله لمعرفتها فلقد كان النبي (ص) في حياته الشريفة هو الواسطة الكبرى بين الخالق وخلقه ولما رفعه الله اليه أبى لطفه العام وكرمه الشامل أن يترك هذا الناس بعد النبي (ص) سدى ودون أن ينصب لهم ولياً مرشداً يكشف لهم عن تلك الكنوز ويبث فيهم تلك التعاليم الصالحة المصلحة والارشادات الحكيمة ، فكان أوصياؤه وأبناؤه هم حملة تلك العلوم وأمناء الله في أرضه على مكنون علمه وغامض سره ولا غرابة فقد أخذوا ذلك عن جدهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرائيل «ع» عن الله تعالى.

ولقد ظهر في الناس من تعاليمهم وارشاداتهم ما دل على كامل معرفتهم وتمام اطلاعهم على مختلف العلوم لا سيما علم الطب ، حتى جمع غير واحد من العلماء جملة من أقوالهم فألفها كتباً قيمة باسم ـ طب النبي ، وطب الائمة ، وطب الرضا إلى غيرها مما ملئت الكتب وتواترت بها الاحاديث الصحيحة ، وفي مقدمتها الرسالة الذهبية ( المذهبة ) التي ألفها الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بطلب من المأمون الخليفة العباسي(1) وفيها فوائد جمة من قواعد الطب وأصول الصحة

__________________

(1) تذكر برمتها في بحار الأنوار ج 14.

٢١

وقد أمر المأمون ان تكتب بالذهب ، ولذلك سميت بالذهبية أو المذهبة ولم يكن للخليفة عنها غنى برجال الفن المتصلين به نظراء ـ حنا بن ماسويه وجبرائيل ابن بختشوع وصالح بن سلهمه الهندي وغيرهم من أطباء البلاط العباسي(1) .

أما الإمام الصادق «ع» فقد كان عصره عصر ابتداء النهضة العلمية في الجزيرة حيث اتجهت الانظار نحو طلب العلوم وأقبل الناس على اكتساب المعارف وكان الوقت ملائماً والظروف مساعدة له على بث مالديه من تلكم الكنوز القرآنية الموروثة. لذلك فقد ظهر من أقواله الحكيمة وآرائه الطيبة الصائبة وأحاديثه العلمية والدينية الصحيحة ما طبق الارجاء وأنار القلوب المظلمة وهدى النفوس التائهة ، حتى قصده القاصي والداني بين مستشف بارشاداته القيمة وبين مغترف من منهله العلمي العذب النمير.

ولأجل ذلك فقد روت عنه الرواة ، وكتبت عنه الكتب والرسائل. وتخرج عليه طائفة من العلماء والحكماء وجمهرة من جهابذة الدين وكثير من أكابر الحفاظ والمحدثين ، حتى أصبح قوله «ع» فصل الخطاب. فاذا قيل قال الصادق وقفت العلماء دون قوله واجمين ، وبما ورد عنه معترفين وله خاضعين.

وها نحن الآن نقدم اليك ما يخص موضوعنا هذا مما ورد عنه «ع» في علم الطب خاصة ، بيد أن طلبنا للاختصار في هذه الرسالة جعلنا نكتفي بالنزر القليل من وافر علمه وجزيل فضله لعدم إمكان الإحاطة الكاملة في هذا المختصر كما أن من المستحسن أيضاً قبل الشروع في البحث أن نذكر للقارئ الكريم ما يلزم ذكره ههنا لكي لا يغفل طالب الحقيقة فيزل أو يغتر بأقوال بعض ذوي الأغراض الخسيسة فيظن ، أن الإمام أبا عبدالله الصادق «ع» أخذ هذه العلوم عمن ورد الجزيرة من علماء الأجانب فلاسفة وأطباء وغيرهم ، إذ من البديهي المسلم كما سنثبته لك أن معرفته «ع» لم تكن إلا قبساً من أشعة علم النبي صلى الله عليه

__________________

(1) وقد شرح هذا الكتاب وعلق عليه وحققه الدكتور صاحب زيني النجفي باسم طب الرضا في سلسلة ( ملتقى العصرين ) الصادرة في الكاظمية.

٢٢

وآله الذي أخذه عن الوحي إذ لاينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى ثم استودع ذلك لدى وصيه الذي قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه : أنا مدينة العلم وعلي بابها(1) وأن وصيه هذا هو الذي قال : سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي(2) ، ثم استودعه علي «ع» ولديه الحسن والحسينعليهما‌السلام الذين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما(3) : هذان إمامان قاما أو قعدا ثم كان ذلك العلم الإلهي لدى الإمام السجاد ومنه لدى الباقر ثم ورثه الامام الباقر ولده الامام أبا عبدالله الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام .

إذن فهذه العظمة العلمية في شخصية الامام الصادق «ع» لم تكن إلا سراً من أسرار الكتاب ونوراً من أنوار النبوة وفيضاً من فيوضات الإمامة لا غير ولو كانت مكتسبة لظهر من أساتذته ومعلميه ـ كما زعم الجاهلون ـ بعض ما ظهر منه مما ملأ الكتب وفاضت به الأخبار والأحاديث.

ثم دع ما تقدم وتأمل منصفاً ثم أنظر في أقواله وتعاليمه بعين طالب الحقيقة فهل تجد لكل من ورد الجزيزة آنذاك من أطباء وفلاسفة إطلاعاً على آرائه وأقواله أو إدراكاً لما أبانه واظهره مما لم يدركه العلم في ذلك العصر ، ولم يقف العلماء على مغزاه ومرماه إلا بعد قرون متطاولة وأجيال متعاقبة ، وبعد أن مخضتهم التجارب العلمية وأرشدتهم الاكتشافات العملية إلى معرفة ذلك.

والآن اذكر لك بعض مناظراته الطبية لاثبت صحة دعوانا في طب الامام «ع» ولتحكم بنفسك على نفسك. وإليك بعضها :

__________________

(1) الغدير للأميني ج 6 ص 54.

(2) الغدير ج 6 ص 178.

(3) حديث متفق عليه.

٢٣

[[ مناظرة الإمام «ع» مع الطبيب الهندي (1) ]]

عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن عباد بن صهيب عن أبيه عن جده عن الربيع صاحب المنصور قال : حضر أبو عبدالله «ع» مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ عليه كتب الطب ، فجعل أبو عبدالله «ع» ينصت لقراءته ، فلما فرغ الهندي قال له : يا أبا عبدالله ، أتريد مما معي شيئاً ؟ قال : لا فان معي خير مما معك ، قال وما هو ؟ قال «ع» أدواي الحار بالبارد والبارد بالحار والرطب باليابس واليابس بالرطب وأرد الأمر كله إلى الله عز وجل وأستعمل ما قاله رسول الله (ص) : وأعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحمية رأس كل دواء واعط البدن ما اعتاده ، فقال الهندي : وهل الطب إلا هذا ؟ فقال الصادق «ع» أتراني من كتب الطب أخذت ؟ قال نعم ، قال «ع» : لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه فاخبرني : أنا أعلم بالطب أم أنت ؟ قال الهندي بل أنا ، قال الصادق «ع» فأسألك شيئاً ، قال سل ، قال الصادقعليه‌السلام أخبرني يا هندي :

لم كان في الرأس شؤون ؟ قال لا أعلم.

فلم جعل الشعر عليه من فوق ؟ قال لا أعلم.

فلم خلت الجبهة من الشعر ؟ قال لا أعلم.

قالعليه‌السلام :

فلم كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال لا أعلم.

فلم كان الحاجبان فوق العينين ؟ قال لا أعلم.

فلم جعلت العينان كاللوزتين ؟ قال لا أعلم.

فلم جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال لا أعلم.

فلم ثقب الأنف من اسفله ؟ قال لا أعلم.

__________________

(1) بحار الأنوار ج 14 ص 478 وفي كشف الأخطار ( مخطوط ).

٢٤

فلم جعلت الشفة والشارب فوق الفم ؟ قال لا أعلم.

فلم أحد السن وعرض الضرس وطال الناب ؟ قال لا أعلم.

فلم جعلت اللحية للرجال ؟ قال لا أعلم.

فلم خلت الكفان من الشعر ؟ قال لا أعلم.

فلم خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال لا أعلم.

فلم كان القلب كحب الصنوبر ؟ قال لا أعلم.

فلم كانت الرئه قطعتان وجعلت حركتهما في موضعهما ؟ قال لا أعلم.

فلم كانت الكبد حدباء ؟ قال لا أعلم.

فلم كانت الكلية كحب اللوبياء ؟ قال لا أعلم.

فلم جعل طي الركبة إلى الخلف ؟ قال لا أعلم.

فلم تخصرت القدم ؟ قال لا أعلم.

قال الصادق «ع» : لكني أعلم. قال الهندي : فأجب.

قال الصادق «ع» : كان في الرأس شؤون لأن المجوف إذا كان بلا فصل اسرع إليه الصداع فاذا جعل ذا فصول [ شؤون ] كان الصداع منه أبعد.

وجعل الشعر من فوقه ليوصل الأدهان إلى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويرد الحر والبرد عنه.

وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين.

وجعل فيهما التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس إلى العين قدر ما يحيطه الانسان عن نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه.

وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر الكفاية منه.

وجعل الأنف بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء.

وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ، ولو كانت

٢٥

مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل ولا وصل اليها دواء ولا خرج منها داء.

وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ وتصعد فيه الروائح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة.

وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لأن لا يتعفن على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه.

وجعلت اللحية للرجال ليستغني بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الأنثى.

وجعل السن حاداً لأن به يقع العض.

وجعل السن عريضاً لأن به يقع الطحن والمضغ.

وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء.

وخلا الكفان من الشعر لان بهما يقع اللمس فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه.

وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصهما حسن فلو كان فيهما حياة لألم الانسان قصهما.

وكان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروح عنه ببردها ولئلا يشيط الدماغ بحره.

وجعلت الرئة قطعتين ليدخل القلب بين مضاغطها فيتروح بحركتها.

وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة وتقع جميعها عليها فتعصرها ليخرج ما فيها من بخار.

وجعلت الكلية كحب اللوبياء لأن عليها مصب المنى نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدورة لأحتسبت النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذ بخروجها إذا المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية وهي تنقبض وتنبسط وترميه أولاً فأولاً إلى المثانية كالبندقة من القوس.

٢٦

وجعل طي الركبة إلى خلف لأن الانسان يمشي إلى ما بين يديه فتعتدل الحركات ولولا ذلك لسقط في المشي.

وجعلت القدم متخصرة لأن المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى.

فقال الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ قالعليه‌السلام : أخذته عن آبائيعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرائيل «ع» عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد والأرواح.

فقال الهندي : صدقت وأنا أشهد أن لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله وعبده وأنك اعلم اهل زمانك ( إنتهى ).

[[ سؤال النصراني منه عن تعداد عظام الانسان (1) ]]

في المناقب لابن شهراشوب : عن سالم بن الضرير أن نصرانياً سأل الصادق «ع» عن أسرار الطب ، ثم سأله عن تفصيل الجسم فقال «ع» : ان الله خلق الانسان على إثنى عشر وصلاً ، وعلى مائتين وثمانية وأربعين عظماً وعلى ثلاثمائة وستين عرقاً فالعروق هي التي تسقي الجسد كله ، والعظام تمسكه واللحم يمسك العظام ، والعصب يمسك اللحم ، وجعل في يديه إثنين وثمانين عظماً في كل يد واحد وأربعين عظما منها في كفه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساعده إثنان وفي عضده واحد وفي كتفه ثلاثة فذلك واحد وأربعون وكذلك في الأخرى ، وفي رجله ثلاثة وأربعون عظماً منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساقه إثنان وفي ركبته ثلاثة وفي فخذه واحد وفي وركه إثنان وكذلك في الأخرى. وفي صلبه ثماني عشر فقارة وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع وفي وقصته(2) ثمانية ، وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً ، وفي فمه

__________________

(1) بحار الأنوار ج 14 ص 480.

(2) الوقصة العنق.

٢٧

ثماني وعشرون أو إثنان وثلاثون عظماً [ سنا ].

أقول ، المراد بالوصل هو الأعضاء العظمية المتصلة ببعضها وهي إثنا عشر. الرأس والعنق والعضدان والساعدان والفخذان والساقان وأضلاع اليمين وأضلاع اليسار.

ولعمري أن هذا الحصر والتعداد لم يتعد عين ماذكره المشرحون والجراحون في هذا العصر لم يزيدوا ولم ينقصوا ، اللهم إلا في التسمية أو جعل الاثنين لشدة اتصالهما واحداً وبالعكس ، وهذا مما يدلنا على إطلاعه الكامل بالتشريح ونظره الثاقب في بيان تفصيل الهيكل العظمي في بدن الانسان.

وهاك أيضاً بعض أسراره الطبية العجيبة التي لم يكتشفها علم الطب إلا بعد أن كملت العقلية البشرية ، ولم يعرفها الأطباء ذووا الأفكار الجبارة إلا بعد التجارب والتحقيق والتنقيب العلمي الكثير. فمنها :

[[ الدورة الدموية ]]

جاء في كتاب توحيد المفضل وهو جملة محاضرات وأمالي ألقاها الامام «ع» على تلميذه المفضل بن عمر الجعفي في إثبات التوحيد(1) من المسائل الطبية الجليلة ما لم يحلم بها الأطباء في ذلك العصر ، ولم يدركوها إلا بعد إثنى عشر قرنا عندما ظهر الاستاذ الدكتور ( هارفي ) الطبيب الشهير المعروف لدى الاطباء ( مكتشف الدورة الدموية ) ثم اكتشف ذلك الاكتشاف الذي افتخر به الغرب حتى جعله من معجزات عصر الاختراعات والذي قلب الطب ظهراً على عقب وهو في الحقيقة ولدى المتأمل المنصف اكتشاف كان قد ذكره الامام الصادق «ع» فى طي كلامه مع المفضل فلو نظرت إليه وتأملته لعلمت علم اليقين ، ان هذا المكتشف العظيم لم يأت بشيء جديد ولم يكن إلا عيالاً على ما قاله أبو عبدالله الصادق «ع» قبل عدة قرون.

__________________

(1) وقد شرحناه مفصلاً في أربعة أجزاء طبع منها جزأن والآخران تحت الطبع.

٢٨

وتأمل قوله حيث يقول :

فكر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن ومافيه من التدبير ، فان الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينهما قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء ـ فينكأها وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثم أن الكبد تقبله فيستحيل فيها بلطف التدبير دما فينفذ في البدن كله في مجار مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حتى يطرد في الأرض كلها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مغايض أعدت لذلك فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من جنس البلة والرطوبة جرى إلى المثانة ، فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ووضع هذه الأعظاء منه مواضعها واعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول ، لئلا تنشر في البدن فتسقمه وتنهكه فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ( إنتهى )(1) .

أقول : هكذا ورد عنهعليه‌السلام وهو صريح في بيان الدورة الدموية على حسب ما وصل اليه الطب الحديث بعد مدة تناهز الاثنى عشر قرنا وهذا مضافا إلى ما لوح فيه إلى وظائف الجهاز الهضمي ، والجهاز البولي ، وإلى وظيفة المرارة والطحال والكبد والمثانة. كما أنه «ع» أشار أيضا بقوله : لئلا ينتشر في البدن فيسقمه وينهكه ـ إلى ما أثبته طب القرن العشرين من التسمم البولي الحاصل من رجوع البول من المثانة إلى الدم عندما لم يخرج منها فينتشر بواسطة الدم في جميع أعضاء البدن فيسممه ويسقمه وإلى التسمم المعدي الحاصل من تعفن الفضلات المعدية والمعوية غير المندفعة منها والتي تحدث برجوعها إلى البدن وهي متعفنة فاسدة التهابات توجب تسممه وانتهاكه فتأمل.

__________________

(1) توحيد المفضل.

٢٩

[[ كيفية السماع والأبصار ]]

لقد ثبت في علم الطب الحديث وأصبح من البديهي لدى نطس الأطباء بعد التجارب والبحث العلمي في كيفية السماع : ان بين منبع الصوت والاذن السامعة توجد على الدوام مسافة ، ولأجل أن يدرك الصوت يحتاج إلى أن يكون بينهما وسط ذو مرونة وهذا الوسط المرن هو الهواء بوجه عام ، فاذا لم يكن هذا الوسط المرن بين السمع والمسموع لم يدرك الصوت ، ولذلك فلا يسمع صوت في الخلاء ( أي الموضع الخالي من الهواء ) البتة.

كما أجمعوا أيضا : على أن المرئيات مطلقا لا ترى مالم يشع عليها ضوء خارج عنها كضوء الشمس أو نور المصباح أو نور النجوم وأشباهها ، فان هذه الأشعة المنعكسة من أي مرئى كانت تدخل في العين من القرنية الشفافة وتمر بالحدقة بالبؤبؤ ثم تسقط على الشبكية وترسم عليها صورة المرئى.

إذن فلا سماع إلا بالهواء ولا رؤية إلا بالضياء حسب العلم الحديث ، وهذا القول الناتج بعد البحث والتنقيب من قبل علماء وفطاحل وباختبارات كثيرة طيلة أعوام وأجيال ، هو بلا ريب جاء مطابقا لقول الامام الصادق «ع» ، بل هو عين ماذكره قبل مدة غير قصيرة أي قبل ألف ومائتي سنة وذلك حيث يقول(1) :

أنظر الآن يا مفضل إلى هذه الحواس التي خص بها الإنسان في خلقه وشرف بها على غيره ( إلى أن يقول ) فجعل الحواس خمسأ تلقى خمساً لكي لا يفوتها شيء من المحسوسات. فخلق البصر ليدرك الألوان ، فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها لم يكن فيها منفعة ، وخلق السمع ليدرك الأصوات ، فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها لم يكن فيها أرب ، وكذلك ساير الحواس ، ثم

__________________

(1) توحيد المفضل.

٣٠

هذا يرجع متكافئأ فلو كان بصر ولم تكن ألوان لما كان للبصر معنى ، ولو كان سمع ولم تكن أصوات لم يكن للسمع موضع ، فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضاً فجعل لكل حاسة محسوساً يعمل فيه ، ولكل محسوس حاسة تدركه ، ومع ذلك فقد جعلت أشياء متوسطة بين الحواس والمحسوسات لايتم الحس إلا بها ، كمثل الضياء والهواء فانه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون ولو لم يكن هواء يؤدي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت الخ.

أقول : فتأمل وانصف وجدانك ، أهل جاء الطب الحديث بغير ما ذكره الامام «ع» للمفضل في ما أملاه عليه من محاضرته القيمة بصورة سهلة واضحة.

وإليك نظرية علمية ثالثة ( وما أكثر نظرياته العلمية التي لو جمعت ولوحظت لكانت أسساً علمية طبية لكل مخترع مفتخر به اليوم. ولكن ) ذكرها الامام الصادقعليه‌السلام قبل اكتشاف العلم الحديث لها في القرن التاسع عشر الميلادي وهي معرفة حصول العدوى من السقيم إلى المريض بواسطة الجراثيم المرضية كما سنذكره لك على وجه الاكمال.

[[ العدوى والجراثيم ]]

قال الامام جعفر بن محمد الصادق «ع»(1) : لا يكلم الرجل مجذوماً إلا أن يكون بينهما قدر ذراع وفي لفظ آخر قدر رمح.

وهذا من أوضح الدلالات على وجود العدوى في الاسلام ، وأنها تكون بواسطة الجراثيم وقد أثبت علم الطب الحديث باكتشاف علماء ( البكتريولوجيا ) إجماعاً أن ميكروب الجذام يندر وجوده في الهواء حول المصاب أكثر من بعد مسافة متر أو متر ونصف متر وربما كان كذلك في المسلولين ، وهو قول الامام «ع» ولا غرابة في معرفة الامام بهذا وأمثاله ، بعد أن كان من الراسخين في العلم ، ومن الذين اختارهم الله تعالى لسره وأطلعهم على غامض علمه. وبعد أن ورد عن

__________________

(1) الوسائل ج 2 ص 208 طبع عين الدولة.

٣١

النبي (ص) قوله : فر من المجذوم فرارك من الأسد(1) . وقوله (ص) : لا تدخلوا بلداً يكون فيه الوباء(2) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يوردن ممرض على مصح(3) إلى غيرها من الأحاديث الدالة على ذلك.

إذن فالاسلام مثبت على هذا وجود الجراثيم المرضية وعدواها وانها موجودة في جسم المصاب ، وذلك قبل أن يكتشفها الدكتور الافرنسي ( دافين ) في سنة 1850 وقبل أن يشاهدها بمجهر الدكتور ( باستور ) في أواخر القرن التاسع عشر.

هذا مضافاً إلى أن العقل يحكم بوجودها في الأمراض السارية المعدية وذلك لأن المرض لم يكن في الأجسام الا عرضاً وارداً عليها ، ومن المسلم أن العرض لا يمكن أن يقوم بذاته في الخارج دون أن يعرض على جسم آخر يقوم به ، فاذا قيل انتقل المرض فمعناه : أن الجسم الحامل له هو المنتقل به ، وليس المكروب إلا هذا الجسم الناقل ، ولم يرد النهي عن دخول البلد التي فيها الوباء أو الأمر بالفرار من المجذوم أو عدم ورود الممرض على المصح إلى غير ذلك إلا لغرض عدم إنتقال هذا الجسم الحامل للمرض ( الجراثيم ) من السقيم إلى السليم وليست العدوى إلا هذا.

بقي هنا أن تنظر إلى ما أخرجه رواة الحديث من الفريقين باسناد صحيحة عن رسول الله (ص) من قوله : لا عدوى ولا طيرة(4) إلى غيره بالفاظ أخر فهو يؤل بأحد معنيين :

الأول : إن دين الاسلام جاء بنواميس تمنع من المام أي من الأوباء الموجبة للعدوى ، فقد نهى عن أقسام الفجور المستتبعة للامراض السارية كما جاء باصول

__________________

(1) البحار ج 16.

(2) مجمع البحرين في باب عدوى وفي صحيح مسلم ج 2.

(3) صحيح مسلم ج 2.

(4) صحيح مسلم ج 2 ص 259.

٣٢

الصحة جمعاء ، فقد نهى مثلاً عن الأكل قبل الجوع والكف قبل الشبع مما يمنع السدود وفساد الاخلاط والتخمة التي هي من أمهات الأمراض إلى غير ذلك مما يضيق به هذا المختصر ، ثم حرم الأشياء الضارة كلها ، كما أثبت الطب أضرارها وأضرار إستعمالها بعد التجارب العلمية والعملية. إذاً فمتى إلتزم المسلم بها أي بتلك الآداب والارشادات والسنن والأحكام والتعاليم فانه لا يكاد يجد لأي مرض إلماماً به مما يستتبع العدوى عدا طفايف تتكيف بها النفس من حر أو برد وأمثالهما مما لا عدوى فيها.

وهذا المعنى يناسب نفي الذات الظاهر في الحديث.

الثاني : أن الاسلام بنسب كلية التأثير فى الأجزاء الكونية بالمبدأ الأقدس سبحانه وتعالى ، فلا يرى المسلم المعتنق لهذا الدين الحنيف أن تلكم الأمراض تستلزم العدوى بانفسها لا محالة ( كما هو مزعمة الجاهلية ) وإنما يعتقد أن ذلك التأثير محدود من المبدأ الحق سبحانه ، وهذا هو المقصود بالطيرة وإن ما يتطير به غير مستقل بالتأثير ، ولا يكون إلا ما شاء الله ، فاذا إعتقد الانسان ذلك اكتسح عنه الاضطراب بما يتطير به لانه أمر مردد بين مقدر وغير مقدر والأول ( المقدر ) لا ندحة له والثاني ( غير المقدر ) لا يصيبه البتة وربما ينفي عنه بهذا الاعتقاد أصل التطير ، فلا يتطير بعد. ومن هنا كان (ص) يقول : ان الذي أنزل الداء أنزل الدواء(1) .

قال الطيبي(2) لا ، التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات فنفت ذواتها وهي غير منفية ، فيوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع فان الصفر والعدوى والهامة موجودة ، والنفي مازعمت الجاهلية لا إثباتها فان نفي الذات لارادة الصفات أبلغ في باب الكناية ( إنتهى ).

__________________

(1) كشف الأخطار المخطوطة.

(2) بكسر الطاء والياء الخفيفة ، هو الحسن بن محمد بن عبدالله المحدث المفسر المتوفى سنة 743 ه‍ .

٣٣

وهناك معان أخرى للحديث ، يتأتى بها الوفاق بينه وبين مامر ، إقتصرنا على ما ذكرها روما للاختصار.

والآن وبعد ذكرنا للجراثيم ناسب أن نذكر لك نبذة مختصره عن تاريخها وأثرها في الأجسام ، وكيفية ورود العدوى بواسطتها وحسب الطب الحديث إتماماً للفائدة وإيضاحاً للبحث.

[[ الجراثيم ومجمل تاريخها ]]

الجراثيم ( الميكروبات ) جمع جرثومة ( ميكروب ). ومعنى ميكروب ( الحي الدقيق ) وقد وضع هذا الاسم لهذا الحي الدقيق رجل يدعى ( سيدلوث ) سنة 1878 م. أما العلم الذي يبحث عنها وعن أنواعها وآثارها فيسمى : ( البكتريولوجيا ) وهو لفظ يوناني مأخوذ من تركيب لفظة ( بكتريا ) بمعنى العصي جمع عصا ، وذلك لأن شكل الكثير منها مستقيم كالعصا. ولفظة ( لوجيا ) بمعنى العلم ، أما المؤسس لهذا العلم فهو الاستاذ ( لويس باستور ) الأفرنسي المتولد 1822 م والمتوفى سنة 1895 م وان أشهر من نبغ فيه بعده هو الاستاذ الدكتور ( روبرت كوخ ) الألماني مكتشف ميكروب التدرن الرئوي في السل والمتولد سنة 1843 م والمتوفى سنة 1910 م.

وغير خفي أن الذي هدي الناس إلى معرفة هذه الأحياء الدقيقة ( غير المرئية بالعين المجردة ) هو المجهر ( الميكروسكوب ) الذي اخترع في سنة 1590 م قبل تأسيس هذا العلم بمدة طويلة.

وللجراثيم أشكال ثلاثة :

1 ـ الشكل الباسللي أي المستطيل.

2 ـ البروز وهي التي ترى كنقط صغار قد يلتقي بعضها ببعض فتتكون منها خيوط تسمى ( البروزالسلسلية ) وقد تجتمع مثنى وثلاث ورباع وقد تتكون

٣٤

باجتماعها على شكل الكلية ، أو على شكل عنقود فتسمى الكلليه ( بتشديد الياء ) أو العنقودية إلى غير ذلك.

3 ـ الشكل الحلزوني وهو جراثيم مستطيلة ملتوية على نفسها كالثعبان أو كحركة الضمة ( و ) أو الشولة ( ، ) ولذلك تسمى أحياناً ( الباسيل الضمي ) وقد يكون لقسم منها أهداب في أطرافه.

وهذه الجراثيم تنمو وتتوالد باحدى طريقتين :

1 ـ أما بانقسامها عرضاً إلى قسمين وكل قسم منهما إلى قسمين أيضاً وهلم جرا.

2 ـ وأما بتولد حبيبة في داخل الجرثومة تنفلق عنها ، ثم تنمو هذه الحبيبة فتكون جرثومة وهكذا بكل سرعة.

ويحدث ضررها بنموها في السائل الذي يتربى فيه وبافرازها فيه مواد تفتك في البدن فتكا ذريعاً مهما كانت قليلة أو ضعيفة.

أما طريق العدوى بها وبعبارة أوضح طريق دخول الجراثيم إلى الجسم فلذلك أبواب كثيرة أهمها أربعة وهي :

1 ـ الرئتان. 2 ـ الجهازالهضمي. 3 ـ الجلد. 4 ـ الأغشية المخاطية كأعضاء التناسل والعين مثلاً ولا يلزم أن يكون سطح الجسم أو الأغشية المخاطية مجروحة لكي يدخل ذلك المكروب من الجرح ، بل قد يدخل من الأماكن ذات النسيج الرقيق من الجلد أو من مسامها ولكن الجرح يسهل الدخول.

أما مصادر خروج الميكروب أي ألأشياء التي تحمل الجراثيم وتتصل بالبدن ثم تنقلها اليه فهي :

1 ـ الهواء. 2 ـ الطعام. 3 ـ الشراب. 4 ـ التراب. 5 ـ ما يلامس جلد المصاب من الاجسام الخارجية كالملابس والأواني وأمثالها.

ولقائل أن يقول : كيف توجد العدوى ونرى بالحس والوجدان أن ليس كل إنسان اتصل به ميكروب مرض معدي أصيب به ، بل كم من متعرض له

٣٥

ينجو وكم من متوق محتاط يصاب بأسرع من غيره. إذاً فما معنى العدوى ؟ وهل تلك الاصابة إلا صدفة كما إتفقت للمريض الأول ؟

فنقول : لا لوم عليك إذا ما تصورت ذلك فانكرت العدوى لأن الظاهر كما زعمت ، ولكن قد غاب عنك أن الأطباء والعلماء قد اتفقوا بلا خلاف على أن أثر العدوى بالجراثيم المرضية وسرايتها في السليم متوقفة على شروط إذا لم تحصل فان العدوى لم يكن لها أثر البتة وهي :

1 ـ القابلية ومعناها أن يوجد في الميكروبات ما يحصل به نماؤها مثل ضعف الكريات البيض في دم السليم التي هي بمنزلة الجنود المدافعة عن البدن والمكلفة باقتناص ما يرد إليه من الجراثيم المرضية الفتاكة وردعها عنه بكل قواها ، فاذا ضعفت هذه الكريات في الدم أصبح البدن مستعداً إلى قبول الجراثيل قابلاً لفتكها غير مدافع عن ضررها.

2 ـ الفاعلية ومعناها أن تحصل تلك الجرثومة في بيئة أو وسط ملائمين لنموها ومساعدين لها على مكثها وتفريخها.

3 ـ حصول الوقت الكافي لتأثيرها في البدن.

فاذا حصلت هذه الشروط الثلاثة وحصل الناقل لها كالهواء أو الطعام أو الشراب أو غيرها حصلت العدوى وإلا فلا عدوى.

ثم أن هناك أمراً آخر لابد من ملاحظته وذلك أن للأمراض المعدية أدواراً ثلاثة : 1 ـ دور الابتداء. 2 ـ دور التوقف. 3 ـ دور الانحطاط.

وهي أي الأمراض منها ما يعدي في كل أدواره ومنها ما يعدي في دور الابتداء فقط ومنها ما يعدي في دور الانحطاط. إذاً فلا تحصل العدوى دائماً.

ويتلخص من هذه المقدمة أن المرض المعدي لا تحصل منه العدوى إلا إذا كان في دوره المعدي مع حصول القابلية والفاعلية من المكروب نفسه مع حصول الوقت الكافي لنموه ومع مساعدة البيئة أو الوسط مع ضعف المناعة في بدن السليم

٣٦

( أي ضعف الكريات البيض ) أما بغير ذلك فلا عدوى.

قال ابن سينا : ليس كل سبب يصل إلى البدن يفعل فيه ، بل قد يحتاج مع ذلك إلى أمور ثلاثة : 1 ـ إلى قوة من قوته الفاعلة. 2 ـ وقوة من قوة البدن الاستعدادية. 3 ـ وتمكن من ملاقات أحدهما للآخر بزمان في مثله يصدر ذلك الفعل منه ، وقد تخلتف أحوال الأسباب عند موجباتها ، ربما كان السبب واحداً واقتضى في أبدان شتى أمراض شتى ، أو في أوقات شتى ، وقد يختلف فعله في الضعيف والقوي وفي شديد الحس وضعيفه.

وهنا كان من المناسب أيضأ أن تعلم بأن للأمراض المعدية أسباباً مهيئة أخرى وهي قسمان ـ مادية ـ ومعنوية ـ وبعبارة أوضح ، ظاهرة وكامنة.

أما الظاهرة ( المادية ) فهي مثل فساد الهواء وفساد الماء والأبخرة الرديئة المتعفنة والأماكن الرطبة وكثيرة السكان وقليلة النور وشدة الحرارة والبرودة وفساد الطعام والمستنقعات والحروب وشرب الخمور وارتكاب المعاصي إلى غير ذلك من الأمور التي تجعل الجسم مستعداً لقبول العدوى.

وأما الكامنة ( المعنوية ) فمثل الوراثة ، والسن والجنس ، والمزاج الضعيف والجوع والتعب المفرطين ، وقد يكون منها الغضب والوهم والهم والغم والحزن والرعب والخوف والعشق وغيرها.

فان الاحداث والاسباب النفسية كثيراً ما تؤثر في حدوث الامراض أو تطورها وبالأخير إنهاك القوى التي يجعل الجسم عرضة لكل عدوى.

قال جالينوس : الغضب يلهب الأمزجة الصفراوية والحارة فيهيء الجسم للحميات الحادة كالحمى العفنية اللازمة ، والغم والحزن يفسدان الدم فيكونان علة للحمى التيفوئيدية ، والفزع والرعب يحدثان أحياناً رقة الدم وفقد الكريات الدموية فيكونان سبباً للتيفوس وأشباهها ( إنتهى مضمون كلامه ).

وهذه نبذة وجيزة عن الميكروبات ذكرناها ليتضح لك جيداً ويبدو لك جلياً

٣٧

معنى قول الامام «ع» : لا يكلم الرجل مجذوماً إلا وأن يكون بينهما قدر ذراع وبلفظ آخر قدر رمح.

فتأمل جيداً فى قوله هذا كيف أشار بكلماته القصار إلى خلاصة ما إكتشفه علم القرن العشرين بعد التاسع عشر من الأسرار العجيبة التي إفتخر بها كأنه جاء بشيء جديد في حين أن الامام الصادق «ع» قد أبان عنه قبل 14 قرناً بكل وضوح.

[[ حديث الأهليلجة (1) ]]

إن هذا الحديث الجليل والكتاب الشريف الذي كتبه الامام الصادق «ع» إلى تلميذه المفضل بن عمر الجعفي في إثبات التوحيد ، لحديث طويل لا يسعه هذا المختصر ، ولكنا قد إقتطفنا منه جزءاً يسيراً مما هو محل شاهدنا للاستدلال على كامل معرفته «ع» بالعقاقير ومنافعها وأضرارها وأنواعها ومنابتها وطرق إستعمالها بما لم يعرفها أطباء عصره ولم يدركها ذوو الفن من المشتغلين بها على أنهعليه‌السلام كان قد ذكرها طي كلامه عن التوحيد ولم يقصد بيانها مفصلاً وهذا مما يوضح لكل منصف عارف ما لدى الإمام من العلم الكامل بهذا الفن علماً أخذه عن أجداده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوراثة لا عن تعليم معلم أو تدريس أستاذ وإليك ما إقتطفناه منه.

كتب المفضل بن عمر الجعفي إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق «ع» يعلمه أن أقواماً ظهروا من أهل هذه الملة يجحدون بالربوبية ويجادلون على ذلك ويسأله أن يرد على قولهم ليحتج عليهم بما إدعوا به.

فكتب أبو عبدالله «ع» إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد وفقنا الله وإياك لطاعته وأوجب لنا بذلك رضوانه ورحمته. وصل كتابك تذكر فيه ما ظهر في ملتنا وذلك من قوم أهل

__________________

(1) البحار ج 2 ص 75 ط طهران.

٣٨

الالحاد بالربوبية قد كثرت عدتهم واشتدت خصومتهم ، وتسأل أن أصنع الرد عليهم والنقض لما في أيديهم كتاباً على نحو ما رددت على غيرهم من أهل البدع والاختلاف ونحن نحمد الله على النعم السابغة والحجج البالغة والبلاء المحمود عند الخاصة والعامة ( إلى أن يقولعليه‌السلام ) ولعمري ما أتى الجهال من قبل ربهم وأنهم ليرون الدلالات الواضحات والعلامات البينات في خلقهم وما يعاينون في ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدال على الصانع ، ولكنهم قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي وسهلوا لها سبيل الشهوات ، فغلبت الأهواء على قلوبهم واستحوذ الشيطان بظلمهم عليهم ، وكذلك يطبع الله على قلوب المفسدين.

وقد وافاني كتابك ورسمت لك كتاباً كنت نازعت فيه بعض أهل الأديان من أهل الأنكار وذلك أنه :

كان يحضرني طبيب من بلاد الهند وكان لا يزال ينازعني في رأيه ويجادلني عن ضلالته فبينما هو يوماً يدق اهليلجه ليخلطها بدواء إحتاج إليه من أدويته إذ عرض له شيء من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه من إدعائه أن الدنيا لم تزل ولا تزال شجرة تنبت وأخرى تسقط ونفس تولد وأخرى تتلف ، وزعم أن إنتحال المعرفة لله تعالى دعوى لا بينة لي عليها ولا حجة لي فيها ، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول والأصغر عن الأكبر ، وأن الأشياء المختلفة والمؤتلفة والظاهرة والباطنة إنما تعرف بالحواس الخمس. فاخبرني بم تحتج في معرفة ربك الذي تصف قدرته وربوبيته وإنما يعرف القلب الأشياء كلها بالآلات الخمس.

إلى آخر ما يسوقه من إعتراض الطبيب وجواب الإمام «ع» من البراهين العقلية والدلائل الحسية التي أفحمته حتى جعلته يقر بالربوبية والوحدانية لله تعالى و قد أعرضنا عنها كلها عدا ما هو الشاهد لنا على إثبات ما للامام «ع» من معرفة خواص الأدوية ومنافع العقاقير ومضارها في عصر لم يدركها فيه غيره حتى الاخصائيين منهم بمعرفتها. وإليك محل الشاهد من الحديث :

٣٩

قال الامام الصادق «ع» لذلك الطبيب :

فاعطني موثقاً إذا أنا أعطيتك من قبل هذه الاهليلجة التي بيدك وما تدعى من الطب الذي هو صناعتك وصناعة آبائك وأجدادك وما يشابهها من الأدوية لتذعنن للحق ولتنصفن من نفسك. قال : ذلك لك ، قلت : هل كان الناس على حال وهم لا يعرفون الطب ومنافعه من هذه الاهليلجة وأشباهها. قال : نعم ، قلت : فمن أين اهتدوا ؟ قال بالتجربة والمقايسة ، قلت : فكيف خطر على أوهامهم حتى هموا بتجربته ، وكيف ظنوا أنه مصلحة للاجسام وهم لا يرون فيه إلا المضرة ، وكيف عرفوا فعزموا على طلب مايعرفون مما لا تدلهم عليه الحواس ؟ قال : بالتجربة ، قلت : إخبرني عن واضع هذا الطب وواصف هذه العقاقير المتفرقة بين المشرق والمغرب هل كان بدمن أن يكون الذي وضع ذلك ودل على هذه العقاقير رجل حكيم من أهل هذه البلدان ؟ قال لابد أن يكون كذلك وأن يكون رجلاً حكيماً وضع ذلك وجمع عليه الحكماء فنظروا في ذلك وفكروا فيه بعقولهم. قلت : كأنك تريد الانصاف من نفسك والوفاء بما أعطيت من ميثاقك فاعلمني كيف عرف الحكيم ذلك ؟ وهبه عرف ما في بلاده من الدواء كالزعفران الذي بأرض فارس مثلاً. أتراه إتبع جميع نبات الأرض فذاقه شجرة شجرة حتى ظهر على جميع ذلك ، وهل يدلك عقلك على ان رجالاً حكماء قدروا على ان يتبعوا جميع بلاد فارس ونباتها شجرة شجرة حتى عرفوا ذلك بحواسهم وظهروا على تلك الشجرة التي يكون فيها خلط بعض هذه الأدوية التي لم تدرك حواسهم شيئاً منها ، وهبه أصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها وتتبعه جميع بلاد فارس ونباتها فكيف عرف أنه لا يكون دواء حتى يضم إليه الاهليلج من الهند والمصطكي من الروم والمسك من تبت والدارصين من الصين وخصى بيد ستر من التراك والافيون من مصر والصبر من اليمن والبورق من أرمينية وغير ذلك من أخلاط الأدوية وهي عقاقير مختلفة تكون المنفعة باجتماعها ولا تكون منفعتها في الحالات بغير إجتماع. أم كيف اهتدى لمنابت هذه

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ٩٣ : لو مات وله نخل وعليه دَيْن مستوعب تعلّق الدَّين بالنخل‌ ، فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة ؛ لأنّ الدَّين - على ما اخترناه نحن - لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدَّين بها ، فإذا بدا صلاحها وجب العُشر أو نصفه ، وبه قال الشافعي(١) ، ومن منع الانتقال جعل الدَّين متعلّقاً بالثمرة والأصل معاً.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدَّين بالأصل والثمرة معاً ، وانتقل الملك في الاُصول والثمرة إلى الورثة ، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة على الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم ؛ لأنّ الوجوب حصل في ملكهم ، وتعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون وما حدث من الزيادة في ملك الورثة ؛ فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها ، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة ، ووجوبها ؛ لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين وهي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء.

مسألة ٩٤ : تضمّ الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم‌ سواء اتّفقت في الإِيناع أو اختلفت ، وسواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد ، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها ، وآخر بنجد يبطئ لبرودتها ، وبلغا معاً خمسة أوسق وجبت الزكاة وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

ولو كان له نخل في بعضها رطب ، وفي بعضها بسر ، وفي بعضها طلع ، فجذّ الرطب ، ثم بلغ البسر فجذّ ، ثم بلغ الطلع فجذّ ، فإنّه يضمّ بعضها إلى بعض ، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد ؛ وإن كانت في نخلة واحدة.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٨٨ - ٥٨٩.

١٦١

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإِدراك لم تجب الزكاة غالباً ، وقد أجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر.

ولو كان له نخل بتهامة وأخر بنجد فأثمرت التهامية وجذّت ، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلى التهامية.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين ، قال الشيخ : لا يضمّ الثاني إلى الأول ، لأنّه في حكم ثمرة سنتين(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقيل : تضمّ ، لأنّها ثمرة عام واحد(٣) ، وهو الأقوى.

ولو كان بعضه يحمل مرة والباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

وعلى قول الشيخ ، يضمّ الأول منهما إلى الحمل الواحد ، ويكون للثاني حكم نفسه.

مسألة ٩٥ : الثمرة إن كانت كلّها جنساً واحداً اُخذ منه‌ سواء كان جيّداً ، كالبُردي ، وهو أجود نخل بالحجاز ، أو رديئاً كالجُعرور ومُصران الفأرة ، وعذق ابن حُبَيْق ، ولا يطالب بغيره.

ولو تعدّدت الأنواع اُخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد ، وعن الفقراء بأخذ الردي‌ء ، وهو قول عامة أهل العلم(٤) .

وقال مالك والشافعي : إذا تعدّدت الأنواع اُخذ من الوسط(٥) .

والأولى أخذ عُشر كلّ واحد ، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٥.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٣ ، المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٨.

(٣) القائل هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٣ - ٥٧٤ ، والمجموع ٥ : ٤٨٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٨ ، وانظر : المجموع ٥ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٨١.

١٦٢

ولا يجوز إخراج الردي‌ء ، لقوله تعالى :( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١) .

ونهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤخذ الجُعْرور وعذق ابن حُبَيْق(٢) ، لهذه الآية ، وهما ضربان من التمر ، أحدهما يصير قشراً على نوى ، والآخر إذا أثمر صار حشفاً(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يترك معافارة(٤) واُم جُعرور لا يزكّيان »(٥) .

ولا يجوز أخذ الجيّد عن الردي‌ء ، لقولهعليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم )(٦) فإن تطوّع المالك جاز وله ثواب عليه.

والعَذْق بفتح العين ، وقيل : بكسرها(٧) .

تذنيب : لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

وهل يجوز على سبيل القيمة؟ الأقرب ذلك ، ويجوز أن يأخذ كلّاً من الرطب والعنب عن مثله.

مسألة ٩٦ : يجوز الخرص على أرباب الغلّات والثمار‌ بأن يبعث الإِمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحَبُّ ليخرصها ويعرف قدر الزكاة ويُعرِّف المالك ذلك ، وبه قال الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو‌

____________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ - ١١١ / ١٦٠٧ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٣١ ذيل الحديث ١١.

(٣) الحَشَف من التمر : ما لم يُنْو ، فإذا يَبِس صَلُب وفسد. لسان العرب ٩ : ٤٧ « حشف ».

(٤) معافارة : ضرب ردي‌ء من التمر. مجمع البحرين ٣ : ٤٠٩ « عفر ».

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٧ ، والتهذيب ٤ : ١٨ / ٤٧.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٧) العذق ، بالفتح : النخلة. وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٩٩.

١٦٣

عُبَيْد وأبو ثور وأكثر العلماء(١) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومَهم وثمارَهم(٢) .

وقال الشعبي : الخرص بدعة(٣) .

وقال أصحاب الرأي : إنّه ظنٌّ وتخمين لا يلزم به حكم ، وإنّما كان الخرص تخويفاً للأَكَرَة(٤) لئلّا يخونوا ، فأمّا أن يلزم به حكم فلا(٥) .

ونمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع :

أ - وقت الخرص حين بدوّ الصلاح ، لأنّهعليه‌السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه(٦) .

ولأنّ فائدته معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنّما تدعو إلى ذلك حين بدوّ الصلاح ، وتجب الزكاة فيه.

ب - محلّ الخرص : النخل والكرم ، أمّا الغلّات فقول الشيخ يعطي جوازه ، فإنّه قال : يجوز الخرص في الغلّات(٧) ، لوجود المقتضي وهو‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦ ، المجموع ٥ : ٤٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٨ ، المغني ٢ : ٥٦٤ - ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : سنن الترمذي ٣ : ٣٦ / ٦٤٤ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨١٩.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٤) أَكَرَة : جمع أكّار : الفلّاح. الصحاح ٢ : ٥٨٠ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٥ « أكر ».

(٥) المغني ٢ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦.

(٧) الخلاف ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣.

١٦٤

الاحتياج إلى الأكل منه كالفريك(١) وغيره.

ومنع عطاء والزهري ومالك وأحمد ، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه(٢) .

ج - صفة الخرص - إن كان نوعاً واحداً - أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة وينظر كَم في الجميع رطباً أو عنباً ، ثم يقدّر ما يجي‌ء منه تمراً ، وإن كان أنواعاً خرص كلّ نوع على حدته ، لأنّ الأنواع تختلف ، فمنها ما يكثر رطبه ويقلّ تمره ، ومنها بالعكس ، وكذا العنب يختلف ، ولأنّه يحتاج إلى معرفة كلّ نوع حتى يخرج عُشرة.

مسألة ٩٧ : إذا خرص الخارص خيّر المالك‌ بين أن يضمن الحصّة للفقراء ، ويسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل وبيع وغير ذلك ، وبين إبقائه أمانة إلّا أنّه لا يجوز له التصرف في شي‌ء منه بأكل أو بيع ، وبين أن يضمن الخارص حصّة المالك ، لأنّ عبد الله بن رواحة خرص على أهل خيبر ، وقال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ، فكانوا يأخذونه(٣) .

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص ، وإن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف ، والفرق : أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ، ولهذا لو أتلف اُضحيته المعيّنة ضمن اُضحيةً مكانها ، وإن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

ولو تلفت بجائحة(٤) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص والضمان عن المتعهد إجماعاً ، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة ، ويقبل قول المالك لو‌

____________________

(١) أفرك السنبل. أي : صار فريكاً ، وهو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب ١٠ : ٤٧٣ « فرك ».

(٢) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٣٣ / ٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٤) الجائحة : كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب ٢ : ٤٣١ « جوح ».

١٦٥

ادّعى التلف بغير تفريط.

مسألة ٩٨ : لو لم يضمن المالك ولا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانةً جاز‌ ، فإذا حفظها إلى وقت الإِخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونةً بالشرط كالوديعة.

وقال مالك : يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة ؛ لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال(٢) .

ويمنع الانتقال ، وإنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة ولم يعلم قدرها ، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة ٩٩ : يجزئ الخارص الواحد‌ - وبه قال مالك وأحمد(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص وحده(٤) ، ولأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

وفي الثاني : لا بدّ من اثنين ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عبد الله بن رواحة غيره(٦) ، ولأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوِّمين(٧) .

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٨٨ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٢ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٠ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ، المغني ٢ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ / ١٨٢٠.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) نقله في الاُم ٢ : ٣٤.

(٧) الاُم ٢ : ٣٤ ، المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

١٦٦

وإنفاذ غيره معه لا يدلّ على أنّه خارص ، ويحتمل أن يكون مُعيناً وكاتباً ، ولأنّه جائز عندنا ، والكلام في الوجوب ، ويخالف الخارصُ المقوّمين ، لأنّهم ينقلون ذلك إلى الحاكم فافتقر إلى العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

وله قول ثالث : إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين(١) .

إذا ثبت هذا ، فيشترط في الخارص الأمانة والمعرفة إجماعاً ، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة ١٠٠ : وعلى الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه‌ من أكل أضيافه وإطعام جيرانه وأصدقائه وسؤّاله - المستحقّين للزكاة - ويحسبه منها ، وما يتناثر من الثمرة ويتساقط وينتابه الطير ، ويأكل منها المارّة ، فلو استوفى الكلّ أضرّ بالمالك.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( خفّفوا على الناس فإنّ في المال العريّة والواطية والآكلة)(٢) .

والعرية : النخلة والنخلات تهب إنساناً ثمرتها(٣) . وقد قالعليه‌السلام : ( ليس في العرايا صدقة )(٤) .

والواطئة : السابلة. سمّوا به ، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين(٥) .

والآكلة : أرباب الثمار وأهلهم(٦) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا خرصتم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٧.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٣) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨ ، والصحاح ٦ : ٢٤٢٣ « عرا ».

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ / ١٤٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٥) راجع : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٧ ، والنهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢٠٠.

(٦) راجع أيضاً : الأموال - لأبي عبيد - : ٤٨٨.

١٦٧

فخذوا ودعوا الثُلْث فإن لم تدعوا الثُلْث فدعوا الربع )(١) .

وتأوّل الشافعي ذلك بأمرين :

أحدهما : إذا خرصتم فدعوا لهم الثُلْث أو الرُبع ليفرّقوه بأنفسهم على جيرانهم ومن يسألهم ويتبعهم.

والثاني : إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه ، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه ، ويضمنوا حقّه بقدر ما يجي‌ء من الباقي(٢) .

مسألة ١٠١ : يخرص الخارص الجميع‌ ؛ لإِطلاق النصوص المقتضية لوجوب العُشر ، وهو الجديد للشافعي ، وفي القديم : يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو وأهله ، ويختلف ذلك بقلّة العيال وكثرتهم(٣) .

والوجه : المنع ، لتعلّق حقّ الفقراء.

وقال أحمد : لا يحتسب على المالك ما يأكله بالمعروف(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الفقراء شركاء ، نعم لو قلّ جدّاً لم يحتسب ، لعسر الاحتراز منه.

مسألة ١٠٢ : لو ادّعى المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين‌ ، وبه قال أحمد(٥) .

وقال الشافعي : لا بدّ من اليمين(٦) ، وسيأتي.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٥ / ٦٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٠ / ١٦٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٢) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٠.

(٦) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١.

١٦٨

وإن ادّعى غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

وهل يحطّ القدر المحتمل؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه ومن ادّعاء القليل ضمناً ، وللشافعية وجهان(١) .

ولو ادّعى تعمّد الإِجحاف لم يلتفت إلى قوله كما لو ادّعى الكذب على الشاهد ، والجور على الحاكم.

ولو قال : أخذت كذا وبقي كذا ولا أعلم غير ذلك ، قُبل قوله وإن كان ممّا لا يقع غلطاً في الخرص ؛ لأنّه لم يضف ذلك إلى خطأ الخارص.

مسألة ١٠٣ : لو لم يخرج الإِمام خارصاً فاحتاج ربّ المال إلى التصرّف في الثمرة‌ فأخرج خارصاً جاز أن يأخذ بقدر ذلك ، ولو خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز أيضاً ، ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [ له ](٢) أخذه ، ولو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئاً وإن قلّ - خلافاً لأحمد(٣) - إن كان بعد بدوّ الصلاح ، ويجوز قبله.

مسألة ١٠٤ : لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض قُبل قوله بغير يمين‌ ، لأنّه حقّ لله تعالى فلا يمين فيه كالصلاة والحدّ - خلافاً للشافعي(٤) - سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد ، أو خفي كالسرقة ، إلّا أن يعلم كذبه ، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه ، لقولهعليه‌السلام للساعي : ( قل لهم : هل لله في مالكم حقّ؟ ).

وقال الشافعي : إن ادّعى سبباً ظاهراً افتقر إلى البيّنة ، لأنّه مدّعٍ(٥) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ - ٥٩٢.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٤ و ٥ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩ - ٨٠.

١٦٩

وتجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله وكان الباقي نصاباً ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح وقصر الباقي عن النصاب وجبت أيضاً لو بلغ مع التالف ، خلافاً لبعض الجمهور حيث قال : إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد(١) .

ولو ادّعى أنّها سرقت بعد نقلها إلى البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء وإلّا فلا.

مسألة ١٠٥ : لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة‌ إجماعاً ، وكذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا ؛ لعدم المقتضي وأصالة البراءة ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أحمد ومالك : إن فعله فراراً وجبت الزكاة(٣) ، وليس بجيّد.

وكذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فراراً ، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حُليّاً وغيره.

مسألة ١٠٦ : لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلّا تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع‌ إجماعاً ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به ويهلك أصل ماله ، ولأنّ في حفظ الاُصول حظّاً للفقراء لتكرّر حقّهم.

ولا يضمن المالك خرصها ، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بُسراً أو رطباً ، وله بيع الجميع ، ويأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن ، ولو كفى تجفيف الثمرة جفّفها وأخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

وهل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة؟ الوجه ذلك ، لأنّ الزكاة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

(٢) المجموع ٥ : ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

١٧٠

وجبت مواساةً فلا يجوز تفويت مصلحته(١) بسببها فيقاسم.

وفي قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة ، ومن عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

ومنع الشافعي من قطعها مطلقاً بدون إذن الساعي(٢) .

ولو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

وقال بعض الجمهور : إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابساً(٣) ، وهو رواية عن أحمد(٤) ، وليس بمعتمد.

مسألة ١٠٧ : يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ وبعده‌ ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

وفي الثاني : لا تجوز على رؤوس النخل بناء على أنّ القسمة بيع(٥) ؛ وهو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عُشرها مشاعاً إلى الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء وإن ملكوا جزءاً من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

ويجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره ، أو يبيعا(٦) جميعاً ويقتسما الثمن ، وإذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة ويأخذ ثمرها.

____________________

(١) في نسخة « ط » : مصلحة.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٣) وهو قول أبي بكر من فقهاء الحنابلة. راجع : المغني ٢ : ٥٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٦) أي : يبيع الساعي وصاحب الثمرة.

١٧١

ولو قطعها المالك جاز قسمتها كيلاً أو وزناً ، وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، لاشتماله على الربا ، بل يأخذ الساعي العُشر مشاعاً ويبيعه(١) .

وهو ممنوع ، للتعديل ، ولأنّ للمالك أن يدفع إلى الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة ١٠٨ : إذا خرص الخارص وضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء‌ من أكل وبيع وغير ذلك ، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عُشرها بسراً ، وإن كان لا لحاجة فكذلك.

وقال الشافعي : يأخذ عُشرها تمراً ، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلى إدراكها ، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش(٢) . واختاره الشيخ في المبسوط(٣) .

وأمّا طلع الفحال فلا شي‌ء فيه إجماعاً ، لأنّه لا يجي‌ء منه شي‌ء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

وإذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطباً ضمن الزكاة بحكم الخرص تمراً ، وإن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه ، ولا يمين عندنا - خلافاً للشافعي(٤) - ويضمن الحصة رطباً ، لأنّه الواجب عليه والمالك يضمن الزكاة بالمثل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يضمن قيمة الرطب ، لأنّ الرطب لا مثل له(٥) ، وهو ممنوع.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٥ - ٤٧٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٤) الاُم ٢ : ٣٢.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧١ - ٤٧٢ و ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

١٧٢

وحكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة ١٠٩ : يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده‌ بالبيع والهبة وغيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء ، فإذا باع كانت الصدقة عليه ، وكذا لو وهبها - وبه قال الحسن ومالك والثوري والأوزاعي(١) - لأنّها كانت واجبةً عليه ، ولأنّ الزكاة في العين.

ولو شرطها على المشتري جاز - وبه قال الليث(٢) - لأنّه شرط سائغ ، ولأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلى المشتري فتجب على المشتري عملاً بالشرط.

ولو لم يضمن البائع الزكاة ولا شرطها على المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة ، لأنّه تصرف في مال الغير ، وبطلان البيع في قدر نصيب الفقراء ، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم ، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني

فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلّات وليس كذلك‌

مسألة ١١٠ : لا زكاة في شي‌ء من الثمار والغلّات إلّا في التمر والزبيب والحنطة والشعير‌ عند علمائنا أجمع ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وابن المبارك وأبو عبيد(٣) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٥٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٤٧٢ - ٤٧٣ و ٤٧٨.

١٧٣

لقول عبد الله بن عمر : إنّما سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحنطة والشعير والتمر والزبيب(١) .

وبعث(٢) أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم ، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلّا من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا أربعة أشياء : البُرّ والشعير والتمر والزبيب »(٤) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإِبل والبقر والغنم وعفا عمّا سوى ذلك »(٥) .

ولأنّ ما عدا هذه الغلّات لا نصّ فيها ولا إجماع ، ولا هي في معناها في غلبة « الاقتيات »(٦) بها وكثرة نفعها ووجودها ، فلا يصح قياسه عليها ، ولا إلحاقه بها فبقي الأصل ، وخالف جماعة من الجمهور في ذلك(٧) ، ونحن نذكره في مسائل :

مسألة ١١١ : لا زكاة في الحبوب‌ غير ما قلناه عند علمائنا ، وذهب‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ١.

(٢) أي : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٨ / ١٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩ / ٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٠ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ / ١١ ، الاستبصار ٢ : ٥ / ١١.

(٦) ورد في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : الأصناف. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٧) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٦ ، والمغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٧٤

الشافعي ومالك إلى أنّه ليس فيما عدا النخل والكرم من الشجر زكاة ، وأمّا الحبوب فلا تجب إلّا فيما يصان ويدّخر(١) .

وقال أبو حنيفة : تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلّا الحطب والقصب والحشيش(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمد : تجب في الحبوب والثمار الباقية(٣) .

وقال أحمد : تجب في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه - وأوجب الزكاة من اللوز دون الجوز ، لأنّ اللوز يكال(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العُشر )(٥) .

وهو معارض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة )(٦) ولأنّه أعم ، ولأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة ١١٢ : لا زكاة في الزيتون‌ عند علمائنا أجمع - وهو الجديد‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦‌

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ / ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ / ١٨١٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠١.

(٦) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣ - ٦ و ٩٧ / ١٠ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١١٩ / ٧١٨٥.

١٧٥

للشافعي ، وقول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحمد في رواية(١) - لأنّه لا يدّخر يابساً فأشبه الخضراوات ، ولأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار ، ولأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولى.

وقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأبو ثور وأحمد - في رواية - وأصحاب الرأي(٢) ، لقوله تعالى :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٣) في سياق( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ ) (٤) .

ولا حجّة فيه ، لأنّها لم يرد بها الزكاة ، لنزولها(٥) بمكة ، والزكاة فرضت بالمدينة ، ولهذا ذكر الرمان ولا زكاة فيه.

والموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق(٦) .

والذي يطلب زيته كالشامي والمدقوقي يخرج عُشره زيتوناً أو زيتاً ، وما لا يطلب زيته ، بل يؤكل أدماً كالبغدادي يخرج عُشرة إذا بدا صلاحه ، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة ١١٣ : لا زكاة في الورس‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول الشافعي في الجديد وأحمد - لأنّه ليس بمقتات.

وفي القديم : تجب فيه - وهو رواية عن أحمد - ولا يوسق بل يجب من‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ - ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٣ و ٤ ) الأنعام : ١٤١.

(٥) يقصد بالضمير في ( لأنها ) و ( بها ) و ( لنزولها ) الآية.

(٦) المغني ٢ : ٥٥٢ و ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٣ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

١٧٦

قليله وكثيرة ؛ لأنّ أبا بكر بعث إلى بني خُفّاش أن أدّوا زكاة الذرة والورس(١) ؛ وجاز أن يكون عن اجتهاد.

وكذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر والخطمي والأشنان والسعتر والآس ، لأنّه ليس بمنصوص ولا في معناه.

مسألة ١١٤ : لا زكاة في الأزهار كالزعفران والعُصْفُر والقُطْن‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول أحمد في رواية(٢) - للأصل ، ولأنّه ليس بحَبّ ولا تمر فأشبه الخضراوات.

ولقول عليعليه‌السلام : « ليس في الفاكهة والبقل والتوابل(٣) والزعفران زكاة »(٤) .

وللشافعي قولان في الزعفران : الوجوب وعدمه(٥) .

وأما القِرْطِمْ - وهو حَبّ العُصْفُر - فلا زكاة فيه عندنا - وهو الجديد للشافعي(٦) - لأنّه ليس بمقتات ، ولأنّ السِّمْسِم لا تجب فيه الزكاة ودهنه أنفع فهذا أولى.

وفي القديم : تجب وتعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران ، لحديث أبي بكر(٧) . ولا حجّة فيه ، وحكي عن أحمد أنّ في القطن زكاةً(٨) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٠ - ٥٥١ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ١٢٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٣) التوابل : جمع ، واحدها : تابل. وتبل القدر : جعل فيه التابل. والتابل : أبزار الطعام.

القاموس المحيط ٣ : ٣٤٠ « تبل ».

(٤) أورده ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٦ و ٧ ) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٨) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

١٧٧

مسألة ١١٥ : العسل لا زكاة فيه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وابن المنذر(١) - للأصل ، والأحاديث الدالّة على نفي الزكاة عن غير التسعة ، ولأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

وقال عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي وأحمد وإسحاق : تجب فيه بكلّ حال(٢) ، لأنّ عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها(٣) .

وقال أبو سيّارة : يا رسول الله إنّ لي نحلاً ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أدِّ العُشر ) قال : فاحم إذن جبلها. فحماه له(٤) .

ولا حجّة فيه ، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خُمساً ونصفه لنفسهعليه‌السلام .

وقال أبو حنيفة : إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العُشر ؛ لأنّ العُشر والخراج لا يجتمعان(٥) .

ولا حجّة فيه علينا بل على أحمد.

____________________

(١) المنتقي - للباجي - ٢ : ١٧٢ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ - ٧٤ ، المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ - ١٤٨٩.

(٤) الأموال - لأبي عبيد - : ٤٩٦ / ١٤٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٤ / ١٨٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٦ ، وانظر : المغني ٢ : ٥٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ و ٥٨٠ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

١٧٨

واختلف الموجبون ، فقال أبو يوسف ومحمد : نصابه خمسة أوساق(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب في قليله وكثيره ؛ بناءً على أصله في الحبوب والثمار(٣) .

وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، والفَرْق ستّة عشر رطلاً بالعراقي ، وهو قول الزهري ، لقول عمر : إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم(٤) ، ولا حجّة فيه.

مسألة ١١٦ : قال الشيخ : العَلَس نوع من الحنطة ، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة‌ حينئذٍ ، ويضمّ إلى نصاب الحنطة لو قصر إلّا به(٥) .

وأمّا السُّلْت ، فقال : إنّه شعير ، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذٍ(٦) .

وقال بعض الشافعية : بل يضمّ إلى الحنطة ، لأنّه على طبعها(٧) .

وقال آخرون : إنّه أصل بنفسه(٨) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٤) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢١٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٥ ، المسألة ٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥١٠.

(٨) المجموع ٥ : ٥٠٩.

١٧٩

وللشافعي قولان : الضمّ إلى الشعير ، وعدم ضمّه مطلقاً(١) ، وهو الأقرب عندي.

وجعل الشافعي نصاب العَلَس عشرة أوسق لأجل قشره(٢) .

مسألة ١١٧ : لا شي‌ء في الاُرز عندنا ، ولا في غيره من الحبوب سوى الحنطة والشعير‌ ، سواء كان من القُطنيّات التي تقطن في البيت وهي اللوبيا والعَدس والماش والحِمَّص والباقِلاء والهُرْطُمان ، أو من الأبازير(٣) كالكُسْفُرة والكَمُّون ، أو البُزُور كبَزْر الكتّان والقِثّاء والخيار ، أو حبّ البقول كالرشاد ، وحَبّ الفُجْل والقِرْطِمْ والسِّمْسِم وسائر الحبوب - خلافاً لأحمد(٤) - للأصل.

وقال الشافعي : لا تجب الزكاة في الزرع إلّا أن يكون ممّا ييبس ويدّخر ويقتات وينبته الآدميون وهي القطنيّة إذا بلغ كلٌّ منها نصاباً ، ولا يضمّ بعضها إلى بعض(٥) .

واختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ(٦) .

وجعل الشافعي نصاب الاُرز عشرة أوسق لأجل قشره(٧) .

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلّا الحَطَب والقَصَب والحشيش(٨) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩.

(٣) الأبازير جمع الجمع لـ ( أبزار ) واحدها : بزر. بمعنى : التابل. وهو ما يتطيّب به الطعام.

لسان العرب ٤ : ٥٦ « بزر ».

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٣ ، المجموع ٥ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٣.

(٦) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

(٧) المجموع ٥ : ٥٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٣.

(٨) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460