تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190490 / تحميل: 6275
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الشافعية ، والثاني : لا خيار ؛ لحصول الملك في الحال وقد يؤدّي المالك الزكاة من غيره(١) .

ولو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري ؛ لزوال العيب ، ويحتمل ثبوته ؛ لإِمكان أن يخرج المدفوع مستحقاً فيبيع الساعي المال ، ولو أخرج الزكاة ثم باع فلا خيار.

ولو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة - كما اختاره الشيخ(٢) والشافعي(٣) - صحّ البيع في الباقي ، فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر ؛ لأنّ العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحاً بذلك.

مسألة ١٣٣ : لو ادّعى المالك تلف النصاب أو إبداله في الحول أو عدم انتهاء الحول قُبل قوله‌ من غير يمين سواء في ذلك السبب الظاهر والخفي ، وسواء ادّعى ما هو الظاهر أو خلافه - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة والرفق فقُبل قوله فيه.

والقول الثاني للشافعي : إن ادّعى الظاهر مثل عدم حولان الحول كان القول قوله ولا تجب اليمين بل يستحب أن يعرضها الساعي عليه للاستظهار وزوال التهمة.

فإن حلف فلا كلام ، وإن امتنع لم يطالبه بشي‌ء ؛ لأنّ اليمين ليست واجبة ، بخلاف المستودع إذا ادّعى التلف أو الردّ فإنّ اليمين تجب وإن كان أميناً ؛ لأنّ الوديعة حقّ للآدمي المتعيّن فكانت مبنيّةً على التضيّق ، والزكاة حقّ لله تعالى وجبت على طريق المواساة ، ولا يتعيّن فيها حقّ الآدمي وإنّما هو جهة لصرفها فافترقا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٨.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٧٣ - ١٧٤.

٢٠١

وإن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه ، أو ادّعى أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه ، أو ادّعى دفع الزكاة إلى غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلّا أنّ القول قوله ؛ لأنّه أمين.

وفي وجوب اليمين وجهان : الوجوب ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، وليس بجيّد ؛ لما تقدّم ، وعدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلى الأول لو امتنع طولب بالزكاة ولا يحلف الساعي ؛ لأنّه نائب عن الفقراء ، والنائب كالوكيل لا يحلف ، ولا يمكن إحلاف الفقراء ؛ لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض على نفسه : بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول وقد ثبت هنا.

وأجاب : بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولاً ، وإنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها ، فإذا لم يحلف اُخذ منه بالسبب المتقدّم ، كما لو امتنعت من اللعان(١) حُدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

وعلى الثاني : إذا امتنع لم يطالب بالزكاة(٢) .

تذنيب : لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت واُلزم بالزكاة.

مسألة ١٣٤ : لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلى أهلها‌ إمّا المستحق أو الإِمام أو الساعي ، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن ولم تسقط عنه ، ووجبت عليه شاة اُخرى لا قيمة التالفة وإن كانت أزيد.

وإن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط ، وبه قال مالك(٣) ؛

____________________

(١) يعني : كما في اللعان إذا لا عن الزوج ، لزم المرأة حدّ الزنا ، فإن لاعنت سقط ، وان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. اُنظر : الهامش التالي.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٤.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٢٣٥ - ٢٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٢٠٢

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي ، ولأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه ، فإذا تلف لم ينتقل إلى غيره ، لأصالة البراءة.

وقال الشافعي : لا تسقط(١) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

والاُولى ممنوعة ، نعم على تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض ، وعلى تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف ، ووجب الباقي.

مسألة ١٣٥ : لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلٌّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة‌ وإن كانت لو جمعت زادت - عند علمائنا أجمع - سواء في ذلك المواشي والغلّات والنقدان.

وقد وقع الاتّفاق على عدم ضمّ جنس إلى جنس آخر في غير الحبوب والأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس : الإِبل والبقر والغنم لا يضمّ جنس منها إلى الآخر ، والأثمار لا يضمّ جنس إلى غيره فلا يضمّ التمر إلى الزبيب ، ولا تضم الأثمان إلى شي‌ء من السائمة ولا من الحبوب والاثمار.

ولا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ، ولا خلاف في أنّ العروض للتجارة والأثمان لها يضمّ بعضها إلى بعض إلّا أنّ الشافعي لا يضمّها [ إلّا ](٢) إلى جنس ما اشتريت به ؛ لأنّ نصابها معتبر به(٣) .

واختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلى بعض ، وفي ضمّ أحد النقدين إلى الآخر.

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

٢٠٣

فعن أحمد ثلاث روايات : إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقاً ، ويعتبر النصاب في كلّ جنس منها - وبه قال عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفرداً كالثمار والمواشي(١) .

وقال عكرمة وأحمد - في رواية - وحكاه ابن المنذر عن طاوس : إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب(٢) - قال أبو عبيد : لا نعلم أحداً من الماضين جمع بينهما إلّا عكرمة(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق )(٤) .

وقال مالك والليث وأحمد في رواية : يضمّ الحنطة إلى الشعير ، والقِنْطيّات(٥) بعضها إلى بعض(٦) .

وفي ضم الذهب إلى الفضة عن أحمد روايتان ، فعلى الضمّ يؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصّه ، ولا يؤخذ من جنس عن غيره إلّا الذهب والفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين(٧) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩١ - ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٣.

(٣) الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥ ، المغني ٢ : ٥٩٢.

(٤) أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١٢٨.

(٥) القِطْنيات ، جمع ، واحدتها : قِطْنية بكسر القاف ، وهي : الحبوب التي تدّخر كالحمّص والعدس ونحوهما. لسان العرب ١٣ : ٣٤٤ « قطن ».

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٠ ، المجموع ٥ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٤.

(٧) المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

٢٠٤

٢٠٥

المقصد الثالث

فيما تستحب فيه الزكاة‌

وفيه فصلان :

الأَوّل : في مال التجارة.

وفيه بحثان :

الأَوّل : في تحقيق ماهية مال التجارة.

مسألة ١٣٦ : مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك‌ ، فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القُنية ابتداءً أو انتهاءً لم يصر مال تجارة ، ولا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

واقتران القصد بالملك(١) ، فلو كان يملك عرضاً لقُنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة ، ولم ينعقد الحول عليه - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٢) - لأنّ الأصل القُنية ، والتجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

____________________

(١) يعني : لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضاً.

(٢) الأم ٢ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ - ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

٢٠٦

وعن أحمد رواية : أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية ؛ لقول سمرة : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع(١) ؛ وبالنيّة يصير معدّاً للبيع(٢) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟

وفي وجه للشافعي : أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوى جعله للقُنية فإنّه يصير للقُنية(٣) .

والفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء ، والتجارة عارضة ، وبمجرّد النيّة يعود حكم الأصل ، ولا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة ١٣٧ : ويشترط أن يملكه بفعله‌ إجماعاً ، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

ويشترط أن يملكه بعوض عندنا - وبه قال الشافعي(٤) - فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية ، لم يصر مال التجارة.

وكذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتى لو اشترى عرضاً للقُنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو رُدّ عليه ما باعه فأخذه(٥) على قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ - ٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، وهو قول الكرابيسي من الشافعية.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ و ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢ و ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٥) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : فأخذ. وما أثبتناه من « ن ».

٢٠٧

فعليه الزكاة »(١) وهو يدلّ على اعتبار رأس المال فيه.

ولأنّ القصد بالتجارة الاكتساب ، ولا يتحقّق المعنى إلّا إذا كان للسلعة رأس مال ، ولأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

وقال بعض الجمهور : لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره ، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض(٢) .

والفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا ، فإن كان عنده ثوب قُنية فاشترى به عبداً للتجارة ، ثمّ رُدّ الثوبُ بعيب انقطع حول التجارة ، ولا يكون الثوب مال تجارة ، لأنّه لم يكن مال تجارة حتى يعود عند انقطاع البيع على ما كان عليه.

ولو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقُنية ، ثم رُدّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة ؛ لأنّ قصد القُنية قطع حول التجارة.

مسألة ١٣٨ : يشترط كونها معاوضةً محضة‌ ، فلو اشترى بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد ، وسواء اشتراه بعين أو دَيْن ، وسواء كان الثمن مال قُنية أو مال تجارة.

ولو صالح على عرض للتجارة بَديْن أو عين للقُنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عرض الخُلع ، أو نكحت امرأة ونوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة ؛ لأنّ النكاح والخُلع ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : إنّه مال تجارة ؛ لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفى به في تعلّق الزكاة كما يكتفى به لثبوت‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٧ ( باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربة ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٨ ، بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٩.

٢٠٨

الشفعة(١) .

والأصل ممنوع.

مسألة ١٣٩ : يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة‌ إجماعاً ، فلو ملك مالاً للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذٍ ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) وهو عام.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا حال الحول فليزكّها » وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها(٣) .

مسألة ١٤٠ : ويشترط النصاب - في الثمن في زكاة التجارة - في الحول من أوله إلى آخره‌ ، فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب ، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصاباً أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب ، ثم ينقص السعر في أثناء الحول ، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا ، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد وابن المنذر والشافعي - في قول - لأنّه قال : يعتبر الحول فيه والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك(٤) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول ، وفي آخره ؛ لأنّه وقت الوجوب ، ولا يعتبر فيما بينهما - وهو قول للشافعي أيضاً - لأنّ الأسعار‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ و ٩١ / ١ و ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٠٩

تنخفض وترتفع ويعسر ضبطها ومراقبتها(١) .

ونمنع المشقّة ؛ فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلى تقويم لظهور معرفته ، وإن قارب سهل عليه التقويم ، وإلّا بني على أصالة البقاء لو كان نصاباً ، وعدم الزيادة لو قصر.

وقال مالك : إنّه يعتبر في آخر الحول - وهو أصح وجوه الشافعي - لكثرة اضطراب القِيَم(٢) ؛ وقد تقدّم.

مسألة ١٤١ : يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره‌ ، فلو نقص رأس المال ولو حبّة ( في الحول )(٣) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به ، وإن عادت القيمة(٤) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٥) كافة - لأنّ الزكاة شُرّعت إرفاقاً بالمساكين فلا يكون سبباً لإِضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ، ولأنّها تابعة للنماء عندهم وهو منفي مع الخسران.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله »(٦) .

احتجّوا بالعموم. والخاص مقدَّم.

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٢ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( في أثناء الحول ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) أي : إذا بلغ رأس المال.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢٧٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

٢١٠

البحث الثاني

في الأحكام‌

مسألة ١٤٢ : زكاة التجارة مستحبة غير واجبة‌ عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال ابن عباس وأهل الظاهر كداود وأصحابه ومالك(٢) ، وقال الشافعي : هو القياس(٣) ، لقولهعليه‌السلام : ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق )(٤) ولم يفصّل بين ما يكون للتجارة والخدمة.

وقولهعليه‌السلام : ( ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة )(٥) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة وتمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس في المال المضطرب به زكاة »(٦) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « يا زرارة إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد‌

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٧٦ ، والمبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٤ ، والخلاف ٢ : ٩١ ، المسألة ١٠٦ ، والسيد المرتضى في جُمل العلم والعمل ضمن رسائله ٣ : ٧٥ ، والمحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٤٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، المسألة ١٠٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٨.

(٥) أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، وبتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد : ٤٥٤ / ١٣٠٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٥.

٢١١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عثمان : كل مال [ من ](١) ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر [ به ](٢) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتّجر به أو دير وعُمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر »(٣) .

ولأصالة البراءة ، ولدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة على نفيه عمّا سواها ، وغير ذلك.

وقال بعض علمائنا بالوجوب(٤) ، وهو قول الجمهور كالفقهاء السبعة وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي - في الجديد - وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٥) ، لقول سَمُرة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع(٦) .

والأمر للندب تارة ، وللوجوب اُخرى ، فيحمل على الأول جمعاً بين الأدلّة ، ولو حمل على الوجوب حمل المعدّ للبيع على أحد النُصب التسعة ، والفائدة : إيجاب الزكاة وإن لم يتّخذ للقنية.

مسألة ١٤٣ : قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران‌ ، وأن لا يطلب بنقص من رأس المال ، فإن بقي ناقصاً أحوالاً استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله العلاء عن المتاع لا اُصيب به رأس المال‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٧.

(٤) يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه ٢ : ١١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧.

٢١٢

عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة »(١) .

مسألة ١٤٤ : لو طُلب في أثناء الحول بزيادة أو نمى المتاع‌ بأن كانت مواشي فتوالدت ، أو نخلاً وغيره فأثمر لم يبن حول النماء على حول الأصل ، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصاباً ، والزيادة من حين ظهورها ؛ لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) .

وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأحمد : حول النماء مبني على حول الأصل ؛ لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال والنتاج(٣) .

ونمنع الحكم في الأصل وعلّية المشترك.

وقال أبو حنيفة : يبنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماءً كان أو غيره(٤) .

وقال الشافعي : إن نضّت(٥) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب واستأنف لها حولاً ؛ لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح.

ولو اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة ، ويزكّي عن الجميع ، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٩ / ١٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١١ / ٣٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٦ / ٦٣٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢.

(٥) المال الناضّ ، هي : الدراهم والدنانير. الصحاح ٣ : ١١٠٧ « نضض ».

٢١٣

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب ، ويستأنف للزيادة حولاً(١) .

ولا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب : لو اشترى للتجارة بما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصاباً انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً في قول أكثر العلماء ، لأنّه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره(٢) .

وقال مالك : لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول وقد بلغت نصاباً تعلّقت بها الزكاة(٣) ، وقد سلف بطلانه.

مسألة ١٤٥ : لو اشترى شقصاً للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين‌ ، فإن جاء الشفيع أخذه بألف ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة ، والزكاة على المشتري ؛ لأنّها ثبتت وهو في ملكه ، ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد(٤) به عيباً فردّه فإنّه يأخذ من البائع ( ألفاً)(٥) .

ولو انعكس الفرض فاشتراه بألفين وحال الحول وقيمته ألف فلا زكاة عندنا ؛ للنقصان عن رأس المال.

وعند الجمهور عليه زكاة ألف ، ويأخذه الشفيع إن أخذه ويردّه بالعيب بالألفين ، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به(٦) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٥٨.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٤) أي : وجد المشتري.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( أيضاً ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٢ : ٦٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٣ ، المجموع ٦ : ٧٤.

٢١٤

مسألة ١٤٦ : لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الاُجرة‌ ، فالأشهر الأول.

ومن قال : إنّه يملك الحصة ، اختلفوا على قولين : أحدهما : أنّه يملك بالظهور ، والآخر : يملك بالإِنضاض ، وسيأتي(١) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قلنا لا يملك حصّة ، فالزكاة بأجمعها على المالك ؛ لأنّه يملك الربح والأصل معاً ، وإن قلنا : يملك بالظهور - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٢) - فعلى المالك زكاة الأصل ونصيبه من الربح.

وفي حصة العامل قولان : عدم الزكاة ؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه ، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

والثاني : الثبوت ؛ للملك ، والتمكّن من التصرف فيه كيف شاء ، والقسمة ، وتعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقايةً لخسران يعرض ، وقوّاه الشيخ(٣) ، وللشافعي كالقولين(٤) .

وله آخر : أنّه كالمغصوب ، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه على حسب مشيئته(٥) .

وإن قلنا : إنّه يملك بالقسمة والإِنضاض - وهو أصح قولي الشافعي ، وبه قال مالك والمزني(٦) - فزكاة رأس المال على المالك.

____________________

(١) يأتي في المبحثين : الأول والرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ١٦٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٤ وفيه : ولو قلنا : إنّ ذلك له كان أحوط.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ - ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ - ٨٦.

(٥) المجموع ٦ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ و ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١.

٢١٥

وقيل : كذا الربح بأجمعه ، لأنّ الجميع له(١) .

ويحتمل في نصيب العامل العدم ، أمّا على المالك : فلأنّه يجري مجرى المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه ، وأمّا العامل : فلعدم ملكه به.

وإيجاب الزكاة في الربح كلّه على المالك ضعيف ، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له ، أو تتلف فلا يكون له ولا للمالك شي‌ء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ وكونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه ؛ لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولاً نصاباً ، أو يضمّها إلى ما عنده من أموال التجارة غيرها وتبلغ نصاباً.

ولا يبنى حول نصيب العامل على حول رأس المال عند علمائنا - وهو أحد وجهي الشافعية - لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

والثاني للشافعية : البناء ؛ لأنّه ربح كنصيب المالك(٢) . وليس بجيّد.

وعلى ما اخترناه ، فابتداء الحول من حين الظهور ؛ لحصول الملك حينئذٍ ، أو الإِنضاض والقسمة ؛ لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذٍ.

ويحتمل من يوم تقويم المال على المالك لأخذ الزكاة ، ولا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضى من الأحوال - كالدَّين يستوفيه - عند الشافعية(٣) .

والأقوى عندي : أنّه يخرج في الحال ؛ لتمكّنه من القسمة.

تذنيب : لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن‌

____________________

(١) القول للشافعية ، اُنظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٧٢.

٢١٦

يستبد به ، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاُجرة الدلّال والكيّال.

ويحتمل أنّ للمالك منعه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال ، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتى يسلّم إليه رأس المال ، ويبنى على الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

ويحتمل احتسابه من رأس المال ؛ لأنّه مصروف إلى حقّ لزم المالك ، فكان كما لو ارتجع شيئاً من المال.

ويحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال ؛ لأنّه يختص بلزومه.

مسألة ١٤٧ : إذا حال الحول على العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به‌ سواء كان نصاباً أو أقلّ ، وسواء كان من الأثمان أو لا ، ولا يعتبر نقد البلد ، وبه قال الشافعي إلّا أنّه قال : إذا كان من جنس الأثمان وكان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان : أحدهما : أن يقوّم بما اشتراه. والثاني : يقوّم بغالب نقد البلد(١) .

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب ، أمّا إذا اشترى للتجارة بمائة درهم وهو يملك مائة أخرى فإنه يقوّم بما ملك به أيضاً ، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

ووافقنا أبو يوسف(٢) في التقويم بما اشتراه مطلقاً ؛ لأنّ نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه ، ويعتبر به كما لو لم يشتر به شيئاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طلب برأس المال فصاعداً ففيه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٧

الزكاة ، وإن طلب بالخسران فليس فيه زكاة »(١) ولا يمكن أن يعرف رأس المال إلّا أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض ، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب وبالذهب نصاباً قوّمت به وإن كان الثمن فضةً ، وبالعكس ، لأنّ قيمته بلغت نصاباً فتثبت الزكاة فيه ، كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصاباً ، ولأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل(٢) .

والفرق في الأول ظاهر ؛ فإنّ الثمن بلغ نصاباً ، بخلاف المتنازع ، ومراعاة الفقراء ليست أولى من مراعاة المالك.

فروع :

أ - إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء ، ثم يقوّم في أثناء الحول إلى آخره بثمنه الذي اشتري به ، وقوّم الثمن بالنقدين ، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلى أن يعود إلى السعر ، وإلّا ثبتت.

ولو قصر أحدهما وزاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب ، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذٍ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلّا أن يكون العرض للتجارة.

ب - لو بلغت قيمته نصاباً بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضاً.

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٠٠ ذيل المسألة ١١٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، اللباب ١ : ١٤٨ - ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ - ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٨

وقال أحمد : يقوّم بما شاء إلّا أنّ الأولى إخراج النقد المستعمل في البلد ؛ لأنّه أحظّ للمساكين ، ولو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال ، ولو تساويا تخيّر(١) .

ج - لو بلغت السلعة نصاباً بأحد النقدين وقصرت بالآخر ثبتت الزكاة ؛ لأنّه بلغ نصاباً بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عيناً.

مسألة ١٤٨ : تثبت زكاة التجارة في كلّ حول‌ ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي(٢) ؛ لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله ، ولأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

وقال مالك : لا يزكّيه إلّا لحول واحد ، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عيناً في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عيناً(٣) .

ونمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة ١٤٩ : تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها ، قاله الشيخ(٤) -رحمه‌الله - على القول بالوجوب - وبه قال الشافعي في أحد القولين ، وأحمد(٥) - لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٣ - ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٩٥ ، المسألة ١٠٩.

(٥) الاُم ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٦٧ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨.

٢١٩

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير »(١) وهو يدلّ على تعلّق الزكاة بالقيمة.

وقال أبو حنيفة : يتخيّر بين الإِخراج من العين أو من القيمة ، لكن الأصل العين ، فالزكاة تتعلّق بالسلعة وتجب فيها لا بالقيمة ، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب ، وإن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة - وهو الثاني للشافعي - لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال(٢) . ولا بأس بهذا القول.

ويمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإِخراج منه ، وكذا الرواية.

مسألة ١٥٠ : القدر المخرج هو رُبع العُشر إمّا من العين أو القيمة‌ - على الخلاف - إجماعاً ، وقد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به وإن كان غالب نقد البلد غيره ، لكن الأولى إخراج نقد البلد.

ولو ملكه بعرض للقُنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

وقال الشافعي : يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ، فإن بلغ به نصاباً أخرج زكاته ، وإلّا فلا ، وإن كان يبلغ بالآخر نصاباً أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب ، فإن استويا وبلغ بهما نصابا فوجوه : التخيير بأن يقوّم بما شاء ويخرجه ، ومراعاة الأغبط للفقراء ، والتقويم بالدراهم ، لأنّها أرفق وأصلح ، واعتبار الغالب في أقرب البلاد(٣) .

تذنيب : لو اشترى بنصاب من النقد وبعرض قُنية قوّم ما يقابل الدراهم‌

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٦ ذيل المسألة ١٠٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٦٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٧٣ - ٧٤ ، الوجيز ١ : ٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

٢٢٠

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد(١) .

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإِبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصاباً من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون ديناراً أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهماً ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عُشرة أيضاً ، وإلّا فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعاً للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاُولى نصاباً فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهماً درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة - وإن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصاباً.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضاً للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ - ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢١

نصاباً ، قال الشيخ : كان حولُ السلعة حولَ الأصل(١) ؛ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحاب الرأي ، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وقيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرةً فخفيت.

ولأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [ لأجله ](٢) مانعا منها(٣) .

ولو قيل : إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله وإلاّ استأنف ، كان وجها.

ولو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة ، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصاباً جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : أنّه يبنى على الحول من حين الشراء ، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(٤) .

فروع :

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقُنية فالأقرب انقطاع حول السائمة ، ويبتدئ حول التجارة من يوم الشراء ؛ لاختلاف الزكاتين في القدر والتعلّق ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يبني عليه كالنقدين(٥) .

وإن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب ، ولو‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المسألة ١٠٨ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) زيادة أثبتناها من المغني والشرح الكبير.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥ - ٦٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣ - ٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٢٢

اشتراه في الذمة ونقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقداً كان أو ماشيةً ، وابتدأ حول التجارة من يوم الشراء ، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقُنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : لا يدور في حول التجارة إلّا أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والفضة(٢) .

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة وقصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

وقال أحمد : لا ينقطع ، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(٤) .

والفرق : أنّ قصد التجارة انقطع ، وتعلّقت به حول زكاة اُخرى.

ولو قصد بالثمن التجارة ، فالأقرب عدم الانقطاع ، وبنى على حول الأول ؛ لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القَيِم.

ه- لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم يَنْو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعاً ؛ لأنّهما مختلفان ، وإن أبدله بعرض للقُنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعاً ، لأنّهما مختلفان.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٦.

٢٢٣

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعاً ، بل قيمتها وبلوغ القيمة النصاب.

مسألة ١٥٤ : لا تجتمع زكاة التجارة والمالية في مالٍ واحد‌ اتّفاقاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ثني(١) في الصدقة )(٢) .

فلو ملك نصاباً من السائمة فحال الحول ، والسوم ونية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا ؛ لأنّها واجبة دون زكاة التجارة ؛ لاستحبابها.

ومن قال بالوجوب اختلفوا ، فالذي قاله الشيخ - تفريعاً على الوجوب - : تقديم المالية أيضاً(٣) ؛ وبه قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى ؛ لانعقاد الإجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى(٤) .

وقال أبو حنيفة والثوري ومالك وأحمد والشافعي في القديم : يزكّيه زكاة التجارة ، لأنّها أحظّ للمساكين ، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب ، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً(٥) .

ونمنع اعتبار ترجيح المساكين ، بل مراعاة المالك أولى ؛ لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سبباً لإِضرار المالك ولا موجبة للتحكّم في ماله.

____________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢٠ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٢.

(٤) الاُم ٢ : ٤٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٢١ ، وفيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين ؛ على خلاف ما نسب إليه المصنّف ، وأمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.

٢٢٤

فروع :

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة وإن كان النصاب ثابتاً ، وكذا لو انتفى النصاب وحصل السوم ؛ لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعاً ، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال ، لثبوت المقتضي في آخر الحول ، السالم عن معارضة المانع.

وقال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة ، لأنّه أنفع للفقراء(١) . وهو ممنوع.

وعلى ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب ، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

وقال بعض الجمهور : تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب ، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب(٢) .

وهو ممنوع ؛ لوجود المانع وهو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فزرعت الأرض وأثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة واشتداد الحبّ عند تمام الحول ، وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة والحبّ زكاة العشر ، ويزكّي الأصل زكاه القيمة ، ولا تثبت في الثمرة الزكاتان ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) ، لأنّ زكاة العُشر أحظّ للفقراء فإنّ العُشر أكثر من ربع العُشر ، ولأنّ زكاة المال متّفق عليها.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

٢٢٥

وقال أحمد : يزكّي الجميع زكاة التجارة ؛ لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(١) .

والفرق : زكاة السوم أولى ، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه- لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(٢) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضاً ، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت وثبتت زكاة التجارة ، لعدم المانع ، وإلّا أوجبنا زكاة المال.

ولو عارضها بأربعين للقُنية سقطت زكاة التجارة وانعقد حول المالية من المعارضة.

ولو اشترى أربعين للقُنية وأسامها ، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها ، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل ، وانعقد حول الماليّة من حين الإسامة ، وإن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول ؛ لعدم المانع ، وانعقاد حول الماليّة من حين الإِسامة.

مسألة ١٥٥ : إذا نوى بعرض التجارة القُنية صار للقنية وسقطت الزكاة‌ عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ القُنية الأصل ، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة ، ولأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

(٢) المعارضة : بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢١٤ « عرض ».

(٣) المجموع ٦ : ٤٩ - ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٠ - ٦٣١.

٢٢٦

العروض ، فإذا نوى القنية زال الشرط.

وقال مالك في رواية : لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(١) .

والفرق أنّ الإِسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلّا بانتفاء السوم.

وإذا صار العرض للقُنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٢) .

تذنيب : لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا للماليّة - وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء ، وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.

والوجه : أنّها إن كانت سائمةً ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - وبه قال إسحاق(٤) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن المعارض فتجب به الزكاة ، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة ١٥٦ : المشهور عندنا وعند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضاً‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الولد بعض الاُمّ فحكمه حكمها ، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعةً لها ، هذا إذا لم تنقص قيمة الاُمّ بالولادة ، فإن(٦) نقصت جعل الولد جابراً بقدر قيمته ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤١.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٢ - ٦٣٣.

(٤) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٣.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٦) في « ف » والطبعة الحجرية : فلو.

٢٢٧

سبب النقصان انفصاله.

وللشافعي قول آخر : إنّه ليس مالَ التجارة ؛ لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله ، ولا يبني على حول الأصل ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سبق(٣) .

فروع :

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصاباً للتجارة فنتجت ، فعندنا تقدّم زكاة المال ، ولا يتبع النتاج الاُمّهات في الحول ، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج ، فيبقى سبب التجارة سالماً عن المعارض ، فينعقد حولها من حين الانفصال ، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول ، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الاُمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين ديناراً تعلّقت الزكاة به ، ولا يضمّ إلى الاُمّهات في النصاب ، لأنّ الاُمّهات لها زكاة بانفرادها ، ولا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهماً أو أربعة دنانير ، وإن كانت قيمة الاُمهات نصاباً فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده ، وقلنا : إنّ ثمار التجارة مال تجارة ، أو اشتراها وهي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

ولا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٦٦.

(٣) سبق في المسألة ٣٤.

٢٢٨

الشافعية(١) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

وفي الآخر : تسقط ، لأنّ المقصود منها ثمارها وقد أخذنا زكاتها(٢) .

وهو ممنوع.

وكذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

وللشافعية طريقان : أحدهما : طرد الوجهين(٣) . والثاني : القطع بعدم السقوط ، لبُعد الأرض عن التبعية ؛ لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة ، والشجرة حاصلة ممّا اُودع في الأرض لا من نفسها(٤) .

وأمّا الثمار التي اُخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضاً ، وتثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة وإن كانت الماليّة لا تتكرر ، ويحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح ، لأنّ عليه [ بعد ](٥) بدوّ الصلاح تربية [ الثمار ](٦) للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضاً مزروعة للتجارة فأدرك الزرع ، والحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية ، وللشافعية الوجوه السابقة(٧) في الثمرة.

ولو اشترى أرضاً للتجارة وزرعها ببذر القُنية فعليه العُشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العُشر إجماعاً.

ه- الدَّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.

____________________

(١ و ٢ ) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣.

(٣) أي : الوجهان اللذان تقدّما آنفاً.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣ - ٨٤.

(٥ و ٦ ) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) سبق في المسألة ١٥٤ الوجهان للشافعي ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٨٣ ، والمجموع ٦ : ٥٢.

٢٢٩

الفصل الثاني

في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة‌

مسألة ١٥٧ : كلّ ما يخرج من الأرض من الغلّات غير الأربع تستحب فيها الزكاة‌ إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس والماش والاُرز والذرّة وغيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلّات الأربع - وهو خمسة أوسق - لعموم قولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) .

والقدر المخرج هو العشر إن سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ، ونصفه إن سقي بالقرب والدوالي كما في الغلّات.

ولو اجتمعا حكم للأغلب ، فإن تساويا قسّط ويؤخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العُشر ، وتثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

ولا زكاة في الخُضراوات.

وفي ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر ، وكذا الدّخن ، والأقرب : الضمّ ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٩ / ٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، و ٣ : ٩٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

٢٣٠

ويدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه »(١) .

وقالعليه‌السلام وقد سأله زرارة في الذرة شي‌ء؟ فقال : « الذرّة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(٢) .

أمّا الخُضر فلا زكاة فيها إلّا أن تباع ، ويحول على ثمنها الحول ، وتكون الشرائط موجودةً فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة »(٣) .

وسأل زرارة الصادقعليه‌السلام هل في القَضْب(٤) شي‌ء؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام ما في الخضرة؟ قال : « وما هي؟ » قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر. فقال : « لا شي‌ء عليه إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة » وعن شجر العضاة(٦) من الفرسك(٧) وأشباهه فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فثمنه(٨) ؟ قال : « ما حال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، والكافي ٣ : ٥١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩.

(٤) القضب : كلّ نبت اقتضب واُكل طريّاً. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤ « قضب ».

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠.

(٦) العضاة : كلّ شجر يعظم وله شوك. الصحاح ٦ : ٢٢٤٠ « عضه ».

(٧) الفرسك : ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح ٤ : ١٦٠٣ « فرسك ».

(٨) في « ف » والتهذيب : قيمته.

٢٣١

عليه الحول من ثمنه فزكِّه »(١) .

مسألة ١٥٨ : لا تجب الزكاة في الخيل‌ بإجماع أكثر العلماء ، وبه قال - في الصحابة - عليعليه‌السلام وعمر وابنه ، وفي التابعين : عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والشعبي والحسن البصري ، وفي الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لما رواه عليعليه‌السلام : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق »(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( ليس في الجَبْهة ولا في النخّة ولا في الكسعة صدقة )(٤) والجبهة : الخيل ؛ والنخة : الرقيق ، والكسعة : الحمير(٥) .

وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإِبل والبقر والحمير.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء »(٦) وعنى الإِبل والبقر والغنم.

وللأصل ، ولأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه ، ولكونه كالحُمُر.

وقال أبو حنيفة : إن كانت ذكوراً وإناثاً وجب فيها ، وإن كانت إناثاً منفردة فروايتان ، وكذا إن كانت ذكوراً منفردة ؛ لما رواه الصادقعليه‌السلام عن الباقر‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، ومسند أحمد ١ : ١٢١ و ١٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وغريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٥) قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ٢ / ٢.

٢٣٢

عليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(١) .

ولأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(٢) .

والحديث محمول على الاستحباب ، والنعم يضحّى بجنسها ، وتجب(٣) فيها من عينها ، بخلاف الخيل.

مسألة ١٥٩ : أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة والحول ، لأنّ زرارة قال للصادقعليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ قال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإِناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٦٠ : قدر المخرج عن الخيل‌ عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول ، وعن البرذون دينار واحد عند علمائنا ، لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وضع أمير المؤمنينعليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣ - ١٤ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥.

(٣) أي : تجب الزكاة.

(٤) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : مراحها. وما أثبتناه من المصادر ، والمرج : الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧ « مرج ».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ - ٦٨ / ١٨٤.

٢٣٣

فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً »(١) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس ديناراً ، وإن شاء قوّمها وأعطى ربع عُشر قيمتها ؛ لما رواه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(٢) .

وهو دليل لنا لا له.

مسألة ١٦١ : العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله‌ ، ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب ؛ للعموم ، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العُشر ، فإن بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، لوجود المقتضي ، ولا تستحب الزكاة في شي‌ء غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

٢٣٤

٢٣٥

المقصد الرابع

في الإِخراج‌

وفيه فصول :

الأول : في من تخرج الزكاة إليه.

وفيه مباحث‌

٢٣٦

٢٣٧

الأول : في الأصناف‌

مسألة ١٦٢ : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية‌ بإجماع العلماء ، وهُم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) .

وقد اختلف الفقهاء في الفقراء والمساكين أيّهما أسوأ حالاً ، فقال الشيخ : الفقير : الذي لا شي‌ء له ، والمسكين هو : الذي له بُلغة من العيش لا تكفيه(٢) . فجعل الفقير أسوأ حالاً ، وبه قال الشافعي والأصمعي(٣) ، لأنّه تعالى بدأ به ، والابتداء يدلّ على شدّة العناية والاهتمام في لغة العرب.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعاذ من الفقر(٤) ، وقال : ( اللّهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣.

(٤) سنن النسائي ٨ : ٢٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ، ٣٢٥ ، ٣٥٤.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٧ / ٢٣٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨١ / ٤١٢٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٢٢.

٢٣٨

ولقوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (١) وهي تساوي جملة من المال.

ولأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار وذلك مهلك.

وقال آخرون : المسكين أسوأ حالاً من الفقير(٢) . وبه قال أبو حنيفة والفراء وثعلب وابن قتيبة ، واختاره أبو إسحاق(٣) ؛ لقوله تعالى( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وهو المطروح على التراب ، لشدّة حاجته ، ولأنّه يؤكّد به ، ولقول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد(٥)

والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام هذا ، قال الصادقعليه‌السلام : « الفقير : الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم »(٦) .

ولا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب ؛ لأنّ الزكاة تدفع إلى كُلّ منهما ، والعرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما ، والضابط في الاستحقاق : عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة ١٦٣ : قد وقع الإِجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئاً من الزكاة‌ من‌

____________________

(١) الكهف : ٧٩.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٩ ، وسلّار في المراسم : ١٣٢.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٣ : ٨ ، اللباب ١ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المجموع ٦ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣ ، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة - : ١٨٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٢٢.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) البيت للراعي ، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - ٩ : ١١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٢٣٩

نصيب الفقراء ؛ للآية(١) ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني )(٢) .

ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ ، فللشيخ قولان ، أحدهما : حصول الكفاية حولاً له ولعياله(٣) ، وبه قال الشافعي ومالك(٤) ، وهو الوجه عندي ، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٥) أي المحاويج إليه ، ومن لا كفاية له محتاج.

وقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة إلّا لثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يجد سداداً من عيش ، أو قواماً من عيش )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تحل(٧) لغني » يعني الصدقة ، قال هارون بن حمزة فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله »(٨) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، ١٩٢ ، ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٣) الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣ ، المغني ٢ : ٥٢٢ و ٧ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) فاطر : ١٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٠ / ٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٦ ، وفيها بدل ( لا تحل الصدقة ) : ( لا تحل المسألة ).

(٧) في المصدر : « لا تصلح ».

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460