تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192191 / تحميل: 6314
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المبحث الثاني

أدلة عدم فعله تعالى للقبيح

الدليل الأوّل:

لا يخلو الداعي إلى فعل القبيح عن أربع صور، وهي:

الاُولى: الجهل بالقبح: وهي أن يكون فاعل القبيح جاهلا بقبح ما يفعله.

الثانية: العجز عن تركه: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، ولكنه عاجز عن تركه.

الثالثة: الاحتياج إليه: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، وغير عاجز عن تركه، ولكنه محتاج إلى فعله.

الرابعة: فعله عبثاً: وهي أن يكون فاعل القبيح عالماً بقبح ما يفعله، وغير عاجز عن تركه، وغير محتاج إلى فعله، ولكنه يفعله عبثاً.

واللّه سبحانه وتعالى منزّه عن جميع هذه الصور (وهي الجهل والعجز والاحتياج والعبث)، لأنّه تعالى هو العالم والقادر والغني والحكيم على الإطلاق، فلهذا يستحيل عليه فعل القبيح(١) .

وذكر معظم علماء الشيعة:

أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه واستغنائه عنه(٢) .

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث: أن اللّه تعالى لا يفعل القبيح، ص ٨٥.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص ٨٨.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثالث، ص٩٠.

قواعد المرام، ميثم البحراني،: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الخامس، ص١١١.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الثالث، ص٢٤٣.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، المسألة الثانية، ص٤٢٠.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، إثبات أنّ الباري لا يفعل القبيح، ص٢٦٠.

٢١

تنبيه:

إنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح لعدم وجود الداعي لفعله.

أمّا فعله تعالى للحسن، فليس الداعي احتياجه تعالى إليه، وإنّما يفعل اللّه الحسن لحسنه لا للحاجة إليه(١) .

الدليل الثاني:

إنّ اللّه تعالى حكيم، وهذه الحكمة الإلهية تستلزم عدم فعله تعالى للقبيح، لأنّ فعل القبيح لا ينسجم مع الحكمة.

الدليل الثالث:

يلزم فعله تعالى للقبيح عدم الجزم بصدق الأنبياء، لأنّ دليل النبوّة مبني على إظهار اللّه المعجزة على يد النبي، فلو كان اللّه فاعلا للقبيح، فإنّه قد يُظهر المعجزة على يد من يدّعي النبوّة كذباً، فلا يمكن بعد ذلك الوثوق بصحة نبوّة أي نبي(٢) .

الدليل الرابع:

يلزم فعله تعالى للقبيح جواز صدور الكذب منه تعالى، لأنّ الكذب نوع من أنواع فعل القبيح، ومنه يلزم عدم الوثوق بوعد الله ووعيده تعالى، فينتفي الجزم بوقوع ما أخبر بوقوعه من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية(٣) .

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، في أ نّه تعالى لا يفعل القبيح، ص ٨٥.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة: في كونه تعالى لا يفعل القبيح، ص ١٠٢.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: القول في العدل، ص ١٦١.

٢- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الثالث، ص٢٤٣.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح، المطلب الثالث، ص ٨٦.

٣- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الثاني، ص٣٣.

الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الثاني، ص٥٧.

ومن هنا تتثّبط عزيمة الإنسان عن طاعة أوامر اللّه تعالى واجتناب نواهيه، وسيقول الإنسان: ما هي فائدة عبادتي للّه تعالى، وقد يدخلني اللّه تعالى في النار رغم عبادتي له، لأ نّه يفعل ما يشاء، ومنها فعل القبيح!

٢٢

الدليل الخامس:

يلزم من فعله تعالى للقبيح جواز وصفه تعالى بالظلم والجور والعدوان، لأ نّه تعالى لو كان فاعلا للقبيح لأمكن أن يصدر منه الظلم والجور والعدوان، لأ نّها من جملة القبائح.

تنبيه:

بما أنّ اللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح، فلهذا لا يصح نسبة أيّ فعل قبيح إليه تعالى، وبما أ نّنا نجد ارتكاب بعض العباد للأفعال القبيحة، فلهذا لا يصح نسبة هذه الأفعال إلى اللّه تعالى، بل ينبغي نسبتها إلى العباد، ويكون كلّ إنسان هو المسؤول عن الفعل القبيح الذي يصدر عنه(١) .

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في العدل، ص ١٦٤.

٢٣

المبحث الثالث

مناقشة رأي الأشاعرة حول فعله تعالى للقبيح

ذهب الأشاعرة إلى أنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء، وكلّ ما يفعله اللّه تعالى فهو حسن، وإن حكم العقل بقبح هذا الفعل(١) .

أدلة الأشاعرة:

الدليل الأوّل:

إنّ الفعل لا يكون قبيحاً إلاّ بعد نهي الشارع عنه، وبما أنّ أفعال اللّه تعالى لا تقع في إطار أوامر ونواهي الشرع، فلهذا لا يمكن تصوّر فعل القبيح في أفعال اللّه تعالى.

قال أبو الحسن الأشعري:

"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [تعالى] فله فعله أ نّه... لا فوقه مبيح، ولا آمر، ولا زاجر، ولا حاظر، ولا من رسم له الرسوم، وحدّ له الحدود، فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا لأ نّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا، وأتينا ما لم نملك إتيانه، فلمّا لم يكن الباري... تحت أمر لم يقبح منه شيء"(٢) .

يرد عليه:

١ - إنَّ بعض الأفعال قبيحة بذاتها، ولا يعود منشأ قُبحها إلى حكم الشرع.

وسنبحث هذا الموضوع بصورة مفصّلة في الفصل القادم.

____________________

١- انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٦، ص ٢٨٣.

شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٤، ص٢٩٤.

٢- اللمع، أبو الحسن الأشعري: الباب السابع، ص١١٦.

٢٤

٢ - "لو كان القبيح إنّما يقبح للنهي، لوجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف شيئاً من القبائح"(١) .

وبعبارة اُخرى: لو كان نهي الشرع هو المنشأ الوحيد لقبح جميع الأفعال، فينبغي أن لا يعتقد منكر الشرع بقبح شيء، لأ نّه لا يؤمن بالشرع فلا يكون عنده شيءٌ قبيحٌ.

ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين - على اختلاف فصائلهم -:

يصفون بعض الأفعال بالقبح ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها.

ويسند هؤلاء تقبيحهم إلى العقل من غير أن يكون لحكم الشرع أيّ أثر في هذا التقبيح.

٣ - "لو كان القبيح يقبح للنهي، لوجب أن يكون الحسن يحسن للأمر، فيلزم عليه أن لا توصف أفعاله تعالى بالحسن أيضاً، لأ نّه [تعالى] كما لم ينه عن شيء، [فإنّه تعالى] لم يُؤمر بشيء"(٢) .

الدليل الثاني للأشاعرة:

"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [تعالى]، فله فعله: أ نّه المالك القاهر الذي ليس بمملوك... فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء"(٣) .

وقال الشهرستاني:

"أمّا العدل فعلى مذهب أهل السنة: أنّ اللّه عدل في أفعاله، بمعنى أ نّه متصرّف في مُلكه ومِلكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد"(٤) .

بعبارة أُخرى:

____________________

١- المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في العدل، ص ١٥٥.

٢- المصدر السابق.

٣- اللمع، أبو الحسن الأشعري: الباب السابع، ص١١٦.

٤- الملل والنحل، عبد الكريم الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل، ص ٤٢.

٢٥

لا يمكن تصوّر فعل القبيح بالنسبة إلى اللّه تعالى، لأ نّه تعالى هو المالك لكلّ شيء على الإطلاق، ويعتبر أي تصرّف له تعالى في العالم، إنّما هو تصرّف في شيء يملكه، وله أن يفعل به كيفما يشاء.

يرد عليه:

إنّ ملكية الشيء لا تعني امتلاك المالك حقّ التصرّف بها على خلاف موازين الحكمة والعدل.

ولهذا نجد العقلاء يذمّون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب، ويحكمون بسفاهته مع علمهم بمالكيته لتلك الأموال.

بعبارة أُخرى:

إنّ "الملكية" لا تبيح فعل القبائح العقلية أصلا.

ولهذا يستنكر العقلاء على المالك الذي يعذّب عبده بلا جهة، ويعتبرونه سفيهاً يستحق اللوم إزاء فعله القبيح هذا.

واللّه تعالى على رغم كونه مالكاً لكلّ شيء وقادراً على كلّ شيء، ولكنه مع ذلك "حكيم"، وحكمته تنزّهه عن فعل القبيح.

ولهذا قال تعالى:( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْم وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) [هود: ١١٧].

٢٦

المبحث الرابع

قدرة اللّه تعالى على فعل القبيح

قال الشيخ المفيد: "إنّ اللّه - جلّ جلاله - قادر على خلاف العدل، كما أ نّه قادر على العدل، إلاّ أ نّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً، وعلى هذا جماعة الإمامية"(١) .

أدلة قدرته تعالى على فعل القبيح:

١ - إنّ اللّه تعالى قادر على كلّ مقدور، والقبيح مقدور، فيثبت أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح(٢) .

٢ - إنّ "الفعل الحسن" من جنس "الفعل القبيح"، والقادر على أحد الجنسين يكون قادراً على الآخر(٣) .

مثال:

ألف - إنّ قعود الإنسان في دار غيره غصباً من جنس قعوده فيها باذن مالكها، ولكن أحدهما قبيح والآخر حسن.

ب - إنّ اللّه تعالى قادر - بلا خلاف - على معاقبة العاصي، ولا يخفى بأنّ هذه القدرة لم تتحقّق عند وقوع المعصية من المكلّف، بل كان اللّه تعالى قادراً على

____________________

١- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: قول ٢٤، ص ٥٦.

٢- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب مايجب اعتقاده في أبواب العدل، ص٨٣ - ٨٤.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثالث، ص ٨٨.

٣- انظر: الملخص، الشريف المرتضى: الجزء الثاني، باب الكلام في العدل، ص٣٢٥.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص٨٨.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في كونه تعالى قادراً على القبيح، ص٩٩.

٢٧

المعاقبة قبل ذلك، وعقوبته تعالى قبل ذلك من جملة الأفعال القبيحة، فثبت أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح(١) .

٣ - إنّنا قادرون على فعل القبيح، واللّه تعالى أقدر منّا في جميع الأحوال، فيثبت بذلك أ نّه تعالى قادر على فعل القبيح(٢) .

مناقشة رأي القائلين بعدم قدرة اللّه على فعل القبيح:

ذهب البعض إلى أنّ اللّه تعالى غير قادر على فعل القبيح، لأ نّه تعالى لو كان قادراً على فعل القبيح لصح منه فعله، وصحة فعل القبيح منه تعالى دليل على اتّصافه تعالى بالجهل والاحتياج، وهو منزّه عن ذلك(٣) .

يرد عليه:

١ - إنّ امتلاك القدرة على فعل معيّن لا يدل على أنّ صاحب تلك القدرة سيستخدم قدرته في القيام بذلك الفعل.

وإنّما الفعل يتبع الإرادة والاختيار ووجود الداعي و....

واللّه تعالى حكيم، وتمنعه حكمته من فعل القبيح على الرغم من امتلاكه القدرة عليه.

٢ - إنّ الاتّصاف بالجهل والاحتياج يكون مع "فعل القبيح" لا مع "امتلاك القدرة

____________________

١- انظر: الملخص، الشريف المرتضى: الجزء الثاني، باب الكلام في العدل، ص٣٢٥.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص٨٨.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: القول في العدل، ص ١٥٣.

٢- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسألة: في كونه تعالى قادراً على القبيح، ص١٠٠.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، فصل: في أ نّه تعالى قادر على القبيح و...، ص ٧٤.

٣- أشار بعض علمائنا إلى هذا الرأي الذي ذهب إليه بعض أعلام المعتزلة.

انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسألة في كونه تعالى قادراً على القبيح، ص ١٠٠.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثالث، ص ٨٩.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في العدل، ص ١٥٤.

٢٨

على فعله"، وإنّ عدم فعله تعالى للقبيح ليس لأ نّه غير قادر على فعله، بل لأ نّه تعالى حكيم وعالم وغني، فلا يريد فعل القبيح(١) .

____________________

١- انظر: المصدر السابق.

٢٩

المبحث الخامس

عدم فعله تعالى للظلم

معنى الظلم:

"وضع الشيء في غير موضعه... وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحدّ"(١) .

أدلة عدم فعله تعالى للظلم:

١ - إنّ الظلم ينبثق عن الجهل والحاجة والحقد والعجز والضعف والخوف والعبث وغيرها من الرذائل التي يكون اللّه تعالى منزّهاً عنها، فلهذا يستحيل عليه تعالى الظلم.

٢ - إنّ اللّه تعالى ذمّ الظالمين وندّد بهم ونهى الناس عن الظلم، فكيف يكون سبحانه ظالماً للعباد؟!

٣ - إنّ الظلم قبيح، واللّه تعالى - كما بيّنا فيما سبق - منزّه عن فعل القبيح.

نفي الظلم عن اللّه تعالى في القرآن الكريم:

١ -( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ) [آل عمران: ١٨]

٢ -( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) [الأنبياء: ٤٧]

٣ -( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [يونس: ٤٤]

____________________

١- لسان العرب، ابن منظور: مادة (ظلم).

٣٠

٤ -( فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [التوبة: ٧٠]

٥ -( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [النحل: ١١٨]

٦ -( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة ) [النساء: ٤٠]

٧ -( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) [الكهف: ٤٩]

٨ -( وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ ) [الأنفال: ٥١]

٩ -( وَما رَبُّكَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ ) [فصّلت: ٤٦]

١٠ -( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) [آل عمران: ١٠٨]

١١ -( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ ) [الزخرف: ٧٦]

١٢ -( وَما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [النحل: ٣٣]

٣١

٣٢

الفصل الثاني

الحسن والقبح العقلي

معنى الحسن والقبح

أقسام الفعل من حيث الاتّصاف بالحسن والقبح

منشأ حسن وقبح الأفعال

إطلاقات الحسن والقبح

محل الاختلاف بين العدلية والأشاعرة حول حسن وقبح الأفعال

رأي العدلية القائلين بالحسن والقبح العقلي

أدلّة ثبوت الحسن والقبح العقلي

إثبات الحسن والقبح العقلي في القرآن الكريم

رأي الأشاعرة حول حسن وقبح الأفعال

أدلّة الأشاعرة على إنكار الحسن والقبح العقلي ومناقشتها

أقوال بعض أهل السنة الموافقين للحسن والقبح العقلي

٣٣

٣٤

المبحث الأوّل

معنى الحسن والقبح

معنى الحسن والقبح (في اللغة):

إنّ للحُسن والقبح - في اللغة - عدّة معان منها:

١ - "الحسن" ما هو كمال، و"القبيح" ما هو نقص.

٢ - "الحسن" ما يلائم الطبع، و"القبيح" ما ينافره.

٣ - "الحسن" ما يوافق المصلحة، و"القبيح" ما يخالفها.

٤ - "الحسن" ما يتعلّق به المدح، و"القبيح" ما يتعلّق به الذم.

وسنشير إلى هذه المعاني في المبحث الرابع من هذا الفصل.

معنى الحسن والقبح (في الاصطلاح العقائدي):

الفعل الحسن:

التعريف الأوّل: هو الفعل الذي لا يستحق فاعله الذم(١) .

التعريف الثاني: هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح(٢) (٣) .

____________________

١- انظر: الذريعة إلى أصول الشريعة، السيّد المرتضى: ج٢، باب الكلام في الأفعال، ص٥٦٣.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص٨٥.

الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الأوّل، ص٥٣.

٢- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في الحسن والقبح، ص٩٧.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الأوّل، ص ١٠٤.

٣- بشرط أن يكون الفاعل قاصداً إلى ما يفعل.

انظر: تقريب المعارف كما في (المصدر السابق).

٣٥

الفعل القبيح:

هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم(١) (٢) .

صلة المدح والذم بالثواب والعقاب الأخروي:

الرأي الأوّل:

إنّ "الفعل الحسن" هو الفعل الذي يستحق فاعله "المدح"، ولا شكّ أنّ مدح اللّه تعالى يتبعه في الآخرة "إثابة" فاعل الفعل الحسن.

وإنّ "الفعل القبيح" هو الفعل الذي يستحق فاعله "الذم"، ولا شكّ أنّ ذمّ اللّه تعالى يتبعه في الآخرة "معاقبة" فاعل الفعل القبيح.

ولهذا ذكر أغلب علماء الإمامية في تعريفهم للحسن والقبح:

"الحسن" ما يستحق فاعله المدح عاجلا والثواب آجلا(٣) .

و"القبيح" ما يستحق فاعله الذم عاجلا والعقاب آجلا(٤) .

الرأي الثاني:

إنّ الثواب والعقاب الأخروي أمر غير ملازم للحسن والقبح.

لأنّ شرط حصول فاعل الفعل الحسن على "الثواب" هو: إيمانه باللّه وقصده للقربة ونحوها.

وشرط حصول فاعل الفعل القبيح على "العقاب" هو: عدم وجود العفو والشفاعة الإلهية، وعدم مبادرة فاعل القبيح إلى التوبة ونحوها.

فلا ربط للعقاب والثواب بالمدح والذم.

____________________

١- انظر: المصدر السابق (مصدري تعريف الفعل الحسن).

٢- بشرط أن يكون الفاعل عالماً بقبح ما يفعله، أو متمكّناً من العلم به، ولم يكن أي اضطرار إلى فعله.

انظر: تمهيد الأصول، الشيخ الطوسي: فصل في بيان حقيقة الفعل، وشرح أقسامه: ص ٩٨.

٣ و ٤) انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الثاني، ص١٠٤.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص ٦٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص ٢٥٤.

٣٦

ولهذا قال الشيخ محمّد حسن المظفر:

"إدخال كلمة الثواب والعقاب في تعريفهما [أي: تعريف الحُسن والقبح] خطأ ظاهر"(١) .

____________________

١- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج ١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ٢، ص ٣٦٣.

٣٧

المبحث الثاني

أقسام الفعل من حيث الاتّصاف بالحسن والقبح(١)

١ - الفعل غير الاختياري(٢) : وهو الفعل الذي لا يوصف بالحسن والقبح، لأنّ استحقاق المدح والذم يرتبط بالفعل الاختياري فقط. وهو لا يتعلّق بالفعل غير الاختياري أبداً(٣) .

٢ - الفعل الاختياري: وهو الفعل الذي يوصف بالحُسن والقبح كما يلي:

أوّلا: الحُسن: وهو على نحوين:

أ - يكون له وصف زائد على حسنه، وهو:

الواجب: وهو ما يستحقّ فاعله المدح، ويستحقّ تاركه الذم.

المندوب: وهو ما يستحقّ فاعله المدح، ولا يستحقّ تاركه الذم.

ب - لا يكون له وصف زائد على حسنه وهو:

المباح(٤) : وهو ما لا مدح فيه على الفعل والترك.

____________________

١- انظر: الذريعة إلى أصول الشريعة، السيّد المرتضى: ج٢، باب: الكلام في الأفعال، ص ٥٦٣.

تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص ١٩٧.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الأوّل، ص١٠٣.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٤.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الاُولى، ص٤١٨.

٢- من قبيل فعل الساهي وفعل النائم.

٣- انظر: تكملة شوارق الإلهام، محمّد المحمدي الجيلاني: الفصل الثالث، المسألة الاُولى، ص ٢٥.

٤- إنّ "المباح" يكون من أقسام "الحسن" فيما لو عرّفنا "الحسن" بأ نّه ما لا يستحقّ فاعله الذم، لأنّ المباح أيضاً لا يستحقّ فاعله الذم.

٣٨

ثانياً: القبيح: وهو ما يستحقّ فاعله الذم.

تنبيهان:

١ - اختلف علماء الإمامية في أنّ "المكروه" هل هو من أقسام القبيح أو الحسن:

فمن عرّف الحسن بـ "ما لا يستحقّ فاعله الذم" (وفق التعريف الأوّل الذي ذكرناه) اعتبر المكروه من الأمور الحسنة.

ومن عرّف الحسن بـ "ما يستحقّ فاعله المدح" (وفق التعريف الثاني الذي ذكرناه) اعتبر المكروه من الأمور القبيحة(١) .

٢ - الأصح اعتبار المكروه من الأفعال القبيحة، لترتّب الذم على فعله، وإن كان هذا الذم أضعف من الذم المتعلّق بالحرام.

____________________

١- للمزيد راجع: الكلام المقارن، علي الرباني الكلبايكاني: الباب السادس، الفصل الثاني، ص١٦٤.

٣٩

المبحث الثالث

منشأ حسن وقبح الأفعال

تنقسم الأفعال في كيفية اتّصافها بالحسن والقبح على ثلاثة أقسام:

١ - يكون الفعل بنفسه علّة تامة للحسن والقبح، فلا يتغيّر حسنه ولا قبحه بعروض العوارض.

ويشمل هذا الأمر الأفعال التي يدرك العقل - عند لحاظها - أنّها حسنة أو قبيحة، بغض النظر عن جميع الجهات الطارئة عليها.

وهذا ما يسمّى بالحسن والقبح الذاتي(١) .

مثال:

العدل والظلم.

فالعدل بما هو عدل لا يكون إلاّ حسناً.

والظلم بما هو ظلم لا يكون إلاّ قبيحاً.

ويستحيل - في جميع الأحوال - أن يكون العدل قبيحاً والظلم حسناً.

ومثله حسن الإحسان وقبح الإساءة.

٢ - لا يكون الفعل علّة تامة لحسنه أو قبحه، بل يكون مقتضياً للاتّصاف بالحسن أو القبح، بحيث يكون الفعل بنفسه حسناً أو قبيحاً، ولكن قد يتحوّل حُسن هذا الفعل إلى القبح، أو يتحوّل قبحه إلى الحسن فيما لو عرض عليه عنوان آخر.

____________________

١- انظر: مطارح الأنظار، الشيخ الأنصاري: ٢٤٥، نقلا عن المباحث الكلامية في مصنفات الشيخ الأنصاري، إبراهيم الأنصاري الخوئيني: العدل، هل الحسن والقبح ذاتيان أم لا، ص٦٢.

الالهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١ / ٢٣٢ - ٢٣٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد(١) .

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإِبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصاباً من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون ديناراً أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهماً ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عُشرة أيضاً ، وإلّا فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعاً للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاُولى نصاباً فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهماً درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة - وإن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصاباً.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضاً للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ - ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢١

نصاباً ، قال الشيخ : كان حولُ السلعة حولَ الأصل(١) ؛ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحاب الرأي ، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وقيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرةً فخفيت.

ولأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [ لأجله ](٢) مانعا منها(٣) .

ولو قيل : إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله وإلاّ استأنف ، كان وجها.

ولو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة ، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصاباً جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : أنّه يبنى على الحول من حين الشراء ، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(٤) .

فروع :

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقُنية فالأقرب انقطاع حول السائمة ، ويبتدئ حول التجارة من يوم الشراء ؛ لاختلاف الزكاتين في القدر والتعلّق ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يبني عليه كالنقدين(٥) .

وإن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب ، ولو‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المسألة ١٠٨ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) زيادة أثبتناها من المغني والشرح الكبير.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥ - ٦٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣ - ٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٢٢

اشتراه في الذمة ونقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقداً كان أو ماشيةً ، وابتدأ حول التجارة من يوم الشراء ، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقُنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : لا يدور في حول التجارة إلّا أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والفضة(٢) .

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة وقصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

وقال أحمد : لا ينقطع ، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(٤) .

والفرق : أنّ قصد التجارة انقطع ، وتعلّقت به حول زكاة اُخرى.

ولو قصد بالثمن التجارة ، فالأقرب عدم الانقطاع ، وبنى على حول الأول ؛ لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القَيِم.

ه- لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم يَنْو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعاً ؛ لأنّهما مختلفان ، وإن أبدله بعرض للقُنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعاً ، لأنّهما مختلفان.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٦.

٢٢٣

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعاً ، بل قيمتها وبلوغ القيمة النصاب.

مسألة ١٥٤ : لا تجتمع زكاة التجارة والمالية في مالٍ واحد‌ اتّفاقاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ثني(١) في الصدقة )(٢) .

فلو ملك نصاباً من السائمة فحال الحول ، والسوم ونية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا ؛ لأنّها واجبة دون زكاة التجارة ؛ لاستحبابها.

ومن قال بالوجوب اختلفوا ، فالذي قاله الشيخ - تفريعاً على الوجوب - : تقديم المالية أيضاً(٣) ؛ وبه قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى ؛ لانعقاد الإجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى(٤) .

وقال أبو حنيفة والثوري ومالك وأحمد والشافعي في القديم : يزكّيه زكاة التجارة ، لأنّها أحظّ للمساكين ، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب ، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً(٥) .

ونمنع اعتبار ترجيح المساكين ، بل مراعاة المالك أولى ؛ لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سبباً لإِضرار المالك ولا موجبة للتحكّم في ماله.

____________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢٠ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٢.

(٤) الاُم ٢ : ٤٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٢١ ، وفيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين ؛ على خلاف ما نسب إليه المصنّف ، وأمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.

٢٢٤

فروع :

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة وإن كان النصاب ثابتاً ، وكذا لو انتفى النصاب وحصل السوم ؛ لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعاً ، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال ، لثبوت المقتضي في آخر الحول ، السالم عن معارضة المانع.

وقال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة ، لأنّه أنفع للفقراء(١) . وهو ممنوع.

وعلى ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب ، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

وقال بعض الجمهور : تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب ، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب(٢) .

وهو ممنوع ؛ لوجود المانع وهو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فزرعت الأرض وأثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة واشتداد الحبّ عند تمام الحول ، وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة والحبّ زكاة العشر ، ويزكّي الأصل زكاه القيمة ، ولا تثبت في الثمرة الزكاتان ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) ، لأنّ زكاة العُشر أحظّ للفقراء فإنّ العُشر أكثر من ربع العُشر ، ولأنّ زكاة المال متّفق عليها.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

٢٢٥

وقال أحمد : يزكّي الجميع زكاة التجارة ؛ لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(١) .

والفرق : زكاة السوم أولى ، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه- لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(٢) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضاً ، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت وثبتت زكاة التجارة ، لعدم المانع ، وإلّا أوجبنا زكاة المال.

ولو عارضها بأربعين للقُنية سقطت زكاة التجارة وانعقد حول المالية من المعارضة.

ولو اشترى أربعين للقُنية وأسامها ، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها ، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل ، وانعقد حول الماليّة من حين الإسامة ، وإن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول ؛ لعدم المانع ، وانعقاد حول الماليّة من حين الإِسامة.

مسألة ١٥٥ : إذا نوى بعرض التجارة القُنية صار للقنية وسقطت الزكاة‌ عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ القُنية الأصل ، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة ، ولأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

(٢) المعارضة : بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢١٤ « عرض ».

(٣) المجموع ٦ : ٤٩ - ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٠ - ٦٣١.

٢٢٦

العروض ، فإذا نوى القنية زال الشرط.

وقال مالك في رواية : لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(١) .

والفرق أنّ الإِسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلّا بانتفاء السوم.

وإذا صار العرض للقُنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٢) .

تذنيب : لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا للماليّة - وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء ، وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.

والوجه : أنّها إن كانت سائمةً ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - وبه قال إسحاق(٤) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن المعارض فتجب به الزكاة ، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة ١٥٦ : المشهور عندنا وعند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضاً‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الولد بعض الاُمّ فحكمه حكمها ، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعةً لها ، هذا إذا لم تنقص قيمة الاُمّ بالولادة ، فإن(٦) نقصت جعل الولد جابراً بقدر قيمته ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤١.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٢ - ٦٣٣.

(٤) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٣.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٦) في « ف » والطبعة الحجرية : فلو.

٢٢٧

سبب النقصان انفصاله.

وللشافعي قول آخر : إنّه ليس مالَ التجارة ؛ لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله ، ولا يبني على حول الأصل ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سبق(٣) .

فروع :

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصاباً للتجارة فنتجت ، فعندنا تقدّم زكاة المال ، ولا يتبع النتاج الاُمّهات في الحول ، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج ، فيبقى سبب التجارة سالماً عن المعارض ، فينعقد حولها من حين الانفصال ، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول ، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الاُمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين ديناراً تعلّقت الزكاة به ، ولا يضمّ إلى الاُمّهات في النصاب ، لأنّ الاُمّهات لها زكاة بانفرادها ، ولا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهماً أو أربعة دنانير ، وإن كانت قيمة الاُمهات نصاباً فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده ، وقلنا : إنّ ثمار التجارة مال تجارة ، أو اشتراها وهي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

ولا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٦٦.

(٣) سبق في المسألة ٣٤.

٢٢٨

الشافعية(١) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

وفي الآخر : تسقط ، لأنّ المقصود منها ثمارها وقد أخذنا زكاتها(٢) .

وهو ممنوع.

وكذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

وللشافعية طريقان : أحدهما : طرد الوجهين(٣) . والثاني : القطع بعدم السقوط ، لبُعد الأرض عن التبعية ؛ لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة ، والشجرة حاصلة ممّا اُودع في الأرض لا من نفسها(٤) .

وأمّا الثمار التي اُخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضاً ، وتثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة وإن كانت الماليّة لا تتكرر ، ويحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح ، لأنّ عليه [ بعد ](٥) بدوّ الصلاح تربية [ الثمار ](٦) للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضاً مزروعة للتجارة فأدرك الزرع ، والحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية ، وللشافعية الوجوه السابقة(٧) في الثمرة.

ولو اشترى أرضاً للتجارة وزرعها ببذر القُنية فعليه العُشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العُشر إجماعاً.

ه- الدَّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.

____________________

(١ و ٢ ) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣.

(٣) أي : الوجهان اللذان تقدّما آنفاً.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣ - ٨٤.

(٥ و ٦ ) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) سبق في المسألة ١٥٤ الوجهان للشافعي ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٨٣ ، والمجموع ٦ : ٥٢.

٢٢٩

الفصل الثاني

في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة‌

مسألة ١٥٧ : كلّ ما يخرج من الأرض من الغلّات غير الأربع تستحب فيها الزكاة‌ إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس والماش والاُرز والذرّة وغيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلّات الأربع - وهو خمسة أوسق - لعموم قولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) .

والقدر المخرج هو العشر إن سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ، ونصفه إن سقي بالقرب والدوالي كما في الغلّات.

ولو اجتمعا حكم للأغلب ، فإن تساويا قسّط ويؤخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العُشر ، وتثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

ولا زكاة في الخُضراوات.

وفي ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر ، وكذا الدّخن ، والأقرب : الضمّ ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٩ / ٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، و ٣ : ٩٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

٢٣٠

ويدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه »(١) .

وقالعليه‌السلام وقد سأله زرارة في الذرة شي‌ء؟ فقال : « الذرّة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(٢) .

أمّا الخُضر فلا زكاة فيها إلّا أن تباع ، ويحول على ثمنها الحول ، وتكون الشرائط موجودةً فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة »(٣) .

وسأل زرارة الصادقعليه‌السلام هل في القَضْب(٤) شي‌ء؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام ما في الخضرة؟ قال : « وما هي؟ » قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر. فقال : « لا شي‌ء عليه إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة » وعن شجر العضاة(٦) من الفرسك(٧) وأشباهه فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فثمنه(٨) ؟ قال : « ما حال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، والكافي ٣ : ٥١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩.

(٤) القضب : كلّ نبت اقتضب واُكل طريّاً. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤ « قضب ».

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠.

(٦) العضاة : كلّ شجر يعظم وله شوك. الصحاح ٦ : ٢٢٤٠ « عضه ».

(٧) الفرسك : ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح ٤ : ١٦٠٣ « فرسك ».

(٨) في « ف » والتهذيب : قيمته.

٢٣١

عليه الحول من ثمنه فزكِّه »(١) .

مسألة ١٥٨ : لا تجب الزكاة في الخيل‌ بإجماع أكثر العلماء ، وبه قال - في الصحابة - عليعليه‌السلام وعمر وابنه ، وفي التابعين : عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والشعبي والحسن البصري ، وفي الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لما رواه عليعليه‌السلام : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق »(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( ليس في الجَبْهة ولا في النخّة ولا في الكسعة صدقة )(٤) والجبهة : الخيل ؛ والنخة : الرقيق ، والكسعة : الحمير(٥) .

وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإِبل والبقر والحمير.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء »(٦) وعنى الإِبل والبقر والغنم.

وللأصل ، ولأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه ، ولكونه كالحُمُر.

وقال أبو حنيفة : إن كانت ذكوراً وإناثاً وجب فيها ، وإن كانت إناثاً منفردة فروايتان ، وكذا إن كانت ذكوراً منفردة ؛ لما رواه الصادقعليه‌السلام عن الباقر‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، ومسند أحمد ١ : ١٢١ و ١٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وغريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٥) قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ٢ / ٢.

٢٣٢

عليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(١) .

ولأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(٢) .

والحديث محمول على الاستحباب ، والنعم يضحّى بجنسها ، وتجب(٣) فيها من عينها ، بخلاف الخيل.

مسألة ١٥٩ : أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة والحول ، لأنّ زرارة قال للصادقعليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ قال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإِناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٦٠ : قدر المخرج عن الخيل‌ عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول ، وعن البرذون دينار واحد عند علمائنا ، لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وضع أمير المؤمنينعليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣ - ١٤ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥.

(٣) أي : تجب الزكاة.

(٤) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : مراحها. وما أثبتناه من المصادر ، والمرج : الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧ « مرج ».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ - ٦٨ / ١٨٤.

٢٣٣

فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً »(١) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس ديناراً ، وإن شاء قوّمها وأعطى ربع عُشر قيمتها ؛ لما رواه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(٢) .

وهو دليل لنا لا له.

مسألة ١٦١ : العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله‌ ، ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب ؛ للعموم ، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العُشر ، فإن بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، لوجود المقتضي ، ولا تستحب الزكاة في شي‌ء غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

٢٣٤

٢٣٥

المقصد الرابع

في الإِخراج‌

وفيه فصول :

الأول : في من تخرج الزكاة إليه.

وفيه مباحث‌

٢٣٦

٢٣٧

الأول : في الأصناف‌

مسألة ١٦٢ : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية‌ بإجماع العلماء ، وهُم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) .

وقد اختلف الفقهاء في الفقراء والمساكين أيّهما أسوأ حالاً ، فقال الشيخ : الفقير : الذي لا شي‌ء له ، والمسكين هو : الذي له بُلغة من العيش لا تكفيه(٢) . فجعل الفقير أسوأ حالاً ، وبه قال الشافعي والأصمعي(٣) ، لأنّه تعالى بدأ به ، والابتداء يدلّ على شدّة العناية والاهتمام في لغة العرب.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعاذ من الفقر(٤) ، وقال : ( اللّهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣.

(٤) سنن النسائي ٨ : ٢٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ، ٣٢٥ ، ٣٥٤.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٧ / ٢٣٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨١ / ٤١٢٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٢٢.

٢٣٨

ولقوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (١) وهي تساوي جملة من المال.

ولأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار وذلك مهلك.

وقال آخرون : المسكين أسوأ حالاً من الفقير(٢) . وبه قال أبو حنيفة والفراء وثعلب وابن قتيبة ، واختاره أبو إسحاق(٣) ؛ لقوله تعالى( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وهو المطروح على التراب ، لشدّة حاجته ، ولأنّه يؤكّد به ، ولقول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد(٥)

والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام هذا ، قال الصادقعليه‌السلام : « الفقير : الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم »(٦) .

ولا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب ؛ لأنّ الزكاة تدفع إلى كُلّ منهما ، والعرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما ، والضابط في الاستحقاق : عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة ١٦٣ : قد وقع الإِجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئاً من الزكاة‌ من‌

____________________

(١) الكهف : ٧٩.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٩ ، وسلّار في المراسم : ١٣٢.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٣ : ٨ ، اللباب ١ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المجموع ٦ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣ ، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة - : ١٨٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٢٢.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) البيت للراعي ، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - ٩ : ١١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٢٣٩

نصيب الفقراء ؛ للآية(١) ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني )(٢) .

ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ ، فللشيخ قولان ، أحدهما : حصول الكفاية حولاً له ولعياله(٣) ، وبه قال الشافعي ومالك(٤) ، وهو الوجه عندي ، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٥) أي المحاويج إليه ، ومن لا كفاية له محتاج.

وقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة إلّا لثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يجد سداداً من عيش ، أو قواماً من عيش )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تحل(٧) لغني » يعني الصدقة ، قال هارون بن حمزة فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله »(٨) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، ١٩٢ ، ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٣) الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣ ، المغني ٢ : ٥٢٢ و ٧ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) فاطر : ١٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٠ / ٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٦ ، وفيها بدل ( لا تحل الصدقة ) : ( لا تحل المسألة ).

(٧) في المصدر : « لا تصلح ».

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460