تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191705 / تحميل: 6300
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ب - لو اُسر المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يمنع من التصرف في ماله ، وإن منع سقطت ، والغائب لا زكاة فيه إذا لم يكن في يد وكيله ولم يتمكن منه.

ج - لو مضى على المفقود سنون ثم عاد زكّاه لسنة استحباباً.

د - لو غصبت الماشية فلا زكاة على ما قلناه ، والموجبون قالوا : إن كانت سائمة في يد المالك والغاصب وجبت الزكاة ، وإن كانت معلوفة عندهما فلا زكاة قولاً واحداً.

وإن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب فوجهان : الوجوب لأن السوم من المالك يوجب الزكاة فكذا من الغاصب ، كما لو غصب بذراً فزرعه وجب العشر في الخارج.

والعدم لعدم رضا المالك بإسامتها فلا تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب.

ولو سامها المالك وعلفها الغاصب فوجهان : الزكاة ؛ لأنّ علف الغاصب محرّم فلا يمنع من إيجاب الزكاة ، والسقوط ، لأنّ الشرط - وهو السوم - لم يوجد(١) .

والحقّ ما قلناه.

مسألة ١٢ : المرتد إن كان عن فطرة خرجت أمواله عنه في الحال إلى ورثته ، ولا تقبل توبته‌ ، بل يقتل في الحال فيستأنف ورثته الحول من حين انتقال الملك إليهم وتمكنهم منه.

ثم إن كان عن غير فطرة انتظر به العود ، فإن عاد إلى الإسلام بعد حلول الحول وجب عليه الزكاة بحلول الحول ، وإن لم يعد فقتل بعد حلول الحول ، أو لحق بدار الحرب وجب أن تخرج عنه الزكاة لبقاء ملكه إلى حين القتل ، ومنعه عن التصرف فيه مستند إلى اختياره لتمكنه من الرجوع إلى الإسلام.

____________________

(١) راجع : المغني ٢ : ٦٣٩ - ٦٤٠.

٢١

وللشافعي في مال المرتد مطلقاً ثلاثة أقوال : بقاء الملك ، وزواله ، وكونه موقوفاً ، فإن أسلم ظهر البقاء ، وإن قتل على الردّة ظهر الزوال ، فحكم الزكاة مبني عليه إن زال سقطت وإلّا وجبت(١) .

وقال أحمد : إذا ارتدّ قبل الحول وحال الحول مرتدّاً فلا زكاة عليه ، لأنّ الإسلام شرط في الوجوب(٢) .

وهو غلط ، لما بيّنا من أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

قال : ولو رجع استأنف حولاً(٣) .

ولو ارتدّ بعد الحول لم تسقط الزكاة سواء كان عن فطرة أو لا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه حق وجب فلا يسقط كالدَّين.

وقال أبو حنيفة : تسقط ، لأنّ من شرطها النيّة فسقطت بالردّة كالصلاة(٥) .

والأصل ممنوع ، نعم لا يطالب بفعلها ، ولا تدخلها النيابة فإذا عاد وجبت عليه ، والزكاة تدخلها النيابة ويأخذها الإمام من الممتنع ، فإن أسلم بعد أخذها لم تلزمه إعادتها ، لأنّها سقطت عنه بأخذها ، ولو أخذها غير الإِمام ونائبه لم تسقط فإنه لا ولاية للآخذ عليه فلا يقوم مقامه ، بخلاف نائب الإمام.

ولو أدّاها في حال ردّته لم تجزئه ، لأنّه كافر فلا تصح منه كالصلاة.

مسألة ١٣ : الدَّين إن كان على مليّ باذل فلعلمائنا قولان : وجوب الزكاة فيه على صاحبه.

ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وبه قال الثوري ، وأبو ثور ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، الوجيز ١ : ٨٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨ - ٩.

(٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٩.

(٤) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨ ، الميزان - للشعراني - ٢ : ٣ ، المغني ٢ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٩.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المجموع ٥ : ٣٢٨ ، المغني ٢ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

٢٢

وأصحاب الرأي ، وأحمد ، إلّا أنهم قالوا : لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدّي لما مضى(١) .

وقال عثمان ، وابن عمر ، وجابر ، وطاوس ، والنخعي ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وميمون ، والزهري ، وقتادة ، وحماد بن أبي سليمان ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، والشافعي : عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه ، لأنّه مالك قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج الزكاة عنه كالوديعة(٢) .

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يكون له الدّين أيزكّيه؟

قال : « كلّ دَين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة »(٣) .

وعدم الوجوب - وبه قال عكرمة ، وعائشة ، وابن عمر(٤) - لأنّه غير تام فلا تجب زكاته كعرض القنية.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله الحلبي ليس في الدين زكاة؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل إسحاق أبا إبراهيمعليه‌السلام ، الدين عليه زكاة؟ فقال : « لا ، حتى يقبضه » قلت : فإذا قبضه يزكّيه؟ قال : « لا ، حتى يحول عليه الحول في يديه »(٦) .

وقال سعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء الخراساني :

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠٧ ، وفتح العزيز ٥ : ٢٠٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، المغني ٢ : ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٤٣٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٢.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٤ ، رحمة الاُمّة ١ : ١١٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ / ٧٩.

٢٣

يزكّيه إذا قبضه لسنة واحدة(١) .

فأما إن كان على معسر ، أو جاحد ، أو مُماطل فلا زكاة عليه عندنا ، لعدم تمكّنه منه ، فأشبه المغصوب ، وبه قال قتادة ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأهل العراق ، وأحمد في رواية(٢) .

وفي الثانية : يزكّيه إذا قبضه ، وبه قال الثوري ، وأبو عبيد(٣) .

لقول عليعليه‌السلام في الدين المظنون : « إن كان صادقاً فليزكّه إذا قبضه لما مضى »(٤) .

ولأنّه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدّين على الملي.

والرواية للاستحباب ، والأصل ممنوع ، والفرق : التمكّن.

فروع :

أ - لا فرق بين الحالّ والمؤجّل في عدم الوجوب فيه عند قائله ، لأنّ البراءة تصح من المؤجَّل فيكون ملكاً.

نعم هو في حكم الدَّين على المعسر ، لعدم تمكّن قبضه في الحال.

ب - لو منع البائع المشتري من المبيع فحال الحول لم تجب الزكاة ، لعدم التمكّن.

ولو مكّنه منه فلم يقبضه وحال الحول فإن كان معيّناً فالزكاة على المشتري ، وإن كان مطلقاً فكالدَّين ، وكذا المال المسلم فيه.

وللشافعي ثلاثة أقوال : القطع بمنع الوجوب ، لضعف الملك ، إذ لا ينفذ بيعه قبل القبض ، والقطع بالوجوب لتمكّنه من القبض ، والوجهان(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٤.

(٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١٥٠.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٠٠ - ٥٠١.

٢٤

ج - إذا قبّض المشتري الثمن عن السلم ، أو عن غير المقبوض ، وحال عليه الحول فالزكاة على البائع لثبوت ملكه فيه ، فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذّر المسلم فيه وجب ردّ الثمن ، والزكاة على البائع.

د - الدَّين المؤجّل لا زكاة فيه عندنا ، وللشافعي قولان ، أحدهما : أنه كالمغصوب إن تعذّر استيفاؤه لإِعسار أو جحود فيجري فيه القولان.

والثاني : أنّه كالغائب الذي يسهل إحضاره فتجب فيه الزكاة لحصول النماء في المدّة ، فإنّ الشي‌ء إذا بيع مؤجّلاً زيد في ثمنه.

وله ثالث : القطع بالمنع ، لأنّه لا ملك قبل الحلول.

وعلى تقدير الوجوب ففي وجوب الإِخراج في الحال قولان : الثبوت كالغائب الذي يسهل إحضاره ، والمنع إلى أن يقبض لأنّ خمسة نقداً تساوي ستّة فيؤدّي إلى الإِجحاف(١) .

ه - الدَّين إن لم يكن لازماً - كمال الكتابة عند الشيخ(٢) - لا زكاة فيه و - لو كان الدَّين نعماً فلا زكاة فيه ، ومن أوجبها في الدَّين توقّف هنا ، لأنّ السوم شرط وما في الذمة لا يوصف بكونه سائماً(٣) .

ويشكل بأنّهم ذكروا في السلم في الحيوان التعرّض لكونه لحم راعية أو معلوفة ، فإذا جاز أن يثبت في الذمة لحم راعية جاز أن تثبت راعية(٤) .

مسألة ١٤ : أوجب الشيخ في المبسوط الزكاة في الرهن‌ سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا - وبه قال الشافعي ، وأحمد(٥) - لوجود المقتضي وهو الملك.

قال : فإن كان للراهن مال سواه كلّف إخراج الزكاة منه ، لأنّ الزكاة من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، مغني المحتاج ١ : ٤١٠ - ٤١١.

(٢) الخلاف ، كتاب المكاتب ، المسألة ١٧ ، المبسوط ٦ : ٩١.

(٣ و ٤ ) راجع فتح العزيز ٥ : ٥٠١ و ٩ : ٢٩٩.

(٥) المجموع ٥ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١ ، المغني ٢ : ٥٤٣.

٢٥

مؤونة الرهن فتلزم الراهن كنفقة المضارب ، ولا تخرج من النصاب لتعلّق حقّ المرتهن ، والزكاة لا يتعيّن إخراجها منه.

وإن كان معسراً اُخذت الزكاة من الرّهن لتعلّق حقّ المساكين بالعين ، وحقّ المرتهن في الذمة فإنّه لو هلك رجع على الراهن بماله(١) .

وقال في الخلاف : لو كان له ألف واستقرض ألفاً ، ورهن هذه لزمه زكاة القرض دون الرهن(٢) .

وهو يعطي عدم وجوب الزكاة في الرهن ، وهو الوجه عندي ، لعدم تمكّنه منه سواء كان في يده أو في يد المرتهن أو غيرهما.

مسألة ١٥ : لا زكاة في المال الموقوف‌ ، لعدم تمكّنه من التصرّف بأنواعه ، ولعدم اختصاص أحد به.

وكذا مال الحبس والمعمّر ، لأنّ الملك وإن كان باقياً إلّا أنه ممنوع من التصرف فيه بأنواعه.

مسألة ١٦ : تسلّط الغير مانع من وجوب الزكاة‌ ، فلو نذر الصدقة بالنصاب ، فمضى الحول قبل الصدقة لم تجب الزكاة ، لتعلّق النذر بعين المال ، وكونه واجب الصرف إلى النذر قبل أن تجب فيه الزكاة ، وهو أصحّ وجهي الشافعي.

وله آخر : وجوب الزكاة ، لأنّ المال لا يتعيّن بتعيين الناذر ، والدّين لا يمنع الزكاة ، ولأنّه لم يخرج عن ملكه قبل الصدقة(٣) .

ونمنع القاعدتين(٤) ، والملك وإن كان باقياً إلّا أنّه ناقص لوجوب الصدقة‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٨ - ٢٠٩.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٠ ، المسألة ١٢٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠.

(٤) من القاعدتين : عدم منع الدّين للزكاة ، ويأتي من المصنّفرحمه‌الله في الفرع « ب » وفي المسألة اللاحقة ما ينافي هذا المنع ، فلاحظ.

٢٦

به.

فروع :

أ - لو جعل هذه الأغنام ضحايا ، أو هذا المال صدقة بنذر وشبهه كان سقوط الزكاة فيه أقوى ، لانتقال المال عنه إلى ما نذره ، ولم يبق فيه حقيقة ملك.

ب - لو نذر الصدقة بعشرين ديناراً ولم يعيّن لم تسقط الزكاة عندنا ، سواء كان له أزيد أو لا ، لأنّ الدَّين لا يمنع الزكاة على ما يأتي(١) ، وهو أحد وجهي الشافعي بناءً على عدم منع الدَّين لضعف حقّ الله تعالى ، إذ لا مُطالب له فهو أضعف من دَين الآدمي(٢) .

ج - لو كان النذر مشروطاً فإشكال ينشأ من استصحاب الملك السالم عن معارضة تعلّق النذر لعدم الشرط الآن ، ومن تعلّق النذر به.

د - لو استطاع بالنصاب ووجب الحج ، ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة لتعلّق الزكاة بالعين بخلاف الحج.

مسألة ١٧ : الدّين لا يمنع الزكاة‌ عند علمائنا أجمع ، فلو كان عليه دَين بقدر النصاب أو أزيد ، وحال الحول وجبت الزكاة سواء كان النصاب من الأموال الظاهرة - وهي الأنعام والغلّات - أو الباطنة - وهي النقدان - وبه قال ربيعة ، وحماد بن أبي سليمان ، والشافعي - في الجديد - وابن أبي ليلى(٣) ، لأنه حرّ مسلم ملك نصاباً حولاً فوجبت الزكاة عليه كمن لا دَين عليه ، وللعمومات.

ولأنّه لو لم تجب لم تجب في القرض لشغل الذمة بمثله والثاني باطل.

لقول الباقرعليه‌السلام ، وقد سئل عن زكاة القرض؟ فقال : « على‌

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة.

(٢) المجموع ٥ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٥ ، المجموع ٥ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٥ ، مغني المحتاج ١ : ٤١١.

٢٧

المقترض لأنّه في يده »(١) .

وقال مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وعطاء ، وسليمان بن يسار ، وميمون ابن مهران ، والحسن ، والنخعي ، والليث ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وأحمد : إنّ الدَّين يمنع من الزكاة في الباطنة(٢) .

وأما الظاهرة ، فقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي : إنّه لا يمنع(٣) ، وعن أحمد فيها روايتان(٤) .

واحتجّوا برواية ابن عمر : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « إذا كان لرجل ألف درهم ، وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه »(٥) .

ويحمل - مع صحّته - على اختلال شرط الوجوب.

فروع :

أ - قال أبو حنيفة : الدَّين يمنع في الأموال كلّها مع توجّه المطالبة إلّا في الغلّات ، لأنّ الواجب فيها عنده ليس صدقة(٦) .

ب - القائلون بأنّ الدَّين مانع شرطوا استغراق النصاب أو نقصه ، ولا وجه لقضائه سوى النصاب أو ما لا يستغنى عنه ، فلو كان له عشرون ديناراً وعليه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ نقلاً بالمعنى.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٥ ، مقدمات ابن رشد : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦ ، المغني ٢ : ٦٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٤ ، المجموع ٥ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٦.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٥ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٢٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٦ ، مغني المحتاج ١ : ٤١١ ، المغني ٢ : ٦٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٥.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٤ - ٤٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٦.

(٥) أوردها ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٣٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٤.

(٦) اللباب ١ : ١٣٧ ، شرح العناية ٢ : ١١٧ ، المغني ٢ : ٦٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٦.

٢٨

دينار ولا وجه سوى العشرين فلا زكاة عندهم ، ولو كان له أحد وعشرون فعليه زكاة عشرين.

ولو كان له مائة من الغنم ، وعليه ما يقابل ستّين فعليه زكاة أربعين.

ولو كان عليه ما يقابل أحداً وستّين فلا زكاة(١) ، وعندنا تجب الزكاة.

ج - لو كان عليه دَين وله مالان من جنسين ، فعندنا تجب الزكاة ، فلا بحث.

والمانعون اختلفوا ، فقال بعضهم : يجعل الدّين في مقابلة ما الحظّ للمساكين في جعله في مقابلته ، فلو كان عليه خمس من الإِبل وله خمس من الإِبل ومائتا درهم فإن كانت عليه سلماً أو دية ونحوها ممّا يقضى بالإِبل جعل الدَّين في مقابلتها ووجبت زكاة الدراهم.

وإن كان قد أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم.

وإن كانت قرضاً فإن كانت إذا جعلت في أحدهما فضلت فضلة تنقص النصاب الآخر دون العكس جعلت على العكس ، لأنّ له ما يقضي به الدّين ، فلو كان له خمس من الإِبل ومائتا درهم ، وعليه ستّ من الإِبل قيمتها مائتان جعل الدَّين في مقابلة الدراهم.

ولو كان عليه مائتان وخمسون درهماً ، وله خمس من الإِبل تساوي الدَّين جعل الدَّين في مقابلة الإِبل.

ولو كان عليه مائة درهم ، وله مائتان ، وتسع من الإِبل تساوي الأربعة الزائدة المائة وجبت الزكاة فيهما(٢) .

د - لو كان أحد المالين لا زكاة فيه كمن عليه مائتان وله مائتان وعروض للقُنية يساوي الدَّين جعل الدّين في مقابلة العروض ، وبه قال مالك وأبو‌

____________________

(١) راجع المغني ٢ : ٦٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٦.

٢٩

عبيد(١) .

وقال أصحاب الشافعي : إنّه مقتضى قوله ، لأنّه مالك للنصاب زيادة عن دَينه فوجبت عليه زكاتها ، كما لو كان جميع ماله جنساً واحداً(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجعل الدَّين في مقابلة ما يقضى منه فلا زكاة هنا ، لأنّ الدَّين يقضى من جنسه ، وهو قول الليث بن سعد وأحمد(٣) .

ه- لو كان الدّين لله تعالى كالكفّارة والنذر لم يمنع الزكاة عندنا.

وأمّا المانعون في الآدمي ، ففيه(٤) وجهان : المنع كدَين الآدمي ، لأنّه دَين يجب قضاؤه.

وقالعليه‌السلام : « دَين الله أحقّ أن يقضى »(٥) .

وعدمه ، لأنّ الزكاة آكد ، لتعلّقها بالعين(٦) .

ولو نذر أن يتصدّق بخمسة دراهم فحال الحول على مائتي درهم لم يتداخلا ، لاختلاف سببهما.

وعند بعض الجمهور يتداخلان إن نوى الزكاة ، لأنّها صدقة(٧) .

و - لو حجر الحاكم عليه قبل الحول ، ثم حال الحول على الحجر فلا زكاة ، لعدم تمكّنه من التصرّف.

ولو حجر بعد الحول ووجوب الزكاة لم يمنع من إخراجها ، لأنّه واجب عليه متعلّق بالعين.

وقال بعض الجمهور : يمنع ، لانقطاع تصرّفه في ماله. وقيل بالسقوط‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٧٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٠ ، المغني ٢ : ٦٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٧.

(٤) أي : فلهم في دين الله تعالى وجهان.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٤.

(٦ و ٧ ) المغني ٢ : ٦٣٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٨.

٣٠

إذا حجر قبل إمكان الأداء كالتلف(١) . وليس بجيد.

ولو أقرّ بها بعد الحجر لم يقبل في حقّ الغرماء فتصير في ذمّته لا في المال ، ويحتمل القبول.

ولو صدّقه الغرماء أو ثبت بالبينة أو بالإِقرار قبل الحجر وجب إخراجها من المال.

ولو أقرّ الغرماء بها أخرجوها ، ولم يقبل في حق المديون إلّا مع تصديقه.

ز - لو جنى عبد التجارة تعلّق أرشها برقبته ، ومنع وجوب الزكاة فيه إن نقص عن النصاب عند المانعين ، لأنّه دَين.

ح - لو مات بعد الحول وتعلّق الزكاة ، وعليه دَين مستوعب قُدّمت الزكاة ، لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدَّين بها فإنّه إنّما يتعلّق بعد الموت ، وهو أحد أقوال الشافعي.

والثاني : تقديم حقّ الآدمي ، لاحتياجه ، كما يقدّم قطع القصاص على السرقة. والثالث : التوزيع ، لتساويهما(٢) . والحقّ ما تقدّم.

نعم لو كان عوضها كفّارة أو غيرها من الحقوق التي لا تتعلّق بالعين فإنّ الحقّ التقسيط.

مسألة ١٨ : لو استقرض الفقير النصاب وتركه حولاً وجبت الزكاة عليه‌ ، لأنّه مالك للنصاب متمكّن منه فوجبت عليه زكاته ، ومن خالف في المديون خالف هنا.

ولو شرط الزكاة على المقرض ، قال الشيخ : كانت زكاته على مالكه عملاً بالشرط(٣) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٨ - ٤٥٩.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٥١١ ، مغني المحتاج ١ : ٤١١.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٣.

٣١

ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل استقرض مالاً ، وحال عليه الحول وهو عنده : «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض »(١) .

وفيه إشكال ، لأنّه حقّ عليه يفتقر إلى النية ، فلا يتعلّق بغيره بالشرط ، والحديث لا يدلّ على مطلوبه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا : الدَّين لا زكاة فيه فلا بحث ، وإن أوجبنا فيه الزكاة فلا زكاة هنا على المالك ، لأنّ زكاته على المقترض فلا تجب فيه اُخرى على غيره.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « زكاتها إن كانت موضوعةً عنده حولاً على المقترض » قلت : فليس على المـُقرض زكاتها؟ قال : « لا ، لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء لأنّه ليس في يده [ شي‌ء ](٢) لأنّ المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكّاه » قال ، قلت : أفيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال : « إنّه ماله ما دام في يده ، وليس [ ذلك المال ](٣) لأحد غيره - ثم قال - يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو؟ وعلى من؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن يلبس وينكح ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكّيه؟!(٤) بل يزكّيه فإنّه عليه »(٥) .

إذا عرفت هذا فإنّ القرض يجري في الحول بالقبض ، إذ قبضه شرط في الملك.

مسألة ١٩ : من ترك لأهله نفقةً بلغت النصاب فصاعدا‌ً ، وحال عليه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ - ٣٣ / ٨٣.

(٢) زيادة من المصدر.

(٣) زيادة من المصدر.

(٤) في التهذيب : « أن لا يزكّيه ».

(٥) التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، والكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ وفيه عن الإِمام الصادقعليه‌السلام

٣٢

الحول ، فإن كان حاضراً وجبت عليه الزكاة ، لأنّه مالك متمكّن لم يخرج عنه ملكه.

وإن كان غائباً فلا زكاة فيه ، أمّا على أهله ، فلعدم الملك في حقّهم ، وأمّا عليه ، فلأنّها في معرض الإِتلاف.

مسألة ٢٠ : عدم قرار الملك مقتضٍ لنقصه‌ ، فلو وهب نصاباً لم يجر في الحول إلّا بعد القبول والقبض ، لأنّ الملك إنّما يتمّ بهما ، فإن حال الحول على ملكه وجبت الزكاة.

وإن رجع الواهب قبل إمكان الأداء فلا زكاة على المتّهب ولا على الواهب وإن كان الرجوع بعد الحول.

ولو رجع الواهب قبل الأداء مع التمكّن منه قدّم حقّ الفقراء ، لتعلّقه بالعين حين الحول ، ولا يضمنه المتّهب كما لو تلف قبل رجوعه.

مسألة ٢١ : الموصى له إنّما يملك بأمرين : موت الموصي والقبول‌ ، فلو أوصى له بنصاب لم ينتقل إليه إلّا بهما ، فإذا مات الموصي وقَبِل ابتدأ الحول حينئذٍ ، لأنّه حين الملك ، وينبغي اشتراط القبض أو التمكّن منه.

وإن قلنا : القبول كاشف والملك يحصل بالوصيّة والموت فكذلك ، لقصور الملك قبله.

وأمّا الوارث فإنّما يملك بموت المورّث لا بصيرورة حياته غير مستقرة ، وإنّما يجري الحول من حين القبض أو تمكّنه منه ، فلو مات المورّث ولم تصل التركة إليه لم يعتدّ من الحول.

مسألة ٢٢ : لا تجري الغنيمة في الحول إلّا بعد القسمة‌ ، ولا يكفي عزل الإِمام بغير قبض الغانم ، فلو تأخّرت قسمة الغنيمة حولاً فلا زكاة ، لعدم استقرار الملك فإنّ للإِمام أن يقسّم بينهم قسمة بحكم فيعطي كلّ واحد من أيّ الأصناف شاء ، فلم يتمّ ملكه على شي‌ء معيّن ، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة.

٣٣

هذا إذا كانت من أجناس مختلفة ، ولو كانت الغنيمة من جنس واحد فالوجه ذلك أيضاً ، لأنّ ملكهم في غاية الضعف ، ولهذا يسقط بالإِعراض ، وهو أحد وجهي الشافعي(١) ، وعن أحمد : الوجوب ، للملك(٢) .

أما لو اختاروا التملّك ومضى حول من وقت التملّك ، فإن كانت من جنس واحد وجبت الزكاة إن بلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب.

وإن كانت من أجناس مختلفة فلا زكاة سواء كانت جميعها ممّا تجب فيه الزكاة أو لا.

مسألة ٢٣ : لو آجر داره أربع سنين بمائة معجّلة فقبضها وجب عند كلّ حول زكاة الجميع‌ وإن كان في معرض التشطير ، وبه قال مالك والشافعي - في أحد القولين - وأحمد(٣) ، لأنّه ملكه ملكاً تامّاً بالعقد ، ويجوز التصرّف فيه بجميع أنواعه ، ولو كان جاريةً جاز له وطؤها.

وقال أبو حنيفة والشافعي في الثاني : لا يلزمه أن يخرج عند تمام كلّ سنة إلّا زكاة القدر الذي استقرّ ملكه عليه ، لأنّه قبل الاستقرار في معرض السقوط بالانهدام وهو يورث ضعف الملك(٤) . وينتقض بالصداق.

قالوا : فيخرج في السنة الاُولى زكاة ربع المال وهي : خمسة أثمان دينار ، لاستقرار الملك على الربع ، وعند تمام الثانية يستقرّ ملكه في خمسين وقد ملكها منذ سنتين ، فعليه زكاة خمسين لسنتين : ديناران ونصف ، لكنّه يحطّ عنه ما أدّى في الاُولى يبقى دينار وسبعة أثمان دينار ، وعند تمام الثالثة‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، الوجيز ١ : ٦٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٢.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٣ ، الوجيز ١ : ٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٤ ، المغني ٢ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٦.

(٤) المجموع ٦ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٤ ، المغني ٢ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٦.

٣٤

يستقرّ ملكه على خمسة وسبعين وقد ملكها منذ ثلاث سنين ، فعليه زكاتها لثلاث سنين : خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار يحط ما أدّى في السنتين يبقى ثلاثة دنانير وثُمن ، وعند تمام الرابعة يستقرّ على الجميع وقد ملكه من أربع سنين فعليه زكاته لأربع [ سنين ](١) عشرة دنانير يحط عنه ما أدى ويخرج الباقي أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار(٢) .

تذنيب : لو كانت الاُجرة ديناً فهي كالدَّين إن أوجبنا الزكاة فيه وجبت هنا ، وإلّا فلا ، وبه قال أحمد(٣) .

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يزكّيها حتى يقبضها ويحول عليها الحول ، لأنّ الاُجرة إنّما تستحق بانقضاء مدّة الإِجارة لا بالعقد(٤) .

مسألة ٢٤ : لو اشترى نصاباً جرى في الحول حين العقد‌ ، لأنّه حين الملك ، ولهذا يملك المشتري النماء المنفصل ، وبه قال أحمد(٥) ، وعند الشيخ بانقضاء الخيار(٦) - وبه قال مالك وأحمد في رواية(٧) - وإلّا لم يعد بالفسخ ، والملازمة ممنوعة. وكذا لو شرطا خياراً زائداً جرى في الحول من حين العقد أيضاً ، وعند الشيخ من حين انقضاء الخيار(٨) .

وقال أبو حنيفة : إن كان الخيار للبائع لم ينتقل ، وإن كان للمشتري خرج عن البائع(٩) ولم يدخل في ملك المشتري(١٠) . وليس بجيّد ، لاستحالة‌

____________________

(١) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٥١٤.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٦.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٦ ، والمنتقى للباجي ٢ : ١١٤.

(٥) المغني ٢ : ٦٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٧.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٧ ، الخلاف ٢ : ١١٤ ، المسألة ١٣٥.

(٧) المغني ٢ : ٦٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٧.

(٨) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٧ ، الخلاف ٢ : ١١٤ ، المسألة ١٣٥.

(٩) أي : خرج عن ملك البائع.

(١٠) المغني ٢ : ٦٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٧.

٣٥

ملك بغير مالك.

وللشافعي ثلاثة أقوال : قولان كقولنا وقول الشيخ ، والثالث : أنّه مراعى ، فإن فسخاه ظهر عدم الانتقال ، وإن أمضياه ظهر الانتقال(١) .

فروع :

أ - لو كان الخيار أزيد من حول ففسخ البائع العقد بعد الحول فالزكاة على المشتري لتعلّقها بالعين ويسقط من الثمن ما قابل الفريضة سواء فسخ قبل تمكّنه من الأداء أو بعده.

ب - الحول ينقطع عن البائع بمجرّد العقد وإن كان الخيار له ، ولا فرق بين أن يقبض المشتري أو لا ، فلو تمّ الحول في مدّة الخيار المشروط ، أو تمّ وهما في المجلس فلا زكاة على البائع ، لانتقال ملكه عنه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : الزكاة على البائع بناء على عدم الانتقال(٢) .

ج - لو رُجّع المبيع إلى المالك أو ردّ عليه استأنف حولاً ، لأنّه ملك متجدّد حدث بعد زواله ، وكذا لو فسخ البيع في مدّة المجلس بخياره ، لأنّه لا يمنع نقل الملك.

د - لو حال الحول في مدّة الخيار فالزكاة على المشتري ، لأنّه مالكه ، وعلى قول الشيخ الزكاة على البائع.

فإن أخرجها من غيره فالبيع بحاله ، وإن أخرجها منه بطل البيع في المخرج دون الباقي ، لأنّ تفريق الصفقة لا يقتضي الفسخ.

وهل يثبت الخيار للمشتري؟ إشكال ينشأ من التفريق ، ومن تقدير وجوده عند العقد لعلم المشتري به.

وإن لم يخرجها حتى سلّمه إلى المشتري ، وانقضت مدّة الخيار لزم‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٧ ، المجموع ٥ : ٣٥١.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٤ ، و ٥١٧.

٣٦

البيع فيه ، وكان عليه الإِخراج من غيره ، كما لو باع ما وجبت الزكاة فيه.

مسألة ٢٥ : لو أصدقها نصابا ، فإن كان في الذمّة كان دينا‌ حكمه حكم الديون ، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده ، لأنّه دين في الذمّة ، ولا بين أن يكون حيواناً أو غيره.

وقال الشافعي : لا زكاة في الحيوان ، لأنّ من شرط وجوب الزكاة السوم للنماء وهو غير حاصل في الدَّين(١) .

فإن طلّقها قبل الدخول وأخذت نصفه ، فإن أوجبنا الزكاة في الدّين وجب فيما قبضته دون ما لم تقبضه ، لأنّه دَين لم يتعوّض عنه ، ولم تقبضه فأشبه ما تعذّر قبضه لفلس أو جحود.

وكذا لو فسخت النكاح قبل الدخول فسقط المهر كلّه فلا زكاة.

وكذا كلّ دَين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه ، أو يأس صاحبه من استيفائه ، لأنّ الزكاة مواساة فلا تلزم فيما لم يحصل.

فروع :

أ - لو كان الصداق عيناً ملكته بالعقد فتجب عليها الزكاة إذا حال عليه الحول سواء كان في يد الزوج الباذل أو في يدها وإن كان كلّه في معرض السقوط بالردّة ، والفسخ ، أو بعضه بالطلاق.

ب - لو كان الصداق نصاباً فحال عليه الحول ثم سقط نصفه وقبضت النصف فعليها زكاة المقبوض ، لأنّ الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعنى اختصّ به ، فاختصّ السقوط به.

ولو مضى عليه حول ثم قبضته كلّه زكّته لذلك الحول ، ولو مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكّته لما مضى كلّه ما لم ينقص عن النصاب ، لأنّه مال تستحقّ قبضه ، ويجبر المديون على أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع ،

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٠١ و ٥١٣.

٣٧

وبه قال أحمد والشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليها الزكاة ما لم تقبضه ، لأنّه بدل عمّا ليس بمال فلا تجب الزكاة فيه قبل قبضه كمال الكتابة(٢) .

ونمنع الأصل ، ويفرّق بعدم استحقاق قبضه فإنّ للمكاتب أن يمتنع من أدائه.

ج - لو قبضت صداقها قبل الدخول ومضى عليه حول ، فزكّته من العين ، ثمّ طلّقها الزوج رجع عليها بنصفه وكانت الزكاة من النصف الباقي فيرجع في عشرين جزءا من الغنم من تسعة وثلاثين جزءا ، وهو قول للشافعي وأحمد(٣) ، لقوله تعالى( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٤) ولأنّه يمكنه الرجوع في العين فلم يكن له العدول إلى القيمة.

وقال الشافعي في بعض أقواله : يرجع الزوج بنصف الموجود ونصف قيمة المخرج ، لأنّه لو تلف الكلّ رجع عليها بنصف قيمته فكذلك إذا تلف البعض(٥) .

والجواب : الفرق بأنّه مع تلف الكلّ لا يمكنه الرجوع في العين.

وله قول ثالث : التخيير بين نصف الموجود ونصف قيمة المفقود ، وبين نصف قيمة الكلّ(٦) ، لأنّه قد تبعّض عليه حقّه فلم يمكنه الرجوع إلى نصف العين فكان له العدول إلى القيمة.

والوجه عندي الرجوع في نصف الموجود ، والمطالبة بعوض الزكاة إمّا‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥١ ، المجموع ٦ : ٢٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٣.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المغني ٢ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥١ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٣.

(٣) المجموع ٦ : ٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٣ ، المغني ٢ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥١.

(٤) البقرة : ٢٣٧.

(٥) المجموع ٦ : ٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٣ ، المغني ٢ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥١.

(٦) المجموع ٦ : ٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٣‌

٣٨

مِثلاً أو قيمةً على التفصيل.

ولو زكّته من غير العين كان له الرجوع في نصف العين.

د - لو طلّقها بعد الحول وقبل الإِخراج ، قال الشيخ : فإن أخرجتها من عين المال أخذ الزوج نصف الباقي ، وإن أخرجتها من غيره فكذلك.

وإن لم تكن أخرجت لكن اقتسمت هي والزوج الصداق كان ما أخذه الزوج صحيحاً ، وعليها فيما أخذته حقّ الصدقة ، فإن هلك نصيبها وبقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج ، ويرجع الزوج عليها بقيمته ، لأنّ الزكاة تجب في العين دون الذمة(١) .

وهذا القول من الشيخ يشعر بأنّ لها أن تخرج من العين ، وبه قال الشافعي(٢) .

ومنع أحمد من ذلك ، لأنّ حقّ الزوج تعلّق به على وجه الشركة ، والزكاة لم تتعلّق به على وجه الشركة(٣) .

ه- للشافعي في جواز القسمة قبل أداء الزكاة على تقدير تعلّقها بالعين ، وجهان : المنع ، لأنّ المساكين شركاء معهما فلا تجوز القسمة دونهم ، والجواز ، لأنّ للمالك الدفع من أيّ الأموال شاء ، فحينئذٍ للساعي الأخذ من نصيب الزوجة كلّ الزكاة ، لأنّها وجبت عليها قبل ثبوت حقّ الزوج ، فإذا لم يجد لها مالا أخذ من نصيب الزوج ، لأنّ الزكاة وجبت بسببه.

فإذا أخذ الزكاة ففي بطلان القسمة وجهان : البطلان ، لتعيّن حقّ الفقراء في المال المقسوم ، وعدمه ، لأنّ تعيينه حصل بعد صحّة القسمة ، ويرجع الزوج عليها بقيمة الزكاة(٤) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٨.

(٢) الاُم ٢ : ٢٥ ، المجموع ٦ : ٣١.

(٣) المغني ٢ : ٦٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٢.

(٤) المجموع ٦ : ٣٠ و ٣١.

٣٩

و - لو كان الصداق ديناً فأبرأته منه بعد الحول فالزكاة عليها على تقدير وجوب الزكاة في الدَّين - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّها تصرّفت فيه فأشبه ما لو قبضته.

والثانية : الزكاة على الزوج ، لأنّه ملك ما ملك عليه فكأنّه لم يزل ملكه عنه(١) .

وهو غلط ، فإنّ الزوج لم يملك شيئاً ، بل سقط الدَّين عنه.

ويحتمل عدم الوجوب ، فإنّ المرأة لم تقبض ، فلم تلزمها زكاته ، كما لو سقط بغير إسقاطها.

وكذا البحث في كلّ دين أبرأه صاحبه منه بعد الحول.

ز - لو طلّقها بعد الحول قبل الدخول والتمكّن من الأداء وجبت الزكاة وإن استحقّ الزوج النصف قبل التمكّن من الأداء ، بخلاف التالف ، لأنّ العين هنا باقية وقد أخذت عوضها وهو البضع ، بخلاف التالف ، إذ لا عوض له.

ح - لو تلف النصف بتفريطها تعلّق حقّ الساعي بالعين ، وضمنت للزوج.

مسألة ٢٦ : اللقطة إنّما تملك بالتعريف حولاً‌ ، ونيّة التملّك على الأقوى ، فلا تجري في حول الزكاة حتى يمضي حول التعريف ، ثم ينوي التملّك فحينئذٍ يستقبل الحول ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند الشيخ تملك بمضيّ التعريف حولاً وإن لم ينو التملّك(٣) ، وهو ظاهر مذهب أحمد(٤) .

وإذا ملكها وجب عليه مثلها أو قيمتها إن لم تكن مثليّةً ، وبه قال‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٢.

(٢) المغني ٢ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣ ، وانظر : المجموع ١٥ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ٣٢٠.

(٤) المغني ٢ : ٦٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأشبههما : المنع ؛ لأنّ الأرض هنا تابعة ، والمتبوع منقول(١) .

وعندنا أنّ قبل القسمة تثبت الشفعة ، وإلّا فلا.

مسالة ٧٠٤ : لو باع شقصاً فيه زرع لا يجزّ مراراً وأدخله في البيع‌ ، أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن دون الزرع ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة ومالك(٣) ، وقد سبق(٤) .

وإن كان ممّا يجزّ مراراً ، فالجزّة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبَّرة ، والاُصول كالأشجار ، قاله الشافعي(٥) .

وعندنا أنّه لا يدخل في الشفعة أيضاً ولا في البيع على ما تقدّم(٦) .

أمّا ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب والرفوف والمسامير فالأقرب : أنّه يؤخذ بالشفعة تبعاً ، كالأبنية.

ولو باع شقصاً من طاحونة ، لم يدخل شي‌ء من الأحجار فيها على ما تقدّم(٧) .

وقال الشافعي : يؤخذ التحتاني(٨) إن قلنا بدخوله في البيع ، وفي الفوقاني وجهان(٩) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥.

(٤) في ص ١٩٧ - ١٩٨ ، المسألة ٧٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٦) في ص ٤٧ ، المسألة ٥٧٢.

(٧) في ص ٥٩ ، ضمن المسألة ٥٧٦ ، القسم الثالث.

(٨) أي : الحجر التحتاني.

(٩) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠١

مسالة ٧٠٥ : شرطنا في محلّ الشفعة من العقار كونه ثابتاً. واحترزنا بالثابت عمّا إذا كان بين اثنين غرفةٌ عالية أو حجرة معلّقة على سقف لأحدهما أو لغيرهما ، فإذا باع [ أحدهما ](١) نصيبه ، فلا شفعة لشريكه ؛ لأنّه لا أرض لها ولا ثبات فأشبهت المنقولات.

ولو كان السقف لهما وبِيع معها ، فالأقرب : أنّه لا شفعة لشريكه أيضاً ؛ لأنّ الأرض التي لهما لا ثبات لها ، وما لا ثبات له في نفسه لا يعدّ(٢) ثباتاً لما هو عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

والثاني : أنّ الشفعة تثبت ؛ للاشتراك بينهما أرضاً وجدراناً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما هو أرضهما لا ثبات له.

ولو كان السفل بين اثنين والعلوُّ لأحدهما فباع صاحب العلوِّ العلوَّ ونصيبَه من السفل ، كان للشفيع أخذ السفل لا غير ؛ لأنّ الشفعة لا تثبت في الأرض إلّا إذا كانت مشتركةً ، فكذلك ما فيها من الأبنية ، ولا شركة بينهما في العلوّ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّ الشريك يأخذ السفل ونصف العلوّ بالشفعة ، لأنّ الأرض مشتركة بينهما ، وما فيها تابع لها ، ألا ترى أنّه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق ، فكذلك في الشفعة(٦) . وليس بشي‌ء.

ولو كانت بينهما أرض مشتركة ، وفيها أشجار لأحدهما ، فباع صاحب الأشجارِ الأشجارَ ونصيبَه من الأرض ، ففيه الخلاف المذكور.

مسالة ٧٠٦ : يشترط كون المبيع مشتركاً بين اثنين لا أزيد‌ ، فلو تعدّد‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، والظاهر : « لا يفيد » بدل « لا يعدّ ».

(٦-٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠٢

الشركاء وزادوا على اثنين ، فلا شفعة عند أكثر علمائنا(١) ، خلافاً للعامّة.

لنا : الأصل عدم الشفعة ، أثبتناها في الاثنين ؛ دفعاً لضرورة الشركة ، وهذا المعنى منتفٍ في حقّ الزائد على الاثنين ، فيبقى على أصالة العدم.

وما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « أنّه قضى بالشفعة في كلّ مشترك(٢) لم يقسم رَبْع أو حائط لا يحلّ له أن يبيعه حتى يؤذنَ شريكه ، فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك ، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحقّ به »(٣) وهو يدلّ على الاقتصار على الواحد.

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن سنان - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما ، فإذا صاروا ثلاثةً ، فليس لواحدٍ منهم شفعة »(٤) .

وفي رواية يونس - السابقة(٥) - عن الصادقعليه‌السلام : « وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم ».

وقال بعض(٦) علمائنا - وهو قول الجمهور كافّة - : إنّها تثبت مع الكثرة ، لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن عليّ : قال : « الشفعة على عدد الرجال »(٧) .

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦١٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٢٤ ، وسلّار في المراسم : ١٨٣ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦١.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة ، وفي المصدر : « شركة » بدل « مشترك ».

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٣٤ ، سنن النسائي ٧ : ٣٢٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٢.

(٥) في ص ١٩٥ - ١٩٦.

(٦) الشيخ الصدوق في الفقيه ٣ : ٤٦ ، ذيل الحديث ١٦٢.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ - ١١٧ / ٤١٦.

٢٠٣

والطريق ضعيف لا يعوّل عليه.

إذا ثبت هذا ، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها على عدد الرؤوس(١) . وقال بعضهم : إنّها على عدد الأنصباء(٢) .

مسالة ٧٠٧ : شرطنا في المأخوذ أن كان ممّا يقبل القسمة‌ ، كالبساتين والدور المتّسعة وغيرها ؛ لأنّ ما لا يقبل القسمة - كالحمّام والدار الضيّقة والعضائد الضيّقة وما أشبه ذلك - لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا(٣) - وبه قال عثمان وربيعة والشافعي ومالك في إحدى الروايتين(٤) - لأنّ الشفعة تضرّ بالبائع ؛ لأنّه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة ، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع ، ولا يمكنه القسمة ، فيسقط حقّ الشفعة ، فلهذا لم تجب الشفعة.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ ، وسلاّر في المراسم : ١٨٣ ، والمحقّق الحلّي في المختصر النافع : ٢٥٧.

(٤) المغني ٥ : ٤٦٥ و ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨ و ٤٦٩ ، معالم السنن - للخطّابي - ٥ : ١٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ و ١٥٨ ، وفي الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ حكاية قول عثمان أيضاً.

٢٠٤

ولما رواه السكوني عن الصادق ٧ قال : « قال رسول الله ٦ : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق »(١) .

وقال بعض(٢) علمائنا : تثبت فيه الشفعة - وبه قال الثوري ومالك في الرواية الاُخرى ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وأبو العباس بن سريج من الشافعيّة ، ونقله قولاً آخَر للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء »(٤) .

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة ، والضرر في هذا النوع أكثر ، لأنّه يتأبّد ضرره.

والرواية مقطوعة السند.

وأصل اختلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على علّة ثبوت الشفعة في المنقسم(٥) إن قلنا : إنّها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبّد ويدوم ، كتضيّق المداخل ، والتأذّي بحرفة(٦) الشريك أو أخلاقه(٧) أو كثرة الداخلين عليه ، وما أشبه ذلك.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢٠.

(٢) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٢١٥ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٨٩.

(٣) المغني ٥ : ٤٦٥ - ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٩ ، معالم السنن - للخطّابي - ٥ : ١٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التقسيم » بدل « المنقسم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « بخراءة » بدل « بحرفة » ولها وجه ، وفي « س ، ي » بدلهما : « بجزية ». وهي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اختلافه » بدل « أخلاقه ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٠٥

وأصحّهما : أنّها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل مئونتها ، والحاجة إلى أفراد الحصّة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصّة صاحبه ، كالمِصْعَد والمبرز والبالوعة ونحوها ، وكلّ واحد من الضررين وإن كان حاصلاً قبل البيع لكن مَنْ رغب من الشريكين في البيع كان من حقّه أن يخلص الشريك ممّا هو فيه ببيعه منه ، فإذا لم يفعل ، سلّطه الشرع على أخذه. فإن قلنا بالأصحّ ، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم ؛ لأنّه يؤمن فيه من ضرر القسمة. وإن قلنا بالأوّل ، ثبتت الشفعة فيه(١) .

مسالة ٧٠٨ : المراد من المنقسم ما يتجزّأ ويكون كلّ واحد من جزءيه منتفعاً به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره ، ولا عبرة بإمكان الانتفاع به من وجوه اُخر ؛ للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.

وقيل : المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصاناً فاحشاً ، فلو كانت قيمة الدار مائةً ولو قُسّمت عادت قيمة كلّ نصف إلى ثلاثين ، لم تقسّم ، لما فيها من الضرر(٢) .

وقيل : إنّه الذي يبقى منتفعاً به بعد القسمة بوجه ما ، أمّا إذا خرج عن حدّ الانتفاع بالكلّيّة - أمّا لضيق الخطّة وقلّة النصيب ، أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها وحدها ، كشرب القنا(٣) ، ومصراعي الباب - فلا ينقسم(٤) .

مسالة ٧٠٩ : إذا كانت الطاحونة أو الحمّام كبيرين يمكن إفراد حصّة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٣) في « العزيز شرح الوجيز » بدل « كشرب القنا » : « كماء سراب القنا ». ولعلّها : « كأسراب القنا ». والسرب : القناة الجوفاء التي يدخل منها الماءُ الحائطَ. لسان العرب ١ : ٤٦٦ « سرب ».

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ - ١٥٨.

٢٠٦

كلٍّ منهما عن صاحبه من غير تضرّر ، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما ، أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلٌّ منهما بحجرين ، أو كان الطريق واسعاً لا تبطل منفعته بالقسمة ، أو كان الحمّام كثير البيوت يمكن جَعْله حمّامين ، أو متّسع البيوت يمكن جعل كلّ بيت بيتين ، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين لكلّ واحدة بياض يقف فيه المستقي ويُلقي فيه ما يخرج منها ، تثبت الشفعة في ذلك كلّه.

ولو كان بين اثنين دار ضيّقة لأحدهما عُشْرها ، فإن قلنا بثبوت الشفعة فيما لا يقسم ، فأيّهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. وإن حكمنا بمنعها ، فإن باع صاحب العُشْر نصيبه ، لم تثبت لصاحبه الشفعة ؛ لأنّه آمنٌ من أن يطلب مشتريه القسمة ؛ لانتفاء فائدته فيها ، ولو طلب لم يُجِبْ إليه ؛ لأنّه متعنّت مضيّع لماله ، وإذا كان كذلك ، فلا يلحقه ضرر القسمة.

فإن باع الآخَر ، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العُشْر وجهان بناءً على أنّ صاحب الأزيد هل يُجاب إذا طلب القسمة ؛ لأنّه منتفع بالقسمة؟ والظاهر عند الشافعي أنّه يجاب(١) . ونحن نقول بخلافه.

ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بأن تُجعل البئر لواحدٍ والبياض لآخَر ، أو كان موضع الحجر والرحى واحداً وله بيت ينتفع به وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحدٍ والبيت لآخَر ، تثبت الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - وهو مبنيّ على أنّه لا يشترط فيما يصير لكلّ واحدٍ منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة.

ولو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها وبئر يستقى منها باع أحدهما‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

٢٠٧

نصيبه منهما ، تثبت للآخَر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر ، أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم ، وإلّا ثبتت في المزرعة.

وهل تثبت في البئر؟ الأقوى : أنّها تثبت ؛ لأنّها تابعة ، كالأشجار ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وأصحّهما : المنع ، والفرق بين البئر والأشجار ظاهر ؛ فإنّ الأشجار ثابتة في محلّ الشفعة ، والبئر مباينة عنه(٢) .

والفرق لا يُخرج البئر عن التبعيّة ، ويُذكر غيره(٣) ، كالحائط.

البحث الثاني : في الآخذ.

مسالة ٧١٠ : أخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكاً في المشفوع‌ ، فلا تثبت الشفعة بالجوار ، وإنّما تثبت بالخلطة إمّا في الملك أو في طريقه أو نهره أو ساقيته ، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي(٤) .

ووافقنا الشافعي على أنّ الشفعة لا تثبت للجار - وبه قال عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيّب ويحيى ابن سعد الأنصاري ، ومن الفقهاء : ربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور(٥) - لما رواه العامّة عن النبيّ ٦ أنّه قال : « الشفعة فيما‌

____________________

(١و٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

(٣) أي : أنّ الذي يُذكر في البيع غير البئر.

(٤) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ - ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧.

(٥) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٦.

٢٠٨

لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصُرّفت(١) الطرق فلا شفعة »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلّا لشريك »(٤) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا رفّت الأرف(٥) وحدّت الحدود فلا شفعة »(٦) .

وقال أبو حنيفة والثوري وابن شبرمة وابن أبي ليلى : إنّ الشفعة تثبت بالشركة ثمّ بالشركة في الطريق ثمّ بالجوار(٧) .

وفصّل أبو حنيفة ، فقال : يقدّم الشريك ، فإن لم يكن شركة وكان الطريق مشتركاً كدربٍ لا ينفذ ، فإنّه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب ، ولو لم يأخذ هؤلاء ، تثبت للملاصق من درب آخَر خاصّةً ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الجار أحقّ بسَقَبه(٨) »(٩) وقالعليه‌السلام : « جار‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ضربت » بدل « صُرّفت ». وما أثبتناه من المصادر. اُنظر : الهامش التالي.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٥ / ٢٤٩٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، التهذيب ٧ : ١٦٣ / ٧٢٤.

(٤) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥.

(٥) الاُرفة : الحدّ ومعالم الحدود بين الأرضين. الصحاح ٤ : ١٣٣١ « أرف ».

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧.

(٧) حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٨) السَّقَب : القرب. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٣٧٧ « سقب ».

(٩) صحيح البخاري ٣ : ١١٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ / ٣٥١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٣ ، ذيل الحديث ١٣٧٠.

٢٠٩

الدار أحقّ بدار جاره أو الأرض »(١) (٢) .

والحديث ممنوع ، وقد طعن فيه جماعة ؛ لأنّ الحديث الأخير رواه الحسن(٣) [ عن ](٤) سمرة(٥) ، وقال أصحاب الحديث : لم يرو عنه إلّا حديثاً واحداً ، وهو حديث العقيقة(٦) (٧) . و « الجار » في الحديث الأوّل يُحمل على الشريك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا شفعة للجار ، سواء كان ملاصقاً أو مقابلاً.

وقال أبو حنيفة : للجار الملاصق الشفعة ، وللمقابل أيضاً إذا لم يكن الطريق بينهما نافذاً(٨) . وعن ابن سريج من الشافعيّة(٩) تخريج كمذهب أبي حنيفة.

مسالة ٧١١ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة بالجوار ولا فيما قُسّم ومُيّز إلّا أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدارَ مع الطريق ، والبستانَ مع الشرب أو النهر ؛ لما رواه منصور بن حازم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن دار فيها دُوْرٌ وطريقهم واحد‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ / ٣٥١٧.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٣٩ / ١٩٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٣) وهو : الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش ٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». وذلك تصحيف.

(٥) وهو : سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.

(٦) سنن الترمذي ٤ : ١٠١ / ١٥٢٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٣٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٤٢ - ٢٤٣ / ٦٨٢٧ - ٦٨٣٢ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٨ : ٤٨ / ٤٢٩٠ ، و ١٤ : ١٢٢ / ١٨١٥٦.

(٧) التمهيد ١ : ٣٧ ، الاستذكار ٥ : ١٩ / ٥٦٨٦ ، المغني ٥ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨.

(٨و٩) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩.

٢١٠

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : « إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير ذلك ، فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة »(١) .

وعن منصور بن حازم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ واحد منهم قطعة وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه ، وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به ، وإلّا فهو طريقه يجي‌ء يجلس على ذلك الباب »(٢) .

وعن منصور بن حازم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به ، وإن أراد يجي‌ء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه »(٣) .

مسالة ٧١٢ : الدار إمّا أن يكون بابها مفتوحاً إلى دربٍ نافذ‌ ، أو غير نافذ ، فإن كان الأوّل ولا شريك له في الدار ، فلا شفعة فيها لأحدٍ ولا في ممرّها ؛ لأنّ هذا الدرب غير مملوك. وإن كان الثاني ، فالدرب ملك مشترك بين سكّانه على السويّة. فإن باع نصيبه من الممرّ وحده ، فللشركاء الشفعة‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٧ - ١٦٨ / ٧٤٣.

٢١١

إن كان واحداً وأمكن قسمته ، وإلّا فلا.

وإن باع الدار بممرّها فللشريك في الممرّ الشفعةُ في الدار وطريقها.

وقال الشافعي : لا شفعة له في الدار ؛ لأنّه لا شركة [ له ](١) فيها ، فصار كما لو باع شقصاً من عقار مشترك وعقاراً غير مشترك(٢) .

وقال أبو حنيفة(٣) كقولنا من إثبات الشفعة.

وإن أرادوا أخذ الممرّ بالشفعة ، قال الشافعي : يُنظر إن كان للمشتري طريق آخَر إلى الدار أو أمكنه فتح بابٍ آخَر إلى شارع ، فلهُمْ ذلك على المشهور إن كان منقسماً ، وإلّا فعلى الخلاف في غير المنقسم.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان في اتّخاذ الممرّ الحادث عسر أو مئونة لها وَقْعٌ ، وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي(٤) .

وإن لم يكن له طريق آخر ولا أمكن اتّخاذه ، ففيه وجوه :

أحدها : أنّهم لا يمكّنون منه ، لما فيه من الإضرار بالمشتري ، والشفعة شرّعت لدفع الضرر ، فلا يزال الضرر بالضرر.

والثاني : أنّ لهم الأخذ ، والمشتري هو المضرّ بنفسه حيث اشترى مثل هذه الدار.

والثالث : أن يقال لهم : إن أخذتموه على أن تمكّنوا المشتري من المرور ، فلكم الأخذ ، وإلّا فلا شفعة لكم جمعاً بين الحقّين(٥) .

والأقرب عندي : أنّ الطريق إن كان ممّا يمكن قسمته والشريك واحد‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١٢

وبِيع مع الدار المختصّة بالبائع صفقةً ، فللشريك الآخَر أخذ الطريق خاصّةً إن شاء ، وإن شاء أخذ الجميع. وإن لم يمكن قسمته ، لم يكن له أخذه خاصّةً ، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك.

وإذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين ، فالشركة في صحنه كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. وكذا الشركة في مسيل ماء الأرض ، دون الأرض.

مسالة ٧١٣ : لا تثبت الشفعة في المقسوم والجوار بغير الشركة في الطريق والنهر والساقية ولا إذا بِيعت الدار منفردةً عن الطريق ، أمّا لو باعها مع الطريق ثمّ حوّل الباب ، ثبتت الشفعة.

ولو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق ، فلا شفعة ؛ عملاً بالأصل.

ولو كانت المزرعة مختصّةً وبئرها التي يسقى الزرع منها مشتركةً حتى بِيعت المزرعة والبئر ، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرّد الشركة في البئر إشكال ينشأ : من الاقتصار على مورد النصّ فيما يخالف الأصل ، ولا شكّ في مخالفة الشفعة للأصل. ومن أنّها مشتركة في مسقى.

والشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممرّ(١) .

مسالة ٧١٤ : يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري مسلما‌ ، وإلّا فلا تثبت الشفعة للذمّيّ على المسلم ، وتثبت للمسلم على الذمّي ، وللذمّي على مثله ، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا ولو كان أحدهما حربيّاً ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال الشعبي وأحمد والحسن بن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١٣

صالح بن حي(١) - لأنّه نوع سبيل ، وقال الله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢) .

ولما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا شفعة لذمّيٍّ على مسلم »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس لليهود والنصارى شفعة »(٤) .

ولأنّه تملّك بغير مملّك ، فأشبه الإحياء.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وأصحاب أبي حنيفة : تثبت للذّميّ الشفعةُ على المسلم ؛ لأنّ الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال ، فاستوى فيه المسلم والذمّي ، كالردّ بالعيب(٥) .

ويمنع كونها خياراً ، وإنّما هو تملّك قهريّ ، فلا يثبت للكافر ؛ للآية(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ - ٤٩١.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) لم نقف على نصّ الحديث في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا ، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى ٦ : ١٠٨ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا شفعة للنصراني ».

وفي ص ١٠٩ « ليس لليهودي والنصراني شفعة ». وقد أورد الحديث كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٤ ، المسألة ٣٨ من كتاب الشفعة.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ / ١٩٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٥٣ ، المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ - ٥٤٤.

(٦) النساء : ١٤١.

٢١٤

مسالة ٧١٥ : تثبت الشفعة للكافر على الكافر وإن اختلفا في الدين‌ ؛ لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلّط الكافر على المسلم ، وكالردّ بالعيب.

فإن كان الثمن حلالاً ، تثبت(١) الشفعة.

وإن كان خمراً أو خنزيراً ، فإن لم يتقابضاه وترافعا إلى الحاكم ، أبطل البيع ، وسقطت الشفعة.

وإن وقع بعد التقابض والأخذ بالشفعة ، لم يردّه ولا الشفعة ، وصحّ البيع والأخذ.

وإن كان بعد التقابض وقبل الأخذ بالشفعة ، لم يردّ البيع ؛ لأنّهما تقابضا الثمن ، ولم تثبت الشفعة - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ البيع وقع بثمن حرام ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كما لو كان ثمنه مغصوباً.

وقال أبو حنيفة : تجب الشفعة ، بناءً على أصله في أنّ الخمر مال لأهل الذمّة(٣) . وهو غلط.

ولو بِيع شقص فارتدّ الشريك ، فهو على شفعته إن كانت ردّته عن غير فطرة ، وكان المأخوذ منه كافراً. وإن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه مسلماً ، فلا شفعة.

قال الشافعي : إن قلنا : إنّ الردّة لا تزيل الملك ، فهو على شفعته. وإن قلنا : تزيله ، فلا شفعة له. فإن عاد إلى الإسلام وعاد ملكه ، ففي عود‌

____________________

(١) في « س » : « ثبتت ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ - ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٥

الشفعة خلاف ، والظاهر : المنع ، وإن قلنا بالوقف فمات أو قُتل على الردّة ، فللإمام أخذه لبيت المال ، كما لو اشترى معيباً أو شرط(١) الخيار وارتدّ ومات ، للإمام ردّه. ولو ارتدّ المشتري ، فالشفيع على شفعته(٢) .

تذنيب : ولو اشترى المرتدّ عن فطرة ، فلا شفعة ؛ لبطلان البيع ، وعن غير فطرة تثبت الشفعة.

مسالة ٧١٦ : هل تثبت الشفعة للوقوف على المساجد والربط والمدارس مثلاً؟ كدار(٣) يستحقّ رجل نصفها والنصف الآخَر ملك المسجد اشتراه متولّي المسجد له ، أو وُهب منه ليصرفه في عمارته ، فباع الرجل نصيبه ، ففي جواز أخذ المتولّي بالشفعة نظر.

قال الشافعي : له ذلك مع المصلحة ، كما لو كان لبيت المال شريك في دار فباع الشريك نصيبه ، للإمام الأخذ بالشفعة(٤) .

وعندي فيه نظر.

ولو كان نصف الدار وقفاً والآخَر طلقاً فباع صاحب الطلق نصيبه ، فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك وكان واحداً ، تثبت له الشفعة - على رأي - لرفع ضرر القسمة وضرر مداخلة الشريك. وإن قلنا بعدم ملك الموقوف عليه أو كان متعدّداً وقلنا : لا شفعة مع التعدّد ، فلا شفعة.

وقال الشافعي : إن قلنا : لا يملك الوقف ، فلا شفعة. وإن قلنا : يملك ، فيبني على أنّ الملك هل يفرز عن الوقف؟ إن قلنا : نعم ، ففي‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « بشرط ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة بدل « كدار » : « كذا و». وهو تصحيف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢١٦

ثبوت الشفعة وجهان :

أحدهما : تثبت لدفع ضرر القسمة ، وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معيّن ، أخذه المتولّي إن رأى المصلحة.

وأظهرهما : المنع ؛ لأنّ الوقف لا يستحقّ بالشفعة ، فينبغي أن لا تستحقّ به الشفعة ، ولنقص الملك فيه ، فإنّه لا ينفذ تصرّفه فيه ، فلا يتسلّط على الأخذ.

وإن قلنا : لا يفرز الملك عن الوقف ، فإن منعنا من شفعة ما لا ينقسم ، فلا شفعة. وإن أثبتناه ، فوجهان(١) .

مسالة ٧١٧ : لا يستحقّ الشريك بالمنفعة شفعةً‌ ، فلو كان الشريك لا ملك له في الرقبة بل كان يستحقّ المنافع إمّا موقّتة بالإجارة ، أو مؤبّدة بالوصيّة ، لم يكن له الأخذ بالشفعة.

وكذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.

وتثبت الشفعة للمكاتب وإن كان من سيّده ، فلو كان السيّد والمكاتب شريكين في الدار ، فلكلٍّ منهما الشفعة على الآخَر.

والمأذون له في التجارة إذا اشترى شقصاً ثمّ باع الشريك نصيبه ، كان له الأخذ بالشفعة ، إلّا أن يمنعه السيّد أو يعفو عن الشفعة ، وله العفو وإن كان مديوناً معسراً وكان في الأخذ غبطة ، كما أنّ له منعه من جميع الاعتياضات في المستقبل.

ولو أراد السيّد أخذه بنفسه ، كان له ذلك ؛ لأنّ أخذ العبد أخذ له في الحقيقة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٧

وللشفيع الأخذ بنفسه وبوكيله ، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ ، بل فيمن له الأخذ.

البحث الثالث : في المأخوذ منه.

مسالة ٧١٨ : إنّما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدّد ملكه بعد ملك الآخذ‌ ، فلو اشترى اثنان دفعةً واحدة ، لم يكن لأحدهما على الآخَر شفعة ؛ لعدم الأولويّة وعدم إمكان الشركة(١) .

وهل يشترط لزوم البيع؟ [ فيه ] نظر أقربه : عدم الاشتراط ، فلو باع الشقص بخيار لهما أو للبائع ، تثبت(٢) الشفعة ، ولا يسقط خيار البائع.

وقال الشافعي : يشترط اللزوم من طرف البائع ، فلا تثبت مع بقاء مدّة الخيار له.

أمّا على قول : إنّ الملك لا ينتقل إلى المشتري في مدّة الخيار : فظاهر.

وأمّا على قول الانتقال : فلأنّ في أخذه إبطالَ خيار البائع ، ولا سبيل للشفيع إلى الإضرار بالبائع وإبطال حقّه(٣) .

وعن بعض الشافعيّة احتمال ثبوت الشفعة(٤) .

وعلى ما قلناه لا يتأتّى المنع ؛ لأنّا لا نسقط حقّ البائع من الخيار ، بل يأخذ الشفيع على حدّ أخذ المشتري.

____________________

(١) أي : الشركة في الشفعة.

(٢) في « س » : « ثبتت ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠ - ١٦١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١.

٢١٨

وأمّا إن كان الخيار للمشتري وحده ، يبنى عندهم على الأقوال في انتقال الملك ، فإن قلنا : إنّ الملك لا ينتقل إلّا بانقطاع الخيار ، أو قلنا : هو مراعى ، تثبت الشفعة ؛ لعدم العلم بانتقال الملك إلى المشتري ، فيستحقّ فيه الشفعة عليه.

وإن قلنا : إنّه ينتقل بنفس العقد ، نقل المزني عن الشافعي أنّها تثبت - وهو مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة - لأنّه قد انتقل الملك إلى المشتري ، ولا حقّ فيه إلّا له ، والشفيع مسلّط عليه بعد لزوم الملك واستقراره ، فقبله أولى ، وإنّما ثبت له خيار الفسخ ، وذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة ، كما لو وجد به عيباً يثبت(١) له الخيار ، وكان للشفيع أخذه.

ونقل الربيع عن الشافعي أيضاً أنّه لا شفعة - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المشتري لم يرض بالتزام العقد ، وفي أخذ الشفيع الشقص التزام له وإيجاب للعهدة عليه ، فلم يكن له ذلك ، كما لو كان الخيار للبائع ، بخلاف الردّ بالعيب ؛ لأنّه إنّما يثبت(٢) له الردّ لأجل الظلامة ، وذلك يزول بأخذ الشفيع.

ونقل الجويني في المسألة طريقين :

إحداهما : ثبوت القولين هكذا ، لكن كلاهما مخرّج(٣) من أنّ المشتري إذا اطّلع على عيب بالشقص وأراد ردّه وأراد الشفيع أخذه بالشفعة ، فعلى قولٍ للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. وعلى قولٍ لا يمكّن منه.

____________________

(١) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٢) في « س » : « ثبت ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مخرّجان ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٩

والثاني : القطع بأنّه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد. والفرق بين الردّ بالعيب وبينه أنّ الأخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه(١) .

ونقل بعض الشافعيّة فيما إذا قلنا : إنّه بَعْدُ للبائع أو موقوف وجهاً أنّ للشفيع أخذ الشقص؛ لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته(٢) .

والأصحّ عندهم : المنع ؛ لأنّ ملك البائع غير زائل على تقدير أنّ الملك للبائع [ و ](٣) غير معلوم الزوال على تقدير الوقف. وعلى الأوّل إذا أخذه الشفيع تبيّنّا أنّ المشتري ملك قبل أخذه ، وانقطع الخيار(٤) .

مسالة ٧١٩ : لو باع أحد الشريكين حصّته بشرط الخيار ثمّ باع الثاني نصيبه بغير خيار في زمن خيار الأوّل وقلنا : إنّ الشفعة لا تثبت مع الخيار - كما هو مذهب الشافعي(٥) - فلا شفعة في المبيع أوّلا للبائع الثاني ، سواء علم به أو لا ، لزوال ملكه ، ولا للمشتري منه وإن تقدّم ملكه على ملك المشتري الأوّل إذا قلنا : إنّه لا يملك في زمن الخيار ؛ لأنّ سبب الشفعة البيع ، وهو سابق على ملكه.

وأمّا الشفعة في المبيع ثانياً فموقوفة إن توقّفنا في الملك على الإجازة أو الفسخ ، وللبائع الأوّل إن أبقينا الملك له ، وللمشتري منه إن أثبتنا الملك له.

ولو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة ، بطلت شفعته إن قلنا : إنّ خيار الفسخ يرفع العقد من أصله. وإن قلنا : يرفعه من حين وقوع الفسخ ، فهو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460