تذكرة الفقهاء الجزء ٥

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: 460

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191746 / تحميل: 6301
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٥-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فقام اسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ وقال : كذبت والله لنقتلنّه وأنفك راغم. فانك منافق تجادل عن المنافقين ، والله لو نعلم ما يهوى رسول الله من ذلك في رهطي الأدنين ما رام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانه حتى آتيك برأسه ، ولكني لا أدري ما يهوى رسول الله.

ثم تغالظوا ، وقام آل الخزرج من جانب ، وآل الأوس من جانب آخر ، وكادوا أن يشتبكوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فأشار رسول الله إلى الحيّين جميعا أن اسكتوا ، ونزل عن المنبر فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا ...

هذا القسم من القصة المذكورة في رواية البخاري غير صحيح ، ولا يتلاءم مع التاريخ الثابت الصحيح لأن « سعد بن معاذ » كان قد مات بعد إصدار حكمه في بني قريظة متأثرا بجرح أصابه في معركة « الاحزاب » ، وقد وقعت حادثة « الإفك » بعد واقعة بني قريظة ، وقد صرّح البخاري نفسه بهذا في صحيحه ( ج ٥ ص ١١٣ ) في باب « معركة الاحزاب وبني قريظة » ، فكيف يمكن والحال هذه أن يحضر مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجادل سعد بن عبادة في قصة الإفك التي وقعت بعد واقعة بني قريظة بعدة شهور؟!(١)

لقد ذهب المؤرخون الى أن معركة الخندق ثم واقعة بني قريظة وقعتا في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة ، فتكون النتيجة ان قضية بني قريظة انتهت في التاسع عشر من شهر ذي الحجة ، وقد توفي سعد بن معاذ في أعقاب هذه الحادثة مباشرة لمّا انفجر به جرحه(٢) في حين وقعت غزوة بني المصطلق في شهر شوال

__________________

القبيلتين منافسة قديمة ، وكان « عبد الله بن أبي » خزرجيا ، فاعتبر « سعد بن عبادة » كلام « سعد بن معاذ » تعريضا بالخزرج وحطا من شأنهم.

(١) نفس المصدر السابق ، والجدير بالذكر أن ابن هشام لم يذكر في سيرته « سعد بن معاذ » ، ولكنه روى جدال اسيد مع سعد بن عبادة راجع السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٠ ، وهكذا فعل ابن الاثير في الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٤ ، ولكن المغازي ذكر القصة كاملة ، واتى باسم سعد بن معاذ راجع : ج ٢ ص ٤٣١.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٥٠.

٣٢١

من السنة السادسة(١) .

أجل إنّ ما هو مهمّ في المقام هو أن نعرف أنّ حزب النفاق حاول أن يزلزل النفوس ، ويبلبلها ببهت امرأة صالحة ذات مكانة في المجتمع الاسلامي يومذاك.

وقد فسر قوله : « الّذي تولى كبره » أي الذي تحمل القسط الاكبر من هذه العملية الخبيثة بعبد الله بن ابي ، فهو الذي قاد هذه العملية الرخيصة والخطرة كما صرحت بذلك عائشة نفسها أيضا.

الرواية الاخرى في سبب النزول :

وتقول هذه الرواية أن الآيات الحاضرة نزلت في « مارية القبطيّة » زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووالدة إبراهيم.

فان هذه الرواية تقول : لما مات إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزن عليه حزنا شديدا ، فقالت عائشة : ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلاّ ابن جريح ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا صلوات الله عليه وأمره بقتله ، فذهب علي صلوات الله عليه ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ( أي بستان ) ، فضرب « علي » باب البستان ، فأقبل جريح له ليفتح الباب ، فلما رأى عليّا صلوات الله عليه ، عرف في وجهه الغضب ، فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان ، فوثب عليعليه‌السلام على الحائط ونزل إلى البستان ، وأتبعه ، وولّى جريح مدبرا ، فلما خشي أن يرهقه ( أي يدركه ) صعد في نخلة وصعد « علي » في أثره ، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته ، فاذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، فانصرف عليّعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٩٧ ، ولعلّه فطن ابن هشام لهذه الناحية فترك ذكر سعد بن معاذ ، بينما غفل عنها البخاري في صحيحه ، راجع شروح البخاري منها : فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : ج ٨ ص ٤٧١ و ٤٧٢ للوقوف على اضطراب الشرّاح في معالجة هذا التناقض.

٣٢٢

فقال له : يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمى في الوبر أم أتثبّت؟

قال : لا بل تثبت.

قال : والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال وما له ما للنساء.

فقال : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت.

وهذه الرواية التي نقلها « المحدث البحراني » في « تفسير البرهان » ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧ و « الحويزي » في تفسير « نور الثقلين » ج ٣ ص ٥٨١ ـ ٥٨٢ ضعيفة وغير مستقيمة من حيث المفاد ، وهو ضعف ظاهر لا يحتاج الى البيان ولذلك.

ومن هنا لا يمكن القبول بها في شأن نزول هذه الآيات.

فالمهم هو وقوع أصل هذه الحادثة ، كان من كان المتّهم في هذه الحادثة.

٣٢٣

٤٢

رحلة سياسيّة دينيّة

كانت السنة الهجرية السادسة بكل حوادثها المرة والحلوة تقترب من نهايتها عند ما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنه دخل البيت ( الكعبة ) وحلق رأسه ، وأخذ مفتاح البيت ، وعرّف مع المعرفين ، فقصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الرؤيا على أصحابه وتفاءل به خيرا(١) .

ولم يلبث أن أمر أصحابه بالتهيّؤ للعمرة ، ودعا القبائل المجاورة التي كانت لا تزال على شركها وكفرها الى مرافقة المسلمين في هذه السفرة ، ولهذا شاع في جميع أنحاء الجزيرة العربية أن المسلمين سيتجهون في شهر ذي القعدة صوب مكة يريدون العمرة.

ولقد كانت هذه السفرة الروحانية تنطوي ـ مضافا إلى العطاء الروحاني والمعنوي ـ على مصالح اجتماعية وأهداف سياسية ، فقد عززت مكانة المسلمين في شبه الجزيرة العربية ، وتسببت في انتشار دين التوحيد في أوساط المجتمع العربي آنذاك ، وذلك :

أولا : لأنّ القبائل العربية المشركة كانت تتصوّر أن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف كل عقائد العرب ، وتقاليدهم الشعبية ، والدينية حتى فريضة الحج ، والعمرة التي كانت تعد من ذكريات الاسلاف ومواريثهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ١٢٦.

٣٢٤

من هنا كانوا يخافون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوجسون خيفة من دينه ، وعقيدته ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استطاع في هذه المناسبة ـ باشتراكه ، واشتراك أصحابه في مراسيم العمرة أن يخفف هذا الخوف لدى القبائل المشركة إلى حدّ كبير ، وأن يوضح بعمله أنّ رسول الإسلام لا يعارض زيارة بيت الله الحرام ، والفريضة المذكورة التي تعد من طقوسهم الدينية ، وتقاليدهم المذهبية ، بل يعتبرها فريضة مقدسة ، فهو مثل والد العرب الاكبر « إسماعيل بن إبراهيم الخليل »عليهما‌السلام يعمل على المحافظة على هذه التقاليد الدينية ، وبهذا استطاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطب قلوب من كان يتوهم أن رسالة « محمّد » ودعوته ، ودينه يعارض جميع شئونهم وتقاليدهم وأعرافهم الدينية ، والشعبية ، ويخالفها مخالفة مطلقة ، ويقلّل من خوفهم ، واستيحاشهم.

ثانيا : إذا استطاع المسلمون أن يحرزوا في هذا السبيل نجاحا ، ويؤدوا مناسك العمرة في المسجد الحرام بحرية ، أمام أعين الآلاف من المشركين ، فان عملهم هذا بنفسه سيكون تبليغا ناجحا للإسلام ، لأن أخبار المسلمين ستنتشر بواسطة المشركين الذين قدموا مكة من جميع المناطق لاداء مناسك العمرة ، فسيحملون أنباء ما رأوه وشاهدوه من أفعال المسلمين الرشيدة ، وأخلاقهم الفاضلة ، إلى أوطانهم لدى عودتهم من مكة إلى بلادهم ، وبهذا ينتشر نداء الإسلام في تلكم المناطق التي لم يستطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يبعث إليها الدعاة والمبلغين حتى ذلك الحين ، ويترك هذا الأمر أثره المطلوب.

ثالثا : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكّر الناس في المدينة بحرمة الأشهر الحرم وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمر المسلمين بأن لا يحملوا معهم من الاسلحة شيئا إلاّ السيف الذي يحمله كل مسافر معه.

ولقد جلب هذا الامر عواطف كثير من الغرباء عن الإسلام نحو هذا الدين ، وغيّر من نظرتهم السلبية تجاه دعوة الإسلام ، لأنهم شاهدوا بام أعينهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرّم القتال في هذه الاشهر ، ويدافع بنفسه عن

٣٢٥

هذه السنّة الدينية القديمة ويدعو إلى رعايتها خلافا لكل الدعايات التي كانت تبثها قريش عن أن الاسلام لا يحترم هذه الأشهر ، ويجيز الاقتتال وسفك الدماء فيها.

لقد فكر القائد الاسلاميّ مع نفسه بانه لو أصاب المسلمون في هذا السبيل أيّ نجاح ، فانهم يكونون قد حققوا أملا قديما من آمالهم التي طالما تشوقوا إلى تحقيقها.

كما أنه سوف يستطيع المهاجرون الذي طال بعدهم عن وطنهم ، وأهليهم ، أن يزوروا ذويهم وأقربائهم. هذا إذا سمحت قريش لهم بدخول مكة.

وأمّا إذا منعتهم قريش عن الدّخول في الحرم فان مكانة قريش ستتعرض ـ حينئذ ـ لخطر السقوط في العالم العربي ، وسيلومهم العرب على ذلك ، لأن جميع ممثلي القبائل العربية المحايدة سترى كيف عاملت قريش جماعة مسالمة أرادت دخول مكة لأداء مراسيم العمرة ، وزيارة الكعبة المعظمة ، ولا تحمل معها أيّ سلاح إلاّ ما يحمله المسافر في سفره عادة ، في حين يرتبط المسجد الحرام بالعرب كافة ، وانما تقوم قريش بمجرّد سدانته ، وادارة شئونه.

وهنا تتجلى حقانية المسلمين بشكل واضح ، ويتضح عدوان قريش وينكشف للجميع بطلان مواقفها ، فلا تستطيع قريش بعد ذلك أن تواصل تأليبها للقبائل العربية ضدّ الإسلام ، وعقد تحالفات عسكرية واتحاد نظاميّ مع قواها المحاربة المسلمين لانها قد منعت الزوّار المسلمين أمام أعين الآلاف من الحجيج والزائرين من حقهم المشروع.

لقد لا حظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ هذه الجوانب وغيرها فامر المسلمين بالتوجّه نحو مكة ، وأحرم الف واربعمائه(١) أو الف وستمائة(٢) أو الف وثمانمائة(٣) في « ذي الحليفة » وقلّد سبعين بدنة ( بعيرا ) وبهذا أعلن عن هدفه من تلك الرحلة.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢٨٨.

(٣) روضة الكافي : ص ٣٢٢.

٣٢٦

ولقد أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينا له ليخبره عن قريش إذا وجدهم في أثناء الطريق.

ولما كان رسول الله بعسفان ( وهي منطقة بين الجحفة ومكة ) أتاه رجل خزاعيّ كان يتقصى الاخبار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فعاهدوا الله أن لا تدخلها أبدا وهذا « خالد بن الوليد » في خيلهم ( وكانوا مائتين ) قد قدّموها الى كراع الغميم. ( وهي موضع بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ).

فلما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعزم قريش على منعه ومنع اصحابه من العمرة قال :

« يا ويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب ، فان هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظنّ قريش ، فو الله لا أزال اجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله به ، أو تنفرد هذه السالفة(١) ( أي أقتل أو أموت ).

ثم طلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدلّه على طريق آخر غير الطريق الذي هم بها لكي يتجنب مواجهة طليعة قريش بقيادة « خالد بن الوليد ».

فتعهّد رجل من بني أسلم بذلك فسلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه طريقا وعرا كثيرة الحجارة بين شعاب حتى انتهوا إلى منطقة سهلة تدعى بالحديبية ، فبركت هناك ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل بمكة »(٢) .

ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن ينزلوا في ذلك المكان فنزلوا.

__________________

(١) السالفة : صفحة العنق ، وكنى بهذه الجملة عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها الاّ بالموت.

(٢) بحار الانوار : ج ٢٠ ص ٣٢٩ وغيره. وقد أشار بهذا الكلام إلى واقعة الفيل.

٣٢٧

ولما علمت طليعة قريش بمسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لحقت به ، حتى اقتربت منه وحاصرت موكبه ورجاله فكان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا أراد أن يواصل سيره باتجاه مكة ان يخترق صفوف رجال قريش ، فيسفك دماءهم ، ويعبر على أجسادهم ، وحينئذ كان الجميع يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهدف العمرة والزيارة بل يريد الحرب والقتال ، فكان مثل هذا العمل يسيء إلى سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويضر بهدفه السلميّ.

ثم إن قتل هؤلاء النفر من طليعة قريش لا يزيل جميع الموانع من طريقه ، لأن قريشا كانت تبعث بإمدادات مستمرة ، ولم يكن لينته إلى هذا الحدّ.

هذا مضافا إلى أن المسلمين ما كانوا يحملون معهم حينذاك ـ إلاّ ما يحمله المسافر العاديّ من السلاح ، ومع هذه الحال لم يكن القتال أمرا صحيحا ، وحكيما بل كان يجب ان تحلّ المشكلة عن طريق التفاوض.

ولهذا عند ما نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة قال :

« لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها »(١) .

ولقد بلغ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مسامع الناس ، وكان من الطبيعي أن يسمع به العدو أيضا ، ولهذا بعثوا برجال من شخصيّاتهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على هدفه الاصلي من هذا السفر.

مندوبو قريش عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بعثت قريش بعدة مندوبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على مقصده وهدفه في هذا السفر.

وكان أول أولئك المبعوثين هو : « بديل بن ورقاء الخزاعي » الذي أتى

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٣٢٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجال من خزاعة فكلّموه نيابة عن قريش وسألوه : ما الذي جاء به؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّا لم نجيء لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ».

فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يات لقتال وإنما جاء معتمرا زائرا لبيت الله ، ولكن قريشا لم يصدقوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنّا العرب.

ثم بعثوا « مكرز بن حفص » فسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعه سابقه ، فعاد وصدّق ما أخبر بديل قريشا به ، ولكن قريشا لم تصدق مكرزا أيضا كما لم تصدّق سابقه.

فبعثت في المرة الثالثة الحليس بن علقمة(١) وكبير رماة العرب ، لحسم الموقف ، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقبلا قال :

« إن هذا من قوم يتألّهون ( أي يعظمون أمر الله ) فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ».

فلما رأى الحليس ، الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محلّه ، رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال لهم : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا الّذي عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له وقد ساق الهدي معكوفا إلى محلّه؟! ، والذي نفس الحليس بيده لتخلّنّ بين محمّد وما جاء له ، أو لأنفّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، وهكذا امتنع الحليس من مواجهة رسول الله بالقوة واستخدام العنف معه لصده ، وقد لاحظ بأم عينيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين لا يريدون إلاّ العمرة والزيارة لا القتال

__________________

(١) لقد جاء الحليس إلى النبي بعد عروة الثقفي حسب رواية الطبري في تاريخه : ج ٢ ص ٢٧٦.

٣٢٩

والحرب ، بل عاد يهدد قريشا اذا هي أرادت صدّه عن ذلك.

فشق هذا الكلام وهذا التهديد على قريش وخافوا من مخالفته ، فقالوا : مه ، كفّ عنا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثمّ بعثوا أخيرا « عروة بن مسعود الثقفي » وكان رجلا لبيبا تطمئن قريش إلى درايته وحكمته وخيره وكان لا يحبّ أن يمثّل قريشا في هذه المفاوضات لما رآه من معاملتهم مع الممثلين السابقين ، ولكن قريشا تعهدت له بان تقبل بما تقول ، وأعلنت له عن ثقتها الكاملة به ، وبما سيخبر به ، وبأنه غير متّهم عندهم.

فخرج من عندهم حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمّد جمعت أو شاب الناس ( أي أخلاطهم ) ثم جئت بهم إلى أهلك وقبيلتك ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ، ( أو قال : أن يفرّوا عنك ويدعوك ).

وعند ما بلغ ابن مسعود في كلامه إلى هذا قال له أبو بكر وكان جالسا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنحن ننكشف عنه ، وندعه؟

لقد كان « عروة » كأيّ دبلوماسيّ ماكر ، يحاول إضعاف معنويات أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامه ، وروغانه.

وأخيرا انتهت المباحثات دون جدوى. وهنا جعل « عروة » يتناول لحية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ازدراء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمغيرة بن شعبة ـ وكان واقفا على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقرع يده إذا تناول لحية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن لا تصل إليك.

فسأل عروة : يا محمّد من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ( ويبدو أن جميع من كان حول النبي آنذاك أو بعضهم كانوا مقنعين رعاية للظروف الأمنية ).

٣٣٠

فغضب عروة وقال : « أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلاّ بالأمس » وكان المغيرة قد قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فودى عروة المقتولين وأصلح الأمر.

فقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام على عروة وقال له مثل ما قال لبديل ورفيقيه ، وأنه لم يات يريد حربا ، بل جاء يريد العمرة ، ولاجل أن يرى عروة مكانته بين أصحابه وأتباعه ، قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضأ أمامه ، فرأى عروة بام عينيه كيف أنه لا يتوضّأ إلاّ وتسابق أصحابه على التقاط القطرات المتناثرة من وضوئه ، فرجع إلى قريش وقال لهم : يا معشر قريش إنّي قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشيّ في ملكه ، وإنّي والله ما رأيت ملكا في قوم قطّ مثل محمّد في أصحابه ، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(١) .

رسول الله يبعث مندوبا الى قريش :

لم تثمر الاتصالات التي جرت بين مبعوثي قريش ، وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان من الطبيعي أن يتصور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ مبعوثي قريش لم يستطيعوا نقل هدفه إلى قريش ، وإسماعهم الحقيقة ، وأن اتهامهم لهم بالجبن والكذب منعهم من قبول ما قد أخبروا به ، ولهذا قرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبعث هو مندوبا عنه إلى رءوس الشرك ليوضّح لهم هدف رسول الاسلام من هذا السفر ، وأنه ليس إلاّ زيارة بيت الله وأداء مناسك العمرة لا غير.

فاختار رجلا لبيبا حازما من بني خزاعة يدعى « خراش بن اميّة » فبعثه إلى قريش بمكّة وحمله على بعير يقال له « الثعلب ». ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له من

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٥٩٨ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٨٧.

٣٣١

الزيارة والعمرة ، فدخل مكة ، وبلّغ سادة قريش رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن قريشا ـ خلافا لكل الأعراف الدولية والاجتماعية قديما وحديثا. والقاضية بحصانة السفراء وضرورة احترام كل مما يمت إليهم بصلة من ممتلكاتهم عمدت الى جمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي امتطاه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فعقروه عدوانا ، وكادوا أن يقتلوا سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ولكن وساطة جماعة من قادة العرب ادت إلى أن تخلّي قريش سبيله حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إن هذا العمل الدنيء أثبت ـ بوضوح ـ أن قريشا لم تكن تريد السلام بل كانت دائما في صدد اشعال قتيل الحرب.

ولم تلبث قريش أن كلّفت خمسين رجلا من فتيانها بالطواف بعسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغية أخذ شيء من أمواله ، أو أسر بعض أصحابه لو أتيح لهم ذلك ، ارعابا للمسلمين وتخويفا لهم. ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا ، فان هؤلاء لم يصيبوا شيئا بل أسرهم المسلمون جميعا وأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم مع أنهم كانوا قد رموا في عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجارة والنبل.

وبهذا ثبت رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة اخرى أنه يحب السلام ويسعى إليه ، وانه جاء معتمرا لا معتديا ولا محاربا(١) .

النبي يبعث سفيرا آخر الى قريش :

رغم كل هذه الامور ورغم كلّ التصلّب والتعصّب الذي أبدته القيادة القرشية المشركة ضدّ الاسلام والمسلمين وضد محاولات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلميّة لم ييأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تحقيق السلام

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٨.

٣٣٢

فقد كان يريد ـ واقعا ـ أن يعالج المشكلة من طريق المفاوضات ، ومن طريق تغيير التصورات التي كان يحملها اشراف قريش وسادتها المتعنتين المتصلبين عن رسول الله ودعوته.

ومن هنا كان يجب هذه المرّة أن يختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا لم تخض يده في دماء قريش ، ولهذا لم يصلح « علي بن أبي طالب » ولا « الزبير » ولا غير هم من فرسان الاسلام وشجعانه الذين جالدوا صناديد قريش في ميادين القتال وأردوا فريقا منهم صرعى ، لمثل هذه السفارة ، وهذه المهمة.

ولهذا تقرر ـ بعد التأمل. انتداب « عمر بن الخطاب » لهذه المهمة ، أي الذهاب الى مكة ، والتحدث الى سادة قريش ، ورؤسائها ، لأنه لم يكن قد أراق من المشركين حتى ذلك اليوم ولا قطرة دم ، ولكن « عمر » اعتذر عن تحمل هذه المسئولية ، والقيام بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر قائلا : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ ( وهم عشيرته ) من يمنعني ، ولكني ادلّك على رجل أعزّ بها مني ، « عثمان بن عفان ». ( لكونه أمويا بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش قرابة )(١) .

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عثمان بن عفان » فبعثه إلى « أبي سفيان » وأشراف قريش ، ليخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه انما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته.

فخرج عثمان الى مكة ، فلقيه « أبان بن سعيد بن العاص » حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطلق « عثمان » حتى أتى أبا سفيان وأشراف قريش فبلغهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ،

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣١٥.

٣٣٣

فامتنع عثمان عن الطواف احتراما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إن قريشا احتبست عثمان عندها ، ولعلّهم فعلوا ذلك ريثما يتوصلوا إلى حلّ ثم يطلقوه ليبلّغ الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيهم.

بيعة الرضوان :

إلاّ أن إبطاء مبعوث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العودة من مكة أوجد قلقا شديدا في نفوس المسلمين ، خاصّة وأنه شاع أن عثمان قد قتل ، فثارت ثائرة المسلمين ، واستعدّوا للانتقام من قريش وعمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إلى مخاطبتهم قائلا :

« لا نبرح حتى نناجز القوم ».

وذلك تقوية لارادة المسلمين ، وتحريكا لمشاعرهم الطاهرة.

وفي هذه اللحظات الخطيرة ، وفي ما كان الخطر على الابواب ، وبينما لم يكن المسلمون متهيئين للقتال قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجدّد بيعته مع المسلمين.

فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة ، وأخذ أصحابه يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحدا واحدا ، ويحلفون له أن لا يتخلوا عنه أبدا ، وأن يدافعوا عن حياض الإسلام حتى النفس الأخير ، وقد سمّيت هذه البيعة ببيعة « الرضوان » التي جاء ذكرها في قوله تعالى :

«لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً »(١) .

فاتضح موقف المسلمين بعد هذه البيعة ، فإمّا أن تسمح لهم قريش بدخول مكة لزيارة بيت الله المعظّم ، وإمّا أن تتصلّب في موقفها الرافض فيكون بينهم

__________________

(١) الفتح : ١٨.

٣٣٤

القتال والحرب(١) .

وبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الحال اذ طلع عليهم « عثمان بن عفان » ، وكان ذلك بنفسه طليعة سلام كان يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأخبر عثمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يمنع قريشا من السماح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول مكة هو اليمين التي الزموا بها انفسهم أن لا يدعوه يدخل مكة هذا العام وانهم سيبعثون إليه من يتفاوض معه بهذا الشأن.

سهيل بن عمرو يفاوض رسول الله :

بعثت قريش ـ في المرة الخامسة ـ « سهيل بن عمرو » الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كلّفته بانهاء المشكلة ضمن شروط خاصّة سنقرؤها في ما يأتي.

فأقبل « سهيل بن عمرو » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.

فلما انتهى « سهيل » إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلّم في المسألة كما يتكلّم أي دبلوماسيّ بارع ، فقال وهو يحاول إثارة عواطف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاسيسه :

يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك إنك قد غزوتنا ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطّف ، وإنا لنذكّرك الحرم ، فان مكة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فما تريد »؟

__________________

(١) ولقد كان لهذه البيعة في نفسها أثرا سياسيا مهما في نفس العدو ، يقول الواقدي : فلما رأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم وأسرعوا إلى القضية ( ج ٢ ص ٦٠٤ ). وراجع امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٩١ أيضا.

٣٣٥

قال : اريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اخلّيها لك في قابل(١) فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ، ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب ، السيف في القراب.

فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقد مثل هذا الصلح.

وهكذا أدّت مفاوضات « سهيل » مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عقد صلح شامل وواسع بين قريش وبين المسلمين.

ولقد تشدد « سهيل » في شروط هذا الصلح كثيرا ، حتى كاد أن ينتهي هذا التشدّد إلى قطع المفاوضات أحيانا ، ولكن حيث إن الطرفين كانا يرغبان في الصلح والموادعة ، لهذا كانا يستأنفان التحاور والتفاوض مرة اخرى ، بعد كلّ أزمة تطرأ على المباحثات.

وأخيرا انتهت مفاوضات الجانبين ـ رغم كل ما أبداه مندوب قريش من التصلّب ـ الى عقد وثيقة موادعة وهدنة نظّمت في نسختين ووقع عليها الجانبان.

ويروي كافّة المؤرخين وأرباب السير أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استدعى عليّاعليه‌السلام ، وامره أن يكتب تلك الوثيقة قائلا له : اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم » فكتب « عليّ » ذلك فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب : باسمك اللهم!!

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب : باسمك اللهم وامح ما كتبت.

ففعل « علي » ذلك.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكتب « هذا ما صالح عليه رسول الله سهيل بن عمرو ».

فقال سهيل ، لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة فامح هذا الاسم واكتب : محمّد بن عبد الله ( أو قال : لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك.

__________________

(١) أي افرغ لك مكة في العام القادم لتدخلها.

٣٣٦

ولكن أكتب اسمك واسم ابيك ).

ولم يرض بعض من حضر من المسلمين في هذه النقطة بأن يرضخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمطالب « سهيل » الى هذه الدرجة ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يلاحظ مصالح عليا غفل عنها ذلك البعض كما سنذكرها فيما بعد رضي بمطلب « سهيل » ، وقال لعليّعليه‌السلام : امحها يا عليّ.

فقال عليّعليه‌السلام بأدب بالغ : يا رسول الله إن يديّ لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضع يدي عليها ، فمحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده كلمة : رسول الله نزولا عند رغبة « سهيل » مفاوض قريش(١) .

ان التسامح الذي أبداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تنظيم وثيقة الصلح هذه لا يعرف له نظير في تاريخ العالم كله ، لأنه اظهر بجلاء أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقع فريسة بيد الاهواء والاغراض الشخصية والعواطف والاحاسيس العابرة ، وكان يعلم أن الحقائق لا تتبدّل ولا تتغيّر بالكتابة والمحو ، من هنا تسامح مع مفاوض قريش « سهيل » الذي تصلّب في مطاليبه غير المشروعة كثيرا ، حفاظا على أصل الصلح. وحرصا على السلام.

التاريخ يعيد نفسه :

ولقد ابتلي عليعليه‌السلام تلميذ النبي الأول بمثل هذه التجربة المرّة بعد

__________________

(١) الارشاد : ص ٦٠ ، اعلام الورى : ١٠٦ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٦٨ وقد اخطأ الطبري في هذا المقام اذ قال : في احدى رواياته لهذه الحادثة : قال لعلىعليه‌السلام : امح « رسول الله » ، قال : لا والله لا أمحاك أبدا فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس يحسن يكتب فكتب مكان « رسول الله » : محمّد.

وهكذا نسب الكتابة إلى شخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نعلم انه أمي لا يحسن الكتابة ، وقد حققنا هذه المسألة في المجلد الثالث من موسوعة مفاهيم القرآن ٣١٩ ـ ٣٧٤.

٣٣٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيوم امتنع عليعليه‌السلام عن محو كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا عليّ إنّك أبيت أن تمحو اسمي من النبوّة فو الّذي بعثني بالحق نبيّا لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد »(١)

ولقد بقيت هذه القضية في ذاكرة عليّعليه‌السلام ، حتى إذا كان يوم « صفين » وخدع أصحاب الامام عليّعليه‌السلام بالاسلوب الماكر الذي اتبعه جيش الشّام الذي قاتل عليّاعليه‌السلام بقيادة معاوية بن أبي سفيان ومساعدة عمرو بن العاص ، وأجبروا الامامعليه‌السلام على عقد الصلح مع معاوية فشكّل الجانبان لجنة لتنظيم وثيقة ذلك الصلح ، كلّف « عبيد الله بن رافع » كاتب الامام من جانب الامام عليّعليه‌السلام بأن يكتب وثيقة الصلح ، فكتب :

« هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي » قال عمرو بن العاص ممثل معاوية في تلك المفاوضات : لو علمنا أنك أمير المؤمنين لم ننازعك!!

وهكذا طالب عمرو بن العاص بحذف عبارة أمير المؤمنين.

وطال الكلام والتشاجر في هذا الموضوع ، ولم يكن الامام علي يريد ان يعطي حجة للبسطاء من أصحابه ، ولهذا لم يرضخ لهذا المطلب ، ولكنه بعد إلحاح من أحد قادة جيشه سمح بأن يمحى لقب « أمير المؤمنين » من اسمه ثم قال : « الله اكبر سنة بسنة ».

وهو بذلك يشير إلى حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم الحديبية(٢) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٨ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٣.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٣ ص ١٦٢ ، راجع المصدر لتقف على القصة بكاملها ولتقف على ما دار بين الامام وابن العاص.

٣٣٨

نصّ صلح الحديبية :

وأخيرا عقدت اتّفاقية صلح وهدنة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تضمنت المواد والشروط التالية :

١ ـ تعهّد المسلمون ، وقريش بترك الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض.

٢ ـ من أتى محمّدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم ، ومن جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه.

٣ ـ من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده ( أي يتحالف معه ) دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

٤ ـ انّ محمّدا يرجع بأصحابه إلى المدينة عامه هذا ولا يدخل مكة ، وانما يدخل مكة في العام القابل في أصحابه فيقيم فيها ثلاثة أيام ، لا يدخل فيها بسلاح إلاّ سلاح المسافر ، السيوف في القرب(١) .

٥ ـ أن لا يستكره أحد على ترك دينه ويعبد المسلمون الله بمكة علانية وبحرية ، وان يكون الاسلام ظاهرا بمكة وان لا يؤذي أحد ولا يعيّر(٢) .

٦ ـ لا إسلال ( سرقة ) ولا إغلال ( خيانة ) بل يحترم الطرفان أموال الطرف الآخر ، فلا يخونه ولا يسرق منه(٣) .

٧ ـ أن لا تعين قريش على محمّد وأصحابه أحدا بنفس ولا سلاح(٤) .

هذا هو نص وثيقة « صلح الحديبية » ، وقد جمعنا بنوده من المصادر المتنوعة

__________________

(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ص ١١٧ أو : « من قدم مكة من أصحاب محمّد حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام فهو آمن على دمه وماله ».

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

٣٣٩

التي أشرنا الى بعضها في الهامش ، وقد كتبت هذه الوثيقة في نسختين ، ثم وقع عليها جماعة من شخصيات قريش ، والمسلمين وشهدوا عليها واعطيت نسخة الى « سهيل بن عمرو » ممثل قريش ، وتركت نسخة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نشيد الحرية :

لقد كان كل عاقل لبيب يحسن تقدير الامور يسمع نشيد الحريّة من ثنايا هذا الصلح التاريخيّ ، ومع أن كل بنود هذه المعاهدة جديرة بالاهتمام والاكبار ، إلاّ أن النقطة التي تستحق الاهتمام والتقدير أكثر من سواها هي المادّة الثانية في هذا الصلح ، وهي المادّة التي أزعجت بعض الصحابة يوم انعقاد تلك المعاهدة.

فقد انزعج صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا التمييز الصارخ ، وقالوا حول قرار القيادة الحكمية المتمثلة في قائد محنّك كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينبغي أن لا يقولوه ، في حين تعتبر هذه المادة من أعظم بنود الوثيقة إذ تعكس نظرة رسول الاسلام ، وتفكيره حول كيفيّة تبليغ الاسلام ، وإشاعته ونشره ، فانه يظهر منها ـ وبجلاء ـ مدى احترام رسول الاسلام لمبدإ الحرية.

ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معرض الاجابة على من اعترض من صحابته على البند القاضي بتسليم كل مسلم فرّ من قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين إلى قريش ، دون العكس قائلا :

« من جاءهم منّا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا ».

وأراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يهرب من جماعة المسلمين ويلجأ إلى المشركين فلا قيمة لإيمانه وإسلامه ، إذ أن ذلك يدل على أنه لم يؤمن بهذه الدين حق الإيمان فلا داعي لأن يعاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

غلب عليهم الإِمام ، أدّوا لما مضى - وبه قال مالك وأحمد والشافعي(١) - لأنّ الزكاة من أركان الإِسلام ، فلم تسقط عمّن هو في غير قبضة الإِمام ، كالصلاة والصوم.

وقال أصحاب الرأي : لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين معا(٢) .

ولو ( أسر )(٣) المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يحل بينه وبين ماله ، فإن حيل بينهما قبل التمكّن من الأداء ، سقطت.

وقال أحمد : لا تسقط وإن حيل بينهما ؛ لأنّ تصرّفه في ماله نافذ يصحّ بيعه وهبته وتوكيله فيه(٤) . وقد سلف(٥) بيان اشتراط تمامية التصرف.

مسألة ٢٧٢ : لو دفع المالك الى غيره الصدقة ليفرّقها ، وكان مستحقّاً لها‌ ، فإن عيّن المالك له ، لم يجز التعدّي إجماعاً ، فإنّ للمالك الخيرة في التعيين دون غيره.

وإن لم يعيّن ، بل أطلق ، فلعلمائنا قولان : الجواز ، عملاً بالأصل.

ولأنّه مستحق لنصيب منها وقد اُمر بصرفها الى المستحقّين ، وإبراء الذمة بالدفع إلى أربابها ، فجاز أن يأخذ ، لحصول الغاية به ، لقول الرضاعليه‌السلام وقد سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممّن تحلّ له الصدقة ، قال : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره » قال : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٢٨٤ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( أيسر ).

والمثبت يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٦٤١.

(٥) سلف في المسألة ١١.

٣٦١

يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه »(١) .

والثاني : المنع ؛ لأنّ الأمر بالدفع والتفريق يستلزم المغايرة بين الفاعل والقابل.

والأول أقرب.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يأخذ مثل ما يعطي غيره ، ولا يجوز أن يفضّل نفسه ، لقولهعليه‌السلام : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره »(٢) ولقول الكاظمعليه‌السلام في رجل اُعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له ، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه ولم يسمّ له؟ قال : « يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(٣) .

ويجوز أن يدفع الى من تجب نفقته عليه كولده وزوجته وأبويه مع الاستحقاق إجماعاً وإن عاد النفع إليه.

مسألة ٢٧٣ : قد بيّنّا أنّه ينبغي لقابض الصدقة الدعاء لصاحبها‌ ، فيقول : آجرك الله فيما أعطيت ، وجعله لك طهوراً ، وبارك لك فيما أبقيت.

وفي وجوبه للشيخ(٤) والشافعي(٥) قولان تقدّما(٦) .

وهل يقول : صلّى الله عليك؟ منع منه الشافعية ؛ لأنّ الصلاة صارت مخصوصةً بالأنبياء والملائكةعليهم‌السلام ، فلا تستعمل في حق غيرهم ، فهو كما أنّ قولنا : عزّ وجلّ ، مختص بالله تعالى ، فكما لا يقال : محمد عزّ وجلّ ، وإن كان عزيزاً جليلاً ، كذا لا يقال : صلّى الله عليك ، لغير الأنبياء(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٥.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢٥ ، المسألة ١٥٥ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٤٤.

(٥) المجموع ٦ : ١٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٩ ، مختصر المزني ٥٣.

(٦) تقدّما في المسألة ٢٣٥.

(٧) المجموع ٦ : ١٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٩.

٣٦٢

وقيل بالجواز ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال لآل أبي أوفى : ( اللّهم صلِّ على آل أبي أوفى )(١) (٢) .

واتّفقوا على تجويز جعل غير الأنبياء تبعاً ، كما يقال : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.

والمراد به عند أكثر الشافعية : بنو هاشم وبنو المطلب(٣) .

* * *

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٥٩ و ٨ : ٩٠ ، ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٦ - ٧٥٧ / ١٠٧٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٦ / ١٥٩٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ و ٤ : ١٥٧ و ٧ : ٥.

(٢) ممّن قال بذلك : أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٧٦ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٥٠٨.

(٣) المجموع ٦ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٠.

٣٦٣

الباب الثاني

في زكاة الفطرة‌

وفيه فصول.

٣٦٤

٣٦٥

الأول

من تجب عليه‌

مقدمة : زكاة الفطر واجبة‌ بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ صدقة الفطر فرض(١) .

وقال إسحاق : هو كالإِجماع من أهل العلم(٢) .

وزعم ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك وداود يقولون : هي سنّة مؤكّدة ، وسائر العلماء على وجوبها(٣) ، لقوله تعالى( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ) (٤) .

روي عن أهل البيتعليهم‌السلام ، أنّها نزلت في زكاة الفطرة(٥) .

ولقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كلّ حُرّ وعبد ، ذكر واُنثى من المسلمين )(٦) .

____________________

(١ و ٢ و ٣ ) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٤) الأعلى : ١٤.

(٥) تفسير القمي ٢ : ٤١٧ ، الفقيه ١ : ٣٢٣ / ١٤٧٨ ، و ٢ : ١١٩ / ٥١٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ - ١٠٩ / ٣١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ / ١٢٩٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٧ / ٩٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٩ / ٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٢ ، وفيها عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرض زكاة إلى آخره.

٣٦٦

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ من ضممت الى عيالك من حُرّ أو مملوك ، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه »(١) .

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : إنّها واجبة ، وليست فرضاً(٢) . وقال الباقون : هي فرض(٣) .

والأصل في ذلك : أنّ أبا حنيفة كان يخصّ الفرض بما ثبت بدليل مقطوع به ، والواجب : ما ثبت بدليل مظنون(٤) .

وقد بيّنّا الإِجماع على الوجوب ، وهو قطعي.

واُضيفت هذه الزكاة إلى الفطر ، لأنّها تجب بالفطر من رمضان.

وقال ابن قتيبة : وقيل لها : فطرة ، لأنّ الفطرة : الخلقة. قال تعالى :( فِطْرَتَ اللهِ ) (٥) أي : جبلّته ، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس ، كما كانت الاُولى صدقةً عن المال(٦) .

مسألة ٢٧٤ : البلوغ شرط في الوجوب‌ ، فلا تجب على الصبي قبل بلوغه ، موسراً كان أو معسراً ، سواء كان له أب أو لا وإن وجبت على الأب عنه ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال محمد بن الحسن(٧) .

وقال الحسن والشعبي : صدقة الفطر على من صام من الأحرار والرقيق(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠١.

(٣) اُنظر : حلية العلماء ٣ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ١٠٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٨ ، المغني ٢ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٤) اُصول السرخسي ١ : ١١٠ - ١١١.

(٥) الروم : ٣٠.

(٦) المغني ٢ : ٦٤٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٧) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦.

(٨) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦ - ٦٤٧.

٣٦٧

لقولهعليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ )(١) وظاهره سقوط الفرض والحكم.

ولأنه غير مكلّف ، وليس محلاً للخطاب ، فلا يتوجه إطلاق الأمر اليه.

ومن طريق الخاصة : قول الرضاعليه‌السلام وقد سئل عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال؟ فقال : « لا زكاة على مال اليتيم »(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة حتى يدرك ، فإذا أدرك كان عليه مثل ما على غيره من الناس »(٣) .

وأطبق باقي الجمهور على وجوب الزكاة في ماله ، ويخرج عنه الولي ، لعموم قوله(٤) : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كلّ حُرّ وعبد ، ذكر واُنثى(٥) .

ولا دلالة فيه ؛ لانصراف الوجوب إلى أهله ؛ لقوله تعالى( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٦) .

مسألة ٢٧٥ : وليس الحضر ( فيها )(٧) شرطاً ، بل تجب على أهل‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ١٤١ / ٤٤٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩ - ٣٠ / ٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١ / ٩١.

(٤) الضمير راجع الى راوي الخبر ، وهو : ابن عمر. لاحظ : المصادر في الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

(٥) المغني ٢ : ٦٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٦ ، وانظر أيضاً : المصادر في الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) كلمة ( فيها ) لم ترد في « ن » و « ط ».

٣٦٨

البادية عند أكثر العلماء(١) - وبه قال ابن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(٢) - للعموم. ولأنّها زكاة ، فوجبت عليهم ، كزكاة المال.

وقال عطاء والزهري وربيعة : لا صدقة عليهم(٣) . وهو غلط.

مسألة ٢٧٦ : والعقل شرط في الوجوب‌ عند علمائنا أجمع والبحث فيه كما تقدّم(٤) في الصبي. وكذا لا تجب على من أهلّ شوّال وهو مغمى عليه.

مسألة ٢٧٧ : يشترط فيه : الحرّية‌ ، فلا تجب الزكاة على العبد عند علمائنا أجمع ، بل يجب على مولاه إخراجها عنه ، وبه قال جميع الفقهاء(٥) ، لأنّه لا مال له.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلّا صدقة الفطرة في الرقيق)(٦) .

وقال داود : تجب على العبد ، ويلزم المولى إطلاقه ليكتسب ، ويُخرجها عن نفسه(٧) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( على كلّ حر وعبد )(٨) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٤) تقدّم في المسألة ٢٧٤.

(٥) الاُم ٢ : ٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١٢٠ و ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٠ ، المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٠ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٣٠ ، المسألة ١٥٨.

(٦) أورده كما في المتن - الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٣١ ذيل المسألة ١٥٨ ، وفي صحيح البخاري ٢ : ١٤٩ ، وصحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ - ٦٧٦ / ٩٨٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٠٨ / ١٥٩٥ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٣ - ٢٤ / ٦٢٨ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٧٩ / ١٨١٢ ، وسنن النسائي ٥ : ٣٥ و ٣٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٧ ، بتفاوت ونقيصة.

(٧) المجموع ٦ : ١٢٠ و ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١.

(٨) راجع : الهامش (٦) من صفحة ٣٦٥.

٣٦٩

ونحن نقول بموجبه ؛ إذ الزكاة تجب على المالك.

فروع :

أ - العبد لا يجب عليه أن يؤدّي عن نفسه ولا عن زوجته ، سواء قلنا : إنّه يملك أو أحللناه.

ب – المـُدبّر واُمّ الولد كالقِنِّ.

ج - لا فرق بين أن يكون العبد في نفقة مولاه أو لا ، في عدم الوجوب عليه.

مسألة ٢٧٨ : يشترط فيه الغنى‌ ، فلا يجب على الفقير ، ولا يكفي في وجوبها القدرة عليها عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال أصحاب الرأي(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صدقة إلّا عن ظهر غنى )(٣) والفقير لا غنى له ، فلا تجب عليه.

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ : «ليس عليه فطرة »(٤) .

وسئل الصادقعليه‌السلام : « رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟

قال : « لا »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « لا فطرة على من أخذ الزكاة »(٦) .

ولأنّه تحلّ له الصدقة ، فلا تجب عليه ، كمن لا يقدر عليها.

ولأنّها تجب جبراً للفقير ومواساةً له ، فلو وجبت عليه ، كان إضطراراً به‌

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٣٠ ، والمحقق في المعتبر : ٢٨٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٢٣٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٠ - ٤١ ذيل الحديث ١٢٦.

٣٧٠

وتضييقاً.

وقال بعض علمائنا(١) - ونقله الشيخرحمه‌الله في الخلاف عن كثير من أصحابنا(٢) - : وجوبها على من قدر عليها ، فاضلاً عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة - وبه قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وأبو ثور(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا صدقة الفطر صاعاً من قمح(٤) عن كلّ إنسان ، صغير أو كبير ، حُرّ أو مملوك ، غني أو فقير ، ذكر أو اُنثى ، أمّا غنيكم فيزكّيه الله ، وأمّا فقيركم فيردّ الله عليه أكثر ممّا أعطى)(٥) .

ولأنّه حقّ مال لا يزيد بزيادة المال ، فلا يعتبر وجود النصاب فيه كالكفّارة.

والحديث نقول بموجبه ، فإنّها تجب على الغني عن الفقير الذي يعوله.

والفرق : أنّها زكاة تُطهِّر ، فاعتبر فيها المال كزكاة المال ، أمّا الكفّارة فإنّها وجبت لإِسقاط الذنب.

مسألة ٢٧٩ : وحدّ الغنى‌ هنا : ما تقدّم في صدقة المال ، وهو : أن يملك قوته وقوت عياله على الاقتصاد حولاً ، فمن ملك ذلك ، أو كان له كسب أو صنعة تقوم بأوده وأود عياله مستمرا وزيادة صاع ، وجب عليه دفعها ، لأنّ وجود الكفاية يمنع من أخذ الزكاة ، فتجب عليه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ حلّت له لا تحلّ عليه ، ومَنْ حلّت عليه لا تحلّ له »(٦) .

____________________

(١) كما في المعتبر : ٢٨٨.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٧ ، المسألة ١٨٣.

(٣) المغني ٢ : ٦٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٥ ، المجموع ٦ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٩.

(٤) القمح : البُرّ. لسان العرب ٢ : ٥٦٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١١٤ / ١٦١٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٤٨ / ٤١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٧.

٣٧١

وقال الشيخ في المبسوط : أن يملك نصاباً زكوياً(١) .

وفي الخلاف : أن يملك نصاباً أو ما قيمته نصاب(٢) . وبه قال أبو حنيفة(٣) ، لوجوب زكاة المال عليه ، وإنّما تجب على الغني فتلزمه الفطرة.

والثانية(٤) ممنوعة.

تذنيب : يستحب للفقير إخراجها عن نفسه وعياله ولو استحقّ أخْذَها أخَذَها ودَفَعَها مستحباً ، ولو ضاق عليه أدار صاعاً على عياله ، ثم تصدّق به على الغير ؛ للرواية(٥) .

مسألة ٢٨٠ : الإِسلام ليس شرطاً في الوجوب‌ ، بل تجب على الكافر الفطرة وإن كان أصلياً ، عند علمائنا أجمع ، لكن لا يصحّ منه أداؤها ؛ لأنّه مكلّف بفروع العبادات ، فصحّ تناول الخطاب له ، فتجب عليه كما تجب على المسلم ؛ عملاً بعموم اللفظ السالم عن معارضة مانعية الكفر ، كغيرها من العبادات ، وإنّما قلنا بعدم الصحة لو أدّاها ؛ لأنّها عبادة تفتقر الى النية.

وقال الجمهور : لا تجب عليه ، لأنّ الزكاة طُهْرة والكافر ليس من أهلها(٦) .

وهو ممنوعٌ ، لإِمكان الطُّهرة بتقدّم إسلامه ، ومن شرطها : النيّة ، وقد كان يمكنه تقديمها.

فروع :

أ - لو أسلم بعد فوات الوقت ، سقطت عنه إجماعاً ، لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٠.

(٢) الخلاف ٢ : ١٤٦ ، المسألة ١٨٣.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٥.

(٤) أي : ما قيمته نصاب.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٤ / ٢٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٣ ، والكافي ٤ : ١٧٢ / ١٠.

(٦) المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، المجموع ٦ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦٩ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ٢٥٤.

٣٧٢

( الإِسلام يجبّ ما قبله )(١) .

ب - لو كان الكافر عبداً لم تجب عليه الفطرة ، وتجب عنه لو كان المالك مسلماً على ما يأتي(٢) .

ج - المرتدّ إن كان عن فطرة ، لم تجب عليه ؛ لانتقال أمواله الى ورثته فهو فقير. ولأنّه مستحق للقتل في كل آن ، فيضادّ الوجوب عليه.

وإن كان عن غير فطرة ، وجبت عليه وإن حَجَر الحاكم على أمواله ؛ لإِمكان رجوعه وتوبته ، فيزول حَجْرُه ، ولا تسقط عنه بالإِسلام ، بخلاف الكافر الأصلي.

د - لو كان للكافر عبد مسلم ، وجبت عليه الفطرة عنه ، لكنه لا يكلّف إخراجها عنه ، وهو قول أكثر العلماء(٣) .

قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه [ من أهل ](٤) العلم : أن لا صدقة على الذمّي في عبده المسلم ؛ لأنّها عبادة تفتقر إلى النية ولا تصح من الكافر. ولأنّه لا يكلّف الفطرة عن نفسه ، فلا يكلّف عن غيره(٥) .

وقال أحمد : يُلزم بالإِخراج عنه ؛ لأنّه من أهل الطُّهْرة ، فوجب أن يؤدّي عنه الزكاة(٦) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه فقير ، فلا تجب عليه الفطرة ، وهذا إنّما يتمّ عندنا لو تعذّر بيعه عليه ، أو كان قد أسلم آخر جزء من الشهر ، ثم يهلّ قبل البيع.

مسألة ٢٨١ : والفطرة واجبة على المسلمين من أهل الحضر والبادية‌

____________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢) يأتي في المسألة ٢٨٢.

(٣) المغني ٢ : ٦٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٤) زيادة من المصدر.

(٥و٦) المغني ٢ : ٦٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

٣٧٣

عند علمائنا أجمع - وبه قال أكثر العلماء وجميع الفقهاء(١) - للعموم.

وقال عطاء وعمر بن عبد العزيز وربيعة بن أبي عبد الرحمن والزهري : لا فطرة على أهل البادية(٢) .

وهو مدفوع بالإِجماع.

* * *

____________________

(١و٢) المغني ٢ : ٦٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، والمجموع ٦ : ١٤٢ ، والخلاف - للشيخ ٢ لطوسي - ٢ : ١٥٢ ، المسألة ١٩٢.

٣٧٤

٣٧٥

الفصل الثاني

فيمن تخرج عنه‌

مسألة ٢٨٢ : يجب على المكلّف بها أن يُخرجها عن نفسه‌ ، بلا خلاف بين العلماء في ذلك ، وعن جميع من يعوله من صغير وكبير ، حُرّ أو عبد ، ذكر أو اُنثى ، مسلم أو كافر ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(١) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا عن كلّ حُرّ وعبد ، صغير أو كبير ، يهودي أو نصراني أو مجوسي ، نصف صاع من بُرّ )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حُرّ وعبد وصغير وكبير »(٣) وهو على إطلاقه يتناول الكافر والمسلم.

وقول الصادقعليه‌السلام : « يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه »(٤) وهو وإن كان مرسلاً ، إلّا أنّ علماءنا أفتوا بموجَبه.

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٠.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٥٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٦ / ٢١٥ ، الاستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ / ٢٠ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٥.

٣٧٦

ولأنّ كلّ زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر ، كزكاة التجارة.

وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : لا يخرج عن العبد الكافر ولا عن الصغير المرتد ، لقول ابن عباس : فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة الفطرة طهرةً للصائم من الرفث واللغو(١) . والكافر ليس من أهل الطهرة(٢) .

ولا دلالة في قول الصحابي ؛ إذ لا حجّة فيه. ولأنّ الأصل ذلك ، وغيره يجب بالتبع. ولأنّها تجب عن الطفل وليس أهلاً للصوم.

مسألة ٢٨٣ : ولا فرق بين أن تكون العيلولة واجبةً أو تبرّعاً‌ ، مثل أن يضمّ أجنبياً أو يتيماً أو ضيفاً ويهلّ الهلال وهو في عياله ، عند علمائنا أجمع - وهو رواية عن أحمد(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( أدّوا صدقة الفطر عمّن تمونون )(٤) والمتبرّع بنفقته ممّن يمون.

و من طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ ضممت الى عيالك من حُرّ ( وعبد )(٥) فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه »(٦) .

وسأل عمر بن يزيد ، الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه ، فيحضر يوم الفطر ، يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : « نعم »(٧) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١١١ / ١٦٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٥ / ١٨٢٧.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٢٨٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١١٨ ، فتح العزيز ٦ : ١٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المغني ٢ : ٦٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٩٢ - ٦٩٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٥) في الكافي والتهذيب : أو مملوك.

(٦) المعتبر : ٢٨٧ ، الكافي ٤ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٣ / ١٦ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٦.

٣٧٧

ولأنّه شخص ينفق عليه ، فتلزمه فطرته كعبده.

وقال باقي الجمهور : لا تجب ، بل تستحب ؛ لأنّ مؤونته ليست واجبةً ، فلا تلزمه الفطرة عنه ، كما لو لم يَعُلْه(١) .

والفرق : وجود المناط ، وهو العيلولة في الـمُعال دون غيره.

مسألة ٢٨٤ : سبب وجوب العيلولة ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك ، بلا خلاف على ما يأتي ، وهي سبب في وجوب الفطرة ، فيجب على الرجل الموسر ، الفطرة عن زوجته الحُرّة ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق(٢) - لقول ابن عمر : فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صدقة الفطر عن كلّ صغير وكبير ، حُرّ وعبد ممّن تمونون(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرض صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحرّ والعبد والذكر والاُنثى ممّن تمونون »(٤) .

ولأنّ النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة.

وقال أبو حنيفة والثوري وابن المنذر من الشافعية : لا تجب عليه فطرة زوجته ، وعليها فطرة نفسها ، لقولهعليه‌السلام : ( صدقة الفطر على كلّ ذكر واُنثى )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

(٢) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٨٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧١ ، المجموع ٦ : ١١٤ و ١١٦ ، فتح العزيز ٦ : ١١٨ - ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المغني ٢ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٤١ / ١٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦١ ، والمغني ٢ : ٦٨٣ - ٦٨٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٤٩.

(٤) المعتبر : ٢٨٧.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ١٤٠ / ١٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٦١ / ٦٧٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦٠.

٣٧٨

ولأنّها زكاة فوجبت عليها ، كزكاة مالها(١) .

ونحن نقول بموجَب الحديث ، لكنّ الزوج يتحمّل عنها الوجوب ؛ جمعاً بين الأدلّة ، وزكاة المال لا تتحمّل بالملك والقرابة ، فافترقا.

مسألة ٢٨٥ : الولد الموسر تجب عليه فطرة أبيه المعسر‌ - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه تجب عليه نفقته ، فتجب عليه فطرته ؛ للحديث(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه فطرة الأب وإن وجبت نفقته(٤) .

وكذا يجب على الجدّ فطرة ولد الولد مع العيلولة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب(٦) .

مسألة ٢٨٦ : الولد إن كان صغيراً معسراً ، وجبت نفقته على والده‌ ، وعليه فطرته عنه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ( لكن )(٧) أبو حنيفة أوجبها عليه باعتبار الولاية ، وعندنا باعتبار العيلولة ، وعند الشافعي باعتبار وجوب النفقة عليه(٨) .

وإن كان موسراً ، قال الشيخ : لزم أباه نفقته وفطرته وبه قال محمد بن الحسن(٩) - لأنّ كلّ خبر روي في أنّه تجب الفطرة على الرجل يُخرجها عن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٩ ، المجموع ٦ : ١١٨ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٩.

(٢) الاُم ٢ : ٦٣ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٢.

(٣) المروي عن طريق الخاصة والعامة ، الذي سبق في المسألة السابقة (٢٨٤).

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٥ - ١٠٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٠ ، المجموع ٦ : ١٤١.

(٦) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ١١٩ - ١٢٠ ، المجموع ٦ : ١٤١.

(٧) والأحسن : ولكن.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٠ و ١٧١ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٢١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٦ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٣ - ١٣٤ ، المسألة ١٦٣.

(٩) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٤١ ، حلية =

٣٧٩

نفسه وعن ولده ؛ يتناول هذا الموضع ، فعلى مدّعي التخصيص الدلالة(١) .

وقال مالك وأبو يوسف والشافعي : نفقته وفطرته من مال نفسه(٢) .

والوجه عندي : أنّ نفقته في ماله ، ولا فطرة على أبيه ، إلّا أن يعوله متبرّعاً ؛ لأنّه لم يَعُلْه ، ولا على الصغير ؛ لصغره ، فقد عدم شرط البلوغ في حقّه.

أمّا الولد الكبير ، فإن كان موسراً ، فله حكم نفسه بالإِجماع ، وإن كان فقيراً ، كانت نفقته وفطرته على أبيه. وكذا البحث في الوالد والجدّ والجدّة والاُم. وولد الولد حكمه حكم الولد للصُّلْب.

فروع :

أ - لا تجب الزكاة عن الجنين بإجماع العلماء. قال ابن المنذر : كلّ من نحفظ عنه من علماء الأمصار ، لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن اُمّه(٣) .

وعن أحمد رواية : أنّها تجب ؛ لأنّه آدمي تصحّ الوصية له وبه ، ويرث ، فيدخل في عموم الأخبار ، ويقاس على المولود(٤) .

وليس بجيّد ؛ لمخالفة الإِجماع. ولأنّه جنين ، فأشبه أجنّة البهائم.

ولأنّ أحكام الدنيا لم تثبت له ، إلّا الوصية والإِرث بشرط خروجه حيّاً.

ب - المولود تجب الزكاة عنه وإن وُلد ليلة الهلال قبله بلا فصل.

ج - الكبير المعسر لو وجد ليلة الهلال قدر قوته ليلة العيد ويومه ، سقطت‌

____________________

= العلماء ٣ : ١٢٢ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(١) الخلاف ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٢٠ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ١٣٤ ، المسألة ١٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢ ، المجموع ٦ : ١٣٩.

(٤) المغني ٢ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٥٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460