تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234193 / تحميل: 5686
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بأس »(١) .

ولم يفصّل العامة ، بل قال الشافعي : إن لم يكن بالغ وإنّما رفق فسبق الماء ، فقولان : أحدهما : يفطر - وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني(٢) - لأنّه أوصل الماء إلى جوفه ، ذاكراً لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمّد شربه.

والفرق ظاهر ؛ للمشروعية في المتنازع ، وعدمها في الأصل.

والثاني : لا يفطر ، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصري(٣) .

وإن بالغ بأن زاد على ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه ، أفطر قولاً واحداً(٤) . وبه قال أحمد(٥) .

وروي عن عبد الله بن عباس : أنّه إن توضّأ لمكتوبة ، لم يفطر ، وإن كان لنافلة ، أفطر ، وبه قال النخعي(٦) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، في الصائم يتوضّأ للصلاة ، فيدخل الماء حلقه ، قال : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة ، فعليه القضاء »(٧) .

ونحن نتوقّف في هذه الرواية.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٣٢٣ - ٩٩١ ، والفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٠.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠.

(٣) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١.

(٥) المغني ٣ : ٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١.

(٦) المجموع ٦ : ٣٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٩٩٩.

٨١

مسألة ٤٤ : لو ارتدّ عن الإِسلام في أثناء الصوم ، فسد صومه إجماعاً‌ ، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإِسلام ، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه ، وسواء كانت ردّته باعتقاد ما يكفر به ، أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه ، أو بالنطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئ.

قال الله تعالى( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) (١) .

لأنّ الصوم عبادة من شرطها النيّة ، فأبطلتها الردّة ، كالصلاة والحجّ ، ولأنّه عبادة محضة ، فنافاها الكفر كالصلاة.

مسألة ٤٥ : لو نوى الإِفطار بعد عقد نية الصوم‌ ، وقد مضى جزء من النهار ، فالأقوى أنّه يفطر - وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في أظهر الروايتين(٢) - لأنّ الصوم عبادة من شرطها النية ، ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة.

ولأنّ الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ، لكن لـمّا شقّ اعتبار حقيقة النية ، اعتبر بقاء حكمها ، وهو : ان لا ينوي قطعها ، فإذا نواه ، زالت حقيقةً وحكماً ، ففسد الصوم ؛ لزوال شرطه ؛ لأنّه نوى الإِفطار في جزء من النهار وقد قالعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى )(٣) فيتحقّق الإِفطار في ذلك الجزء ، والصوم لا يقبل التبعيض ، فكان مفطراً.

والرواية الثانية عن أحمد : أنّه لا يفسد صومه ؛ لأنّه عبادة يلزم المضيّ‌

____________________

(١) التوبة : ٦٥ و ٦٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ - ١٨٠ / ١٦٤٧ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

٨٢

في فاسدها ، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحجّ(١) .

وهو غير مطّرد في غير رمضان. والقياس باطل ؛ لأنّ الحجّ يصحّ بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حجّ عن نفسه ، فافترقا.

ولو عاد بعد أن نوى الإِفطار ولم يفطر فنوى الصوم ، فإن كان ذلك بعد الزوال ، لم يصح عوده إجماعاً ؛ لفوات محلّ النية.

وإن كان قبله ، أجزأه على قول بعض علمائنا(٢) - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ الصوم يصح بنية من النهار.

وأمّا صوم النافلة ، فإن نوى الفطر ثم لم يَنو الصوم بعد ذلك ، لم يصح صومه ؛ لأنّ النية انقطعت ولم توجد نية غيرها ، فأشبه مَن لم يَنو أصلاً.

وإن عاد فنوى الصوم ، صحّ صومه ، كما لو أصبح غير ناوٍ للصوم ؛ لأنّ نية الفطر إنّما أبطلت الفرض ؛ لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكماً ، وخُلوّ بعض أجزاء الزمان عنها ، والنفل بخلاف الفرض في ذلك ، فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه.

ولأنّ نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت ، وعدمها لا يمنع صحة الصوم بعده ، بخلاف الواجب ، فإنّه لا تصحّ نيته من النهار.

والأصل فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يسأل أهله هل من غذاء؟ فإن قالوا : لا ، قال : ( إنّي إذن لصائم )(٤) .

تذنيب : لو نوى أنّه سيفطر ساعة اُخرى‌ ، فالأقرب : أنّه بخلاف نية‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١.

(٢) المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ و ٧٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٢٠٧ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢.

٨٣

الفطر في وقته ، خلافاً لبعض العامة(١) .

ولو تردّد في الفطر ، فإشكال ينشأ من عدم الجزم بالصوم في زمان التردّد. ومن انعقاد الصوم قبله ، والتردّد ليس من المفطرات.

ولو نوى أنّي إن وجدت طعاماً أفطرت ، وإن لم أجد أتممت صومي ، فوجهان : الفطر ؛ لانتفاء الجزم ، ولهذا لا يصح ابتداء النية بمثل هذا.

والثاني : لا يفطر ؛ لأنّه لم يَنو الفطر بنية صحيحة ، فإنّ النية لا يصحّ تعليقها على شرط ، ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية.

مسألة ٤٦ : لو جامع أو أكل أو شرب في أول النهار بعد عقد صومه‌ ، ثم تجدّد عذر مسقط للصوم - كجنون أو مرض أو حيض أو نفاس - في أثناء النهار ، فالوجه عندي : سقوط الكفّارة - وهو قول بعض علمائنا(٢) ، وقول أصحاب الرأي والثوري والشافعي في أحد القولين(٣) - لأنّه زمان لا يصحّ الصوم فيه ، فيستحيل من الله تعالى ، العالم به الحكيم ، الأمر بصومه ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فيكون فعل المفطر قد صادف ما لا يصح صومه ، فأشبه ما لو صادف الليل ، وكما لو قامت البيّنة أنّه من شوّال.

والقول الثاني لعلمائنا وللشافعي وأحمد في الرواية الاُخرى : إنّه تجب عليه الكفّارة - وبه قال مالك وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وداود - لأنّ هذه الأعذار معانٍ طرأت بعد وجوب الكفّارة ، فلم تُسقطها ، كالسفر.

ولأنّه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع وشبهه ، فاستقرّت الكفّارة عليه ، كما لو لم يطرأ عذر(٤) .

ونمنع وجوب الكفّارة ، ونمنع وجوب الصوم في نفس الأمر ، ووجوبه في‌

____________________

(١) هو ابن عقيل كما في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢.

(٢) حكاه المحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٤.

(٣و٤) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥.

٨٤

اعتقادنا غير مفيد إذا ظهر بطلان الاعتقاد.

وقال زفر : تسقط بالحيض والجنون ، دون المرض والسفر(١) .

وقال بعض أصحاب مالك : تسقط بالسفر ، دون المرض والجنون(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو أفطر ثم سافر سفراً ضروريّاً ، فهو كالعذر المتجدّد من جنون أو حيض.

ولو سافر سفراً اختياريّاً ، فإن لم يقصد به زوال الكفّارة عنه ، فالأقرب : أنّه كالعذر ، وإن قصد به إسقاط الكفّارة ، لم تسقط ، وإلّا لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره ، والإِقدام على المحرّمات.

مسألة ٤٧ : لو أفطر بالمحرَّم‌ ، كما لو زنى في نهار رمضان ، أو شرب خمراً ، أو أكل ( لحم خنزير )(٣) فالأقوى : أنّ الواجب كفّارة واحدة يتخيّر فيها ، كما لو أفطر بالمحلّل.

وقال بعض علمائنا : تجب به كفّارة الجمع(٤) ؛ وهي : الخصال الثلاث : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً ، وبه رواية عن أهل البيتعليهم‌السلام (٥) .

والمعتمد : الأول ؛ لأصالة براءة الذمة.

مسألة ٤٨ : لو كرّر السبب الموجب للكفّارة‌ ، بأن وطأ مرتين مثلاً ، فإن‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٢) المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : خنزيراً. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) كالصدوق في الفقيه ٢ : ٧٣ - ٧٤ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٢٠٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٧ ذيل الحديث ٣١٥.

(٥) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٣١٤ / ٨٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦.

٨٥

كان في رمضانين ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً - إلّا رواية عن أبي حنيفة(١) - سواء كفّر عن الأول أو لا.

ولو كرّر في يومين من رمضان واحد ، وجبت عليه كفّارتان ، سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك والليث وابن المنذر ، وهو قول عطاء ومكحول(٢) - لأنّ كلّ فعل من هذين الفعلين لو انفرد ، لاستقلّ بإيجاب الكفّارة ، فكذا حالة الاجتماع ؛ لأصالة بقاء الحقيقة على ما كانت عليه.

ولأنّ كلّ واحد من الذنبين سبب في إيجاب عقوبة الكفّارة ، فعند الاجتماع يبقى الحكم بطريق الأولى ؛ لزيادة الذنب.

ولأنّ كلّ يوم عبادة قد هتكت ، وهي منفردة عن العبادة الاُخرى لا تتّحد صحتها مع صحة ما قبلها ولا ما بعدها ، ولا بطلانها مع بطلانها ، فلا يتّحد أثر السببين فيهما.

ولأنّ أحد الأمرين لا يتّحد مع الآخر ، وهو القضاء ، فكذا الأمر الآخر.

وقال أبو حنيفة : إن لم يكفّر عن الأول فكفّارة واحدة ، وإن كفّر فروايتان ، إحداهما : أنّها كفّارة واحدة أيضاً - وبه قال أحمد والزهري والأوزاعي - لأنّ الكفّارة تجب على وجه العقوبة ، ولهذا تسقط بالشبهة ، وهو : إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع ، وما هذا سبيله تتداخل العقوبة فيه كالحدود(٣) .

والفرق : أنّ الحدود عقوبة على البدن ، وهذه كفّارة ، فاعتبارها بالكفّارات أولى.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ٧٥.

(٢) المجموع ٦ : ٣٣٦ و ٣٣٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦.

٨٦

ولأن الحدود تتداخل في سببين ، وهي مبنية على التخفيف ، فتنافي التكرار.

ولو كرّر في يوم واحد ، قال الشيخ(١) وبعض علمائنا(٢) : لا تتكرّر الكفّارة - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٣) - لأنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح ، فلا يتحقّق الهتك به ، فلا تثبت العقوبة.

ولأنّ أحد الأمرين - وهو القضاء - لا يتكرّر ، فلا يتكرّر الآخر.

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : تتكرّر الكفّارة(٤) ؛ لأنّ الجماع سبب تام في وجوب الكفّارة ، فتتكرّر بتكرّره ؛ عملاً بالمقتضي.

ولدلالة الرواية عن الرضا(٥) عليه‌السلام عليه.

ولأنّ الإِمساك واجب كرمضان ، والوطء فيه محرَّم كحرمة رمضان ، فأوجب الكفّارة كالأول.

ونمنع السببية بدون الهتك ، وإلّا لوجب على المسافر.

والفرق بين تحريم الأول والثاني ظاهر وإن اشتركا في مطلق التحريم ؛ لصدق الهتك في الأول دون الثاني.

وقال ابن الجنيد من علمائنا : إن كفّر عن الأول كفّر ثانياً ، وإلّا كفّر واحدة عنهما(٦) ؛ وبه قال أحمد بن حنبل(٧) ، ولا بأس به.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٤ ، الخلاف ٢ : ١٨٩ ، المسألة ٣٨.

(٢) المحقق في المعتبر : ٣٠٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المسألة ٣٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٨.

(٥) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٢٥٤ / ٣ ، الخصال : ٤٥٠ / ٥٤.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٧) المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

٨٧

واعلم : أنّ القضاء لا يتكرّر مع اتّحاد اليوم إجماعاً.

ولو اختلف السبب في يوم واحد ، كما لو جامع وأكل ، فيه إشكال ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع والأكل مطلقاً وقد وُجدا ، فتتكرّر الكفّارة ، بخلاف السبب المتّحد ، لأنّ التعليق على الماهية المتناولة للواحد والكثير ، ومن كون السبب الهتك وإفساد الصوم الصحيح ، وهو منتف في الثاني.

مسألة ٤٩ : لو أفطر نهارَ رمضان من وجب عليه الصوم مستحلاً ، فهو مرتدّ‌ ، فإن كان عن فطرة ، قُتل من غير أن يستتاب.

ولو نشأ في برّيّة ولم يعرف قواعد الإِسلام ولا ما يوجب الإِفطار ، عُرِّف وعُومل بعد ذلك بما يعامَلُ به المولود على الفطرة.

ولو لم يولد على الفطرة ، استتيب ، فإن تاب وإلّا قُتل.

ولو اعتقد التحريم ، عُزّر ( فإن عاد ، عُزّر )(١) فإن عاد ، قُتل في الثالثة ؛ لأنّ سماعة قال : سألته عن رجل اُخذ في شهر رمضان ثلاث مرّات وقد رفع الى الإِمام ثلاث مرّات ؛ قال : « فليقتل في الثالثة »(٢) .

وروي : أنّ الباقرعليه‌السلام ، سُئل عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : « يُسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال : لا ، كان على الإِمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، كان على الإمام أن يؤلمه ضرباً »(٣) .

وقال بعض علمائنا : يُقتل في الرابعة(٤) . وهو أحوط ؛ لأنّ التهجّم على الدم خطر.

____________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ط ».

(٢) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٥ ، التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٤ بتفاوت يسير في اللفظ.

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٩.

٨٨

إذا ثبت(١) هذا ، فإنّما يُقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رُفع في كلّ مرّة الى الإمام وعزّر ، أمّا لو لم يرفع فإنّه(٢) يجب عليه التعزير خاصة ولو زاد على الأربع.

مسألة ٥٠ : لو أكره الصائم زوجته الصائمة على الجماع‌ ، عُزّر بخمسين سوطاً عند علمائنا ، ووجب عليه كفّارتان ، إحداهما عنه ، والثانية عنها ، ولا كفّارة عليها ولا قضاء ، لأنّه سبب تام في صدور الفعل.

ولو طاوَعَته ، عُزّر كلّ واحد منهما بخمسة وعشرين سوطا ، ووجب على كلّ واحد القضاء والكفّارة ، لأنّ المفضّل بن عمر ، سأل الصادقعليه‌السلام ، في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته ، فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها ، فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ، ضُرِبَ خمسة وعشرين سوطاً ، وضُرِبَت خمسة وعشرين سوطاً »(٣) .

فروع :

أ - قال الشيخرحمه‌الله : لو وطأها نائمةً أو مكرهةً ، لم تفطر ، وعليه كفّارتان(٤) .

وفي النائمة إشكال.

ب - قالرحمه‌الله : لو أكرهها لا جبراً ، بل ضربها حتى مكّنته من نفسها ، أفطرت ، ولزمها القضاء ؛ لأنّها دفعت عن نفسها الضرر بالتمكين كالمريض ، ولا كفّارة(٥) .

ج - لو زنى بها مُكرِهاً لها ، تحمّل عنها الكفّارة ؛ لأنّه أغلظ من الوطء‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : إذا عرفت.

(٢) في الطبعة الحجرية بدل ( فإنّه ) : ( فإنّما ).

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ - ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

(٤و٥) الخلاف ٢ : ١٨٣ ، المسألة ٢٧ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٩.

٨٩

المباح.

ويشكل : بأنّه لا يلزم من كون الكفّارة مُسقطةً لأقلّ الذنبين كونها مسقطةً لأعلاهما.

د - لو أصبح مُفطراً يعتقد أنّه من شعبان ، فشهدت البيّنة بالرؤية ، لزمه الإِمساك والقضاء‌ في قول عامة الفقهاء(١) ، إلّا عطاء ؛ فإنّه قال : يأكل بقية يومه(٢) . وأحمد في رواية(٣) .

وهو خلاف الإِجماع ، مع أنّ أحمد قد نصّ على إيجاب الكفّارة على مَن وطأ ثم كفّر ثم عاد فوطأ في يومه ؛ لأنّ حرمة اليوم لم تذهب ، فإذا أوجب الكفّارة على غير الصائم لحرمة اليوم كيف يبيح الأكل!؟(٤) .

لا يقال : إنّ المسافر إذا قدم وقد أفطر ، جاز له الأكل ، فليكن هنا مثله.

لأنّا نقول : المسافر كان له الفطر ظاهراً وباطناً ، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحاً ، فأشبه مَنْ أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً

إذا عرفت هذا ، فكلّ من أفطر والصوم لازم له ، كالـمُفطر بغير عذر ، والـمُفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً ، أو يظنّ الغروب فظهر خلافه ، أو الناسي لنية الصوم ، يلزمهم الإِمساك إجماعاً.

ه- من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً ، كالحائض والنفساء‌ والصبي والمجنون والكافر ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ، يستحب لهم الإِمساك باقي النهار من غير وجوب - وبه قال جابر بن زيد وابن مسعود ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - للاستصحاب.

____________________

(٤-١) المغني ٣ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥.

(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣.

٩٠

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والعنبري : يجب الإِمساك ؛ لأنّه معنى لو وُجد قبل الفجر ، لوجب الصيام ، فإذا طرأ بعد الفجر ، وجب الإِمساك ، كقيام البيّنة بالرؤية(١) . والفرق ظاهر.

أمّا المسافر إذا قدم والمريض إذا برأ ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناولا شيئاً ، وجب الإِمساك ، ولا قضاء ، وإن كان بعد الزوال ، وجب القضاء.

و - المسافر والحائض والمريض يجب عليهم القضاء إذا أفطروا إجماعاً ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) والتقدير : فأفطر.

وقالت عائشة : كنّا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم(٣) .

وإن أفاق المجنون أو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في أثناء النهار ، فلا قضاء.

وعن أحمد روايتان(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٦٥ / ٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧.

(٤) المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧.

٩١

الفصل الرابع

فيما يستحب للصائم اجتنابه‌

مسألة ٥١ : تكره مباشرة النساء للصائم‌ تقبيلاً ولمساً وملاعبةً حذراً من الوقوع في الوطء ، وأجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة ، لما رواه العامة عن عمر بن الخطاب ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في المنام ، فأعرض عنّي ، فقلت له : ما لي؟ فقال : ( إنّك تقبّل وأنت صائم)(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين اُقبّل وأنا صائم؟ فقال له : « عفّ صومك ، فإنّ بَدء القتال اللطام »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّها تكره لذي الشهوة إذا لم يغلب على ظنّه الإِنزال ، فإن غلب ، فالأقرب أنّها كذلك.

وقال بعض الشافعية : إنّها محرّمة حينئذٍ(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يُعرّض‌

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٣٣٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥٢.

(٣) المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٩٢

الصوم للإِفساد.

والجواب : التعريض للإِفساد مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك.

أمّا مَن يملك إربه كالشيخ الكبير ، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(١) - لما رواه العامة أنّ رجلاً قبّل امرأته ، فاُرسلت فسألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبرها النبيعليه‌السلام ، أنّه يقبّل وهو صائم ، فقال الرجل : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس مثلنا وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ( إنّي أخشاكم لله وأعلمكم بما أتّقي )(٢) .

ومن طريق الخاصة : أنّ الباقرعليه‌السلام سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال : « إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك ، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه »(٣) .

وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الكراهة مطلقاً(٤) ، وبه قال مالك(٥) - وعن أحمد روايتان(٦) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعرض عن عمر بمجرّد القُبلة مطلقاً(٧) .

وهو استناد الى منام أو لوجود الشهوة عند عمر.

إذا عرفت هذا ، فلو قبّل ، لم يفطر إجماعاً ، فإن أنزل ، وجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ورواه مسلم بمعناه في صحيحه ٢ : ٧٧٩ / ١١٠٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧١ - ٢٧٢ / ٨٢١ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧١ ذيل الحديث ٨٢٠.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٧ ، عارضة الاحوذي ٣ : ٢٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩.

(٧) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٩١ ، الهامش (١).

٩٣

القضاء والكفّارة عند علمائنا ، وبه قال أحمد ومالك(١) ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سلف(٣) .

مسألة ٥٢ : يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صَبِر(٤) أو طعم يصل الى الحلق‌ ، وليس بمفطر ولا محظور عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٥) - لما رواه العامة عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خيبر ونزلت معه ، فدعا بكحل إثمد(٦) ، فاكتحل به في رمضان وهو صائم(٧) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، في الصائم يكتحل ، قال : « لا بأس به ، ليس بطعام ولا شراب »(٨) .

وقال أحمد : إن وجد طعمه في حلقه ، أفطر ، وإلّا فلا(٩) . ومثله قال أصحاب مالك(١٠) .

وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم ؛ لأنّه أوصل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

(٣) سلف في المسألة ١٧.

(٤) الصَّبِر : عصارة شجر مُرّ. لسان العرب ٤ : ٤٤٢.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠.

(٦) الإِثمد : حجر يتّخذ منه الكحل. لسان العرب ٣ : ١٠٥.

(٧) سنن البيهقي ٤ : ٢٦٢ بتفاوت.

(٨) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٨ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٩ / ٢٧٨.

(٩و١٠) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦.

٩٤

الى حلقه ما هو ممنوع من تناوله ، فأفطر به ، كما لو أوصله من أنفه(١) .

وهو غير مفيد ؛ لأنّ الإِيصال إلى الحلق غير مفطر(٢) ما لم يبتلعه ، ولأنّ الوصول من المسام غير مفطر ، كما لو دلك رجله بالحنظل ، فإنّه يجد طعمه مع عدم الإِفطار.

وإنّما كره ما فيه صَبِرٌ أو مسك أو شبهه ؛ لأنّ سماعة سأله عن الكحل للصائم ، فقال : « إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ، فليس به بأس »(٣) .

مسألة ٥٣ : يكره إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة‌ ؛ لئلّا يتضرّر بالضعف ، أو ربما أفطر.

وكذا يكره دخول الحمام إن خاف الضعف أو العطش ، وإلّا فلا ؛ لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإِفطار.

وروى أبو بصير أنّه سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « ليس به بأس »(٤) .

وسئل الباقرعليه‌السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « لا بأس ما لم يخش ضعفاً»(٥) .

ويكره شمّ الرياحين ، ويتأكّد في النرجس ؛ لأنّ للأنف اتّصالاً بجوف الدماغ ، ويكره الإِيصال اليه.

وسئل الصادقعليه‌السلام : الصائم يشمّ الريحان ، قال : « لا ، لأنّه‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦.

(٢) في الطبعة الحجرية : غير مبطل.

(٣) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥٩ / ٧٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٧٠ / ٢٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٩.

٩٥

لذّة ، ويكره أن يتلذّذ »(١) .

وقال محمّد بن العيص(٢) : سمعت الصادقعليه‌السلام ينهى عن النرجس ، فقلت : جعلت فداك لم ذاك؟ قال : « لأنّه ريحان الأعاجم »(٣) .

وكره عليعليه‌السلام أن يتطيّب الصائم بالمسك(٤) .

مسألة ٥٤ : الحجامة مكروهة ؛ لخوف الضعف‌ ، فإن أمن ، فلا بأس.

وعلى التقديرين فلا يفطر بها الصائم عند علمائنا أجمع - وبه قال في الصحابة : الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم واُمّ سلمة ، وفي التابعين : سعيد بن المسيّب والباقر والصادقعليهما‌السلام ، وسعيد بن جبير وطاوس والقاسم بن محمد وسالم وعروة والشعبي والنخعي وأبو العالية ، وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأبو ثور وداود وأصحاب الرأي(٥) - لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، احتجم وهو صائم مُحرم(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحسين بن أبي العلاء - في الصحيح - قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن الحجامة للصائم ، قال : « نعم إذا لم‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١١٣ - ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ - ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ - ٣٠١.

(٢) في الكافي والفقيه والتهذيب : محمد بن الفيض.

(٣) الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠٤ ، والكافي ٤ : ١١٢ ( باب الطيب والريحان للصائم) الحديث ٢ ، والفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠١.

(٤) الكافي ٤ : ١١٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٩ ، المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٩ / ٢٣٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦٣.

٩٦

يخف ضعفاً »(١) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو صائم ، وكان لا يرى بأساً بالكحل للصائم »(٢) .

ولأنّه خارج من ظاهر البدن ، فلم يكن مُفطراً ، كالفصد.

وقال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم(٣) - وفي الكفّارة عن أحمد روايتان(٤) - واختاره ابن المنذر ومحمد بن إسحاق وابن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم(٥) - لما رواه أحد عشر نفساً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم )(٦) .

وهو محمول على مقاربتهما من الإِفطار ؛ للضعف.

ولأنّه منسوخ بما قدّمناه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) .

مسألة ٥٥ : يكره الاحتقان بالجامد على أشهر القولين‌ - خلافاً للعامة ؛ فإنّهم قالوا : إنّه مُفطر(٨) - لأنّ ابن يقطين سأل الكاظمعليه‌السلام ، ما تقول‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٢٨٨.

(٣) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٥١ - ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤.

(٦) كما في المغني ٣ : ٣٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٥ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٠٨ / ٢٣٦٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٧٩ ، وسنن الترمذي ٣ : ١٤٤ / ٧٧٤ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٨٢ - ١٨٣ / ١٢ و ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٦٥.

(٧) راجع ص ٩٥ والهامش (٦).

(٨) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ و ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

٩٧

في التلطّف(١) يستدخله الإِنسان وهو صائم؟ فكتب : « لا بأس بالجامد »(٢) .

وفي المائع قولان تقدّما(٣) .

ويكره بلّ الثوب على الجسد ؛ لاقتضائه اكتناز(٤) مسام البدن ، فيمنع خروج الأبخرة ، ويوجب احتقان الحرارة باطن البدن ، فيحتاج معه الى التبريد.

وسأل الحسن الصيقل ، الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يلبس الثوب المبلول ، فقال : « لا »(٥) .

ولا بأس أن يستنقع الرجل بالماء ؛ للأصل ؛ لأنّ(٦) الحسن بن راشد سأل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تقضي الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « إنّ أول مَن قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : « نعم » قلت : فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « من ذاك »(٧) .

وأمّا المرأة فيكره لها الجلوس في الماء ، ولا يبطل صومها ؛ للأصل.

وقال أبو الصلاح من علمائنا : يلزمها القضاء(٨) ؛ لأنّ حنان بن سدير سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس‌

____________________

(١) التلطّف : إدخال الشي‌ء في الفرج. مجمع البحرين ٥ : ١٢١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٧.

(٣) في ص ٢٩.

(٤) الاكتناز : الامتلاء. لسان العرب ٥ : ٤٠٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠٠.

(٦) كذا في جميع النُسخ. ولعلّ الصحيح : ولأنّ.

(٧) الكافي ٤ : ١١٣ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠١.

(٨) الكافي في الفقه : ١٨٣.

٩٨

ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقُبُلها »(١) .

والرواية ضعيفة السند.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٧ ، والكافي ٤ : ١٠٦ / ٥ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤ / ٧٨٩‌

٩٩

الفصل الخامس

فيمن يصحّ منه الصوم‌

مسألة ٥٦ : العقل شرط في صحة الصوم ووجوبه إجماعاً‌ ؛ لأنّ التكليف يستدعي العقل ؛ لقبح تكليف غير العاقل.

ولقولهعليه‌السلام : ( رُفع القلم عن ثلاثة - وعدّ - المجنون حتى يُفيق )(١) .

ولا يؤمر بالصوم للتمرين - بخلاف الصبي - إجماعاً ؛ لانتفاء التمييز في حقّه.

هذا إذا كان جنونه مُطبقاً ، أمّا لو كان يُفيق وقتاً يصحّ صومه ، ووافق جميعَ نهار رمضان ، وجب عليه صوم ذلك اليوم ؛ لوجود الشرط فيه ، ولأنّ صوم كلّ يوم عبادة بنفسها ، فلا يؤثّر فيه زوال الحكم عن غيره.

ولو جنّ في أثناء النهار ولو لحظة ، بطل صوم ذلك اليوم ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، والثاني وهو القديم للشافعي : عدم البطلان(٢) .

وأمّا الـمُغمى عليه ، فإنّه كالمجنون إن استوعب الإِغماء النهار ،

____________________

(١) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٨٩ / ١١١٤١ بتفاوت يسير في اللفظ.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنه كتم الشهادة عند ما ناشده امير المؤمنينعليه‌السلام في جماعة عن حديث الغدير، فكتم الشهادة، معتذراً بالنسيان كاذباً، فدعا عليه الامامعليه‌السلام وسرعان ما ظهر عليه اثر دعوته.

و في كتاب ( الأربعين ) لا سعد بن ابراهيم الاربلي عن شيخه ابن دحية الكلبي، عن سالم بن أبي الجعد قال: « حضرت مجلس انس بن مالك - وهو مكفوف البصر وفيه وضح - فقام اليه رجل من القوم - وكأنه كان بينه وبين انس إحنة - وقال له: يا صاحب رسول الله، ما هذه السمة التي أراها بك؟ فو الذي بعث محمداً نبياً لقد حدّثني ابي عن النبي ان الله قد بين ان البرص والجذام ما يبتلى به مؤمناً ونرى بك وضحاً، فأطرق انس بن مالك الى الأرض وعيناه تذرفان بالدمع وقال: أما الوضح فإنها من دعوة دعاها امير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فقام اليه جماعة فسألوه ان يحدثهم بالحديث قال:

لما أنزلت سورة الكهف سأل الصحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يريهم اصحاب الكهف فوعدهم ذلك، فبينما هو جالس في بعض الأيام وقد اهدي له بساط من قرية يقال لها هندف من قرى الشام وحضرت الصحابة وذكروه بوعدهم فقال: احضروا علياً، فلما حضر قال لي: يا انس أبسط البساط وأمر أصحابه ان يجلسوا عليه. فلما جلسوا رفع يديه الى السماء ساعة وسأل الله تعالى وأمر علياً ان يكنف القوم ويسأل الله معه كما يسأل ان يبعث له ملائكة أربعة يحملون البساط وعليه الصحابة لان ينظروا اهل الكهف، فما كان الّا ساعة وارتفع البساط قال انس: وانا معهم وسرنا في الهواء الى الظهر فوقف البساط ثم وقعنا على الأرض، فشاهدنا اهل الكهف.

و كان علي يأمر البساط ان يمضي كما يريد، فكأنه كان يعرف الكهف وقال انزلوا نصلي، فنزلنا وأم بنا وصلينا وتقدمنا إليهم فرأينا قوماً نياماً تضيء وجوههم كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ فملئنا منهم رعباً فتقدم علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فقال: السلام

٢٤١

عليكم، فردواعليه‌السلام فتقدمت الجماعة فسلموا فلم يردواعليهم‌السلام ، فقال لهم علي: لم لم تردوا على اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال أحدهم: سل ابن عمك ونبيك ثم قال علي للجماعة: خذوا مجالسكم، فلما أخذوا قال عليرضي‌الله‌عنه : يا ملائكة الله ارفعوا البساط، فرفع فسرنا في الهواء ما شاء الله، ثم قال: ضعونا لنصلي الظهر، فاذا بأرض ليس بها ماء يشرب ولا يتوضأ، فركض برجله الارض فنبع ماء عذب، فتوضأنا وصلينا وشربنا فقال: ستدركون صلاة العصر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسار بنا الى العصر فإذا نحن على باب مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما رآنا هنأنا بالسلم وأقبل يحدثنا كأنه كان معنا وقال: يا علي لـمّا سلمت عليهم ردّوا السلام وسلّم اصحابي فلم يردّوا، فسألتهم عن ذلك قالوا: سل ابن عمك ونبيك ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يردّون السلام الّا على نبي أو وصي نبي، ثم قال: اشهد لعلي يا انس.

فلما كان يوم السقيفة استشهدني علي وقال: يا أنس اشهد لي بيوم البساط قلت له: اني نسيت، قال: فان كنت كتمتها بعد وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرماك الله ببياض في عينك ووجهك ولظى في جوفك وأعمى بصرك فبصرت وعميت.

وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه، ومات بالبصرة، وكان يطعم كل يوم مسكيناً ».

وفي ( شرح نهج البلاغة ): « وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن عليعليه‌السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وايثاراً للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك، ناشد عليعليه‌السلام الناس في رحبة القصر - أو قال: رحبة الجامع - بالكوفة من [ أيكم ] سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه [ فعلي مولاه ]؟ فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد

٢٤٢

فلقد حضرتها؟! فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهم ان كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة. قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف: ان رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال: [ اني ] آليت ان لا أكتم حديثاً سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة، ذلك [ ذاك ] رأس المتقين يوم القيامة، سمعته والله من نبيكم »(١) .

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في جماعة من الصحابة منهم أنس ابن مالك.

٧ - زيد بن ارقم

وزيد بن أرقم أيضاً ممن كتم الشهادة بحديث الغدير، قال ابن المغازلي « أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال حدثني [ أبي قال حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني حدثني ] أحمد بن يحيى بن عبد الحميد حدثني [ أبو ] إسرائيل الملائي عن الحكم بن [ عن ] أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس في المسجد [ قال ]: انشد [ الله ] رجلا سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكنت [ وكنت ] انا فيمن كتم، فذهب بصري »(٢) .

و رواه الحلبي في ( السيرة ٣ / ٣٣٧ ).

و الجامي في ( شواهد النبوة ) في كرامات الامامعليه‌السلام .

__________________

(١). شرح النهج ٤ / ٧٤.

(٢). مناقب أميرالمؤمنين: ٢٣.

٢٤٣

٨ - البراء بن عازب

وهو أيضاً ممن كتم الشهادة بذلك، قال المحدث الشيرازي في حديث الغدير: « ورواه زر بن حبيش فقال: خرج علي من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا.

فقال علي بعد ما رد السلام: من هاهنا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام اثنا عشر رجلا منهم خالد بن زيد أبوأيوب الانصاري وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس بن شماس وعمار بن ياسر وأبو الهيثم ابن التيهان وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا انهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه الحديث.

فقال علي لانس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم ان كانا كتماها معاندة فأبلهما، فأما البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول كيف يرشد من أدركته الدعوة، وأما أنس فقد برصت قدماه »(١) .

وسيأتي هذا عن البلاذري أيضاً.

٩ - جرير بن عبد الله

وهو أيضاً ممن كتمها، قال البلاذري: « قال علي على المنبر: أنشد الله رجلا سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلا قام فشهد، وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [ البجلي ]، فأعادها فلم يجبه احد، فقال: اللهم من كتم هذه الشهادة - وهو يعرفها - فلا نخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية

__________________

(١). الاربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط.

٢٤٤

يعرف بها قال: فبرص أنس وعمي البراء ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته، فأتى السراة فمات في بيت أمه [ بالسراة ] »(١) .

١٠ - سمرة بن جندب

وقد باع سمرة بن جندب دينه بدنياه وآثر العاجلة على الآخرة، إذ ارتكب الكذب الصريح وأتى بالبهتان العظيم، قال ابن أبي الحديد « قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) وان الآية الثانية [ ا ] نزلت في ابن ملجم وهي [ قوله تعالى ]( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ ) فلم يقبل.

فبذل له مائتي ألف [ درهم ] فلم يقبل.

فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل.

فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك »(٢) .

و في ( شرح النهج ) أيضاً: « وروى شريك قال أخبرنا عبيد [ عبد ] الله ابن معد [ سعد ] عن حجر بن عدي قال: قدمت المدينة فجلست الى أبي هريرة فقال ممن أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: فما فعل سمرة بن جندب؟ قلت: هو حي، قال: ما [ احد ] أحب الي طول حياة منه، قلت: ولم ذاك؟ قال: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: آخركم موتاً في النار فسبقنا حذيفة، واني الآن اتمنى ان أسبقه، قال: فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين [ بن علي ].

__________________

(١). انساب الاشراف ٢ / ١٥٦.

(٢). شرح النهج ٤ / ٧٣.

٢٤٥

وروى احمد بن بشير عن مسعر بن كدام قال: كان سمرة [ ابن جندب ] أيام مسير الحسينعليه‌السلام الى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج الى الحسينعليه‌السلام وقتاله »(١) .

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في سمرة بن جندب.

١١ - المغيرة بن شعبة

لقداتهم أبوبكر المغيرة بن شعبة إذ ردّ خبره في ميراث الجدة حتى أخبره معه محمد بن مسلمة، ذكر ذلك جماعة منهم الغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ).

وتقدم عن أبي جعفر الاسكافي: ان المغيرة كان يضع الأحاديث القبيحة في أمير المؤمنينعليه‌السلام بترغيب من معاوية بن أبي سفيان.

واتهمه عمر بن الخطاب إذ رد خبره في دية الاملاص فقد جاء في [ تذكرة الحفاظ ]: « وروى هشام عن أبيه المغيرة بن شعبة: ان عمر استشارهم في املاص المرأة - يعني السقط - فقال له المغيرة: قضى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغرة، فقال له عمر: ان كنت صادقاً فآت أحداً يعلم ذلك. قال: فشهد محمد بن مسلمة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى به »(٢) .

١٢ - عمرو بن العاص

وكان عمرو بن العاص من الصحابة الذين حرضهم معاوية بن أبي سفيان على وضع الاحاديث القبيحة في مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما مر فيما سبق في عبارة الاسكافي.

__________________

(١). شرح النهج ٤ / ٨٧.

(٢). تذكرة الحفاظ - ترجمة عمر بن الخطاب.

٢٤٦

وكان قد تعود الكذب، حتى أنه كذب في خطبة له على رؤوس الاشهاد، الامر الذي اضطر بعضهم الى تكذيبه علانية فيما رواه البخاري في ( التاريخ الصغير ) وأحمد في ( المسند ) والطبري في ( التاريخ ).

قال الطبري: « لما اشتعل الوجع قام ابو عبيدة في الناس خطيباً فقال: ايها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموت الصالحين قبلكم، وان أباعبيدة يسأل الله ان يقسم له منه حظه، فطعن فمات.

واستخلف على الناس معاذ بن جبل قال: فقام خطيباً بعده فقال: اما أيها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وان معاذاً يسأل الله أن يقسم لان معاذ منه حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات، ثم قام فدعا به لنفسه فطعن في راحته، فلقد رأيته ينظر اليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول: ما أحب ان لي بما فيك شيئاً من الدنيا.

فلما مات استخلف [ على ] الناس عمرو بن العاصي، فقام خطيباً في الناس فقال: ايها الناس ان هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبوواثلة الهذلي: كذبت والله لقد صحبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت شر من حماري هذا، قال: والله ما أرد عليك ما تقول وأيم الله لا نقيم عليه »(١) .

١٣ - معاوية بن أبى سفيان

ولقد كان معاوية بن أبي سفيان يحمل أصحابه الذين باعوه دينهم بدنياه على الكذب والافتراء ووضع الاحاديث، وقد كتب نسخة الى عماله بعد ما يسمى بـ « عام الجماعة » يأمرهم بقتل شيعة أميرالمؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ١٦٢ - ١٦٣.

٢٤٧

ورواة فضائله، وبلعنه على المنابر ووضع الأحاديث في ذمه والثناء على مناوئيه ذكر ذلك كافة المؤرخين.

على ان معاوية نفسه كان يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج أحمد وأبوداود باسنادهما عن أبي شيخ الهنائي - واللفظ للاول: « ان معاوية قال لنفر من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتعلمون ان رسول الله نهى عن لباس الذهب الا مقطعا؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وتعلمون انه نهى عن جلود النمور أن يركب عليها؟ قالوا: اللهم نعم، قال وتعلمون انه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وتعلمون انه نهى عن المتعة - يعني متعة الحج -؟ قالوا: اللهم لا »(١) .

وكذب معاوية على قيس بن سعد، روى ذلك المؤرخون كالطبري وابن الأثير وابن تغرى بردي، قال ابن الأثير:

« فلما قرأ قيس كتابه ورأى انه لا يفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له مات في نفسه، فكتب اليه: أما بعد فالعجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك إياي، أتسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالامارة، وأقولهم بالحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم بالزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيلة، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت إبليس؟!

وأمّا قولك « اني مالئ عليك مصر خيلا ورجالا » فو الله ان لم أشغلك بنفسك حتى تكون أهم اليك انك لذو جد. والسلام.

فلما رأى معاوية كتابه أيس منه وثقل عليه مكانه ولم تنجع حيلة فيه، فكاده من قبل علي فقال لأهل الشام: لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا الى غزوة فانه لنا شيعة، قد تأتينا كتبه ونصيحته سراً، ألا ترون ما يفعل

__________________

(١). المسند ٤ / ٩٥.

٢٤٨

باخوانكم الذين عنده من أهل خربتا؟ يجري عليهم اعطياتهم وأرزاقهم ويحسن إليهم.

وافتعل كتاباً عن قيس اليه بالطلب بدم عثمان والدخول معه في ذلك وقرأ على أهل الشام.

فبلغ ذلك علياً - ابلغه ذلك محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب وأعلمته عيونه بالشام - فأعظمه وأكبره، فدعا ابنيه وعبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال ابن جعفر: يا أمير المؤمنين دع ما يريبك الى مالا يريبك، اعزل قيساً عن مصر. فقال علي: اني والله ما أصدق بهذا عنه »(١) .

* ولقد كذب على جماعة فيهم سيدنا الامام الحسين السبطعليه‌السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة، في قضية إقامة يزيد ابنه مقامه وأخذ البيعة له، إذ وكل بكل رجل منهم رجلين - بعد أن سبهم وهدّدهم بالقتل - وقام خطيباً فقال: « ان عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر بايعوا له ».

فكذبوه قائلين « لا والله ما بايعنا ولكن فعل بنا معاوية ما فعل »(٢) .

* ولقد ذمه وطعن فيه جماعة من أصحاب عليعليه‌السلام في وجهه، روى المسعودي بإسناده قال: « حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله ابن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب عليعليه‌السلام مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوماً فقال: نشدتكم بالله الا [ ما ] قلتم حقاً وصدقاً، أي الخلفاء رأيتموني؟

فقال ابن الكواء: لو لا انك عزمت علينا ما قلنا، لأنك جبار عنيد، لا تراقب الله في قتل الاخيار، ولكنا نقول: انك ما علمنا واسع الدنيا، ضيق الآخرة قريب الثرى، بعيد المرعى، تجعل الظلمات نوراً والنور

__________________

(١). الكامل ٣ / ١٣٨.

(٢). تاريخ الاسلام للذهبي ١ / ٣٦، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٩٧ وغيرهما.

٢٤٩

ظلمات. فقال معاوية ان الله أكرم هذا الامر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال اهل العراق المنتهكين لمحارم الله المحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله، فقال عبد الله بن الكواء: يا ابن أبي سفيان، ان لكل كلام جواباً، ونحن نخاف جبروتك، فان كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، والا فانا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه، قال: والله لا يطلق لك لسان.

ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصرعما اردت، وليس الامر على ما ذكرت، انى يكون الخيفة من ملك الناس قهراً ودانهم كبراً واستولى بأسلوب الباطل كذباً ومكراً، أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه الا كما قال القائل: « لا حلي ولا سيرى » ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانما أنت طليق ابن طليق، اطلقكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: لولا اني أرجع الى قول أبي طالب حيث يقول:

قابلت جهلهم حلماً ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلكم »(١) .

* ولقد وصفه سيدنا امير المؤمنينعليه‌السلام - وهو الصديق الأكبر - بـ « الكذاب » بصراحة، فقد جاء في ( ينابيع المودة ) ما نصه: « وفي المناقب عن الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن آبائه ان أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب الى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتاباً فقال فيه: « وإياكم دعوة ابن هند الكذاب، واعملوا أنه لا سواء امام الهدى وامام الهوى و وصي النبي وعد والنبي »(٢) .

__________________

(١). مروج الذهب ٣ / ٤٠ - ٤١.

(٢). ينابيع المودة ٨٠.

٢٥٠

ومن العجائب تكذيب معاوية بعض الاصحاب في خبر رواه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج مسلم والنسائي والطحاوي وابن الأثير وغيرهم عن عبادة بن الصامت انه قال: « انى سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين فمن زاد او ازداد فقد أربى، فرد الناس ما أخذوا.

فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال: [ ألا ] ما بال رجال يتحدثون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث؟ قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان كره معاوية - او قال وان رغم - ما أبالي ان لا أصحبه في جنده ليلة سوداء »(١) .

* وأخرج احمد في مسند معاوية والبخاري في « كتاب الاحكام » و « كتاب المناقب » عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث انه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان - فغضب معاوية فقام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال: أما بعد فانه بلغني ان رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولئك جهالكم، فإياكم والاماني التي تضل أهلها، فانى سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان هذا في قريش لا ينازعهم أحد الا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ».

١٤ - الذين جاؤا بالافك

قال الله تعالى:( ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم، لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذبن

__________________

(١). صحيح مسلم ١ / ٤٦٥.

٢٥١

تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ * عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

أليس « الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ » من الصحابة والصحابيات وتلك اسماؤهم مسجلة في الكتب؟ فهل كلهم ثقة مؤتمن؟.

١٥ - الوليد بن عقبة

لقد نص القرآن الكريم على فسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخي عثمان لامه - وعلى عدم جواز الاعتماد على خبره بقوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢) .

قال ابن عبد البر بترجمته: « ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن - فيما علمت - ان قوله عز وجل:( إِنْ جائَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأً ) نزلت في الوليد بن عقبة »(٣) .

كما يشهد قوله تعالى:( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٤) على فسقه كذلك، قال ابن عبد البر: « ومن حديث الحكم عن

__________________

(١). سورة النور ١٢ - ١٨.

(٢). سورة الحجرات ٦.

(٣). الاستيعاب ٤ / ١٥٥٣.

(٤). سورة السجدة ١٨.

٢٥٢

سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها: افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون »(١) .

وقد ذكر ابن طلحة الشافعي تلك القصة عن أبي الحسن الواحدي وأبي إسحاق الثعلبي، وأورد قصيدة حسان بن ثابت التي ضمنها اياها، وتكلم على القصة بالتفصيل، فليراجع(٢) .

ومن عجائب الأمور: ان يخرج له أبوداود في سننه، ويعدوه من رجال الصحاح ويروي جماعة عنه، كما لا يخفى على من راجع كتب رجال الحديث.

١٦ - بعض الاصحاب

لقد كذب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من الاصحاب في قصة أهل هجرة الحبشة فيما رواه المتقى: « عن الشعبي قال: لما أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل جعفر بن أبي طالب ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأته اسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها فذهب بعض حزنها، ثم أتاها فعزاها ودعا بني جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر ان يبارك له في صفقة يده، فكان لا يشتري شيئاً الا ربح فيه، فقالت له اسماء: يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين، فقال: كذبوا، لكم الهجرة مرتين، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي. ش »(٣) .

* وكذب جماعة منهم في قصة عمل عامر بن الأكوع في حديث أخرجه الشيخان في غزوة خيبر عن سلمة بن الاكوع - واللفظ لمسلم - قال: « فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه، قال: فلما قفلوا قال سلمة

__________________

(١). الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤.

(٢). مطالب السؤل ٥٧.

(٣). كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.

٢٥٣

- وهو آخذ بيدي - قال: فلما رآني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساكناً قال: مالك؟ قلت له: فداك أبي وأمي زعموا ان عامراً حبط عمله. قال: من قاله؟ قلت: فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري، فقال: كذب من قاله، ان له لاجرين - وجميع بين إصبعيه - انه لجاهد مجاهد قل عربي مشي بها مثله ».

* و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة له بعد نزول:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ... الآية) - رواها شهاب الدين أحمد « قال: اتقوا الله ايها الناس حتى تقاته ولا نموتن الا وانتم مسلمون، واعلموا ان الله بكل شيء محيط، وانه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل منهم، ومعاذ الله ان أقول على الله الا الحق، أو انطق بأمره الا الصدق وما آمركم الا ما أمرني به، ولا ادعوكم الا الى الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فقام اليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟ عرفناهم لنحذرهم.

قال: أقوام قد استعدوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس مني هاهنا - وأومىء صلّى الله عليه وبارك وسلّم الى حلقه -.

فقال عبادة: اذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟

فقال صلّى الله عليه وبارك وسلّم: عليكم بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي والاخذين من نبوتي، فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم الى الخير وهم اهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنة يجنبونكم الإلحاد والبدعة ويقمعون الحق أهل الباطل، لا يميلون مع الجاهل »(١) .

فهل كلهم ثقة مؤتمن؟

* لقد صرح أميرالمؤمنينعليه‌السلام - في كلام له - بكذب بعض الاصحاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى ذلك سبط ابن الجوزي

__________________

(١). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.

٢٥٤

حيث قال: « ومن كلامه في أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبه قال الشعبي: حدثني من سمع علياًعليه‌السلام وقد سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث، فقالعليه‌السلام : الناس أربعة، منافق مظهر للايمان [ و ] مضيع للإسلام [ وقلبه يأبى الايمان ] لا يتأثم ولا يتحرج، كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو علم الناس [ حاله ] لما أخذوا عنه ولكنهم قالوا « صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! » فأخذوا بقوله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما اخبر ووصفهم بما وصف، ثم انهم عاشوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والبهتان فولوهم الاعمال وجعلوهم على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وانما الناس تبع للملوك الا من عصمه الله عز وجل

هذه رواية الشعبي، وفي رواية كميل بن زياد عنه انه قال:

ان في أيدى الناس حقاً وباطلا وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً و وهماً، وقد كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار ، وانما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس، وذكرهم.

قلت: وقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحديث - وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار - مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي المترجم بـ « حق اليقين »، وأما طريق علىعليه‌السلام فأخبرنا غير واحد عن عبد الاول الصوفي أنبا [ نا ] ابن المظفر الداودي، أنبأ [ نا ] ابن أعين السرخسي، أنبأ [ حدثنا ] الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار.

اخرجاه في الصحيحين واخرجه احمد في المسند، والجماعة »(١) .

__________________

(١). تذكرة خواص الامة ١٤٢.

٢٥٥

فكيف يكون كلهم ثقة ..؟

* ولقد كان عمر بن الخطاب يخوف الناس في عهده في الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذا لم يعتمد معاوية - مع كونه من أكذب الناس - على كثير من الأحاديث المروية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا ما كان منها في عهد عمر، قال الذهبي بترجمة عمر: « ابن علية عن رجاء ابن أبي سلمة: قال: بلغني ان معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر، فانه قد اخاف الناس في الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وقال عمر لاصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيما رواه ابن عبد البر باسناده -: « أقلوا الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا شريككم. قال ابن عبد البر: وهذا يدل على ان نهيه عن الإكثار وأمره بالاقلال من الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما كان خوف الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

* وكذّب عوف بن مالك الصحابي قوماً من الصحابة فكذبهم عمر كذلك فقد روى ابن أبي الحديد في سيرة عمر: « حضر [ ت ] عند عمر قوم من الصحابة، فأثنوا عليه وقالوا: والله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط و [ لا ] أقول، ولا أشد على المنافقين منك، انك لخير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال عوف بن مالك كذبتم والله، أبو بكر بعد رسول الله خير منه [ أمته ]، رأينا أبا بكر، فقال عمر صدق عوف والله وكذبتم، لقد كان أبو بكر والله أطيب من ريح المسك وأنا أضل من بعير أهلي »(٣) .

* وكذبت جماعة من الصحابيات في قضية زفاف عائشة، فقد أخرج

__________________

(١). تذكرة الحفاظ - ترجمة عمر.

(٢). جامع بيان العلم ٤٠٠.

(٣). شرح النهج ١٢ / ٣٦.

٢٥٦

أحمد قائلا: « ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن ابن أبي الحسين عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: كنا فيمن جهز عائشة وزفها، قالت: فعرض علينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبناً، فقلنا: لا نريده، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجمعن جوعاً وكذباً »(١) .

* ومما استفاض نقله: ان بعض نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمن إحدى زوجاته - حسداً منهن لها وعناداً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن تستعيذ بالله منه حين يدخل عليها، كي ينتهي ذلك الى تطليق النبي إياها.

وممن روى ذلك ابن سعد والحاكم والطبري، وجماعة من شراح البخاري، وابن عبد البر وابن الأثير ونحن نكتفي برواية ابن سعد حيث قال: « أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: تزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء بنت النعمان وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبّه ( أشبّهم. ظ )، قال: فلما جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتزوج الغرائب قالت عائشة قد وضع يده في الغرائب، يوشكن أن يصرفن وجهه عنا، وكان خطبها حين وفدت كندة عليه الى أبيها فلما رآها نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسدنها فقلن لها: ان أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه اذا دخل عليك، فلما دخل وألقى الستر مد يده اليها فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: أمن عائذا لله، الحقي بأهلك.

أخبرنا هشام بن محمد، حدثني ابن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه - وكان بدرياً - قال: تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة - أو عائشة لحفصة - اخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلنا [ ففعلن ] ثم قالت لها إحداهما: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مديدة إليها، فقالت: أعوذ

__________________

(١). المسند ٦ / ٤٥٩.

٢٥٧

بالله منك، فقال بكمه على وجهه فاستتر به وقال: عذت معاذاً - ثلاث مرات -.

قال أبو أسيد: ثم خرج علي فقال: يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين - يعني كرباستين - فكانت تقول: ادعوني الشقية.

أخبرنا هشام بن محمد السائب، حدثني زهير بن معاوية الجعفي: انها ماتت كمداً »(١) .

١٧ - معقل بن سنان

لقد رد أميرالمؤمنينعليه‌السلام خبر معقل بن سنان الأشجعي في المفوضة فيما رواه جماعة كالغزالي والآمدي وأبي الوليد الباجي وعبد العزيز البخاري وابن الهمام وغيرهم، قال المتقى: « عن علي انه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداقاً: لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها ، و قال: لا يقبل قول اعرابي من أشجع على كتاب الله. ص ق »(٢) .

١٨ - هشام بن حكيم

وكذّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج البخاري قائلا: « حدثنا سعيد بن عفير [ قال ] حدثني الليث [ قال ] حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكدت اساوره في الصلاة فتصبرت حتى

__________________

(١). الطبقات الكبرى ٨ / ١٤٥.

(٢). كنز العمال ١١ / ٢٩.

٢٥٨

سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرئك هذه السورة التي [ سمعتك ] تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت كذبت، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت.

فانطلقت به أقوده الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: اني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك أنزلت. ثم قال اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك أنزلت، ان هذا القرآن أنزل [ على ] سبعة أحرف، فاقرؤا ما تيسر منه »(١) .

١٩ - رجل من الصحابة

كذبه الشعبي - وهو من كبار التابعين - قال الذهبي: « قال الحاكم في ترجمة الشعبي: ثنا ابراهيم بن مضارب العمري [ القمري ] ثنا محمد بن اسماعيل ابن مهران نا عبد الواحد بن نجدة الحوطي نا بقية نا سعيد بن عبد العزيز حدثني ربيعة بن يزيد قال: قعدت الى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك. فحدث رجل من الصحابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء، فان كان خيراً فلكم، وان كان شراً فعليهم وأنتم منه براء.

فقال له الشعبي: « كذبت »(٢) .

٢٠ - طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير

لقد كذب هؤلاء - وهم من مشاهير الصحابة - في حرب الجمل في

__________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٢٢٧.

(٢). تذكرة الحفاظ - ترجمة الشعبي -.

٢٥٩

قضية « الحوأب » وحملوا الناس على أن يشهدوا زوراً في قصة معروفة رواها المؤرّخون بأجمعهم، كابن قتيبة والطّبري وأبناء الأثير وخلدون والوردي والشحنة، وأبي الفداء والمسعودي والسمعاني والحموي

قال الطبري: « شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوأب:

حدثني اسماعيل بن موسى الفزاري قال: نا علي بن عابس الأزرق قال: ثنا ابو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الاحمسي قال: حدثني العرني صاحب الجمل قال: بينما أنا أسير على جمل اذ عرض لي راكب فقال: يا صاحب الجمل [ أ ] تبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم. قال: مجنون أنت؟ جمل يباع بألف درهم؟ قال قلت: نعم جمل [ جملي ] هذا. قال: ومم ذلك؟ قلت: ما طلبت عليه أحداً قط الا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد قط إلا فته. قال: لو تعلم لمن نريده لا حسنت بيعنا. قال قلت: ولمن تريده؟ قال: لامك. قلت: لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا. قال: انما أريده لام المؤمنين عائشة، قلت: فهو لك، خذه بغير ثمن، قال: لا ولكن ارجع معنا الى البرحل فلنعطك ناقة مهريّة، وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم.

فقال لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قال قلت: نعم انا من ادرك [ أدل ] الناس قال: فسر معنا، فسرت معهم فلا امر على واد ولا ماء الا سألوني عنه حتى قرطنا ماء الحوأب، قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثم قالت: وانا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً، ردوني، تقول ذلك ثلاثاً، فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك، وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء فقد أدرككم والله علي بن بي طالب. قال: فارتحلوا. وشتموني فانصرفت »(١) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ٤٧٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333