تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234575 / تحميل: 5706
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء الجزء السادس

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الصوم‌

وفيه مقدمة وفصول:

الصوم لغةً : الإِمساك(١) ، وشرعاً : الإِمساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.

وينقسم الى واجب ومندوب ومكروه ومحظور.

أمّا الواجب فستة : صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب.

وأمّا المندوب(٢) : فجميع أيام السنة إلّا العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى.

ويتأكّد أربعة عشر : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أول خميس من كلّ شهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الثاني ، وثلاثة أيام البيض ، والغدير ، ومولد النبيعليه‌السلام ، ومبعثه ، ودَحو الأرض ، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء ، وعاشوراء على جهة الحزن ، ويوم المباهلة ، وكلّ خميس ، وكلّ جمعة ، وأول ذي الحجة ، وشهر رجب وشعبان.

وأمّا المكروه : فصوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء ، أو يشك في الهلال ،

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٥ : ١٩٧٠.

(٢) في النسخ الخطية : الندب. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦

والنافلة سفراً عدا ثلاثة أيّام بالمدينة للحاجة ، والضيف ندباً بدون إذن مضيفه ، أو الولد بدون إذن الوالد ، والصوم ندبا للمدعوّ إلى طعام.

وأمّا المحظور فتسعة : صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى ، ويوم الشك بنية الفرض ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال ، وصوم المرأة والعبد ندباً بدون إذن الزوج والمالك ، وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني.

قيل : أول ما فرض صوم عاشوراء.

وقيل : كان تطوعاً لا فرضا.

وقيل : لمـّا قدم النبيعليه‌السلام [ المدينة ](١) أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) (٢) ثم نسخ بقوله تعالى :( شَهْرُ رَمَضانَ ) (٣) (٤) .

وقيل : المراد بالأيام المعدودات شهر رمضان ، فلا نسخ.

وقيل : أول ما فرض صوم رمضان لا عيناً ، بل مخيّراً بينه وبين الفدية ، وكان الصوم أفضل ؛ لقوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) (٥) الآية ، ثم نسخ بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٦) .

قيل : وكان الصوم في بدء الإِسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة ، أو ينام إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غربت حلَّ الأكل والشرب إلى أن يصلّي العشاء أو ينام.

وصوم شهر رمضان واجب بالنص والإجماع.

____________________

(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) أنظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٠٠ و ٢٠١.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) البقرة : ١٨٥.

٧

الفصل الأول

في النيّة‌

مسألة ١ : شرط صحة الصوم : النيّة‌ ، واجباً كان أو ندباً ، رمضان كان أو غيره ، بإجماع علمائنا - وبه قال أكثر الفقهاء(١) - لقوله تعالى( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنّيات )(٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يُبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الرضاعليه‌السلام : « لا عمل إلّا بنيّة »(٥) .

ولافتقار قضائه إلى النيّة ، فكذا أداؤه كالصلاة.

وحكي عن زفر بن الهذيل ومجاهد وعطاء : أنّ صوم رمضان إذا تعيّن ، بأن كان مقيماً صحيحاً ، لا يفتقر إلى النيّة ؛ لأنّه فرض مستحق لعينه ، فأشبه‌

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٦ : ٣٠٠ ، والمغني ٣ : ١٨.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ و ٢١٣.

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، والمعتبر : ٣٦.

٨

ردّ الوديعة(١) .

والفرق : أنّ الوديعة حقّ الآدمي.

مسألة ٢ : الصوم إن كان معيّناً بأصل الشرع كرمضان ، كفى فيه نيّة القربة‌ ، وهو : أن ينوي الصوم لوجوبه متقرباً إلى الله تعالى ، لا غير ، ولا يفتقر إلى التعيين ، وهو : أن ينوي رمضان عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أحد قوليه(٢) - لأنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر ، ولا يتحقّق التعدّد هنا ؛ فإنّه لا يقع في رمضان غيره ، فأشبه ردّ الوديعة.

وفي الثاني للشافعي : أنّه يفتقر - وبه قال مالك - لأنّه صوم واجب فيشترط فيه التعيين كالقضاء(٣) .

وليس بجيّد ؛ لعدم تعيّن زمان القضاء.

وقال أبو حنيفة بالاكتفاء إن كان مقيماً(٤) .

وإن كان معيَّناً لا بأصل الشرع ، بل بالنذر وشبهه ، قال السيد المرتضى : تكفي فيه نية القربة كرمضان(٥) - وبه قال أبو حنيفة(٦) - لأنّه زمان‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٩.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ و ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٧ - ٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٢.

٩

تعيّن للصوم بالنذر ، فأشبه رمضان.

وقال الشيخ : لا تكفي ، بل لا بدّ فيه من نيّة التعيين(١) - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٢) - لأنّه لم يتعيّن بأصل الشرع ، فأشبه النذر المطلق. وهو ممنوع.

وإن لم يكن معيَّناً كالنذور المطلقة وقضاء رمضان وصوم الكفّارات وصوم النافلة ، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين عند العلماء كافة ؛ لأنّه زمان لا يتعيّن الصوم فيه ، ولا يتحقّق وجهه ، فاحتاج الى المخصّص.

فروع :

أ - لا بدّ من نية الفرض وإن كان الصوم معيَّناً كرمضان‌ ، وللشافعي قولان(٣) .

ب - ليس للمسافر أن يصوم رمضان بنيّة أنّه منه أو من غيره‌ ؛ لأنّ الصوم في سفر القصر حرام ، ولا يقع في رمضان غيره ؛ للنهي عن الصوم ، المقتضي للفساد ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء(٤) .

وقال أبو حنيفة : يقع عمّا نواه إذا كان واجباً(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمد : يقع عن رمضان(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨ ، الخلاف ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٤.

(٢) المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ - ٢٩٥ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩.

١٠

ج - لو نوى الحاضر في رمضان صوماً مطلقاً ، وقع عن رمضان إجماعاً. ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك ؛ للاكتفاء بنية القربة في رمضان وقد حصلت ، فلا تضرّ الضميمة ، ومع العلم كذلك ؛ لهذا الدليل ، ويحتمل البطلان ؛ لعدم قصد رمضان والمطلق فلا يقعان ؛ لقولهعليه‌السلام : ( وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى )(١) والمقصود منهي في رمضان.

د - شرط النية الجزم ، فلو قال : أنا صائم غداً إن شاء الله ؛ فإن قصد التبرّك أجزأ ، وإلّا فلا.

ولو نوى قضاء رمضان أو تطوّعاً ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، فلا جزم في كلٍّ منهما.

وقال أبو يوسف : يقع عن القضاء ؛ لعدم افتقار التطوّع إلى التعيين ، فكأنّه نوى القضاء وصوماً مطلقاً(٢) .

وقال محمد : يقع تطوّعاً - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع ، فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك ، بقيت نيّة الصوم ، فوقع تطوّعاً(٤) .

وكلاهما ضعيف.

مسألة ٣ : وقت النيّة في المعيَّن كرمضان والنذر المعيَّن : من أول الليل إلى أن يطلع الفجر‌ ، ولا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم ، فيفسد صومه إذا أخّر عامداً ؛ لمضيّ جزء من النهار بغير نيّة ، والصوم لا يتبعّض ، ويجب عليه الإِمساك.

ولو تركها ناسياً أو لعذر ، جاز تجديدها الى الزوال ؛ لأنّ أعرابيّا جاء الى‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

١١

النبيعليه‌السلام ، وقد أصبح الناس يوم الشك ، فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيعليه‌السلام منادياً ينادي : مَن لم يأكل فليصم ، ومَن أكل فليمسك(١) ، وإذا جاز مع العذر - وهو الجهل - جاز مع النسيان.

وقال الشافعي : لا يجزئ الصيام إلّا بنيّة من الليل في الواجب كلّه ، المعيّن وغيره ؛ وبه قال مالك وأحمد(٢) - وفي جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام قبل الفجر )(٤) .

ونقول بموجبه في العمد.

وقال أبو حنيفة : يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال ، وكذا كلّ صوم معيَّن بالقياس على التطوّع(٥) .

والفرق : المسامحة في التطوّع تكثيراً له حيث قد يبدو له الصوم في النهار ، ولو شرطت النيّة ليلاً لَمُنع منه.

فروع :

أ - لو نوى أيّ وقت كان من الليل أجزأ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام‌

____________________

(١) أورده المحقق في المعتبر : ٢٩٩ ، والسرخسي في المبسوط ٣ : ٦٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٩ - ٢٩٠ و ٣٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ١ ، سنن الدارمي ٢ : ٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

١٢

لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(١) وهو عام.

وقال بعض الشافعية : إنّما تصح النية في النصف الثاني منه دون الأول ؛ لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة(٢) .

والفرق : جوازهما بعد الصبح ، فلا يفضي منعهما في الأول الى فواتهما ، بخلاف النيّة ؛ فإنّ أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني ، ولا يذكر الصوم.

ب - تجوز مقارنة النيّة لطلوع الفجر ؛ لأنّ محلّ الصوم النهار ، والنيّة مقارنة.

وقال بعض الشافعية : يجب تقديمها على الفجر(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ المقارنة متعذّرة غالباً ، والتأخير ممنوع منه ، فتعيّن السبق ؛ لإِزالة مشقّة ضبط المقارنة ، ومع فرض وقوعها يجب الإِجزاء.

ج - يجوز أن يفعل بعد النيّة ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر ، وأن ينام بعد النيّة ؛ لقوله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ ) (٥) خلافاً لأبي إسحاق من الشافعية(٦) .

د - لو نوى الصوم في رمضان ، ثم نوى الخروج منه بعد انعقاده ، لم‌

____________________

(١) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ و ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ - ٣٠٥.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٨ / ٧٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ٣.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

١٣

يبطل عند الشيخ(١) والشافعي في أحد قوليه ؛ لانعقاده أوّلاً ، فلا يبطل بغير المفطر.

وفي الآخر : يبطل ؛ لمضي جزء من النهار بغير نيّة فعلاً وقوّةً ، ولا عمل إلّا بنيّة(٢) .

ه- لو شك هل يخرج أم لا ، لم يخرج ؛ لأنّه لا يخرج مع الجزم ، فمع الشك أولى ، وللشافعية وجهان(٣) .

و - لو نوى أنّه يصوم غداً من رمضان لسنة تسعين ، وكانت إحدى وتسعين ، صحّ - خلافاً لبعض الشافعية(٤) - لوجود الشرط ، فلا يؤثّر الغلط ، كما لو نوى الثلاثاء فبان الأربعاء.

ولو كان عليه قضاء اليوم الأول ، فنوى قضاء الثاني ، أو كان عليه يوم من سنة خمس ، فنواه من سنة ست ، لم يصح ؛ لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان ، فلا بدّ فيه من النيّة ، والذي عليه لم يَنْوه.

مسألة ٤ : الواجب غير المعيَّن كالقضاء والنذر المطلق ، يستمر وقت النيّة فيه إلى الزوال‌ إذا لم يفعل المنافي نهاراً ؛ لعدم تعيّن زمانه ، فجاز تجديد النيّة إلى الزوال ، كالنافلة.

ولأنّ هشام بن سالم قال للصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يوم ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب له من الوقت الذي نوى »(٥) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧.

(٤) وهو القاضي أبو الطيب كما في حلية العلماء ٣ : ١٨٩.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

١٤

وسأل صالح بن عبد الله ، الكاظمعليه‌السلام ، عن رجل جعل الله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز »(١) .

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج ، الكاظمعليه‌السلام ، عن الرجل يصبح لم يطعم ولم يشرب ولم يَنو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ فقال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ له من شهر رمضان »(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجزئ إلّا من الليل ، وبه قال الفقهاء(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له )(٤) .

والمقصود منه المعيَّن ؛ لأنّه مخصوص بالنافلة ، فكذا غير المعيَّن.

مسألة ٥ : وقت النيّة لصوم النافلة من الليل ، ويمتدّ الى الزوال‌.

( وبجواز التجديد بالنهار قال )(٥) ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٦) .

ووافقنا على امتداده الى الزوال خاصة ، أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، وأحمد في إحدى الروايتين(٧) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، دخل على‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ و ٨٦ ، الكتاب - للقدوري - بشرح الميداني ١ : ١٦٣ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ط » والطبعة الحجرية هكذا : ويجوز التجديد بالنهار ، قاله.

(٦) المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٥.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، المغني ٣ : ٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥.

١٥

عائشة يوماً ، فقال : ( هل عندكم شي‌ء؟ ) قلنا : لا ، قال : ( فإنّي إذن صائم )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

وقال مالك : تجب النيّة من الليل ، بمعنى أنّه لا يصح الصوم إلّا بنيّة من الليل - وبه قال داود والمزني ، وهو مروي عن عبد الله بن عمر(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٤) .

ولتساوي نيّة فرض الصلاة ونفلها في الوقت ، فكذا الصوم.

والحديث مخصوص بالناسي والمعذور ، وحديثنا أخصّ.

والفرق : أنّ النيّة مع أول الصلاة في النفل لا يؤدّي الى تقليلها ، بخلاف الصوم.

وقال السيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) والشافعي في قول(٧) : إنّ النيّة في النفل تمتدّ بامتداد النهار ؛ لتناول الأحاديث السابقة له.

وسأل هشام بن سالم ، الصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٣١.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ و ١٢١ ، المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١١ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١ ، معالم السنن - للخطّابي - بهامش مختصر سنن أبي داود ٣ : ٣٣٤.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣ - ٥٤.

(٦) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٧) الوجيز ١ : ١٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١.

١٦

له من الوقت الذي نوى »(١) ولو صحّ الصوم من أول النهار لَحُسب له.

مسألة ٦ : جوّز الشيخ تقديم نيّة رمضان خاصة بيوم أو أيّام‌ ، إن عرض له ليلة الصيام سهوٌ أو نومٌ أو إغماءٌ ، أجزأته النيّة السابقة ، وإلّا فلا بدّ له من تجديدها(٢) ؛ لأنّ اقتران النيّة بالفعل غير شرط إجماعاً ، ولهذا جاز تجديد الناقض بعدها قبل الفجر ، فجاز تقدّمها قبل الهلال بيوم أو أيّام ؛ لتقارب الزمان.

والوجه : عدم الجواز ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٣) وأجزأ من أوله ؛ لعسر ضبط آخره.

مسألة ٧ : جوّز أصحابنا في رمضان صومه بنيّة واحدة في أوله لصومه أجمع‌ ، ولا يحتاج إلى تجديد النيّة كلّ ليلة ، بخلاف غيره - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق وزفر(٤) - لأنّه نوى في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم ، لا يتخلّل بينه وبين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه ، فأجزأه ، كما لو نوى اليوم الأول من ليلته.

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية : إنّه لا بدّ من تجديد النيّة كلّ يوم كغير رمضان(٥) .

وهو الوجه ؛ لأنّها عبادات متعدّدة لا يبطل بعضها بفساد البعض ، بخلاف الصلاة الواحدة واليوم الواحد.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٦.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ و ١٨٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨.

١٧

وادّعى الشيخ والسيد المرتضى الإِجماع(١) (٢) .

مسألة ٨ : يستحب صوم(٣) يوم الشك من شعبان إذا لم يُر الهلال‌ ، ولا يكره صومه ، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم وشبهه ، أو لم يكن - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان »(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « صُمه فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وُفّقت له »(٦) .

ولأنّ الاحتياط يقتضي صومه ، فلا وجه للكراهية.

وقال شيخنا المفيدرحمه‌الله : إنّما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، إلّا لمن كان صائماً قبله(٧) - وبه قال الشافعي والأوزاعي(٨) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستة أيام : اليوم الذي يشك فيه من رمضان(٩) .

ويحمل على النهي عن صومه من رمضان.

وقال أحمد : إن كانت السماء مصحيةً ، كره صومه ، وإن كانت مغيمةً ، وجب صومه ، ويحكم بأنّه من رمضان - وهو مروي عن ابن عمر - لأنّ النبي‌

____________________

(١) أي : الإِجماع على إجزاء نيّة واحدة لصوم جميع شهر رمضان.

(٢) الخلاف ٢ : ١٦٣ - ١٦٤ ، المسألة ٣ ، الانتصار : ٦١ - ٦٢.

(٣) في « ط ، ن » : صيام.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٤٠٤ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٤٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٦) الكافي ٤ : ٨٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ / ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٦.

(٧) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٠.

(٨) المجموع ٦ : ٤٠٠ و ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٩) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٦.

١٨

عليه‌السلام قال : ( إنّما الشهر تسعة وعشرون يوماً ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له )(١) .

ومعنى الإِقدار : التضييق ، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين(٢) .

وقد سبق أنّ النهي عن الصوم من رمضان ، ومعارض بقولهعليه‌السلام : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )(٣) .

وقال الحسن وابن سيرين : وإن صام الإِمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا وهو مروي عن أحمد(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحّون )(٥) .

فروع :

أ - لو نوى أنّه يصومه من رمضان ، كان حراماً ، ولم يجزئه لو خرج منه ؛ لدلالة النهي على الفساد.

قال مولانا زين العابدينعليه‌السلام عن يوم الشك : « اُمرنا بصيامه ، ونُهينا عنه ، اُمرنا أن يصومه الإِنسان على أنّه من شعبان ، ونُهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥‌

(٢) المغني ٣ : ١٣ - ١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥ - ٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٢ ، المجموع ٦ : ٤٠٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣٥.

(٤) المغني ٣ : ١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦ ، المجموع ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٨٠ / ٦٩٧.

(٦) المعتبر : ٣٠٠ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، والفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، =

١٩

ولو نواه ندباً على أنّه من شعبان ، أجزأ عنه وإن خرج من رمضان ؛ لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه ، فكان مجزئاً عن الواجب ؛ لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره ، ونيّة الوجوب ساقطة ؛ للعذر.

ولو نوى أنّه واجب أو ندب ولم يعيّن ، لم يصحّ صومه ، ولم يجزئه لو خرج من رمضان ، إلّا أن يجدّد النيّة قبل الزوال.

ولو نوى أنّه من رمضان ، فثبت الهلال قبل الزوال ، جدّد النيّة ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة.

ولو نوى أنّه إن كان من رمضان فهو واجب ، وإن كان من شعبان فندب ، لم يصحّ - وهو أحد قولي الشيخ(١) ، وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ شرط النيّة الجزم ولم يحصل.

وللشيخ قول آخر : الإِجزاء لو بان من رمضان ؛ لأنّه نوى الواقع على التقديرين على وجههما ، ولأنّه نوى القربة وهي كافية(٣) .

ب - لو نوى الإِفطار لاعتقاد أنّه من شعبان ، فبان من رمضان قبل الزوال ولم يتناول ، نوى الصوم الواجب ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة ، والجهل عذر ، فأشبه النسيان.

ولو بان بعد الزوال ، أمسك بقية نهاره ، ووجب عليه القضاء ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

والشافعي أوجب القضاء في الموضعين(٥) .

____________________

= والتهذيب ٤ : ٢٩٦ - ٨٩٥.

(١) اُنظر : النهاية : ١٥١.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٢٣ - ٣٢٤.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٢ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٧.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٠.

(٥) المجموع ٦ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفي لفظ : ( إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حقه )(١) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون »(٢) .

ولأنّ سائر ما جعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غايةً للفرض إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض.

وقال أحمد - في الرواية الاُخرى - وأبو عبيد : لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ مائة وثلاثين فيكون فيها حقّة وبنتا لبون ، لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض ، ولو سلّم فكذا هنا ، لأنّ الواحدة إنّما ( تغيّر )(٣) بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة على الستين ( والتسعين )(٤) (٥) .

وقال مالك في الرواية الاُخرى : إذا زادت تغيّر الفرض إلى تخيير الساعي بين الحِقّتين وثلاث بنات لبون(٦) .

وقال ابن مسعود والنخعي والثوري وأبو حنيفة : إذا زادت الإِبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وأربعين ففيها‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١١٥ / ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) أي : تغيّر الفرض. وورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : يعتبر. وفي الطبعة الحجرية : يعتد. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : المصادر في الهامش (٥) الآتي.

(٤) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : السبعين. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير. لاحظ : الهامش التالي.

(٥) المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٧ ، والمجموع ٥ : ٤٠٠ ، وفتح العزيز ٥ : ٣٢٠.

(٦) التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

٦١

حقّتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة ، فيكون فيها حقّتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ، ففيها ثلاث حقاق ، ثم تستأنف الفريضة أيضاً بالغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثم حقّة ، فيكون في كلّ خمسٍ شاةٌ إلى مائة وسبعين ، فيكون فيها ثلاث حقاق وأربع شياه ، فإذا بلغت خمساً وسبعين ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض إلى مائة وخمس وثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائة وخمس وتسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حقاق إلى مائتين ، ثم يعمل في كلّ خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة وخمسين إلى أن ينتهي إلى الحقاق ، فإذا انتهى إليها انتقل إلى الغنم ، ثم بنت مخاض ، ثم بنت لبون ، ثمّ حقّة ، وعلى هذا أبداً(١) .

لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب لعمرو بن حزم كتاباً ذكر فيه الصدقات والديات وغيرها ، فذكر فيه : ( إن الإِبل إذا زادت على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة في كلّ خمسٍ شاةٌ ، وفي عشر شاتان )(٢) .

وقد روي عن عمرو بن حزم(٣) مثل قولنا وإذا اختلفت روايته سقطت ، أو تزاد إذا زادت في أثناء الحول ، فإنّ الزيادة لها حكم نفسها ، أو نقول : استؤنفت بمعنى استقرّت على هذين الشيئين.

وقوله : ( في كلّ خمس شاة ) يحتمل أن يكون تفسير الراوي على ظنّه.

ولأنّ ما قلناه موافق للقياس ، فإن الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب فيه من غير جنسه ، وإنّما جاز ذلك في الابتداء ، لأنّه لم يحتمل أن يجب فيه‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٥١ ، اللباب ١ : ١٣٩ - ١٤٠ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦.

(٢) المراسيل - لأبي داود - : ١١١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٤ بتفاوت.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٨٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٦.

٦٢

من جنسه وقد زال هذا المعنى.

وروى الجمهور عن عليعليه‌السلام وعبد الله مثل قول أبي حنيفة(١) ولم يثبت عنهما.

وقال ابن جرير : هو مخيّر بين مذهب الشافعي وأبي حنيفة(٢) .

مسألة ٣٨ : لو كانت الزيادة على عشرين ومائة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض‌ إجماعاً ، لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة ، ولأنّ الأوقاص كلّها لا يتغيّر فرضها بالجزء كذا هنا.

وقال أبو سعيد الإِصطخري : يتغيّر الفرض به ، لأنّ الزيادة مطلقة عامّة(٣) . وما ذكرناه أخص.

مسألة ٣٩ : إذا اجتمع في نصابٍ الفريضتان كمائتين وكاربعمائة تخيّر المالك‌ بين إخراج الحقاق وبنات اللبون عند علمائنا ، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب الصدقات : ( فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ السنين وجدت أخذت )(٥) .

ولأنّه قد اجتمع عددان كلّ واحد منهما سبب في إيجاب ما تعلّق به الفرض ، والجمع باطل ، وتخصيص أحدهما ترجيح من غير مرجِّح فوجب التخيير.

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٠٠ - ٤٠١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩.

(٥) المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ - ٩٩ / ١٥٧٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩١.

٦٣

وقال الشافعي في القديم : تجب الحقاق لا غير ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية(١) ، لأنّ الفرض يتغيّر بالسنّ في فرائض الإِبل أكثر من تغيّره بالعدد ، فإنّ في مائة وستين أربع بنات لبون ، ثمّ كلّما زاد عشراً زاد سنّاً فيكون في مائة وتسعين ثلاث حقاق.

وليس بشي‌ء ، لأنّ كلّ عدد تغيّر الفرض فيه بالسنّ فإنّما تغيّر لقصوره عن إيجاب عدد الفرض.

فروع :

أ - الخيار إلى المالك عندنا ، وبه قال أحمد في رواية(٢) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ : « إيّاك وكرائم أموالهم »(٣) .

ولأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لربّ المال ، كالخيار في الجبران بين شاتين أو عشرين درهماً وبين النزول والصعود وتعيين المخرج.

وقال الشافعي في الجديد : يتخيّر الساعي فيأخذ أحظّهما للفقراء ، فإن أخرج المالك لزمه أعلى الفرضين(٤) ، لقوله تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (٥) .

ولأنّه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلى مستحقّه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية.

ولا دلالة في الآية ، لأنّه إنّما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرائم‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ ، المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ٢٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٣٣ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٢٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٠‌

(٥) البقرة : ٢٦٧.

٦٤

مثلها ، والأدنى ليس بخبيث ، ولهذا لو لم يوجد إلّا سببه وجب إخراجه ، ونمنع الأصل ، ويبطل بشاة الجبران ، وقياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الدية.

ب - التخيير إذا وجد الفرضان عنده ، فإن وجد أحدهما احتمل تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وهو قول الشافعي(١) بناءً على التخيير ، وتخيير المالك في إخراجه وشراء الآخر ، لأنّ الزكاة لا تجب في العين ، وهو قول بعض الجمهور(٢) ، وهو أقوى.

ولو عدمهما تخيّر في شراء أيّهما كان ، لاستقلال كلّ منهما بالإِبراء ، ولأنّه إذا اشترى أحدهما تعيّن الفرض فيه ، لعدم الآخر ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج - لو أراد إخراج الفرض من النوعين ، فإن لم يحتج إلى تشقيص جاز مثل أن يخرج عن أربعمائة أربع حقاق وخمس بنات لبون ، وبه قال أكثر الشافعية(٤) .

وقال أبو سعيد الإِصطخري : لا يجوز ، لما فيه من تفريق الفريضة(٥) .

وهو غلط لأنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بفرضها.

وإن احتاج بأن يخرج عن المائتين حِقّتين وبنتي لبون ونصف جاز بالقيمة لا بدونها ، لعدم ورود الشرع بالتشقيص إلّا من حاجة ، ولهذا جعل لها أوقاصاً دفعاً للتشقيص عن الواجب فيها ، وعدل فيما نقص عن ستّ وعشرين من الإِبل عن إيجاب الإِبل إلى إيجاب الغنم ، فلا يصار إليه مع إمكان العدول عنه إلى إيجاب فريضة كاملة ، أمّا بالقيمة فيجوز ، لتسويغ إخراجها.

____________________

(١) الاُم ٢ : ٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١١.

(٢) قال به ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٤٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩١.

(٣) المجموع ٥ : ٤١١ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩.

٦٥

د - لو أخذ الساعي الأدنى جاز ، ولا يخرج ربّ المال الفضل وجوباً ، لما بيّنا من تخيير المالك.

وقال الشافعي : يخرج الفضل وجوباً - في أحد الوجهين - لأنّه أخرج دون الواجب فكان عليه الإِكمال ، وفي الآخر : مستحب(١) ، كما بيّنّاه.

فعلى الأول لو كان يسيراً لا يمكن شراء جزء حيوان به أخرجه دراهم ، وإن أمكن فوجهان(٢) : الشراء ، لعدم جواز إخراج القيمة عنده ، وإخراج الدراهم ، لمشقّة شراء الجزء وإخراجه وعدم النص فيه ، بخلاف الكلّ.

وقال بعض الشافعية : إن كان المأخوذ باقياً ردّه الساعي وأخذ الأعلى وإلّا ردّ قيمته وأخذ الأعلى(٣) .

وقال بعضهم : يخرج الفضل مع التلف(٤) .

مسألة ٤٠ : لو وجد أحد الفرضين ناقصاً والآخر كاملاً أخذ الكامل‌ ، مثل : أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعيّن أخذ الفريضة الكاملة ، لأنّ الجبران بدل يشترط له عدم المبدل ، نعم لو ساوت قيمته جاز.

ولو كانا ناقصين بأن كان فيه ثلاث حقاق وأربع بنات لبون تخيّر ، إن شاء أخرج بنات اللبون وحقّة وأخذ الجبران ، وإن شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع الجبران.

ولو قال : خُذ منّي حقّة وثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة لم يجز إلّا على القيمة.

وللشافعي وجهان : المنع ، لأنّه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤١٢ - ٤١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٤٧ - ٤٨.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٥ : ٣٥٤.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٤٨.

٦٦

الجبران ، والجواز ، لأنّه لا بدّ من الجبران ، فكما جاز مع واحدة جاز مع أكثر(١) .

ولو لم يجد إلّا حقّة وأربع بنات لبون أدّاها وأخذ الجبران ، وهل له دفع الحِقّة وثلاث مع الجبران؟ إشكال.

مسألة ٤١ : من وجب عليه سنّ وليست عنده ، وعنده أعلى بمرتبة‌ كان له دفعها واستعادة الجبر بينهما وهو شاتان أو عشرون درهما.

وإن كان عنده أدون بمرتبة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهماً ، كمن وجب عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون دفعها واستعاد ، وبالعكس يدفع بنت المخاض والجبران.

وكذا لو وجب عليه بنت لبون وعنده حقّة ، أو بالعكس ، أو وجب عليه حقّة وعنده جذعة ، أو بالعكس عند علمائنا أجمع ، وبه قال النخعي والشافعي وابن المنذر وأحمد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( ومن بلغت عنده من الإِبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدّق عشرين درهماً أو شاتين )(٣) وساق الحديث إلى باقي المراتب.

ومن طريق الخاصة قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه الذي كتبه بخطّه لعامله على الصدقة : « من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة وليست‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٥ ، المجموع ٥ : ٤١٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٤٥ - ٤٦ ، المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٣ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٧

عنده وعنده حقّة فإنّها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده وعنده جذعة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته الحقّة وليست عنده وعنده ابنة لبون قبلت منه ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده حقّة قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض قبلت منه ، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون قبلت منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً »(١) .

وحكي عن الثوري وأبي عبيد وإسحاق في إحدى الروايتين ، أنهم قالوا : الجبران شاتان أو عشرة دراهم.

لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « إذا أخذ الساعي في الإِبل سنّاً فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم»(٢) .

ولأنّ الشاة مقوَّمة في الشرع بخمسة دراهم ، لأنّ نصابها أربعون ونصاب الدراهم مائتان(٣) .

والحديث ضعيف السند عندهم ، ولا اعتبار بما ذكروه في النُصب ، فإنّ نصاب الإِبل خمسة ، والذهب عشرون ، وليس البعير مقوَّماً بأربعة.

وقال أصحاب الرأي : يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة وفضل ما بينهما دراهم احترازاً من ضرر المالك أو الفقراء(٤) .

وليس بمعتمد ، فإنّ التخريج لا يصار إليه مع وجود النصّ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض وإن كان قادراً

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٢) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٣٩ / ٦٩٠٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٥ : ٤١٠.

(٤) المغني ٢ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠١.

٦٨

على شراء بنت المخاض ، ولا جبران إجماعاً.

لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون )(١) .

ومن طريق الخاصة قول عليعليه‌السلام : « ومن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنّه يقبل منه وليس معه شي‌ء »(٢) ولأنّ علوّ السنّ جبر نقص الذكورة.

ولو وجدهما لم يجزئ ابن اللبون وإن كانت بنت المخاض أعلى من صفة الواجب ، بل يخرجها أو يبتاع بنت مخاض مجزئة.

ولو كانت بنت المخاض مريضةً أجزأه ابن اللبون ، لأنّ المريضة غير مقبولة عن الصحاح فكانت كالمعدومة.

ولو عدمهما جاز أن يشتري مهما شاء ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مع ابتياعه يكون له ابن لبون فيجزئه.

وقال مالك : يجب شراء بنت مخاض ، لأنّهما استويا في العدم فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود(٤) .

والفرق : وجود بنت المخاض هنا ، بخلاف العدم.

فروع :

أ - لو عدم السن الواجبة والتي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم الحقّة ووجد بنت لبون ، أو وجب عليه بنت مخاض فعدمها وعدم بنت اللبون ووجد الحقّة فالأقرب جواز الانتقال إلى الثالث مع الجبران فيخرج بنت اللبون عن الجذعة ، ويدفع معها أربع شياه أو أربعين درهماً ، ويخرج الحقّة عن بنت‌

____________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، والمقنعة : ٤١.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٤٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦١ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٨.

٦٩

المخاض ويستردّ أربع شياه أو أربعين درهماً - وهو اختيار الشيخ(١) والشافعي(٢) - لأنّه قد جوّز الانتقال إلى السنّ الذي يليه مع الجبران ، وجوّز العدول عن ذلك أيضاً إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض ، وهنا لو كان موجوداً أجزأ ، فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران.

ولأنّ الأوسط يجزئ بدله ، لتساويهما في المصالح المطلوبة شرعاً ، وإلّا لقبح قيامه مقامه ، ومساوي المساوي مساو.

وقال ابن المنذر : لا يجوز الانتقال إلّا بالقيمة ، لأنّ النصّ ورد بالعدول إلى سنّ واحدة فيجب الاقتصار عليه(٣) . وهو ممنوع.

ب - يجوز العدول عن الجذعة إلى بنت المخاض ، وبالعكس مع عدم الأسنان المتوسطة بينهما ، فيؤدّي مع دفع الناقصة ستّ شياه أو ستّين درهماً ، ويستردّ مع دفع الكاملة ستّ شياه أو ستّين درهماً.

ج - إذا وجد السنّ الذي يلي الواجب لم يجز العدول إلى سنّ لا يليه ؛ لأنّ الانتقال عن السنّ التي تليه إلى السنّ الاُخرى بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل ، فلو عدم الحقّة وبنت اللبون ، ووجد الجذعة وبنت المخاض ، وكان الواجب الحقّة لم يجز العدول إلى بنت المخاض ، وإن كان الواجب بنت اللبون لم يجز إخراج الجذعة.

د - لو أراد في الجبر أن يعطي شاةً وعشرةً ، فالأقرب عندي الجواز ، لتساوي كلّ من الشاتين والعشرين.

ومنعه الشافعي ، لأنّه تبعيض للجبران فلا يجوز ، كما لا يجوز تبعيض الكفّارة(٤) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤ ، النهاية : ١٨٠ - ١٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦.

(٣) المجموع ٥ : ٤٠٨ ، المغني ٢ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٤٦.

(٤) المجموع ٥ : ٤٠٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٩.

٧٠

والفرق : جواز إخراج قيمة المنصوص هنا ، بخلاف ثمّ.

ويجوز أن يُخرج عن أربع شياه جبراناً شاتين وعشرين درهماً ، لأنّهما جبرانان فهما كالكفّارتين.

ه- لو أراد في فرض المائتين أن يخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض ، أو عن أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم وبعضه شياهاً.

و - لو عدم الفريضة ووجد ما يليها من الطرفين تخيّر في إخراج أيّهما شاء ، ويدفع مع الناقص ويستعيد مع الزائد ، فلو وجب عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض وحقّة تخيّر ، والأقرب إخراج ما فيه الغبطة للمساكين.

ز - لا اعتبار بالقيمة السوقية هنا ، فلو زاد الجبران الشرعي أو نقص عن التفاوت السوقي لم يعتدّ به ، لأنّه ساقط في نظر الشرع.

والأقرب عندي أنّ ذلك مع التقارب أو الاشتباه ، أمّا مع علم التفاوت الكثير فإشكال ، لأدائه إلى عدم الإِخراج بأن تكون بنت اللبون التي يدفعها عوضاً عن بنت المخاض تساوي شاتين أو عشرين درهما.

ح - الأقرب إجزاء بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس وعشرين أولى.

ويحتمل عدمه ، لأنّ الواجب الفريضة أو قيمتها وليست إحداهما.

وكذا الإِشكال في إجزائها عن شاة في الخمس مع قصور القيمة ، لأنّها تجزئ عن ستّ وعشرين فعن خمس أولى.

ط - لا جبران بين ما نقص عن سنّ بنت المخاض وبينها ولا بين ما زاد عن سن الجذعة وبينها ، لأنّ الاُولى أقلّ أسنان الإِبل في الزكاة ، والثانية أعلاها ، نعم يجبر بالقيمة.

ي - الجبران مختص بالزكاة دون غيرها من المقادير ، فلا جبران في الديات ، ولا في المنذورات.

٧١

يا - لا مدخل للجبران في غير الإِبل اقتصاراً على مورد النص ، وليس غيرها في معناها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى أخرجها مع التفاوت أو استردّه بالتقويم السوقي.

ومن منع من القيمة أوجب في الأدون شراءها ، فإن تطوّع بالأعلى جاز ، وإن وجب الأعلى كلّف شراؤه(١) .

يب - لو كان النصاب كلّه مراضاً وفريضته معدومة جاز له العدول إلى السفلى مع دفع الجبران المنصوص عليه ، وليس له الصعود مع أخذ الجبران ، لأنّ الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين ، وقد يكون الجبران خيراً(٢) من الأصل فإنّ قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين فكذلك قيمة ما بينهما.

يج - لو كان المخرج ولي اليتيم وقلنا بالوجوب ، فالأولى إخراج القيمة إن كان فيه الحظّ ، وإلّا أخرج الناقص مع الجبران ، أو دفع الزائد وأخذ الجبران ، ولو كان إخراج القيمة أولى لم يجز للولي دفع الناقص مع الجبران ، أمّا لو كان إخراج القيمة أولى من العين فإنّه يجوز إخراج العين.

يد - لو أخرج بدل الجذعة ثنيّة فالأقرب عدم إجابة أخذ الجبران لو طلبه ، لأنّ المؤدّى ليس من أسنان الزكاة فلا يؤخذ له الجبران ، كما لو أخرج فصيلاً مع الجبران ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الجواز ، لزيادة السنّ(٣) .

مسألة ٤٢ : شرط سلّار منّا في زكاة الإِبل والبقر والغنم الاُنوثة‌ في‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٢ : ٤٥٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٩٨.

(٢) ورد في النسخ الخطية « ط وف ون » : جزءاً. وهو تصحيف. وما أثبتناه من نسخة « م » وهو الصحيح كما ورد كذلك في المنتهى ١ : ٤٨٥ ومخطوطة نهاية الإِحكام ، كلاهما للمصنّف ، والكلمة ساقطة من مطبوعة النهاية ، راجع ج ٢ ص ٣٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

٧٢

النصاب ، فلا زكاة في الذكران وإن بلغت النصاب(١) ، لدلالة الأحاديث على أنّ في خمس من الإِبل شاة(٢) ، وإنما يتناول الإِناث إذ مدلول إسقاط التاء من العدد ذلك ، ولأنّ الشرط اتّخاذها للدرّ والنسل وإنّما يتحقّق في الإِناث ، وللبراءة الأصلية.

وباقي الأصحاب لم يشترطوا ذلك ، لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة »(٣) .

ولا دلالة في الحديث ، إذ ليس فيه منع من الوجوب في الذكورة فيبقى ما قلناه سالماً عن المعارض ، ونمنع الشرط ، بل السوم وأن لا تكون عوامل ، والبراءة معارضة بالاحتياط خصوصاً مع ورود العمومات.

* * *

____________________

(١) المراسم : ١٢٩.

(٢) اُنظر على سبيل المثال : الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، والاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

٧٣

الفصل الثاني

في زكاة البقر‌

مسألة ٤٣ : زكاة البقر واجبة‌بالسنّة والإِجماع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمن تنطحه بقرنها وتطؤه بأخفافها ، كلّما نفدت اُخراها عادت عليه اُولاها حتى يقضى بين الناس )(١) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على وجوب الزكاة فيها ، ولأنّها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتها كالإِبل.

مسألة ٤٤ : وشروطها أربعة كالابل : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، وهما متساويان فيها إلّا النصاب فإنّ في البقر نصابين.

الأوّل : ثلاثون ، فلا زكاة فيما نقص عن ثلاثين من البقر بإجماع علمائنا ، وهو قول عامّة أهل العلم ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث معاذاً إلى اليمن وأمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً(٢) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٩ / ١٧٨٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، مسند أحمد ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٧.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٦.

٧٤

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنّة »(١) .

وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا : في كلّ خمس من البقر شاة إلى أن تبلغ ثلاثين ، فإذا بلغت ففيها تبيع(٢) ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سوّى بين البقرة والبدنة في الهدي ، وجعل كلَّ واحدة منهما بسبع شياه(٣) ، فينبغي أن يقاس البقر عليها في إيجاب الشاة.

وهو غلط ، لأنّ خمساً من الإِبل تقوم مقامها خمس وثلاثون من الغنم ، ولا تجب فيها الشاة الواجبة في الإِبل.

النصاب الثاني : أربعون ، وعليه الإِجماع فإنّا لا نعلم فيه مخالفاً.

مسألة ٤٥ : والسوم شرط هنا كما تقدّم في الإِبل‌عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر الجمهور(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « ليس في العوامل شي‌ء »(٥) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة الراعية »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٥١.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٠ - ٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٨ / ٩٠٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٥٦.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٦) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٧) راجع : الهامش (١) من هذه الصفحة.

٧٥

ولأنّ صفة النماء معتبرة في الزكاة ولا توجد إلّا في السائمة.

وقال مالك : إنّ في العوامل والمعلوفة صدقة(١) . كقوله في الإِبل ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٤٦ : والفريضة في الثلاثين تبيع أو تبيعة‌ يتخيّر المالك في إخراج أيّهما شاء ، وفي الأربعين مسنّة ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى تبلغ ستّين ، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو تبيعتان إلى سبعين ، ففيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، فإذا زادت ففي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة عند علمائنا أجمع ، وهو قول الشعبي ، والنخعي ، والحسن ، ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأبي ثور ،(٣) لأنّ معاذاً قال : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُصدّق أهل اليمن ، فعرضوا عليَّ أن آخذ ممّا بين الأربعين والخمسين ، وبين الستّين والسبعين ، وما بين الثمانين والتسعين ، فأبيت ذلك وقلت لهم : حتى أسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدمت وأخبرته فأمرني أن آخذ من كلّ ثلاثين تبيعاً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً ، ومن الستّين تبيعين ، ومن السبعين مسنّة وتبيعاً ، ومن الثمانين مسنّتين ، ومن التسعين ثلاثة أتباع ، ومن المائة مسنّة وتبيعين ، ومن العشرة ومائة مسنّتين وتبيعاً ، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنّات أو أربعة أتباع ، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلّا أن تبلغ مسنّةً أو جذعاً يعني تبيعاً(٤) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣١٣ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) تقدّم في المسألة ٢٩.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٥٠ ، المجموع ٥ : ٤١٦ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠١ - ٥٠٢.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٢٤٠.

٧٦

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شي‌ء ، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان »(١) .

وعن أبي حنيفة ثلاث روايات : إحداها هذا ، والثانية : أنّ فيما زاد على الأربعين بحسابه في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة ، لأنّه لا يمكن أن يجعل الوقص تسعة عشر فإنّ جمع أوقاصها تسعة تسعة ، ولا يمكن أن يجعل تسعة ، لأنّه يكون إثباتاً للوقص بالقياس ، فيجب في الزيادة بحصّتها.

والثالثة : أنّه لا شي‌ء فيها حتى تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة وربع ، لأنّ سائر الأوقاص لا يزيد على تسعة كذا هنا(٢) .

وكلاهما في مقابلة النص فلا يسمع ، على أنّ الزيادة لا يتمّ بها أحد العددين فلا يجب بها شي‌ء ، كما لو زاد على الثلاثين ولم يبلغ الأربعين.

مسألة ٤٧ : لا يخرج الذكر في الزكاة إلّا في البقر‌ فإنّ ابن اللبون ليس بأصل ، إنّما هو بدل عن بنت مخاض ، ولهذا لا يجزئ مع وجودها ، وإنّما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين وما تكرّر منها كالستّين والتسعين ، وما تركّب من الثلاثين وغيرها كالسبعين فيها تبيع أو تبيعة ومسنّة ، والمائة فيها مسنّة وتبيعان أو تبيعتان ، ولا يجزئ في الأربعين وما تكرّر منها كالثمانين إلّا الإِناث ، وكذا في الإِبل غير ابن اللبون ، فلو أخرج عن الحقّة حقّاً ، أو عن الجذعة جذعاً ، أو عن بنت المخاض ابن مخاض لم يُجزئ.

ويجوز أن يخرج عن الذكر اُنثى أعلى أو مساوياً ، فيجوز إخراج المسنّة عن التبيع ، ويجوز أن يخرج تبيعين ذكرين عن المسنّة ، لأنّهما يجزيان عن الستّين فعن الأربعين أولى ، ولو أخرج أكبر من المسنّة جاز.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ باب صدقة البقر ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٥١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، اللباب ١ : ١٤١ ، المغني ٢ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٢.

٧٧

ولا مدخل للجبران هنا فلو وجبت عليه مسنّة ولم تكن عنده فأراد النزول إلى التبيع وإعطاء الجبران لم يجز إلّا بالقيمة السوقية ، لأنّ الزكاة لا يعدل فيها عن النصوص إلى غيره بقياس ولا نصّ هنا.

ولو أخرج مسنّاً عن المسنّة لم يجز إلّا مع ضمّ قيمة التفاوت ، لأنّ الاُنثى خير من الذكر ، لفضيلتها بالدرّ والنسل.

مسألة ٤٨ : لو اجتمع الفرضان تخيّر المالك‌ كمائة وعشرين إن شاء أخرج ثلاث مسنّات أو أربعة أتبعة ، لأنّ الواجب أحدهما فيتخيّر ، والخيرة إلى ربّ المال كما قلنا في زكاة الإِبل ، وهذا إنّما يكون لو كانت إناثاً ، فإن كانت كلّها ذكوراً أجزأ الذكر بكلّ حال ، لأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف المواساة من غير ماله.

وقال بعض الجمهور : لا يجزئه في الأربعينيّات إلّا الإِناث ، لأنّهعليه‌السلام نصّ على المسنّات(١) .

وليس بجيّد ، لأنّا أجزنا الذكر في الغنم ، مع أنّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإِناث فالبقر أولى ، لأنّ للذكر فيها مدخلاً.

مسألة ٤٩ : الجواميس كالبقر‌ بإجماع العلماء ، لأنّها من نوعها ، كما أنّ البخاتي من نوع الإِبل ، فإن اتّفق النصاب كلّه جواميس وجبت فيه الزكاة ، وإن اتّفق الصنفان أخرج الفرض من أحدهما على قدر المالين ، فلو كان عنده عشرون بقرة عراباً ، وعشرون جواميس ، وقيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ، ومن الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف.

ولو كان ثُلث بقرة سوسيّاً ، وثُلثه نبطيّاً ، وثُلثه جواميس ، وقيمة التبيع السوسي أربعة وعشرون ، والنبطي ثلاثون ، والجاموس اثنا عشر ، أخرج تبيعاً

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٤.

٧٨

قيمته اثنان وعشرون ثُلث قيمة كلّ واحد ، اختاره الشيخ(١) ، وبه قال أحمد(٢) ، لأنّها أنواع جنس من الماشية فجاز الإِخراج من أيّها شاء.

وقال الشافعي : القياس أن يؤخذ من كلّ نوع ما يخصّه ، واختاره ابن المنذر ، لأنّها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كلّ نوع منه كأنواع الثمرة والحبوب(٣) .

ويشكل بأدائه إلى تشقيص الفرض ، وقد عدل إلى غير الجنس فيما دون ستّ وعشرين لأجل التشقيص فالعدول إلى النوع أولى.

وقال عكرمة ومالك وإسحاق والشافعي في قول : يخرج من أكثر العددين ، فإن استويا أخرج من أيّهما شاء كالغلّات(٤) .

وكذا البحث في الضأن والمعز والإِبل البخاتي والعراب ، والسمان والمهازيل ، والكرام واللئام.

وأما الصحاح مع المراض ، والذكور مع الإِناث ، والكبار مع الصغار فيتعيّن صحيحة كبيرة اُنثى على قدر قيمة المالين إلّا أن يتطوّع بالفضل.

ولو أخرج عن النصاب من غير نوعه ممّا ليس في ماله منه شي‌ء أجزأ إن ساوى القيمة ، لأنّه أخرج من جنسه فجاز ، كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما.

وكذا ( من منعه )(٥) من إخراج القيمة ، ويحتمل عنده العدم ، لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠١.

(٢) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ - ٥١٣ ، كشاف القناع ٢ : ١٩٣.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، الاُم ٢ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٦ ، المجموع ٥ : ٤٢٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٥ ، وحلية العلماء ٣ : ٥٦.

(٥) كذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وحقّ العبارة أن تكون هكذا : وكذا عند من منع من =

٧٩

أخرج من غير نوع ماله ، فأشبه ما لو أخرج من غير الجنس(١) .

مسألة ٥٠ : ولا زكاة في بقر الوحش ، ولا يجبر بها النصاب‌ ، وهو قول أكثر العلماء(٢) ، لأنّ اسم البقر يطلق عليه مجازاً ، ولا يفهم منه عند الإِطلاق ، ولا يحمل عليه إلّا مع القيد ، فيقال : بقر الوحش.

ولعدم تحقّق نصاب منها سائماً حولاً.

ولأنّه حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية والهدي فلا تجب فيه الزكاة كالظباء.

ولأنّها ليست من بهم الأنعام فلا تجب فيها الزكاة كسائر الوحوش.

والأصل أنّ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام لكثرة النماء فيها من الدرّ والنسل وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مؤونتها.

وعن أحمد رواية بوجوب الزكاة في بقر الوحش ، لتناول اسم البقر لها فيدخل في مطلق الخبر(٣) .

وقد بيّنا أنّه مجاز ، ولا خلاف في أنّه لا زكاة في الظباء.

مسألة ٥١ : المتولّد من الوحشي والانسي تجب الزكاة فيه‌ إن اُطلق عليه اسم الانسي من غير حاجة إلى قيد وإلّا فلا ، كالمتولّد من بقر الوحش والانس ، وكذا المتولّد من الظباء والغنم.

وقال أحمد : تجب فيه الزكاة سواء كانت الوحشية الفحول أو الاُمّهات ، لأنّها متولّدة ممّا تجب فيه الزكاة وما لا تجب ، فوجبت فيها الزكاة كالمتولّد من السائمة والمعلوفة ، ولأنّ غنم مكّة يقال : إنّها متولّدة من الظباء والغنم ، وفيها الزكاة إجماعاً(٤) .

____________________

= إخراج القيمة.

(١) راجع المغني ٢ : ٤٧٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥١٣.

( ٢ و ٣ ) المغني ٢ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٦.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333