تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234552 / تحميل: 5702
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وكذا يستحب صوم كلّ جمعة - وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمد(١) - لأنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يوم شريف تُضاعف فيه الحسنات.

ولما رواه الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « فأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس »(٢) .

وقال ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام : رأيته صائماً يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؛ فقال : « كلّا إنّه يوم خفض ودعة »(٣) .

وقال أحمد وإسحاق وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم ، إلّا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه ، مثل : مَنْ يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فيوافق صومه يوم الجمعة. وكذا مَنْ عادته صيام أول الشهر أو آخره فيوافقه ، لما رواه أبو هريرة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم(٤) .

وسأل رجلٌ جابر بن عبد الله وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يوم الجمعة؟ قال : نعم وربّ هذا البيت(٥) (٦) .

فإن صحّت هاتان الروايتان ، حُملتا على مَنْ يضعف عن الفرائض‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٠ وفيها جميعاً : لا يكره.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في الهامش (٧) من صفحة ١٩٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٥٩.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٤ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١١٩ / ٧٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠٢.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٣ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٦) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٣ - ١٠٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤.

٢٠١

ونوافل الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقد روى علماؤنا أنّ صوم داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فَعَله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

قال رسول الله عليه وآله السلام : ( أحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داودعليه‌السلام ، كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة أخي داود ، كان يرقد شطر الليل ويقوم ثُلْثه ثم يرقد آخره )(٢) .

المطلب الرابع : في صوم الإِذن والتأديب‌

مسألة ١٣٧ : لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه‌ ؛ لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه ، ومنافعه مستحقّة لغيره ، وربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم ، فإن أذن له مولاه ، صحّ. هذا في صيام التطوّع.

ولقول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم الإِذن فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ نزل على قوم فلا يصوم تطوّعاً إلّا بإذنهم »(٣) .

أمّا الفرض فلا ، وكذا ليس له أن ينذر الصوم إلّا بإذن مولاه. وهذا كلّه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ - ٩٠ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، الخصال : ٣٩٠ / ٨٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٦٣ و ٤ : ١٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨١٦ / ١٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٧ - ٣٢٨ / ٢٤٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٦ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٣ : ٢١٤ - ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣ و ٤ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٢

لا خلاف فيه. ولا فرق بين أن يكون المولى حاضراً أو غائباً.

مسألة ١٣٨ : ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها‌ ، سواء كان الزوج حرّاً أو عبداً ؛ لأنّه مالك لبُضْعها ، وله حقّ الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه ، فلم يكن سائغاً لها إلّا برضاه.

ولا فرق بين أن يكون زوجها حاضراً أو غائباً.

واشترط الشافعي حضوره(١) .

وليس بجيّد ؛ لما اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٢) .

ولو كان عليها صوم واجب ، لم يعتبر إذنه ، بل يجب عليها فعله ، ولا يحلّ له منعها عنه.

ولو كان الواجب موسّعاً ، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال.

مسألة ١٣٩ : الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه‌ ؛ لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

ولما فيه من جبر قلب المؤمن ومراعاته ، فكان مستحبّاً.

ومَنْ صام ندباً ودُعي إلى طعام ، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمناً ، والإِفطار عنده ؛ لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم.

ولما رواه داود الرقّي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لإِفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعْفاً أو تسعين ضِعْفاً »(٤) .

ولا ينبغي للمضيف أن يصوم إلّا بإذن الضيف ؛ لئلّا يلحقه الحياء ، رواه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٢.

(٢ و ٣ ) تقدّم في المسألة ١٣٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٥١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ، باب ١٢٠ حديث ٢ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ / ١.

٢٠٣

الصدوق عن الصادقعليه‌السلام (١) .

وكذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ؛ لأنّ امتثال أمر الوالد وطاعته أولى ؛ لما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن الصادقعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، ومن بِرّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسداً ، وكان الولد عاقّاً )(٢) .

مسألة ١٤٠ : صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات : المسافر والحائض والنفساء والمريض والكافر والصبي ، وليس ذلك صوماً حقيقيّاً ؛ لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار ، والصوم غير قابل للتجزّي ، لكن يستحب الإِمساك لهم ؛ تشبّهاً بالصائمين.

فإذا قدم المسافر إلى أهله وقد أفطر في سفره ، أمسك بقية النهار تأديباً ، وكذا لو أفطر مسافراً ثم قدم بلداً عزم على الإِقامة فيه عشرة أيام فزائداً ، سواء كان قدومه قبل الزوال أو بعده ، استحباباً وليس بفرض ، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود(٣) .

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز له الأكل بقية النهار(٤) .

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٤ / ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٤٤٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ ، التفريع ١ : ٣٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٤) النتف ١ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المغني ٣ : ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

٢٠٤

وعن أحمد روايتان(١) ، وقد تقدّم(٢) ذلك.

ويجوز له أن يدخل مفطراً.

وينبغي للمسافر الذي يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام ولا يتروّى من الماء ، بل يتناول منهما قدر الحاجة والضرورة ؛ لحرمة الشهر.

ولما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كلّ(٣) القوت وما أشرب كلّ الري »(٤) .

ويشتدّ استحباب اجتناب النساء ، فلا يواقع في نهار رمضان ، ويكره له ذلك كراهة شديدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وليس محرّماً ؛ لأنّ الصوم ساقط عنه ، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل.

وروى عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، أله أن يصيب من النساء؟ قال : « نعم »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز له مواقعة النساء(٧) - وبه قال أحمد ، حتى أنّ أحمد قال : تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء(٨) - لقول الصادق‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٢) تقدّم في المسألة ٩٩.

(٣) في التهذيب وفي النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق بدل كلّ : إلّا.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤٢ ، والفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٦.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٧٠٨.

(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥.

(٨) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

٢٠٥

عليه‌السلام : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه »(١) .

وهو محمول على شدّة الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار.

ولو قدم من سفره مفطراً ، جاز له ترك الإِمساك ، وأن يأكل ويشرب ويجامع.

مسألة ١٤١ : يستحب للحائض والنفساء الإِمساك إذا طهرتا بعد الفجر‌ ، وليس واجباً عليهما ؛ لأنّهما مفطرتان برؤية الدم ، وقد قلنا : إنّ الصوم لا يتجزّى ، لكن يستحب لهما الإِمساك ، تشبّهاً بالصائمين ؛ لحرمة الزمان ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سأله أبو الصباح الكناني ، في امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : « إنّما فطرها من الدم »(٢) .

وكذا الطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ، فإنّها تفطر ذلك اليوم ، ويستحب لها الإمساك تأديبا ؛ لما روى أبو الصباح عن الصادقعليه‌السلام ، في امرأة أصبحت صائمةً ، فلمـّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل الغروب فلتفطر »(٣) .

وأمّا المستحاضة : فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام ، ويشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها ، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها ، وجب عليها قضاء الصوم ، لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم.

ولما رواه علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر‌

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، باب ١١٩ ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤١.

(٢ و ٣ ) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٨.

٢٠٦

رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتبعليه‌السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يأمر المؤمنات بذلك »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على التعمّد فإنّه يلزمها القضاء(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان الدم كثيراً وأخلّت بغسل الغداة ، وجب عليها القضاء. وكذا لو أخلّت بغسل الظهرين.

أمّا لو أخلّت بغسل العشاءين ، فالأقرب عدم وجوب القضاء ، إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا.

مسألة ١٤٢ : المريض إذا بري‌ء وكان قد تناول المفطر ، أمسك بقية النهار تأديباً لا واجباً ، لقول زين العابدينعليه‌السلام ، في حديث الزهري : « وكذلك مَنْ أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه اُمر بالإِمساك عن الطعام بقية يومه تأديباً وليس بفرض »(٣) .

هذا إذا كان قد تناول شيئاً يفسد الصوم ، فإن كان بُرؤه قبل الزوال ، أمسك وجوباً ، واحتسب به من رمضان ، وإن كان بُرؤه بعد الزوال ، أمسك استحباباً ، وقضاه على ما تقدّم.

مسألة ١٤٣ : الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ، أمسكا استحباباً لا وجوباً ، سواء تناولا شيئاً أو لم يتناولا ، وسواء زال عذرهما قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١١ ذيل الحديث ٩٣٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٧

الزوال أو بعده ، وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله

وفي الآخر : يجدّدان نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، ولا يجب عليهما القضاء(٢) .

والمعتمد : الأول ؛ لأنّ المتقدّم من الزمان على الإِسلام والبلوغ لا يصح صومه ، والصوم لا يقبل التجزّي.

واحتجاج الشيخ -رحمه‌الله - بأنّ الصوم ممكن في حقّهما ، ووقت النية باقٍ ، وقد صار الصبي مخاطباً ببلوغه.

وبعض اليوم إنّما لا يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلى أوّله ، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أول الصوم ، فإنّه يصح ، وهو هنا كذلك.

وهو ممنوع ؛ لأنّ النية هنا لا يسري حكمها إلى أول الصوم ؛ لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف ، والنية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات ، أمّا غيره فممنوع.

المطلب الخامس : في الصوم المحظور‌

مسألة ١٤٤ : يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإِسلام‌.

روى العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صوم هذين اليومين ، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم‌

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ - ١٦٠ ، الخلاف ٢ : ٢٠٣ ، المسألة ٥٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٩ / ٢٤١٦.

٢٠٨

الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين وإن دخل فيهما العيدان وأيام التشريق(٢) ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام ، قال : « يغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنّه يدخل في هذا شي‌ء ؛ قال : « وما هو؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ؛ قال : « يصوم فإنّه حقّ لزمه »(٣) .

وفي طريقه سهل بن زياد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإِجماع.

مسألة ١٤٥ : لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي ومالك(٤) - لأنّ صومه حرام ، فلا ينعقد النذر عليه ، كالليل.

ولأنّه نذر في معصية فلا يصح ، لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية الله )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما ابتغي به وجه الله )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٢) النهاية : ١٦٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٦.

(٤) المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٨.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٩ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٦ / ٤٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٧ و ٤ : ٤٣٢ و ٤٤٣.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ / ٢١٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥.

٢٠٩

وقالعليه‌السلام : ( مَنْ نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه )(١) .

وقال أبو حنيفة : ينعقد ، وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ عن النذر ، وسقط القضاء(٢) .

أمّا لو نذر صوم يوم ، فظهر أنّه العيد ، فإنّه يفطره إجماعاً.

والأقرب : أنّه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه ، فلم ينعقد ، كما لو علم.

مسألة ١٤٦ : صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمنى‌ عند علمائنا وأكثر العلماء(٣) ؛ لما رواه العامة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيّام »(٥) وذَكَرها.

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن صيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٦) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ؛ لأنّ [ ابن ](٧) عمر وعائشة قالا : لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلّا لمتمتّعٍ إذا‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٨٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٤ / ١٥٢٦ ، سنن النسائي ٧ : ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٧ / ٢١٢٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٨٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٨ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦ و ٤١ و ٢٠٨ و ٢٢٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣١ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤١ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٤٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤١.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

(٧) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

٢١٠

لم يجد الهدي(١) (٢) .

وقولهما ليس حجّةً.

مسألة ١٤٧ : يحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان ، وصوم نذر المعصية‌ ، وهو : أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن وشبهه من المحارم صام ( أو صلّى )(٣) وقصد بذلك الشكر لا الزجر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما اُريد به وجه الله تعالى )(٤) .

ويحرم أيضاً صوم الصمت - قاله علماؤنا - لأنّه غير مشروع عندنا ، فيكون بدعةً.

ولحديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٥) .

ويحرم صوم الوصال عند علمائنا - وللشافعي قولان(٦) ، هذا أحدهما - لما رواه العامة عن ابن عمر قال : واصَلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان فواصَلَ الناس ، فنهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن الوصال ، فقالوا : إنّك تواصل ؛ فقال : ( إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني ويسقيني)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الوصال‌

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٨ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ط ».

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٢٨ / ٣٢٧٣ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥ بتفاوت.

(٥) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المغني ٣ : ١١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٧.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٤ / ١١٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٦ / ٢٣٦٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٨٢ بتفاوت.

٢١١

حرام ، وصوم الصمت حرام »(١) .

والثاني للشافعي : إنّه مكروه غير محرّم(٢) - وهو قول أكثر العامة(٣) ، وكان عبد الله بن الزبير يواصل(٤) - لأنّه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم يكن محرّماً ، كما لو تركه حال الفطر.

ويبطل بما لو ترك الأكل والشرب يوم العيد.

واختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في حقيقة الوصال ، فقال في النهاية والمبسوط : هو أن يجعل عشاءه سحوره(٥) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره»(٦) .

وقال في الاقتصاد : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً(٧) - وهو قول العامة(٨) - لما روي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا وصال في صيام ؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار »(٩) .

مسألة ١٤٨ : صوم الدهر حرام ؛ لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه‌ ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٥).

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١.

(٣) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦.

(٤) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المجموع ٦ : ٣٥٨.

(٥) النهاية : ١٧٠ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٣.

(٦) الكافي ٤ : ٩٥ - ٩٦ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، والفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧.

(٧) الاقتصاد : ٢٩٣.

(٨) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

(٩) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٤٥٢.

٢١٢

روى العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( مَنْ صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الدهر حرام »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي؟.

قال الشافعي وأكثر الفقهاء : ليس بمكروه(٣) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستّة أيام من السنة(٤) ؛ فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز.

وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(٥) ؛ ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر(٦) .

ويحرم صوم الواجب سفراً - عدا ما استثني - ولا يجزئ. ويحرم صوم المرأة ندباً مع منع الزوج ، والعبد مع منع المولى.

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٠٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٠ ، الهامش (٥).

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٨.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٨.

(٥) راجع : صحيح مسلم ٢ : ٨١٤ - ٨١٥ / ١٨٦ و ١٨٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٤ / ١٧٠٥ و ١٧٠٦ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٦) المجموع ٦ : ٣٨٩ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

٢١٣

الفصل الثامن

في اللواحق‌

مسألة ١٤٩ : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصوم وجَهَدهما الجُهْد الشديد ، جاز لهما الإِفطار إجماعاً‌.

وهل تجب الفدية؟ قال الشيخ : نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام(١) .

وبوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد(٢) ، إلّا أنّ أبا حنيفة قال : يُطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر(٣) .

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وفي النهاية : ١٥٩ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ هكذا : وتصدقا عن كل يوم بمُدَّيْن من طعام ، فإن لم يقدر عليه فبمُدّ منه.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، النتف ١ : ١٤٨ ، الاختيار ١ : ١٧٧ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ و ٩٧ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ - ٣٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١.

٢١٤

وقال أحمد : يُطعم مُدّاً من بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(١) .

لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : الشيخ الكبير يُطعم عن كلّ يوم مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : « يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم »(٣) .

وقال المفيد(٤) -رحمه‌الله - والسيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) : لا تجب الكفّارة مع العجز - وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول(٧) ، وللشافعي قولان(٨) ، كالمذهبين - لأنّه ترك الصوم لعجزه ، فلا يجب به الإِطعام ، كما لو ترك لمرضه.

والفرق ظاهر.

أمّا لو لم يتمكّن من الصوم البتة ، فإنّه يسقط عنه ولا كفّارة. ولو عجز عن الكفّارة ، سقطت أيضاً.

إذا عرفت هذا ، فقد اختلف قول الشيخرحمه‌الله في قدر الكفارة ،

____________________

(١) المغني : ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٠٥ / ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦.

(٤) المقنعة : ٥٥ - ٥٦.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٦) منهم : سلّار في المراسم : ٩٦ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٠٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٩١.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣٠١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٧٠ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٥٨ و ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

٢١٥

فقال تارةً : مُدّان ، فإن عجز فمُدٌّ(١) ؛ لرواية محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّين من طعام »(٢) .

وتارة قال : مُدٌّ(٣) . وهو أقوى ؛ عملاً بالأصل.

وبما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ولا قضاء عليهما »(٤) .

مسألة ١٥٠ : ذو العُطاش الذي لا يرجى بُرؤه يفطر ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام‌ ، كما تقدّم. وهو أحد قولي الشيخرحمه‌الله (٥) رحمه‌الله

والثاني : أنّه يتصدّق بمُدَّيْن ، فإن عجز فبمُدٍّ(٦) ، للضرر المبيح للإِفطار ، كما اُبيح للمريض.

ولما رواه المفضّل بن عمر عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا فتياناً(٧) وبناتٍ لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؛ قال : « فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون »(٨) .

وأمّا الصدقة : فلعجزه عن الصيام.

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨.

(٣) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٩.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨.

(٥) راجع : الاستبصار ٢ : ١٠٤ ، الحديث ٣٣٨ و ٣٣٩ ، وذيله.

(٦) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٧) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : شُبّاناً. بدل فتياناً.

(٨) الكافي ٤ : ١١٧ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٣.

٢١٦

ولقول الصادقعليه‌السلام فيمن ترك الصيام ، قال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليصمه ، وإن كان من كِبَر أو لعطش فبدل كلّ يوم مُدٌّ »(١) .

وأمّا سقوط القضاء : فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام والتقدير دوامه ، فيدوم المسبّب.

ولتفصيل الصادقعليه‌السلام ، والتفصيل قاطع للشركة.

وأمّا العطّاش الذي يرجى برؤه : فإنّه يفطر إجماعاً ؛ لعجزه عن الصيام ، وعليه القضاء مع البُرء؛ لأنّه مرض وقد زال ، فيقضي ، كغيره من الأمراض.

وهل تجب الكفّارة؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم(٢) ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجى زواله.

ومنع المفيد والسيد المرتضى(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام ولا من الشراب ولا يقربوا النساء في النهار.

مسألة ١٥١ : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما ، أفطرتا‌ ، وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإِسلام ، ولا كفّارة عليهما ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم )(٤) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - قال : سمعت الباقرعليه‌السلام ، يقول : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠٠ وفيه : « فليقضه » بدل « فليصمه ».

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، الاقتصاد : ٢٩٤.

(٣) المقنعة : ٥٦ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٩٤ / ٧١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٣ / ١٦٦٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٧.

٢١٧

لا حرج عليهما أن تُفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تُفطر بمُدٍّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بَعْدُ»(١) .

إذا عرفت هذا ، فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة.

ولو خافتا على الولد من الصوم ، أفطرتا إجماعاً ؛ لأنّه ضرر على ذي نفس آدمي محترم ، فأشبه الصائم نفسه. ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر ، وعليهما الصدقة عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد(٢) - إلّا أنّه يقول : مُدّ من بُرٍّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(٣) - وبه قال مجاهد(٤) ؛ لقوله تعالى :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٥) .

قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يُفطرا ويُطعما لكلّ يوم مسكيناً ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه العامة(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام (٧) ، فإنّهعليه‌السلام سوّغ لهما الإِفطار مطلقاً ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ - ٨٥ / ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ - ٢٤٠ / ٧٠١.

(٢) الاُم ٢ : ١٠٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٨ و ٢٦٩ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٥٧ ، المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٩٦ / ٢٣١٨.

(٧) تقدّم الحديث في صدر المسألة.

٢١٨

أنفسهما.

وتتصدّقان بما تقدّم(١) في الشيخ والشيخة ؛ لأنّه جبر لإِخلالهما بالصوم مع القدرة عليه.

والقول الثاني للشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل - وهو رواية عن أحمد(٢) ، وبه قال الليث بن سعد - لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل.

ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها(٣) .

والفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به ، وهو : الآية والأحاديث.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة - وهو مذهب الحسن البصري وعطاء والزهري وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأبي عبيد بن داود والمزني وابن المنذر - لأنّ أنس بن مالك روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم)(٤) .

ولأنّه فطر أبيح لعذر ، فلم تجب به كفّارة كالمريض(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ١٤٩.

(٢) في بعض المصادر : رواية عن مالك. وفي بعضها الآخر : قول مالك. ولم نعثر على رواية عن أحمد.

(٣) المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادرها في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨٠ - ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ - ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩ ، مختصر المزني : ٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

٢١٩

ولا دلالة في الحديث على سقوط الكفّارة. والمريض أحسن حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه.

وللشافعي قول ثالث : إنّ الكفّارة استحباب(١) .

وقال ابن عباس وابن عمر : إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء - وهو قول سلّار(٢) من علمائنا - لأنّ الآية(٣) تتناولهما ، وليس فيها إلّا الإِطعام.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم )(٤) (٥) .

والجواب : أنّهما تطيقان القضاء فلزمهما ، كالحائض والنفساء. والآية أوجبت الإِطعام ولا إشعار لها بسقوط القضاء.

والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما ، كما في قولهعليه‌السلام : ( إنّ الله وضع عن المسافر الصوم )(٦) .

مسألة ١٥٢ : لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعاً - وعن أحمد روايتان(٧) - لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً وعليه من رمضان شي‌ء لم يقضه ، فإنّه لا يتقبّل منه حتى يصومه )(٨) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الحسن - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟ فقال : « لا ،

____________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

(٢) المراسم : ٩٧.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤ و ٦ ) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٧) المغني ٣ : ٨٦ - ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٠ - ٩١.

(٨) مسند أحمد ٢ : ٣٥٢.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أقوى لما يأتي ، والثاني : المنع عملاً بالبراءة.

مسألة ٣٤٥ : لو نسي الجهر والإِخفات حتى فرغ من القراءة مضى في صلاته‌ ولا يستأنف القراءة وإن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به وهو القراءة ، والكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر ، ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإِخفات فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال : « إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه »(١) ولأنه لو ترك أصل القراءة ناسياً صحت صلاته فالكيفية أولى.

وهل يسجد له؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب بناءً على أن كل سهو يلحق الإِنسان يجب فيه السجدتان على ما يأتي.

والثاني : المنع لأن قول الباقرعليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه »(٢) يقتضي نفي السجود.

وبالأول قال مالك(٣) لقولهعليه‌السلام : ( لكل سهو سجدتان )(٤) وبالثاني قال الشافعي ، والأوزاعي(٥) لأن أنساً جهر في العصر فلم يسجد له(٦) ، ولأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.

ولا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي ، ونمنع الجامع لأنه عندنا‌

____________________

(١و٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ - ٥٧٧.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٤٠ ، القوانين الفقهية : ٧٧ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٨٠.

(٥) المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٦) المغني ١ : ٧٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

٣٢١

واجب ، وعن أحمد روايتان كهذين(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كان إماماً سجد(٢) . ونقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه وإن جهر بما يسرّ فعليه سجود السهو(٣) . ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث آيات ، ومنهم من اعتبر الجهر بآية(٤) ، ونقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في الصلاة سواء كان ذِكراً أو عملاً(٥) .

مسألة ٣٤٦ : لو سها عن الذكر في الركوع أو السجود فإن كان بعد لم يرفع رأسه سبّح ، وإن كان قد رفع مضى في صلاته‌ لما تقدم ، ولقول عليعليه‌السلام وقد سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسياً ، قال : « تمت صلاته »(٦) وسئل الكاظمعليه‌السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده قال : « لا بأس بذلك »(٧) .

وهل يسجد للسهو؟ لعلمائنا قولان ، وقال الشافعي : لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل هيئات لها ؛ وبه قال أبو حنيفة أيضا(٨) .

مسألة ٣٤٧ : لو ترك الطمأنينة في الركوع ، أو الرفع منه ، أو في إحدى السجدتين ، أو في الرفع من الاُولى ، أو في إكماله ، أو في الرفع من الركوع ، أو في الجلوس للتشهد ، أو ترك عضواً من السبعة لم يسجد عليه فما زاد‌

____________________

(١) المغني ١ : ٧١٩ - ٧٢٠ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، اللباب ١ : ٩٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥.

(٥) حكاه الرافعي في فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٤.

(٨) الأم ١ : ١١٥ ، المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٦.

٣٢٢

سهوا ، فإن كان في محله أتى به ، وإن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.

مسألة ٣٤٨ : لا حكم للسهو في السهو‌ لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً ، فلا ينفك عن التدارك وهو حرج فيكون منفياً ، ولأنه شرّع لإِزالة حكم السهو فلا يكون سبباً لزيادته ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على السهو سهو ، ولا على الإِعادة إعادة »(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال : إن استيقن أنه سها وشك هل سجد للسهو أم لا ، يسجد لأن الأصل أنه لم يسجد ، وكذا إذا سجد وشك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة اُخرى ، والنفل أولى(٢) .

أما لو شك هل سها أم لا فإنه لا يلتفت ولا شي‌ء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو النقصان.

وقال الشافعي : إن كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهواً أم لا ، أو هل جرى في صلاته ما يقتضي سجوداً أم لا فإنه لا سهو فيه ولا سجود عليه. وإن كان في النقصان فإن كان قد شك في نقصان فعل واجب كسجود وغيره أتى به وسجد للسهو. وإن كان في مسنون يسجد له كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه(٣) .

مسألة ٣٤٩ : ولا سهو على من كثر سهوه وتواتر‌ بل يبني على وقوع ما شك فيه ، ولا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك »(٤) وقول الباقر عليه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

(٢) الأم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٣.

٣٢٣

السلام : إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان »(١) .

إذا عرفت هذا فالمرجع إلى العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلى عرفهم فيما لم ينص عليه.

وقال بعض علمائنا : حدُّه أن يسهو في شي‌ء واحد ، أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة(٢) .

قال الشيخ في المبسوط : قيل : إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية(٣) .

مسألة ٣٥٠ : ولا سهو على المأموم إذا حفظ عليه الإِمام ، وبالعكس‌ عملاً بأصالة البراءة ، ولقولهعليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام : « الإِمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح »(٥) وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على من خلف الإِمام سهو »(٦) .

ولو اختص المأموم بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسياً أو يقوم في موضع قعود الإِمام ناسياً أو بالعكس كان وجود سهوه كعدمه ، ولا شي‌ء‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر : ٥٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٢.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٥ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

٣٢٤

عليه عملاً بالأحاديث السابقة - وهو قول الجمهور كافة(١) - لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يأمره بالسجود(٢) ، إلّا ما نقل عن مكحول : أنه قام مع قعود إمامه فسجد للسهو(٣) . ولا عبرة بخلافه مع انقراضه.

وإن كان بالنقصان فإن كان في محلّه أتى به لأنه مخاطب بفعله ولم يحصل فيبقى في العهدة ، وإن تجاوز المحل فإن كان ركناً بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع وذكر بعد سجوده مع الإِمام ، وإن لم يكن ركناً كالسجدة قضاها بعد التسليم.

ولو كان مما لا يقضى كالذكر في السجود ، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملاً بما تقدم من الأخبار ، ولو قيل : بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجهاً لقول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس على الإِمام ضمان »(٤) .

مسألة ٣٥١ : لو انفرد الإِمام بالسهو لم يجب على المأموم متابعته‌ لأن المقتضي للسجود - وهو السهو - منتف عنه فينتفي معلوله.

وقال الشيخ : يجب على المأموم(٥) - وهو قول الجمهور كافة - لقوله‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٤ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، الميزان ١ : ١٦١ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٤ - ١٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ / ٩٣٠ و ٢٤٥ / ٩٣١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند الطيالسي : ١٥٠ / ١١٠٥.

(٣) المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ / ١٦٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

٣٢٥

عليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو ، فإن سها الإِمام فعليه وعلى من خلفه )(١) ولأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإِمام ، وإنما يتم صلاة الإِمام بالسجود للسهو ، ونمنع الحديث ، ونمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب الإِعادة.

أما لو اشترك السهو بين الإِمام والمأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعاً لوجود المقتضي في حق كل منهما.

فروع :

أ - لو اختص الإِمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم‌ - وبه قال أبو حنيفة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد ، والمزني ، وأحمد في رواية(٢) - لأنه لم يسه ولم يسجد إمامه فيتابعه.

وقال الشافعي : يسجد المأموم - وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو ثور ، وأحمد في رواية(٣) - لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإِمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها الإِمام جبرها المأموم. ونمنع المقدمة الاُولى.

ب - لو اشترك السهو بينهما فإن سجد الإِمام تبعه المأموم‌ بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء ، ولو لم يسجد الإمام سجد المأموم وبالعكس.

ج - لو سها الإِمام لم يجب على المسبوق بعده متابعته في سجود‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٢ ، شرح العناية ١ : ٤٤٢ ، اللباب ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٦ - ١٤٧ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٣٩ ، أقرب المسالك : ٢١ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١.

٣٢٦

السهو لعدم الموجب في حقه سواء قلنا : إنَّ السجود قبل التسليم ، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد ويسلم ، وإن شاء انتظر إمامه ليسلم معه - وبه قال ابن سيرين(١) - لأن هذا ليس موضع سجود السهو في حق المأموم.

وقال الجمهور كافة : يتابعه المأموم(٢) لقولهعليه‌السلام : ( إنما جعل الإِمام إماماً ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا )(٣) ويحمل على سجود الصلاة.

فإن سلم الإِمام ثم سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته - وبه قال الشافعي(٤) - خلافاً لأبي حنيفة لأن عنده الإِمام يسجد بعد السلام ويعود إلى حكم صلاته فيتابعه فيه(٥) .

إذا عرفت هذا فإذا قضى المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإِمام بموجبه - وهو القديم للشافعي(٦) - لأن سجود الإِمام قد كملت به الصلاة في حق الإِمام والمأموم فلا حاجة به إلى السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.

وفي الجديد : أنه يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإِمام‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٦ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٧٥ - ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ و ٣٠٩ / ٤١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ / ٦٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ / ٣٦١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ و ٣٩٢ / ١٢٣٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٦) المجموع ٤ : ١٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

٣٢٧

فيسجد له موضع السجود ، وما فعله مع الإِمام كان متابعاً له(١) .

إذا ثبت هذا فلو سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.

وقال الشافعي : إن كان قد سجد مع إمامه وقلنا : لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به سجدتين ، وإن قلنا : يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين ، وكفاه عن سهو الإِمام وسهو نفسه. ومن الشافعية من قال : يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين(٢) .

د - لو سها الإِمام فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإِمام‌ لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره أولى - وهو قول لبعض الشافعية(٣) - لأنه كان ، منفرداً عنه.

وقال الشافعي ، ومالك : يلزمه حكم سهو الإِمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه(٤) .

وعلى القول الأول لو سجد إمامه ، قال الشافعي : يتبعه وإذا أتم صلاته لا يعيد ، وكذلك إن لم يسجد إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته(٥) .

ه- لو قام الإِمام إلى الخامسة ساهياً فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد‌ ، والبقاء على الائتمام ، فلا يجوز له متابعة الإِمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا أن صلاة الإِمام لا تبطل بها لسهوه ، بل ينتظر قاعداً حتى يفرغ من الركعة ويعود إلى التشهد ويتشهد معه.

فإن سجد الإِمام للسهو لم يسجد المأموم ، وقال الشافعي :

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٩.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ - ٩٩ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٢٨

يسجد(١) . وإن لم يسجد الإِمام لم يسجد المأموم أيضاً ، وقال الشافعي : يسجد(٢) .

فلو كان المأموم مسبوقاً بركعة وقام الإِمام إلى الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له المتابعة ، وإن لم يعلم وتابعه احتسب له الركعة.

و - لو صلى ركعة فأحرم إمام بالصلاة فنوى الاقتداء به احتمل البطلان والصحة ، والقولان للشافعي(٣) ، وسيأتي ، فإن سوغناه وكان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق الإِمام وأراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة وإلّا فسجدتان عما اختص به.

ز - لو ترك الإِمام سجدة وقام سبح به المأموم فإن رجع ، وإلّا فللمأموم متابعته بعد أن يسجد لأن صلاة الإِمام صحيحة.

وقال الشافعي : لا يجوز له متابعته لأن فعل الإِمام بعد ذلك غير معتد به(٤) . وهو ممنوع.

فإن أخرج نفسه عن متابعة الإِمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه ولا يسجد المأموم.

وقال الشافعي : إن أخرج قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته(٥) .

____________________

(١و٢) حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٨ و ٢٠٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٠.

(٤) المجموع ٤ : ٢٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٥) اُنظر المجموع ٤ : ١٤٦.

٣٢٩

فإن أراد أن ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الاُولى فإن أراد أن ينتظره في الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها ، فلو أراد أن يسجد السجدة الثانية وينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلَّا أنه لو فعل ذلك لم تبطل صلاته.

ثم إذا سجد الإِمام فيصبر المأموم ساجداً إلى أن يرفع الإِمام رأسه من السجدتين جميعاً إن أراد ، وإن أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإِمام رأسه من السجدة الاُولى جاز لأن المحسوب للإِمام السجدة الاُولى على ظاهر المذهب.

ولو رفع رأسه من السجود قبل أن يسجد الإِمام بطلت صلاته ، لأن الإِمام ما شرع في السجدة الثانية وهو قد فرغ منها ، والمأموم إذا سبق الإِمام بركن كامل بطلت صلاته.

ثم إذا رفع الإِمام رأسه وكان قد ترك السجود من الركعة الأولى فأراد الإِمام أن يجلس للتشهد الأول فالمأموم لا يتابعه في التشهد ولكن ينتظره قائما فإذا صلّى ركعة أخرى فقد تمت للمأموم ركعتان وهو موضع التشهد إلّا أن الإِمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد ويترك المأموم التشهد أيضاً متابعة له.

فإذا صلّى ركعة اُخرى فاعتقاد الإِمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد والمأموم لا يتابعه بعد ذلك ، فإن تابعه بطلت صلاته ، فإن أحسّ بقيامه وبعد لم يرفع رأسه من السجدة الاُولى ، فأراد أن ينتظره فيها جاز ؛ لأن السجود ركن ممتد.

ثم إذا أراد الإِمام أن يسجد فعلى المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإِمام قد فرغ من سجدة فالمحسوب له السجدة الاُولى ، فلو لم يرفع رأسه حتى زاد الإِمام ولكن سجد معه السجدة الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة ولو فعل بطلت صلاته. وهذا كله ساقط عندنا.

ح - لو ظن المأموم أن الإِمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم‌ بعد‌

٣٣٠

احتمل خروجه عن الصلاة باستيفاء أفعاله وسلامه ، وخطؤه ليس بمفسد لشي‌ء من أفعاله ، وأن يسلم مع الإِمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به وإلّا فلا ، لأنه سهو في حالة الاقتداء ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو ذكر في التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا ، وقال الشافعي : إذا سلّم الإِمام قام إلى ركعة اُخرى ولا يسجد للسهو ، لأن سهوه كان خلف الإِمام وكذا لو ذكر أنه ترك ركوعاً(٢) وعندنا تبطل صلاته لأنه ركن.

ولو سلّم الإمام فسلم المسبوق ناسياً ثم تذكّر بنى على صلاته وسجد للسهو - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ سلامه وقع بعد انفراده ، ولو ظنّ المسبوق أن الإِمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه وفعله وجلس ، ثم علم أن الإِمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوى الانفراد وله ذلك.

وقال الشافعي : لا يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإِمام عن الصلاة أو بقطع القدوة حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد منهما ، فلا يسجد للسهو بما أتى به لبقاء حكم الاقتداء(٤) .

ولو تبين له في القيام أن الإِمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر على التدارك وقصد الانفراد فهو مبني على أن المقتدي هل له قطع القدوة؟ فإن منعناه رجع ، وإن جوّزناه فوجهان :

أحدهما : ذلك لأن نهوضه غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.

____________________

(١و٢) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٣ - ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

٣٣١

والثاني : لا يجب لأن الانتهاض ليس متعيناً لعينه ، وإنما المقصود القيام وما بعده فصار كما لو قصد القطع في ابتداء النهوض.

وإن لم يقطع القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائماً سلام الإِمام ، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما عليه.

ط - إن قلنا بالتحمل - كما هو قول الشيخ(١) والشافعي(٢) - فإنما يكون لو كانت صلاة الإِمام صحيحة‌ فلو تبيّن كون الإِمام جنباً لم يسجد لسهوه ولا يتحمل هو عن المأموم ، ولو عرف أن الإِمام مخطىء فيما ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.

ي - كل موضع يلحقه سهو الإِمام فإنه يوافقه‌ ، فإن ترك عمداً ففي إبطال الصلاة نظر - وجزم به الشافعي(٣) - ولو رأى الإِمام يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلى المأموم أن يتابعه حملاً على أنه قد سها ، وإن لم يعرف سهوه.

يا - لو اعتقد الإِمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم واعتقد المأموم خلافه لم يسلّم‌ بل يسجد ولا ينتظر سجود الإِمام لأنه فارقه بالسلام ، وهو وجه للشافعي ، وله اثنان : أن يسلم معه ويسجد معه ، وأنه لا يسلم ، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه ، فإذا فرغ من تشهده سلّم معه(٤) .

يب - لو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه على الأقوى‌ ، وعلى الآخر : يتبعه - وبه قال الشافعي - لأن عليه متابعته

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٤ و ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٣٢

وفيه وجه آخر : أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة(١) .

وإذا سجد معه فهل يعيد في آخر صلاته؟ له قولان :

أصحهما : الإِعادة ، لأن المأتي به كان للمتابعة وقد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو الإِمام ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة.

والعدم ؛ لأنه لم يسه ، والمأتي به سببه المتابعة وقد ارتفعت بسلام الإِمام(٢) .

يج - لو اشترك الإِمام والمأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا فإن رجع الإِمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ ، فلا يتبعه فيه وينوي الانفراد ، ولو ركع المأموم أوّلاً قبل الذكر رجع الإِمام وتبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه ، وإن تعمد استمر على ركوعه وقضى السجدة وسجد للسهو.

يد - المسبوق إذا قضى ما فاته مع الإِمام لا يسجد للسهو‌ إذ المقتضي وهو السهو منفي هنا - وبه قال الشافعي(٣) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا )(٤) ولم يأمر بالسجود.

وحكي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه(٥) ،

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، السراج الوهاج : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٦٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ و ١٦٤ و ٢ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ و ٤٢١ / ٦٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ / ٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ / ٧٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٧ و ٢٣٩ و ٢٧٠ و ٤٥٢.

(٥) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٣٩ ذيل الحديث ١٥٢.

٣٣٣