تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333
المشاهدات: 217789
تحميل: 4906


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217789 / تحميل: 4906
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-5503-46-9
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العامّة يجوّز البناء على ما تقدّم مطلقاً(١) .

إذا ثبت هذا ، فالنفساء بحكم الحائض ؛ لأنّ النفاس في الحقيقة حيض ، وأمّا المستحاضة فإنّها بمنزلة الطاهر يجوز لها الاعتكاف مع الأغسال.

قالت عائشة : اعتكفَتْ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلّي(٢) .

فإن لم يمكن صيانة المسجد عن التلويث ، خرجت ، لأنّه عذر ، فإن كان الزمان يسيراً جدّاً كقضاء الحاجة ، بَنَتْ على ما فَعَلَتْ وحسبت زمان الخروج من الاعتكاف ، كزمان قضاء الحاجة.

وقال الشافعي : إن كانت المدّة المنذورة طويلةً لا تخلو عن الحيض غالباً ، لم ينقطع التتابع ، بل تبني إذا طهرت ، كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفّارة.

وإن كانت بحيث تخلو عن الحيض ، فقولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لأنّ جنس الحيض متكرّر بالجبلة ، فلا يؤثّر في التتابع ، كقضاء الحاجة. وأظهرهما : ينقطع ؛ لأنّها بسبيل أن تشرع كما لو طهرت(٣) .

مسألة ٢٢١ : إذا طلّقت المعتكفة رجعيّاً ، خرجت من اعتكافها إلى منزلها‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لقوله تعالى :( لا

____________________

(١) المغني ٣ : ١٢٥ و ١٥٣ و ١٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢٥ و ١٤٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ - ٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٤ - ٢٤٧٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥١٩.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، وقالا به في المتوفّى عنها زوجها في المغني ٣ : ١٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٧.

٣٠١

تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) (١) .

ولأنّ الاعتداد في بيتها واجب فلزمها الخروج إليه ، كالجمعة في حقّ الرجل.

وقال ربيعة ومالك وابن المنذر : تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتدّ فيه ؛ لأنّ الاعتكاف المنذور واجب ، والاعتداد في بيت الزوج واجب ، وقد تعارضا ، فيقدّم الأسبق(٢) .

وينتقض : بالخروج إلى الجمعة وسائر الواجبات.

أمّا استئناف الاعتكاف فإنّه يصحّ على تقدير أن يكون الاعتكاف واجباً ولم يشترط الرجوع.

مسألة ٢٢٢ : إذا مرض المعتكف مرضاً يخاف منه تلويث المسجد‌ ، كإدرار البول وانطلاق البطن والجرح السائل ، فإنّه يخرج منه إجماعاً صيانةً للمسجد عن النجاسة ، وإذا برئ بنى على اعتكافه ، ولا يبطل ما تقدّم إلّا أن يكون أقلّ من ثلاثة أيام عندنا. وينقطع به التتابع.

والمشهور عند الشافعية أنّه لا ينقطع التتابع ؛ لاضطراره إليه ، كالخروج للحيض(٣) .

وللشافعي قول آخر : إنّه ينقطع(٤) .

فإن كان المرض خفيفاً يمكنه معه المقام في المسجد ، ولا يتضرّر بالصوم ، وجب عليه إكمال اعتكافه الواجب ، ويستحب إتمام المندوب ، فإن خرج فيهما ، بطل اعتكافه ، وذلك كوجع ضرس وصداع يسير وما أشبهه ممّا لا يوجب الإِفطار.

____________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٢٣١ ، المغني ٣ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٧ - ١٤٨ ، وفيهما قالوا به في المتوفّى عنها زوجها.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٥٣٦ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

٣٠٢

وإن كان المرض ثقيلاً يفتقر معه إلى الإِفطار ، ويحتاج إلى الفراش والطبيب والمعالجة ، خرج إجماعاً فإذا بري‌ء أتمّ اعتكافه إن كان قد اعتكف أوّلاً ثلاثة أيّام فما زاد ، وإلّا وجب عليه الاستئناف.

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لدعاء الحاجة إليه ، فصار كالخروج لقضاء الحاجة.

والثاني : أنّه ينقطع ؛ لأنّ المرض لا يغلب عروضه ، بخلاف قضاء الحاجة والحيض ، فإنّه يتكرّر غالباً ، فيجعل كالمستثنى لفظاً(١) .

إذا عرفت هذا ، فالاعتكاف إن كان مندوباً ، خرج المريض إلى بيته ، ولا يجب قضاؤه ، وإن كان واجباً ، فإن كان ثلاثة لا غير ، استأنف الاعتكاف ، لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة وكذا ما مضى ، فالماضي لا يجزئه عنه وكذا الباقي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة ، فإنّه يأتي بيته ثم يعيد إذا بري‌ء ويصوم »(٢) .

وإن كان أكثر من ثلاثة ، فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج ، فإذا عاد بنى ، فإن كان الباقي ثلاثة أيضاً فما زاد ، أتى به ، وإن كان أقلّ ، ضمّ إليه ما يكمله ثلاثة.

وإن حصل العارض قبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب الاستئناف.

مسألة ٢٢٣ : إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحجّ أو عمرة حالة اعتكافه‌ ، لزمه الإِحرام ، ويقيم في معتكفة إلى أن يتمّ ثم يمضي في إحرامه ؛ لأنّها عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة ولا ضرورة هنا.

ولو خاف فوت الحجّ ، ترك الاعتكاف ، ومضى في الحج ، فإذا فرغ‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٥ - ٥٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٣.

٣٠٣

استأنف واجباً إن كان الاعتكاف واجباً ولم تمض ثلاثة ، وإلّا ندباً ؛ لأنّ الخروج حصل باختياره ؛ لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف.

ولو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، فإن كان فيه ، اعتكف ، وإن كان بعيداً عنه ، دخل إليه ولم يدخله إلّا بنسك إمّا حجّ أو عمرة.

ولو اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، قال الشيخ : لم يلزمه قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه(١) .

ولو وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله نهباً أو حريقاً إن قعد في المسجد ، فله ترك الاعتكاف ؛ لأنّ الله تعالى أباح ترك الجمعة الواجبة وطهارة الماء بذلك فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه.

وقد روي عن الصادقعليه‌السلام : « إن واقعة بدر كانت في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمـّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوماً ، عشرة لعامه وعشرة قضاءً لما فاته »(٢) وإذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في أثنائه.

مسألة ٢٢٤ : لو خرج المعتكف من المسجد سهواً ، لم يبطل اعتكافه‌ ولا تتابعه - وهو أحد قولي الشافعية(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان )(٤) .

ولأنّه فعل المنهي عنه ناسياً ، فلا يقتضي فساد العبادة كالأكل في الصوم وغيره من المفطرات.

والثاني للشافعية : أنّه يبطل التتابع ؛ لأنّ اللبث مأمور به ، والنسيان‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦.

(٤) كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٠٤

ليس بمعذّر في ترك المأمورات(١) .

وهو ممنوع ، وللحنابلة قولان(٢) كهذين.

مسألة ٢٢٥ : لو اُكره على الخروج ، فإن طال زمانه ، بطل اعتكافه‌ ؛ لانتفاء المسمّى ، ولو لم يَطُلْ لم يبطل بل يبني مع العود ؛ لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )(٣) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : بطلان الاعتكاف وانقطاع التتابع بالإِكراه على الخروج. والثاني : عدم البطلان(٤) .

ولو أخرجه السلطان ، فإن كان ظلماً ، مثل أن يطالبه بما ليس عليه أو بما لَهُ عليه وهو معسر ، لم يبطل اعتكافه إلّا مع طول الزمان ، وإن أخرجه بحقّ ، مثل إقامة حدّ أو استيفاء دَيْن يتمكّن من أدائه ، بطل اعتكافه واستأنف.

وبه قال الشافعي في المال خاصّة دون الحدّ ؛ لأنّ التقصير منه في المال ، وأحوج نفسه إلى الإِخراج مع تمكّنه من تركه ، فكان كمن يخرج مختاراً.

أمّا في الحدّ : فلأنّه مكره على الخروج إن ثبت بالبيّنة ، وإن ثبت بإقراره انقطع تتابعه ، ونصّ في الثابت بالبيّنة أنّه لا ينقطع تتابعه(٥) .

وفرّق بينه وبين إقامة الشهادة : أنّ الشهادة إنّما تتحمّل لتؤدّي ، فاختياره للتحمّل اختيار للأداء ، والجريمة الموجبة للحدّ لا يرتكبها المـُجْرم ليُقام عليه‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦.

(٢) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣.

(٣) تقدمت الإِشارة إلى مصدره في الصفحة السابقة ، الهامش (٤).

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥.

(٥) المجموع ٦ : ٥٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ و ٥٣٨.

٣٠٥

الحدّ ، فلم تحصل باختياره ولا اعتبار باختيار السبب(١) .

وينتقض : بأداء الشهادة إذا كان مختاراً في تحمّلها ، فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّاً.

ولو حُمل فاُخرج فكالمضطرّ.

وقال الشافعي : لا يبطل ، كما أنّه لو وُجر الصائم الطعام لا يبطل صومه(٢) .

مسألة ٢٢٦ : الأعذار المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها‌ على الأقوى ؛ لأنّه كالمستثنى.

وقال الشافعي : يجب قضاؤها إلّا وقت قضاء الحاجة.

وهل يجب تجديد النيّة عند العود؟ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة فلا ، وكذا ما لا بدّ منه ، كالخروج للاغتسال والأذان إذا جوّزنا الخروج إليه.

أمّا ما منه بدّ فوجهان ، أحدهما : أنّه يجب ؛ لأنّه خرج عن العبادة بما عرض. والأظهر : عدم الوجوب ؛ لشمول النيّة جميع المدّة(٣) .

مسألة ٢٢٧ : يستحب للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف‌ ، بإجماع العلماء - إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يصح الاشتراط(٤) - لأنّه عبادة في إنشائها الخيرة ، فله اشتراط الرجوع مع العارض كالحجّ. ولأنّه عبادة يجب بعقده ، فكان الشرط إليه فيه كالوقف. ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧.

(٣) المجموع ٦ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ و ٥٤١ - ٥٤٢.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ و ٢٢٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٠ - ٨١ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٣٥ ، المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٢٠.

٣٠٦

وقد قال الصادقعليه‌السلام : « واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ( إنّ ذلك في )(١) اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يُحْرم »(٣) .

واحتجّ مالك : بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصح ، كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة(٤) .

ونمنع شرط المنافي ، بل هو بمنزلة مَنْ شرط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وهو صحيح ، بخلاف أصله ، لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز.

مسألة ٢٢٨ : قال الشيخ : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه‌ ، فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان ، وجب الثالث ، وإن لم يشترط ، وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام ، لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام(٥) .

وقال في النهاية : متى شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، وإن لم يشترط ، لم يكن له الرجوع فيه إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان ، وجب عليه ثلاثة أيّام(٦) ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في الاستبصار : « أن يُحلّك من ».

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤١٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ - ١٢٩ / ٤١٨.

(٤) اُنظر : المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ ، والمنتقى - للباجي - ٢ : ٨١.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩.

(٦) النهاية : ١٧١.

٣٠٧

ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط ، فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(١) .

ويجي‌ء على قول الشيخ -رحمه‌الله - تفصيل ، وهو : أنّ الاعتكاف إن كان متبرّعاً به ، جاز له أن يرجع متى شاء ، سواء شرط أو لا ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها ، وإن كان منذوراً فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :

أ - أن يعيّن زماناً ويشترط التتابع والرجوع مع العارض ، فله الرجوع عند العارض ، ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالشرط ، ولا قضاؤه ؛ لأصالة البراءة السليمة عن المعارض.

ب - عيّن النذر ولم يشترط التتابع ، لكن شرط الرجوع ثم عرض العارض ، فله الخروج ؛ عملاً بالشرط ، ولا يجب عليه الإِتمام ولا القضاء.

ج - عيّن النذر وشرط التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ويقضي مع الزوال متتابعاً.

د - عيّن النذر ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ثم حصل العارض ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت.

ه- لم يعيّن زماناً لكن شرط التتابع واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثم يأتي بما بقي عليه متتابعاً عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف.

و - لم يعيّن واشترط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ثم يستأنف اعتكافاً متتابعاً ؛ لأنّه وجب عليه متتابعاً ، ولا يتعيّن بفعله إذا لم يعيّنه بنذره ، فيجب عليه الإِتيان به على وصفه الذي شرط في نذره. وفيه‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١.

٣٠٨

إشكال

ز - لم يعيّن واشترط على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد ، وأتى بالباقي إن كان ثلاثةً فما زاد ، وإلّا فثلاثة.

ح - لم يعيّن ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويستأنف إن لم تحصل ثلاثة ، وإلّا أتمّ.

مسألة ٢٢٩ : الاشتراط إنّما يصح في عقد النذر‌ ، أمّا إذا أطلقه من الاشتراط ، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، فإذا لم يشترط ثم عرض ما يمنع الصوم أو الكون في المسجد ، فإنّه يخرج ويقضي الاعتكاف إن كان واجباً فواجباً ، وإن كان ندباً فندباً.

وإنّما يصح اشتراط الرجوع مع العارض ، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة والتنزّه أو البيع والشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد ، لم يجز ، لأنّه منافٍ للاعتكاف.

مسألة ٢٣٠ : قد بيّنّا أنّه يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة‌ ولنفع المؤمن والصلاة على الجنازة وعيادة المريض وشراء مأكوله ومشروبه.

وأكثر العامّة منع من الخروج إلّا لقضاء الحاجة ولما لا بُدّ له منه ، فإن خرج لما لَهُ منه بُدٌّ ، بطل اعتكافه وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(١) .

وقال أبو يوسف ومحمد : لا يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم ، لأنّ اليسير معفوّ عنه ، كما لو تأنّى في مشيه.

ولأنّ صفيّة أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تزوره في معتكفة ، فلمـّا‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥.

٣٠٩

قامت لتَنْقَلِبَ خرج معها ليَقْلِبَها(١) (٢) (٣) .

ويحتمل أن لا يكون لهعليه‌السلام منه بُدٌّ ؛ لأنّه كان ليلاً فلم يأمن عليها.

مسألة ٢٣١ : منع العامّة من الخروج لعيادة المريض وشهادة الجنازة إلّا أن يشترط فعل ذلك‌ في اعتكافه ، فيكون له فعله ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وكذا ما كان قربةً ، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم ، أو كان مباحاً ممّا يحتاج إليه ، كالأكل في منزله والمبيت فيه ، فله فعله(٤) . وفي المبيت إشكال.

وقد أجاز اشتراط الأكل في منزله الحسن والعلاء بن زياد والنخعي وقتادة(٥) .

ومنع منه مالك والأوزاعي(٦) .

قال مالك : لا يكون في الاعتكاف شرط(٧) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب بعقده ، فكان الشرط فيه إليه كالوقف. ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي إقامة. وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض خَرَجْتُ ، جاز شرطه.

مسألة ٢٣٢ : إذا نذر اعتكافاً بصفة التتابع ، وشرط الخروج منه إن عرض عارض‌ ، صحّ شرطه على ما تقدّم ؛ لأنّ الاعتكاف إنّما يلزم بالتزامه ، فيجب بحسب الالتزام ، وهو أظهر قولي الشافعي(٨) .

____________________

(١) أي : فلمـّا قامت لترجع خرج معها ليصحبها. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٦ / ١٧٧٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٤.

(٣) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

(٤) المغني ٣ : ١٣٥ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٥ - ٧ ) المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩.

(٨) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧.

٣١٠

وله قول آخر : إنّه لا يصح - كما هو مذهب مالك - لأنّه شرط المنافي فيلغو ، كما لو شرط أن يخرج للجماع(١) .

والمشهور عند الشافعية : الصحة(٢) ، وبه قال أبو حنيفة(٣) . وبالثاني قال مالك(٤) . وعن أحمد روايتان(٥) .

فعلى القول بالصحة إن عيّن نوعاً ، مثل أن قال : لا أخرج إلّا لعيادة المريض ، أو عيّن ما هو أخصّ ، فقال : لا أخرج إلّا لعيادة زيد ، خرج فيما عيّنه خاصة دون غيره وإن كان أهمّ منه عند الشافعي(٦) . وعندنا يجوز فيما عداه من القُرَب على ما سبق ، إلّا أن يطول الزمان.

وإن أطلق وقال : لا أخرج إلّا لشغل يعتري أو لعارض يعرض ، كان له أن يخرج لكلّ شغل ديني ، كحضور الجمعة وعيادة المرضى ، أو دنيوي ، كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ، ولا يبطل التتابع بشي‌ء من ذلك عنده(٧) .

وشرط في الشغل الدنيوي الإباحة.

وللشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يشترط(٨) .

ولا عبرة بالنزهة ؛ لأنّه لا يُعدّ من الأشغال ، ولا يعتنى به.

ولو قال : إن عرض لي عارض قَطَعْتُ الاعتكاف ، فالحكم كما لو شرط ، إلّا أنّه في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء الحاجة ، وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك.

وكذا لو قال : عليَّ أن أعتكف رمضان إلّا أن أمرض أو اُسافر ، فإذا مرض أو سافر فلا شي‌ء عليه.

ولو نذر صلاةً وشرط الخروج إن عرض عارض ، أو صوماً وشرط الخروج إن جاع أو اُضيف فيه ، فلهم وجهان :

____________________

(١ - ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧.

(٦ - ٨ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، المجموع ٦ : ٥٣٨.

٣١١

أحدهما - وهو قول أكثر الشافعيّة - أنّه يصحّ هذا الشرط ، كما في الاعتكاف.

والثاني : لا يصحّ ولا ينعقد النذر ، بخلاف الاعتكاف ؛ لأنّ ما يتقدّم منه على الخروج عبادة، وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة(١) .

ولو فرض ذلك في الحج ، انعقد النذر عندهم(٢) ، كما ينعقد الإِحرام المشروط ، ولكن في جواز الخروج للشافعي قولان(٣) . والصوم والصلاة أولى لجواز الخروج منهما عند أكثرهم ؛ لأنّهما لا يلزمان بالشروع ، والالتزام مشروط ، فإذا وجد العارض فلا يلزم ، والحج يلزم بالشروع(٤) .

ولو نذر التصدّق بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلّا أن تعرض حاجة ونحوها ، فلهُمْ وجهان ، والأظهر عندهم : صحة الشرط ، فإذا احتاج فلا شي‌ء عليه(٥) .

ولو قال : في هذه القُرُبات إلّا أن يبدو لي ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يصح الشرط ، فلا شي‌ء عليه إذا بدا له ، كشرط سائر العوارض.

وأظهرهما عندهم : البطلان ؛ لأنّه تعليق للأمر بمجرّد الخيرة ، وذلك يناقض صيغة الالتزام(٦) .

ثم هل يبطل النذر من أصله أو يصحّ ويلغو الشرط؟ للشافعيّة قولان(٧) .

وإذا شرط الخروج لغرض وقالوا بصحته ، فخرج لذلك الغرض ، هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه؟ يُنظر إن نذر مدّة غير معيّنة ، كشهر مطلق أو عشرة مطلقة ، فيجب التدارك ليُتمّ المدّة المنذورة ، وتكون فائدة الشرط : تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به.

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢١ - ٥٢٢ ، المجموع ٦ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٥ - ٧ ) فتح العزيز ٦ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، المجموع ٦ : ٥٣٩ - ٥٤٠.

٣١٢

وإن عيّن المدّة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان ، لم يجب التدارك ؛ لأنّه لم ينذر إلّا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة(١) .

مسألة ٢٣٣ : إذا نذر أن يعتكف شهراً بعينه‌ ، دخل المسجد قبل غروب الشمس ، وخرج منه يوم الثلاثين بعد غروب الشمس - وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّه نذر الشهر ، وأوّله غروب الشمس ، ولهذا تحلّ الديون المعلّقة به ، ويقع الطلاق والعتاق المعلّقان به ، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر ، فإنّه لا يمكن إلّا بذلك فيجب ، كما يجب إمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم.

وقال أحمد في الرواية الثانية : إنّه يدخل قبل طلوع الفجر - وبه قال الليث وزفر - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أراد أن يعتكف صلّى الصبح ثم دخل معتكفة(٣) .

ولأنّ الله تعالى قال :( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٤) ولا يلزم الصوم إلّا من قبل طلوع الفجر.

ولأنّ الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه(٥) .

ولا حجّة في الخبر ؛ لأنّه يدخل في التطوّع متى شاء.

قال ابن عبد البرّ : لا أعلم أنّ أحداً من الفقهاء قال به(٦) .

والصوم محلّه النهار ، فلا يدخل فيه شي‌ء من الليل في أثنائه ولا ابتدائه‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٢٤ - ٥٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٤٠.

(٢) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٧ / ٧٩١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦.

(٦) المغني ٣ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧.

٣١٣

إلّا ما حصل ضرورة ، بخلاف الاعتكاف.

ولو أحبّ اعتكاف العشر الأواخر تطوّعاً ، ففيه روايتان عن أحمد :

إحداهما : يدخل فيه قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه ، قال : ( من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ).

ولأنّ العشر بغير « هاء » عدد الليالي(١) . وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٢) .

وفي الثانية : يدخل بعد صلاة الصبح - وبه قال الأوزاعي وإسحاق - لما روت عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا صلّى الصبح دخل معتكفة(٣) .

واستحبّ أحمد لمن اعتكف العشر الأخير من رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفة(٤) .

ويستحبّ للمرأة إذا أرادت الاعتكاف أن تستتر بشي‌ء ؛ لأنّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمـّا أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهنّ فضُرِبْنَ في المسجد(٥) .

وإذا ضربت بناءً ، جَعَلَتْه في مكان لا يصلّي فيه الرجال ، لئلّا تقطع صفوفَهم وتُضيّق عليهم.

ولا بأس للرجل أن يستتر أيضاً ؛ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر‌

____________________

(١) أي : إسقاط « الهاء » في العشر دليل على إرادة الليالي. هامش « ن ».

(٢) قوله : وهو إحدى الروايتين يفيده قوله المتقدّم عليه : ففيه روايتان عن أحمد ، إحداهما.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ١٥٦ - ١٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ - ٣٣٢ / ٢٤٦٤.

٣١٤

ببنائه فضُرب(١) . ولأنّه أستر له وأخلى(٢) .

المطلب السادس : في الكفّارة‌

مسألة ٢٣٤ : إذا جامع المعتكف في حال اعتكافه ليلاً أو نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن البصري والزهري وبعض الحنابلة وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لأنّه عبادة يفسدها الوطء بعينه ، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها ، كالحجّ وصوم رمضان.

ولأنّه زمان تعيّن للصوم ، وتعلّق الإِثم بإفساده ، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع كرمضان.

ولأنّ سماعة سأل الصادقعليه‌السلام ، عن معتكف واقع أهله ، فقال : « هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان »(٤) .

وسأله أبو ولّاد الحنّاط عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت - حين بلغها قدومه - من المسجد إلى بيتها وتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها كان عليها ما على المـُظاهر »(٥) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا كفّارة عليه - وهو قول عطاء والنخعي‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ / ٢٤٦٤.

(٢) أخلى : من الخلوة بالنفس عن الناس لأجل الاشتغال بالعبادة ، لأن الاختلاط بهم يضادّ التفرّغ ويلهي عادة.

(٣) المغني ٣ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢.

٣١٥

وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والأوزاعي - لأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع ، فلا تجب بإفسادها كفّارة ، كالنوافل.

ولأنّها عبادة لا يدخل المال في جبرانها ، فلم تجب الكفّارة بإفسادها ، كالصلاة.

ولأنّ الكفّارة إنّما تثبت بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها ، فتبقى على الأصل(١) .

والفرق : أنّ النوافل لا يتعلّق بإفسادها إثم فلا كفّارة ، لأنّ الكفّارة تتبع الإِثم.

والقياس على الصلاة ممنوع ، ومعارض بما قلناه ، وبأنّه في مقابلة النصّ.

وقد بيّنّا ورود الشرع بالوجوب ، وهي الأخبار المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهُمْ أعرف بالأحكام من غيرهم ، فإنّ الوحي في بيتهم نزل.

مسألة ٢٣٥ : كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً - وبه قال الحسن والزهري إلّا أنّهما قالا بالترتيب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّها كفّارة في صوم واجب ، فكانت مثل كفّارة رمضان.

ولما تقدّم من الروايتين(٣) عن الصادقعليه‌السلام .

ولأنّ سماعة قال : سألت الصادقعليه‌السلام ، عن معتكف واقع أهله ، قال : « عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٩ - ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦ - ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦.

(٣) تقدّمتا في المسألة السابقة (٢٣٤).

٣١٦

أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً »(١) .

وقال بعض الحنابلة : تجب كفّارة يمين(٢) .

والمشهور عن أحمد أنّه قال : مَنْ أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر ، نقله عن الزهري. ثم قال : إذا كان نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة(٣) .

مسألة ٢٣٦ : الذي عليه فتوى علمائنا أنّها كفّارة مخيّرة مثل كفّارة رمضان‌ ؛ لما تقدّم من الروايات(٤) . وللأصل.

وفي رواية عن الباقرعليه‌السلام ، واُخرى عن الصادقعليه‌السلام أنّ « عليه ما على المـُظاهر »(٥) .

وهي محمولة على المساواة في المقدار دون الترتيب ؛ جمعاً بين الروايات.

مسألة ٢٣٧ : الجماع إن وقع في نهار رمضان ، وجب عليه كفّارتان : إحداهما عن الاعتكاف ، والاُخرى عن رمضان ، وإن وقع ليلاً ، وجبت كفّارة واحدة وإن كان في غير رمضان ، وكذا إن وقع في نهار غير رمضان ، لأنّ كلّ واحد من عبادتي الاعتكاف ورمضان يوجب الكفّارة، والأصل عدم التداخل عند تغاير السبب.

وقد سأل عبد الأعلى بن أعين ، الصادقعليه‌السلام ، عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قتلت : فإن وطأها نهاراً؟ قال : « عليه كفّارتان»(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥.

(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

(٣) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦.

(٤) منها : رواية سماعة ، وقد تقدّمت في المسألة ٢٣٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤ ، الجعفريات : ٥٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٥٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٩.

٣١٧

والسيد المرتضى -رحمه‌الله - أطلق ، فقال : المعتكف إذا جامع نهاراً ، كان عليه كفّارتان ، وإن جامع ليلاً ، كان عليه كفّارة واحدة(١) . والظاهر أنّ مراده رمضان.

مسألة ٢٣٨ : لو كانت المرأة معتكفةً ووطأها مختارة‌ ، وجب عليها مثل ما يجب على الرجل ، فإن أكرهها ، تضاعفت الكفّارة عليه ، فإن كان الإِكراه في نهار رمضان ، وجب عليه أربع كفّارات ، ولا يبطل اعتكافها ولا صومها للإِكراه ، وإن كان في ليل غير رمضان ، كان عليه كفّارتان لا غير ، ولا يفسد اعتكافها أيضاً ، ومع المطاوعة يفسد اعتكافها كالرجل.

وقال بعض(٢) علمائنا : لا يجب تضاعف الكفّارة بالإِكراه ؛ لأنّ الكفّارة تتبع إفساد الاعتكاف وهو غير متحقّق في طرف المرأة ؛ لأنّ اعتكافها صحيح.

ولا بأس به ، مع أنّ رواية التضعيف(٣) ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها المفضّل ابن عمر ، وفيه قول.

مسألة ٢٣٩ : المباشرة دون الفرج إن كانت بغير شهوة ، فلا بأس بها‌ ، مثل أن تغسل رأسه أو تفليه(٤) أو تناوله شيئاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يُدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجّله(٥) .

وإن كانت عن شهوة ، فهي محرّمة ؛ لقوله تعالى( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٦) .

ولأنّه لا يأمن من إفضائها إلى إفساد الاعتكاف ، وما أفضى إلى الحرام‌

____________________

(١) الانتصار : ٧٣.

(٢) هو المحقّق في المعتبر : ٣٢٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

(٤) فلا رأسه ، يفلوه ويفليه : بحثه عن القمل. لسان العرب ١٥ : ١٦٢.

(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٢٠٨.

(٦) البقرة : ١٨٧.

٣١٨

يكون حراماً.

فإن فعل ما ينزل ، فسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه(١) - لأنّها مباشرة لا تُفسد صوماً ولا حجّاً فلم تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة بغير شهوة.

والقول الثاني للشافعي : إنّها تُفسد في الحالين - وبه قال مالك - لأنّها مباشرة محرّمة ، فأفسدت الاعتكاف ، كما لو أنزل(٢) .

والفرق : أنّها مع الإِنزال تُفسد الصوم.

قال الشيخ : ويجب القضاء والكفّارة بالجماع ، وكذا كلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمداً(٣) .

مسألة ٢٤٠ : إعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع‌ إجماعاً ، وكذا بالإِنزال بالمباشرة وشبهها عند علمائنا وأكثر العامّة(٤) .

وهل تجب بالأكل والشرب؟ خلاف عند علمائنا ، المشهور : أنّها تجب.

وقال بعض علمائنا : لا تجب(٥) ؛ للأصل ، والنصّ إنّما ورد في الجماع ، ولا يجب سوى القضاء إن كان الصوم واجباً أو كان في ثالث‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٤١ - ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٥ و ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٦ - ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٥ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ١٩١ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٤) اُنظر : المغني ٣ : ١٣٩ والشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، والمجموع ٦ : ٥٢٧ ، وبداية المجتهد ١ : ٣١٦.

(٥) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦ ، وراجع : شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٠.

٣١٩

المندوب ، وإلّا لم يجب القضاء أيضاً.

قال المفيدرحمه‌الله ، والسيد المرتضى رضي الله عنه : تجب الكفّارة بكلّ مُفطرٍ في شهر رمضان(١) .

وقال بعض(٢) علمائنا : إن كان الاعتكاف في نهار شهر رمضان ، وجبت الكفّارة بكلّ مفطر ، وكذا إن كان منذوراً معيّناً ؛ لأنّه بحكم رمضان ، ولو كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن بزمان ، لم تجب الكفّارة إلّا بالجماع خاصة.

مسألة ٢٤١ : لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : في أصحابنا مَنْ قال : يقضي عنه وليّه أو يخرج من ماله مَنْ ينوب عنه ؛ لعموم ما روي أنّ مَنْ مات وعليه صوم واجب وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة(٣) .

والأقرب أن يقال : إن كان واجباً فكذلك على إشكال ، وإن كان ندباً فلا.

قال الشيخرحمه‌الله : قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون على الفور(٤) .

فإن قصد الوجوب فهو ممنوع ؛ لأصالة البراءة ، وإن أراد الاستحباب فهو جيّد ؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة وإخلاء الذمّة عن الواجب.

ثم قالرحمه‌الله : إذا اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، لم يلزمه‌

____________________

(١) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٢٥ ، وراجع : المقنعة : ٥٨ ، وجُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٦١.

(٢) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٣ - ٢٩٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

٣٢٠