تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234837 / تحميل: 5712
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النبيعليه‌السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة(٢) .

وقال النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه(٣) .

وهو خرق الإِجماع ، فلا يلتفت إليه.

إذا عرفت هذا ، فقد أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين(٤) .

والإِجماع يبطله ، ولا منافاة.

وللشافعي قول : إنّه إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّهعليه‌السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه )(٦) .

ولا فرق بين وطء الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها.

مسألة ١٥ : ويفسد [ الجماع ] صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤١ - ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨.

(٥) المجموع ٦ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

٤١

أحد القولين(١) - لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة.

ولعموم الروايات ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٢) .

وفي الآخر للشافعي : لا كفّارة عليها - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ النبيعليه‌السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشي‌ء(٤) .

ولا دلالة فيه ؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً.

فروع :

أ - لو أكره زوجته على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شي‌ء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان.

وخالف الجمهور ، فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها(٥) .

وهو لا ينافي وجوب الكفّارة ، وللرواية(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

(٣) المغني ٣ : ٦١ - ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٥) اُنظر : المغني ٣ : ٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

٤٢

ولا قضاء عليها عندنا.

وقال أصحاب الرأي : يجب عليها القضاء. وهو قول الثوري والأوزاعي(١) .

وقال مالك : يجب على المكرهة القضاء والكفّارة(٢) .

وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة(٣) .

ب - لو وطأ المجنون ، فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما.

ج - لو زنى بامرأة ، فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة.

قال الشيخ : ولا يجب عنها شي‌ء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس(٤) .

وهو مشكل ؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ.

د - لو أكرهته على الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شي‌ء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل.

مسألة ١٦ : لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً‌ ، وإن لم ينزل فكذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية(٥) - لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل.

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٣٦ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨‌

٤٣

ولأنّهعليه‌السلام أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة(١) ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً.

وفي رواية عن أبي حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به(٢) .

وهو ممنوع ، وأيضاً لا ملازمة ، كالأكل.

فروع :

أ - لو وطأ غلاماً فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة.

وقال أبو حنيفة : لا كفّارة(٤) .

ب - لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة(٥) .

ومنع ابن إدريس القضاء(٦) أيضاً.

وقال بعض العامة : تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية(٧) .

ج - إن أوجبنا الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٤٠ الهامش (٦).

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٤) المغني : ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩١ ، المسألة ٤٢.

(٦) السرائر : ٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

٤٤

مسألة ١٧ : لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة‌ ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل - وبه قال مالك وأبو ثور(١) - لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان كالمجامع.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المفطر بالكفّارة(٢) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع »(٣) .

وعن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة »(٤) .

وعن الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في(٥) رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(٦) »(٧) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة(٨) .

وقال أحمد : تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال(٩) .

وعنه في القُبلة واللمس روايتان(١٠) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (١) من الصفحة ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١.

(٥) في المصدر زيادة : قضاء شهر.

(٦) في المصدر زيادة : في رمضان.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣.

(٨) المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٥.

(٩) المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(١٠) الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٤٢.

٤٥

فروع :

أ - لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاُولى.

أمّا لو كرّر النظر حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد.

وقال الشيخ : إن نظر إلى محلّلة ، لم يلزمه شي‌ء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء(٢) .

وقال مالك : إن أنزل من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة(٣) . وهو جيّد.

ب - قال أبو الصلاح : لو أصغى فأمنى ، قضاه(٤) .

ج - لو قبّل أو لمس فأمذى ، لم يفطر - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول.

وقال أحمد : يفطر ، لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني(٦) .

والفرق : أنّ المني يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه.

د - لو تساحقت امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شي‌ء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما.

والوجه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣.

(٦) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٤٦

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو ساحق المجبوب فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج.

ه - لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٢) - لصدق المجامع عليه.

وقال أبو حنيفة : يجب القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٣) .

ونمنع حكم الأصل.

و - لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٤) - لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع.

وقال بعض الجمهور : تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة(٥) .

وليس بحثنا فيه ، بل مع عدم التلذّذ.

وقال مالك : يبطل صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره(٦) .

ونمنع وجوب القضاء.

مسألة ١٨ : ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان‌ على‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٢ - ٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢.

(٢) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

٤٧

مَن يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك(١) - لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق »(٣) .

وقال الشافعي : لا تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة - وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود - لأصالة البراءة(٤) .

والأصل قد يخالف ؛ للدليل ، وقد بيّناه.

ولا فرق بين الرجل والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير(٥) ،

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، اختلاف العلماء : ٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، اختلاف العلماء : ٧٢ - ٧٣ ، المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

٤٨

ولأبي حنيفة والشافعي(١) .

مسألة ١٩ : ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل.

وما رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب »(٢) .

مسألة ٢٠ : لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً»(٤) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليه القضاء خاصة. وهو ظاهر كلام السيد المرتضى(٥) ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن عبد الله والنخعي وعروة وطاوس(٦) .

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، وفيهما : سليمان بن حفص المروزي.

(٣) أورده السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢.

(٥) اُنظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢.

٤٩

وقال الجمهور : لا قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح(١) ، لقوله تعالى :( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٢) .

وما رووه عن النبيعليه‌السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه(٣) .

والجواب : لا يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية.

والرواية ممنوعة ، على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة.

تذنيب : لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لأنّه مع ترك العزم على الغسل يسقط اعتبار النوم ، ويصير كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

ولو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه »(٤) وهو يتناول صورة النزاع.

مسألة ٢١ : أوجب الشيخان بالارتماس القضاء والكفّارة(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، وفي الأول : سليمان بن حفص المروزي.

(٥) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

٥٠

واختار السيد المرتضى -رحمه‌الله - الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه(١) ، وبه قال مالك وأحمد(٢) .

وللشيخ قول في الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً(٣) .

وهو الأقوى ؛ لدلالة الأحاديث(٤) على المنع ، وأصالة البراءة(٥) على سقوط القضاء والكفّارة.

وقال ابن أبي عقيل : إنّه سائغ مطلقاً. وبه قال الجمهور(٦) ، إلّا مَن تقدّم.

مسألة ٢٢ : أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى‌ ، أو على رسوله ، أو على الأئمّةعليهم‌السلام (٧) .

وخالف فيه السيد المرتضى(٨) ، وابن أبي عقيل ، والجمهور(٩) كافّة ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

احتجّ الشيخان : برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادقعليه‌السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :

____________________

(١) حكاه عنه ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٢) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(٤) اُنظر : الكافي ٤ : ١٠٦ / ١ - ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٧ و ٥٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٥٨ - ٢٦٠.

(٥) أي : ولدلالة أصالة البراءة

(٦) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٤٨.

(٧) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

(٨) جُمل العلم والعلم ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٢.

(٩) كما في المعتبر : ٣٠٢.

٥١

« ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

والإِفطار يستلزم الكفّارة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق »(٢) .

وهي محمولة على المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة.

مسألة ٢٣ : والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء(٣) .

وحكي عن ربيعة أنّه قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً(٤) .

وقال سعيد بن المسيب : إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً(٥) .

وقال إبراهيم النخعي ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم(٦) .

والكلّ باطل ؛ لقولهعليه‌السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه )(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٥٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ١٦٥ ، باب معنى قول الصادقعليه‌السلام : الكذبة تفطر الصائم ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ باب من أفطر متعمّداً من غير عذر الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٤) كما في المغني ٣ : ٥٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٢

مسألة ٢٤ : والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا‌(١) ، وبه قال مالك(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً »(٤) و « أو » للتخيير.

وقال ابن أبي عقيل : إنّها على الترتيب - وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي(٥) - لقولهعليه‌السلام للواقع على أهله : ( هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ )(٦) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٧) .

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، وسلّار في المراسم : ١٨٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٦.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ و ٧٨٣ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٣

ولا دلالة ؛ لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره.

وقال الحسن البصري : إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة(١) ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبد الله عن النبيعليه‌السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنة ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً »(٢) .

ورواية ضعيف فلا يعوّل عليه.

وللسيد المرتضى -رحمه‌الله - قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني: أنّها على التخيير(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

والتخيير عندنا أولى ؛ لموافقة براءة الذمّة.

تذنيب :

الأولى الترتيب‌ ؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال.

مسألة ٢٥ : صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع‌ - وهو قول عامة أهل العلم(٥) - لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبيعليه‌السلام ، قال لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )(٦) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ١٩١ / ٥٤.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٦ ، وفي الانتصار : ٦٩ القول بالتخيير.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٦) أوعزنا إلى مصادرها في الهامش (١) من صفحة ٤٠.

٥٤

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين »(١) .

ولأنّها كفّارة فيها صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل(٢) .

وقال ابن أبي ليلى : لا يجب التتابع(٣) ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً(٤) . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه.

وحديثنا أولى ؛ لأنّه لفظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى.

مسألة ٢٦ : الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين‌ ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً - وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي(٥) - لما رواه العامة في حديث المـُجامع ، أنّه اُتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بمِكتَل فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الرحمن عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ / ٥٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠ ، والفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٢) أي : كفّارة الظهار والقتل.

(٣) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٢ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ بتفاوت يسير في الأخير.

٥٥

وقال الشيخرحمه‌الله : لكلّ مسكين مُدّان من طعام(١) .

والأصل براءة الذمة.

وقال أبو حنيفة : من البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع(٢) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر )(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه مختلف فيه.

وقال أحمد : مُدٌّ من بُرّ و(٤) نصف صاع من غيره(٥) ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ(٦) .

وليس محلّ النزاع.

مسألة ٢٧ : قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة‌ ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ؛ لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٦٥ / ٢٢١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٤) في المصدر : أو. وهو الصحيح.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٦

ولأنّه بعد الرقبة(١) تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم.

وقال أبو حنيفة والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق - وللشافعي قولان(٢) - لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم البدل ، كالمتيمّم يرى الماء(٣) .

وليس حجّةً ؛ فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها(٤) فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له ، فلم يظهر له حكم.

ولأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية.

مسألة ٢٨ : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً‌ ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك )(٥) ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته.

ومن طريق الخاصة : قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل )(٦) .

____________________

(١) أي : بعد فقدان الرقبة.

(٢) المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، الاُم ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٦ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٥٠٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٩٨ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، مختصر المزني : ٢٠٦.

(٤) في « ف » : قبله.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ - ٧٨٢ / ١١١١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥ ، والكافي ٤ : ١٠٢ / ٢.

٥٧

ولأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر.

وقال الزهري والثوري وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته - وهو قياس قول أبي حنيفة(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز.

ولأنّه حقُّ لله تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات(٢) .

وليس حجّةً ؛ لأنّهعليه‌السلام ، دفع ( التمر )(٣) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز. وحكم الأصل ممنوع.

وقال الأوزاعي : تسقط الكفّارة عنه(٤) . وللشافعي قولان(٥) . وعن أحمد روايتان(٦) .

فروع :

أ - حدّ العجز عن التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم.

ب - لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة.

ج - اختلفت عبارة الشيخين هنا ، فقال المفيدرحمه‌الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : البُرّ. والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٦) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٨

أطاق ، أو فليصُم ما استطاع(١) . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن صوم ثمانية عشر.

والشيخ -رحمه‌الله - عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه(٢) .

د - أطلق الشيخ -رحمه‌الله - صوم ثمانية عشر يوماً(٣) .

والمفيد والمرتضى - رحمهما الله - قيّداها بالتتابع(٤) .

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسنعليه‌السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة اليمين »(٥) يدلّ على قول الشيخرحمه‌الله تعالى.

ه- لو عجز عن صيام شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال.

أمّا في الصدقة ، فلو عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع )(٦) .

وكذا الإِشكال لو تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا؟

مسألة ٢٩ : وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن‌ ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال‌

____________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢ و ٣ ) النهاية : ١٥٤.

(٤) المقنعة : ٥٥ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ / ٣٨٢.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة ، ونحوه من طريق الخاصة عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، في الكافي ٤ : ١٠١ و ١٠٢ / ١ و ٣ والفقيه ٢ : ٧٢ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ / ٥٩٤ و ٥٩٦ ، والاستبصار ٢ : ٩٥ و ٩٦ / ٣١٠ و ٣١٣.

٥٩

لا قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا.

وأطبقت العلماء على سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان(١) ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان(٢) .

أمّا قضاء رمضان : فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ.

ولما رواه بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شي‌ء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين »(٣) .

وأمّا النذر المعيّن : فلتعيّن زمانه كرمضان.

ولأنّ القاسم الصيقل كتب اليهعليه‌السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟

فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة »(٤) .

وأمّا الاعتكاف الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين.

ولأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(٥) .

مسألة ٣٠ : قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده‌ ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ - ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ ( باب المعتكف يجامع أهله ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

العباد» وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيرا من الأحاديث المدرجة في الصحيحين وقالوا : إنّها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة.

وبعض المحقّقين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين ، وأقام الأدلّة العقلية والنقلية على خلافها.

فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحي مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتّى تهرّج ضدّنا!

الحافظ : بيّنوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتّى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين.

قلت : أنا لا أحبّ أن أخوض في هذا البحث ، ولكن تلبية لطلبكم ، ولكي تعرفوا أنّي لا أتكلّم إلاّ عن علم وإنصاف ، وعن وجدان وبرهان ، أذكر بعض تلك الروايات باختصار :

رؤية الله سبحانه عند أهل السنّة

إذا أردتم الاطّلاع على الأخبار التي تتضمّن الكفر في الحلول والاتّحاد وتجسّم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم ، فراجعوا : صحيح البخاري ج ١ ، باب فضل السجود من كتاب الصلاة ، وج ٤ باب الصراط من كتاب الرقاق ، وصحيح مسلم ج ١ ، باب اثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٧٥ ، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية :

١٤١

١ ـ عن أبي هريرة : إنّ النار تزفر وتتقيّظ شديدا ، فلا تسكن حتّى يضع الربّ قدمه فيها ، فتقول : قطّ قطّ ، حسبي حسبي.

وعنه : إنّ جماعة سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل نرى ربّنا يوم القيامة؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، هل تضارّون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب الى آخرها.

بالله عليكم أنصفوا! إمّا تكون هذه الكلمات كفرا بالله سبحانه وتعالى.؟

وقد فتح مسلم بابا في صحيحه كما مرّ ونقل أخبارا عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى.

وقد ردّ هذه الأخبار كثير من كبار علمائكم وعدوّها من الموضوعات والأكاذيب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم الذهبي في «ميزان الاعتدال» والسيوطي في «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وسبط ابن الجوزي في «الموضوعات» فهؤلاء كلّهم أثبتوا ـ بأدلّة ذكروها ـ كذب تلك الأخبار وعدم صحّتها.

وإذا لم تكن هناك أدلّة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عزّ وجلّ لكفى ، مثل :( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) .

وفي قصّة موسى بن عمرانعليه‌السلام وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم : لا يجوز لكم هذا الطلب ، ولكنّهم أصرّوا فقال :( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ) (٢) و( لَنْ ) تأتي في النفي الأبدي.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٠٣.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٤٣.

١٤٢

قال السيّد عبد الحيّ ـ وهو إمام جماعة المسجد ـ : ألم ترووا عن عليّ كرّم الله وجهه أنّه قال : لم أكن أعبد ربّا لم أره؟!

قلت : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، إنّك ذكرت شطرا من الخبر ، ولكنّي أذكر لك الخبر كلّه حتّى تأخذ الجواب من نصّ الخبر :

روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيقدس‌سره (١) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب ابطال الرؤية وروى أيضا الشيخ الكبير حجّة الاسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القميّ المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه في كتاب التوحيد(٢) باب ابطال عقيدة رؤية الله تعالى ، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أنّه قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته؟

فقالعليه‌السلام : ويلك! ما كنت أعبد ربّا لم أره.

قال : وكيف رأيته؟!

قالعليه‌السلام : ويلك! لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

فكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر ، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان.

وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع ، وتبعهم بعض علمائكم ، مثل : القاضي البيضاوي ، وجار الله الزمخشري في

__________________

(١) الكافي : ١ / ٩٨ ، كتاب التوحيد ، الحديث ٦.

(٢) التوحيد : ١٠٩ ، الحديث ٦ ، الباب ٨.

١٤٣

تفسيريهما ، أثبتا أنّ رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلا.

فمن يعتقد برؤية الله تعالى سواء في الدنيا أو في الآخرة ، يلزم أن يعتقد بجسميّته عزّ وجلّ ، وبأنّه محاط ومظروف ، ويلزم أن يكون مادّة حتّى يرى بالعين المادّية ، وهذا كفر كما صرّح العلماء الكرام من الفريقين!!

الأخبار الخرافية في الصحيحين

ثمّ إنّي أعجب كثيرا من اعتقادكم بالصحاح الستّة ، وبالأخصّ صحيحي البخاري ومسلم على أنّهما كالوحي المنزل ، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد ، لا بعين القبول والتسليم ، لاعتقدتم بكلامي ، ولقبلتم أنّ صحاحكم ، وحتّى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات ، وإليكم بعضها :

١ ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل ، باب : من اغتسل عريانا ، وأخرج مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى. وأخرج أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥ عن أبي هريرة قال : كانوا بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدر ـ أي : ذو أدرة ، وهي : الفتق ـ.

قال : فذهب مرّة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر بثوبه ، فجعل موسى يجري بأثره ويقول : ثوبي حجر! ثوبي حجر!! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى!!! فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر بعد حتّى نظر إليه ، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر

١٤٤

ضربا!! فو الله إنّ بالحجر ندبا ستّة أو سبعة!!

بالله عليكم أنصفوا هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة؟! التي لو نسبت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط! فكيف بنبيّ صاحب كتاب وشريعة ، وصاحب حكم ونظام ، يخرج في أمّته وشعبه عريانا وهم يمعنون النظر إلى سوأته ، هل العقل يقبل هذا؟!

وهل من المعقول أنّ الحجر يسرق ملابس موسى ويفرّ بها وموسى يركض خلفه ، والحجر يفرّ من بين يديه وموسى ينادي الحجر ، والحجر أصمّ لا يسمع ولا يبصر؟!!

وهل من المعقول أنّ موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضربا مبرّحا حتّى يئنّ الحجر؟!!

ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر؟! فهو المتألّم لا الحجر!!

أم كان يضربه بالسيف ، والسيف ينبو وينكسر!

أم كان الضرب بالسوط ، والسوط يتقطّع!

فما تأثير الضرب بأيّ شكل كان ، على الحجر؟!

فكلّ ما في الحديث من المحال الممتنع عقلا ، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله!!

قال السيّد عبد الحيّ : هل حركة الحجر أهمّ أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحيّة تسعى؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران ، فقد نطق بها القرآن؟!

قلت : نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياءعليهم‌السلام ، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلّيها ، وهو مقام تحدّيهم

١٤٥

الخصوم في إحقاق الحقّ ودحض الباطل. وموضوع الحجر في غير محلّ الاعجاز ، فأيّ إحقاق حقّ ودحض باطل في التشهير بكليم ، وإبداء سوأته على رءوس الأشهاد من قومه؟! بل هو تنقيص من مقامه! ولا سيّما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه : ثوبي حجر!! ، أو يشتدّ ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضربا!!

السيّد عبد الحيّ : أيّ حقّ أعلى من إبراء نبيّ الله؟! فالناس عرفوا بذلك أن ليس به فتق!

قلت : على فرض أنّ موسى كان ذا أدرة ، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوّته؟!

صحيح أنّ الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل : العمى والصمم والحول ، وأنّ النبيّ لا يولد فلجا أو مشلولا أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه ، أمّا الأمراض العارضة على البشر فلا تعدّ نواقص ، فإنّ يعقوب بكى حزنا لفراق يوسف حتّى ابيضّت عيناه ، وإنّ أيّوب أصيب بقروح في بدنه ، والنبيّ الأكرم وهو سيّد الأوّلين والآخرين ، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في أحد ، فهذه الأشياء لا تنقص شيئا من شأن الأنبياء ولا تنزل من مقامهم وقدرهم.

والفتق مرض عارض على جسم الإنسان ، فما هي أهمّيّته حتّى يبرئ الله عزّ وجلّ كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين ، عن طريق خرق العادة والمعجزة ، ثمّ تنتهي بهتك حرمة النبيّ وكشف سوأته أمام بني اسرائيل؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه؟! وهل بعد ذلك سيطيعونه ويحترونه؟!!

١٤٦

ولكي يقتنع السيّد عبد الحيّ ويقرّ بوجود أخبار خرافية في الصحيحين ، أنقل رواية اخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضا ، ولا أظنّ أحدا من الحاضرين ـ بعد استماع هذه الرواية ـ سيدافع عن أبي هريرة ، أو يعتقد بصحّة روايات البخاري ومسلم!

نقل البخاري في ج ١ ، باب من أحبّ الدفن في الأرض المقدّسة ، وج ٢ ، باب وفاة موسى ، ونقل مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى عن أبي هريرة ، قال : جاء ملك الموت إلى موسى عليهما السّلام ، فقال له : أجب ربّك.

قال أبو هريرة : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها!!

فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : إنّك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ، ففقأ عيني!

قال : فردّ الله إليه عينه وقال : ارجع إلى عبدي فقل : الحياة تريد؟! فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنّك تعيش بها سنة.

وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥ ، عن أبي هريرة ، ولفظه : إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عيانا ، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.

وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج ١ ، في ذكر وفاة موسى ولفظه : إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتّى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال : ـ إنّ ملك الموت إنّما جاء إلى الناس خفيّا بعد موت موسى!

١٤٧

وقد علّقت فقلت : لأنّه يخاف من الجهّال أن يفقئوا عينه الأخرى.

فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال.

ثمّ قلت : بالله عليكم أنصفوا ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإنّي لأتعجّب من رواة هذا الخبر وناقليه!!

وأستغرب منكم ، إذ تصدّقون هذا الخبر وأشباهه ، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها ، حتّى لعلمائكم!!

فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!

أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده ، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقرّبين وهو مبعوث من عند الله تعالى ، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!

أليس هذا العمل عمل المتمرّدين والطاغين الّذين يذمّهم الله العزيز إذ يقول :( وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) (١) ؟!

فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته ، واصطفاه لوحيه ، وآثره بمناجاته ، وكلّمه تكليما(٢) وجعله من اولي العزم؟!

وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى ، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عزّ وجلّ؟!

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ١٣٠.

(٢) إشارة إلى سورة النساء ، الآية ١٦٤ ، والآية هكذا :( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ) .

١٤٨

وما ذنب ملك الموت؟! هل هو إلاّ رسول الله إلى موسى؟! فبم استحقّ الضرب بحيث تفقأ عينه؟! وهل جاء إلاّ عن الله؟! وهل قال لموسى سوى : أجب ربّك؟!

أيجوز على أولي العزم من الرسل إيذاء الكرّوبيّين من الملائكة وضربهم حينما يبلّغونهم رسالة ربّهم وأوامره عزّ وجلّ؟!

تعالى الله ، وجلّت أنبياؤه وملائكته عن كلّ ذلك وعمّا يقول المخرفون.

إنّ هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدميّ جاهل فكيف بكليم الله! ثمّ إنّ الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل : هداية البشر وإصلاحهم ، ومنعهم من الفساد والتعدّي والوحشية ، فلذلك فإنّ الله سبحانه وكلّ أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتّى بالنسبة للحيوان ، فكيف بالنسبة لملك مقرّب؟!

فلذا نحن نعتقد ونجزم بأنّ هذا الخبر افتراء على الله وكليمه ، وجاعل هذا الخبر كذّاب مفتر يريد الحطّ من شأن النبيّ موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس.

أنا لا أتعجّب من أبي هريرة وأمثاله ، لأنّه كما كتب بعض علمائكم أنّه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة ، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه.

وقد جلده عمر بن الخطّاب لكذبه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل الأحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضربه بالسوط حتّى أدمى ظهره!!!

ولكن أستغرب وأتعجّب من الّذين لهم مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودقّقوا النظر لميّزوا بين الصحيح والسقيم ، ولكنّهم أغمضوا

١٤٩

أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الخرافية في كتبهم ، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم ، حتّى أنّ جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم : أنّ هذه الكتب أصحّ الكتب بعد كلام الله المجيد ، وهو لم يطالعها بدقّة علمية ، وإلاّ لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليد أعمى.

وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم ، فلا يحقّ لكم أن تثيروا أيّ إشكال على كتب الشيعة لوجود بعض الأخبار الغريبة فيها ، وهي غالبا قابلة للتأويل والتوجيه!

نرجع إلى الخبر المرويّ عن إمامنا الحسينعليه‌السلام (١)

كلّ عالم منصف إذا كان يسلك طريق الاصلاح ، إذا وجد هكذا خبر مبهم ـ وما أكثرها في كتبكم وكتبنا ـ إن كان يمكنه أن يؤوّله بالأخبار الصريحة الاخرى فليفعل ، وإن لم يمكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه ، لا أنّه يتّخذه وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين.

والآن لمّا لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتّى نراجع سند الخبر وندقّق فيه النظر ، ولربّما شرحه المؤلّف بشكل مقبول.

إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصّل عن طريقه إلى معرفة ربّه كالخبر المشهور : من عرف نفسه فقد عرف ربّه عزّ وجلّ.

أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين : إنّنا لو تصوّرنا

__________________

(١) هذا العنوان انتخبه المترجم.

١٥٠

استاذا تخرج على يده جمع من العلماء ، في مراتب مختلفة من العلم ، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الاستاذ ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتّى يصل من خلاله إلى حقيقة الاستاذ وعظمته العلمية.

كذلك في ما نحن فيه : فإنّ آيات الله كثيرة ، بل كلّ شيء هو آية الله تعالى ، إلاّ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الآية العظمى والحجّة الكبرى ، ومن بعده عترته الأبرار الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، فإنّهم محالّ معرفة الله.

وقد ورد عنهم : بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، أي : بسببنا وبواسطتنا عرف الله ، وبعد ما عرفوه عبدوه.

فهم الطريق إلى الله ، والأدلاّء على الله ، ومن تمسّك بغيرهم فقد ضلّ ولم يهتد ، ولذا جاء في الحديث المتّفق عليه بين الفريقين ، والخبر المقبول الصحيح عند الجميع ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيّها الناس! إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض(١) .

__________________

(حديث الثقلين في كتب العامة)

(١) أجمع المسلمون على صدور حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليكم بعض مصادر هذا الحديث الشريف من كتب العامة :

١ ـ مسند أحمد : ٥ / ١٨١ و ١٨٢ ، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري ، وفي ٣ / ٢٦ عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وج ٥ / ١٨٩ عن أبي أحمد الزبيري الحبّال.

١٥١

__________________

٢ ـ صحيح مسلم : ٢ / ٢٣٧ عن طريق أبي خيثمة النسائي وص ٢٣٨ عن طريق سعيد ابن مسروق الثوري.

٣ ـ صحيح الترمذي ٢ / ٢٢٠ ، عن سليمان الأعمش.

٤ ـ المنمّق : ٩ ، عن محمد بن حبيب البغدادي.

٥ ـ الطبقات الكبرى : ١ / ١٩٤ ، عن محمد بن سعد الزهري.

٦ ـ المطالب العالية : حديث رقم ١٨٧٣ عن اسحاق بن مخلّد.

٧ ـ إحياء الميت بفضائل أهل البيت : ١١ و ١٢ ، الحديث السادس ، عن زيد بن أرقم ، والحديث السابع عن زيد بن ثابت ، والحديث الثامن ، عن أبي سعيد الخدري ، وفي ص ١٩ الحديث الثاني والعشرون عن أبي هريرة ، والحديث الثالث والعشرون عن علي عليه‌السلام ، وفي ص ٢٦ الحديث الأربعون عن جابر ، وفي ص ٢٧ عن عبد الله بن حنطب وهو الحديث الثالث والأربعون ، وفي ص ٣٠ الحديث الخامس والخمسون عن الباوردي عن أبي سعيد ، والحديث السادس والخمسون عن زيد بن ثابت.

٨ ـ كتاب الإنافة في رتبة الخلافة : ١٠ عن عبد الله بن حنطب.

٩ ـ البدور السافرة عن امور الآخرة : ١٦ عن زيد بن ثابت.

١٠ ـ تفسير الدرّ المنثور : ٢ / ٦٠ عند تفسير : واعتصموا بحبل الله جميعا وفي ج ٦ / ٧ عند تفسير : قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى.

١١ ـ الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٦٦ عن زيد بن أرقم.

١٢ ـ الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ـ بشرح المناوي ـ : ٢ / ١٧٤ عن زيد ابن ثابت.

١٣ ـ النثير في مختصر نهاية ابن الأثير في مادّة : ثقل.

١٤ ـ نوادر الأصول : ٦٨ ، عن طريق نصر بن علي الجهضمي ، وص ٦٩ عن جابر ابن عبد الله وعن حذيفة بن أسيد الغفاري.

١٥ ـ المعجم الصغير : ١ / ١٣١ عن طريق عبّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي ، وص ١٣٥ عن أبي سعيد الخدري بطرق عديدة.

١٥٢

__________________

١٦ ـ المعجم الكبير : ٥ / ١٧٠ و ١٧١ عن زيد بن ثابت بطرق عديدة ، وج ٥ / ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٧ و ١٩٠ و ١٩٢ عن زيد بن أرقم بطرق عديدة.

١٧ ـ سنن الدارمي : ٢ / ٤٣١ بسنده عن زيد بن أرقم.

١٨ ـ تذكرة خواصّ الأمّة : ٣٢٢ عن طريق أبي داود.

١٩ ـ صحيح الترمذي : ٢ / ٢١٩ بسنده عن جابر بن عبد الله ، وعن أبي ذرّ الغفاري ، وعن أبي سعيد الخدري ، وعن زيد بن أرقم ، وعن حذيفة بن أسيد.

٢٠ ـ المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٠٩ عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وص ١١٠ عن طريق أبي بكر بن إسحاق ودعلج بن أحمد السجزي.

٢١ ـ الخصائص ـ للنسائي ـ : ٩٣ بسنده عن زيد بن أرقم.

٢٢ ـ مسند ابن الجعد : ٢ / ٩٧٢ عن أبي سعيد الخدري.

٢٣ ـ كنز العمال : ١٥ / ٩١ عن زيد بن أرقم ، وعن أبي سعيد.

٢٤ ـ فرائد السمطين : ٢ / ٢٦٨ عن زيد بن أرقم ، وص ٢٧٢ عن أبي سعيد ، وص ٢٧٤ عن حذيفة بن اسيد الغفاري.

٢٥ ـ لسان العرب : ٤ / ٥٣٨ مادّة (عترة) ، وج ١١ / ٨٨ مادّة (ثقل) ، وج ٤ / ١٣٧ مادّة : (حبل).

٢٦ ـ تاج العروس من جواهر القاموس : ٧ / ٣٤٥ مادّة (ثقل).

٢٧ ـ مجمع البحار ـ لمحمد طاهر الفتني ـ مادّة (ثقل).

٢٨ ـ منتهى الأرب : ج ١ / ١٤٣ مادّة (ثقل).

٢٩ ـ المؤتلف والمختلف : ٢ / ١٠٤٥ عن أبي ذرّ الغفاري ، وفي ج ٤ / ٢٠٦٠ عن أبي سعيد الخدري.

٣٠ ـ أخرجه أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره عند : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣١ ـ حلية الأولياء ـ لأبي نعيم ـ : ١ / ٣٥٥ ، وأخرجه أيضا في كتابه «منقبة المطهّرين» بطرق عديدة وأسانيد سديدة ، عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم

١٥٣

__________________

وأنس بن مالك والبراء بن عازب وجبير بن مطعم.

٣٢ ـ المناقب ـ للخوارزمي ـ : ٩٣ ، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

٣٣ ـ مصابيح السنّة بشرح القاري : ٥ / ٥٩٣ ، عن زيد بن أرقم ، وفي ج ٥ / ٦٠٠ عن جابر.

٣٤ ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ بشرح القاري ـ : ٤٨٥.

٣٥ ـ تاريخ ابن عساكر ، ج ٢ من ترجمة عليّ عليه‌السلام .

٣٦ ـ تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٠٨.

٣٧ ـ تفسير ابن كثير : ٥ / ٤٥٧ عند تفسير آية التطهير ، وفي ج ٦ / ١٩٩ و ٢٠٠ عند تفسير آية المودّة.

٣٨ ـ لباب التأويل : ١ / ٣٢٨ عند تفسير : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٣٩ ـ معالم التنزيل : ٦ / ١٠١ عند تفسير آية المودّة ، وفي ج ٧ عند تفسير آية ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) الآية ٣١ من سورة الرحمن.

٤٠ ـ الفخر الرازي في تفسيره عند آية : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٤١ ـ غرائب القرآن : ١ / ٣٤٩ عند تفسير : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٤٢ ـ جامع الأصول ـ لابن الأثير ـ : ١ / ١٨٧ عن جابر الأنصاري.

٤٣ ـ النهاية ـ لابن الأثير ـ في مادّة (ثقل) رواه عن زيد بن أرقم.

٤٤ ـ أسد الغابة : ٣ / ١٤٧ بترجمة عبد الله بن حنطب. وفي ج ٢ / ١٢ بترجمة سيّدنا الإمام المجتبى عليه‌السلام عن زيد بن أرقم.

٤٥ ـ مشارق الأنوار ـ بشرح ابن الملك ـ : ٣ / ١٥٧.

٤٦ ـ مطالب السئول : ٨.

٤٧ ـ كفاية الطالب ـ للعلامة الكنجي الشافعي ـ في الباب الأول.

٤٨ ـ تهذيب الأسماء واللغات : ١ / ٣٤٧.

٤٩ ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ١٦.

٥٠ ـ مشكاة المصابيح : ٣ / ٢٥٥ و ٢٥٨ عن زيد بن أرقم.

١٥٤

الحافظ : لا ينحصر الدليل على كفركم وشرككم في هذه الرواية حتّى تؤوّلها وتخلص منها ، بل في كلّ الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك ، من قبيل : طلب حاجاتكم من أئمّتكم من غير أن تتوجّهوا إلى الله ربّ العالمين ، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك!!

قلت : ما كنت أظنّك أن تتبّع أسلافك إلى هذا الحدّ ، فتغمض

__________________

٥١ ـ نظم درر السمطين : ٢٣١ عن زيد بن أرقم.

٥٢ ـ المنتقى في سيرة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بطرق عديدة وشرح واف.

٥٣ ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير : ٣ / ١٥.

٥٤ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٩ / ١٦٣.

٥٥ ـ الفصول المهمّة في معرفة الائمة ـ لابن الصباغ المالكي ـ : ٢٣.

٥٦ ـ الرسالة العلية في الأحاديث النبوية : ٢٩ و ٣٠.

٥٧ ـ المواهب اللدنّيّة ـ بشرح الزرقاني ـ : ٧ / ٤ ـ ٨.

٥٨ ـ الصواعق المحرقة : ٢٥ و ٨٦ و ٨٧ و ٨٩ و ٩٠ و ١٣٦ ، أخرجه بطرق عديدة وألفاظ كثيرة ، وقال : رواه عشرون صحابيا.

٥٩ ـ إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون : ٣ / ٣٣٦.

٦٠ ـ نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار : ١٢.

٦١ ـ إزالة الخفاء عن سيرة المصطفى : ٢ / ٥٤.

٦٢ ـ إسعاف الراغبين : ١١٠.

٦٣ ـ ينابيع المودّة ، ج ١ عقد فصلا خاصّا بحديث الغدير والثقلين.

٦٤ ـ تتمّة الروض النضير : ٥ / ٣٤٤.

٦٥ ـ مشكل الآثار : ٢ / ٣٠٧.

٦٦ ـ الذرّيّة الطاهرة : ١٦٨.

هذا قليل من كثير ، وكلّه من كتب العامة ليكون أوقع في نفوسهم ، ونرى فيه الكفاية لمن أراد الهداية. «المترجم».

١٥٥

عينيك ، وتتكلّم من غير تحقيق بكلّ ما تكلّموا ، فإنّ هذا الكلام في غاية السخافة ، وبعيد عن الإنصاف والحقيقة ، فاما انك لا تدري ما تقول أو انك لا تعرف معنى الكفر والشرك!!

الحافظ : إنّ كلامي في غاية الوضوح ، ولا أظنّه يحتاج إلى توضيح ، فإنّه من البديهة أنّ من أقرّ بوجود الله عزّ وجلّ واعتقد أنّه هو الخالق والرازق ، وأن لا مؤثّر في الوجود إلاّ هو ، لا يتوجّه إلى غيره في طلب حاجة ، وإذا توجّه فقد أشرك بالله العظيم.

والشيعة كما نشاهدهم ونقرأ كتبهم لا يتوجّهون إلى الله أبدا ، بل دائما يطلبون حوائجهم من أئمّتهم بغير أن يذكروا الله سبحانه ، حتّى نشاهد فقراءهم والسائلين من الناس في الأسواق ذكرهم : يا علي ويا حسين ، ولم أسمع من أحدهم حتّى مرّة يقول : يا الله!! وهذا كلّه دليل على أنّ الشيعة مشركون ، فإنّهم لا يذكرون الله تعالى عند حوائجهم ولا يطلبون منه قضاءها ، وإنّما يذكرون غير الله ويطلبون حوائجهم من غيره سبحانه!!

قلت : لا أدري هل أنت جاهل بالحقيقة ولا تعرف مذهب الشيعة؟!

أم إنّك تعرف وتحرف ، وتسلك طريق اللجاج والعناد؟!

لكن أرجو أن لا تكون كذلك ، فإنّ من شرائط العالم العامل : الإنصاف.

وفي الحديث الشريف : إنّ العالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر.

ولمّا نسبت إلينا الشرك في حديثك مرارا والعياذ بالله! وأردت بهذه الدلائل العاميّة التافهة أن تثبت كلامك السخيف الواهي ، وتكفّر

١٥٦

الشيعة الموحّدين المخلصين في توحيد الله عزّ وجلّ غاية الإخلاص ، والمؤمنين بما جاء به خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان هذا التكرار والإصرار في تكفيرنا بحضورنا فكيف هو في غيابنا؟!

واعلم أنّ أعداء الإسلام الّذين يريدون تضعيف المسلمين وتفريقهم حتّى يستولوا على ثرواتهم الطبيعية ويغتصبوا أراضيهم ، فهم فرحون بكلامهم هذا ، ويتّخذونه وسيلة لضرب المسلمين بعضهم ببعض ، كما أنّني أجد الآن في هذا المجلس بعض العوام الحاضرين من أتباعكم قد تأثّروا بكلامكم ، فبدءوا ينظرون إلينا نظرا شزرا ، حاقدين علينا باعتقادهم أنّنا كفّار فيجب قتلنا ونهب أموالنا!!!

وفي الجانب الآخر ، أنظر إلى الشيعة الجالسين ، وقد ظهرت على وجوههم علائم الغضب ، وهم غير راضين من كلامك هذا ، ونسبة الشرك والكفر إليهم ، فيعتقدون أنّك مفتر كذّاب ، وأنّك رجل مغرض ، وعن الحقّ معرض ، لأنّهم متيقّنون ببراءة أنفسهم ممّا قلت فيهم ونسبت إليهم.

والآن لكي تتنوّر أفكار الحاضرين بنور الحقيقة واليقين ، ولكي تتبدّد عن أذهانهم ظلمات الجهل وشبهات المغرضين ، أتكلّم للحاضرين باختصار ، موجزا عن الشرك ومعناه ، وأقدّم لكم حصيلة تحقيق علمائنا الأعلام ، أمثال : العلاّمة الحلّي ، والمحقّق الطوسي ، والعلاّمة المجلسي (رضوان الله عليهم) ، وهم استخرجوها واستنبطوها من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث المرويّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الهادية (سلام الله عليهم).

نوّاب : إنّ انعقاد هذا المجلس كان لتفهيم العوام وإثبات الحقّ

١٥٧

أمامهم ، كما قلت سالفا ، فأرجوكم أن تراعوا جانبهم في حديثكم ، وأن تتكلّموا بشكل نفهمه نحن العوام.

قلت : حضرة النوّاب! إنّني دائما اراعي هذا الموضوع ، لا في هذا المجلس فحسب ، بل في جميع مجالسي ومحاضراتي ومحاوراتي العلمية والكلامية ، فإنّي دائما أتحدّث بشكل يفهمه الخاصّ والعامّ ، لأنّ الغرض من إقامة هذه المجالس وانعقادها ـ كما قلتم ـ هو تعليم الجهلاء وتفهيم الغافلين ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالبيان الواضح والحديث السهل البسيط الذي يفهمه عامّة الناس ، والأنبياء كلّهم كانوا كذلك.

فقد روي عن خاتم الأنبياء وسيّدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّا معاشر الأنبياء امرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم(١) .

أقسام الشرك

إنّ الحاصل من الآيات القرآنية ، والأحاديث المرويّة ، والتحقيقات العلمية ، أنّ الشرك على قسمين ، وغيرهما فروع لهذين ، وهما :

الشرك الجلي ، أي : الظاهر ، والآخر : الشرك الخفي ، أي : المستتر.

«الشرك الجليّ»

أمّا الشرك الظاهري ، فهو عبارة عن : اتّخاذ الإنسان شريكا لله عزّ وجلّ ، في الذات أو الصفات أو الأفعال أو العبادات.

أـ الشرك في الذات وهو : أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده ، كالثنويّة وهم المجوس ، اعتقدوا بمبدأين : النور والظلمة.

وكذلك النصارى فقد اعتقدوا بالأقانيم الثلاثة : الأب

__________________

(١) البحار : ٧٧ / ١٤٠ ، الحديث ١٩ ، الباب ٧.

١٥٨

والابن وروح القدس ، وقالوا : إنّ لكلّ واحد منهم قدرة وتأثيرا مستقلا عن القسمين الآخرين ، ومع هذا فهم جميعا يشكّلون المبدأ الأوّل والوجود الواجب ، أي : الله ، فتعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا.

والله عزّ وجلّ ردّ هذه العقيدة الباطلة في سورة المائدة ، الآية ٧٣ ، بقوله :( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ ) وبعبارة اخرى : فالنصارى يعتقدون : أنّ الالوهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة ، وهي : جمع اقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية : الوجود.

وقد أثبت فلاسفة الاسلام بطلان هذه النظرية عقلا ، وأنّ الاتّحاد لا يمكن سواء في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عزّ وجلّ.

ب ـ الشرك في الصفات وهو : أن يعتقد بأنّ صفات الباري عزّ وجلّ ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه ، وهي أيضا قديمة كذاته جلّ وعلا ، فحينئذ يلزم تعدد القديم وهو شرك ، والقائلون بهذا هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري البصري ، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم ، مثل : ابن حزم وابن رشد وغيرهما ، وهذا هو شرك الصفات لأنهم جعلوا لذات الباري جلّ وعلا قرناء في القدم والأزلية وجعلوا الذات مركّبا. والحال أنّ ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء ، وصفاته عين ذاته.

ومثاله تقريبا للأذهان ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ :

هل حلاوة السكّر شيء غير السكّر؟

وهل دهنية السمن شيء غير السمن؟

فالسكّر ذاته حلو ، أي : كلّه.

١٥٩

والسمن ذاته دهن ، أي : كلّه.

وحيث لا يمكن التفريق بين السكّر وحلاوته ، وبين السمن ودهنه ، كذلك صفات الله سبحانه ، فإنّها عين ذاته ، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عزّ وجلّ ، فكلمة : «الله» التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته ، فالله يعني : عالم ، حيّ ، قادر ، حكيم إلى آخر صفاته الجلالية والجماليّة والكماليّة.

ج ـ الشرك في الأفعال وهو الاعتقاد بأنّ لبعض الأشخاص أثرا استقلاليا في الأفعال الربوبية والتدابير الإلهية كالخلق والرّزق أو يعتقدون ان لبعض الأشياء أثرا استقلاليا في الكون ، كالنجوم ، أو يعتقدون بأن الله عزّ وجلّ بعد ما خلق الخلائق بقدرته ، فوّض تدبير الأمور وإدارة الكون إلى بعض الأشخاص ، كاعتقاد المفوّضة ، وقد مرّت روايات أئمّة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم ، وكاليهود الّذين قال الله تعالى في ذمّهم :( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ) (١) .

د ـ الشرك في العبادات وهو أنّ الإنسان أثناء عبادته يتوجّه إلى غير الله سبحانه ، أو لم تكن نيّته خالصة لله تعالى ، كأن يرائي أو يريد جلب انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عزّ وجلّ ..!!

فكلّ عمل تلزم فيه نيّة القربة إلى الله سبحانه ، ولكنّ العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره. فهو شرك والله عزّ وجلّ يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢) .

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦٤.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333