نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار7%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 507

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 507 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 310607 / تحميل: 8633
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قوله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح. فهذا لا يعرف له اسناد أصلا، صحيح ولا ضعيف، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، وان كان قد رواه من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا مما يزيده وهناً وضعفاً ».

وقد ذكرنا في مقدمة قسم حديث السفينة:

« فإذا لم يكن ( فضائل على لأحمد بن حنبل ) و ( المستدرك للحاكم ) و ( تهذيب الآثار لابن جرير الطبري ) و ( مسند أبي يعلى ) و ( مسند البزار ) و ( المعجم الصغير للطبراني ) و ( مشكاة المصابيح ) و ( المطالب العالية لابن حجر ) وأمثالها « من كتب الحديث التي يعتمد عليها » فأي كتاب عندهم يعتمدون عليه؟

وإذا كان ( الأعمش ) و ( أبو إسحاق السبيعي ) و ( مسلم ) و ( الشافعي ) و ( الطبراني ) و ( الدارقطني ) و ( أبو داود ) و ( أحمد ) و ( البزار ) و ( الطبري ) و ( الحاكم ) و ( أبو نعيم ) و ( الخطيب ) و ( ابن حجر ) وأمثالهم « من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات » فمن هو المحدث الذي يعتمدون عليه؟! »

ومنه ما صنعه في حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » هذا الحديث المتواتر قطعاً، والمخرج في الصحيحين، والذي نص أكابر الأئمة على أنه من أصح الأحاديث وأثبتها فانه تعرض لجهة السند فيه في فصول عديدة ليرد على الآمدي ومن تبعه من المتعصبين القائلين بأنه غير صحيح

ومن الواضح أنه لو لم يتعرض الى هذه الناحية بالنسبة الى هذين الحديثين لم يعترض عليه، لعدم تعرض الدهلوي المردود عليه لها لكن « عبقات الأنوار » الذي ألف « في اثبات امامة الأئمة الاطهار » لا بد وأن يتعرض للرد على هذه الكلمة الكبيرة التي خرجت من أفواه هؤلاء وليثبت للملإ العلمي مدى تعصب القوم، وتجريهم على

٦١

الافتراء والكذب

ومن الاول: ما صنعه في حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » حيث أثبت الحديث سنداً، وذكر وجوه دلالته على الامامة، ورد على مناقشات خصمه الدهلوي ثم عاد ليرد في مجلد ضخم آخر كلمات كل من ناقش في الاستدلال بهذا الحديث، بالطعن في سنده أو دلالته وهم: العاصمي، والطيبي، وابن تيمية، ويوسف الأعور الواسطي، والسخاوي، والسمهودي، وابن روزبهان، وابن حجر المكي، والقاري، والبنباني، والشيخاني القادري، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي، والاورنك آبادي، والقاضي پاني پتي.

وقد توفر هذا المجلد على بحوث جليلة ومطالب قيمة، لا تجدها في أي كتاب آخر، كما أنك لو اطلعت عليه لعرفت مدى جهالة هؤلاء القوم، وشدة تعصبهم للباطل.

(٤) - الكشف عن الجذور

ومن أساليبه في هذا الباب: أنهرحمه‌الله حيث يورد كلام الخصم يرجع الى أصله، ويكشف عن جذوره لما في ذلك من الفوائد العلمية، والآثار المهمة في كشف الحق. ومن ذلك:

أ - انتحال الدهلوي لبحوث الآخرين

فأول شيء يقصد السيد إبانته هو أن لا جديد عند الدهلوي، بل ان جميع ما جاء به مذكور في كتب السابقين عليه، بل حقق السيدرحمه‌الله وأثبت ان كتاب « التحفة الاثنا عشرية » منحول من كتاب « الصواقع لنصر الله الكابلي » مع زيادات من أقاويل والده وحسام الدين السهار نبورى صاحب « المرافض »، وأن كتاب « بستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوي » منحول من كتاب « كفاية المتطلع لتاج الدين الدهان » وهذه فائدة جليلة

٦٢

ب - نسب لا أصل لها

ويظهر من الرجوع الى الجذور والكشف عنها ما في كلمات القوم في المناقشة مع الامامية من النسب التي لا أصل لها ولا واقعية، فكثيراً ما ينبه في مطاوي البحوث على ما وقع منهم من هذا القبيل، وإليك نماذج من ذلك:

١ - قال جماعة في الجواب عن حديث الطائر: « أورده ابن الجوزي في الموضوعات ». وهذه النسبة كاذبة

٢ - ونسب الى الحافظ يحيى بن معين انه قال في حديث أنا مدينة العلم: « لا أصل له » وهذه النسبة باطلة جداً

٣ - ونسب الى الترمذي انه قال في حديث « أنا مدينة العلم » منكر غريب. وهذه النسبة لا اصل لها.

٤ - ونسبوا القدح في حديث أنا مدينة العلم الى شمس الدين ابن الجزري. وهي نسبة مكذوبة.

٥ - وعزا ابن تيمية حديثاً استدل به الى الصحيحين قائلا:

« ألا ترى الى ما ثبت في الصحيحين من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر، فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل. قال: سأخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا ابا بكر مثل ابراهيم إذ قال:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ومثل عيسى إذ قال:( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال:( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) ومثل موسى إذ قال:( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) ».

لكن لا وجود لهذا الحديث في الصحيحين.

٦ - وأنكر بعضهم رواية البيهقي لحديث الأشباه: « من أراد ان ينظر الى آدم في علمه والى فلينظر الى عليّ بن أبي طالب » رداً على العلامة الحلي الذي استدل برواية البيهقي إياه. فأجاب السيد عن هذا الإنكار

٦٣

بالتفصيل

٧ - وادعى الفخر الرازي عدم رواية ابن سحاق حديث الغدير، وان عدم روايته له دليل على ضعفه. وهذه الدعوى باطلة، فابن إسحاق غير معرض عن حديث الغدير، بل هو من رواته، وقد رواه عنه جماعة

٨ - ونسب الشيخ علي القاري وولي الله الدهلوي الحديث الموضوع: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » الى الصحيحين، وهذه النسبة باطلة مكذوبة، وقد نص الحاكم حيث أخرجه في مستدركه على أنهما « لم يخرجاه ».

ج - تحريفات وتصرفات

ومن فوائد هذا الأسلوب هو الوقوف على طرف من تصرفات القوم في الأحاديث، وفي نصوص عبارات العلماء وهذا باب واسع لو جمع لكان كتاباً برأسه ولا بأس بذكر موارد منه:

فمن تصرفات القوم في الأحاديث: ما كان في حديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه يختلف لفظه في كل موضع عن غيره، اختلافاً فاحشاً لا يكون الا عن عمد، ولا غراض معينة لا تخفى على أحد وإليك الحديث:

في كتاب الجهاد باب حكم الفيء، عن مالك بن أوس، أن عمر قال مخاطباً لعلي والعباس:

« فلما توفي رسول الله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته عن أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم انه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر وكنت أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم اني لصادق بار راشد تابع للحق ».

هذا هو الحديث.

٦٤

وأخرجه في باب فرض الخمس: « فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله يعلم انه فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من امارتى، اعمل فيها بما عمله رسول الله وبما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ».

حذف منه الفقرتين: « فرأيتماه » و « فرأيتماني ».

وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير: « فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال - وأنتم حينئذ. فأقبل على عليّ وعباس وقال - تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر، فقبضته سنتين من أمارتى اعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر، والله يعلم انى فيه صادق بار راشد تابع للحق ».

فحذف فقرة « فرأيتماه » وجعل مكانها « تذكران أن ابا بكر فيه كما تقولان »، وحذف الفقرة الثانية.

وأخرجه في كتاب النفقات باب حبس نفقة الرجل قوت سنته:

« فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتما حينئذ - وأقبل على عليّ وعباس - تزعمان أن ابا بكر كذا وكذا، والله يعلم انه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ».

فحذف الفقرة الاولى، وجعل مكانها: « تزعمان ان ابا بكر كذا وكذا »، وحذف الفقرة الثانية.

وأخرجه في كتاب الفرائض باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ما تركناه صدقة: « فتوفى الله نبيه فقال ابو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم توفى الله ابا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل

٦٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر ».

فحذف الفقرتين.

وفي كتاب الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع:

« ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله. وأنتما حينئذ - واقبل على عليّ وعباس فقال - تزعمان ان ابا بكر فيها كذا، والله يعلم انه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله وابى بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر ».

فحذف الفقرة الاولى ووضع مكانها: « تزعمان ان ابا بكر فيها كذا » وحذف الفقرة الثانية.

فممن هذا التلاعب؟ أمن البخاري؟ أم من الرواة؟

وستطلع في باب « بحوث وتحقيقات » حيث نذكر « أحاديث موضوعة » على أمثلة من تصرفاتهم وتحريفاتهم في خصوص أحاديث مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ومن تصرفات القوم التي تنكشف عن طريق التحقيق في العبارات الصادرة عنهم: قول الدهلوي في حديث: « خلقت أنا وعليّ من نور واحد » ما نصه: « وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة، وفي اسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدارقطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه، ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضياً غالياً وضاعاً، وكان أكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم »

هذا كلام ( الدهلوي ) وقد أخذ هذا - على عادته - من ( نصر الله الكابلي ) الأخذ أكثر ما ذكره من ( ابن روزبهان ). وهذه عبارة ابن روزبهان في الجواب عن الاستدلال بالحديث المذكور:

« ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات وقال:

٦٦

هذا الحديث موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتهم به في الطريق الاول محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدارقطنيّ متروك. وفي الطريق الثاني المتهم به جعفر بن أحمد، وكان رافضياً كذاباً يضع الحديث في سب اصحاب رسول الله ».

فهذه عبارة ابن روزبهان.

وقال الكابلي: « وهو باطل لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر، وفي اسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين هو كذاب. وقال الدارقطنيّ متروك ولم يختلف أحد في كذبه. ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضياً غالياً كذاباً وضاعاً، وكان اكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم ».

فزاد الكابلي « لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر ».

وعبارة ( ابن الجوزي ) في ( كتاب الموضوعات ) واردة في حديث آخر غير حديث النور الذي يتمسك به الامامية - ومن هنا قال ابن روزبهان « بمعناه » - وفيها فوارق كثيرة مع عبارات القوم، وإليك نص عبارته بعينها ليتضح واقع الأمر وتنكشف تصرفاتهم فيها:

« الحديث الاول فيما خلق منه عليّ بن أبي طالب

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق قال: ثنا محمد بن اسماعيل الوراق قال: ثنا ابراهيم بن الحسين بن داود القطان قال: ثنا محمد بن خلف المروزي ثنا موسى بن ابراهيم، ثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعليّ بن أبي طالب من طينة واحدة.

هذا حديث موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتهم به: المروزي، قال يحيى بن معين: هو كذاب. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

٦٧

وقد روى جعفر بن احمد بن بيان عن محمد بن عمر الطائي عن أبيه عن سفيان عن داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن نمير الحضرمي عن أبي ذر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعليّ من نور واحد. وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم اشتق أسماءنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمد، والله الاعلى وعليّ عليّ.

قال المصنف: هذا وضعه جعفر بن احمد وكان رافضياً يضع الحديث.

قال ابن عدي: كان يتيقن انه يضع ».

فعلم من هذا التحقيق:

١ - ان دعوى وقوع « محمد بن خلف المروزي » في طريق حديث النور كاذبة.

٢ - لقد رمى ابن الجوزي « جعفر بن أحمد » بوضع الحديث، وابن روزبهان أضاف « في سب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٣ - ابن ابن روزبهان أضاف كلمة « كذاباً ».

٤ - ان الكابلي أضاف الى ما تقدم « غالياً وضاعاً ».

٥ - ان الكابلي أضاف كلمة « وكان اكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم ».

٦ - ان الكابلي أضاف الى ذلك كله أيضاً كلمة: « ولم يختلف أحد في كذبه ».

فهذه زيادات أربع من الكابلي، واثنتان من ابن روزبهان شاركه فيهما الكابلي وليس لها وجود في كلام ابن الجوزي.

٧ - وابن روزبهان نقل عن ابن الجوزي الاتهام بأن « محمد بن خلف » كان وضاعاً للحديث، لكن الكابلي لم يذكر ابن الجوزي لئلا يتعقب عليه.

٨ - والكابلي نسب الاتهام بالوضع الى « اجماع أهل الخبر » بدل أن

٦٨

ينسبه الى ابن الجوزي.

٩ - والدهلوي ذكر « اجماع اهل السنة » بدل « اجماع أهل الخبر ».

و روى الترمذي حديث: « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » وقال: « حسن غريب ». هكذا نقل عنه المحب الطبري في ( الرياض النضرة ) - فأسقط بعضهم كلمة « حسن » وترك كلمة « غريب » على حالها كما في ( المشكاة ) و ( تاريخ ابن كثير ) و ( فيض القدير ).

وأبدل بعضهم لفظة « غريب » - بعد إسقاط لفظة « حسن » - بلفظة « منكر » كما في ( تهذيب الأسماء واللغات ) و ( المقاصد الحسنة ).

وجمع بعضهم - بعد حذف « حسن » - بين لفظتي « غريب » و « منكر » كما في ( قرة العينين ).

وقال الترمذي بعد حديث: « أنا دار الحكمة وعليّ بابها »: « لا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك » فحرفه بعضهم وجعل كلمة « عن » في مكان كلمة « غير » أنظر ( المرقاة في شرح المشكاة ).

ومن تحريفاتهم اسقاطهم حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » من ( صحيح الترمذي ) ومن ( مصابيح السنة للبغوي ).

أما ( صحيح الترمذي ) فقد روى عنه الحديث المذكور جماعة منهم:

١ - ابن الأثير في ( جامع الأصول ).

٢ - محمد بن طلحة الشافعي في ( مطالب السؤل ).

٣ - السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ).

٤ - ابن حجر المكي في ( الصواعق المحرقة ).

٥ - الزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنية ).

وأما ( المصابيح ) فقد نقل عنه الحديث المذكور جماعة منهم:

١ - المحب الطبري في ( الرياض النضرة ) و ( ذخائر العقبى ).

٢ - القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ).

٦٩

٣ - أحمد بن الفضل المكي في ( وسيلة المآل ).

و أخرج الترمذي حديث: « ان عليّا مني وأنا من عليّ وانه ولي كل مؤمن من بعدي ».

فاسقط البغوي منه كلمة « بعدي » وعزاه الى الترمذي، وقد تبع البغوي على ذلك جماعة منهم السهارنفوري صاحب المرافض، المولوي حسن علي المحدث تلميذ المولوي عبد العزيز الدهلوي.

بل زعم محمد بن معتمد خان البدخشي في رسالة له أسماها بـ ( رد البدعة ) أن كلمة « بعدي » في هذا الحديث موضوعة.

والشاه ولي الله الدهلوي روى الحديث عن الترمذي في موضع من ( إزالة الخفاء ) باللفظ الكامل. لكنه حرفه عند ما تصدى للجواب عنه، فوضع كلمة « أنا » في مكان « انه » وحذف كلمة « بعدي » كما فعل البغوي ومن تبعه.

(٥) - التنبيه على موارد مخالفة الالتزامات:

وينبه السيدرحمه‌الله في كثير من الموارد على مخالفة الدهلوي لقواعد البحث، ولما التزم به في كتابه ( التحفة )

لقد كان من جملة ما التزم به الدهلوي في كتابه:

١ - لا يصلح الاحتجاج الا بأحاديث الصحاح ذكر الدهلوي في كتابه: « ان القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي ان كل حديث ورد في كتاب لم يلتزم صاحبه فيه بالصحة - كما فعل البخاري ومسلم وسائر أرباب الصحاح في كتبهم - فانه غير صالح للاحتجاج ».

٢ - ما لا سند له لا يصغى اليه وقال في الجواب عما طعن به ابو بكر من تخلفه عن جيش أسامة - و قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة -: « ان

٧٠

الحديث المعتبر لدى أهل السنة هو ما اخرج في كتب المحدثين المسندة مع الحكم عليه بالصحة، وأما الحديث العاري عن السند فلا يصغون اليه أبداً ».

٣ - الاحتجاج على الشيعة بأخبارهم

والتزم الدهلوي في تحفته بالنقل عن كتب الشيعة والاحتجاج بأخبارهم في كتبهم المعتبرة. قال: « لان أخبار كل فرقة لا تكون حجة على الفرقة الأخرى ».

٤ - عدم جواز الاحتجاج بأحاديث أهل السنة على الشيعة

والدهلوي يتبع شيخه ووالده ( ولي الله الدهلوي ) في جميع بحوثه ويعتقد به الاعتقاد الراسخ لكنه يخالف ما نص عليه والده في أحد كتبه قائلا: « لا تصح المناظرة مع الامامية والزيدية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها ».

٥ - أخبار أهل السنة مقدوحة عند الشيعة

وكيف يجوز احتجاج أهل السنة بأحاديثهم على الشيعة مع أن الشيعة تقدح في أحاديث أهل السنة ولا تعتقد بها؟ ومن هنا قال محمد رشيد الدهلوي تلميذ صاحب التحفة: « بأن كل فرقة تذعن بالأخبار المروية عن طرقها وتقدح في الاخبار المروية من طرق الفرقة المخالفة لها ».

اذن لا يجوز الاحتجاج على الشيعة بما يرويه أهل السنة، وان كان حديثاً مسنداً صحيحاً عندهم.

فهذه أمور التزم بها بالخصوص الدهلوي وشيخه وتلميذه في بحوثهم، ولكنا وجدناهم لا يوفون بما عاهدوا عليه، كما لم يلتزموا بالأصول العامة للبحث والمناظرة

والسيدرحمه‌الله ينبه على مخالفة الدهلوي لهذه الالتزامات في مختلف البحوث لئلا يغتر القارئون لكتابه ولا ينخدع العوام.

٧١

(٦) - رد بعضهم ببعض

وطالما يرد السيدرحمه‌الله كلام الدهلوي بكلامه هو في موضع آخر من كتابه، أو بكلام والده وبالعكس، وهكذا الأمر بالنسبة الى كلام غيرهما من علماء أهل السنة

ففي ( حديث التشبيه ): « من أراد أن ينظر » يرد على انكار الدهلوي دلالته على المساواة بكلمات للدهلوي نفسه قالها في الجواب عن حديث المنزلة: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وبما قاله في الجواب عن حديث السفينة: « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح »

وفي ( حديث الغدير ) ذكر الدهلوي بأن الاستدلال بهذا الحديث يتوقف على كون « المولى » فيه بمعنى « الاولى » فزعم أن اللغويين ينكرون مجيء اللفظ المذكور بهذا المعنى. ثم نقض بأنه لو كان « المولى » بمعنى « الاولى » لجاز أن يقال « مولى منك » كما يقال: « أولى منك ».

فأجاب السيد عن الإنكار المذكور وعن النقض بوجوه عديدة، منها - ما ذكره الدهلوي نفسه في جواب: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » حيث قال بأن الولاية هذه بمعنى المحبة.

قال السيد فإذن « الاولى » في تلك الفقرة بمعنى « الأحب » مع أنه. لا يقال: « أولى اليه » كما يقال: « أحب اليه ».

ثم ان السيد ذكر أن هذا النقض مأخوذ من كلام الفخر الرازي في كتابه ( نهاية العقول )، فأورد نص كلام الرازي، وشرع في الجواب عنه بوجوه كثيرة منها كلام الرازي نفسه في كتابه ( المحصول ) حيث أذعن فيه بأن الترادف لا يلازم جواز استعمال أحد المترادفين في مقام الآخر.

وأجاب السيد عن دعوى ابن حجر المكي عدم مجيء « المولى » بمعنى « الاولى » بما ذكره هو من أن أبا بكر وعمر فهما من « المولى » في حديث الغدير معنى « الاولى بالاتباع » وأضاف بأن هذا هو الواقع وناهيك بهما في فهم الحديث!!

٧٢

وذكر السيد في ( حديث التشبيه ) انكار ولي الله الدهلوي - تبعاً لابن تيمية - انتهاء سلاسل الصوفية الى الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن وجوه الرد عليه كلام ولده الدهلوي الصريح في تلك الحقيقة وقد أورد نصه في مبحث ( حديث السفينة ).

واعترف الدهلوي بدلالة حديث المنزلة: « أنت مني بمنزلة » على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام - وتبعه على ذلك تلميذه محمد رشيد الدهلوي - وذكر الدهلوي ان من أنكر ذلك فهو ناصبي. وهنا تعرض السيد الى نفي والده شاه ولي الله الدهلوي تبعا لجماعة من أعلام السنة كالتوربشتي، وأبي الشكور السالمي الحنفي، وعلي القاري، وشمس الدين الخلخالي، والنووي، والكرماني وابن حجر العسقلاني، والقسطلاني، ومحب الدين الطبري وغيرهم - دلالة هذا الحديث الشريف على الامامة والخلافة

وأما رد كلام بعضهم بكلام البعض الآخر فكثير جداً

فقد رأيت كيف يبطل قدح ابن الجوزي لحديث الثقلين بكلمات مشاهير علماء أهل السنة

و في حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » يرد على ذكر ابن الجوزي إياه في ( الموضوعات ) بوجوه، منها: رد أعلام الحفاظ ومشاهير العلماء عليه:

١ - كصلاح الدين العلائي.

٢ - وبدر الدين الزركشي.

٣ - وابن حجر العسقلاني.

٤ - وشمس الدين السخاوي.

٥ - وجلال الدين السيوطي.

٦ - ونور الدين السمهودي.

٧ - وابن عراق الكناني.

٨ - وابن حجر المكي.

٧٣

٩ - ومجد الدين الفيروزآبادي.

١٠ - وعلي المتقي الهندي.

١١ - وعلي القاري.

١٢ - وعبد الرءوف المناوي.

١٣ - وعبد الحق الدهلوي.

١٤ - والزرقاني المالكي.

١٥ - وقاضي القضاة الشوكاني.

واستدل الدهلوي في الجواب عن ( حديث الثقلين ) بما نسب بعضهم الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ».

فرد عليه السيد بنصوص كبار الأئمة والحفاظ على بطلان هذا الحديث:

١ - كجمال الدين المزي.

٢ - وشمس الدين الذهبي.

٣ - وابن قيم الجوزية.

٤ - وتاج الدين السبكي.

٥ - وابن كثير الدمشقي.

٦ - وسراج الدين ابن الملقن.

٧ - وابن حجر العسقلاني.

٨ - وابن أمير الحاج الحنفي.

٩ - وأمير بادشاه البخاري.

١٠ - وشمس الدين السخاوي.

١١ - وجلال الدين السيوطي.

١٢ - وعلي القاري.

١٣ - ومحب الله البهاري.

٧٤

١٤ - وقاضي القضاة الشوكاني.

واستدل بحديث: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » في مقابلة ( حديث الثقلين ). فأجاب عنه السيد بقدح كبار الأئمة والعلماء لهذا الحديث وتصريحهم بوضعه:

١ - كأبي حاتم الرازي.

٢ - وأبي عيسى الترمذي.

٣ - وأبي بكر البزار.

٤ - وأبي جعفر العقيلي.

٥ - وأبي بكر النقاش.

٦ - وأبي الحسن الدارقطني.

٧ - وابن حزم الاندلسي.

٨ - والعبري الفرغاني.

٩ - وشمس الدين الذهبي.

١٠ - وابن حجر العسقلاني.

واستدل بعضهم في مقابلة حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بحديث طويل في فضل جماعة من الاصحاب، أوله: « أرحم أمتي بأمتى أبو بكر ».

وقد بحث عنه السيد سنداً ودلالة بالتفصيل، فذكر بالتالى كلمات بعض الاعلام من أهل السنة في قدح هذا الحديث، بين مضعف له وبين قائل بأنه موضوع:

١ - كابن تيمية الحراني.

٢ - وابن عبد الهادي.

٣ - وعبد الرءوف المناوي.

٧٥

(٧) - النظر في أسانيد الأحاديث

قد ذكرنا سابقاً أنه يشترط في جواز الاستدلال بالخبر اعتبار سنده أولا وتمامية دلالته على المدعى ثانياً وعلى هذا الأساس فان النظر في أسانيد الأحاديث التي يستدل بها الخصم يشكل جانباً مهماً من ردود السيد المؤلف ومناقشاته للادلة والخطوط الرئيسية لاسلوبه في النظر في الأسانيد هي:

١ - نقل الحديث بسنده - أو بطرقه ان كان له طرق متعددة - عن المصادر الاولية.

٢ - النظر في حال من عليه مدار هذا الحديث في مختلف طرقه وأسانيده.

٣ - النظر في حال من وقع في كلا الطريقين أو جميع الطرق.

٤ - النظر في حال سائر رجاله على ضوء كلمات أئمة الجرح والتعديل من أهل السنة.

٥ - التنبيه على ما في السند من خلل كالارسال ونحوه.

ثم انه ان وجد الحديث مروياً عندهم بلفظ آخر مشابه للفظ المستدل به أتى به وأبطله بالنظر في سنده وان لم يكن الخصم مستدلا به

ولا يخفى على ذوي الفضل ما تنطوي عليه هذه البحوث من فوائد جليلة من علوم الحديث والرجال والتاريخ والدراية ولنذكر نموذجاً واحداً لهذا الأسلوب:

لقد عارض العاصمي حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بما رووه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: « أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة ».

فبحث السيد عن هذا الحديث بصورة تفصيلية جداً، فذكر أنه منسوب الى عدة من الاصحاب فأورد نصوص الحديث عنهم واحداً

٧٦

واحداً وتكلم عليها ونحن نكتفي هنا بما ذكره حول حديث انس بن مالك.

فقد أورد حديثه عن الترمذي وابن ماجة قائلا: قال الترمذي: « مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود العطار عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة الا من هذا الوجه.

وقد رواه ابو قلابة عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوه: حدثنا محمد ابن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن انس بن مالك قال قال رسول الله »

و قال ابن ماجة: « حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أرحم أمتي بأمتى أبو بكر

حدثنا على بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، مثله ».

ثم قال:

أولا: مدار الطرق الأربعة على « أنس » وعداؤه لأمير المؤمنينعليه‌السلام معلوم.

وثانياً: مدار الطريق الثاني للترمذي وكلا طريقي ابن ماجة على « أبي قلابة » وهو مجروح جداً.

وثالثاً: في الطريق الثاني عند الترمذي وفي كلا الطريقين عند ابن ماجة « خالد الحذاء ». وقد جرحه شعبة، وابن علية، وحماد بن زيد، وسليمان التيمي، وأبو حاتم، وابو جعفر العقيلي

ورابعاً: في الطريق الثاني للترمذي والاول لابن ماجة « عبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي ». فذكر كلمات القوم في قدحه.

٧٧

وخامساً: في الطريق الثاني للترمذي « محمد بن بشار » وهو مقدوح.

وسادساً: في أول طريقي ابن ماجة: « محمد بن المثنى العنزي » قال يحيى بن معين: « كذاب » وقال أبو حاتم: « ذاهب الحديث ».

وسابعاً: في ثاني طريقي ابن ماجة « سفيان الثوري » وهو مقدوح ومجروح.

وثامناً: في ثاني طريقي ابن ماجة « وكيع بن الجراح » وقد جرحه أحمد وغيره.

وتاسعاً: في أول طريقي الترمذي: « قتادة » وله قوادح ومثالب عظيمة

وعاشراً: في أول طريقي الترمذي: « داود بن عبد الرحمن العطار » قال يحيى بن معين: « ضعيف الحديث » وقال الازدي: « يتكلمون فيه ».

والحادي عشر: في أول طريقي الترمذي: « سفيان بن وكيع » قال البخاري: « يتكلمون فيه » وقال أبو زرعة: « يتهم بالكذب » وقال ابو حاتم « لين » وامتنع أبو داود من التحديث عنه، وقال الذهبي « ضعيف ».

والثاني عشر: هذا الحديث مرسل. قال ابن حجر الحافظ في فتح الباري بشرح حديث: « وان لكل أمة أميناً »: « تنبيه - أورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الاسناد مطولا. وأوله: ارحم أمتى واسناده صحيح، الا أن الحفاظ قالوا: ان الصواب في أوله الإرسال، والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. والله اعلم ».

وقال بشرح قول عمر: « أقرؤنا أبي »: « كذا أخرجه موقوفاً، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعاً في ذكر أبي.

وفيه ذكر جماعة. وأوله: أرحم أمتي وصححه. لكن قال غيره: ان الصواب إرساله ».

وهكذا قال غيره من العلماء ذكرهم السيد.

٧٨

ثم أورد السيدرحمه‌الله نصوص عدة من علماء الحديث والدراية كابن الصلاح والنووي والسيوطي على أن « المرسل حديث ضعيف لا يحتج به عند جماهير المحدثين ».

ثم انه نبه على رواية العاصمي الحديث عن أبي قلابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسا.

وعلى أن بعضهم رواه - كما في المصابيح والمشكاة وفتح الباري - عن قتادة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأساً.

وهذان مرسلا بلا كلام.

(٨) - النظر في شأن صدورها

من أساليبه: النظر في متون الأحاديث من حيث ظروف صدورها ولا يخفى على أهل الفضل ما في ذلك من الأثر البالغ في كشف الحقائق والوصول الى الواقع ونحن نكتفي بمثالين من هذا القبيل

لقد عارض الدهلوي حديث: « اني تارك فيكم الثقلين » بما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل عبد الله بن مسعود: « رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد ».

فمن نظر في هذا الحديث رآه مفيداً لرضي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما رضي به ابن مسعود على الإطلاق وبذلك ربما يمكن مقابلة حديث الثقلين به ولكن السيدرحمه‌الله رجع الى متن الحديث فوجده مقروناً بما يخرجه عن الإطلاق ويسقطه عن الصلاحية للمعارضة المذكورة.

فالحديث في مستدرك الحاكم بإسناده عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن مسعود: « اقرأ. قال: اقرأ وعليك أنزل؟ قال: اني أحب أن أسمع من غيرى. قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: ( فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) فاستعبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكف عبد الله. فقال له رسول الله

٧٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تكلم، فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله، وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهد شهادة الحق وقال:

رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد ».

ومن وجوه الجواب عن حديث أبي بردة: « صلينا المغرب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: أحسنتم - أو: أصبتم - قال: فرفع رأسه الى السماء - وكان كثيراً ما يرفع رأسه الى السماء - فقال:

النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم اتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لاصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي امنة لامتى فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ».

ان هذا الحديث محرف، ففي المستدرك: « انه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة - أو: ساعة - والناس ينتظرون في المسجد. فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة. فقال: انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: اما انها صلاة لم يصلها احد ممن قبلكم من الأمم. ثم رفع رأسه الى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فإذا طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لاصحابي فإذا قبضت اتى أصحابي ما يوعدون، واهل بيتي أمان لامتي فإذا ذهب اهل بيتي اتى أمتي ما يوعدون ».

(٩) - النظر في متونها

ومنها: النظر في متون الأحاديث التي يروونها في فضل الاصحاب ويعارضون بها فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام من حيث التأمل في

٨٠

سير من رويت في حقهم، وفي سير الآخرين من الصحابة معهم ونحن نشير إشارة سريعة الى بعض تلك الأحاديث، وخلاصة البحوث المتعلقة بها من هذه الناحية:

١ - لقد عارض عبد العزيز الدهلوي حديث الثقلين بحديث: « اهتدوا بهدى عمار ». فذكر السيدرحمه‌الله ان عماراً من شيعة عليعليه‌السلام ، وأنه قد تخلف عن بيعة أبي بكر هذا هدى عمار فلماذا لم يهتدوا بهداه؟

ثم ان عمر بن الخطاب قد أعرض عن هدى عمار، وعثمان اعتدى عليه، وعبد الرحمن بن عوف خالفه، وسعد بن أبي وقاص كان يبغضه، وطلحة والزبير ومن معهما خرجوا على علي وعمار معه، وعمرو بن العاص خرج لقتله، ومعاوية سر بمقتله

٢ - وعارض الحديث المذكور بما رووه في حق ابن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: « رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد ». فذكر السيد صنائع عثمان مع ابن مسعود.

٣ - وعارضه بحديث: « أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل » كما عارض به العاصمي حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ».

فذكر السيدرحمه‌الله ما كان من معاذ بن جبل من الجهل بأحكام الشرع المبين، والتصرف الباطل في أموال المسلمين

٤ - وعارضه بحديث « أصحابي كالنجوم ».

فذكر السيد في جوابه موارد كثيرة من جهل الصحابة بالقرآن والاحكام الشرعية، وارتكاب بعضهم المحرمات كالربا، وبيع الخمر، وبيع الأصنام، والكذب الصريح

٥ - وعارضه أيضاً بحديث « انما الشورى للمهاجرين والأنصار ».

فذكر السيد ما كان من أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن تبعه وغيرهم من الاصحاب من الخلاف والاعتراض على خلافة الخلفاء الثلاثة، فهي كانت من غير مشورة من المهاجرين والأنصار.

٨١

٦ - وعارض العاصمي حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بحديث « أرحم - أو: أرأف - أمتى بأمتي أبو بكر » فذكر السيد قضايا من سيرة أبي بكر تكذب ذلك بكل وضوح.

٧ - وعارضه بحديث: « لكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة ». فذكر السيد قضايا من تاريخ أبي عبيدة تنافي الامانة بكل صراحة.

٨ - وعارض عبد العزيز الدهلوي الحديث المذكور بحديث: « ما صب الله شيئاً في صدري الا وصببته في صدر أبي بكر » فذكر السيد جهل أبي بكر بأبسط المعارف الالهية والأمور الشرعية بل حتى بمفاهيم بعض الألفاظ القرآنية

٩ - وعارضه بحديث: « لو كان بعدي نبي لكان عمر ».

فذكر السيد في وجوه بطلانه أن المسبوق بالكفر لا يكون نبياً

(١٠) - النقض

ومنها: النقض وقد كانرحمه‌الله ذا يد طولى في هذه الجهة كسائر جهات البحث وكتابه مشحون بأنواع النقوض القوية التي لا يمكن الجواب عنها

فمما قال عبد العزيز الدهلوي في الجواب عن حديث الغدير: انه لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد الامامة والخلافة لجاء بلفظ صريح في الدلالة حتى لا يكون فيه خلاف ونزاع.

فنقض عليه السيدرحمه‌الله بحديث: « الأئمة من بعدي اثنا عشر ». الذي حار القوم في معناه، وذكروا له وجوهاً عديدة حتى قال بعضهم بأن الاولى ترك الخوض في البحث عنه

ذكر السيد كلماتهم حوله لأجل النقض ثم قال بأن التحقيق وضوح دلالة هذا الحديث على مذهب الامامية، وانما زعم القوم اجماله وأطنبوا في توجيهه حتى يصرفوه عن الدلالة على المعنى الظاهر فيه.

٨٢

واستدل بعضهم على خلافة أبي بكر بحديث « خوخة أبي بكر » قال: يدل على ذلك بمعونة القرائن.

فنقض عليه بأن حديث « من كنت مولاه فعليّ مولاه » أحرى بأن يكون دالا على الامامة ولو بمعونة القرائن

وأنكر ابن كثير معنى حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم الغدير بأن « صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً؟ هذا باطل ».

فأبطل هذا الكلام بذكر فضل صيام أيام من السنة بأحاديث أهل السنة أنفسهم كيوم السابع والعشرين من رجب، وصوم أيام من شهر رجب، وصوم يوم عرفة

وأنكر ابن روزبهان أن يكون أمير المؤمنين قد دعا على أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله البجلي الذين كتموا الشهادة بحديث الغدير قائلا: « لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله ».

فأبطله بذكر موارد من دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام والصحابة

ولو أردنا أن نذكر نماذج أخر للنقض في الكتاب لطال بنا المقام، وفيما ذكرناه كفاية.

(١١) - المعارضة

ومنها - المعارضة وهي من أمتن أساليبه في الجواب فقد عارض السخاوي حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بما وضعوه على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخرجه البخاري بسنده عن محمد بن الحنفية قال:

« قلت لابي: أي الناس خير بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: أبو بكر.

٨٣

قال قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا الا رجل من المسلمين ».

فأجاب عنه السيد مكذباً إياه بحديث أخرجه البخاري نفسه عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب في حديث طويل، أنه قال مخاطباً عليّاً والعباس: « فلما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم انه لصادق بار راشد تابع للحق.

ثم توفى أبو بكر فكنت أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم اني لصادق بار راشد تابع للحق ».

فمن كان يرى أبا بكر وعمر كاذبين آثمين غادرين خائنين كيف يراهما خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وعارض المولوي عبد العزيز الدهلوي حديث مدينة العلم بما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: « لو كان بعدي نبي لكان عمر ».

فأجاب السيد هذه المعارضة بوجوه كذب فيها الحديث المذكور، وكان من جملة الوجوه: ان هذا الحديث يدل على أفضلية عمر من أبي بكر، فهو معارض بما استدلوا به من الاخبار - واجمعوا عليه - على أفضلية أبي بكر من عمر بن الخطاب فالحديث باطل، فالمعارضة ساقطة.

وعارض عبد العزيز حديث: « انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » بحديث: « أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهديتم ».

فأبطل السيد هذا الحديث وأثبت وضعه في بحث طويل وفي وجوه كثيرة منها: - المعارضة بالأحاديث الواردة في ذم الاصحاب، المخرجة في الصحاح والمسانيد كحديث الذود عن الحوض ونحوه

٨٤

(١٢) - الإلزام

ومنها - الزام القوم بما ألزموا به أنفسهم، فطالما يرد على دليل أو مناقشة للدهلوي أو غيره من أهل السنة بما التزم به من دليل أو حديث أو قاعدة

وان من أهم موارد الإلزام موضوع الصحاح الستة والصحيحين منها بالخصوص

ففي حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » عقد فصلا عنوانه « قطعية أحاديث الصحيحين » ذكر فيه ان ذلك مذهب ابن الصلاح، وأبي إسحاق الأسفراييني، وأبي حامد الأسفراييني، والقاضي أبى الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وأبي عبد الله الحميدي، وأبي نصر عبد الرحيم ابن عبد الخالق، والسرخسي الحنفي، والقاضي عبد الوهاب المالكي، وأبي يعلى الحنبلي، وابن الزاغوني الحنبلي، وابن فورك، ومحمد بن طاهر المقدسي، والبلقيني، وابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي وغيرهم.

بل عن بعضهم انه وقف تجاه قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « فقلت: يا رسول الله كلما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال: صحيح. فقلت له: أرويه عنك يا رسول الله؟ قال: أروه عني ».

وعن بعضهم: أنه ذكر صحيح مسلم أيضاً.

وعن جماعة كالعسقلاني والنووي وابن حجر المكي الإجماع على أن صحيحيهما أصح الكتب بعد القرآن

ومع ذلك قدح الآمدي، ومحمود بن عبد الرحمن الاصفهاني، وابن حجر المكي، وإسحاق الهروي في حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » المخرج في الصحيحين

وقدح البخاري، وابن الجوزي، وابن تيمية في حديث: « اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » المخرج في صحيح مسلم.

٨٥

وأبطل السهارنفوري وعبد العزيز الدهلوي حديث هجر فاطمة الزهراءعليها‌السلام أبا بكر وهو في باب فرض الخمس وغيره - من صحيح البخاري الذي جاء فيه: « فغضبت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت » وأخرجه مسلم في باب حكم الفيء من كتاب الجهاد.

وأبطل المولوي حيدر علي الفيض آبادي حديث: « ايتوني بكتف ودواة » المخرج في سبعة مواضع من البخاري، وبثلاثة طرق عند مسلم ابن الحجاج

فقدح هؤلاء في هذه الأحاديث مردود بما نص عليه أئمتهم من قطعية صدور الصحيحين وانهما أصح الكتب بعد القرآن والإجماع على صحة ما روي فيهما

هذا الرد عليهم هو من باب الإلزام.

ومن ذلك إلزامهم بما يروونه في حق بعض الاشخاص من علمائهم وعرفائهم أو في شأن بعض كتبهم في الحديث أو غيره من الكرامات

فقد ذكروا في فضل « عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي » تزول قلنسوة من السماء اليه

وفي حق الثعلبي قال القشيري: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب: أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ فإذا الثعلبي مقبل.

وهكذا غير ما ذكرنا من الكرامات التي لا يجوز الاعتقاد بها قطعاً، الا أن التمسك بها جائز لإلزام الخصم بها في البحوث العلمية وهذا باب واسع نكتفي منه بهذا المقدار.

٨٦

الباب الرابع

بحوث وتحقيقات في كتاب العبقات

ومن يدرس كتاب « عبقات الأنوار » يجد فيه الى جانب « اثبات امامة الأئمة الاطهار » والرد على إشكالات المخالفين على أدلة الامامية في باب الامامة بحوثاً وتحقيقات علمية قيمة، بحيث لو أخرج كل واحد منها لكان كتاباً لطيفاً في موضوعه.

في هذا الكتاب بحوث علمية من أصول العقائد، والتفسير، والحديث، والدراية، والتاريخ، والرجال، والأدب يتطرق الى كل بحث منها لمناسبة يقتضيها المقام حيث يريد المؤلفرحمه‌الله إتمام الكلام على المسألة الخلافية من شتى جوانبها

ونحن نذكر هنا طرفاً من هذه البحوث تحت عناوين وضعناها لها، معترفين بعدم وفاء مذكراتنا لجميع بحوث الكتاب، آملين التوفيق لاتمامها في فرصة أخرى بإذن الله تعالى.

١ - أحاديث موضوعة

لقد وردت في حق عليّعليه‌السلام أحاديث لا تعد ولا تحصى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تناقلتها الصحابة والتابعون، وأثبتها الأئمة والحفاظ في أسفارهم ومعاجمهم، موثقين رجالها، مصححين طرقها، فأما ما لم يصل إلينا من تلك الأحاديث فالله اعلم بها وبعددها.

ولما رأى المخالفون لأمير المؤمنينعليه‌السلام تلك الأحاديث وكثرتها عدداً ووضوحها في الدلالة على إمامته عمدوا الى التصرف فيها وتحريفها زيادة أو نقيصة، والى وضع فضائل لابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من الصحابة، والصحابة بصورة عامة

وقد راج سوق هذا الوضع والتزوير - كما يحدثنا التاريخ - في زمن معاوية، وشاعت هذه الأحاديث وانتشرت، ووصفها بعض علماء السنة

٨٧

بالصحة عمداً أو جهلا

ومع ذلك لم تخف حقيقة الحال على ذوي العلم والبصيرة، بل لقد نص عليها وصرح بها بعض المتعصبين من علماء الحديث كابن الجوزي في كتاب الموضوعات وأورد ابن أبي الحديد بعض الأحاديث التي وضعتها « البكرية » في مقابلة أحاديث من فضائل أمير المؤمنين

وجاء علماء الكلام وأصحاب الكتب في الامامة منهم، فعارضوا بهذه الموضوعات الأحاديث الصحاح في فضل عليعليه‌السلام الأمر الذي استدعى البحث عن تلك المفتريات والكشف عن حالها بالنظر في أسانيدها ومداليلها على ضوء آراء علماء الجرح والتعديل من أهل السنة في كتاب « عبقات الأنوار » وكان من جملة هذه الأحاديث المحرفة أو الموضوعة رأساً في مقابل فضيلة من الفضائل:

١- لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلا.

٢ - سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر.

٣ - ما صب الله في صدري شيئاً الا وصببته في صدر أبي بكر.

٤ - لو كان بعدي نبي لكان عمر.

٥ - لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

٦ - ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.

٧ - ابن عمر: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى اني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم.

٨ - أبو سعيد الخدري: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك. وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.

٨٨

٩ - أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

١٠ - اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

١١ - خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، فخلق أمتي من نور عمر، وعمر سراج أهل الجنة.

١٢ - عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر. فعد رجالا. فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم.

١٣ - خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء.

١٤ - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.

١٥ - أرحم - أو: أرأف - أمتى بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياءاً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو عبيدة الجراح.

١٦ - من أحب ان ينظر الى ابراهيم في خلته فلينظر الى أبي بكر في سماحته ومن أحب ان ينظر الى نوح في شدته فلينظر الى عمر بن الخطاب في شجاعته ومن أحب ان ينظر الى إدريس في رفعته فلينظر الى عثمان في رحمته، ومن أحب ان ينظر الى يحيى بن زكريا في عبادته فلينظر الى عليّ بن أبي طالب في طهارته.

١٧ - أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها وعليّ بابها.

١٨ - أنا مدينة العلم وعليّ بابها وأبو بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها.

١٩ - أنا مدينة العلم وأساسها أبو بكر وجدرانها عمر وسقفها عثمان وبابها عليّ.

٨٩

٢٠ - أنا مدينة العلم وعليّ بابها ومعاوية حلقتها.

٢١ - أنا مدينة العلم وعليّ بابها وأبو بكر محرابها.

٢٢ - أنا مدينة الصدق وأبو بكر بابها، وأنا مدينة العدل وعمر بابها، وأنا مدينة الحياء وعثمان بابها، وأنا مدينة العلم وعليّ بابها.

٢٣ - لا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الا خيراً.

٢٤ - أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم.

٢٥ - ابن عمر: كنا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم.

٢٦ - محمد بن الحنفية: قلت لابي أي الناس خير بعد النبي؟ قال: أبو بكر. قال قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنث؟ قال: ما أنا الا رجل من المسلمين.

٢ - عدالة الصحابة

ومن البحوث المهمة ذات الأثر الكبير في جميع المسائل الإسلامية « مسألة عدالة الصحابة أجمعين » فعن بعض الفرق القول بكفر الصحابة جميعاً. والمشهور بين أهل السنة هو القول بأن الصحابة كلهم عدول ثقات. وقد نسب هذا القول الى أكثرهم.

والحق أن « الصحبة » لا توجب « العصمة » لاحد. والصحابة فيهم العدول ويغر العدول، وبهذا صرح جمع من أعلام أهل السنة كالتفتازاني والمارزي وابن العماد والشوكاني، وتبعهم: الشيخ محمد عبدة وبعض تلامذته وآخرون من الكتاب والعلماء المعاصرين.

وقد توفر كتاب « عبقات الأنوار » على جوانب من سير مشاهير الاصحاب ومشايخهم لا يظن بقاء أحد على القول بعدالة الصحابة أجمعين بعد مراجعتها ..!

٩٠

٣ - الحسن والقبح العقليان

ومن المباحث المهمة في علم الكلام بحث الحسن والقبح العقليين، الذي يثبته العدلية وينكره الا شاعرة، ويترتب عليه آثار جليلة وكثيرة، وتعرض السيد لهذا البحث في قسم حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ». والذي يهمنا إيراده هنا ما ذكره من أن جمعاَ كثيراً وجماً غفيراً من أكابر نحارير أهل السنة يثبتون الحسن والقبح العقليين. فذكر كلمات القوم وحاصلها أن القول بثبوت الحسن والقبح العقليين مذهب:

١ - أبي بكر القفال الشاشي.

٢ - أبي بكر الصيرفي.

٣ - أبي بكر الفارسي.

٤ - القاضي أبي حامد.

٥ - الحليمي.

٦ - علاء الدين السمرقندي صاحب ( ميزان الأصول في نتائج العقول ).

٧ - عبد العزيز البخاري صاحب ( كشف الأسرار - شرح أصول البزودي ).

٨ - أبي المظفر السمعاني صاحب ( القواطع في أصول الفقه ).

٩ - أبي شكور الكشي صاحب ( التمهيد ).

١٠ - أبي حامد الغزالي في ( اقتصاد الاعتقاد ).

١١ - عبيد الله بن مسعود صاحب ( التوضيح في حل غوامض التنقيح ).

١٢ - نظام الدين الشاشي صاحب ( كتاب الخمسين في أصول الحنفية ).

١٣ - الملا علي القاري في ( شرح الفقه الأكبر ).

١٤ - ابن قيم الجوزية في ( زاد المعاد ).

١٥ - كمال الدين السهالي في ( العروة الوثقى ).

٩١

١٦ - صالح بن مهدي المقبلي في ( ملحقات الأبحاث المسددة ) وفي ( العلم الشامخ ).

وقد نسب هذا القول الى كثير من أصحاب أبي حنيفة وعلى الخصوص العراقيين منهم. وذكر القاري عن الحاكم الشهيد في المنتقى انه قال أبو حنيفة لا عذر لاحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وغيره. وفي المسايرة لابن الهمام الحنفي: قالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح على الوجه الذي قالته المعتزلة. وفيه عن بعض أكابر الاشاعرة انه لا يتم استحالة النقص على الله الا على رأي المعتزلة. وفيه عن أبي منصور الماتريدي وعامة مشايخ سمرقند: من مات ولم يؤمن ولم تبلغه دعوة رسول يخلد في النار.

٤ - موقف أهل السنة من أئمة أهل البيت

وقد يدعي بعض المؤلفين من أهل السنة - كعبد العزيز الدهلوي - أنهم هم المتبعون لأهل البيت -عليهم‌السلام -الراكبون لسفينتهم والمقتدون بهم يقولون هذا إزراءاً بالشيعة وطعناً في دينهم

وهذا ما دعا السيدرحمه‌الله الى إيراد طرف من كلماتهم الشائنة لائمة أهل البيتعليهم‌السلام كشفاً عن الحقيقة، ولكي يعلن للملإ العلمي أن كل ما يحاوله أهل السنة هو الرد على الشيعة ومعتقداتهم سواء كان بمدح أهل البيت ودعوى محبتهم والانقياد لهم، أو كان بالطعن فيهم وتكذيبهم والحط عليهم والعياذ بالله.

فتلك كلمات ولي الله الدهلوي في أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه ( إزالة الخفاء عن سيرة الخلفاء ) و ( قرة العينين في فضائل الشيخين ).

وكلمات ابن تيمية فيه وفي بعض أئمة أهل البيت في ( منهاج السنة ).

وكلمات ابن العربي وابن خلدون في سيد الشهداء الحسين بن عليعليهما‌السلام .

٩٢

وكلمات عبد القادر الجيلاني في أنه ينبغي أن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور لا يوم مصيبة وحزن

وقول بعضهم في حق الامام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام « في نفسي منه شيء ».

وقول بعضهم في حق الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : « يروي عن أبيه عجائب، يهم ويخطئ ».

٥ - حول الصحيحين

لقد حف القوم الصحيحين بكل قداسة، ووضعوهما في هالة من النور والعظمة، ووضعوا لهما الكرامات الباهرة

انهما كتابان ألفهما محدثان من المحدثين شرطا فيهما على أنفسهما شروطاً خاصة ومن حق الباحث أن يبحث عن تلك الشروط، وأن يسأل عن توفر ما اشترطاه في كلّ واحد واحد من أحاديث الكتابين

ثم ان البخاري ومسلماً بشران كسائر أفراد البشر يعرضهما الخطأ والسهو والنسيان، وهل الالتزام بما اشترطاه على أنفسهما قد أوجب لهما العصمة عن الخطأ والنسيان، وبلغ بكتابيهما الى حد القرآن؟

وإذا كان لما اشترطاه هذا الأثر فلماذا لا يعتقدون هذا الاعتقاد فيما ألف على شرطهما كالمستدرك وغيره؟

هذه - وغيرها - أمور جديرة بالبحث والتحقيق، ولا يجوز لنا أن نمر عليها مر الجهلة والمتعصبين، الذين ينزلون الكتابين منزلة الوحي المبين

ليس كل ما في الكتابين بصحيح

لقد انتهى بنا البحث وأرشدتنا الأدلة الى أنه ليس كل ما روي في الكتابين بصحيح، وأهم تلك الأدلة هي الوجوه التالية:

١ - طعن أكابر الأئمة المعاصرين للبخاري ومسلم في الكتابين

٩٣

ومؤلفيهما وتركهم لحديثهما والمنع من مجالستهما كما لا يخفى على من راجع تراجم الرجلين في ( سير أعلام النبلاء ) وغيره.

٢ - قدح علماء الجرح والتعديل في كثير من رجالهما كما لا يخفى على من راجع ( هدى الساري في مقدمة فتح الباري ) وغيره.

٣ - آراء كبار العلماء في الرجلين وكتابيهما، الصريحة في وجود الأحاديث الباطلة فيهما، وأن الذي حمل القوم على القول بصحة كل ما أخرجاه هو التعصب وتجد نصوص عبارات بعض هؤلاء العلماء في قسم حديث الغدير من كتاب ( عبقات الأنوار ).

٤ - وجود الأحاديث الكثيرة المقدوحة سنداً ودلالة من قبل أساطين المحققين من أهل السنة كالاسماعيلي، ومغلطاي، وابن حزم، وابن الجوزي، والدمياطي والغزالي، وامام الحرمين، وابن عبد البر، والنووي، وابن حجر، والكرماني والداودي، والحميدي، وابن القيم وغيرهم في هذين الكتابين، وتجد نصوص طائفة من هذه الأحاديث وكلمات هؤلاء الاعلام في قسم حديث الغدير من كتاب ( عبقات الأنوار ).

ليس كل ما ليس في الكتابين بغير صحيح

ثم ما الدليل على أن كل ما لم يخرجاه فليس بصحيح، حتى إذا أرادوا رد حديث أو الطعن فيه قالوا: ليس في أحد الصحيحين؟!

قال النووي: « لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وانما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله ».

وقال القاضي الكتاني: « لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما ».

وقال العلقمي: « ليس بلازم في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما ».

وقال ابن القيم: « هل قال البخاري قط: ان كل حديث لم أدخله في

٩٤

كتابي فهو باطل، أو ليس بحجة، أو ضعيف؟ وكم قد احتج البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحح من حديث خارج عن صحيحه؟ ».

تعصب المؤلفين في الامامة والمناقب

ومما ذكرنا يظهر تعصب بعض المؤلفين في الامامة والكلام، وأصحاب الكتب في الفضائل والمناقب كالفخر الرازي حيث يطعن في سند حديث الغدير من جهة عدم إخراج البخاري ومسلم إياه، وكابن تيمية يرد على حديث « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » قائلا بأنه « ليس في الصحيحين » وكالبدايوني الهندي القائل في جواب جملة « كرار غير فرار » من حديث « سأعطي الراية غداً رجلا » بأنها « غير مذكورة في الصحيحين ».

ومنهم من يطعن في بعض الأحاديث المخرجة فيهما أو في أحدهما غير مكترث بالذين ذهبوا الى قطعية صدور جميع أحاديثهما، ذكرهم السيد في قسم حديث المنزلة وابن تيمية وابن الجوزي الذين قدحوا في حديث: « اني تارك فيكم الثقلين » وهو في صحيح مسلم؟!

وكالامدي ومن لف لفه الذين أبطلوا حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وهو في الصحيحين!!

وكالدهلوي الذي أبطل حديث هجر الزهراءعليها‌السلام أبا بكر حتى توفيت وهو في الصحيحين!!

وفي هذا القدر كفاية لمن طلب الرشاد والهداية.

٦ - تحقيق حال رجال

وفي كتاب « عبقات الأنوار » ترجمة المئات من الاعلام من الصحابة والتابعين والرواة وكبار العلماء والمؤلفين في مختلف العلوم والفنون ذكر السيد تراجمهم لأغراض مختلفة أهمها اثبات ثقتهم والاعتماد عليهم

٩٥

أو جرحهم واسقاطهم عن درجة الاعتبار فهو يعطيك قائمة بأسماء الثقات وقوائم بأسماء الوضاعين، والضعفاء، والمدلسين، ومن تكلم فيهم من الرواة والمحدثين.

وقد يستدعي الأمر التوسع في بيان حال الرجل توثيقاً أو تجريحاً، ومن هنا فقد حقق حال رجال تحقيقاً شاملا يتوفر على فوائد تاريخية ورجالية لا تخفى قيمتها على ذوي الفضل وأهل التحقيق، ولنذكر هنا بعض الامثلة على ذلك:

أ - تحقيق حال عباد بن يعقوب الرواجني

لقد أثبت وثاقة عباد بن يعقوب الرواجني بعشرة وجوه:

١ - كونه من مشايخ البخاري.

٢ - كونه من مشايخ الترمذي.

٣ - كونه من مشايخ ابن ماجة.

٤ - رواية كبار الأئمة كأبي حاتم والبزار وابن خزيمة عنه.

٥ - توثيق أبي حاتم الرازي.

٦ - توثيق ابن خزيمة النيسابوري.

٧ - قول الدارقطني: صدوق.

٨ - قول بعض أعلامهم: لو لا رجلان من الشيعة ما صح لهم حديث: عباد بن يعقوب وابراهيم بن محمد بن ميمون.

٩ - قول الحافظ ابن حجر: « بالغ ابن حبان فقال: يستحق الترك ».

١٠ - قول الحافظ ابن حجر: « رافضي مشهور الا انه كان صدوقاً ».

وقد ظهر أنه لا ذنب للرواجني الا « التشيع » و « أنه يشتم السلف » كعثمان وطلحة والزبير كما في « تهذيب التهذيب » وغيره. ولعل الذي جعله « يستحق الترك » ما رواه من أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يقتل علياً،

٩٦

ثم ندم فنهاه عن ذلك رواه السمعاني في « الأنساب ».

ب - تحقيق حال ابن عقدة

وصنف أبو العباس ابن عقدة كتاباً بطرق حديث: « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » رواه فيه من مائة وخمس طرق ثم ذكر ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة لم يذكر أسمائهم. قال السيد بن طاوس: « والكتاب عندي الآن » وقد ذكر هذا الكتاب لابن عقدة جماعة من حفاظ واعلام أهل السنة كابن حجر وابن تيمية والسمهودي والمناوي وغيرهم.

وقد طعن عبد العزيز الدهلوي تبعاً لنصر الله الكابلي في أبي العباس ابن عقدة، قال الكابلي فيما زعمه من مكايد الامامية: « التاسع والتسعون: نقل ما يؤيد مذهبهم عن كتاب رجل يتخيل أنه من أهل السنة وليس منهم، كابن عقدة كان جارودياً رافضياً، فانه ربما ينخدع منه كل ذي رأي غبين، ويميل الى مذهبهم أو تلعب به الشكوك ».

وقد أثبت السيد صاحب العبقات وثاقة ابن عقدة وجلالته عن الدارقطني وأبي علي الحافظ وحمزة السهمي والسمعاني والسيوطي وسبط ابن الجوزي والفتني والبدخشاني

وانه قد روى عنه الأكابر من الحفاظ كالطبراني والدارقطني وأبي نعيم وابن عدي، وكان الدارقطني يقول: أجمع أهل الكوفة على أنه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود الى زمن أبي العباس ابن عقدة أحفظ منه. وعده السبكي في طبقاته من حفاظ هذه الشريعة، ونقل السيوطي آراءه في تدريب الراوي وابن الجوزي في معرفة الصحابة، والذهبي في الجرح والتعديل.

فظهر أنه لا ذنب لابن عقدة الا ما ذكره السيوطي بقوله: « وعنده تشيع » وانه - كما قال سبط ابن الجوزي -: « كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرض للصحابة بمدح ولا بذم فنسبوه الى الرفض ». ومن قال الفتني: « وما ضعفه الا عصري متعصب ».

٩٧

ج - تحقيق حال الأجلح بن عبد الله

وطعن الدهلوي في سند حديث الولاية: « ان عليّاً مني وأنا من عليّ وهو ولي كل مؤمن من بعدي » قائلا: « في أسناده الأجلح وهو شيعي متهم في حديثه ».

فأجاب السيد عنه بثلاثين وجه منها:

توثيق يحيى بن معين، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، ومدح أحمد، وقول الفلاس وابن عدي: « مستقيم الحديث صدوق » وتصحيح الحاكم حديثاً هو في طريقه، وفي التقريب: « صدوق شيعي ». وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

فظهر أنه لا ذنب له الا « التشيع ».

د - تحقيق حال سبط ابن الجوزي

وتعرض السيد لحال سبط ابن الجوزي فأشبع الموضوع بحثاً وتحقيقاً، وذلك لأنه اعتمد عليه في نقل رواية أحمد بن حنبل لحديث النور: « خلقت أنا وعليّ من نور واحد » فكان من الضروري بيان ثقته والاعتماد عليه.

فذكر مدح أبي المؤيد الخوارزمي وابن خلكان وقطب الدين البعلبكي وأبي الفداء وابن الوردي والذهبي والداودي واليافعي والقاري وغيرهم وتعظيمهم إياه وقد وصفه الخوارزمي في ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) بـ « الامام الحافظ » وقال هؤلاء كلهم بأنه « كان له القبول التام عند الخاص والعام ».

واعتمد على تاريخه ( مرآة الزمان ) من تأخر عنه من المؤرخين كابن خلكان والصفدي، والحلبي في سيرته، كما اعتمد عليه جماعة من علماء الكلام كالكابلي في ( صواقعه ) والدهلوي في ( تحفته ).

نعم طعن فيه وفي تاريخه الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) فقال: « يأتي بمناكير الحكايات وما أظنه بثقة، بل يحيف ويجازف ثم انه يترفض ».

٩٨

وقد أجابوا عن ذلك ففي ( كشف الظنون ): « قال في الذيل: هذا من الحسد، فانه في غاية التحرير، ومن أرخ بعده فقد تطفل عليه، لا سيما الذهبي والصفدي، فان نقولهما منه في تاريخهما ».

فظهر أنه لا ذنب له الا « الترفض » وسببه تأليف كتاب « تذكرة الخواص من الامة في ذكر مناقب الأئمة ».

هـ - تحقيق حال الجاحظ

وتمسك الفخر الرازي بصدد الطعن في حديث الغدير بعدم نقل الجاحظ إياه.

فانبرى السيد للجواب عنه في وجوه:

الاول: انه من النواصب، كما نص عليه ( الدهلوي )، وصاحب كتاب المروانية كما نص عليه ابن تيمية.

والثاني: ان له أباطيل وأضاليل حول مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام وفضائله لم يرتضها حتى بعض أهل نحلته كالاسكافي.

والثالث: قول الحافظ الخطابي: الجاحظ ملحد.

والرابع: قول ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً.

والخامس: قول الذهبي في الميزان: « كان من أئمة البدع ». وفي ( سير اعلام النبلاء ): « كان ماجنا قليل الدين » قال: « يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق » وقد أورده في ( المغني في الضعفاء ).

والسادس: قول الخطيب: كان لا يصلي.

والسابع: ما ذكره ابو الفرج الاصبهاني من انه كان يرمى بالزندقة وأنشد في ذلك أشعارا.

والثامن: قول ابن حزم: كان أحد المجان الضلال.

والتاسع: قول الأزهري: « ان أهل العلم ذموه وعن الصدق دفعوه ».

والعاشر: قول ثعلب: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله

٩٩

وعلى الناس ».

فهل يليق بالرازي الاستدلال بعدم رواية الجاحظ لحديث الغدير؟!

٧ - تحقيق حال كتب

ومن الفوائد في كتاب « عبقات الأنوار » معرفة الكتب والفنون، فهو يعطيك أسامي آلاف الكتب في مختلف العلوم والفنون مع اسماء مؤلّفيها بحيث لو جمعت لشكلت كتاباً مفرداً في هذا الفن يقع في مجلدات عديدة.

ومن هذه الكتب ما ينقل عنها في بحوثه، وهي أهم الكتب وأشهرها في كل فن وقد ذكرنا سابقاً أسلوبه في النقل والاستدلال.

وربما تعرض لحال بعض تلك الكتب فأثبت نسبتها الى أصحابها، أو أكد اعتبار ما جاء فيها أو بالعكس وإليك نماذج من تحقيقاته في هذا المجال:

أ - تحقيق حول مسند أحمد

لقد وقع الخلاف بين علماء أهل السنة - حتى الحنابلة منهم - حول أحاديث مسند أحمد بن حنبل، فقال جماعة بأن ما أودعه أحمد مسنده قد احتاط فيه اسناداً ومتناً ولم يورد فيه الا ما صح سنده عنده، فأمر بالرجوع اليه وجعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم، وما ليس فيه فلا أصل له، وأنكر آخرون أن يكون المسند بهذه المثابة عند أحمد.

وقد بحث السيدرحمه‌الله هذا الموضوع مؤيداً القول الاول ومحققاً إياه أحسن تحقيق.

فحديث الثقلين: « اني تارك فيكم الثقلين » الذي أخرجه في المسند بطرق عديدة صحيح عنده، فبطل قول البخاري: « قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تركت فيكم الثقلين. أحاديث الكوفيين هذه مناكير ».

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507