نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار11%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 507

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 507 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 300382 / تحميل: 8081
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

قيام مؤسسة الخلافة وتطورها السياسي

ليس من السهل أن نبحث في مسألة نشوء الخلافة وتطور أسسها والتحول في مفاهيمها السياسية والعقائدية. فذلك يحتاج أولاً التعرض الى المنطلقات السياسية مع أصول الادارة والسلطة عند العرب قبل قيام الاسلام، ثم تطور هذه الاصول والمنطلقات بعد انتصار الاسلام وتأسيس دولته.

ولا بد للباحث، عند الشروع بمثل هذا العمل، أن يجد نفسه ملزماً في التعرف الى أحوال مكة ومجتمعها بشكل أساسي، ثم أحوال بقية شبه الجزيرة حاضرها وباديها. لم تعرف مكة قبل قيام الاسلام الحكومة بأي شكل من اشكالها وحدود سلطاتها، بل أديرت شؤونها من قبل كبار التجار وممثلي كبار الاسرة القرشية. وكان للمدينة عدد من الشعب الوظائفية وزعت كل واحدة منها على أسرة من الأسر، دون أن يكون هنالك اية هيئة حاكمة تتمتع بصفة من صفات الشرعية. كذلك لم تعرف المدينة

٢١

أي نوع من أنواع القوة المسلحة، او يوجد فيها جماعات كهنة لهم نفوذ وسلطات، بل كان زعماؤها يجتمعون أحياناً للتداول في القضايا والمشاكل، وكان مكان اجتماعهم يدعى (دار الندوة). غير أن القرارات التي كانت تتخذ في هذه الاخيرة، لم يكن لها صفة الالزام، وانما كان الاخذ بها اختيارياً وفردياً... وكان اجماع زعماء المدينة على أمر من الامور متعذراً في كثير من الاحيان، وكثيراً ما كانت تنقسم المدينة في مواقفها من القضايا وتعقد التحالفات المتضادة داخلها، وفي النهاية يكون النصر غالباً للحلف الأقوى. وفي كتب الاخبار والسيرة أحاديث طويلة حول بعض القضايا التي واجهها مجتمع مكة وحول أحلاف هذا المجتمع، ويستفاد من بعض الاخبار انه وجد لدى المكيين مفهوم واحد للشرعية الواجب الالتزام بأوامرها مهما كانت، وهذا المفهوم ارتبط بالكعبة التي كانت موضع اجلالهم وقداستهم. فعندما كان يجمع غالبية الزعماء المكيون على أمر من الأمور كانوا يدونون ما أجمعوا عليه في صحيفة ويقومون بتعليقها في جوف الكعبة، وهنا يأخذ الامر صفة الشرعية. ولدينا مثال واضح حول هذا : ما عمله المكيون حين أعلنوا صحيفة مقاطعة بني هاشم التي اضطرت هؤلاء الالتزام بها، فتركوا مكة وأقاموا محصورين في شعب ابي طالب، وعاشوا في ظل المقاطعة حتى مزقت الصحيفة(١) .

_____________________

(١) سهيل زكار : التاريخ عند العرب، ٩٥ - ١١٥.

٢٢

هذا وقد استمرت عادة تعليق صحف المعاهدات والوصايا وغيرها في الكعبة. ومن أوضح الامثلة على ذلك ما فعله هارون الرشيد حين قام بتولية اولاده العهد من بعده.

ان أمر الالتزام بشرعية الاوامر المعلقة في جوف الكعبة مرتبط بقدسيتها، حيث اعتبرها القرشيون بيت الله. وهكذا فالامر المعلق في جوفها تصبح له صفات الهية، وهو أمر في غاية الاهمية، وقد تطور بعد ذلك تطوراً كبيراً.

وبعد قيام الاسلام، ومع بداية التبشير به لم يحدث تغيير جوهري فيما كان سائداً في مكة، ذلك أن النبي لم يمارس أية سلطات على الذين آمنوا برسالته، ولكنه مع ذلك فقد غدا مسموع الكلمة، محترماً ومتبع الرأي بين أتباعه.

وقد تبدل هذا الحال كلياً بانقضاء الفترة المكية وهجرة المسلمين الى المدينة، حين عمل النبي الذي أصبح بالاضافة الى صفة النبوة يتحلى بصفة زعيم أمة وحاكمها المطلق النابعة أحكامه من ارادة الله، عمل هذا النبي على انشاء أمة جديدة ذات تقاليد وقواعد جديدة. ولاول مرة في حياة مجتمع شمالي شبه الجزيرة العربية، لا بل في مجتمع الجزيرة كله، قامت تجربة جديدة للحكم، مركزية السلطة،

٢٣

حاكمها يملك الحق في التشريع وفي نفس الوقت يقع عليه واجب تنفيذ الاحكام. ولم يكن تطبيق هذا والقبول به من قبل العرب من الامور السهلة، لكن النبي نجح الى أبعد الحدود في ارساء قواعد لحكم الامة الجديدة التي أقامها وان كان لم يأت بنظرية للحكم ذات أسس ومنطلقات ثابتة.

هذا وقد تناول بعض الناس هذه القضية حيث يرون بأن النبي قد أتى بنظرية خاصة في الحكم والسياسة، هي نظرية الشورى، معتمدين على ما جاء في القرآن الكريم( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) أو «وشاورهم بالامر». ومع الاقرار بما ترمي اليه هذه الآيات، فان القرآن لم يبيّن قواعد الشورى هذه وحدودها وطرق تطبيقها، كما لم يبين الى أي حد كان على النبي الاخذ برأي أصحابه وأتباعه. وعندما يعود المرء الى كتب السيرة يجد أن مفهوم هذه القضية لم يكن واضحاً عند أحد من الصحابة، كما لم تتوضح معالمه في الممارسات زمن النبي.

لقد ملك النبي وحده جميع فروع السلطة من تشريع وقضاء وادارة وجباية وأعمال حربية، وذلك بالاضافة الى صفته الاساسية وهي النبوة. وهكذا امتزجت مفاهيم السلطات الزمنية بمفاهيم السلطات الدينية في الاسلام، وصار كل أمر في الدولة العربية الناشئة مزدوج الصفات

٢٤

زمنياً ودينياً. وكان النبي أحياناً ينتدب بعض أصحابه فيكلفهم ببعض الوظائف حين يبتعد عن المدينة، أو يرسلهم لتنفيذ بعض المهام مثل جباية الصدقات أو تفقية الناس بالاسلام وامامتهم بالصلوات او تنفيذ مهمات عسكرية. وكان الذي ينوُب عن النبي في امامة الصلوات يدعى خليفة النبي، وكان قائد الحملة العسكرية يسمى أمير. ولما كانت القوات التي يقودها هذا الاخير قواتاً مؤمنة تقوم بتنفيذ مهمة ضد جماعات غير مؤمنة، فقد كان بعض القادة العسكريين يُميزون عن قادة الاعداء بلفظة «أمير المؤمنين !»(١) .

وكان الخليفة على الصلوات يؤدي الصلاة كما يؤديها النبي دونما زيادة او نقصان، ذلك أن الخليفة هو النائب عن الأصيل الملتزم كلياً بما عهد اليه من أوامر وتعاليم. وكانت صلاحيات أمير الجيش أوسع من صلاحيات الخليفة، ذلك أن قيادة العساكر تستوجب الطاعة المبرمة، وتعطي القائد فرص التصرف وابداع الحلول واصدار ما يراه ضرورياً من أوامر وتعليمات. ففي حين حُرم الخليفة من السلطات التشريعية مُنح ذلك للامير وتمتع به.

ومع اتساع رقعة الدولة الجديدة، وتعاظم

_____________________

(١) التراتيب الادارية : ١/٢ - ٨.

٢٥

المسؤوليات فيها، تقدم النبي بالسن وأخذت آثار المرض وما عاناه تظهر عليه، وهنا - كما يُستخلص من الاخبار - أخذ بعض المسلمين يفكرون في مستقبل العقيدة وفي شؤون الحكم في الدولة ومع مرض النبي الاخير أصبحت هذه المسألة هاجساً جثم على صدور المسلمين، وأثيرت هذه القضية قبل موت النبي، ويبدو انه حاول وضع الحل لهذه المسألة ولكن مرضه وأموراً أخرى حالت بينه وبين ذلك(١) .

وبعدما توفي النبي تمّ استلام أبي بكر لمقاليد الحكم في الدولة الجديدة في ظروف سبق شرحها، وأصبح منصب الخلافة منذ ذلك الحين رسمياً وأساسياً في الحياة السياسية للامة الاسلامية، بينما لم تكن له في البداية أية هوية واضحة المعالم والاسس.

وحاول ابو بكر تحديد معالم منصبه الجديد منطلقاً من مفهوم «الخلافة» اللغوي، أي أن الخليفة نائب ملتزم بأوامر المنيب وأفعاله. وقد ظهر ذلك في قوله «انما أنا متبع ولست بمبتدع»، وظل أبو بكر يعرف طيلة حكمه بخليفة رسول الله، ذلك انه لم يحتج الى تبديل لقبه، لان

_____________________

(١) انظر صحيح البخاري : ٥/١٣٧ - ١٤١.

٢٦

مدة حكمه كانت قصيرة، لم يحدث فيها مشاكل جديدة تحتاج الى تشريع. وهكذا ظل ابو بكر يعتبر نفسه نائباً عن النبي منفذاً لكل ما جاء به، ويرى نفسه انه لا يملك اية صلاحيات تشريعية، كما انه لا يملك اجبار المسلمين على ركوب خطة لم يحدد معالمها النبي والقرآن الكريم.

ومات ابو بكر والحالة من حيث الجوهر كما هي، سوى ان رقعة الدولة قد اتسعت فشملت أراضي خارج شبه الجزيرة، كما انه تجمع في الاقاليم المفتوحة قوات عربية مسلحة لا ريب انها أخذت تتطلع نحو اسماع صوتها ورأيها في السلطة. وقبيل وفاته قام ابو بكر بتعيين عمر بن الخطاب لتولي شؤون الحكم من بعده. وقبل الناس بهذا التعيين، الامر الذي يدل على حدوث تغييرات في مفاهيم الناس السياسية.

واستلم عمر السلطة والدولة الناشئة تجتاز مرحلة حاسمة وتواجه مشاكل خطيرة تحتاج الى حلول، ومثل هذه الحلول تطلبت ممارسة الخليفة صلاحيات تشريعية، ذلك أن الكثير من المشاكل كان جديداً ليس له نظير بين مشاكل العصر النبوي، ومن الامثلة على ذلك قضيتا السواد ونصارى تغلب، حيث قضت الاحكام الاسلامية بتقسيم الغنائم التي يحصل عليها المسلمون وفقاً لقواعد

٢٧

حددها القرآن، كما قضى الاسلام بأن يدفع أهل الذمة من نصارى وسواهم من غير المسلمين الجزية دونما استثناء.

فبعد الاستيلاء على سواد العراق وفتح الجزيرة اقتضت الاحكام تقسيم أرض السواد، ودفع قبيلة تغلب العربية للجزية اسوة ببقية سكان الجزيرة النصارى، لكن هؤلاء رفضوا دفع الجزية. ولقد أدرك عمر ما يمكن أن يلحقه تقسيم السواد من مضار، فما كان منه الا ان ترك قسمته، ولجأ الى مضاعفة الصدقة على نصارى تغلب، بدفع ضريبة من نفس النوع الذي يدفعه المسلم انما الكمية مضاعفة(١) .

ان في اقدام عمر على مثل هذا العمل، يعني انه قد منح نفسه صلاحيات تشريعية الامر الذي لم يفعله ابو بكر، فهو بذلك لم يعد خليفة بمعنى النائب بل تصرف كتصرف أمير الجيش. وهكذا تخلى عمر عن لقب خليفة ليكتسب لقب «أمير المؤمنين»(٢) ، وفي هذا التعبير مؤشرات تدل على تبدل جوهري في المفاهيم السياسية للدولة الاسلامية، خاصة وأن العرب المسلمين اختلطوا بشعوب كانت خاضعة لفارس وبيزنطه قبل خضوعها للعرب فتركت بعض التأثير.

_____________________

(١) أبو يوسف : الخراج، ٢٨ - ٤٧.

(٢) الطبري : ٥/٢٢.

٢٨

ومع امتداد الايام واتساع رقعة الدولة وبروز مشاكل جديدة أصبح الناس أكثر قبولاً لاعطاء الخليفة صلاحيات أوسع في التشريع، ويبدو أن عمر كان متنبهاً لذلك، فأخذ يبحث عن قاعدة يُرتكز اليها في المستقبل، غير أن اغتياله المفاجئ جاء ليمنعه من اتمام هذا الامر. وبينما هو على فراش الموت يعاني من آلام جراحه، لم يشغله ذلك عن هاجس الحكم ومستقبل زمام السلطة في الدولة الاسلامية الناشئة. نظر عمر حوله، فرأى ستة من اصحاب النبي كل واحد منهم يمثل فرعاً بارزاً من أسرة الزعامة القرشية. وكان أبرز هؤلاء الستة، علي بن ابي طالب ممثل بني هاشم، اسرة النبي، آل البيت في الاسلام، وأبرز أسر الزعامة قبل الاسلام منجهة، ومن جهة ثانية عثمان بن عفان ممثل أسرة بني أمية، أسرة المال والزعامة الاولى قبل الاسلام، والتي تسلم العديد من أفرادها أخطر مناصب الولايات بعد فتح مكة وأيام الفتوح زمن أبي بكر وعمر نفسه. ويبدو أن هذا الاخير رأى في تعيين علي مقدمة لقيام حكم الاسرة المقدسة، ورأى في تعيين عثمان تمهيداً لتمكين بني أمية من التسلط الكلي على الدولة وتسييرها بعقلية الارستقراطية التجارية المؤثرة.

لهذا آثر عمر عدم تحمل مثل هذه المسؤولية فتكون آخر أعماله وأخطرها، فكان أن ترك هذا الامر للستة الباقين من أصحاب النبي، ليقوموا باختيار أحدهم خليفة.

٢٩

وتوفي عمر، واجتمع هؤلاء فوضحت منذ البداية معالم الصراع، حيث أعلن أربعة من المرشحين عزفهم عن ترشيح أنفسهم مع احتفاظهم بحق التصويت. وبذلك انحصرت المعركة بين علي وعثمان، وأوكلت الامور الى عبد الرحمن بن عوف لاختيار واحد منهما. وقام هذا الاخير باستطلاع آراء الناس، فكان أن واجه تيارين : أحدهما ملّ قسوة نظام عمر ورقابته المركزية الشديدة وعدم تساهله، ورأى في استلام علي للحكم استمراراً، لا بل تطويراً لنظام الخليفة السابق، وتطبيقاً أشد لقوانين الاسلام. ذلك ان علياً كان ابن الاسلام وربيب البيت النبوي وعارفاً بأمور الدين وعلومه أكثر من سواه، فقد شرب من ينابيعه الاولى منذ البداية وحتى نهاية حياة النبي بلا انقطاع أو توقف، كما رأى اتباع هذا التيار ان في استلام علي للسلطة انتصاراً دائماً للتيار الهاشمي الذي انتصر بنجاح النبي وطعن يوم السقيفة. ولقد كان اتباع هذا التيار أقل قوة من التيار الآخر، غير انه كان أكثر مرونة وأوسع دهاء وأقل مثالية وأبرع في اعداد الانقلابات وخلق المواقف المحرجة(١) .

_____________________

(١) جاء في تاريخ الطبري ان عبد الرحمن بن عوف بعث في صبيحة اليوم الثالث لوفاة عمر «الى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، والى اُمراء الاجناد فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال : ايها الناس، ان الناس قد احبوا ان يلحق اهل الامصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم، فقال سعيد بن زيد : انا نراك لها أهلاً، فقال : أشيروا علي بغير هذا. فقال عمار : ان أردت الا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الاسود : صدق عمار، ان بايعت علياً =

٣٠

لقد رفض علي القبول بشروط عبد الرحمن بن عوف

_____________________

= قلنا سمعنا واطعنا. قال ابن ابي سرح : ان أردت الا تختلف قريش فبايع عثمان : فقال عبيد الله بن ابي ربيعة : صدق أن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا. فشتم عمار ابن أبي سرح وقال : متى كنت تنصح المسلمين. فتكلم بنو هاشم وبنو امية فقال عمار : أيها الناس أن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيكم ! فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية، وما انت وتأمير قريش لانفسها. فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبد الرحمن افرغ قبل ان يفتتن الناس، فقال عبد الرحمن : اني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على انفسكم سبيلاً. ودعا علياً فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ؟ قال : أرجو أن أفعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال : نعم، فبايعه، فقال علي : حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك والله كل يوم هو في شأن. فقال عبد الرحمن : يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً فاني قد نظرت وشاورت الناس فاذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج علي وهو يقول : سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد : يا عبد الرحمن أما واللّه لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال : يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين. فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، أني لاعجب من قريش انهم تركوا رجلاً ما أقول أن أحداً أعلم ولا أقضى منه بالعدل. فقال عبد الرحمن : يا مقداد اتق الله فأني خائف عليك الفتنة، فقال علي : أن الناس ينظرون الى قريش وقريش تنظر الى بيتها فتقول : أن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم» - الطبري : ٥/٣٧ - ٣٨.

٣١

وأصر على أن يعمل بمبلغ علمه وطاقته، ذلك انه أتسم بالعلم والمعرفة الواسعة بالاسلام، والى هذه الناحية الاساسية أشار المقداد بن الاسود، واتسام علي بالعلم والمعرفة صار فيما بعد، أي بعد نشوء الحزب الشيعي وتطوره حجر أساس في العقيدة الشيعية.

وبعدما صار عثمان أميراً للمؤمنين تمهد السبيل امام بني أمية للسيطرة على مقاليد السلطة للأمة الجديدة والتحكم بها، على ان ذلك لم يحدث دون ردات فعل، ودونما ثمن باهظ كان على عثمان أن يدفعه بدمه. وجاءت خلافة علي،

٣٢

فكانت أشبه بفترة انتقال انتهت معها فترة الخلافة لتحل محلها على الصعيد الرسمي والعملي، حكم الاسرة الاموية الملكي، وعلى صعيد المعارضة الامامة.

ولن أحاول هنا التأريخ لما واجهه عثمان أيام حكمه او الاسهاب عن خلافة علي والمشاكل التي اعترضتها، فلذلك مكان آخر ومناسبة خاصة، وانما سأكتفي بالاشارة الى ان استلام علي للحكم واتخاذه من الكوفة عاصمة له، جعل حزبه الذي تكوّن مع الايام يمارس السلطة وينظم نفسه بعض الشيء. هذا وقد نظر هذا الحزب مع الذين آمنوا بأحقية علي بالخلافة الى هذا الاخير بعد استلامه الحكم، نفس نظرتهم السابقة : رجل له من المؤهلات ثم القرابة ما يجعله أجدر الناس وأحقهم بالقيادة، أي أن القرابة كانت مزية من المزايا، انما لم تكن بحال من الاحوال المنطلق والقاعدة الاساسية.

وبعد اغتيال علي، ووصول معاوية الى أن يكون «أمير المؤمنين» كما كان أبوه «سيد أهل الجاهلية» حرمت شيعة علي (حزبه) من الحكم، وغدا أفرادها رجال المعارضة الملاحقون من قبل السلطة. وقامت جماعة الشيعة بمبايعة الحسن بن علي خليفة بعده، لكن الحسن تنازل لمعاوية ثم ما لبث أن أغتيل، فتوجه الشيعة بأبصارهم نحو أخيه الحسين. وفي خلال هذا الوقت ثبت في أذهان الناس

٣٣

أن الخلافة حق لعلي وأولاده، فبعد فاجعة كربلاء لم ير بعض الشيعة غضاضة بالاعتراف بمحمد بن الحنفية كصاحب حق في الخلافة، وكان هذا شعار المختار وأتباعه. وبعد اخفاق ثورة هذا الاخير أجمع غالبية الشيعة على حصر الحق الخلافي في أولاد علي من زوجته فاطمة بنت النبي، ذلك أن تطوراً كبيراً قد ألم بالفكر الشيعي من كافة الجوانب، وغدت القرابة هي العمود الفقري لحق الحكم والقيادة، وهذا الحق ثابت بالنص والتعيين، ومحاط بخصائص ومزايا. فالنبي كان خاتم الانبياء وهو عند وفاته لم يورّث النبوة وانما ورّث قيادة الامة لعلي، وهذا ورّثها لأولاده من بعده. ومع وفاة النبي انقطع الوحي لكن النبي كان قد تدارك ذلك بأن أعطى علياً علماً خاصاً، وعلي - الذي وصف دائماً بالعلم - ورّث هذا العلم لابنه وهكذا.

وعلى هذا نجد انه بعد استيلاء معاوية على السلطة حدث تطور كبير في الخلافة وامرة المؤمنين، فقد أصبح رأس السلطة ملكاً أو أشبه بالملك، مع احتفاظه بلقب «أمير المؤمنين» دون سواه من أصحاب السلطة، وصار زعيم المعارضة اماماً. كذلك تطورت فكرة الامامة تطوراً كبيراً، فقد حدث انشقاق بين صفوف الحزب الشيعي، بحيث طورت كل جماعة فكرة الامامة تطويراً خاصاً وحددتها بما شاءت وبما اقتضت الاحوال.

٣٤

علي والخلافة

٣٥

بعد مصرع عثمان، الذي أخفق في تحمل مسؤوليات الحكم بعد خليفة قوي هو عمر بن الخطاب، شغر مركز الحكم مرة أخرى، وعادت الازمة من جديد تفجر صراعات وتثير تناقضات لا حد لها، وهي أزمة فاقت كثيراً في خطورتها وأبعادها الازمة الاولى التي انتهت في السقيفة. ذلك ان مقتل الخليفة في أعقاب ثورة دموية قام بها الجند العرب في الامصار، لم يكن حدثاً عادياً يمكن أن يمر دون أن يخلّف رواسب ستصبح متأصلة في جسم الدولة الناشئة، فتهدد وحدتها بين الحين والآخر، فهو حدث ترك تأثيره العميق على مجرى التاريخ الاسلامي كله، وجعل للسيف الكلمة الفاصلة في امور الحكم(١) . ولعل ما ينسب الى عثمان بعد اشتداد وطأة المحاصرين على داره يعبّر عن هذه الحقيقة حين قال : «فو الله لئن قتلوني لا

_____________________

(١) فلهوزن : تاريخ الدولة العربية، ٥٠.

٣٦

يتحابون بعدي أبداً ولا يصلون بعدي جميعاً، ولا يقاتلون بعدي عدواً»(١) .

واذا كان هدف الثوار الذين قادوا انقلابهم على عثمان تحرير الخلافة من طغيان العائلية والاحتكار لمغانم الحكم، فانهم قضوا بحركتهم دون قصد على آخر ما تبقى من نظام الشورى الذي تحول الى ملكية مطلقة في عهد معاوية(٢) .

ظلت عاصمة الخلافة تعيش في غليان لعدة أيام، بانتظار من يخلف عثمان في الخلافة.. ولم تكن المسألة بسيطة في ظروف حرجة كهذه لان مسؤوليات ضخمة ومهمات خطيرة كانت تنتظر الحاكم الجديد وكان لا بد ان يبت بها سريعاً قبل أن يحترق بنار الحكم. وعلى ذلك لم يكن مستغرباً أن يبتعد بعض كبار السياسيين عن المدينة بعدما أدركوا خطورة الوضع، تاركين معالجة الازمة لعلي المرشح الاوفر حظاً حينئذ للخلافة والذي كان قد بدأ يمارس بعض اعمالها قبل مقتل عثمان(٣) . وتردد عليّ نفسه في قبول هذا المنصب حين توجه اليه الثوار وعرضوه

_____________________

(١) ابن كثير : ٧/١٨٠.

(٢) بيضون - زكار : تاريخ العرب السياسي، ٧٦.

(٣) ابن كثير : ٧/١٧٧.

٣٧

عليه بعدما رأوا ميل الغالبية العظمى اليه. ولكن تردده زال أمام اصرار الثوار على بيعته وربما لشعوره بأن التهرب من الحكم في مثل هذه الظروف خيانة للامة، وللعقيدة، فقد كانت فترة حاسمة في تاريخ الاسلام، فترة في أشد الحاجة الى رجل قوي كعلي، ارتبط تاريخياً بالاسلام منذ ظهوره. وثمة شيء آخر هو ان علياً كان السياسي الذي يحظى بتأييد الغالبية في المدينة والزعيم الذي يمكن ان يتفق عليه بقية الزعماء.

اجتازت الازمة بعض خطورتها بتولية علي مهام الخلافة، ولكن الامور في عهد الخليفة الجديد سارت في اتجاه أكثر تعقيداً وأخذت الاحداث تتلاحق بصورة عجيبة. فقد كان هناك أكثر من عائق يعترض هذا الخليفة ويمنعه من القيام بمهماته لا سيما في مجال التغييرات التي كان لا بد من اجرائها لازالة رواسب الحكم السابق. فقد كان عليه أن يوجد حلاً لجميع المشاكل التي أثيرت في عهد عثمان وأدت الى مقتله.. وهذا معناه الاصطدام بعدد من كبار الصحابة ورجالات الاسلام الذين اصابوا حداً بعيداً من الثراء زمن الخليفة السابق، ومن الطبيعي أن تتعارض مصالحهم مع الخليفة الجديد المعروف عنه المثالية وشدة التصلب في الرأي.

٣٨

والحقيقة ان مهمة الخليفة الجديد كانت على جانب كبير من الخطورة، ذلك أنه لم يكن يحظى بتأييد كل القوى السياسية في الدولة يضاف الى ذلك ان بعض الذين بايعوه أخذوا يرفضّون عنه ويتطلعون كل بدوره الى الافادة من الظروف والوصول الى مكاسب معينة. ومن المدهش حقاً أن نرى اثنين من الصحابة الكبار هما الزبير وطلحة اللذين ما انفكا يكيدان ضد الخليفة السابق، أول من ينقلب على علي، ويصل الامر بهما الى اتهامه بالوقوف وراء مقتل عثمان.

بدأ علي أولى مهماته الكبيرة، بعزل ولاة الاقاليم وكانوا موضع السخط والتذمر ووضع مكانهم مجموعة جديدة تتمتع بثقة وتنسجم مع سياسته(١) . وقد نفّذ الجميع أوامره الخليفة باستثناء والي الشام معاوية الذي اتخذ من قضية الخليفة المقتول عثمان ذريعة لعدم الاعتراف بعلي، فافتتح بذلك صفحة جديدة دامية في تاريخ الحرب الاهلية التي شهدها حينئذ العالم الاسلامي.

وكان علي بدوره يدرك جيداً أبعاد المشكلة ويعرف ان القضاء على خصمه القوي المتمرس في المنطقة الشامية

_____________________

(١) اليعقوبي : ٢/١٥٥.

٣٩

ليس بالامر السهل. ولكن الشام لم تكن كل هموم الخليفة الجديد، فقد كان هناك أكثر من منتحل لقضية عثمان، تصدى لعلي وراح يزرع في دربه المتاعب. ففي الحجاز ناوءه الزبير وطلحة وكانا أصلاً من أصحاب الطموح للخلافة، وقد أيدا علياً أول الامر ثم ثاراً عليه بعد تعيين ولاة الاقاليم الجدد دون أن يكون لاي منهما نصيب(١) . وانضمت عائشة التي كانت تحقد على علي منذ أيام النبي الى فريق الساخطين بزعامة طلحة والزبير(٢) وكانت غير بعيدة عن مجرى الاحداث التي أودت بالخليفة السابق، ثم انسحبت الى مكة، بعد شعورها بأن علياً سيكون الخليفة، تعمل على تجميع القوى ضده، وتستغل في نفس الوقت لعبة التشكيك بموقف الخليفة الجديد من قتلة عثمان. واجتمع الساخطون الثلاثة في مكة، ثم غادروها الى العراق بعد أن أدركوا صعوبة مناجزة الخليفة في الحجاز ونجحوا في اقناع البصرة بالانضمام الى حركتهم. ولكن هذه الحركة لم تكلف الخليفة كبير عناء، فسرعان ما خرجت قواته من المدينة (٣٦ هجري / ٦٥٦م) وتمكنت من إخضاع الثائرين دونما صعوبة في معركة الجمل التي سميت

_____________________

(١) ابن قتيبة : الامامة والسياسة ١/٤٩.

(٢) Perier Vie Dal - Hadjajadj ibn yousof, P١٠

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قوله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح. فهذا لا يعرف له اسناد أصلا، صحيح ولا ضعيف، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، وان كان قد رواه من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا مما يزيده وهناً وضعفاً ».

وقد ذكرنا في مقدمة قسم حديث السفينة:

« فإذا لم يكن ( فضائل على لأحمد بن حنبل ) و ( المستدرك للحاكم ) و ( تهذيب الآثار لابن جرير الطبري ) و ( مسند أبي يعلى ) و ( مسند البزار ) و ( المعجم الصغير للطبراني ) و ( مشكاة المصابيح ) و ( المطالب العالية لابن حجر ) وأمثالها « من كتب الحديث التي يعتمد عليها » فأي كتاب عندهم يعتمدون عليه؟

وإذا كان ( الأعمش ) و ( أبو إسحاق السبيعي ) و ( مسلم ) و ( الشافعي ) و ( الطبراني ) و ( الدارقطني ) و ( أبو داود ) و ( أحمد ) و ( البزار ) و ( الطبري ) و ( الحاكم ) و ( أبو نعيم ) و ( الخطيب ) و ( ابن حجر ) وأمثالهم « من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات » فمن هو المحدث الذي يعتمدون عليه؟! »

ومنه ما صنعه في حديث: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » هذا الحديث المتواتر قطعاً، والمخرج في الصحيحين، والذي نص أكابر الأئمة على أنه من أصح الأحاديث وأثبتها فانه تعرض لجهة السند فيه في فصول عديدة ليرد على الآمدي ومن تبعه من المتعصبين القائلين بأنه غير صحيح

ومن الواضح أنه لو لم يتعرض الى هذه الناحية بالنسبة الى هذين الحديثين لم يعترض عليه، لعدم تعرض الدهلوي المردود عليه لها لكن « عبقات الأنوار » الذي ألف « في اثبات امامة الأئمة الاطهار » لا بد وأن يتعرض للرد على هذه الكلمة الكبيرة التي خرجت من أفواه هؤلاء وليثبت للملإ العلمي مدى تعصب القوم، وتجريهم على

٦١

الافتراء والكذب

ومن الاول: ما صنعه في حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » حيث أثبت الحديث سنداً، وذكر وجوه دلالته على الامامة، ورد على مناقشات خصمه الدهلوي ثم عاد ليرد في مجلد ضخم آخر كلمات كل من ناقش في الاستدلال بهذا الحديث، بالطعن في سنده أو دلالته وهم: العاصمي، والطيبي، وابن تيمية، ويوسف الأعور الواسطي، والسخاوي، والسمهودي، وابن روزبهان، وابن حجر المكي، والقاري، والبنباني، والشيخاني القادري، وعبد الحق الدهلوي، وولي الله الدهلوي، والاورنك آبادي، والقاضي پاني پتي.

وقد توفر هذا المجلد على بحوث جليلة ومطالب قيمة، لا تجدها في أي كتاب آخر، كما أنك لو اطلعت عليه لعرفت مدى جهالة هؤلاء القوم، وشدة تعصبهم للباطل.

(٤) - الكشف عن الجذور

ومن أساليبه في هذا الباب: أنهرحمه‌الله حيث يورد كلام الخصم يرجع الى أصله، ويكشف عن جذوره لما في ذلك من الفوائد العلمية، والآثار المهمة في كشف الحق. ومن ذلك:

أ - انتحال الدهلوي لبحوث الآخرين

فأول شيء يقصد السيد إبانته هو أن لا جديد عند الدهلوي، بل ان جميع ما جاء به مذكور في كتب السابقين عليه، بل حقق السيدرحمه‌الله وأثبت ان كتاب « التحفة الاثنا عشرية » منحول من كتاب « الصواقع لنصر الله الكابلي » مع زيادات من أقاويل والده وحسام الدين السهار نبورى صاحب « المرافض »، وأن كتاب « بستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوي » منحول من كتاب « كفاية المتطلع لتاج الدين الدهان » وهذه فائدة جليلة

٦٢

ب - نسب لا أصل لها

ويظهر من الرجوع الى الجذور والكشف عنها ما في كلمات القوم في المناقشة مع الامامية من النسب التي لا أصل لها ولا واقعية، فكثيراً ما ينبه في مطاوي البحوث على ما وقع منهم من هذا القبيل، وإليك نماذج من ذلك:

١ - قال جماعة في الجواب عن حديث الطائر: « أورده ابن الجوزي في الموضوعات ». وهذه النسبة كاذبة

٢ - ونسب الى الحافظ يحيى بن معين انه قال في حديث أنا مدينة العلم: « لا أصل له » وهذه النسبة باطلة جداً

٣ - ونسب الى الترمذي انه قال في حديث « أنا مدينة العلم » منكر غريب. وهذه النسبة لا اصل لها.

٤ - ونسبوا القدح في حديث أنا مدينة العلم الى شمس الدين ابن الجزري. وهي نسبة مكذوبة.

٥ - وعزا ابن تيمية حديثاً استدل به الى الصحيحين قائلا:

« ألا ترى الى ما ثبت في الصحيحين من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر، فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل. قال: سأخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا ابا بكر مثل ابراهيم إذ قال:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ومثل عيسى إذ قال:( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال:( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) ومثل موسى إذ قال:( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) ».

لكن لا وجود لهذا الحديث في الصحيحين.

٦ - وأنكر بعضهم رواية البيهقي لحديث الأشباه: « من أراد ان ينظر الى آدم في علمه والى فلينظر الى عليّ بن أبي طالب » رداً على العلامة الحلي الذي استدل برواية البيهقي إياه. فأجاب السيد عن هذا الإنكار

٦٣

بالتفصيل

٧ - وادعى الفخر الرازي عدم رواية ابن سحاق حديث الغدير، وان عدم روايته له دليل على ضعفه. وهذه الدعوى باطلة، فابن إسحاق غير معرض عن حديث الغدير، بل هو من رواته، وقد رواه عنه جماعة

٨ - ونسب الشيخ علي القاري وولي الله الدهلوي الحديث الموضوع: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » الى الصحيحين، وهذه النسبة باطلة مكذوبة، وقد نص الحاكم حيث أخرجه في مستدركه على أنهما « لم يخرجاه ».

ج - تحريفات وتصرفات

ومن فوائد هذا الأسلوب هو الوقوف على طرف من تصرفات القوم في الأحاديث، وفي نصوص عبارات العلماء وهذا باب واسع لو جمع لكان كتاباً برأسه ولا بأس بذكر موارد منه:

فمن تصرفات القوم في الأحاديث: ما كان في حديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه يختلف لفظه في كل موضع عن غيره، اختلافاً فاحشاً لا يكون الا عن عمد، ولا غراض معينة لا تخفى على أحد وإليك الحديث:

في كتاب الجهاد باب حكم الفيء، عن مالك بن أوس، أن عمر قال مخاطباً لعلي والعباس:

« فلما توفي رسول الله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته عن أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم انه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر وكنت أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم اني لصادق بار راشد تابع للحق ».

هذا هو الحديث.

٦٤

وأخرجه في باب فرض الخمس: « فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله يعلم انه فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من امارتى، اعمل فيها بما عمله رسول الله وبما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ».

حذف منه الفقرتين: « فرأيتماه » و « فرأيتماني ».

وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير: « فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال - وأنتم حينئذ. فأقبل على عليّ وعباس وقال - تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر، فقبضته سنتين من أمارتى اعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر، والله يعلم انى فيه صادق بار راشد تابع للحق ».

فحذف فقرة « فرأيتماه » وجعل مكانها « تذكران أن ابا بكر فيه كما تقولان »، وحذف الفقرة الثانية.

وأخرجه في كتاب النفقات باب حبس نفقة الرجل قوت سنته:

« فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتما حينئذ - وأقبل على عليّ وعباس - تزعمان أن ابا بكر كذا وكذا، والله يعلم انه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ».

فحذف الفقرة الاولى، وجعل مكانها: « تزعمان ان ابا بكر كذا وكذا »، وحذف الفقرة الثانية.

وأخرجه في كتاب الفرائض باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ما تركناه صدقة: « فتوفى الله نبيه فقال ابو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم توفى الله ابا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل

٦٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر ».

فحذف الفقرتين.

وفي كتاب الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع:

« ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله. وأنتما حينئذ - واقبل على عليّ وعباس فقال - تزعمان ان ابا بكر فيها كذا، والله يعلم انه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله ابا بكر فقلت: أنا ولي رسول الله وابى بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر ».

فحذف الفقرة الاولى ووضع مكانها: « تزعمان ان ابا بكر فيها كذا » وحذف الفقرة الثانية.

فممن هذا التلاعب؟ أمن البخاري؟ أم من الرواة؟

وستطلع في باب « بحوث وتحقيقات » حيث نذكر « أحاديث موضوعة » على أمثلة من تصرفاتهم وتحريفاتهم في خصوص أحاديث مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ومن تصرفات القوم التي تنكشف عن طريق التحقيق في العبارات الصادرة عنهم: قول الدهلوي في حديث: « خلقت أنا وعليّ من نور واحد » ما نصه: « وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة، وفي اسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدارقطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه، ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضياً غالياً وضاعاً، وكان أكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم »

هذا كلام ( الدهلوي ) وقد أخذ هذا - على عادته - من ( نصر الله الكابلي ) الأخذ أكثر ما ذكره من ( ابن روزبهان ). وهذه عبارة ابن روزبهان في الجواب عن الاستدلال بالحديث المذكور:

« ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات وقال:

٦٦

هذا الحديث موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتهم به في الطريق الاول محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذاب. وقال الدارقطنيّ متروك. وفي الطريق الثاني المتهم به جعفر بن أحمد، وكان رافضياً كذاباً يضع الحديث في سب اصحاب رسول الله ».

فهذه عبارة ابن روزبهان.

وقال الكابلي: « وهو باطل لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر، وفي اسناده محمد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين هو كذاب. وقال الدارقطنيّ متروك ولم يختلف أحد في كذبه. ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد وكان رافضياً غالياً كذاباً وضاعاً، وكان اكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم ».

فزاد الكابلي « لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر ».

وعبارة ( ابن الجوزي ) في ( كتاب الموضوعات ) واردة في حديث آخر غير حديث النور الذي يتمسك به الامامية - ومن هنا قال ابن روزبهان « بمعناه » - وفيها فوارق كثيرة مع عبارات القوم، وإليك نص عبارته بعينها ليتضح واقع الأمر وتنكشف تصرفاتهم فيها:

« الحديث الاول فيما خلق منه عليّ بن أبي طالب

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق قال: ثنا محمد بن اسماعيل الوراق قال: ثنا ابراهيم بن الحسين بن داود القطان قال: ثنا محمد بن خلف المروزي ثنا موسى بن ابراهيم، ثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعليّ بن أبي طالب من طينة واحدة.

هذا حديث موضوع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتهم به: المروزي، قال يحيى بن معين: هو كذاب. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: كان مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

٦٧

وقد روى جعفر بن احمد بن بيان عن محمد بن عمر الطائي عن أبيه عن سفيان عن داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن نمير الحضرمي عن أبي ذر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعليّ من نور واحد. وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم اشتق أسماءنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمد، والله الاعلى وعليّ عليّ.

قال المصنف: هذا وضعه جعفر بن احمد وكان رافضياً يضع الحديث.

قال ابن عدي: كان يتيقن انه يضع ».

فعلم من هذا التحقيق:

١ - ان دعوى وقوع « محمد بن خلف المروزي » في طريق حديث النور كاذبة.

٢ - لقد رمى ابن الجوزي « جعفر بن أحمد » بوضع الحديث، وابن روزبهان أضاف « في سب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٣ - ابن ابن روزبهان أضاف كلمة « كذاباً ».

٤ - ان الكابلي أضاف الى ما تقدم « غالياً وضاعاً ».

٥ - ان الكابلي أضاف كلمة « وكان اكثر ما يضع في قدح الاصحاب وسبهم ».

٦ - ان الكابلي أضاف الى ذلك كله أيضاً كلمة: « ولم يختلف أحد في كذبه ».

فهذه زيادات أربع من الكابلي، واثنتان من ابن روزبهان شاركه فيهما الكابلي وليس لها وجود في كلام ابن الجوزي.

٧ - وابن روزبهان نقل عن ابن الجوزي الاتهام بأن « محمد بن خلف » كان وضاعاً للحديث، لكن الكابلي لم يذكر ابن الجوزي لئلا يتعقب عليه.

٨ - والكابلي نسب الاتهام بالوضع الى « اجماع أهل الخبر » بدل أن

٦٨

ينسبه الى ابن الجوزي.

٩ - والدهلوي ذكر « اجماع اهل السنة » بدل « اجماع أهل الخبر ».

و روى الترمذي حديث: « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » وقال: « حسن غريب ». هكذا نقل عنه المحب الطبري في ( الرياض النضرة ) - فأسقط بعضهم كلمة « حسن » وترك كلمة « غريب » على حالها كما في ( المشكاة ) و ( تاريخ ابن كثير ) و ( فيض القدير ).

وأبدل بعضهم لفظة « غريب » - بعد إسقاط لفظة « حسن » - بلفظة « منكر » كما في ( تهذيب الأسماء واللغات ) و ( المقاصد الحسنة ).

وجمع بعضهم - بعد حذف « حسن » - بين لفظتي « غريب » و « منكر » كما في ( قرة العينين ).

وقال الترمذي بعد حديث: « أنا دار الحكمة وعليّ بابها »: « لا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك » فحرفه بعضهم وجعل كلمة « عن » في مكان كلمة « غير » أنظر ( المرقاة في شرح المشكاة ).

ومن تحريفاتهم اسقاطهم حديث « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » من ( صحيح الترمذي ) ومن ( مصابيح السنة للبغوي ).

أما ( صحيح الترمذي ) فقد روى عنه الحديث المذكور جماعة منهم:

١ - ابن الأثير في ( جامع الأصول ).

٢ - محمد بن طلحة الشافعي في ( مطالب السؤل ).

٣ - السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ).

٤ - ابن حجر المكي في ( الصواعق المحرقة ).

٥ - الزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنية ).

وأما ( المصابيح ) فقد نقل عنه الحديث المذكور جماعة منهم:

١ - المحب الطبري في ( الرياض النضرة ) و ( ذخائر العقبى ).

٢ - القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ).

٦٩

٣ - أحمد بن الفضل المكي في ( وسيلة المآل ).

و أخرج الترمذي حديث: « ان عليّا مني وأنا من عليّ وانه ولي كل مؤمن من بعدي ».

فاسقط البغوي منه كلمة « بعدي » وعزاه الى الترمذي، وقد تبع البغوي على ذلك جماعة منهم السهارنفوري صاحب المرافض، المولوي حسن علي المحدث تلميذ المولوي عبد العزيز الدهلوي.

بل زعم محمد بن معتمد خان البدخشي في رسالة له أسماها بـ ( رد البدعة ) أن كلمة « بعدي » في هذا الحديث موضوعة.

والشاه ولي الله الدهلوي روى الحديث عن الترمذي في موضع من ( إزالة الخفاء ) باللفظ الكامل. لكنه حرفه عند ما تصدى للجواب عنه، فوضع كلمة « أنا » في مكان « انه » وحذف كلمة « بعدي » كما فعل البغوي ومن تبعه.

(٥) - التنبيه على موارد مخالفة الالتزامات:

وينبه السيدرحمه‌الله في كثير من الموارد على مخالفة الدهلوي لقواعد البحث، ولما التزم به في كتابه ( التحفة )

لقد كان من جملة ما التزم به الدهلوي في كتابه:

١ - لا يصلح الاحتجاج الا بأحاديث الصحاح ذكر الدهلوي في كتابه: « ان القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي ان كل حديث ورد في كتاب لم يلتزم صاحبه فيه بالصحة - كما فعل البخاري ومسلم وسائر أرباب الصحاح في كتبهم - فانه غير صالح للاحتجاج ».

٢ - ما لا سند له لا يصغى اليه وقال في الجواب عما طعن به ابو بكر من تخلفه عن جيش أسامة - و قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة -: « ان

٧٠

الحديث المعتبر لدى أهل السنة هو ما اخرج في كتب المحدثين المسندة مع الحكم عليه بالصحة، وأما الحديث العاري عن السند فلا يصغون اليه أبداً ».

٣ - الاحتجاج على الشيعة بأخبارهم

والتزم الدهلوي في تحفته بالنقل عن كتب الشيعة والاحتجاج بأخبارهم في كتبهم المعتبرة. قال: « لان أخبار كل فرقة لا تكون حجة على الفرقة الأخرى ».

٤ - عدم جواز الاحتجاج بأحاديث أهل السنة على الشيعة

والدهلوي يتبع شيخه ووالده ( ولي الله الدهلوي ) في جميع بحوثه ويعتقد به الاعتقاد الراسخ لكنه يخالف ما نص عليه والده في أحد كتبه قائلا: « لا تصح المناظرة مع الامامية والزيدية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها ».

٥ - أخبار أهل السنة مقدوحة عند الشيعة

وكيف يجوز احتجاج أهل السنة بأحاديثهم على الشيعة مع أن الشيعة تقدح في أحاديث أهل السنة ولا تعتقد بها؟ ومن هنا قال محمد رشيد الدهلوي تلميذ صاحب التحفة: « بأن كل فرقة تذعن بالأخبار المروية عن طرقها وتقدح في الاخبار المروية من طرق الفرقة المخالفة لها ».

اذن لا يجوز الاحتجاج على الشيعة بما يرويه أهل السنة، وان كان حديثاً مسنداً صحيحاً عندهم.

فهذه أمور التزم بها بالخصوص الدهلوي وشيخه وتلميذه في بحوثهم، ولكنا وجدناهم لا يوفون بما عاهدوا عليه، كما لم يلتزموا بالأصول العامة للبحث والمناظرة

والسيدرحمه‌الله ينبه على مخالفة الدهلوي لهذه الالتزامات في مختلف البحوث لئلا يغتر القارئون لكتابه ولا ينخدع العوام.

٧١

(٦) - رد بعضهم ببعض

وطالما يرد السيدرحمه‌الله كلام الدهلوي بكلامه هو في موضع آخر من كتابه، أو بكلام والده وبالعكس، وهكذا الأمر بالنسبة الى كلام غيرهما من علماء أهل السنة

ففي ( حديث التشبيه ): « من أراد أن ينظر » يرد على انكار الدهلوي دلالته على المساواة بكلمات للدهلوي نفسه قالها في الجواب عن حديث المنزلة: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وبما قاله في الجواب عن حديث السفينة: « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح »

وفي ( حديث الغدير ) ذكر الدهلوي بأن الاستدلال بهذا الحديث يتوقف على كون « المولى » فيه بمعنى « الاولى » فزعم أن اللغويين ينكرون مجيء اللفظ المذكور بهذا المعنى. ثم نقض بأنه لو كان « المولى » بمعنى « الاولى » لجاز أن يقال « مولى منك » كما يقال: « أولى منك ».

فأجاب السيد عن الإنكار المذكور وعن النقض بوجوه عديدة، منها - ما ذكره الدهلوي نفسه في جواب: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » حيث قال بأن الولاية هذه بمعنى المحبة.

قال السيد فإذن « الاولى » في تلك الفقرة بمعنى « الأحب » مع أنه. لا يقال: « أولى اليه » كما يقال: « أحب اليه ».

ثم ان السيد ذكر أن هذا النقض مأخوذ من كلام الفخر الرازي في كتابه ( نهاية العقول )، فأورد نص كلام الرازي، وشرع في الجواب عنه بوجوه كثيرة منها كلام الرازي نفسه في كتابه ( المحصول ) حيث أذعن فيه بأن الترادف لا يلازم جواز استعمال أحد المترادفين في مقام الآخر.

وأجاب السيد عن دعوى ابن حجر المكي عدم مجيء « المولى » بمعنى « الاولى » بما ذكره هو من أن أبا بكر وعمر فهما من « المولى » في حديث الغدير معنى « الاولى بالاتباع » وأضاف بأن هذا هو الواقع وناهيك بهما في فهم الحديث!!

٧٢

وذكر السيد في ( حديث التشبيه ) انكار ولي الله الدهلوي - تبعاً لابن تيمية - انتهاء سلاسل الصوفية الى الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن وجوه الرد عليه كلام ولده الدهلوي الصريح في تلك الحقيقة وقد أورد نصه في مبحث ( حديث السفينة ).

واعترف الدهلوي بدلالة حديث المنزلة: « أنت مني بمنزلة » على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام - وتبعه على ذلك تلميذه محمد رشيد الدهلوي - وذكر الدهلوي ان من أنكر ذلك فهو ناصبي. وهنا تعرض السيد الى نفي والده شاه ولي الله الدهلوي تبعا لجماعة من أعلام السنة كالتوربشتي، وأبي الشكور السالمي الحنفي، وعلي القاري، وشمس الدين الخلخالي، والنووي، والكرماني وابن حجر العسقلاني، والقسطلاني، ومحب الدين الطبري وغيرهم - دلالة هذا الحديث الشريف على الامامة والخلافة

وأما رد كلام بعضهم بكلام البعض الآخر فكثير جداً

فقد رأيت كيف يبطل قدح ابن الجوزي لحديث الثقلين بكلمات مشاهير علماء أهل السنة

و في حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » يرد على ذكر ابن الجوزي إياه في ( الموضوعات ) بوجوه، منها: رد أعلام الحفاظ ومشاهير العلماء عليه:

١ - كصلاح الدين العلائي.

٢ - وبدر الدين الزركشي.

٣ - وابن حجر العسقلاني.

٤ - وشمس الدين السخاوي.

٥ - وجلال الدين السيوطي.

٦ - ونور الدين السمهودي.

٧ - وابن عراق الكناني.

٨ - وابن حجر المكي.

٧٣

٩ - ومجد الدين الفيروزآبادي.

١٠ - وعلي المتقي الهندي.

١١ - وعلي القاري.

١٢ - وعبد الرءوف المناوي.

١٣ - وعبد الحق الدهلوي.

١٤ - والزرقاني المالكي.

١٥ - وقاضي القضاة الشوكاني.

واستدل الدهلوي في الجواب عن ( حديث الثقلين ) بما نسب بعضهم الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ».

فرد عليه السيد بنصوص كبار الأئمة والحفاظ على بطلان هذا الحديث:

١ - كجمال الدين المزي.

٢ - وشمس الدين الذهبي.

٣ - وابن قيم الجوزية.

٤ - وتاج الدين السبكي.

٥ - وابن كثير الدمشقي.

٦ - وسراج الدين ابن الملقن.

٧ - وابن حجر العسقلاني.

٨ - وابن أمير الحاج الحنفي.

٩ - وأمير بادشاه البخاري.

١٠ - وشمس الدين السخاوي.

١١ - وجلال الدين السيوطي.

١٢ - وعلي القاري.

١٣ - ومحب الله البهاري.

٧٤

١٤ - وقاضي القضاة الشوكاني.

واستدل بحديث: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » في مقابلة ( حديث الثقلين ). فأجاب عنه السيد بقدح كبار الأئمة والعلماء لهذا الحديث وتصريحهم بوضعه:

١ - كأبي حاتم الرازي.

٢ - وأبي عيسى الترمذي.

٣ - وأبي بكر البزار.

٤ - وأبي جعفر العقيلي.

٥ - وأبي بكر النقاش.

٦ - وأبي الحسن الدارقطني.

٧ - وابن حزم الاندلسي.

٨ - والعبري الفرغاني.

٩ - وشمس الدين الذهبي.

١٠ - وابن حجر العسقلاني.

واستدل بعضهم في مقابلة حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بحديث طويل في فضل جماعة من الاصحاب، أوله: « أرحم أمتي بأمتى أبو بكر ».

وقد بحث عنه السيد سنداً ودلالة بالتفصيل، فذكر بالتالى كلمات بعض الاعلام من أهل السنة في قدح هذا الحديث، بين مضعف له وبين قائل بأنه موضوع:

١ - كابن تيمية الحراني.

٢ - وابن عبد الهادي.

٣ - وعبد الرءوف المناوي.

٧٥

(٧) - النظر في أسانيد الأحاديث

قد ذكرنا سابقاً أنه يشترط في جواز الاستدلال بالخبر اعتبار سنده أولا وتمامية دلالته على المدعى ثانياً وعلى هذا الأساس فان النظر في أسانيد الأحاديث التي يستدل بها الخصم يشكل جانباً مهماً من ردود السيد المؤلف ومناقشاته للادلة والخطوط الرئيسية لاسلوبه في النظر في الأسانيد هي:

١ - نقل الحديث بسنده - أو بطرقه ان كان له طرق متعددة - عن المصادر الاولية.

٢ - النظر في حال من عليه مدار هذا الحديث في مختلف طرقه وأسانيده.

٣ - النظر في حال من وقع في كلا الطريقين أو جميع الطرق.

٤ - النظر في حال سائر رجاله على ضوء كلمات أئمة الجرح والتعديل من أهل السنة.

٥ - التنبيه على ما في السند من خلل كالارسال ونحوه.

ثم انه ان وجد الحديث مروياً عندهم بلفظ آخر مشابه للفظ المستدل به أتى به وأبطله بالنظر في سنده وان لم يكن الخصم مستدلا به

ولا يخفى على ذوي الفضل ما تنطوي عليه هذه البحوث من فوائد جليلة من علوم الحديث والرجال والتاريخ والدراية ولنذكر نموذجاً واحداً لهذا الأسلوب:

لقد عارض العاصمي حديث: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » بما رووه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: « أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة ».

فبحث السيد عن هذا الحديث بصورة تفصيلية جداً، فذكر أنه منسوب الى عدة من الاصحاب فأورد نصوص الحديث عنهم واحداً

٧٦

واحداً وتكلم عليها ونحن نكتفي هنا بما ذكره حول حديث انس بن مالك.

فقد أورد حديثه عن الترمذي وابن ماجة قائلا: قال الترمذي: « مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم. حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود العطار عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة الا من هذا الوجه.

وقد رواه ابو قلابة عن أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوه: حدثنا محمد ابن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن انس بن مالك قال قال رسول الله »

و قال ابن ماجة: « حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أرحم أمتي بأمتى أبو بكر

حدثنا على بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، مثله ».

ثم قال:

أولا: مدار الطرق الأربعة على « أنس » وعداؤه لأمير المؤمنينعليه‌السلام معلوم.

وثانياً: مدار الطريق الثاني للترمذي وكلا طريقي ابن ماجة على « أبي قلابة » وهو مجروح جداً.

وثالثاً: في الطريق الثاني عند الترمذي وفي كلا الطريقين عند ابن ماجة « خالد الحذاء ». وقد جرحه شعبة، وابن علية، وحماد بن زيد، وسليمان التيمي، وأبو حاتم، وابو جعفر العقيلي

ورابعاً: في الطريق الثاني للترمذي والاول لابن ماجة « عبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي ». فذكر كلمات القوم في قدحه.

٧٧

وخامساً: في الطريق الثاني للترمذي « محمد بن بشار » وهو مقدوح.

وسادساً: في أول طريقي ابن ماجة: « محمد بن المثنى العنزي » قال يحيى بن معين: « كذاب » وقال أبو حاتم: « ذاهب الحديث ».

وسابعاً: في ثاني طريقي ابن ماجة « سفيان الثوري » وهو مقدوح ومجروح.

وثامناً: في ثاني طريقي ابن ماجة « وكيع بن الجراح » وقد جرحه أحمد وغيره.

وتاسعاً: في أول طريقي الترمذي: « قتادة » وله قوادح ومثالب عظيمة

وعاشراً: في أول طريقي الترمذي: « داود بن عبد الرحمن العطار » قال يحيى بن معين: « ضعيف الحديث » وقال الازدي: « يتكلمون فيه ».

والحادي عشر: في أول طريقي الترمذي: « سفيان بن وكيع » قال البخاري: « يتكلمون فيه » وقال أبو زرعة: « يتهم بالكذب » وقال ابو حاتم « لين » وامتنع أبو داود من التحديث عنه، وقال الذهبي « ضعيف ».

والثاني عشر: هذا الحديث مرسل. قال ابن حجر الحافظ في فتح الباري بشرح حديث: « وان لكل أمة أميناً »: « تنبيه - أورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الاسناد مطولا. وأوله: ارحم أمتى واسناده صحيح، الا أن الحفاظ قالوا: ان الصواب في أوله الإرسال، والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. والله اعلم ».

وقال بشرح قول عمر: « أقرؤنا أبي »: « كذا أخرجه موقوفاً، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعاً في ذكر أبي.

وفيه ذكر جماعة. وأوله: أرحم أمتي وصححه. لكن قال غيره: ان الصواب إرساله ».

وهكذا قال غيره من العلماء ذكرهم السيد.

٧٨

ثم أورد السيدرحمه‌الله نصوص عدة من علماء الحديث والدراية كابن الصلاح والنووي والسيوطي على أن « المرسل حديث ضعيف لا يحتج به عند جماهير المحدثين ».

ثم انه نبه على رواية العاصمي الحديث عن أبي قلابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسا.

وعلى أن بعضهم رواه - كما في المصابيح والمشكاة وفتح الباري - عن قتادة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأساً.

وهذان مرسلا بلا كلام.

(٨) - النظر في شأن صدورها

من أساليبه: النظر في متون الأحاديث من حيث ظروف صدورها ولا يخفى على أهل الفضل ما في ذلك من الأثر البالغ في كشف الحقائق والوصول الى الواقع ونحن نكتفي بمثالين من هذا القبيل

لقد عارض الدهلوي حديث: « اني تارك فيكم الثقلين » بما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل عبد الله بن مسعود: « رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد ».

فمن نظر في هذا الحديث رآه مفيداً لرضي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما رضي به ابن مسعود على الإطلاق وبذلك ربما يمكن مقابلة حديث الثقلين به ولكن السيدرحمه‌الله رجع الى متن الحديث فوجده مقروناً بما يخرجه عن الإطلاق ويسقطه عن الصلاحية للمعارضة المذكورة.

فالحديث في مستدرك الحاكم بإسناده عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن مسعود: « اقرأ. قال: اقرأ وعليك أنزل؟ قال: اني أحب أن أسمع من غيرى. قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: ( فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) فاستعبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكف عبد الله. فقال له رسول الله

٧٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تكلم، فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله، وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهد شهادة الحق وقال:

رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد ».

ومن وجوه الجواب عن حديث أبي بردة: « صلينا المغرب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: أحسنتم - أو: أصبتم - قال: فرفع رأسه الى السماء - وكان كثيراً ما يرفع رأسه الى السماء - فقال:

النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم اتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لاصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي امنة لامتى فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ».

ان هذا الحديث محرف، ففي المستدرك: « انه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة - أو: ساعة - والناس ينتظرون في المسجد. فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة. فقال: انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: اما انها صلاة لم يصلها احد ممن قبلكم من الأمم. ثم رفع رأسه الى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فإذا طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لاصحابي فإذا قبضت اتى أصحابي ما يوعدون، واهل بيتي أمان لامتي فإذا ذهب اهل بيتي اتى أمتي ما يوعدون ».

(٩) - النظر في متونها

ومنها: النظر في متون الأحاديث التي يروونها في فضل الاصحاب ويعارضون بها فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام من حيث التأمل في

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507