نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 298609 / تحميل: 6687
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢ - الذهبي : « قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لاحد من الحفاظ كتواضعه لابي علي النيسابوري. قال الحاكم: وسمعت أبا علي يقول: اجتمعت ببغداد مع أبى أحمد العسال، وأبى إسحاق ابن حمزة، وأبى طالب بن نصر، وأبي بكر الجعابي، فقالوا: أمل من حديث نيسابور مجلساً، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثاً ما أجاب واحد منهم في حديث منها سوى أبي حمزة في حديث واحد.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي على النيسابوري، فقال: امام مهذب.

أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن على، أنا أبى، أنا أخى أبو الحسن سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت غانم بن أحمد، سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني، سمعت ابن مندة يقول: سمعت أبا على النيسابوري - ما رأيت أحفظ منه - قال: وما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم.

قال عبد الرحمن بن مندة، سمعت أبي يقول: وما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي على النيسابوري.

قال القاضي أبو بكر الابهري: سمعت أبا بكر بن داود يقول لابي علي النيسابوري: من ابراهيم عن ابراهيم عن ابراهيم؟ فقال: ابراهيم بن طهمان عن ابراهيم بن عامر البجلي عن ابراهيم النخعي. قال: أحسنت يا أبا على.

قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل الجعابي حيرني حفظه. قال: فحكيت هذا لابي بكر فقال: يقول هذا أبو على وهو استاذي على الحقيقة.

قال الحاكم توفّي في جمادى الاولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. »(١) .

٣ - السبكى كما تقدم(٢) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٠٢.

(٢). طبقات الشافعية ٣ / ٢٧٦.

٢١

فهذا ابو علي النيسابوري الذي قدم صحيح مسلم على غيره من الصحاح والكتب.

وقال الدهلوي في كتابه ( التحفة ) في جواب الطعن في عمر لتحريمه المتعتين: « والجواب عن هذا الطعن هو أن أصح الكتب عند أهل السنة هو ( صحيح ) مسلم وقد ورد فيه برواية سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وجاء في غيره من الصحاح برواية ابى هريرة: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بنفسه قد حرم المتعة بعد الرخصة بها ثلاثة أيام، ثم أبد التحريم الى يوم القيامة في حرب الاوطاس ».

فالدهلوي أيضاً ممن يرى بأن ( صحيح ) مسلم أصح الكتب، بل زاد أنه الأصح عند أهل السنة عامة.

فزعم ابن الجوزي باطل عند أهل السنة عامة، وعند الحافظ أبي علي النيسابوري و ( الدهلوي ) خاصة.

٤ - مدح العلماء لصحيح مسلم

قال النووي في ترجمة مسلم: « وصنف مسلم في علم الحديث كتباً كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذي من الله الكريم - وله الحمد والنعمة والفضل والمنة - به على المسلمين، وأبقى لمسلم به ذكراً جميلا وثناءاً حسناً الى يوم القيامة، مع ما أعد له من الأجر الجزيل في دار القرار، وعم نفعه للمسلمين قاطبة »(١) .

وبمثله قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ).

وقال الذهبي بترجمة مسلم عند ذكر صحيحه: « وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ أعجبوا به ولم يسمعوه لنزوله، وتعمدوا الى

__________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٩١.

٢٢

احاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك، حتى أتوا على الجميع هكذا، وسموه ( المستخرج على صحيح مسلم )، فعل ذلك عدة من فرسان الحديث منهم:

أبو بكر محمد بن محمد بن رجا، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني - وزاد في كتابه متوناً معروفة بعضها لين - والزاهد ابو جعفر احمد بن حمدان الحيري، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو حامد احمد بن محمد الشاذلى الهروي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقى، والامام أبو الحسن الماسرخسى، وأبو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد الاصبهاني، وآخرون لا يحضرني ذكرهم الآن »(١) .

هذا، ولو كان كلام ابن الجوزي حقاً لما جاز وصف مسلم وكتابه الصحيح بهذه الأوصاف البالغة النهاية في التعظيم والتكريم، وذلك لروايته حديث الثقلين غير الصحيح - في زعم ابن الجوزي - في كتابه المعروف بالصحيح.

٥ - تقديم بعضهم مسلماً على المشايخ

نقل النووي والشيخ عبد الحق الدهلوي عن احمد بن سلمة قوله: « رأيت أبازرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما »(٢) .

وقال النووي بترجمته ايضاً: « واعلم أن مسلماًرحمه‌الله احد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان والرحالين في طلبه الى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع الى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان ».

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

(٢). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩١. أسماء رجال المشكاة.

٢٣

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) في ذكر مسلم: « كان احد أعلام هذا الشأن وكبار المبرزين فيه والرحالين في طلبه، والمجمع على تقدمه فيه أهل عصره، كما شهد له بذلك اماما وقتهما وحافظا عصرهما ابو زرعة وأبو حاتم ».

واذا حكم هكذا امام في الحديث مجمع على تقدمه وتورعه بصحة حديث الثقلين، وخرّجه في صحيحه المقبول لدى الجميع، فهل يبقى للشك في صحة هذا الحديث مجال؟ أم هل تبقى قيمة لانكار ابن الجوزي صحته؟ كلا ثم كلا.

٦ - ورع مسلم واحتياطه في صحيحه

قال النووي: « سلك مسلم في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والاتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علمه [ علومه ] وشدة تحقيقه بحفظه وتقدمه في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه [ التي لا يهتدى إليها الا أفراد في الاعصار ]، فرحمه الله ورضى الله عنه »(١) .

وقال بترجمته: « ومن أكبر الدلائل على جلالته و ورعه وحذقه وتقدمه في علوم الحديث واضطلاعه منها، وتفننه فيها وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف، بين متن واسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة لسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه، وقد ذكرت في مقدمة شرحي لصحيح مسلم جملا من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة واضحة، ثم نبهت على تلك الدقائق والمحاسن في أثناء الشرح في مواطنها، وعلى الجملة لا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصحة الاسناد، وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها، للدلائل المتظافرة

__________________

(١). المنهاج في شرح مسلم ١ / ٣٠ - ٣١.

٢٤

عليها »(١) .

وقال فيه أيضاً: « ومن حقق نظره في ( صحيح ) مسلمرحمه‌الله واطلع على ما أودعه في أسانيد وترتيبه، وحسن سياقته وبديع طريقه من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الروايات، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات، واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه بل يدانيه من أهل عصره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم »(٢) .

كل هذه الكلمات تفيد كمال ورع مسلم ونهاية احتياطه في الرواية، ومن ثم عرض مسلم كتابه على أبى زرعة الرازي، ثم أسقط الأحاديث التي أشار عليها كما ستقف عليه ان شاء الله.

فكيف يجوّز أحد من اهل السنة وهن حديث الثقلين - فضلا عن وضعه - وقد رواه هذا الرجل العظيم في كتابه العظيم؟

٧ - الحديث في صحيح الترمذي

لقد روى هذا الحديث الشريف الترمذي في ( صحيحه ) وهو أحد الصحاح الستة، رواه بطرق عديدة عن جابر، وزيد بن أرقم، وأبي ذر، وأبي سعيد، وحذيفة.

ولجامع الترمذي هذا مكانة مرفوعة ومرتبة جليلة، حتى قال جامعه الترمذي في شأنه: « من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم » نقل عنه هذه الكلمة جماعة كابن الأثير، والذهبي، و ولي الدين الخطيب،

__________________

(١). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩٠.

(٢). تهذيب الاسماء ٢ / ٩١.

٢٥

والشيخ عبد الحق الدهلوي، والثعالبي، والكاتب الجلبي، و ( الدهلوي ) نفسه.(١)

فكيف يقال في حديث الثقلين المروي في هكذا كتاب - بطرق عديدة - انه غير صحيح؟!

٨ - رضى علماء الأقطار بصحيح الترمذي

قال الترمذي في حق ( جامعه الصحيح ) على ما نقل عنه ابن الأثير في « صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم »(٢) .

وقد نقل قوله هذا أيضاً الذهبي(٣) و ولي الدين الخطيب في ( رجال المشكاة ) وعبد الحق الدهلوي في ( اسماء رجال المشكاة ) والثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) وغيرهم.

فالتفوه بالقدح في شيء منه مخالفة لهؤلاء الأعيان.

ولقد ظهر من كلام الطيبي المنقول آنفاً، أنه قد اتفق أهل الشرق والغرب على صحة ما في ( الصحاح الستة )، فاذاً ثبت أن حديث الثقلين صحيح لرواية الترمذي إياه في صحيحه، وهو أحد الصحاح الستة، باتفاق أهل المشرق، فهل يشك أحد في بطلان زعم ابن الجوزي؟

وصرح بوقوع اجماعهم على صحة الصحاح الستة ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ) الذي رد به على الشيعة حيث قال: « وليس أخبار الصحاح الستة مثل أخبار الروافض، فقد وقع اجماع الأئمة على صحتها ».

__________________

(١). جامع الاصول ١ / ١١٤، تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤، الاكمال في أسماء الرجال ٣ / ٨٠٣، أسماء رجال المشكاة، مقاليد الاسانيد، كشف الظنون، بستان المحدثين.

(٢). جامع الاصول ١ / ١١٤.

(٣). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤.

٢٦

وقال أيضاً: « وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كل ما عد من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستة - لو حلف الطلاق أنه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث ».

فكيف خرج ابن الجوزي على هذا الإجماع الثابت؟

٩ - الحديث في مسند أحمد

وروى الامام أحمد بن حنبل هذا الحديث في ( مسنده ) بطرق عديدة كما عرفت في قسم السند.

١٠ - فتوى جماعة بصحة اخبار المسند

وقد علمت أيضاً أنّ أبا موسى المديني قد صرّح بصحة جميع ما في هذا المسند، وستعلم قريباً أن الحافظ المديني قد صنف كتاباً خاصاً في اثبات ما ذهب اليه.

ترجمة المديني

وقد ذكرنا فيما تقدم طرفاً من مفاخر المديني، وترجمنا له في مجلد ( حديث الولاية ) أيضاً.

وأفتى الحافظ أبو العلاء الهمداني بصحة جميع ما في ( مسند أحمد ) من الاخبار، وستقف على ذلك من كلام ابن رجب الحنبلي.

ترجمة ابى العلاء الهمداني

قال الذهبي: « أبو العلاء الهمداني الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام، شيخ همدان، مولده سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة مرضي الطريقة، عزيز النفس سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات

٢٧

والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.

وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل يعز مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع وجودة النسخ وإتقان ما كتبه بخطه، ما كان يكتب شيئاً الا منقطاً معرباً، وأول سماعه من عبد الرحمن بن الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره من حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوماً في مجلسه فجاءته فتوى في عثمانرضي‌الله‌عنه ، فكتب من حفظه ونحن جلوس درجاً طويلا في أخباره.

وله تصانيف منها ( زاد المسافر ) في خمسين مجلداً، وكان اماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القرآن ما انه صنف فيه العشرة والمقروات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد، ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات وكان اماماً في النحو واللغة سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي انه قال في الحافظ ابى العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك، وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر رجلا من أصحابه رحل - ان رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.

مات ابو العلاء في جمادى الاولى سنة تسع وستين وخمسمائة »(١) .

والى صحة جميع ما في ( مسند أحمد ) ذهب الحافظ عبد المغيث الحربي، فقد قال ابن رجب بترجمته: « وصنف عبد المغيث ( الانتصار لمسند الامام أحمد )، أظنه ذكر فيه أن أحاديث المسند كلها صحيحة، وقد صنف في ذلك قبله أبو موسى، وبذلك أفتى أبو العلاء الهمداني، وخالفهم الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ».

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٤ وأنظر طبقات الحفاظ ٤٧٣.

٢٨

ترجمة عبد المغيث

١ - الذهبي في ( العبر ٤ / ٢٤٩ ).

٢ - اليافعي في ( مرآة الجنان ٣ / ٤٢٦ ).

٣ - ابن رجب في ( ذيل طبقات الحنبلية ).

٤ - القنوجي في ( التاج المكلل ٢١٠ ).

فقد ترجم في هذه المصادر وغيرها بكل إطراء وتبجيل - فراجعها.

١١ - كلام ابن الجوزي في وصف المسند

قال عمر بن محمد عارف النهرواني في ( مناقب احمد بن حنبل ): « قال ابن الجوزي: « صح عند الامام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً، والمراد بهذه الاعداد الطرق لا المتون، أخرج منها ( مسنده ) المشهور الذي تلقته الامة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجة يرجع اليه ويعول عند الاختلاف عليه، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه تاماً غيرنا، ثم قال لنا: هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا اليه، فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك فقال: قد عملت هذا المسند اماماً إذا اختلف الناس في سنة من سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا اليه ».

هذا كلام ابن الجوزي وفيه فوائد، وهي:

أولا: انه صرح بانتخاب أحمد مسنده من الأحاديث الصحيحة.

ثانياً: وصف المسند بالشهرة.

ثالثاً: ذكر تلقى الامة للمسند بالقبول والتكريم.

رابعاً: جعلت الامة المسند حجة.

خامساً: جعلت الامة المسند مرجعاً يعولون عليه عند الاختلاف.

٢٩

سادساً: ان أحمد انتخبه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً من الحديث.

سابعاً: ان أحمد أمر بالرجوع اليه عند الاختلاف.

ثامناً: ذكر قول أحمد « فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة ».

تاسعاً: ذكر أن احمد جعل المسند اماماً للناس.

عاشراً: أمره ثانية بالرجوع اليه عند الاختلاف.

فالعجب من ابن الجوزي: يذكر هذه الأوصاف العظيمة لمسند الامام أحمد ويقدح في الحديث الشريف - حديث الثقلين - المروي فيه، وهل هذا إلا تهافت وتناقض؟

١٢ - ابن الجوزي: المسند من دواوين الإسلام

وقال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ما نصه: « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام ( كالموطأ ) و ( مسند ) احمد و ( الصحيحين ) و ( سنن ) أبي داود والترمذي ونحوها فانظر فيه، فان كان له نظير في الصحاح والحسان فرتب [ قرب ] أمره، وان ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمل رجال اسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه »(١) .

لا أدرى كيف الجمع بين هذا الذي ذكره قواعد عامة لمعرفة الحديث، وبين قوله بالنسبة الى حديث الثقلين انه لا يصح! ان حديث الثقلين مخرج في دواوين اسلام، في ( صحيح ) مسلم و ( صحيح ) الترمذي و ( مسند احمد ) وفي ( سنن ) أبي داود كما قال سبطه في تذكرة الخواص!!

__________________

(١). الموصوعات ١ / ٩٩.

٣٠

١٣ - مسلم: اخرجت ما صححه أبوزرعة

قال الذهبي بترجمة مسلم: « وقال مكي بن عبدان: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته، وكل ما قال انه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت، ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند »(١) .

وكذا نقل عن مكي قوله هذا النووي في ( المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج ١ / ٢١ ).

فاذا عرفت ذلك، فانه يلزم أن يكون حديث الثقلين المخرج في ( صحيح ) مسلم بطرق عديدة عارياً عن كل علة وسبب، وبعد هذا فلا يتردد عاقل في إبطال كلام ابن الجوزي.

ترجمة ابى زرعة:

١ - السمعاني : « وكان اماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صدوقاً. قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما، روى عنه: مسلم بن الحجاج، وأبو ابراهيم إسحاق الحربي، وعبد الله بن أحمد ابن حنبل، وقاسم بن زكريا المطرز، وأبو بكر محمد بن الحسين القطان، وابن أخيه، وابن أخته أبو محمد عبد الرحمن بن أبى خليفة الرازي. وحكى عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له، سمعت أبي يوما يقول: لما صليت الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي. وذكر عبد الله بن أحمد قال: قلت لابي: يا أبة من الحفاظ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا. قلت: من هم يا أبة؟ قال: محمد بن اسماعيل ذاك البخاري، وعبيد الله بن

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

٣١

عبد الكريم ذاك الرازي، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن ابن الشجاع ذاك البلخي. وحكى عن أبي زرعة الرازي انه قال: كتبت عن رجلين مائة ألف حديث، كتبت عن ابراهيم الفراء مائة ألف حديث، وعن ابى شيبة عبد الله مائة ألف حديث.

ذكر أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بن ابراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وأكثر، هذا الفتى - يعنى أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث، وكان إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل »(١) .

٢ - الذهبي: « أبوزرعة الامام حافظ العصر كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءاً وديناً واخلاصاً وعلماً وعملا، حدث عنه من شيوخه: حرملة، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، ومسلم وابن خالته الحافظ أبو حاتم، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي داود، وأبو عوانة.

وعن أبي زرعة أن رجلا استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: تمسك بامرأتك.

ابن عقدة: نا مطين عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.

وعن الصغاني: أبوزرعة عندنا يشبه بأحمد بن حنبل.

وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة.

وقال أبو يعلى الموصلي: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير.

وقال صالح جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ من القراءات عشرة آلاف حديث.

__________________

(١). الأنساب - الرازي.

٣٢

وقال يونس بن عبد الاعلى: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة وقال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.

وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن من مثله، وقل من رأيت في زهده.

مات أبوزرعة في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائة »(١) .

١٤ - تصحيح محمد بن إسحاق ومن تبعه

لقد صحح محمد بن إسحاق هذا الحديث مؤيداً لذلك بتعدد رواته، فقد قال الأزهري في ( التهذيب ) بعد أن ذكر الحديث برواية زيد بن ثابت: « قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح ورفعه، ونحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري ».

ونقل الأزهري تصحيح ابن إسحاق تقريراً له وتصحيحاً للحديث، وهكذا ابن منظور نقل كلام الأزهري المشتمل على تصحيح ابن إسحاق في ( لسان العرب ) وهو أيضاً يفيد التصحيح.

فتصحيح هؤلاء جميعاً يفيد بطلان ما زعمه ابن الجوزي من أنه حديث لا يصح.

١٥ - الحديث في صحيح ابن خزيمة

لقد خرج الحافظ ابن خزيمة هذا الحديث في ( صحيحه ) كما نقل عنه السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف )، فهو صحيح لدى ابن خزيمة والسخاوي معاً، لان نقله تقرير لتصحيحه.

قال السيوطي: « ثم ان الزيادة في الصحيح عليها تعرف من كتب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٥٧.

٣٣

والحاكم والبيهقي وغيرها، منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي وجوده فيها، الا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، فيكفي وجوده فيها كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات »(١) .

وقال فيه أيضاً: « صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الاسناد، فيقول ان صح الخبر، وان ثبت كذا، ونحو ذلك »(٢) .

وقال فيه أيضاً: « قد علم مما تقدم [ تقرر ] أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان ثم الحاكم، فينبغي أن يقال: أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان فقط، ثم الحاكم فقط، ان لم يكن الحديث على شرط الشيخين، ولم أرمن تعرض لذلك، فليتأمل »(٣) .

هذا، فلما علم وجود حديث الثقلين في ( صحيح ) ابن خزيمة وهو بهذه المثابة من الصحة والتقديم على غيره من الصحاح، فانه لا قيمة لطعن ابن الجوزي فيه.

١٦ - الحديث في صحيح أبى عوانة

لقد أخرج الحافظ أبو عوانة الأسفراييني هذا الحديث في ( المسند الصحيح ) المستخرج من ( صحيح ) مسلم كما علمت في محله.

أقوال العلماء في صحيح أبى عوانة

قال السمعاني في ( الانساب ) بترجمته: « صنف المسند الصحيح على

__________________

(١). تدريب الراوي ١ / ١٠٤ - ١٠٥.

(٢). نفس المصدر ١ / ١٠٩.

(٣). تدريب الراوي ١ / ١٢٤.

٣٤

صحيح مسلم بن الحجاج القشيري وأحسن ».

وقال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) والذهبي في ( التذكرة ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ) والأسدي في ( طبقات الشافعية ) قالوا جميعاً بترجمته: « صاحب الصحيح المخرج على صحيح مسلم ».

وقال اليافعي في ( مرآة الجنان ) بترجمته: « صاحب المسند الصحيح ».

وقال السخاوي في مرويات نفسه: « واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعاً: أحدها ما رتب على الأبواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جداً، منها ما تقيد فيه بالصحيح، كالصحيحين للبخاري ولمسلم، ولابن خزيمة - ولم يوجد بتمامه -، ولابي عوانة الاسفراييني وهو وان كان مستخرجاً على ثاني الصحيحين فقد أتى فيه بزيادات طرق، بل وأحاديث كثيرة »(١) .

وقال الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ): « صحيح أبي عوانة الأسفراييني وهو مستخرج على صحيح مسلم، وزاد فيه طرقاً في الاشارة وقليلا من المتون ».

وقال الدهلوي في ( بستان المحدثين ): « صحيح أبي عوانة وهو مستخرج على صحيح مسلم، ويقال المستخرج في اصطلاح المحدثين على الكتاب الذي صنف لاثبات كتاب آخر، على ترتيبه ومتونه وطرق اسناده، ويذكر سنده بحيث يتصل بمصنف ذلك الكتاب ثم شيخه ثم شيخ شيخه وهلم جرا، واذا ثبت بطرق أخرى كثر الاعتماد عليه والوثوق به، ولكن هذا المستخرج انما يسمى صحيحاً لإتيانه فيه بزيادة طرق وقليل من المتون، ولهذا قد يقال انه كتاب مستقل، ولقد كتب المذهبي منه منتخباً اشتهر كثيراً، سماه ( منتقى الذهبي )، وفيه ثلاثون ومائة حديث ».

__________________

(١). الضوء اللامع ٨ / ١٠.

٣٥

١٧ - الحديث في كتب الاخبار الصحيحة

وأخرجه كبار الحفاظ المصنفين في أحاديث الصحيحين أو الصحاح الست:

كالحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) بأسانيد على شرط الشيخين.

والحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ).

ورزين في ( تجريد الصحاح ).

والمجد ابن الأثير في ( جامع الأصول ).

١٨ - تصحيح المحاملي

وأخرجه المحاملي في ( الامالي ) مصححاً اياه.

١٩ - الحديث في غرر الاخبار للفرغانى

وأخرجه سراج الدين الفرغاني في كتابه ( نصاب الاخبار ) الذي ذكره ( كاشف الظنون ) قائلا: « وقد اختصره من كتاب غرر الاخبار ودرر الاشعار، وهذا الذي وعد بجمعه مقتصراً على ايراد ألف حديث صحيح، وهو كثير الابواب ».

فرواية هؤلاء لحديث الثقلين وتصحيحهم اياه دليل ظاهر على بطلان ما ادعاه ابن الجوزي.

٢٠ - تصحيح البغوي

وأخرجه البغوي في ( المصابيح ) عن مسلم والترمذي.

٢١ - الحديث في المختارة

وأخرج ضياء الدين المقدسي هذا الحديث في ( المختارة ) كما ذكر ذلك

٣٦

السخاوي في كتاب ( استجلاب ارتقاء الغرف ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وأحمد بن فضل بن محمد با كثير المكي في ( وسيلة المآل ) والمناوي في ( فيض القدير ) وحسن زمان في ( القول المستحسن ).

ولقد التزم المقدسي في كتابه هذا بالصحة كما يظهر من كلمات العلماء.

كلمات العلماء في المختارة للضياء

قال الحافظ الزين العراقي: « وممن صحح أيضاً من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتاباً سماه ( المختارة ) والتزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق الى تصحيحها فيما أعلم »(١) .

ونقل السيوطي كلام العراقي هذا(٢) .

وقال السخاوي مترجماً نفسه عند ذكر أقسام مروياته: « نعم مما رتب فيه على الحروف من المسانيد مع تقييده بالمحتج به ( المختارة ) للضياء المقدسي »(٣) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمة ( شرح المشكاة ) الفارسي بعد أن ذكر المستدرك: « ولقد صنف سائر الائمة أيضاً في الصحاح مثل صحيح ابن خزيمة والمختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي: وهو أيضاً جمع الصحاح التي لم توجد في الصحيحين، قيل انه احسن من المستدرك ».

٢٢ - تنصيص العلماء على صحته

ونقل حديث الثقلين جماعة من كبار الحفاظ وأئمة الحديث، معتمدين

__________________

(١). التقييد والايضاح: ٢٤.

(٢). تدريب الراوي ١ / ١٤٤.

(٣). الضوء اللامع ٨ / ١١.

٣٧

عليه، مصرحين بصحته، وموثقين رجاله.

فقد رواه المحب ابن النجار بسنده عن مسلم.

والرضي الصغاني في ( مشارق الانوار ) عن صحيح مسلم، وقد صرح في مقدمة كتابه ( المشارق ) بأنه جمع فيه الصحاح وجعله حجة بينه وبين الله.

وابن طلحة في ( مطالب السؤل ) عن صحيح مسلم.

والحافظ الكنجي في ( كفاية الطالب ) عن مسلم.

والنووي في ( تهذيب الاسماء ).

والمحب الطبري في ( ذخائر العقبى ) عنه أيضاً.

والخازن في ( تفسيره ) عن مسلم.

والمزي في ( تحفة الاشراف ) عن مسلم والترمذي والنسائي.

وولي الدين الخطيب عن مسلم والترمذي في ( مشكاة المصابيح ).

والطيبي في ( الكاشف ) عن مسلم.

والخلخالي في ( المفاتيح في شرح المفاتيح ).

وصحّح الذهبي لفظ أبي عوانة كما مر في ( الصراط السوي ).

وأثبته الكازروني في ( المنتقى في سيرة المصطفى ) وأضاف: ان من تفوه بما يخالف حديث الثقلين - وهو في بلاد علماء الدين - كاد أن يكون كافراً.

وصححه ابن كثير في ( التفسير ) كما نقله أيضاً عن مسلم.

ووثق الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) رجال سنده كما مر عن ( فيض القدير ) للمناوي.

ونقله الخواجة بارسا عن ( جامع الاصول ) برواية مسلم في ( فصل الخطاب ).

ورواه الدولت آبادي ملك العلماء في ( هداية السعداء ) عن عدة من الكتب منها ( المصابيح ) برواية مسلم، وأضاف في شرح الحديث وذكر نكاته: قول « أمر ان يجمع رحال الابل كي يسمعه كل الصحابة ويكون

٣٨

مجمعاً عليه، ولئلا يختلف فيه أحد، لانه أمر عظيم للهداية ». وقال في كتابه ( شرح سنت ): « اتفق على صحته المحدثون السلف والخلف ».

وقد نقل حديث الثقلين السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ) عن صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك للحاكم والمختارة.

والسيوطي في ( الجامع الصغير ) و ( الأساس ) و ( احياء الميت ) و ( نهاية الإفضال ) عن صحيح مسلم، والمستدرك للحاكم.

والسمهودي في ( جواهر العقدين ) عن مسلم والحاكم بطرقه والمختارة.

وابن روزبهان في ( شرح رسالة عقائده ).

والقسطلاني عن صحيح مسلم في ( المواهب اللدنية ).

والعلقمي في ( الكوكب المنير ) عن صحيح مسلم.

وابن حجر في مواضع من ( الصواعق ) عن مسلم وغيره.

والمرزا مخدوم الجرجاني في ( النواقض ) عن مسلم.

والقاري في ( شرح الشفاء ) و ( المرقاة ) عن صحيح مسلم.

والمناوي في ( فيض القدير ) عن مسلم وغيره، وفي ( التيسير ) أيضاً، وجزم فيه بوثوق رجاله، كما نقل في فيض القدير توثيق الهيثمي رجال سنده.

وأحمد بن باكثير في ( وسيلة المآل ).

والقادري في ( الصراط السوي ) ناصا على صحته، كما نقله أيضا عن صحيح مسلم.

والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) عن صحيح مسلم.

والخفاجي في ( نسيم الرياض ) عن مسلم.

والعزيزي عن مسلم في ( السراج المنير ).

وأثبته المقبلى في ( ملحقات الأبحاث المسددة ).

والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).

ونقله السهارنپوري في ( المرافض ) عن صحيح مسلم والطبراني.

والبدخشاني في ( مفتاح النجا ) عن صحيح مسلم والحاكم والطبراني،

٣٩

وكذا في ( نزل الابرار ) عنهم وعن الترمذي، ثم أوضح صحته.

وأثبته محمد صدر عالم في ( معارج العلى ) عن الحاكم والترمذي والطبراني بسند صحيح.

وولي الله الدهلوي في ( ازالة الخفا ) عن صحيح مسلم، ونص على أن لفظه أصح ألفاظ هذا الحديث، وعن الحاكم.

ونقل محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ) ومحمد بن اسماعيل في ( الروضة الندية ) عن صحيح مسلم وغيره، والصبان في ( اسعاف الراغبين ) عنه وعن غيره.

وصرح العجيلي في ( ذخيرة المآل ) بصحة حديث الثقلين.

ونقل المولوي مبين السهالي الحديث عن صحيح مسلم والمستدرك.

والجمال المحدث في ( تفريح الأحباب ) عن صحيح مسلم.

وولي الدين السهالي في ( مرآة المؤمنين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والفاضل الرشيد الدهلوي في ( الحق المبين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والحمزاوي في ( مشارق الانوار ) عن مسلم والنسائي وأحمد.

والقندوزي في ( ينابيع المودة ) عن صحيح مسلم والمستدرك والمعجم الكبير للطبراني والصواعق، ونقل تصريح ابن حجر بصحة الحديث.

ونقل الحديث حسن زمان في ( القول المستحسن ).

وأورد الصديق حسن القنوجي عن المناوي تصريح الهيثمي بوثوق رجال سنده، وأثبت في ( السراج الوهاج ) صحة الحديث

وروايات هؤلاء دليل قوى على صحة الحديث، وبطلان دعوى ابن الجوزي.

٢٣ - جواب طعن ابن الجوزي في عطية

ان قدح ابن الجوزي في « عطية » الراوي لهذا الحديث الذي أورده

٤٠

- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج الى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها الى أن توفي سنة ١١٠، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به»(١) .

وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه الشديد لاهل البيتعليهم‌السلام الى حد ضعف الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ووصف روايته بالاختلاف والاضطراب، الى غير ذلك من آيات اعراضه عن أهل البيت والائمة الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد حرورية واعوجاجاً من ابن سعد.

٢٤ - عطية من رجال أحمد

ان عطية هذا من رجال أحمد بن حنبل في ( مسنده ) - كما ستعرف - وأحمد لا يروى الا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في مقام توثيق رجال سند حديث: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » وهو الحديث الاول من الباب الاول من كتابه، قال بعد كلام له: « وأحمدرحمه‌الله لم يكن يروي الا عن ثقة، وقد صرح الخصم [ يعنى ابن تيمية ] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كما لك وأحمد بن حنبل وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروى الا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٦.

(٢). شفاء الاسقام ١٠ - ١١.

٤١

وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لان عدم رواية أحمد عن غير الشقة لا يخلو اما انه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة، لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضاً، فلا شك في ثقته على الصورتين.

٢٥ - اكثار أحمد الرواية عن عطية

لقد أخرج أحمد في ( مسنده ) عن عطية روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل انه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد الوهاب السبكي في ( طبقات الشافعية ) حيث قال بترجمته: « وقال أبو موسى المديني لم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته ».

وبهذا كله ظهر أن نسبة تضعيف عطية الى أحمد افك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟

٢٦ - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي

لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال(١) بعد أن أورد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك « فان قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال: وحدثت بهذا الحديث أو

__________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٤٢.

٤٢

سمع مني هذا الحديث محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه.

والجواب: ان عطية العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فانما استطرفه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا أحله الا لطاهر لا لحائض ولا جنب »، وعند الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخصوصاً بأشياء ».

٢٧ - قال ابن معين: صالح

ان نسبة تضعيف عطية الى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري - وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة عطية ما نصه: « قال الدوري عن ابن معين صالح »(١) .

فسقط ما نسبه ابن الجوزي الى ابن معين.

٢٨ - عطية من رجال بعض الصحاح

ان عطية من رجال ( الادب المفرد ) للبخاري و ( صحيح الترمذي ) و ( صحيح أبي داود )، وهذان الاخيران من ( الصحاح الستة ) عندهم، بل ان الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه.

وعظمة مرويات ( الصحاح الستة ) وجلالة رواتها عند ابناء السنة قديماً وحديثاً واضحة لا تحتاج الى بيان، فان أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئاً فانما يفيد اسقاط الصحاح لا غير.

٢٩ - لم يتفرد عطية عن أبى سعيد به

ان اقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة يائسة

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٥.

٤٣

لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض كونه ضعيفاً غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالاسانيد والطرق والالفاظ المتكثرة.

نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضاً - وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي، و ( جواهر العقدين ) للسمهودي، و ( وسيلة المآل ) لابن باكثير و ( الصراط السوي ) للشيخاني القادري.

٣٠ - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبى سعيد

ثم انه لو سلمنا كون عطية ضعيفاً، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه - على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية.

٣١ - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد القدوس

وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ محمد بن عيسى بن الطباع اياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور: « وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى انه قال: هو ثقة »(١) .

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٤٤

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « وحكي عن محمد بن عيسى انّه قال: هو ثقة »(١) .

ترجمة محمد بن عيسى بن الطباع

قال الذهبي بترجمته: « ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: ثقة.

قلت: توفى سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله تصانيف ومعارفرحمه‌الله

قال الاثرم: قال أحمد بن حنبل: ان ابن الطباع لبيب كيس - يعني محمد بن عيسى - و قال البخاري: سمعت علياً قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول: اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما »(٢) .

وترجم له أيضاً بقوله: « وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل الثغر بأذنة، سمع مالكاً وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحواً من أربعين ألف حديث »(٣) .

٣٢ - توثيق ابن حبان عبد الله بن عبد القدوس

وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضاً، فقد أورده في الثقات قائلا: « عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٤١١.

(٣). العبر ١ / ٢٩٣.

٤٥

يروي عن الاعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و [ محمد ] ابن حميد، [ ربما أغرب ] »(١) .

وقال ابن حجر بترجمته: « ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب »(٢) .

ثم ان لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لان ابن حبان ممن يعادي أهل البيتعليهم‌السلام ويسيء اليهم، فقد زعم بالنسبة الى الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطيء كما لا يخفى على من راجع ( الميزان للذهبي ٣ / ١٥٨ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨ ) لابن حجر العسقلاني.

وظاهر أن هكذا ناصبي عنيد لا يوثق الرافضي أبداً.

٣٣ - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس

ولقد وثق البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) اذ قال: « وثقه البخاري وابن حبان ».

وقال العسقلاني بترجمته: « قال البخاري: هو في الاصل صدوق، الا أنه يروي من أقوام ضعاف »(٣) .

ولا يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج ) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحاً في عبد الله بن عبد القدوس لتوجه الى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع.

هذا كله مع أن عبد الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين

__________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٣). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

٤٦

- الذي أورده ابن الجوزي - عن الاعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا

٣٤ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال البخاري

وعبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح البخاري ) في تعليقاته، كما في رمز « خت » الموضوع له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠ ) وغيرها.

ولما ثبت من كلمات علمائهم المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وان كان في تعليقاته، فلا قيمة لطعن أي طاعن.

قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: « وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لاي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما ما انضاف الى ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة اجماع الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا اذا خرج له في الاصول.

فأما ان أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجاته من اخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الامام، فلا يقبل الا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً او في ضبطه لخبر بعينه، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك انه لا يلتفت الى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه الا بحجة ظاهرة،

٤٧

وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما »(١) .

وبما ذكره صرح الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عند ما ذكر الصحيحين(٢) .

فعلى فرض ثبوت طعن يحيى بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فان الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي للاعراض عنه وعدم الالتفات اليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.

٣٥ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي

وان عبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح الترمذي ) أيضاً، كما يعلم من رمز « ت » المعين له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) وغيرهما.

٣٦ - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث

ولو تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحاً، فان ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الاعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله بن عبد القدوس بروايته عن الاعمش، فلقد رواه عن الاعمش: محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، كما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن ( مسند أحمد ) و ( صحيح الترمذي ).

فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيداً لظهر لك ان

__________________

(١). هدى الساري ٢ / ١٤٢ - ١٤٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ١٦.

٤٨

رواية عبد الله لهذا الحديث عن الاعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضاً لك صدقه في روايته عن الاعمش.

أضف الى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في روايته حديث الثقلين عن الاعمش، كذلك الاعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضاً: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو اسرائيل اسماعيل بن خليفة العبسي الملائي، وهارون بن سعد العجلى، وكثير بن اسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف على ناظر أحاديث ( مسند ) أحمد و ( معاجم ) الطبرانيّ في الباب.

٣٧ - ما أورده في جرح ابن داهر مجمل

وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: « واما ابن داهر فقال احمد ويحيى ليس بشىء، ما يكتب منه انسان فيه خبر » فهو مردود بأن الطعن هذا - على تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع ( التدريب ) للسيوطي وغيره، ويتضح لكل متتبع لاقوال الفحول والمحققين من القوم: ان الطعن المبهم لا يقبل من أي كائناً من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية.

ثم ان السبب في اساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر انما هو اكثاره رواية فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: « قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو متهم في ذلك »(١) .

ولا شك في ان الطعن في هكذا رجال لمثل هذه الاسباب غير مسموع، لانه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن اهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٧.

٤٩

٣٨ - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث

وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جداً، لانه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فان وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنّه غافل عن أن المراجعة الواحدة لمسند احمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته.

٣٩ - استنكار المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث

ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من اكابر محققيهم وأعاظم محدثيهم ايراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتابه ( العلل المتناهية ) ومنهم:

١ - سبطه ، حيث قال في ( التذكرة ) بعد أن نقل الحديث عن مسند احمد: « فان قيل: فقد قال جدك في كتاب ( الواهية ): أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، عن محمد بن المظفر، عن محمد العتيقى، عن يوسف بن الدخيل عن ابى جعفر العقيلي، عن احمد الحلواني، عن عبد الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الاعمش، عن عطية، عن ابى سعيد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي، وابن داهر ليس بشيء.

قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه احمد في ( الفضائل )، وليس في اسناده احد ممن ضعفه جدي، وقد اخرجه ابو داود في سننه والترمذي أيضاً وعامة المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ارقم: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى آخر ما سبق ».

٢ - السخاوي حيث قال بعد ايراد الحديث وتأييده « وتعجبت من

٥٠

ايراد ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، بل أعجب من ذلك قوله « انه حديث لا يصح » مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في ( صحيح ) مسلم »(١) .

٣ - السمهودي بعد اثبات الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، فاياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ »(٢) .

ولا يخفى أن هذا الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبى الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن ابى عاصم، ومسند البزار، والخصائص للنسائي، ومسند أبى يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة، والمصاحف لابن الانباري، والامالي للمحاملى، والولاية لابن عقدة، والطالبيين للخفاجى، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الاولياء لابي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن طاهر المقدسي وغيرها.

ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟

نعم كان، الا أنه شاء ان يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء الا ان الله كشف سره وهتك ستره بأيدى أهل نحلته. والحمد لله رب العالمين.

٤ - ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) و ( تتمة الصواعق )، فقال بعد أن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٥١

روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن ارقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم غدير خم ».

ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء ورواياته الكثيرة.

وقال في ( تتمة الصواعق ): « ولم يصب ابن الجوزي في ايراده في ( العلل المتناهية ) ».

٥ - المناوى : « قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه ابو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الاخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي »(١) .

٦ - حسن زمان في ( القول المستحسن ) عن المناوي بلفظه.

٧ - الشيخانى القادرى في ( الصراط السوي ) بعد أن ذكر الحديث قال: « وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في ( واهياته ) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ».

٤٠ - رواية ابن الجوزي حديث الثقلين

لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في ( كتاب المسلسلات )(٢) في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما ايراده اياه في ( العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ) فلعله كان قبل روايته اياه بهذا الطريق، أو أنه يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، ان لم يكن غفلة أو تعصباً وعلى كل حال فهذا نص ما جاء في المسلسلات:

__________________

(١). فيض القدير ٣ / ١٤ - ١٥.

(٢). نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في حياة المؤلف سنة ٥٨١ كتبها على بن ملكداد الجنزى وفي آخرها قراءات وسماعات أهمها ما هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم ٣٧ ق ٦ - ٢٧، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ) فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ - ب.

٥٢

« الحديث الخامس »: قال شيخنا أدام الله أيامه: انا محمد بن ناصر قال: انا محمد بن علي بن ميمون قال: انا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد الفزاري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الازدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:

عن أبى بكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد علي الحوض راية علي أمير المؤمنين وامام الغر المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء.

قال الشيخ: اشهدوا علي عند الله ان أبا الفضل بن ناصر حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا الغنائم بن النرسي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا عبد الله محمد بن علي العلوي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان القاضي محمد بن عبد الله حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسين بن محمد بن الفرزدق حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسن بن علي بن بزيع حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان يحيى بن حسن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله أن أبا عبد الرحمن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحارث بن حصيرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان صخر بن الحكم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان حبان بن الحارث حدثني بهذا، قال: اشهدوا علي عند الله ان الربيع بن جميل الضبي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان مالك بن ضمرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا ذر الغفاري حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان

٥٣

جبرئيلعليه‌السلام حدثني بهذا عن الله جل وجهه وتقدست أسماؤه ».

٥٤

*(٣)*

قدح ابن تيمية

قال ابن تيمية في كتابه الذي ألفه رداً على العلامة الحلّيرضي‌الله‌عنه :

« قال الرافضي: العاشر - ما رواه الجمهور من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق. وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الامام.

والجواب من وجوه:

أحدها - ان لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال: اما بعد أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب

٥٥

ربي، وانّي تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمر بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكبها الى الناس: اللهم اشهد - ثلاث مرات.

واما قوله « وعترتي فإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض »، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا أنه لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على ان أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، لكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه »(١) .

وهذا الكلام يشتمل على أباطيل:

١ - دعوى عدم دلالة الحديث على وجوب التمسك بالعترة

أما ما زعمه من دلالة لفظ حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) على وجوب التمسك بالكتاب فقط، وأنه لا دلالة فيه على وجوب التمسك بالعترة، فهو - بالاضافة الى بعده عن دأب المحدثين وأهل الكلام - يفيد سوء فهمه وكثرة وهمه. ولما كان كلام الشيخ محمد أمين بن محمد معين السندي - وهو

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤ - ١٠٥.

٥٦

من أكابر محدثي أبناء السنة المتأخرين - حول رواية مسلم المذكورة كافياً في الرد على هذا الزعم الفاسد، فاننا ننقله بنصه:

تحقيق محمد أمين السندي في معنى الحديث

« ووجدنا في أهل البيت سلام الله تعالى عليهم أجمعين وتحيته، حديث التمسك المشهور، وفتشنا عن مخرجيه، فاذا هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، ولفظه من حديث زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد يا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وحث فيه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات - الحديث.

فنظرنا فيه فوجدناه يعبر عن القرآن واهل البيت بالثقلين، وهو كل نفيس خطير مصون، ففهمنا نفاسة أهل البيت وخطرهم وصونهم من قبيل كل تلك الاوصاف التي للقرآن، للجمع بينهما بذلك، وعلمنا أن هذه الأوصاف وغيرها للقرآن، يرجع عمدتها الى إفادة علوم المعارف الالهية والاحكام الشرعية، فظننا أنها في أهل البيت على منوالها في القرآن راجعة الى افادة تلك العلوم، وقد اعتضدنا في هذا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه واني تارك فيكم الثقلين »، فان النبي لا يوصى أمته بعده الا بالقيام على الحق والسنة، فترك الثقلين فيها والوصية بهما ليس الا لكونهما خليفتين منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الارشاد الى ذلك.

فظننا أنه كما وقع التصريح بالتمسك بكتاب الله فكذا المراد التمسك بأهل البيت، ان كان قوله « أهل بيتي » عطفاً على أولهما بتقدير لفظ « ثانيهما » بقرينة القرين أو فهمه من غير تقدير، ولا صحة لعطفه على « كتاب الله »

٥٧

للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأساً، فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم. وان كان عطفاً على « بكتاب الله » في قوله: « فتمسكوا بكتاب الله » - وهو القريب الظاهر من الوجه الاول - وفيهم كونه ثاني الامرين من الامر بالتمسك كالاول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.

وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءاً على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظاً في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فاذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك امر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه ابلغ، وهو قوله: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصاً من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآمنا به في نظائره من صحاح الاحاديث، والحمد لله رب العالمين.

ومع هذا لم نال جهداً في طلب الطرق الاخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضاً، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: انى أوشك أن أدعي فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.

٥٨

فازددنا منه أن كل اخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وان كان وحياً من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده الى الله سبحانه فقال: « أخبرني اللطيف الخبير »، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انهما لن يفترقا » ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مراداً - بل هو اخبار من الله سبحانه وتعالى، وان قوله في بعض الروايات « اني سألت لهما ذلك » دعاء مجاب متحتم باخبار اللطيف تعالى.

ومن تجلي ألفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبداً، والى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين اسماء الله تعالى.

وعدم الافتراق هذا بينهما انما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الاحكام الالهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والاخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لان يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.

ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فاذاً قد ورد في خبر قريش: « وتعلموا منهم فانهم اعلم منكم »، فقلنا اذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.

ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصاً فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » فعلمنا انهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث

٥٩

على التمسك في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وايدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) انتهى.

وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أن القرآن حبل ممدود من السماء فكذلك اهل هذا البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين. وقد قال قائلهم (ع) مخبراً عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

وفينا كتاب الله انزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

ومما نزل فيهم من الكتاب الآية المتقدمة، وقد ذكر جملة ما نزلت فيهم من الآيات الشيخ أبو الفضل ابن حجر في الصواعق فليطلب فيه.

وكذلك أيدنا فيه ما ثبت عن سيد الساجدين عليه وعلى آبائه التسليمات الناميات المباركات والتحيات الطيبات الزاكيات: انه اذا كان تلى قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقرأ دعاءاً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: « وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر » الى ان قال: « فإلى من يفزع خلف هذه الامة وقد درست أعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) ، فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم، الا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله تعالى بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الافات، وافترض مودتهم في الكتاب » انتهى. و ذكره ابن حجر في الصواعق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373