نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 298468 / تحميل: 6679
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢ - الذهبي : « قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لاحد من الحفاظ كتواضعه لابي علي النيسابوري. قال الحاكم: وسمعت أبا علي يقول: اجتمعت ببغداد مع أبى أحمد العسال، وأبى إسحاق ابن حمزة، وأبى طالب بن نصر، وأبي بكر الجعابي، فقالوا: أمل من حديث نيسابور مجلساً، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت عليهم ثلاثين حديثاً ما أجاب واحد منهم في حديث منها سوى أبي حمزة في حديث واحد.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي على النيسابوري، فقال: امام مهذب.

أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن على، أنا أبى، أنا أخى أبو الحسن سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت غانم بن أحمد، سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني، سمعت ابن مندة يقول: سمعت أبا على النيسابوري - ما رأيت أحفظ منه - قال: وما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم.

قال عبد الرحمن بن مندة، سمعت أبي يقول: وما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي على النيسابوري.

قال القاضي أبو بكر الابهري: سمعت أبا بكر بن داود يقول لابي علي النيسابوري: من ابراهيم عن ابراهيم عن ابراهيم؟ فقال: ابراهيم بن طهمان عن ابراهيم بن عامر البجلي عن ابراهيم النخعي. قال: أحسنت يا أبا على.

قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل الجعابي حيرني حفظه. قال: فحكيت هذا لابي بكر فقال: يقول هذا أبو على وهو استاذي على الحقيقة.

قال الحاكم توفّي في جمادى الاولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. »(١) .

٣ - السبكى كما تقدم(٢) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٠٢.

(٢). طبقات الشافعية ٣ / ٢٧٦.

٢١

فهذا ابو علي النيسابوري الذي قدم صحيح مسلم على غيره من الصحاح والكتب.

وقال الدهلوي في كتابه ( التحفة ) في جواب الطعن في عمر لتحريمه المتعتين: « والجواب عن هذا الطعن هو أن أصح الكتب عند أهل السنة هو ( صحيح ) مسلم وقد ورد فيه برواية سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وجاء في غيره من الصحاح برواية ابى هريرة: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بنفسه قد حرم المتعة بعد الرخصة بها ثلاثة أيام، ثم أبد التحريم الى يوم القيامة في حرب الاوطاس ».

فالدهلوي أيضاً ممن يرى بأن ( صحيح ) مسلم أصح الكتب، بل زاد أنه الأصح عند أهل السنة عامة.

فزعم ابن الجوزي باطل عند أهل السنة عامة، وعند الحافظ أبي علي النيسابوري و ( الدهلوي ) خاصة.

٤ - مدح العلماء لصحيح مسلم

قال النووي في ترجمة مسلم: « وصنف مسلم في علم الحديث كتباً كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذي من الله الكريم - وله الحمد والنعمة والفضل والمنة - به على المسلمين، وأبقى لمسلم به ذكراً جميلا وثناءاً حسناً الى يوم القيامة، مع ما أعد له من الأجر الجزيل في دار القرار، وعم نفعه للمسلمين قاطبة »(١) .

وبمثله قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ).

وقال الذهبي بترجمة مسلم عند ذكر صحيحه: « وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ أعجبوا به ولم يسمعوه لنزوله، وتعمدوا الى

__________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٩١.

٢٢

احاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك، حتى أتوا على الجميع هكذا، وسموه ( المستخرج على صحيح مسلم )، فعل ذلك عدة من فرسان الحديث منهم:

أبو بكر محمد بن محمد بن رجا، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني - وزاد في كتابه متوناً معروفة بعضها لين - والزاهد ابو جعفر احمد بن حمدان الحيري، وأبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو حامد احمد بن محمد الشاذلى الهروي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن زكريا الجوزقى، والامام أبو الحسن الماسرخسى، وأبو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد الاصبهاني، وآخرون لا يحضرني ذكرهم الآن »(١) .

هذا، ولو كان كلام ابن الجوزي حقاً لما جاز وصف مسلم وكتابه الصحيح بهذه الأوصاف البالغة النهاية في التعظيم والتكريم، وذلك لروايته حديث الثقلين غير الصحيح - في زعم ابن الجوزي - في كتابه المعروف بالصحيح.

٥ - تقديم بعضهم مسلماً على المشايخ

نقل النووي والشيخ عبد الحق الدهلوي عن احمد بن سلمة قوله: « رأيت أبازرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما »(٢) .

وقال النووي بترجمته ايضاً: « واعلم أن مسلماًرحمه‌الله احد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان والرحالين في طلبه الى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع الى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان ».

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

(٢). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩١. أسماء رجال المشكاة.

٢٣

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فهرست مروياته ) على ما نقل عنه الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) في ذكر مسلم: « كان احد أعلام هذا الشأن وكبار المبرزين فيه والرحالين في طلبه، والمجمع على تقدمه فيه أهل عصره، كما شهد له بذلك اماما وقتهما وحافظا عصرهما ابو زرعة وأبو حاتم ».

واذا حكم هكذا امام في الحديث مجمع على تقدمه وتورعه بصحة حديث الثقلين، وخرّجه في صحيحه المقبول لدى الجميع، فهل يبقى للشك في صحة هذا الحديث مجال؟ أم هل تبقى قيمة لانكار ابن الجوزي صحته؟ كلا ثم كلا.

٦ - ورع مسلم واحتياطه في صحيحه

قال النووي: « سلك مسلم في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والاتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علمه [ علومه ] وشدة تحقيقه بحفظه وتقدمه في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه [ التي لا يهتدى إليها الا أفراد في الاعصار ]، فرحمه الله ورضى الله عنه »(١) .

وقال بترجمته: « ومن أكبر الدلائل على جلالته و ورعه وحذقه وتقدمه في علوم الحديث واضطلاعه منها، وتفننه فيها وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف، بين متن واسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة لسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه، وقد ذكرت في مقدمة شرحي لصحيح مسلم جملا من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة واضحة، ثم نبهت على تلك الدقائق والمحاسن في أثناء الشرح في مواطنها، وعلى الجملة لا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصحة الاسناد، وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها، للدلائل المتظافرة

__________________

(١). المنهاج في شرح مسلم ١ / ٣٠ - ٣١.

٢٤

عليها »(١) .

وقال فيه أيضاً: « ومن حقق نظره في ( صحيح ) مسلمرحمه‌الله واطلع على ما أودعه في أسانيد وترتيبه، وحسن سياقته وبديع طريقه من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الروايات، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات، واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه بل يدانيه من أهل عصره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم »(٢) .

كل هذه الكلمات تفيد كمال ورع مسلم ونهاية احتياطه في الرواية، ومن ثم عرض مسلم كتابه على أبى زرعة الرازي، ثم أسقط الأحاديث التي أشار عليها كما ستقف عليه ان شاء الله.

فكيف يجوّز أحد من اهل السنة وهن حديث الثقلين - فضلا عن وضعه - وقد رواه هذا الرجل العظيم في كتابه العظيم؟

٧ - الحديث في صحيح الترمذي

لقد روى هذا الحديث الشريف الترمذي في ( صحيحه ) وهو أحد الصحاح الستة، رواه بطرق عديدة عن جابر، وزيد بن أرقم، وأبي ذر، وأبي سعيد، وحذيفة.

ولجامع الترمذي هذا مكانة مرفوعة ومرتبة جليلة، حتى قال جامعه الترمذي في شأنه: « من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم » نقل عنه هذه الكلمة جماعة كابن الأثير، والذهبي، و ولي الدين الخطيب،

__________________

(١). تهذيب الاسماء واللغات ٢ / ٩٠.

(٢). تهذيب الاسماء ٢ / ٩١.

٢٥

والشيخ عبد الحق الدهلوي، والثعالبي، والكاتب الجلبي، و ( الدهلوي ) نفسه.(١)

فكيف يقال في حديث الثقلين المروي في هكذا كتاب - بطرق عديدة - انه غير صحيح؟!

٨ - رضى علماء الأقطار بصحيح الترمذي

قال الترمذي في حق ( جامعه الصحيح ) على ما نقل عنه ابن الأثير في « صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم »(٢) .

وقد نقل قوله هذا أيضاً الذهبي(٣) و ولي الدين الخطيب في ( رجال المشكاة ) وعبد الحق الدهلوي في ( اسماء رجال المشكاة ) والثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) وغيرهم.

فالتفوه بالقدح في شيء منه مخالفة لهؤلاء الأعيان.

ولقد ظهر من كلام الطيبي المنقول آنفاً، أنه قد اتفق أهل الشرق والغرب على صحة ما في ( الصحاح الستة )، فاذاً ثبت أن حديث الثقلين صحيح لرواية الترمذي إياه في صحيحه، وهو أحد الصحاح الستة، باتفاق أهل المشرق، فهل يشك أحد في بطلان زعم ابن الجوزي؟

وصرح بوقوع اجماعهم على صحة الصحاح الستة ابن روزبهان في كتابه ( الباطل ) الذي رد به على الشيعة حيث قال: « وليس أخبار الصحاح الستة مثل أخبار الروافض، فقد وقع اجماع الأئمة على صحتها ».

__________________

(١). جامع الاصول ١ / ١١٤، تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤، الاكمال في أسماء الرجال ٣ / ٨٠٣، أسماء رجال المشكاة، مقاليد الاسانيد، كشف الظنون، بستان المحدثين.

(٢). جامع الاصول ١ / ١١٤.

(٣). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤.

٢٦

وقال أيضاً: « وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كل ما عد من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستة - لو حلف الطلاق أنه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث ».

فكيف خرج ابن الجوزي على هذا الإجماع الثابت؟

٩ - الحديث في مسند أحمد

وروى الامام أحمد بن حنبل هذا الحديث في ( مسنده ) بطرق عديدة كما عرفت في قسم السند.

١٠ - فتوى جماعة بصحة اخبار المسند

وقد علمت أيضاً أنّ أبا موسى المديني قد صرّح بصحة جميع ما في هذا المسند، وستعلم قريباً أن الحافظ المديني قد صنف كتاباً خاصاً في اثبات ما ذهب اليه.

ترجمة المديني

وقد ذكرنا فيما تقدم طرفاً من مفاخر المديني، وترجمنا له في مجلد ( حديث الولاية ) أيضاً.

وأفتى الحافظ أبو العلاء الهمداني بصحة جميع ما في ( مسند أحمد ) من الاخبار، وستقف على ذلك من كلام ابن رجب الحنبلي.

ترجمة ابى العلاء الهمداني

قال الذهبي: « أبو العلاء الهمداني الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام، شيخ همدان، مولده سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة مرضي الطريقة، عزيز النفس سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات

٢٧

والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.

وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل يعز مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع وجودة النسخ وإتقان ما كتبه بخطه، ما كان يكتب شيئاً الا منقطاً معرباً، وأول سماعه من عبد الرحمن بن الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره من حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوماً في مجلسه فجاءته فتوى في عثمانرضي‌الله‌عنه ، فكتب من حفظه ونحن جلوس درجاً طويلا في أخباره.

وله تصانيف منها ( زاد المسافر ) في خمسين مجلداً، وكان اماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القرآن ما انه صنف فيه العشرة والمقروات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد، ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات وكان اماماً في النحو واللغة سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي انه قال في الحافظ ابى العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك، وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر رجلا من أصحابه رحل - ان رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.

مات ابو العلاء في جمادى الاولى سنة تسع وستين وخمسمائة »(١) .

والى صحة جميع ما في ( مسند أحمد ) ذهب الحافظ عبد المغيث الحربي، فقد قال ابن رجب بترجمته: « وصنف عبد المغيث ( الانتصار لمسند الامام أحمد )، أظنه ذكر فيه أن أحاديث المسند كلها صحيحة، وقد صنف في ذلك قبله أبو موسى، وبذلك أفتى أبو العلاء الهمداني، وخالفهم الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ».

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٤ وأنظر طبقات الحفاظ ٤٧٣.

٢٨

ترجمة عبد المغيث

١ - الذهبي في ( العبر ٤ / ٢٤٩ ).

٢ - اليافعي في ( مرآة الجنان ٣ / ٤٢٦ ).

٣ - ابن رجب في ( ذيل طبقات الحنبلية ).

٤ - القنوجي في ( التاج المكلل ٢١٠ ).

فقد ترجم في هذه المصادر وغيرها بكل إطراء وتبجيل - فراجعها.

١١ - كلام ابن الجوزي في وصف المسند

قال عمر بن محمد عارف النهرواني في ( مناقب احمد بن حنبل ): « قال ابن الجوزي: « صح عند الامام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً، والمراد بهذه الاعداد الطرق لا المتون، أخرج منها ( مسنده ) المشهور الذي تلقته الامة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجة يرجع اليه ويعول عند الاختلاف عليه، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه تاماً غيرنا، ثم قال لنا: هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا اليه، فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك فقال: قد عملت هذا المسند اماماً إذا اختلف الناس في سنة من سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا اليه ».

هذا كلام ابن الجوزي وفيه فوائد، وهي:

أولا: انه صرح بانتخاب أحمد مسنده من الأحاديث الصحيحة.

ثانياً: وصف المسند بالشهرة.

ثالثاً: ذكر تلقى الامة للمسند بالقبول والتكريم.

رابعاً: جعلت الامة المسند حجة.

خامساً: جعلت الامة المسند مرجعاً يعولون عليه عند الاختلاف.

٢٩

سادساً: ان أحمد انتخبه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً من الحديث.

سابعاً: ان أحمد أمر بالرجوع اليه عند الاختلاف.

ثامناً: ذكر قول أحمد « فان وجدتموه فيه فذاك والا فليس بحجة ».

تاسعاً: ذكر أن احمد جعل المسند اماماً للناس.

عاشراً: أمره ثانية بالرجوع اليه عند الاختلاف.

فالعجب من ابن الجوزي: يذكر هذه الأوصاف العظيمة لمسند الامام أحمد ويقدح في الحديث الشريف - حديث الثقلين - المروي فيه، وهل هذا إلا تهافت وتناقض؟

١٢ - ابن الجوزي: المسند من دواوين الإسلام

وقال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ما نصه: « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام ( كالموطأ ) و ( مسند ) احمد و ( الصحيحين ) و ( سنن ) أبي داود والترمذي ونحوها فانظر فيه، فان كان له نظير في الصحاح والحسان فرتب [ قرب ] أمره، وان ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمل رجال اسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه »(١) .

لا أدرى كيف الجمع بين هذا الذي ذكره قواعد عامة لمعرفة الحديث، وبين قوله بالنسبة الى حديث الثقلين انه لا يصح! ان حديث الثقلين مخرج في دواوين اسلام، في ( صحيح ) مسلم و ( صحيح ) الترمذي و ( مسند احمد ) وفي ( سنن ) أبي داود كما قال سبطه في تذكرة الخواص!!

__________________

(١). الموصوعات ١ / ٩٩.

٣٠

١٣ - مسلم: اخرجت ما صححه أبوزرعة

قال الذهبي بترجمة مسلم: « وقال مكي بن عبدان: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته، وكل ما قال انه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت، ولو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند »(١) .

وكذا نقل عن مكي قوله هذا النووي في ( المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج ١ / ٢١ ).

فاذا عرفت ذلك، فانه يلزم أن يكون حديث الثقلين المخرج في ( صحيح ) مسلم بطرق عديدة عارياً عن كل علة وسبب، وبعد هذا فلا يتردد عاقل في إبطال كلام ابن الجوزي.

ترجمة ابى زرعة:

١ - السمعاني : « وكان اماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صدوقاً. قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما، روى عنه: مسلم بن الحجاج، وأبو ابراهيم إسحاق الحربي، وعبد الله بن أحمد ابن حنبل، وقاسم بن زكريا المطرز، وأبو بكر محمد بن الحسين القطان، وابن أخيه، وابن أخته أبو محمد عبد الرحمن بن أبى خليفة الرازي. وحكى عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له، سمعت أبي يوما يقول: لما صليت الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي. وذكر عبد الله بن أحمد قال: قلت لابي: يا أبة من الحفاظ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا. قلت: من هم يا أبة؟ قال: محمد بن اسماعيل ذاك البخاري، وعبيد الله بن

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٥٧.

٣١

عبد الكريم ذاك الرازي، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن ابن الشجاع ذاك البلخي. وحكى عن أبي زرعة الرازي انه قال: كتبت عن رجلين مائة ألف حديث، كتبت عن ابراهيم الفراء مائة ألف حديث، وعن ابى شيبة عبد الله مائة ألف حديث.

ذكر أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بن ابراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وأكثر، هذا الفتى - يعنى أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث، وكان إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل »(١) .

٢ - الذهبي: « أبوزرعة الامام حافظ العصر كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءاً وديناً واخلاصاً وعلماً وعملا، حدث عنه من شيوخه: حرملة، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، ومسلم وابن خالته الحافظ أبو حاتم، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي داود، وأبو عوانة.

وعن أبي زرعة أن رجلا استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: تمسك بامرأتك.

ابن عقدة: نا مطين عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.

وعن الصغاني: أبوزرعة عندنا يشبه بأحمد بن حنبل.

وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة.

وقال أبو يعلى الموصلي: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير.

وقال صالح جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ من القراءات عشرة آلاف حديث.

__________________

(١). الأنساب - الرازي.

٣٢

وقال يونس بن عبد الاعلى: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة وقال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.

وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن من مثله، وقل من رأيت في زهده.

مات أبوزرعة في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائة »(١) .

١٤ - تصحيح محمد بن إسحاق ومن تبعه

لقد صحح محمد بن إسحاق هذا الحديث مؤيداً لذلك بتعدد رواته، فقد قال الأزهري في ( التهذيب ) بعد أن ذكر الحديث برواية زيد بن ثابت: « قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح ورفعه، ونحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري ».

ونقل الأزهري تصحيح ابن إسحاق تقريراً له وتصحيحاً للحديث، وهكذا ابن منظور نقل كلام الأزهري المشتمل على تصحيح ابن إسحاق في ( لسان العرب ) وهو أيضاً يفيد التصحيح.

فتصحيح هؤلاء جميعاً يفيد بطلان ما زعمه ابن الجوزي من أنه حديث لا يصح.

١٥ - الحديث في صحيح ابن خزيمة

لقد خرج الحافظ ابن خزيمة هذا الحديث في ( صحيحه ) كما نقل عنه السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف )، فهو صحيح لدى ابن خزيمة والسخاوي معاً، لان نقله تقرير لتصحيحه.

قال السيوطي: « ثم ان الزيادة في الصحيح عليها تعرف من كتب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدارقطني

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٥٧.

٣٣

والحاكم والبيهقي وغيرها، منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي وجوده فيها، الا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، فيكفي وجوده فيها كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات »(١) .

وقال فيه أيضاً: « صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الاسناد، فيقول ان صح الخبر، وان ثبت كذا، ونحو ذلك »(٢) .

وقال فيه أيضاً: « قد علم مما تقدم [ تقرر ] أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة، ثم ابن حبان ثم الحاكم، فينبغي أن يقال: أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان فقط، ثم الحاكم فقط، ان لم يكن الحديث على شرط الشيخين، ولم أرمن تعرض لذلك، فليتأمل »(٣) .

هذا، فلما علم وجود حديث الثقلين في ( صحيح ) ابن خزيمة وهو بهذه المثابة من الصحة والتقديم على غيره من الصحاح، فانه لا قيمة لطعن ابن الجوزي فيه.

١٦ - الحديث في صحيح أبى عوانة

لقد أخرج الحافظ أبو عوانة الأسفراييني هذا الحديث في ( المسند الصحيح ) المستخرج من ( صحيح ) مسلم كما علمت في محله.

أقوال العلماء في صحيح أبى عوانة

قال السمعاني في ( الانساب ) بترجمته: « صنف المسند الصحيح على

__________________

(١). تدريب الراوي ١ / ١٠٤ - ١٠٥.

(٢). نفس المصدر ١ / ١٠٩.

(٣). تدريب الراوي ١ / ١٢٤.

٣٤

صحيح مسلم بن الحجاج القشيري وأحسن ».

وقال ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) والذهبي في ( التذكرة ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ) والأسدي في ( طبقات الشافعية ) قالوا جميعاً بترجمته: « صاحب الصحيح المخرج على صحيح مسلم ».

وقال اليافعي في ( مرآة الجنان ) بترجمته: « صاحب المسند الصحيح ».

وقال السخاوي في مرويات نفسه: « واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعاً: أحدها ما رتب على الأبواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جداً، منها ما تقيد فيه بالصحيح، كالصحيحين للبخاري ولمسلم، ولابن خزيمة - ولم يوجد بتمامه -، ولابي عوانة الاسفراييني وهو وان كان مستخرجاً على ثاني الصحيحين فقد أتى فيه بزيادات طرق، بل وأحاديث كثيرة »(١) .

وقال الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ): « صحيح أبي عوانة الأسفراييني وهو مستخرج على صحيح مسلم، وزاد فيه طرقاً في الاشارة وقليلا من المتون ».

وقال الدهلوي في ( بستان المحدثين ): « صحيح أبي عوانة وهو مستخرج على صحيح مسلم، ويقال المستخرج في اصطلاح المحدثين على الكتاب الذي صنف لاثبات كتاب آخر، على ترتيبه ومتونه وطرق اسناده، ويذكر سنده بحيث يتصل بمصنف ذلك الكتاب ثم شيخه ثم شيخ شيخه وهلم جرا، واذا ثبت بطرق أخرى كثر الاعتماد عليه والوثوق به، ولكن هذا المستخرج انما يسمى صحيحاً لإتيانه فيه بزيادة طرق وقليل من المتون، ولهذا قد يقال انه كتاب مستقل، ولقد كتب المذهبي منه منتخباً اشتهر كثيراً، سماه ( منتقى الذهبي )، وفيه ثلاثون ومائة حديث ».

__________________

(١). الضوء اللامع ٨ / ١٠.

٣٥

١٧ - الحديث في كتب الاخبار الصحيحة

وأخرجه كبار الحفاظ المصنفين في أحاديث الصحيحين أو الصحاح الست:

كالحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) بأسانيد على شرط الشيخين.

والحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ).

ورزين في ( تجريد الصحاح ).

والمجد ابن الأثير في ( جامع الأصول ).

١٨ - تصحيح المحاملي

وأخرجه المحاملي في ( الامالي ) مصححاً اياه.

١٩ - الحديث في غرر الاخبار للفرغانى

وأخرجه سراج الدين الفرغاني في كتابه ( نصاب الاخبار ) الذي ذكره ( كاشف الظنون ) قائلا: « وقد اختصره من كتاب غرر الاخبار ودرر الاشعار، وهذا الذي وعد بجمعه مقتصراً على ايراد ألف حديث صحيح، وهو كثير الابواب ».

فرواية هؤلاء لحديث الثقلين وتصحيحهم اياه دليل ظاهر على بطلان ما ادعاه ابن الجوزي.

٢٠ - تصحيح البغوي

وأخرجه البغوي في ( المصابيح ) عن مسلم والترمذي.

٢١ - الحديث في المختارة

وأخرج ضياء الدين المقدسي هذا الحديث في ( المختارة ) كما ذكر ذلك

٣٦

السخاوي في كتاب ( استجلاب ارتقاء الغرف ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وأحمد بن فضل بن محمد با كثير المكي في ( وسيلة المآل ) والمناوي في ( فيض القدير ) وحسن زمان في ( القول المستحسن ).

ولقد التزم المقدسي في كتابه هذا بالصحة كما يظهر من كلمات العلماء.

كلمات العلماء في المختارة للضياء

قال الحافظ الزين العراقي: « وممن صحح أيضاً من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتاباً سماه ( المختارة ) والتزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق الى تصحيحها فيما أعلم »(١) .

ونقل السيوطي كلام العراقي هذا(٢) .

وقال السخاوي مترجماً نفسه عند ذكر أقسام مروياته: « نعم مما رتب فيه على الحروف من المسانيد مع تقييده بالمحتج به ( المختارة ) للضياء المقدسي »(٣) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمة ( شرح المشكاة ) الفارسي بعد أن ذكر المستدرك: « ولقد صنف سائر الائمة أيضاً في الصحاح مثل صحيح ابن خزيمة والمختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي: وهو أيضاً جمع الصحاح التي لم توجد في الصحيحين، قيل انه احسن من المستدرك ».

٢٢ - تنصيص العلماء على صحته

ونقل حديث الثقلين جماعة من كبار الحفاظ وأئمة الحديث، معتمدين

__________________

(١). التقييد والايضاح: ٢٤.

(٢). تدريب الراوي ١ / ١٤٤.

(٣). الضوء اللامع ٨ / ١١.

٣٧

عليه، مصرحين بصحته، وموثقين رجاله.

فقد رواه المحب ابن النجار بسنده عن مسلم.

والرضي الصغاني في ( مشارق الانوار ) عن صحيح مسلم، وقد صرح في مقدمة كتابه ( المشارق ) بأنه جمع فيه الصحاح وجعله حجة بينه وبين الله.

وابن طلحة في ( مطالب السؤل ) عن صحيح مسلم.

والحافظ الكنجي في ( كفاية الطالب ) عن مسلم.

والنووي في ( تهذيب الاسماء ).

والمحب الطبري في ( ذخائر العقبى ) عنه أيضاً.

والخازن في ( تفسيره ) عن مسلم.

والمزي في ( تحفة الاشراف ) عن مسلم والترمذي والنسائي.

وولي الدين الخطيب عن مسلم والترمذي في ( مشكاة المصابيح ).

والطيبي في ( الكاشف ) عن مسلم.

والخلخالي في ( المفاتيح في شرح المفاتيح ).

وصحّح الذهبي لفظ أبي عوانة كما مر في ( الصراط السوي ).

وأثبته الكازروني في ( المنتقى في سيرة المصطفى ) وأضاف: ان من تفوه بما يخالف حديث الثقلين - وهو في بلاد علماء الدين - كاد أن يكون كافراً.

وصححه ابن كثير في ( التفسير ) كما نقله أيضاً عن مسلم.

ووثق الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) رجال سنده كما مر عن ( فيض القدير ) للمناوي.

ونقله الخواجة بارسا عن ( جامع الاصول ) برواية مسلم في ( فصل الخطاب ).

ورواه الدولت آبادي ملك العلماء في ( هداية السعداء ) عن عدة من الكتب منها ( المصابيح ) برواية مسلم، وأضاف في شرح الحديث وذكر نكاته: قول « أمر ان يجمع رحال الابل كي يسمعه كل الصحابة ويكون

٣٨

مجمعاً عليه، ولئلا يختلف فيه أحد، لانه أمر عظيم للهداية ». وقال في كتابه ( شرح سنت ): « اتفق على صحته المحدثون السلف والخلف ».

وقد نقل حديث الثقلين السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ) عن صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك للحاكم والمختارة.

والسيوطي في ( الجامع الصغير ) و ( الأساس ) و ( احياء الميت ) و ( نهاية الإفضال ) عن صحيح مسلم، والمستدرك للحاكم.

والسمهودي في ( جواهر العقدين ) عن مسلم والحاكم بطرقه والمختارة.

وابن روزبهان في ( شرح رسالة عقائده ).

والقسطلاني عن صحيح مسلم في ( المواهب اللدنية ).

والعلقمي في ( الكوكب المنير ) عن صحيح مسلم.

وابن حجر في مواضع من ( الصواعق ) عن مسلم وغيره.

والمرزا مخدوم الجرجاني في ( النواقض ) عن مسلم.

والقاري في ( شرح الشفاء ) و ( المرقاة ) عن صحيح مسلم.

والمناوي في ( فيض القدير ) عن مسلم وغيره، وفي ( التيسير ) أيضاً، وجزم فيه بوثوق رجاله، كما نقل في فيض القدير توثيق الهيثمي رجال سنده.

وأحمد بن باكثير في ( وسيلة المآل ).

والقادري في ( الصراط السوي ) ناصا على صحته، كما نقله أيضا عن صحيح مسلم.

والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) عن صحيح مسلم.

والخفاجي في ( نسيم الرياض ) عن مسلم.

والعزيزي عن مسلم في ( السراج المنير ).

وأثبته المقبلى في ( ملحقات الأبحاث المسددة ).

والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).

ونقله السهارنپوري في ( المرافض ) عن صحيح مسلم والطبراني.

والبدخشاني في ( مفتاح النجا ) عن صحيح مسلم والحاكم والطبراني،

٣٩

وكذا في ( نزل الابرار ) عنهم وعن الترمذي، ثم أوضح صحته.

وأثبته محمد صدر عالم في ( معارج العلى ) عن الحاكم والترمذي والطبراني بسند صحيح.

وولي الله الدهلوي في ( ازالة الخفا ) عن صحيح مسلم، ونص على أن لفظه أصح ألفاظ هذا الحديث، وعن الحاكم.

ونقل محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ) ومحمد بن اسماعيل في ( الروضة الندية ) عن صحيح مسلم وغيره، والصبان في ( اسعاف الراغبين ) عنه وعن غيره.

وصرح العجيلي في ( ذخيرة المآل ) بصحة حديث الثقلين.

ونقل المولوي مبين السهالي الحديث عن صحيح مسلم والمستدرك.

والجمال المحدث في ( تفريح الأحباب ) عن صحيح مسلم.

وولي الدين السهالي في ( مرآة المؤمنين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والفاضل الرشيد الدهلوي في ( الحق المبين ) عن صحيح مسلم والصواعق.

والحمزاوي في ( مشارق الانوار ) عن مسلم والنسائي وأحمد.

والقندوزي في ( ينابيع المودة ) عن صحيح مسلم والمستدرك والمعجم الكبير للطبراني والصواعق، ونقل تصريح ابن حجر بصحة الحديث.

ونقل الحديث حسن زمان في ( القول المستحسن ).

وأورد الصديق حسن القنوجي عن المناوي تصريح الهيثمي بوثوق رجال سنده، وأثبت في ( السراج الوهاج ) صحة الحديث

وروايات هؤلاء دليل قوى على صحة الحديث، وبطلان دعوى ابن الجوزي.

٢٣ - جواب طعن ابن الجوزي في عطية

ان قدح ابن الجوزي في « عطية » الراوي لهذا الحديث الذي أورده

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

سقوط دعوى ابن طاهر بطلان طرقه

وكما بطل دعوى وضع حديث الطير، فقد بطل دعوى بطلان طرقه كما عن ابن طاهر ومن تبعه قال ابن حجر المكي في ( المنح المكيّة ): « أما قول بعضهم: إنّه موضوع وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل، وابن طاهر معروف بالغلو الفاحش ».

والحمد لله الذي أظهر بطلان ما قاله ابن طاهر على لسان ابن حجر الذي هو من كبار المتعصّبين ضدّ الحقّ وأهله، لأنّه المدافع عن معاوية والقائل بخلافته والمؤلّف في فضائله ومناقبه الأحاديث الموضوعة كتاب ( تطهير اللسان والجنان ). وهو أيضاً صاحب ( الصّواعق المحرقة ) المشتمل على التعصّب والعناد لأهل البيت وأتباعهم، كما اعترف الشيخ عبد الحق الدهلوي، ورشيد الدين صاحب ( إيضاح لطافة المقال ) بذلك.

وبالجملة، فإنّ ما ذكره ابن طاهر باطل مردود، حتى لدى المتعصّبين من أهل نحلته وطائفته.

١٤١

ترجمة محمّد بن طاهر المقدسي

وكما وصف ابن حجر المكّي محمّد بن طاهر المقدسي بالغلوّ الفاحش فقد أورده الذهبي في كتاب ( المغني في الضعفاء ) حيث قال: « محمّد بن طاهر المقدسي الحافظ ليس بالقوي، فإنّ له أوهاماً في تواليفه. وقال ابن ناصر: كان لحنة وكان يصحف. وقال ابن عساكر: جمع أطراف الكتب الستّة، رأيته بخطه وأخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشاً »(١) .

وفي ( ميزان الاعتدال ) بعد أنْ ذكر ما تقدّم عن ( المغني ): « قلت: وله انحراف عن السنّة إلى تصوّفٍ غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة »(٢) .

وقال الحافظ ابن حجر: « قال الدقاق في رسالته: كان ابن طاهر صوفياً ملامتياً، له أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم، وذكر لي عنه حديث الإِباحة. أسأل الله أن يعافينا منها، وممّن يقول بها من صوفية وقتنا. وقال ابن ناصر: ابن طاهر يقرأ ويلحن، فكان الشيخ يحرّك رأسه ويقول: لا حول ولا قوة إلّا بالله. وقال ابن عساكر: له شعر حسن مع أنّه كان لا يعرف النحو »(٣) .

وقال السيوطي: « كان ظاهريّاً يرى إباحة السّماع والنظر إلى المرد، وصنّف في ذلك كتاباً، وكان لحنة لا يحسن النحو »(٤) .

____________________

(١). المغني في الضعفاء ٢ / ٢٨.

(٢). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٥٨٧.

(٣). لسان الميزان ٥ / ٢٠٧.

(٤). طبقات الحفّاظ: ٤٥٢.

١٤٢

كذب قول جماعة: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات

ومن العجائب أن جماعة من أعلام القوم يعزون إلى ابن الجوزي إيراد حديث الطير في كتاب ( الموضوعات ):

قال الشعراني: « البحث الثالث والأربعون، في بيان أن أفضل الأولياء المحمديين بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وهذا الترتيب بين هؤلاء الخلفاء قطعي عند الشيخ أبي الحسن الأشعري، ظنّي عند القاضي أبي بكر الباقلاني.

وممّا تشبّث به الرّافضة في تقديمهم علياً -رضي‌الله‌عنه - على أبي بكررضي‌الله‌عنه حديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتاه عليرضي‌الله‌عنه .

وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأفرد له الذهبي جزءً وقال: إنّ طرقه كلّها باطلة. واعترض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك »(١) .

فرية الشعراني على ابن الجوزي

وفي هذه العبارة من الكذب والإِفتراء والتدليس ما لا يخفى:

أمّا أولاً : فإنّ الشعراني قد افترى على ابن الجوزي إيراد هذا الحديث في كتاب الموضوعات، وهذه فرية قبيحة وكذبة واضحة، فإنّه - بغضّ النظر عن عدم وجدان هذا الحديث الشريف في هذا الكتاب رغم التّفحص التام والتتبع

____________________

(١). اليواقيت والجواهر - المبحث الثالث والأربعون.

١٤٣

الدقيق في نسخته الخطيّة العتيقة - قد نصّ الحافظ العلائي وابن حجر المكّي على أنّ ابن الجوزي لم يذكر هذا الحديث في الموضوعات. فلو فرضنا أنّ الشعراني لم يراجع كتاب الموضوعات، ولم ير عبارة العلائي، فهلّا اعتمد على ابن حجر المكّي الذي بالغ في مدحه والثناء عليه في ( لواقح الأنوار ) كي لا يقع في مثل هذه الورطة؟!

فرية على الذهبي

وأمّا ثانياً: فإنّه قد افترى على الذهبي حيث نسب إليه القول بأنّ طرق هذا الحديث كلّها باطلة، لأنّ الذّهبي ذكر أنّه قد جمع طرقه وأنّها تدل على أن للحديث أصلاً، وقد تقدّم نقل عبارة الذهبي هذه عن ( تذكرة الحفّاظ ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( بستان المحدّثين ).

وأيضاً: قد عرفت أنّ الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) يصرّح بأنّ رجال رواية الحاكم ثقات.

تدليس وتلبيس من الشعراني

وأمّا ثالثاً : فإنّ الشعراني ذكر اعتراض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك، ولم يتعرض لوجه الإِعتراض والجواب عنه. وقد عرفت أنّ أول المعترضين هو الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) ومنه أخذ من بعده وكان وجه الإِعتراض اتّهامه « محمّد بن أحمد بن عياض » لكن الذّهبي رجع عن هذا الاتّهام في ( ميزان الإِعتدال ) وظهر له صدق الرّجل مع تنصيصه على وثاقة غيره من رجال الحديث عند الحاكم، فيكون قد صحّح الحديث ورفع اليد عن اعتراضه وكلّ هذا لم يتطرّق إليه الشعراني، فهل كان قد جهله؟! أو تجاهله ولم يشأ أن يتطرّق إليه؟

١٤٤

فرية محمّد طاهر الفتني على ابن الجوزي

وقال محمّد طاهر الكجراتي الفتني: « في المختصر: اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير. له طرق كثيرة كلّها ضعيفة. قلت: ذكره أبو الفرج في الموضوعات »(١) .

وهذه فرية إذْ أنّه غير مذكور في ( الموضوعات ).

والعجيب أيضاً: أنّ الفتني ينسب هذا إلى ابن الجوزي ليعتمد عليه في ردّ هذا الحديث؟ وهو القائل عن ابن الجوزي في صدر كتابه ما نصّه: « ولعمري إنّه قد أفرط في الحكم بالوضع، حتى تعقبه العلماء من أفاضل الكاملين، فهو ضرر عظيم على القاصرين المتكاسلين. قال مجدد المائة السيوطي: قد أكثر ابن الجوزي في الموضوعات من إخراج الضعيف بل ومن الحسان ومن الصّحاح ».

فظهر أنّ النسبة كاذبة من أصلها. وعلى فرض الصّحة فإنّه يرى ابن الجوزي مفرطاً في الحكم بالوضع، وأنّ كتاب الموضوعات فيه أحاديث صحاح أيضاً.

بل، لقد تعقب الفتني الهندي ابن الجوزي في بعض ما حكم بوضعه بأنّ الحديث ممّا أخرجه الترمذي، فلا يحكم عليه بالوضع وإنْ ضعّفه فلو فرض ذكر ابن الجوزي حديث الطّير في الموضوعات لكان على الفتني أن يتعقّبه، لكونه من أحاديث الترمذي في صحيحه، لا سيّما وأن الترمذي لم يحكم عليه بالضعف؟!

فما الذي حمل الفتني على هذا الموقف من الحديث غير التعصّب؟!

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٥.

١٤٥

فرية القاري على ابن الجوزي

وقال الشيخ علي القاري: « رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. أي إسناداً أو متناً، ولا منع من الجمع. قال ابن الجوزي: موضوع »(١) .

وهذه فرية على ابن الجوزي، ولا يخفى أنّه لم يقنع بدعوى ذكره إياه في الموضوعات بل نسب إليه القول بأنّه « موضوع » لكنْ اين؟ وفي أيّ كتاب؟!

فرية الصبّان على ابن الجوزي

وقال الشيخ محمّد الصبّان المصري مقتفياً أثر الشعراني: « وأمّا ما أخرجه الحاكم في مستدركه من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتاه علي. فهو - وإنْ كان ممّا تشبّث به الرافضة في تفضيلهم علياً - حديث باطل. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأفرده الحافظ الذهبي بجزءٍ وقال: إن طرقه كلها باطلة. واعترض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك »(٢) .

ويرد عليه ما ورد على الشعراني، لكنه زاد عليه الحكم ببطلان الحديث، وهذا جزافٌ محض وعنادٌ بحت،

فرية الشوكاني على ابن الجوزي

وقال الشوكاني: « اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير. قال في المختصر: له طرق كثيرة كلّها ضعيفة. وقد ذكره ابن الجوزي في

____________________

(١). مرقاة المفاتيح - شرح مشكاة المصابيح ٥ / ٥٦٩.

(٢). اسعاف الراغبين في مناقب النبيّ وأهل بيته الطاهرين: ١٦٩.

١٤٦

الموضوعات. وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه. واعترض عليه كثير من أهل العلم ومن أراد استيفاء البحث فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء »(١) .

ويردّه ما ذكرناه في الجواب عن كلمات من تقدّمه.

والحاصل: إنّ نسبة إيراد هذا الحديث في كتاب ( الموضوعات ) أو الحكم بوضعه إلى ابن الجوزي لا أساس لها من الصّحة، والذي أظنّ: أنّ هؤلاء لمـّا كانوا في مقام الطعن في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام مهما أمكنهم ذلك، عناداً ولجاجاً وتعصّباً، وكانوا يعلمون أنّ ابن الجوزي قد أورد طرفاً كبيراً من مناقب أمير المؤمنين والعترة الطاهرة في كتاب ( الموضوعات ) فقد نسبوا إليه إيراد هذا الحديث في الكتاب المذكور، رجماً منهم بالغيب من دون مراجعة كتابه.

لكنك قد عرفت أن الحافظ العلائي وابن حجر المكّي ينفيان أنْ يكون ابن الجوزي قد ذكر حديث الطير في موضوعاته مضافاً، إلى أنّ هذا الكتاب موجود بين الأيدي، فمن يدّعي فليثبت؟.

حديث الطير في كتاب العلل المتناهية

نعم، لقد أورد ابن الجوزي حديث الطير في كتابه ( العلل المتناهية ) وموضوعه الأحاديث الضعيفة بحسب السند - بزعم ابن الجوزي - والتي لا دلالة لألفاظها على كونها كاذبة أورده بطرقه الكثيرة وتكلّم عليها

لكن هذا لا يضرّ بمطلوب أهل الحقّ لوجوه:

الأوّل : إن ابن الجوزي متعصب مفرط في أحكامه وهذا أمر ثابت من كلمات أكابر علماء أهل السنّة.

الثاني : إنّ ابن الجوزي لم يناقش في بعض الطرق التي ذكرها. وإذا

____________________

(١). الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ٢٨٢.

١٤٧

كان طريق البحث والنقاش في بعض الطرق مسدوداً على مثل ابن الجوزي كان إيراده هذا الحديث في كتابه المذكور مجازفة، لأنّ الحديث حينئذٍ لا يكون ممّا يناسب الكتاب موضوعاً.

والثالث : إن كثيراً من مناقشاته في رجال طرقه مردودة.

والرابع : لو سلّمنا جميع مناقشاته، كان الحديث ضعيفاً سنداً، لكنك قد عرفت سابقاً من كلمات أئمة القوم أن اجتماع الطرق الضعيفة على حديث واحدٍ يوجب تقوّي بعضها ببعض، وبذلك يرتقي الحديث إلى درجة الحسن وعلى هذا، فإنّ مجرّد هذه الطرق الكثيرة التي ذكرها ابن الجوزي وخدش فيها - هي وحدها مع قطع النظر عن غيرها - تقتضي أن يكون الحديث حسناً لا ضعيفاً.

الخامس : إن الوجوه السابقة التي ذكرناها لإِثبات صحّة حديث الطير وحسنه إذا انضمت إلى هذه الطرق الكثيرة - المفروض ضعفها - بلغت بالحديث إلى مرتبة القوّة والاعتبار.

١٤٨

خلاصة البحوث

ويتلخّص البحث إلى الآن في نقاط:

١ - إنّ القول بوضع حديث الطير باطل، أيّاً من كان قائله.

٢ - دعوى قول أكثر المحدّثين بوضعه لا أساس لها من الصحة.

٣ - دعوى قول ابن الجزري بوضعه لا يعبأ بها.

٤ - دعوى قول الذهبي بوضعه كاذبة.

٥ - دعوى بطلان طرقه كما عن ابن طاهر ومن تبعه باطلة.

٦ - دعوى جماعة ذكر ابن الجوزي إيّاه في ( الموضوعات ) كاذبة.

٧ - إيراد ابن الجوزي إياه في ( العلل المتناهية ) لا يضر بمطلوب الإِمامية.

١٤٩

مع ابن تيميّة الحرّاني

ولا بن تيميّة خرافات وأباطيل في تكذيب هذا الحديث الشريف نتعرض لها بالتفصيل

لقد قال ابن تيميّة المشهور بالعناد والعصبية في جواب العلاّمة الحلّي ما نصّه، قال:

« الجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل.

وقوله : روى الجمهور كافّة. كذب عليهم، فإنّ حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صحّحه أئمة الحديث. ولكن هو ممّا رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي. بل قد رووا في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنّف في ذلك مصنفات، وأهل العلم بالحديث لا يصحّحون هذا ولا هذا ».

جواب قوله: لم يروه أحد من أصحاب الصّحيح!

وهذا الكلام كلّه أكاذيب وأباطيل: إنّه يقول: « إنّ حديث الطّير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح » فنقول له:

إنّ حديث الطير مخرَّج في صحيح الترمذي، وصحيح الحاكم، وصحيح النسائي - بناءً على أنّ الخصائص من سننه - فكيف يقال: لم يروه أحد من أصحاب الصحيح؟!

جواب قوله: ولا صححه أئمة الحديث

ويقول ابن تيميّة: ولا صحّحه أئمة الحديث. وهذا كذب وإنكار

١٥٠

للحقيقة، لأنّ المأمون العباسي، وقاضي القضاة يحيى بن أكثم، وإسحاق بن إبراهيم بن حمّاد بن يزيد وأربعين - أو تسعة وثلاثين - من كبار علماء عصر المأمون. وكذا أبو عمر أحمد بن عبد ربّه القرطبي، وأبو عبد الله الحاكم، وقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، وأبو عبد الله الكنجي الشافعي يصحّحون - أو يسلّمون تصحيح - حديث الطير وهؤلاء علماء متبحرون في علم الحديث

وهل ينكر ابن تيميّة أن يكون هؤلاء من أئمة الحديث؟!

نعم: إنّ من يقول الحقّ ويعترف بما ينفع أهل الحقّ لا يكون من أئمّة الحدّيث عند ابن تيمية وأمثاله من المتعصبين المعاندين للحق!!

جواب قوله: ولكن هو ممّا رواه بعض الناس

ثمّ يقول: « ولكنْ هو ممّا رواه الناس » وكأنّه يريد إيهام أنّ رواة حديث الطير ومخرجيه شرذمة شاذة من آحاد الناس والعوام الجهلة لكنّا نساءل أهل العلم والإِنصآف، هل أنّ أمثال:

أبي حنيفة، إمام المذهب الحنفي.

وأحمد بن حنبل، إمام المذهب الحنبلي.

وعبّاد بن يعقوب الرواجني.

وأبي حاتم الرّازي.

وأبي عيسى الترمذي.

وأحمد بن يحيى البلاذري.

وعبد الله بن أحمد بن حنبل.

وأبي بكر البزار.

وأحمد بن شعيب النسائي.

وأبي يعلى الموصلي.

١٥١

ومحمّد بن جرير الطبري.

وأبي القاسم البغوي.

ويحيى بن صاعد البغدادي.

وابن أبي حاتم الرّازي.

وأبي عمر ابن عبدربّه.

والقاضي حسين المحاملي.

وأبي العباس ابن عقدة.

وعلي بن الحسين المسعودي.

وأحمد بن سعيد الجدّي.

وأبي القاسم الطبراني.

وابن السّقاء الواسطي.

وأبي اللّيث الفقيه.

وابن شاهين البغدادي.

وأبي الحسن الدار قطني.

وابن شاذان السكري الحربي.

وابن بطة العكبري.

وأبي بكر النّجار.

وأبي عبد الله الحاكم النيسابوري.

وأبي سعد الخركوشي.

وأبي بكر ابن مردويه.

وأبي نعيم الأصبهاني.

وأبي طاهر ابن حمدان.

وابن المظفر العطّار.

وأبي بكر البيهقي.

١٥٢

وابن بشران.

وابن عبد البرّ.

وأبي بكر الخطيب البغدادي.

وابن المغازلي الواسطي.

وأبي المظفّر السمعاني.

ومحيي السنّة البغوي.

ورزين العبدري.

وابن عساكر الدمشقي.

ومجد الدين ابن الأثير.

وابن النّجار البغدادي.

ومحمّد بن طلحة الشافعي.

وسبط ابن الجوزي.

ومحمّد بن يوسف الكنجي.

ومحبّ الدين الطبري الشافعي.

وإبراهيم الحمويني.

يقال عنهم: « بعض الناس » أو أنّ هؤلاء أساطين دين أهل السنّة، وأكابر حفّاظهم المحدّثين، وأئمّتهم المعتمدين؟!

من تناقضات ابن تيمية

وياليته استثنى ممّن عبَّر عنه بـ « بعض الناس » مستهيناً له ومستصغراً إياه أبا حنيفة وأحمد بن حنبل، وأبا حاتم، والنسائي، ومحمّد بن جرير الطبري، والدار قطني لئلّا يلزم التناقض والتهافت في كلماته:

وذلك، لأنّ ابن تيمية وصف في كتابه ( المنهاج ) أحمد بن حنبل، وأبا حاتم، والنسائي، والدار قطني، بأنّهم أئمة ونقّاد وحكّام وحفّاظ للحديث، ولهم

١٥٣

معرفة تامّة بأقوال النبيّ وأحوال الصّحابة والتابعين وسائر رجال الحديث طبقة بعد طبقة، ولهم كتب كثيرة في معرفة أحوال رجال الحديث

وزعم أنّ أبا حنيفة، وأحمد بن حنبل، ومحمّد بن جرير الطبري، بلغوا في العلم مرتبةً حتى كانوا - معاذ الله - أعلم من الإِمامين العسكريّينعليهما‌السلام بالشريعة ...!! إلى غير ذلك ممّا قال فلا نذكره ونعوذ بالله من الضّلالة والخسران

مفاد قوله: أهل العلم بالحديث لا يصححون فضائل علي ولا فضائل معاوية

وأمّا قوله: « كما رووا أمثاله في فضائل غير علي بل قد رووا في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنّف في ذلك مصنّفات، وأهل العلم بالحديث لا يصحّحون هذا ولا هذا ».

ففيه فوائد:

أمّا أوّلاً: فإنّه يبطل دعاوي المتأخرين من علماء أهل السنّة من أنْ أهل السنّة هم الذين اهتمّوا منذ اليوم الأول برواية فضائل أهل البيتعليهم‌السلام وتصحيحها وجمعها في مقابلة النواصب والأعداء وأنّ الإماميّة في هذا الباب عيال على أهل السنّة ومستفيدون منهم نعم، إن كلام ابن تيمية هذا يبطل كلّ هذه الدعاوي ويكذب هذه المزاعم، إذ يقول بأنّ أهل العلم بالحديث لا يصحّحون فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا ثانياً: فإنّه يقتضي سقوط جميع روايات أهل السنّة عن الإِعتبار، لأنّهم قد وضعوا أحاديث في فضل معاوية ثمّ أفردوها بالتأليف لغرض تضليل العوام وتخديعهم وحينئذٍ لا يبقى وثوق واعتبار لرواياتهم وكتبهم في الأبواب العلمية الاُخرى.

وأمّا ثالثاً: فإنّه يفيد أنّ المصحّحين لِما رووه في فضل معاوية ليسوا من

١٥٤

أهل العلم بالحديث وبهذا يعرف حال والد ( الدهلوي ) الذي حاول إثبات فضائل معاوية في ( إزالة الخفاء )، وحال ابن حجر المكّي المؤلّف كتاباً خاصاً في ذلك.

إلى هنا إنتهى الكلام حول ما ذكره ابن تيمية في الوجه الأول.

قال:

« الثاني: إنّ حديث الطير من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل. قال الحافظ أبو موسى المديني: قد جمع غير واحدٍ من الحفّاظ طرق أحاديث الطير للإِعتبار والمعرفة: كالحاكم النيسابوري، وأبي نعيم وابن مردويه. وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصحّ.

هذا مع أنّ الحاكم منسوب إلى التشيّع، وقد طلب منه أنْ يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجئ من قلبي ما يجئ من قلبي، وقد خوصم على ذلك فلم يفعل، وهو يروي في المستخرج والأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث، كقوله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

لكنّ تشيّعه وتشيّع أمثاله من أهل العلم بالحديث: كالنسائي، وابن عبد البرّ، وأمثالهما، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يعرف في علماء الحديث من يفضلّه عليهما، بل غاية التشيع منهم أنْ يفضلّه على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله، ونحو ذلك. لأنّ علماء الحديث قد عصمهم وقيّدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدّالة على فضيلة الشيخين، ومن ترفّض ممّن له نوع اشتغال بالحديث: كابن عقدة وأمثاله، فهذا غايته أنْ يجمع ما يروى في فضائله من الكذوبات والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنّها باتّفاق أهل العلم بالحديث أكثر ممّا صحَّ من فضائل علي وأصّح وأصرح في الدلالة.

وأحمد بن حنبل لم يقل إنّه صحّ لعلي من الفضائل ما لم يصحّ لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نقل عنه أنّه قال: روي له ما

١٥٥

لم يرو لغيره، مع أنّ في نقل هذا عن أحمد كلام ليس هذا موضعه ».

جواب قوله: حديث الطير من المكذوبات عند أهل المعرفة

وهذا الوجه كسابقه كلّه أكاذيب وأباطيل إنّه يدّعي: « أنّ حديث الطّير من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل » وهذه دعوى باطلة، فالحديث عند أهل التحقيق من أساطين أهل السنّة من الأحاديث الصحاح المعتبرة الصالحة للاستدلال والاحتجاج كما عرفت ذلك بالتفصيل

وليت شعري من « أهل المعرفة بحقائق النقل » القائلين بأنّه من المكذوبات الموضوعات؟ لما ذا لم يذكرهم؟ ولم يذكر واحداً منهم؟ ألم يكن من المناسب أن يذكر ولو اسم واحدٍ فقط!، وإنْ كانت دعوى وضعه فارغة مردودة لدى المحقّقين الكبار من أهل السنّة أيضاً كالعلائي والسّبكي وابن حجر المكّي؟

لا علاقة لما نقله عن المديني بمدّعاه

ثمّ نقل عن أبي موسى المديني أنّه قال: « قد جمع غير واحدٍ من الحفّاظ طرق أحاديث الطّير للإِعتبار والمعرفة كالحاكم وأبي نعيم وابن مردويه » ولكنْ أيّ علاقة لهذا الذي نقله عن المديني بما ادّعاه من كون الحديث من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل؟ وهل يدلّ على مدّعاه بإحدى الدلالات الثلاث؟

بل الأمر بالعكس، وما ذكره ابن تيمية اعتراف حديث الطير ...، إذ قد عرفت أنّ جمع علماء أهل السنّة طرق هذا الحديث في أجزاءٍ مفردة وتآليف خاصة يدل بوجوهٍ عديدة على ثبوته وتحقّقه لكنّ هذا الرجل وأمثاله إذا أرادوا البحث مع الإِماميّة يضطربون، وقد يتفوّهون بما يضرّهم وهم

١٥٦

لا يشعرون

ما نقله عن الحاكم كذب عليه

وأمّا ما ذكره من أنّه « سئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح » ففيه:

أوّلاً : إنّه كذب على الحاكم وكيف يقول الحاكم بعدم صحته وقد أخرجه في مستدركه على الصحيحين وأثبت صحته رغم الجاحدين؟

ومع هذا، فإنّ نقل حكم الحاكم بعدم صحة هذه الحديث غايته أن يكون ظنيّاً، لكن حكمه بصحته في المستدرك قطعي، والظّني لا يعارض القطعي.

وثانياً : لو سلّمنا ثبوت هذا الذي حكاه عن الحاكم، فإنّه لا يجوز الاحتجاج به، لتصريح الحافظ برجوع الحاكم عن ذلك كما ستعلم.

وثالثاً : لو سلّمنا ثبوته وفرضنا عدم رجوعه كان الاستدلال والإِحتجاج بتصحيحه إيّاه في المستدرك من باب الإِلزام والافحام للمخالفين تاماً، على القواعد والاُصول المقرّرة في باب الإِحتجاج والمناظرة.

ورابعاً : ولو فرضنا أنّه كان قد قدح فيه ولم يخرجه في المستدرك، فإنّ الأدلة القويمة والبراهين المتينة على صحة حديث الطير وثبوته كثيرة، بل يكفي لبطلان القول بوضعه ما قاله العلائي والسبكي وابن حجر المكّي.

هذا، وقد نصَّ الحافظ الذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ) - بعد أن حكى ذلك القول المنسوب إلى الحاكم - على رجوعه عنه، وقد أورد الشيخ محمّد الأمير الصنعاني كلام الذّهبي وعلّق عليه حيث قال في ( الروضة الندية ):

« هذا الخبر رواه جماعة عن أنس، منهم: سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن عمير، وسليمان بن الحجاج الطائفي، وابن أبي الرجال الكوفي، وأبو الهندي، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، ويغنم بن سالم بن قنبر،

١٥٧

وغيرهم.

وأمّا ما قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمة الحاكم أبي عبد الله المعروف بابن البيّع الحافظ المشهور مؤلّف المستدرك وغيره - بعد أن ساق حكاية: وسئل الحاكم أبو عبد الله عن حديث الطير فقال: لا يصح، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال الذهبي: قلت: تغيَّر رأي الحاكم فأخرج حديث الطير في مستدركه. قال الذهبي: وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف، ومجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل. انتهى كلام الذهبي.

فأقول : كلام الحاكم هذا لا يصح عنه، أو أنّه قاله ثمّ رجع عنه كما قال الذهبي: ثمّ تغيّر رأيه. وإنّما قلنا ذلك لأمرين: أحدهما - وهو أقواهما - أنّ القول بأفضلّية علي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مذهب الحاكم كما نقله الذهبي أيضاً في ترجمته عن ابن طاهر، قال الذهبي: قال ابن طاهر: كان - يعني الحاكم - شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية، وأنّه يتظاهر بذلك ولا يعتذر فيه. انتهى كلام ابن طاهر. وقرّره الذهبي بقوله: قلت: أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر. وأمّا الشيخان فمعظّم لهما بكلّ حال، فهو شيعي لا رافضي. انتهى.

قلت : إذا عرفت هذا فكيف يطعن الحاكم في شيء هو رأيه ومذهبه ومن أدلّة ما يجنح إليه؟ فإنْ صحّ عنه نفي صحة حديث الطائر فلا بدَّ من تأويله بأنّه أراد نفي أعلى درجات الصحة، إذْ الصحّة عند أئمة الحديث درجات سبع، أو أنّ ذلك وقع منه قبل الإِحاطة بطريق الحديث، ثمّ عرفها بعد ذلك فأخرجه فيما جعله مستدركاً على الصحيحين.

والثاني : إنّ إخراجه في المستدرك دليل صحته عنده، فلا يصح نفي الصحة عنه إلّا بالتأويل المذكور.

وعلى كلّ حال فقدح الحاكم في الحديث لا يتم.

١٥٨

ثمّ هذا الذهبي مع تعاديه وما يعزى إليه من النصب ألّف في طرقه جزءٌ. فعلى كلّ تقدير قول الحاكم: لا يصح. لا بدّ من تأويله.

ولأنّه علّل عدم صحته بأمرٍ قد ثبت من غير حديث الطّير، وهو: إنّه إذا كان أحبّ الخلق إلى الله كان أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من غير حديث الطائر وإذا ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه أحب الخلق إلى الله سبحانه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون الأحب إليه إلّا الأحب إلى الله سبحانه، وأنّه قد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من أدلةٍ غير حديث الطائر.

فماذا ينكر من دلالة حديث الطّير على الأحبيّة الدالّة على الأفضلية، وأنّها تجعل هذه الدلالة قادحة في صحة الحديث كما نقل عن الحاكم، ويقرب أنّ الحافظ أبا عبد الله الحاكم ما أراد إلّا الإِستدلال على ما يذهب إليه من أفضلية علي، بتعليق الأفضلية على صحة حديث الطير، وقد عرف أنّه صحيح، فأراد استنزال الخصم إلى الإِقرار بما يذهب إليه الحاكم فقال: لا يصح، ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من علي بعده. وقد تبيّن صحته عنده وعند خصمه. فيلزم تمام ما أراده من الدليل على مذهبه ».

جواب قوله: الحاكم منسوب إلى التشيّع

وأمّا قوله: « مع أنّ الحاكم منسوب إلى التشيّع » ففيه: أنّه إنْ أراد أنّ بعض المتعصبين نسب الحاكم إلى التشيّع وإنْ لم يكن متشيّعا في الواقع، فهذا مسلّم، لكن ايش يجدي هذا؟ وإن أراد أنّ الحاكم متشيّع حقّاً، فهذا باطل، إذ لا يخفى على من كان له أدنى تتّبع ونظر في كتب الرجال عدم وجود أي دليلٍ متين وبرهان مبين على تشيّع الحاكم، ومن هنا لم يتعرّض كثير ممّن ترجم له إلى هذه الناحية

١٥٩

على أنّه لا فائدة في الإِصرار على هذه الدعوى وأمثالها، لثبوت أنّ التشيّع لا يكون قادحاً في العدالة أبداً، بل لا ينافي الرّفض الوثاقة أصلاً فلو كان الحاكم متشيّعاً بل رافضيّاً لم يضرّ بوثاقته وجلالته وإمامته في الحديث، فكيف وهو من كبار أهل السنّة بل أساطينهم، ومن صدور علمائهم بل سلاطينهم.

حول ما ذكره من أنّه طلب من الحاكم رواية حديث في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي

وأضاف ابن تيمية لإِثبات تشيّع الحاكم: « وقد طلب منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجئ من قلبي، ما يجئ من قلبي » وهذا عجيب من ابن تيمية جدّاً، لأنّه قد ذكر من قبل أنّ أهل العلم بالحديث لا يصحّحون شيئاً في فضل معاوية، فإذا كان موقف الحاكم من فضائل معاوية كسائر أهل العلم عدّ متشيعاً؟ اللّهم إلّا أن يدّعي الملازمة بين فضائل معاوية وفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بأنْ يكون ردّ فضائلهما معاً ديدن أهل العلم بالحديث، وحيث أن الحاكم يصحّح فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا يصحّح شيئاً في فضائل معاوية فهو شيعي، وهذا ممّا يضحك الثكلى

على أنّ السبكي أورد خبر امتناع الحاكم من رواية شيء في فضل معاوية، وكذّبه جدّاً، وإليك نصّ الخبر عنده عن ابن طاهر قال: « سمعت أبا الفتح سمكويه بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمّي يقول: دخلت على أبي عبد الله الحاكم - وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد، من أصحاب أبي عبد الله، وذلك أنّهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج - فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه الفتنة؟ فقال: لا يجئ من قلبي - يعني معاوية - ».

فقال السّبكي: « والغالب على ظنّي أنّ ما عزي إلى أبي عبد الرحمن

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373