نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 373

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 306308 / تحميل: 6989
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج الى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها الى أن توفي سنة ١١٠، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به»(١) .

وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه الشديد لاهل البيتعليهم‌السلام الى حد ضعف الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ووصف روايته بالاختلاف والاضطراب، الى غير ذلك من آيات اعراضه عن أهل البيت والائمة الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد حرورية واعوجاجاً من ابن سعد.

٢٤ - عطية من رجال أحمد

ان عطية هذا من رجال أحمد بن حنبل في ( مسنده ) - كما ستعرف - وأحمد لا يروى الا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في مقام توثيق رجال سند حديث: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » وهو الحديث الاول من الباب الاول من كتابه، قال بعد كلام له: « وأحمدرحمه‌الله لم يكن يروي الا عن ثقة، وقد صرح الخصم [ يعنى ابن تيمية ] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كما لك وأحمد بن حنبل وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروى الا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٦.

(٢). شفاء الاسقام ١٠ - ١١.

٤١

وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لان عدم رواية أحمد عن غير الشقة لا يخلو اما انه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة، لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضاً، فلا شك في ثقته على الصورتين.

٢٥ - اكثار أحمد الرواية عن عطية

لقد أخرج أحمد في ( مسنده ) عن عطية روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل انه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد الوهاب السبكي في ( طبقات الشافعية ) حيث قال بترجمته: « وقال أبو موسى المديني لم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته ».

وبهذا كله ظهر أن نسبة تضعيف عطية الى أحمد افك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟

٢٦ - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي

لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال(١) بعد أن أورد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك « فان قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال: وحدثت بهذا الحديث أو

__________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٤٢.

٤٢

سمع مني هذا الحديث محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه.

والجواب: ان عطية العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فانما استطرفه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا أحله الا لطاهر لا لحائض ولا جنب »، وعند الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخصوصاً بأشياء ».

٢٧ - قال ابن معين: صالح

ان نسبة تضعيف عطية الى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري - وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة عطية ما نصه: « قال الدوري عن ابن معين صالح »(١) .

فسقط ما نسبه ابن الجوزي الى ابن معين.

٢٨ - عطية من رجال بعض الصحاح

ان عطية من رجال ( الادب المفرد ) للبخاري و ( صحيح الترمذي ) و ( صحيح أبي داود )، وهذان الاخيران من ( الصحاح الستة ) عندهم، بل ان الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه.

وعظمة مرويات ( الصحاح الستة ) وجلالة رواتها عند ابناء السنة قديماً وحديثاً واضحة لا تحتاج الى بيان، فان أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئاً فانما يفيد اسقاط الصحاح لا غير.

٢٩ - لم يتفرد عطية عن أبى سعيد به

ان اقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة يائسة

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٥.

٤٣

لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض كونه ضعيفاً غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالاسانيد والطرق والالفاظ المتكثرة.

نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضاً - وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي، و ( جواهر العقدين ) للسمهودي، و ( وسيلة المآل ) لابن باكثير و ( الصراط السوي ) للشيخاني القادري.

٣٠ - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبى سعيد

ثم انه لو سلمنا كون عطية ضعيفاً، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه - على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية.

٣١ - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد القدوس

وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ محمد بن عيسى بن الطباع اياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور: « وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى انه قال: هو ثقة »(١) .

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٤٤

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « وحكي عن محمد بن عيسى انّه قال: هو ثقة »(١) .

ترجمة محمد بن عيسى بن الطباع

قال الذهبي بترجمته: « ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: ثقة.

قلت: توفى سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله تصانيف ومعارفرحمه‌الله

قال الاثرم: قال أحمد بن حنبل: ان ابن الطباع لبيب كيس - يعني محمد بن عيسى - و قال البخاري: سمعت علياً قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول: اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما »(٢) .

وترجم له أيضاً بقوله: « وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل الثغر بأذنة، سمع مالكاً وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحواً من أربعين ألف حديث »(٣) .

٣٢ - توثيق ابن حبان عبد الله بن عبد القدوس

وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضاً، فقد أورده في الثقات قائلا: « عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٤١١.

(٣). العبر ١ / ٢٩٣.

٤٥

يروي عن الاعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و [ محمد ] ابن حميد، [ ربما أغرب ] »(١) .

وقال ابن حجر بترجمته: « ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب »(٢) .

ثم ان لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لان ابن حبان ممن يعادي أهل البيتعليهم‌السلام ويسيء اليهم، فقد زعم بالنسبة الى الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطيء كما لا يخفى على من راجع ( الميزان للذهبي ٣ / ١٥٨ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨ ) لابن حجر العسقلاني.

وظاهر أن هكذا ناصبي عنيد لا يوثق الرافضي أبداً.

٣٣ - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس

ولقد وثق البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) اذ قال: « وثقه البخاري وابن حبان ».

وقال العسقلاني بترجمته: « قال البخاري: هو في الاصل صدوق، الا أنه يروي من أقوام ضعاف »(٣) .

ولا يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج ) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحاً في عبد الله بن عبد القدوس لتوجه الى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع.

هذا كله مع أن عبد الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين

__________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٣). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

٤٦

- الذي أورده ابن الجوزي - عن الاعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا

٣٤ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال البخاري

وعبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح البخاري ) في تعليقاته، كما في رمز « خت » الموضوع له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠ ) وغيرها.

ولما ثبت من كلمات علمائهم المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وان كان في تعليقاته، فلا قيمة لطعن أي طاعن.

قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: « وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لاي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما ما انضاف الى ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة اجماع الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا اذا خرج له في الاصول.

فأما ان أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجاته من اخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الامام، فلا يقبل الا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً او في ضبطه لخبر بعينه، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك انه لا يلتفت الى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه الا بحجة ظاهرة،

٤٧

وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما »(١) .

وبما ذكره صرح الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عند ما ذكر الصحيحين(٢) .

فعلى فرض ثبوت طعن يحيى بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فان الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي للاعراض عنه وعدم الالتفات اليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.

٣٥ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي

وان عبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح الترمذي ) أيضاً، كما يعلم من رمز « ت » المعين له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) وغيرهما.

٣٦ - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث

ولو تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحاً، فان ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الاعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله بن عبد القدوس بروايته عن الاعمش، فلقد رواه عن الاعمش: محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، كما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن ( مسند أحمد ) و ( صحيح الترمذي ).

فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيداً لظهر لك ان

__________________

(١). هدى الساري ٢ / ١٤٢ - ١٤٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ١٦.

٤٨

رواية عبد الله لهذا الحديث عن الاعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضاً لك صدقه في روايته عن الاعمش.

أضف الى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في روايته حديث الثقلين عن الاعمش، كذلك الاعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضاً: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو اسرائيل اسماعيل بن خليفة العبسي الملائي، وهارون بن سعد العجلى، وكثير بن اسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف على ناظر أحاديث ( مسند ) أحمد و ( معاجم ) الطبرانيّ في الباب.

٣٧ - ما أورده في جرح ابن داهر مجمل

وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: « واما ابن داهر فقال احمد ويحيى ليس بشىء، ما يكتب منه انسان فيه خبر » فهو مردود بأن الطعن هذا - على تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع ( التدريب ) للسيوطي وغيره، ويتضح لكل متتبع لاقوال الفحول والمحققين من القوم: ان الطعن المبهم لا يقبل من أي كائناً من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية.

ثم ان السبب في اساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر انما هو اكثاره رواية فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: « قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو متهم في ذلك »(١) .

ولا شك في ان الطعن في هكذا رجال لمثل هذه الاسباب غير مسموع، لانه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن اهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٧.

٤٩

٣٨ - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث

وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جداً، لانه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فان وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنّه غافل عن أن المراجعة الواحدة لمسند احمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته.

٣٩ - استنكار المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث

ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من اكابر محققيهم وأعاظم محدثيهم ايراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتابه ( العلل المتناهية ) ومنهم:

١ - سبطه ، حيث قال في ( التذكرة ) بعد أن نقل الحديث عن مسند احمد: « فان قيل: فقد قال جدك في كتاب ( الواهية ): أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، عن محمد بن المظفر، عن محمد العتيقى، عن يوسف بن الدخيل عن ابى جعفر العقيلي، عن احمد الحلواني، عن عبد الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الاعمش، عن عطية، عن ابى سعيد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي، وابن داهر ليس بشيء.

قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه احمد في ( الفضائل )، وليس في اسناده احد ممن ضعفه جدي، وقد اخرجه ابو داود في سننه والترمذي أيضاً وعامة المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ارقم: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى آخر ما سبق ».

٢ - السخاوي حيث قال بعد ايراد الحديث وتأييده « وتعجبت من

٥٠

ايراد ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، بل أعجب من ذلك قوله « انه حديث لا يصح » مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في ( صحيح ) مسلم »(١) .

٣ - السمهودي بعد اثبات الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، فاياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ »(٢) .

ولا يخفى أن هذا الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبى الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن ابى عاصم، ومسند البزار، والخصائص للنسائي، ومسند أبى يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة، والمصاحف لابن الانباري، والامالي للمحاملى، والولاية لابن عقدة، والطالبيين للخفاجى، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الاولياء لابي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن طاهر المقدسي وغيرها.

ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟

نعم كان، الا أنه شاء ان يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء الا ان الله كشف سره وهتك ستره بأيدى أهل نحلته. والحمد لله رب العالمين.

٤ - ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) و ( تتمة الصواعق )، فقال بعد أن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٥١

روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن ارقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم غدير خم ».

ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء ورواياته الكثيرة.

وقال في ( تتمة الصواعق ): « ولم يصب ابن الجوزي في ايراده في ( العلل المتناهية ) ».

٥ - المناوى : « قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه ابو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الاخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي »(١) .

٦ - حسن زمان في ( القول المستحسن ) عن المناوي بلفظه.

٧ - الشيخانى القادرى في ( الصراط السوي ) بعد أن ذكر الحديث قال: « وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في ( واهياته ) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ».

٤٠ - رواية ابن الجوزي حديث الثقلين

لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في ( كتاب المسلسلات )(٢) في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما ايراده اياه في ( العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ) فلعله كان قبل روايته اياه بهذا الطريق، أو أنه يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، ان لم يكن غفلة أو تعصباً وعلى كل حال فهذا نص ما جاء في المسلسلات:

__________________

(١). فيض القدير ٣ / ١٤ - ١٥.

(٢). نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في حياة المؤلف سنة ٥٨١ كتبها على بن ملكداد الجنزى وفي آخرها قراءات وسماعات أهمها ما هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم ٣٧ ق ٦ - ٢٧، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ) فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ - ب.

٥٢

« الحديث الخامس »: قال شيخنا أدام الله أيامه: انا محمد بن ناصر قال: انا محمد بن علي بن ميمون قال: انا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد الفزاري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الازدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:

عن أبى بكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد علي الحوض راية علي أمير المؤمنين وامام الغر المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء.

قال الشيخ: اشهدوا علي عند الله ان أبا الفضل بن ناصر حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا الغنائم بن النرسي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا عبد الله محمد بن علي العلوي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان القاضي محمد بن عبد الله حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسين بن محمد بن الفرزدق حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسن بن علي بن بزيع حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان يحيى بن حسن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله أن أبا عبد الرحمن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحارث بن حصيرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان صخر بن الحكم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان حبان بن الحارث حدثني بهذا، قال: اشهدوا علي عند الله ان الربيع بن جميل الضبي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان مالك بن ضمرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا ذر الغفاري حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان

٥٣

جبرئيلعليه‌السلام حدثني بهذا عن الله جل وجهه وتقدست أسماؤه ».

٥٤

*(٣)*

قدح ابن تيمية

قال ابن تيمية في كتابه الذي ألفه رداً على العلامة الحلّيرضي‌الله‌عنه :

« قال الرافضي: العاشر - ما رواه الجمهور من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق. وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الامام.

والجواب من وجوه:

أحدها - ان لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال: اما بعد أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب

٥٥

ربي، وانّي تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمر بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكبها الى الناس: اللهم اشهد - ثلاث مرات.

واما قوله « وعترتي فإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض »، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا أنه لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على ان أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، لكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه »(١) .

وهذا الكلام يشتمل على أباطيل:

١ - دعوى عدم دلالة الحديث على وجوب التمسك بالعترة

أما ما زعمه من دلالة لفظ حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) على وجوب التمسك بالكتاب فقط، وأنه لا دلالة فيه على وجوب التمسك بالعترة، فهو - بالاضافة الى بعده عن دأب المحدثين وأهل الكلام - يفيد سوء فهمه وكثرة وهمه. ولما كان كلام الشيخ محمد أمين بن محمد معين السندي - وهو

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤ - ١٠٥.

٥٦

من أكابر محدثي أبناء السنة المتأخرين - حول رواية مسلم المذكورة كافياً في الرد على هذا الزعم الفاسد، فاننا ننقله بنصه:

تحقيق محمد أمين السندي في معنى الحديث

« ووجدنا في أهل البيت سلام الله تعالى عليهم أجمعين وتحيته، حديث التمسك المشهور، وفتشنا عن مخرجيه، فاذا هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، ولفظه من حديث زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد يا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وحث فيه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات - الحديث.

فنظرنا فيه فوجدناه يعبر عن القرآن واهل البيت بالثقلين، وهو كل نفيس خطير مصون، ففهمنا نفاسة أهل البيت وخطرهم وصونهم من قبيل كل تلك الاوصاف التي للقرآن، للجمع بينهما بذلك، وعلمنا أن هذه الأوصاف وغيرها للقرآن، يرجع عمدتها الى إفادة علوم المعارف الالهية والاحكام الشرعية، فظننا أنها في أهل البيت على منوالها في القرآن راجعة الى افادة تلك العلوم، وقد اعتضدنا في هذا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه واني تارك فيكم الثقلين »، فان النبي لا يوصى أمته بعده الا بالقيام على الحق والسنة، فترك الثقلين فيها والوصية بهما ليس الا لكونهما خليفتين منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الارشاد الى ذلك.

فظننا أنه كما وقع التصريح بالتمسك بكتاب الله فكذا المراد التمسك بأهل البيت، ان كان قوله « أهل بيتي » عطفاً على أولهما بتقدير لفظ « ثانيهما » بقرينة القرين أو فهمه من غير تقدير، ولا صحة لعطفه على « كتاب الله »

٥٧

للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأساً، فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم. وان كان عطفاً على « بكتاب الله » في قوله: « فتمسكوا بكتاب الله » - وهو القريب الظاهر من الوجه الاول - وفيهم كونه ثاني الامرين من الامر بالتمسك كالاول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.

وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءاً على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظاً في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فاذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك امر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه ابلغ، وهو قوله: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصاً من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآمنا به في نظائره من صحاح الاحاديث، والحمد لله رب العالمين.

ومع هذا لم نال جهداً في طلب الطرق الاخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضاً، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: انى أوشك أن أدعي فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.

٥٨

فازددنا منه أن كل اخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وان كان وحياً من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده الى الله سبحانه فقال: « أخبرني اللطيف الخبير »، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انهما لن يفترقا » ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مراداً - بل هو اخبار من الله سبحانه وتعالى، وان قوله في بعض الروايات « اني سألت لهما ذلك » دعاء مجاب متحتم باخبار اللطيف تعالى.

ومن تجلي ألفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبداً، والى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين اسماء الله تعالى.

وعدم الافتراق هذا بينهما انما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الاحكام الالهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والاخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لان يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.

ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فاذاً قد ورد في خبر قريش: « وتعلموا منهم فانهم اعلم منكم »، فقلنا اذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.

ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصاً فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » فعلمنا انهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث

٥٩

على التمسك في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وايدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) انتهى.

وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أن القرآن حبل ممدود من السماء فكذلك اهل هذا البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين. وقد قال قائلهم (ع) مخبراً عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

وفينا كتاب الله انزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

ومما نزل فيهم من الكتاب الآية المتقدمة، وقد ذكر جملة ما نزلت فيهم من الآيات الشيخ أبو الفضل ابن حجر في الصواعق فليطلب فيه.

وكذلك أيدنا فيه ما ثبت عن سيد الساجدين عليه وعلى آبائه التسليمات الناميات المباركات والتحيات الطيبات الزاكيات: انه اذا كان تلى قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقرأ دعاءاً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: « وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر » الى ان قال: « فإلى من يفزع خلف هذه الامة وقد درست أعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) ، فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم، الا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله تعالى بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الافات، وافترض مودتهم في الكتاب » انتهى. و ذكره ابن حجر في الصواعق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣