نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 332

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 332 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 162912 / تحميل: 7038
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[ ويلزمه كفن الزوجة ](١) وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وقال في الآخَر : لا يلزمه كفنها - وبه قال أحمد - لأنّ النفقة وجبت في مقابلة الاستمتاع وقد فات بالموت ، فسقطت النفقة ، بخلاف الأقارب ، فإنّ قرابتهم باقية(٣) .

وينتقض بالعبد ؛ فإنّ النفقة وجبت بالملك وقد زال بموته ومع هذا يجب تجهيز العبد.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يكفّن الكفن الواجب ، وهو ثلاثة أثواب : مئزر ، وقميص ، وإزار عندنا.

ومَن اقتصر في الواجب على الواحد اقتصر عليه(٤) هنا.

ولا يجوز أن يكفّن أزيد ممّا تستحبّ زيادته ، إلّا بإذن الغرماء.

مسألة ٣٠٩ : لا يؤمر المفلس بتحصيل ما ليس بحاصلٍ له‌ وإن لم يُمكَّن من تفويت ما عنده حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جانٍ ، فله القصاص ، ولا يلزمه أن يعفو على المال ؛ لأنّه اكتساب.

ولو أوجبت الجناية المالَ ، لم يكن له العفو مجّاناً ؛ لأنّه تفويت ، إلّا بإذن الغرماء.

وكذا لو قُتل المفلس ، لم يكن لوارثه العفوُ مجّاناً إن كان قُتل خطأً.

ولو أسلم في شي‌ء ، لم يكن له أن يقبض أدون صفةً أو قدراً ، إلّا بإذن الغرماء.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٧.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٧ ، المغني ٤ : ٥٣٤ - ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليها ». والصحيح ما أثبتناه.

٦١

فإذا قُسّم ماله وقصر عن الديون أو لم يكن له مالٌ ألبتّة ، لم يؤمر بالتكسّب ولا بأن يؤاجر نفسه ليصرف الأُجرة والكسب في الديون أو في نفقتها - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (٢) .

ولما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري : أنّ رجلاً أُصيب في ثمار ابتاعها فكثر دَيْنه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تصدّقوا عليه » فتصدّقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خُذُوا ما وجدتم [ و ](٣) ليس لكم إلّا ذلك »(٤) .

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حجر على معاذ لم يزد على بيع ماله(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٦) .

واستعدت امرأة على زوجها عند أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه لا ينفق عليها وكان زوجها معسراً ، فأبى أن يحبسه وقال : « إنّ مع العسر يسراً »(٧) ولو كان التكسّب واجباً لأمر به.

ولأنّ هذا تكسّب للمال ، فلا يُجبر عليه ، كما لا يُجبر على قبول الهبة‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٢٢ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، المغني ٤ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٧.

(٢) البقرة : ٢٨٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٥٧ ، الهامش (٤)

(٥) راجع : الهامش (٤) من ص (٧)

(٦) التهذيب ٦ : ٢٩٩ / ٨٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٦.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٨٣٧.

٦٢

والصدقة ولا تُجبر المرأة على التزويج لتأخذ المهر ، كذا هنا.

وعن مالك رواية أُخرى : أنّه إن كان ممّن يعتاد إجارة نفسه ، لزمه(١) .

وقال أحمد - في الرواية الشهيرة عنه - وإسحاق : يؤاجر ، فإن امتنع أجبره القاضي - وبه قال عمر بن عبد العزيز وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله باع سرقاً في دَيْنه ، وكان سرق رجلاً دخل المدينة وذكر أنّ وراءه مالاً ، فداينه الناس ، فركبته الديون ولم يكن وراءه مال ، فأُتي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسمّاه [ سرقاً ](٢) وباعه بخمسة أبعرة. قالوا : والحُرّ لا يجوز بيعه ، فثبت أنّه باع منافعه. رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ثمّ ينظر فإن كان له مالٌ أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مالٌ دَفَعَه إلى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم آجروه ، وإن شئتم استعملوه »(٤) وذكر الحديث.

ولأنّ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحّة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة ، كالأعيان(٥) .

والحديث الذي رووه من طريق العامّة منسوخ بالإجماع ؛ لأنّ البيع وقع على رقبته ، ولهذا روي في الحديث أنّ غرماءه قالوا للّذي يشتريه :

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٨.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٠٠ / ٨٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٥.

(٥) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٧ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣.

٦٣

ما تصنع به؟ فقال : أعتقه ، فقالوا : لسنا بأزهد منك في إعتاقه ، فأعتقوه(١) .

وحديث الخاصّة ضعيف السند ؛ لأنّه رواية السكوني ، وهو عامّيّ المذهب.

والمنافع لا تجري مجرى المال في جميع الأحكام ، فإنّه لا يجب عليه الحجّ لأجل المنافع ، ولا الزكاة.

مسألة ٣١٠ : لو كانت له أُمّ ولدٍ أو ضيعةٌ موقوفة عليه ، ففي وجوب مؤاجرتهما نظر‌ : من حيث إنّ المنافع وإن لم تكن مالاً فإنّها تجري مجراها ، فيجعل بدلها للدَّيْن ، ومن حيث إنّ المنافع لا تُعدّ أموالاً حاضرة حاصلة ، ولو كانت تُعدّ من الأموال ، لوجب إجارة المفلس نفسه ، ولوجب بها الحجّ والزكاة. والثاني أقرب.

وللشافعيّة وجهان(٢) كهذين.

فعلى الأوّل يؤاجره مرّةً بعد أُخرى إلى أن يفنى الدَّيْن ، فإنّ المنافع لا نهاية لها ، وقضيّته إدامة الحجر إلى قضاء الدَّيْن. لكنّه كالمستبعد.

وفي جواز بيع أُمّ الولد نظرٌ ، أقربه ذلك إن كانت قد رُهنت قبل الاستيلاد ، فإنّها تُباع في الرهن ، أو كان ثمنها دَيْناً على مولاها ولا وجه له سواها.

مسألة ٣١١ : إذا قسّم الحاكمُ مالَ المفلس بين الغرماء ، انفكّ حجره ، ولا حاجة إلى حكم الحاكم بذلك ؛ لأنّ الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل الغرض ، فيزول الحجر ، وهو أحد قولي الشافعي.

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٢١.

٦٤

والأظهر عنده : أنّه لا بُدَّ من فكّ القاضي ؛ لأنّه حَجْرٌ لا يثبت إلّا بإثبات القاضي ، فلا يرفع إلّا برفعه ، كالسفيه. ولأنّه حجر يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه(١) .

ونمنع الملازمة الأُولى ؛ فإنّ الحجر هنا لمعنىً وقد زال ، بخلاف السفيه ، فإنّه لا يُعلم زواله إلّا بعد الاختيار المستند إلى الحاكم. ولأنّ هذا الحجر لتفريق ماله وقد حصل ، وذلك لحفظ ماله ، فتركه محجوراً عليه يزيد في الغرض. ولأنّه حجر للغرماء وقد اعترفوا بسقوطه.

هذا إذا اعترف الغرماء بأن لا مال له سواه ، ولو ادّعوا مالاً ، فسيأتي.

مسألة ٣١٢ : لو اتّفق الغرماء على رفع الحجر عنه ، فالأقوى رفعه‌ ؛ لأنّ الحجر لهم ، وهو حقّهم ، وهُمْ في أموالهم كالمرتهن في حقّ المرهون ، وهو أحد قولي الشافعي.

والآخَر : أنّه لا يرتفع ؛ لاحتمال أن يكون هناك غريمٌ آخَر - سواهم - غائب ، فلا بُدَّ من نظر الحاكم واجتهاده(٢) .

وإدامة العقوبة بالتجويز غير جائز ، ولهذا إذا قسّم المال ، لم يزل تجويز ورود غريمٍ.

ولو باع المفلس مالَه من غريمٍ بدَيْنه ولا يُعرف له غريمٌ سواه ، فالأقرب : صحّة البيع ؛ لأنّ الحجر عليه لدَيْن ذلك الغريم ، فإذا رضي وبرئت ذمّته ، وجب أن يصحّ ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٥١٩ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ - ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٦٥

والأظهر عنده(١) : أنّه لا يصحّ من غير مراجعة القاضي ؛ لأنّ الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملتمس ، بل يثبت على العموم ، ومن الجائز أن يكون له غريمٌ آخَر(٢) .

والوجهان مفرَّعان على أنّ بيع المفلس من الأجنبيّ لا يصحّ ، فإن صحّ ، فهذا أولى(٣) .

ولو حجر لديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم ، فعلى الخلاف(٤) .

ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دَيْنه ، فهو كما لو باع من الأجنبيّ ؛ لأنّ ذلك لا يتضمّن ارتفاع الحجر ، بخلاف ما إذا باع [ بكلّ الدَّيْن ، فإنّه يسقط الدَّين ، فإذا سقط الدَّيْن ارتفع الحجر.

ولو باع ](٥) من أجنبيّ بإذن الغرماء ، لم يصح(٦) .

والوجه : الصحّة - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - كما يصحّ بيع المرهون بإذن المرتهن.

وإذا قلنا : إنّه إذا فُرّقت أمواله وقُضيت الديون ارتفع الحجر عنه ، صحّ البيع من الغريم بالدَّيْن ؛ لتضمّنه البراءة من الدَّيْن.

ويمكن أن يقال : لا نجزم بصحّة البيع.

وإن قلنا : إنّ سقوط الدَّيْن يُسقط الحجر ؛ لأنّ صحّة البيع إمّا أن تفتقر إلى ارتفاع الحجر أو لا ، فإن افتقرت ، وجب الجزم بعدم الصحّة ، وإلّا لزم‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « عندهم ».

(٢) الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٦٦

الدور ؛ لأنّه لا يصحّ البيع ما لم يرتفع الحجر ، ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدَّيْن ، ولا يسقط الدَّيْن ما لم يصحّ البيع.

وإن لم تفتقر ، فغاية الممكن اقتران صحّة البيع وارتفاع الحجر ، فلتخرج الصحّة على الخلاف فيما إذا قال : كلّما ولدت ولداً فأنت طالق ، فولدت ولداً بعد ولد هل تطلّق بالثاني؟ وفيما إذا قال العبد لزوجته : إن مات سيّدي فأنتِ طالق طلقتين ، وقال السيّد لعبده : إذا متُّ فأنت حُرٌّ ، فمات السيّد ، هل له نكاحها قبل زوج وإصابة؟(١) .

وهذا عندنا لا يتأتّى.

البحث الثالث : في حبسه

مسألة ٣١٣ : مَنْ وجب عليه دَيْنٌ حالّ فطُولب به ولم يؤدّه ، نظر الحاكم فإن كان في يده مالٌ ظاهر‌ ، أمره الحاكم بالقضاء ، فإن ذكر أنّه لغيره ، حكم عليه بإقراره إن صدّقه المـُقرّ له أو لم يُعلم منه تصديق ولا تكذيب.

فإن كذّبه ، لم يقبل منه إقراره ، وألزمه بالخروج من الديون ، فإن امتنع مع قدرته على القضاء، حبسه الحاكم.

ويحلّ لصاحب الدَّيْن الإغلاظ له في القول بأن يقول : يا ظالم ، يا معتدي ، ونحو ذلك ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليّ الواجد يُحلّ عقوبتَه وعِرْضَه »(٢) .

والليّ : المطل. والعقوبة : حبسه. والعرض : الإغلاظ له في القول.

وقالعليه‌السلام : « إنّ لصاحب الحقّ مقالاً »(٣) .

ولو ظهر عناده بإخفاء ماله وعلم يساره وتمكّنه ، كان للحاكم ضربه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٥ / ١٦٠١.

٦٧

ولو لم يكن في يده مالٌ ظاهر ، فإن كان أصل الدعوى مالاً أو كان قد عُرف له أصلُ مالٍ ثمّ خفي أمره ، طُولب بالبيّنة على الإعسار. وإن كانت الدعوى غرامةً عن إتلافٍ أو جناية ولم يُعرف له قبل ذلك أصلُ مالٍ ، حكم بقوله مع اليمين.

مسألة ٣١٤ : إذا ثبت إعسار المديون عند الحاكم بالبيّنة أو بإقرار الغريم ، لم يجز حبسه ولا ملازمته‌ ، ووجب إنظاره ؛ لقوله تعالى :( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .

ولما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لغرماء الذي كثر دَيْنه : « خُذُوا ما وجدتم ، وليس لكم إلّا ذلك »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٣) .

ولأنّ الحبس إمّا لإثبات الإعسار أو لقضاء الدَّيْن ، والأوّل ثابت ، والقضاء متعذّر ، فلا فائدة في الحبس.

وقال أبو حنيفة : للغريم ملازمته ، لكن لا يمنعه من التكسّب(٤) .

مسألة ٣١٥ : إذا كان للمديون مالٌ ، أمره الحاكم ببيعه وإيفاء الدَّيْن من ثمنه مع مطالبة أربابها‌ ، فإن امتنع ، باع الحاكم متاعه عليه ، وقضى منه الدَّيْن ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .‌

____________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٥٧ ، الهامش (٤)

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٦١ ، الهامش (٦)

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٤٥ ، الهامش (١)

٦٨

وقال أبو حنيفة : لا يبيع الحاكم ، بل يحبس الغريم إلى أن يبيع هو بنفسه(١) .

وقد تقدّم(٢) البحث في ذلك.

وهل للحاكم أن يحجر عليه؟ الأقرب عندنا : المنع ؛ لأنّ التقدير أنّه متمكّن من الإيفاء ، فلا معنى للحجر ، بل يُحبس أو يُباع عليه ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : أنّه يحجر عليه إذا التمسه الغرماء ؛ لئلّا يتلف ماله(٣) .

ولو أخفى ماله ، حبسه القاضي حتى يُظهره.

روي أنّهعليه‌السلام قال : [ « ليّ الواجد يُحلّ عِرْضَه وعقوبته »(٤) .

قال المفسّرون : أراد بالعقوبة الحبس و ](٥) الملازمة ، فإن لم ينزجر [ بالحبس ](٦) زاد في تعزيره بما يراه من ضرب وغيره.

ولو كان له مالٌ ظاهر ، فهل يحبسه لامتناعه؟ الأولى ذلك ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حبس رجلاً أعتق شقصاً له من عبد في قيمة الباقي(٧) .

فإن ادّعى أنّه قد تلف ماله وصار معسراً ، فعليه البيّنة ، فإن شهدوا على التلف ، قُبلت شهادتهم ولم يُعتبر فيهم الخِبْرة الباطنة. وإن شهدت على إعساره ، قُبلت إن كانوا من أهل الخِبْرة الباطنة.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (٥)

(٢) في ص ٤٥ ، المسألة ٢٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥.

(٥ و ٦) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، وراجع سنن البيهقي ٦ : ٤٩.

٦٩

ويُحمل قولهم : « إنّه(١) معسر » على أنّهم وقفوا على تلف المال.

فإن ادّعى المديون أنّه معسر لا شي‌ء له ، أو قُسّم مال المحجور على الغرماء وبقي بعض الدَّيْن فزعم أنّه لا يملك شيئاً آخَر وأنكر صاحب الدَّيْن أو الغرماء إعسارَه ، فإن كان الدَّيْن لزمه في مقابلة مالٍ - كما إذا ابتاع أو استقرض ، أو باع سَلَماً - فهو كما لو ادّعى هلاك المال ، فعليه البيّنة. وإن لزم لا في مقابلة مالٍ ، قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّ الأصل العدم ، وهو أصحّ وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يُقبل ، ويحتاج إلى البيّنة ؛ لأنّ الظاهر من حال الحُرّ أنّه يملك شيئاً ، قلّ أم كثر.

والثالث : أنّه إن لزمه باختياره - كالصداق والضمان - لم يُقبل قوله ، وعليه البيّنة. وإن لزمه لا باختياره - كأرش الجناية وغرامة المتلف - قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّ الظاهر أنّه لا يشغل ذمّته اختياراً ، ولا يلتزم بما لا يقدر عليه(٢) .

مسألة ٣١٦ : إذا ادّعى المديون الإعسار وكان أصل الدعوى مالاً‌ ، أو كان له مالٌ فادّعى تلفه ، افتقر إلى البيّنة ؛ لأنّ الأصل بقاء المال في يده ، فإذا ادّعى خلاف الأصل ، كان عليه البيّنة. فإن لم تكن بيّنة ، حلف الغرماء على عدم التلف. فإذا حلفوا ، حُبس.

قال ابن المنذر : أكثر مَنْ يُحفظ عنه العلم من علماء الأمصار وقُضاتهم يرون الحبس في الدَّيْن ، منهم : مالك والشافعي وأبو عبيد‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ويُحمل على قولهم : إنّهم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣.

٧٠

والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن وشريح والشعبي(١) .

وقال عمر بن عبد العزيز : يُقسّم ماله بين الغرماء ، ولا يُحبس. وبه قال [ عبيد الله بن أبي ](٢) جعفر والليث بن سعد(٣) .

وإن شهدت البيّنة بتلف ماله ، سُمعت. فإن طلب الغرماء يمينه على ذلك مع البيّنة ، لم يُجابوا؛ لأنّ ذلك تكذيب للشهود.

وإن شهدت البيّنة بالإعسار وقد كان له مالٌ ، لم تُسمع إلّا أن تكون البيّنة من أهل الخِبْرة الباطنة ؛ لأنّ الإعسار أمر خفيّ ، فافتقرت الشهادة به إلى العِشرة الطويلة والاختبار في أكثر الأوقات.

فإن شهدت بذلك وكانت من أهل الخِبْرة الباطنة ، سُمعت الشهادة ، وثبت الإعسار عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقبيصة بن المخارق : « يا قبيصة إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتى يؤدّيها ثمّ يمسك ، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٥ - ١٤٦ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣ ، التفريع ٢ : ٢٤٧ ، التلقين ٢ : ٤٢٩ ، الذخيرة ٨ : ٢٠٤ ، المعونة ٢ : ١١٨٢ ، النوادر والزيادات ١٠ : ١٥ ، التنبيه : ١٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٧ ، الوسيط ٤ : ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ - ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الله بن ». وما أثبتناه كما في الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٦ ، وتاريخ مدينة دمشق ٣٧ : ٤٠٨.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٦ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧.

(٤) المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧.

٧١

قال : سداداً من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصاب فلاناً فاقة ، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال : سداداً من عيش »(١) .

وقال مالك : لا تُسمع البيّنة على الإعسار ؛ لأنّها شهادة على النفي ، فلا تُسمع ، كما لو شهدت أنّه لا حقّ لزيد على عمرو(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذه الشهادة وإن تضمّنت النفي إلّا أنّها تشهد بثبوت حال تظهر ويوقف عليها ، كما لو شهد أن لا وارث غير هذا ، فإنّه تُسمع شهادته ، بخلاف الشهادة بأنّه لا حقّ عليه ؛ لأنّ ذلك ممّا لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصّل بها إلى معرفته ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٣١٧ : تُسمع بيّنة الإعسار في الحال‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ كلّ بيّنةٍ جاز سماعها بعد مدّة جاز سماعها في الحال ، كسائر البيّنات.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع في الحال ، ويُحبس المفلس. واختلف أصحابه في الضابط لمدّة الحبس. فقال بعضهم : يُحبس المفلس شهرين ثمّ تُسمع البيّنة. وقال الطحاوي : يُحبس شهراً. وروي ثلاثة أشهر. وروي أربعة أشهر حتى يغلب على ظنّ الحاكم أنّه لو كان له مال لأظهره(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن النسائي ٥ : ٨٩ ، ولا يخفى أنّ الحديث ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة بتفاوت وتقديمٍ وتأخيرٍ في بعض الكلمات والجملات. والمثبت قريب لما في المصادر.

(٢) النوادر والزيادات ١٠ : ١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٨٦ ، الوسيط ٤ : ١٧ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

(٤) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٥ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

٧٢

وليس بصحيح ، وإلّا لاستُغني بذلك عن البيّنة.

مسألة ٣١٨ : إذا أقام مدّعي الإعسار البيّنةَ ، شرط فيها أن يكونوا من أهل الخِبْرة الباطنة‌ والعشرة المتقادمة وكثرة الملابسة سرّاً وجهراً وكثرة المجالسة وطول الجوار ، فإنّ الأموال قد تخفى ولا يُعرف تفصيلها إلّا بأمثال ذلك. فإن عرف القاضي أنّهم من أهل الخِبْرة ، فذاك ، وإلاّ جاز له أن يعتمد على قولهم إذا كانوا بهذه الصفة.

ويكفي شاهدان على ذلك ، كما في سائر الأموال.

وقال بعض الشافعيّة : لا تُقبل هذه الشهادة إلّا من ثلاثة(١) ؛ لأنّ رجلاً ذكر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جائحة أصابت مالَه ، وسأله أن يُعطيه من الصدقة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه »(٢) .

وهو محمول على الاحتياط والاستظهار.

وإذا لم يُعرف له أصل مالٍ ولم يكن أصل الدعوى مالاً ، قُدّم قوله فيحلف وتسقط عنه المطالبة.

وإن أقام بيّنةً بالإعسار ، قُبلت.

فإن طلب غريمه يمينه مع البيّنة ، لم يُجب إليه ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر »(٣) .

وقال الشافعي : يحلف(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، وراجع المصادر في الهامش (١) من ص ٧١.

(٣) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، وفيه : « على مَنْ أنكر ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٩.

٧٣

وهل الإحلاف واجب أو مستحبّ؟ قال في حرملة : إنّه واجب ؛ لجواز أن يكون له مال لم تقف عليه البيّنة ، فإذا ادّعى ذلك ، حلف له(١) .

وقال في الأُمّ : إنّه مستحبّ ؛ لأنّ ذلك قدح في الشهادة فلم يُسمع ، كما إذا شهد شاهدان على رجل أنّه أقرّ لزيد بكذا ، فقال المـُقرّ له : احلفوا لي المـُقرّ أنّني أقررت له ، لم يلزم ؛ لأنّه قدح في الشهادة ، كذا هنا(٢) .

مسألة ٣١٩ : صورة الشهادة بالإعسار يجب أن تكون على الإثبات المتضمّن للنفي‌ ، ولا يجعل الشهادة على النفي صرفة خالصةً عن الإثبات ، فيقول الشهود : إنّه معسر لا يملك إلّا قوت يومه وثياب بدنه. وإن قالوا مع ذلك : « إنّه ممّن تحلّ له الصدقة » كان جيّداً ، وليس شرطاً.

ولا يقتصرون على قولهم : لا شي‌ء له ، لئلّا تتمحّض شهادتهم نفياً لفظاً ومعنى. فإن طلب الغرماء إحلافه مع البيّنة ، لم يلزم ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه. وفي الثاني : أنّه مستحبّ(٣) .

نعم ، لو ادّعى أنّ له مالاً لا يعرفه الشاهد ، فالأقوى عندي أنّ له إحلافه على ذلك ؛ لإمكان صدقه في دعواه ، وحينئذٍ تتوقّف اليمين على استدعاء الخصم ؛ لأنّها حقّه :

ويجوز أن يعفو عنها ، فلا يتبرّع الحاكم بإحلافه.

والشافعي لمـّا أثبت اليمين مطلقاً إمّا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب - على اختلاف قوليه - تردّد في أنّه هل يتوقّف الحلف‌

____________________

(١) لاحظ : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٢) لاحظ الأُمّ ٣ : ٢١٢ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

٧٤

على استدعاء الخصم؟ على وجهين :

أحدهما : لا ، كما لو كانت الدعوى على ميّت أو غائب ، وعلى هذا فهو من آداب القضاء.

وأظهرهما : نعم ، كيمين المدّعى عليه(١) .

مسألة ٣٢٠ : قد بيّنّا أنّه يُقبل قوله في الإعسار إذا لم يُعرف له سابقة مال‌ ، مع يمينه ، فحينئذٍ نقول : إنّه يُقبل في الحال ، كما لو أقام البيّنة تُسمع في الحال ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : يتأنّى القاضي ويبحث عن باطن حاله ، ولا يقنع بقوله ، بخلاف ما إذا أقام البيّنة(٣) .

وحيث قلنا : إنّه لا يُقبل قوله إلّا بالبيّنة لو ادّعى أنّ الغرماء يعرفون إعساره ، كان له إحلافهم على نفي المعرفة ، فإن نكلوا ، حلف ، وثبت إعساره. وإن حلفوا ، حُبس. وكلّما ادّعى ثانياً وثالثاً وهلُمّ جرّاً أنّه قد ظهر لهم إعساره ، كان له تحليفهم ، إلّا أن يعرف القاضي أنّه يقصد الإيذاء واللجاج. فإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلّيّة.

ولو كان غريباً لا يتمكّن من إقامة البيّنة ، وكّل به القاضي مَنْ يبحث عن منشئه ومنتقله ويفحص عن أحواله بقدر الطاقة ، فإذا غلب على ظنّه إفلاسه ، شهد به عند القاضي ؛ لئلّا تتخلّد عليه عقوبة السجن.

مسألة ٣٢١ : إذا ادّعى الإعسار وأقام البيّنة عليه ، لم يكن للغرماء مطالبته باليمين مع البيّنة على ما تقدّم‌(٤) ، سواء شهدت البيّنة بالإعسار أو‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٤) في ص ٧٢ ، ضمن المسألة ٣١٨.

٧٥

بتلف المال الذي كان في يده ، وهو أحد قولي الشافعي ، وظاهر كلام أحمد(١) .

ولهما قولٌ آخَر : إنّه يستحلف ؛ لاحتمال أن يكون له مالٌ لا يعرفه الشهود(٢) .

ويُحتمل قويّاً إلزامه باليمين على الإعسار إن شهدت البيّنة بتلف المال ، وسقوطها عنه إن شهدت بالإعسار ؛ لأنّها إذا شهدت بالتلف ، صار كمن ثبت له أصل مالٍ واعترف الغريم بتلفه وادّعى مالاً غيره ، فإنّه يلزمه اليمين ، كذا هنا إذا قامت البيّنة بالتلف ، فإنّها لا تزيد على الإقرار.

مسألة ٣٢٢ : لو ثبت الإعسار ، خلّاه الحاكم على ما تقدّم‌(٣) ، فإن عاد الغرماء بعد أوقات وادّعوا أنّه استفاد مالاً ، وأنكر ، قُدّم قوله مع اليمين وعدم البيّنة ، وعليهم إقامة البيّنة ، فإن جاؤا بشاهدَيْن شهدا بأنّهما رأيا في يده مالاً يتصرّف فيه ، أخذه الغرماء.

فإن قال : أخذته من فلان وديعةً أو مضاربةً ، وصدّقه المـُقرّ له ، حُكم عليه بذلك ، وليس للغرماء فيه حقٌّ.

وهل للغرماء إحلافه على عدم المواطأة مع المـُقرّ له وأنّه أقرّ عن تحقيقٍ؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّه لو رجع عن إقراره لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

ويُحتمل إحلافه ؛ لجواز المواطأة ، فإذا امتنع من اليمين ، حُبس حتى يسلّم المال ، أو يحلف. ولأنّه لو أقرّ بالمواطأة ، حُبس على المال مع تصديق الغير.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩.

(٣) في ص ٦٧ ، المسألة ٣١٤.

٧٦

ولو طلب الغرماء يمين المـُقرّ له ، فالأقرب : أنّ لهم إحلافَه ؛ لأنّه لو كذّب المـُقرّ ثبت المال لهم ، فإذا صدّقه ، حلف.

وللشافعي الوجهان(١) .

وإن كذّبه المـُقرّ له ، صرف إليهم ، ولم يُفدْ إقراره شيئاً.

ولو أقرّ به ثانياً لغير الأوّل ، لم يلتفت إليه.

ولو أقرّ به لغائبٍ ، وقف حتى يحضر الغائب ، فإن صدّقه ، أخذه ، ولا حقّ فيه للغرماء. وإن كذّبه ، أخذه الغرماء ، أو يحلف بأنّه للغائب ، وتسقط المطالبة عنه ؛ لأصالة العسرة ، وإمكان صدقه.

مسألة ٣٢٣ : لو ادّعى الغرماء بعد فكّ الحجر أنّه قد استفاد مالاً ، كان القولُ قولَه مع اليمين وعدم البيّنة‌ ؛ لأنّ الأصل بقاء العسرة.

وإن أقرّ بالمال أنّه استفاده وطلب الغرماء الحَجْرَ عليه ، نظر الحاكم فإن كان ما حصل له يفي بالديون ، لم يحجر عليه. وإن كان أقلّ ، حجر عليه ، وقسّم ماله بين الغرماء.

وإن كان قد تجدّد له غرماء قبل الحجر الثاني ، قسّم بينهم وبين الأوائل - وبه قال الشافعي(٢) - لاستواء حقوقهم في الثبوت في الذمّة حال الحجر ، فأشبه غرماء الحجر الأوّل.

وقال مالك : يختصّ به الغرماء المتأخّرون ؛ لأنّه استفاده من جهتهم(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّا لا نعلم ذلك. ولأنّا نقسّم مال المفلس بين غرمائه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٥١.

٧٧

وزوجته وإن كان حقّها ثبت لا بمعاوضةٍ.

مسألة ٣٢٤ : لو ثبت للولد على والده مالٌ وكان الأب معسراً ، لم تحلّ مطالبته‌. وإن كان موسراً ، كان له مطالبته إجماعاً.

فإن امتنع من الأداء ، فالأقرب عندي : أنّه لا يُحبس لأجل ولده ؛ لأنّ الحبس نوع عقوبةٍ ، ولا يعاقب الوالد بالولد.

ولأنّ الله تعالى قد بالغ في الوصيّة في الأبوين حتى أنّهما لو أمراه بالكفر لم يُطعهما ومع ذلك يقول لهما قولاً حسناً(١) .

ولقولهعليه‌السلام : « أنت ومالك لأبيك »(٢) أي في حكم مال الأب ، فكما أنّه لا يُحبس في ماله ، كذا في مال ولده الذي هو في حكم ماله.

ولما رواه الحسين بن أبي العلاء عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال : « قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه » قال : فقلت له : فقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال : « أنت ومالك لأبيك » فقال : « إنّما جاء بأبيه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أُمّي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أفكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحبس الأب للابن؟ »(٣) وهذا استفهام في معرض الإنكار ، وهو يدلّ على المراد.

____________________

(١) العنكبوت : ٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ / ٢٢٩١ و ٢٢٩٢ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١١٥ / ٢٢٩١ و ٢٢٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٨١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ١٥٨ / ٢٧٣٦ و ٢٧٤٢ و ٢٧٥٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٠٩ / ٤٥٦ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٤٩ / ١٦٢.

٧٨

وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يُحبس ، وإلّا لعجز الابن عن الاستيفاء ، ويضيع حقّه(٢) .

وهو ممنوع ، بل إذا أثبت الابن الدَّيْنَ عند القاضي ، أخذه القاضي منه قهراً من غير حبس ، وصرفه إلى دَيْنه. ولأنّه قد يتمكّن من أخذه غيلةً ، فلا يكون عاجزاً.

ولا فرق بين دَيْن النفقة وغيرها ، ولا بين أن يكون الولد صغيراً أو كبيراً ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه لا يُحبس ، إلّا في نفقة الولد إذا كان صغيراً أو زَمِناً(٤) .

مسألة ٣٢٥ : لو استؤجر المديون إجارة متعلّقة بعينه ووجب حبسه ، ففي منع الإجارة المتعلّقة بعينه نظر‌ ينشأ : من جواز الحبس مطلقاً ؛ عملاً بإطلاق الأمر ، ومن كون عينه مستحقّةَ المنافع للغير ، فلا يجوز حبسه ؛ لئلّا يتعطّل شغل الغير.

والأقرب : الأوّل.

هذا فيما إذا لم يمكن الجمع بين الحبس واستيفاء المنافع ، أمّا لو لم يمتنع الجمع ، فإنّه يجوز حبسه قطعاً.

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، الوسيط ٤ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠.

٧٩

البحث الرابع : في الاختصاص

مسألة ٣٢٦ : مَنْ أفلس وحجر عليه الحاكم وكان من جملة ماله عينٌ اشتراها من غيره ولم يُقبضه الثمن فوجدها بائعها ، كان بالخيار‌ بين أن يفسخ البيع ويأخذ عينه بالشرائط الآتية ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن - وبه قال في الصحابة : عليّعليه‌السلام وعثمان وأبو هريرة ، وفي التابعين : عروة ابن الزبير ، ومن الفقهاء : مالك والأوزاعي والشافعي والعنبري وأحمد وإسحاق(١) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء »(٢) .

وعن ابن خلدة الزرقي(٣) قاضي المدينة قال : أتينا أبا هريرة في صاحبٍ لنا أفلس ، فقال أبو هريرة : هذا الذي قضى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمر بن يزيد - في الصحيح - عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٩٤ / ٢٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ بتفاوت.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أبي حلوة الفروفي ». وفي « ث ، ج » : « البروقي ». وفي « ر » : « حلوة البروقي ». وكلّها خطأ ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. واسمه : عمر بن خلدة ، كما في المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٠ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٣٨٨ / ٧٢٩.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٩ / ١٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٠ - ٥١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٦ - تضعيف الدارقطني اياه

لقد صرح الدارقطني بعدم ثبوت هذا الحديث المنقول عن ابن عمر وضعف راويه، كما ستعرف ذلك ان شاء الله من عبارة ابن حجر العسقلاني.

ترجمة الدارقطني

وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء على الدارقطني واطرائه، واليك بعض مصادر ترجمته:

الانساب - الدارقطني.

الكامل في التاريخ، حوادث ٣٨٥.

وفيات الاعيان ٢ / ٤٥٩.

تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٩١.

العبر ٣ / ٢٨.

طبقات السبكي ٣ / ٤٦٢.

طبقات الاسنوي ١ / ٥٠٨.

طبقات القراء ١ / ٥٥٩.

طبقات الحفاظ ٣٩٣.

وقد أوردنا طرفاً من كلماتهم في مجلد ( حديث الطير ).

٧ - ابطال ابن حزم إياه

لقد صرح ابن حزم بعدم صحة حديث الاقتداء، فقد قال في استخلاف أبي بكر: « وأيضاً: فان الرواية قد صحت بأن امرأة قالت يا رسول الله: أرأيت ان رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت قال: فأتي أبا بكر. وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر. وأيضاً: فان الخبر قد جاء من الطرق الثابتة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيهعليه‌السلام : هممت أن أبعث الى أبيك وأخيك فأكتب

١٠١

كتاباً وأعهد عهداً لكيلا يقول قائل: أنا أحق، أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر، و روي أيضاً ويأبى الله والنبيون الا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الامة بعده.

قال أبو محمد: ولو أننا نستجير التدليس والامر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. قال أبو محمد: ولكنه لم يصح، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح »(١) .

أقول: وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى عليه النبيه.

ولقد ظهر أيضاً قدحه في هذا الحديث من عبارة ( فيض القدير ) كما تقدم.

ترجمة ابن حزم

قال السمعاني ما ملخصه: « الحافظ المعروف بابن حزم من أفضل أهل عصره بالاندلس وبلاد المغرب، له التصانيف والكتب المفيدة، وكان حافظاً في الحديث، وكان يميل الى مذهب أهل الظاهر »(٢) .

وقال الذهبي ما ملخصه: « وكان اليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والادب والمنطق والشعر، مع الصدق والامانة والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب »(٣) .

وقال السيوطي: « ابن حزم الامام العلامة الحافظ الفقيه أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الفارسي الاصل الترمذي الاموي مولاهم القرطبي الظاهري. كان أولا شافعياً ثم تحول

__________________

(١). الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

(٢). الانساب - اليزيدي.

(٣). العبر ٣ / ٢٣٩، دول الاسلام ١ / ٢٠٧.

١٠٢

ظاهرياً وكان صاحب فنون وورع وزهد، واليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الاندلس قاطبة لعلوم الاسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والاخبار، له ( المجلى ) على مذهبه واجتهاده، وشرحه ( المحلى ) و ( الملل والنحل ) و ( الايصال في فقه الحديث ) وغير ذلك. آخر من روى عنه بالاجازة أبو الحسن شريح بن محمد. مات في جمادى الاولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة »(١) .

٨ - تنصيص العبرى على أنه موضوع

لقد صرح العبري الفرغاني بوضع حديث الاقتداء حيث قال: « وقيل: اجماع الشيخين حجة لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما، والامر للوجوب وحينئذ يكون مخالفتهما حراماً، ولا نعني بحجية اجماعهما سوى ذلك.

الجواب: ان الحديث موضوع لما بينا في شرح الطوالع »(٢) .

ترجمة الفرغاني

ولقد قال الاسنوي بترجمة الفرغاني ما نصه: « الشريف برهان الدين عبيد الله الهاشمي الحسيني المعروف بالعبري - بعين مكسورة ثم باء موحدة ساكنة - كان أحد الاعلام في علم الكلام والمعقولات، ذا حظ وافر من باقي العلوم، وله التصانيف المشهورة »(٣) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « كان عارفاً بالاصلين وشرح مصنفات ناصر الدين البيضاوي وذكره الذهبي في المشتبه في العبري فقال: عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة، ومات في شهر رجب سنة ٧٤٣.

__________________

(١). طبقات الحفاظ ٤٣٦.

(٢). شرح المنهاج - مخطوط.

(٣). طبقات الشافعية ٢ / ٢٣٦.

١٠٣

قلت: رأيت بخط بعض فضلاء العجم انه مات في غرة ذي الحجة منها وهو أثبت، ووصفه فقال: هو الشريف المرتضى قاضي القضاة، كان مطاعاً عند السلاطين، مشهوراً في الافاق مشاراً اليه في جميع الفنون، ملاذ الضعفاء كثير التواضع والانصاف »(١) .

وقال اليافعي: « الامام العلامة قاضي القضاة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي البارع العلامة المناظر، يضرب بذكائه ومناظرته المثل، كان اماماً بارعاً متفنناً، تخرج به الاصحاب، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي وأقرأهما وصنف فيهما، وأما الاصول والمعقول فتفرد فيهما بالامامة، وله تصانيف وكان استاذ الاستاذين في وقته »(٢) .

وبمثل ما تقدم ترجمه الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ٤١١ ) وتقي الدين ابن قاضي شهبة الاسدي في ( طبقات الشافعية - ٢ / ١٨٣ ).

٩ - تغليط الذهبي اياه

لقد غلط الذهبي حديث الاقتداء المروي عن ابن عمر، وأظهر بطلانه مرة بعد أخرى، فقال: « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر بحديث اقتدوا باللذين من بعدي. وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه »(٣) .

وقال: « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل عن اسماعيل بن أبي أويس وشيبان وقرة بن حبيب، وعنه ابن كامل وابن السماك وطائفة، وكان من كبار الزهاد ببغداد، قال ابن عدي سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول قلت لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدث بها؟ قال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة.

__________________

(١). الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). مرآة الجنان ٤ / ٣٠٦.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٠٥.

١٠٤

وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجال بغداد، وقال الدارقطني متروك.

ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فهذا ملصق بمالك، وقال أبو بكر النقاش وهو واه.

قال أبو جعفر بن الشعيري: لما حدث غلام خليل عن بكر بن عيسى عن أبي عوانة قلت له: يا أبا عبد الله ما هذا الرجل؟ هذا حدث عنه أحمد بن حنبل وهو قديم لم تدركه، ففكر في هذا، فقلت: لعله آخر اسمه ذلك؟ فسكت، فلما كان من الغد قال لي يا أبا جعفر، علمت اني نظرت البارحة في من سمعت عليه بالبصرة ممن يقال له بكر بن عيسى، فوجدتهم ستين رجلا »(١) .

وقال: « محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري، ذكره العقيلي وقال لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.

حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا ابراهيم بن محمد الحلبي حدثني محمد ابن عبد الله بن عمر بن القاسم أنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي.

فهذا لا أصل له من حديث مالك، بل هو معروف من حديث حذيفة ابن اليمان وقال الدارقطني: البصري هذا يحدث عن مالك بأباطيل، وقال ابن مندة: له مناكير »(٢) .

فظهر أن هذا الحديث مصنوع موضوع.

و قال الذهبي: « عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ١٤١.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٠.

١٠٥

بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

قلت: سنده واه جداً »(١) .

وقال المناوي بشرح الحديث برواية ابن مسعود: « ورواه ك‍ عن ابن مسعود باللفظ المذكور. قال الذهبي وسنده واه جدا »(٢) .

١٠ - ابطال ابن حجر اياه

لقد قال ابن حجر العسقلاني - مقتفياً أثر الذهبي - « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: بحديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه »(٣) .

وقال بعد كلام الذهبي المتقدم حول غلام خليل:

« وقال الحاكم سمعت الشيخ أبا بكر بن اسحاق يقول: أحمد بن محمد بن غالب ممن لا أشك في كذبه، وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة وهو بيّن الامر في الضعف، وقال أبو داود: قد عرض علي من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها، وروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل مع زهده وورعه، ونعوذ بالله من ورع يقين صاحبه ذلك المقام »(٤) .

وقال بعد كلام الذهبي في محمد بن عبد الله العمرى: « وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا ديث منكر لا اصل له، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضمري بسنده، وساق بسند كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا

__________________

(١). تلخيص المستدرك ٣ / ٧٥.

(٢). فيض القدير ٢ / ٥٧.

(٣). لسان الميزان ١ / ١٨٨.

(٤). لسان الميزان ١ / ٢٧٢.

١٠٦

ضعيف »(١) .

١١ - ابطال الهروي إياه

لقد قال شيخ الاسلام الهروي ما نصه: « من موضوعات أحمد الجرجاني: اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر. باطل »(٢) .

والخلاصة: قد ثبت بطلان حديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وبان وضعه، وظهر كذب ( الدهلوي ) في زعمه شهرته وتواتره، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٢٣٧.

(٢). الدر النضيد ٩٧.

١٠٧

ثم ان ( الدهلوي ) لم يكتف بايراد حديث الاقتداء في متن ( التحفة ) فأضاف في حاشيتها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فانهما حبل الله الممدود، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ، وله طرق أخرى.

أقول: وهذا أيضاً باطل لوجوه:

الاول: انه لم يعرف سنده حتى ينظر فيه، فلا يجوز الاستدلال به.

الثاني: انه غير مخرج في الكتب الملتزم فيها الصحة، فلا يصغى اليه.

الثالث: لقد أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) على ما في ( كنز العمال ١٢ / ١٧١ )، ولكن الطبراني لم يلتزم فيه الصحة كالبخاري ومسلم وأمثالهما، ولم يصرح بصحة هذا الحديث بالخصوص، كما لم يقل بصحته أحد من مشاهير حفاظهم الثقات، بل لم يدع ذلك حتى غير الثقات من علمائهم.

الرابع: لقد جعل ( الدهلوي ) في ( أصول الحديث ) - تبعا لوالده -

١٠٨

تصانيف الطبراني من جملة الكتب التي لم يلتزم فيها بالصحة، ونص على أنها لم تبلغ المرتبة الاولى ولا الثانية من مراتب الشهرة والقبول، واعترف بأنها تضم الاحاديث الضعيفة بل فيها ما رمي بالوضع، وأن في رواتها المستورين والمجاهيل، وذكر أن أكثر أحاديث معاجمه غير معمول بها لدى الفقهاء، بل فيها ما انعقد الاجماع على خلافه.

فاذا كان هذا حال كتب الطبراني حسب تصريحه، فان مجرد وجود حديث أبي الدرداء في كتاب منها لا يدل على اعتباره ولا يجوز الاعتماد عليه، والاستناد اليه(١) فما الذي دعاه الى أن يحتج بهذا السياق اذن؟

ان الذي دعاه الى ذلك وصف الشيخين فيه بـ « حبل الله الممدود » نعم هذا ما دعاه اليه، وانخدع به، فأتى به معارضاً لحديث « الثقلين ».

ثم قال ( الدهلوي ) قالت الشيعة هذا خبر واحد، فلا يجوز التمسك به فيما يطلب فيه اليقين.

قلنا: ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر وفيما يخالفه الاحاد تحكماً، فلا يكون هذا الادعاء مقبولا شرح المواقف.

أقول: لا يخلو نقله عن تصرف ما، وهذا نص ما جاء في ( شرح المواقف ): « السادس: قولهعليه‌السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، أقل مراتب الامر الجواز. قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين. قلنا: ليس أقل من خبر الطير الذي يعولون به على

__________________

(١). بل اعترف الحافظ الهيثمي بضعف هذا الحديث من هذا الوجه خاصة حيث قال ( مجمع الزوائد ٩ / ٥٣ ): وعن ابى الدرداء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي ابى بكر وعمر، فانهما حبل الله المدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم. وقد بحثنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة في العدد الثاني من سلسلتنا في الاحاديث الموضوعة.

( الميلاني )

١٠٩

الافضلية كما سيأتي ان شاء الله تعالى، ولا من خبر المنزلة الذي مر، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الاحاد تحكماً، فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا.

أقول: وهذا فاسد.

فأما قوله: « قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين » فلا يخلو من تلبيس، لان من راجع كتب الشيعة علم أنهم يعتبرون هذا الحديث من موضوعات أهل السنة، ويثبتون فساده وبطلانه سنداً ومتناً كما في ( الشافي لعلم الهدى ) و ( منهاج الكرامة للعلامة الحلي ) وكيف لا يكون كذلك؟ وقد اعترف بوضعه كبار حفاظ أهل السنة، ولو جاء في كلام أحد منهم انه خبر واحد فانما كان على سبيل التنزل وعلى فرض تسليم الصحة.

وأما قوله: « ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة » فظاهر الفساد كما لا يخفى على من راجع المجلدين المختصين بهما، حيث أثبتنا هناك تواترهما على ضوء كلمات أئمة الحديث من أهل السنة.

وأما قوله: « وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الاحاد تحكماً » فباطل، لانهم لا يدعون تواتر حديث من الاحاديث في الامامة والكلام الا بالاستناد الى كلمات علماء الخصم كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية.

ويتجلى للمتتبع عكس ذلك لدى أهل السنة، فانهم يدعون التواتر فيما يذكرونه لمعارضة براهين أهل الحق، وهو لم يبلغ أدنى مراتب الثبوت فضلا عن التواتر.

فنسبة التحكم الى أهل الحق مكابرة ومصادمة للواقع والحقيقة.

وأما قوله: « فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا » فمكابرة واضحة: لان الشيعة يبطلون حديث الاقتداء من أصله، وأما أهل السنة فمنهم من يصرح ببطلانه ووضعه ومنهم من يصرح بأنه من الاحاد، فليس ادعاء كونه من

١١٠

الاحاد من علماء الشيعة، ونحن وان كنا في غنى عن ذكر كلمات القائلين بذلك منهم - بعد ثبوت وضعه من كلمات كبار أئمتهم وحفاظهم - لكنا ننقل في المقام بعض عباراتهم الزاماً لشارح المواقف و ( الدهلوي ) وتبييناً لكذبهما

قال الامدي في الجواب عن مطاعن عمر: « وقد ورد في حقه من النصوص والاخبار ما يدرء عنه ما قيل من الترهات، وهي وان كانت أخبار آحاد غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر، فمن ذلك قولهعليه‌السلام : ان في أمتي لمحدثين، وان عمر منهم، و قولهعليه‌السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر »(١) .

وقال ابن الهمام في مبحث الاجماع بعد أن ذكر حديث الاقتداء و حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء « أجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد وعليه ان ذلك مع ايجابه، الا أن يدفع بأنه آحاد »(٢) .

وقرره ابن أمير الحاج(٣) .

وقال نظام الدين السهالوي في ( الصبح الصادق ) في المبحث المذكور بعد الحديثين المذكورين « والجواب: انهما من أخبار الاحاد فلا يثبت به حجية الاجماع القطعي الحجية ».

وفيه أيضاً: ويمكن أن يجاب أيضاً بأنهما من الاحاد، وأدلتنا الدالة على حجية الاجماع معممة وهي قطعية، فلا يعارضانها ».

وكذا قال عبد العلي(٤) .

هذا، ولم يجد الفخر الرازي بداً من الاعتراف بذلك، فقد قال في الجواب عن الاحاديث المستدل بها على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام :

__________________

(١). ابكار الافكار للامدي ٢ / ١١٢.

(٢). التحرير لابن الهمام بشرح ابن أمير الحاج ٣ / ٩٨.

(٣). التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٨.

(٤). فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ٥٠٩.

١١١

« الطريقة الخامسة لهم: التمسك بأخبار آحاد رووها منها قولهعليه‌السلام سلموا على علي بامرة المؤمنين، ومنها قولهعليه‌السلام : انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، و قالعليه‌السلام : هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة، وقالعليه‌السلام لعلي: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

والاعتراض: انها بأسرها معارضة بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: ايتوني بدواة وقلم أكتب لابي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان، ثم قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر. وأيضاً عيّنه للامامة في الصلاة وما عزله عنها فوجب أن يبقى اماماً على الصلاة، وكل من ثبت امامته في الصلاة بعد الرسول أثبت امامته مطلقاً، فوجب القول بامامته. وروي عن أنس بعد الرسول أثبت امامته مطلقاً، فوجب القول بامامته. وروي عن أنسرضي‌الله‌عنه : ان النبي أمره عند اقبال أبي بكر أن يبشره بالجنة وبالخلافة بعده وبما روي انهعليه‌السلام قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

والكلام على صحة هذه الاحاديث من الجانبين وفي دلالتها على المطلوب طويل، ولكنها عن افادة اليقين بمعزل، لكونها من أخبار الاحاد عند التحقيق وان كان كل واحد من الفريقين يدعي في خبره كونه متواتراً ويطعن فيما يرويه مخالفه ».

أقول: فمن القائل بكون هذا الحديث من أخبار الاحاد اذن؟!

وقد ثبت أن القائلين بوضعه منهم أكثر عدداً وأجل قدراً

قوله : « فاللازم أن يكون هؤلاء كلهم أئمة ».

أقول: انما يلزم ذلك لو كان قد صح ما استدل به شيء من الاحاديث، ولكن قد ظهر سقوط جميع ما زعمه معارضاً لحديث الثقلين سنداً ودلالة ومتناً فدعوى لزوم امامة الحميراء وعمار وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب باطلة.

١١٢

دحض المعارضة

بحديث: أصحابى كالنّجوم

١١٣

١١٤

هذا وكأن ( الدهلوي ) يعلم بعدم نهوض تلك الاحاديث الموضوعة حجة في مقابلة حديث الثقلين، فاضاف اليها حديثاً آخر، وهو « حديث النجوم » فقال في حاشية [ التحفة ]: « وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لاحد في تركه، فان لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فان لم يكن مني سنة ماضية فما قال أصحابي، ان أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فايما اخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. أخرجه البيهقي بسنده في المدخل عن ابن عباس ».

حديث النجوم موضوع سنداً عند الائمة

أقول: لكنه أيضاً موضوع باطل كما نص على ذلك كبار الائمة والحفاظ:

١ - احمد بن حنبل

لقد كذب أحمد بن حنبل حديث النجوم وحكم بوضعه، قال ابن أمير

١١٥

الحاج « قال أحمد: لا يصح »(١) .

وقال نظام الدين في ( الصبح الصادق في شرح المنار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ٢ / ٥١٠ ): « قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل، وبه قال أحمد والبزار ».

٢ - المزني

لم يصحح أبو ابراهيم المزني - صاحب الشافعي - هذا الحديث، وقد ذكر له - ان صح - معنى هو بعيد عن الصواب بكثير، قال ابن عبد البر: قال المزنيرحمه‌الله في قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابي كالنجوم، قال: ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه: فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضاً ولا انكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم احد الى قول صاحبه، فتدبر »(٢) .

ترجمة المزني

وترجم له ابن خلكان بما ملخصه: « أبو ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزني صاحب الامام الشافعي هو من أهل مصر، كان زاهداً عالماً مجتهداً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة، وهو امام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاواه وما ينقله عنه، صنف كتباً كثيرة في مذهب الامام الشافعي، وقال الشافعي في حقه: المزني ناصر مذهبي.

وكان في غاية الورع، وبلغ من احتياطه انه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني انهم يستعملون

__________________

(١). التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٩.

(٢). جامع بيان العلم ٢ / ٨٩ - ٩٠.

١١٦

السرجين في النيران والنار لا تطهرها، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، وكان مجاب الدعوة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه في شيء من الاشياء بالتقدم عليه، وهو الذي تولى غسل الامام الشافعي، وقيل: كان معه أيضاً حينئذ الربيع.

وذكره ابن يونس في تاريخه ثم قال: صاحب الشافعي، وقال: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث لا يختلف فيه، حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا، وكان من خير خلق الله عز وجل.

ومناقبه كثيرة. وتوفي لست بقين من شهر رمضان سنة اربع وستين ومأتين بمصر، ودفن بالقرب من تربة الامام الشافعي »(١) .

وقال السبكي: « الامام الجليل أبو ابراهيم المزني ناصر المذهب وبدر سمائه كان جبل علم، مناظراً محجاجاً، قال الشافعيرضي‌الله‌عنه في وصفه: لو ناظر الشيطان لغلبه، وكان زاهداً ورعاً متقللا من الدنيا، مجاب الدعوة، وكان اذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمساً وعشرين مرة، ويغسّل الموتى تعبداً واحتساباً ويقول: افعله ليرق قلبي قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. »(٢) .

وانظر: ( حسن المحاضرة ١ / ٣٠٧ ) و ( مرآة الجنان ٢ / ١٦٧ - ١٧٨ ) و ( العبر ٢ / ٢٨ ) وغيرها.

٣ - البزار

لقد طعن الحافظ البزار في حديث النجوم، فقد قال ابن عبد البر: « وعن محمد بن أيوب الرقى قال قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: سألتم عما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما في أيدي

__________________

(١). وفيات الاعيان ١ / ١٩٦.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٩٣.

١١٧

العامة يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: أصحابي كمثل النجوم، أو أصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا. قال:

وهذا الكلام لا يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما رواه عبد الرحيم عن ابيه عن ابن عمر. وانما أنى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد، لان أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه.

والكلام أيضاً منكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسناد صحيح: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي فعضوا عليها بالنواجذ ، وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من اصحابه، والله أعلم. هذا آخر كلام البزار »(١) .

وفيه وجوه عديدة في قدح حديث النجوم تقدم بيانها في القسم الثاني من مجلد ( حديث مدينة العلم )

وقد نقل هذا الكلام عن البزار واعتمده جماعة كبيرة من علمائهم منهم: ابن حزم في ( رسالته ) وابن تيمية في ( منهاجه ) وأبو حيان في ( تفسيريه ) وابن مكتوم في ( الدر اللقيط ) وابن القيم في ( اعلام الموقعين ) والزين العراقي في ( تخريج المنهاج ) وابن حجر في ( تخريج المختصر ) و ( تخريج الرافعي الكبير ) وابن أمير الحاج في ( التقرير والتحبير ) والقاري في ( شرح الشفاء ) والمناوي في ( شرح الجامع الصغير ) ونظام الدين في ( الصبح الصادق ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت).

__________________

(١). جامع بيان العلم ٢ / ٩٠.

١١٨

٤ - ابن القطان

لقد أورد الحافظ ابن عدي المعروف بابن القطان هذا الحديث في ( الكامل ) وموضوعه الضعفاء والمقدوحون وموضوعاتهم، بترجمة جعفر بن عبد الواحد، وحمزة النصيبي، كما ستعرف ذلك من كلام الزين العراقي.

ترجمة ابن عدى

وترجم له السمعاني بما ملخصه: « وأبو أحمد عبد الله ابن عدي بن عبد الله ابن محمد الجرجاني المعروف بابن القطان الحافظ، حافظ عصره، صنف في معرفة ضعفاء المحدثين كتاباً مقدار ستين جزءاً سماه ( الكامل ) وكان حافظاً متقناً لم يكن في زمانه مثله، تفرد بأحاديث، وقد كان وهب أحاديث تفرد بها لبنيه وأبي زرعة ومنصور، تفردوا بروايتها عن أبيهم.

قال حمزة بن يوسف السهمي: سألت الدارقطني أن يصنف كتاباً في ضعفاء المحدثين فقال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، قال: فيه كفاية، لا يزاد عليه.

وكانت وفاته يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائتين »(١) .

وقال الذهبي: « قال الخليلي: « كان عديم النظير حفظاً وجلالة، سألت عبد الله بن محمد الحافظ: أيهما احفظ ابن عدي او ابن قانع؟ فقال: زر قميص ابن عدي احفظ من عبد الباقي بن قانع.

قال الخليلي: وسمعت احمد بن أبي مسلم الحافظ يقول: لم أر أحداً مثل أبي احمد ابن عدي، وكيف فوقه في الحفظ؟. وكان أحمد قد لقي الطبراني وأبا احمد الحاكم وقد قال لي: كان حفظ هؤلاء تكلفاً وحفظ ابن عدي طبعاً،

__________________

(١). الانساب - الجرجاني.

١١٩

زاد معجمه على ألف شيخ »(١) .

وكذا ترجم له في ( العبر ٦ / ٣٣٧ ) واليافعي في ( مرآة الجنان ٢ / ٣٨١ ) وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

٥ - الدارقطني

لقد قدح الدارقطني في حديث النجوم، فقد قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: « جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر رفعه: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به، ولا يسعكم تركه الى غيره، الحديث، وفيه: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. اخرجه الدارقطني في غرائب مالك، والخطيب في الرواة عن مالك من طريق الحسن بن مهدي عن عبدة المروزي عن محمد بن احمد السكوني عن بكر بن عيسى المروزي عن أبي يحيى عن جميل به.

قال الدارقطني: لا يثبت عن مالك، ورواته مجهولون »(٢) .

وسيأتي ذلك عن ( تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر ) أيضاً.

٦ - ابن حزم

لقد كذب ابن حزم هذا الحديث وأبطله وحكم بوضعه، فقد قال أبو حيان ما نصه: « قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في ابطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط »(٣) .

وتجد كلام ابن حزم هذا في ( النهر الماد ) و ( الدر اللقيط ) و ( تخريج

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٤٠.

(٢). لسان الميزان ٢ / ١٣٧.

(٣). البحر المحيط ٥ / ٥٢٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332