نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار11%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 332

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 332 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155386 / تحميل: 6511
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وسلّم كان يوتر عند الاذان، قال أحمد: « ثنا أسود ثنا شريك عن ابي اسحاق عن الحرث عن عليرضي‌الله‌عنه : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوتر عند الاذان، ويصلي الركعتين عند الاقامة »(١) .

ومن الغرائب: فتيا أبي موسى بعدم نقض النوم الوضوء، فقد قال السرخسي: « وكان أبو موسى الاشعريرضي‌الله‌عنه يقول: لا ينقض الوضوء بالنوم مضطجعاً حتى يعلم بخروج شيء منه، وكان اذا نام أجلس عنده من يحفظه، فاذا انتبه سأله فان أخبر بظهور شيء منه أعاد الوضوء »(٢) .

وقال الغزالي: « وأنكروا على أبي موسى الاشعري قوله: النوم لا ينقض الوضوء »(٣) .

ومن فتاواه الباطلة ما جاء في [ الموطأ ] وهذا نصه: « مالك عن يحيى ابن سعيد: ان رجلا سأل أبا موسى الاشعري فقال: اني مصصت عن امرأتي من ثديها لبناً فذهب في بطني، فقال أبو موسى [ الاشعري ]: لا أراها الّا قد حرمت عليك.

فقال عبد الله بن مسعود: أنظر ما يفتي [ ما ذا تفتي ] به الرجل!!

فقال أبو موسى: فما [ ذا ] تقول أنت؟

فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة الا ما كان في الحولين.

فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم »(٤) .

وفي [ المبسوط ]: قام ابن مسعود « الى أبي موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول: أرضيع فيكم هذا اللحياني؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني ».

__________________

(١). المسند ١ / ١١١.

(٢). المبسوط ١ / ٧٨.

(٣). المستصفى ١ / ١٨٦.

(٤). الموطأ ٢ / ٦٠٧.

٢٠١

حرمة الفتيا بغير علم

ولنذكر في هذا المقام بعض الاحاديث الواردة في ذم الفتيا بغير علم وحرمتها:

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والارض »(١) .

قال المناوي والعزيزي بشرحه - واللفظ للاول: « حيث نسب الى الله ان هذا حكمه وهو كاذب »(٢) .

و اخرج ابن الاثير: « ان عمرو بن العاص [ عبد الله بن عمرو بن العاص ] قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس - و في رواية: من العباد - ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضّلوا وأضلوا. وزاد في رواية قال عروة: ثم لقيت عبد الله بن عمرو على رأس الحول فسألته فرد علي الحديث كما حدث وقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول. أخرجه البخاري ومسلم »(٣) .

و قال: « وأخرجه الترمذي مختصراً، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن يقبض العلماء، حتى اذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا »(٤) .

و قال مجد الدين عبد السلام الحراني في [ المنتقى ]: « وعن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أفتى بفتيا غير ثبت فانما اثمه على الذي أفتاه. رواه أحمد وابن ماجة.

__________________

(١). الجامع الصغير.

(٢). التيسير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٤٠٢.

(٣). جامع الاصول ٩ / ٢٣.

(٤). جامع الاصول ٩ / ٢٥.

٢٠٢

و في لفظ: من أفتى بفتيا بغير علم كان اثم ذلك على الذي أفتاه. رواه أحمد وأبو داود ».

١١ - عدم الاطلاع على السنن

لقد كان في الصحابة من لم يبلغه كثير من أحكام الدين وسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلذا كانوا كثيراً ما يخالفون حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحكمون بخلافه، بل ربما خالفوا صريح الكتاب ونصه.

وبالرغم من اشتهار قضاياهم فاننا نكتفي هنا بايراد كلام الحافظ ابن حزم في هذا المورد حيث قال ما نصه:

« ووجدنا الصاحب من الصحابة رضي الله عنهم يبلغه الحديث فيتأول فيه تأويلا يخرجه به عن ظاهره، ووجدناهم رضي الله عنهم يقرون ويعترفون بأنهم لم يبلغهم كثير من السنن، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة: ان إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وان اخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على أموالهم، وهكذا قال البراء قال: ما كل ما نحدثكموه سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ و ] لكن حدثنا صحابنا، وكانت تشغلنا رعية الابل.

وهكذا [ وهذا ] أبو بكررضي‌الله‌عنه لم يعرف فرض ميراث الجدة وعرفه محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة، وقد سأل أبو بكررضي‌الله‌عنه عائشة في كم كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وهذا عمررضي‌الله‌عنه يقول في حديث الاستئذان: أخفي علي هذا من أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ألهاني الصفق في الاسواق.

وقد جهل أيضاً أمر املاص المرأة وعرفه غيره، وغضب على عيينة بن حصن، حتى ذكّره الحر بن قيس بن حصن بقوله تعالى: وأعرض عن الجاهلين.

وخفي عليه أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باجلاء اليهود والنصارى من

٢٠٣

جزيرة العرب الى آخر خلافته، وخفي على أبي بكررضي‌الله‌عنه قبله أيضاً طول مدة خلافته، فلما بلغ عمر أمر باجلائهم فلم يترك بها منهم أحداً.

وخفي على عمر أيضاً أمرهعليه‌السلام بترك الاقدام على الوباء، وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف.

وسأل عمر أبا واقد الليثي عما كان يقرأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاتي الفطر والاضحى، هذا وقد صلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعواماً كثيرة.

ولم يدر ما يصنع بالمجوس حتى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم، ونسي قبولهعليه‌السلام الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور، ولعلهرضي‌الله‌عنه قد أخذ من ذلك المال حظاً كما أخذ غيره منه.

ونسي أمرهعليه‌السلام بأن يتيمم الجنب فقال: لا يتيمم أبداً ولا يصلي ما لم يجد الماء وذكره بذلك عمار.

وأراد قسمة مال الكعبة حتى احتج عليه أبي بن كعب بأن النبيعليه‌السلام لم يفعل ذلك فأمسك.

وكان يرد النساء اللواتي حضن ونفرن قبل أو يود عن البيت حتى أخبر بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن في ذلك، فأمسك عن ردهن.

وكان يفاضل بين ديات الاصابع حتى بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالمساواة بينها، فترك قوله وأخذ المساواة.

وكان يرى الدية للعصبة فقط حتى أخبره الضحاك بن سفيان بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورث المرأة من الدية فانصرف عمر الى ذلك.

ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالا بمهور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ذكرته امرأة بقول الله عز وجل: وآتيتم احداهن قنطاراً، فرجع عن نهيه.

وأراد رجم مجنونة حتى أعلم بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن ثلاثة، فأمر أن لا ترجم.

وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكره عثمان بأن الجاهل لا حدّ عليه

٢٠٤

فأمسك عن رجمها.

وأنكر على حسان الانشاد في المسجد فأخبر هو وأبو هريرة أنه قد أنشد فيه بحضرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت عمر.

وقد نهى عمر أن يسمى بأسماء الانبياء وهو يرى محمد بن مسلمة يغدو عليه وبروح وهو أحد الصحابة الجلة منهم، وبرى أبا أيوب الانصاري وأبا موسى الاشعري وهما لا يعرفان الا بكناهما من الصحابة، ويرى محمد بن أبي بكر الصديق وقد ولد بحضرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، واستفتته أمه اذ ولدته ما ذا تصنع في احرامها وهي نفساء. وقد علم يقيناً أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم بأسماء من ذكرنا وبكناهم بلا شك وأقرهم عليها ودعاهم بها ولم يغير شيئاً من ذلك، فلما أخبره طلحة وصهيب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باباحة ذلك أمسك عن النهي عنه.

وهمّ بترك الرمي في الحج ثم ذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله فقال: لا يجب لنا أن نتركه.

وهذا عثمانرضي‌الله‌عنه ، فقد رووا عنه أنه بعث الى الفريعة أخت أبي سعيد الخدري - يسألها عما أفتاها به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر عدتها وأنه أخذ بذلك.

وأمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فذكره علي بالقرآن وان الحمل قد يكون ستة أشهر، فرجع عن الامر برجمها.

وهذه عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما خفي عليهما المسح على الخفين وعلى ابن عمر معهما، وعلمه جرير ولم يسلم الا قبل موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأشهر وأقرت عائشة أنها لا علم لها به وأمرت بسؤال من يرجى عنده علم ذلك وهو عليرضي‌الله‌عنه .

وهذه حفصة أم المؤمنين سئلت عن الوطي يجنب فيه الواطي أفيه غسل أم لا؟ فقالت: لا علم لي.

وهذا ابن عمر توقع أن يكون حدث نهي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن

٢٠٥

كراء الارض بعد أزيد من أربعين سنة من موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمسك عنها، وأقرأنهم كانوا يكرونها على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقل انه لا يمكن أن يخفي على هؤلاء ما يعرف رافع وجابر وأبو هريرة، وهؤلاء أخواننا يقولون فيما اشتهوا لو كان هذا حقاً ما خفي على عمر.

وقد خفي على زيد بن ثابت وابن عمر وجمهور أهل المدينة اباحة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحائض أن تنفر حتى أعلمهم بذلك ابن عباس وام سليم فرجعوا عن قولهم.

وخفي علي ابن عمر الاقامة حتى يدفن الميت حتى أخبره بذلك أبو هريرة وعائشة فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.

وقيل لابن عمر في اختياره متعة الحج على الافراد: انك تخالف أباك، فقال: أكتاب الله أحق أن يتبع أم عمر؟ روينا ذلك عنه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.

وخفي على عبد الله بن عمر الوضوء من مس الذكر حتى أمرته بذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسرة بنت صفوان، فأخذ بذلك.

وقد تجد الرجل يحفظ الحديث ولا يحضره ذكره حتى يفتي بخلافه، وقد يعرض هذا في آي القرآن، وقد أمر عمر على المنبر بأن لا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكرته امرأة بقول الله تعالى « وآتيتم احداهن قنطاراً » فترك قوله وقال: كل أحد أفقه منك يا عمر، وقال: امرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ.

وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فذكره علي بقول الله تعالى:( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) مع قوله تعالى:( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ* أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) فرجع عن الامر برجمها.

وهمّ أن يسطو بعيينة بن حصن اذ قال له: يا عمر ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فذكره الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة بقول الله تعالى:( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) وقال له: يا أمير المؤمنين هذا من الجاهلين

٢٠٦

فأمسك عمر.

وقال يوم مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يكون آخرنا، أو كلاماً هذا معناه، حتى قرئت عليه:( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) ، فسقط السيف من يده وخر الى الارض وقال: كأني والله لم أكن قرأتها قط.

قال الحافظ ابن حزم: فاذا أمكن هذا في القرآن فهو في الحديث أمكن وقد ينساه ألبتة، وقد لا ينساه بل يذكره ولكن يتأول فيه تأويلا، فيظن فيه خصوصاً أو نسخاً أو معنى ما، وكل هذا لا يجوز اتباعه الا بنص أو اجماع، لانه رأي من رأى ذلك ولا يحل تقليد أحد ولا قبول رأيه »(١) .

هذا، ولقد ذكر هذه الجهالات وغيرها ابن القيم في ( أعلام الموقعين ) وقال: « وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفراً كبيراً ».

وانظر أيضاً كتاب ( الانصاف في بيان سبب الاختلاف ) لولي الله الدهلوي.

١٢ - مخالفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفتوى

لقد كان في الاصحاب من يفتي بغير ما حكم به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا أخبره أحد بذلك ضربه بالدرة قال جلال الدين السيوطي في ( مفتاح الجنة ): « وأخرج البيهقي عن هشام بن يحيى المخزومي ان رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال: لا، فقال له الثقفي: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفتاني في مثل هذا المرأة بغير ما أفتيت، فقام اليه عمر فضربه بالدرة ويقول: لم تستفتوني في شيء أفتى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

__________________

(١). الاحكام في أصول الاحكام ٢ / ١٢.

٢٠٧

١٣ - اباحة بعضهم شرب الشراب المثلث

لقد أباح عمر بن الخطاب شرب الشراب المثلث وان كان شديداً، ثم لما أشكل على عبادة بن الصامت ذلك قال له عمر: « يا أحمق » وهكذا شخص لا يليق لان يكون مرجعاً للامة حتى في غير المنصوصات

وقد روى هذه الواقعة فقيه الحنفية شمس الائمة السرخسي واستخرج منها أحكاماً عديدة حيث قال: « وعن محمد بن الزبيررضي‌الله‌عنه قال: استشار الناس عمررضي‌الله‌عنه في شراب مرقق، فقال رجل من النصارى: انا نصنع شراباً في صومنا، فقال عمررضي‌الله‌عنه : ايتني بشيء منه، قال: فأتاه بشيء منه، قال: ما أشبه هذا بطلاء الابل، كيف تصنعونه؟ قال: نطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فصب عليه عمررضي‌الله‌عنه ماء وشرب منه، ثم ناوله عبادة بن الصامترضي‌الله‌عنه وهو عن يمينه فقال عبادة: ما أرى النار تحل شيئاً، فقال عمر: يا أحمق أليس يكون خمر ثم يصير خلا فنأكله؟.

وفي هذا دليل اباحة شرب المثلث وان كان مشتداً، فان عمررضي‌الله‌عنه استشارهم في المشتد دون الحلو، وهو مما يكون ممرياً للطعام مقوياً على الطاعة في ليالي الصيام، وكان عمررضي‌الله‌عنه حسن النظر للمسلمين وكان أكثر الناس مشورة في أمور الدين خصوصاً فيما يتصل بعامة المسلمين »(١) .

١٤ - بدع بعضهم

لقد كان في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحاب محدثات وبدع، وقد كثر ذلك من معاوية بن أبي سفيان حتى أنكر عليه فيها سائر الاصحاب

قال محمد معين السندي ما نصه: « ثم ان الصحابة رضي الله عنهم اجمعين

__________________

(١). المبسوط ٢٤ / ٧.

٢٠٨

تمالاوا على الانكار على من رأى رأياً بخلاف الحديث، وقد كثر ذلك على معاوية بن أبي سفيان في محدثاته.

فمنها: تقبيله لليمانين، أنكر عليه ذلك ابن عباس رضي الله عنهما لخلاف السنة.

ومنها: ترك التسمية في الصلوات جهراً لما قدم المدينة المطهرة، أنكرت عليه ذلك المهاجرون والانصار وقالوا: سرقت التسمية يا معاوية.

ومنها: انه نهى الناس عن متعة الحج، فقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تمتع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من نهى عنه معاوية. والجمع بين حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا والتي فيما نهى عمر وعثمان رضي الله عنهما أما رجوعهما بعد القول بالنهي الى حد ذلك أو بالعكس، وضبط ابن عباس أحد الامرين فأخبر به، وأما كون معاوية أول من نهى مع تقدم النهي بذلك عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما على ما وقع في حديث الضحاك عن عمر حيث قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: ان عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه قد نهى عن ذلك كما رواه الترمذي في الجامع، فباعتبار أن نهيهما معناه بيان أنه غير مباح، ونهى معاوية منع الناس جبراً من أن يأتوا به على مذهب علي رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة، فهو أول من نهى بهذا المعنى، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومنها: قوله في زكاة الفطر اني أرى ان مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر، أنكر عليه ذلك أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وقال: تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها، وذلك لما روى الائمة الستة عنه: كنا نخرج اذ كان فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: اني أرى مدين من

٢٠٩

سمراء الشام. الحديث.

وفيه قال أبو سعيد: أما أنا فاني لا أزال أخرجه أبداً ما عشت، ولما بلغ ابن الزبير رأي معاوية قال: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان، صدقة الفطر صاع صاع.

وأولياته المحدثة لا تخفى كثرتها على عاثر علم الحديث »(١) .

بل كان معاوية بن أبي سفيان - المجتهد! - يرتكب كبائر المحرمات الموبقة عالماً عامداً بمرأى من الناس غير متحرج، قال السندي بعد أن ذكر رواية معاوية حديث نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جلود النمر مع استعمال معاوية اياها، قال:

« وليس معاوية ممن يقال اذا عمل بخلاف مروية دل على النسخ، مع أن هذا القول باطلاقه في عمل الراوي باطل، ولو كان كذلك لما أخذ عليه المقدام في ذلك أخذة رابية، ولنورد القصة في تمام الحديث فان في ذلك عبرة لكل محب العترة الطاهرة - الى كثير مما يستخرج من ذلك الحديث وسكتنا عنه تأسياً بالائمة الطاهرة في السكوت عن كثير مثل ذلك، وهو حديث خالد قال:

وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الاسود - رجل من بني أسد - على معاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية: أما علمت أن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما توفي؟ فترجع المقدام رضي الله تعالى عنه فقال له: يا فلان أتعدها مصيبة؟ فقال: هذا مني وحسين من علي رضي الله تعالى عنهما قال فقال الاسدي: جمرة أطفأها الله تعالى، قال فقال المقدام رضي الله تعالى عنه: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية ان صدقت فصدقني وان كذبت فكذبني، قال: أفعل، قال: فأنشدك بالله هل سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم قال: فأنشدك بالله

__________________

(١). دراسات اللبيب ٩٥ - ٩٦.

٢١٠

هل تعلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فو الله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام. قال خالد: فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبه وفرض لابنه في المائتين، ففرقها المقدام على أصحابه ولم يعط الاسدي أحداً شيئاً مما أخذ، فبلغ ذلك معاوية فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده، وأما الاسدي فرجل حسن الامساك لشيئه »(١) .

هذا، والجدير بالذكر هنا أن بعض أهل السنة من قصة وفود المقدام القسم التالي منها بغية تقليل الشناعة، فرواها في ترجمة الامام الحسن السبطعليه‌السلام الى قول المقدام « وقد وضعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره وقال هذا مني وحسين من علي » ففي ( كفاية الطالب )(٢) للحافظ الكنجي بسنده عن خالد ابن معدان قال: « وفد مقدام بن معد يكرب وعمرو بن الاسود الى قنسرين فقال معاوية لمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فاسترجع مقدام، فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره وقال هذا مني وحسين من علي.

قلت: رواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمته » -.

و انظر ( كنز العمال ) في باب فضائل الامام الحسنعليه‌السلام .

١٥ - مخالفة بعضهم للرسول

لقد كان في الاصحاب من خالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصراحة فقد جاء في ( الموطأ ) ما نصه: « مالك عن زيد بن أسلم عن

__________________

(١). دراسات اللبيب ٩٨ - ٩٩.

(٢). كفاية الطالب ٤١٤.

٢١١

عطاء ابن يسار: ان معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال [ له ] أبو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك. فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية: ألا يبيع مثل ذلك الا مثلا بمثل ووزناً بوزن »(١) .

ومن عجائب الصنائع الشنيعة اسقاط بعض أسلاف القوم ذيل خبر مالك المتقدم، المشتمل على تجاسر معاوية، لغرض التستر على اقترافه ومخالفته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما درى أن مراجعة الموطأ وشروحه، وغيرها من كتب الحديث تكشف الواقع وتظهر حقيقة الحال.

قال النسائي في مسألة بيع الذهب بالذهب:

« حدثنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل»(٢) .

وقال أبو الوليد الباجي في ( شرح الموطأ ): « وفيما قاله أبو الدرداء تصريح بأن أخبار الاحاد مقدمة على القياس والرأي، وقوله: « لا اساكنك بأرض أنت فيها » مبالغة في الانكار على معاوية واظهار لهجره والبعد عنه حين لم يأخذ بما نقل اليه من نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويظهر الرجوع عما خالفه ».

و قال ابن الاثير الجزري: « عطاء بن يسار قال: ان معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء:

__________________

(١). سنن النسائي ٢ / ٢٢٣.

(٢). الموطأ ٢ / ٦٣٤.

٢١٢

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني برأيه! [ عن رأيه ] لا اساكنك بأرض أنت [ كنت ] بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية ألا يبيع [ أن لا تبع ] ذلك الا مثلا بمثل وزناً بوزن، أخرجه ( الموطأ ) وأخرج النسائي منه الى قوله مثلا بمثل »(١) .

وقال فخر الدين الرازي في كتاب ( المحصول ) في مقام عمل الصحابة على وفق الخبر الواحد « عن أبي الدرداء(٢) سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عنه فقال معاوية: لا أرى بأسا، فقال أبو الدرداء، من معذري عن معاوية أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أبداً ».

و قال أبو الحسن الامدي في كتاب ( الاحكام في اصول الاحكام ) في مبحث العمل بخبر الواحد: « ومن ذلك ما روى أنه لما باع معاوية شيئاً من أواني ذهب وورق بأكثر من وزنه أنه قال له أبو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن ذلك فقال له معاوية: لا أرى بذلك؟ بأسا! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أبداً ».

و قال جلال الدين السيوطي في ( مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ) « وأخرج البيهقي عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلّى الله

__________________

(١). جامع الاصول ١ / ٤٦٨.

(٢). حق العبارة في هذه الرواية أن تكون هكذا: لما باع معاوية شيئاً من أوانى ذهب أو ورق بأكثر من وزنه قال له أبو الدرداء: سمعت

٢١٣

عليه وسلّم نهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بأساً! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أنت بها! قال الشافعي: فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم على معاوية بخبره، فلما لم ير معاوية ذلك فارق أبو الدرداء الارض التي هو بها اعظاماً لانه ترك خبر ثقة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وقال بشرح الحديث: « فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية؟! أنا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه، الى آخره. قال ابن عبد البر: كان ذلك منه أنفة من أن يرد عليه سنة علمها من سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيه، وصدور العلماء تضيق عند مثل هذا وهو عندهم عظيم ردّ السنن بالرأى، قال: وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه، وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس ألا يكلّموا كعب بن مالك حين جلب عن تبوك قال: وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رجلا يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبداً! انتهى »(١) .

و قال عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الديبع الشيباني: « وعن عطاء ابن يسار أن معاويةرضي‌الله‌عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداءرضي‌الله‌عنه : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلاً بمثل، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً! فقال له أبو الدرداءرضي‌الله‌عنه : من يعذرني من معاوية؟! أنا اخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أنت بها! ثم قدم أبو الدرداءرضي‌الله‌عنه على عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه فذكر له ذلك فكتب عمر الى معاوية أن لا تبع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن. أخرجه مالك والنسائي. السقاية: اناء

__________________

(١). تنوير الحوالك ٢ / ٥٩.

٢١٤

يشرب فيه.

و قال محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي الروداني المغربي المالكي في كتاب ( جمع الفوائد ): « عطاء بن يسار ان معاوية باع سقاية من ذهب - أو ورق - أكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الّا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟! أنا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا اساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك فكتب عمر الى معاوية أن لا يبيع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن، للموطّأ والنسائي ».

وقال الزرقاني في ( شرح الموطّأ ) بشرحه « فقال أبو الدرداء: من يعذرني بكسر الذال المعجمة من معاوية، أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه؟ أو من يقوم بعذري اذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به، أو: من ينصرني يقال: عذرته: اذا نصرته. أنا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه. أنف من ردّ السنّة بالرأى. وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم ردّ السنن بالرأى. لا اساكنك بأرض أنت بها وجائز للمرء ان يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه، وليس هذا من الهجرة المكروهة ألا ترى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس أن لا يكلّموا كعب بن مالك حين تخلّف عن غزوة تبوك، وهذا اصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجره وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رجلا يضحك في جنازة فقال: والله لا اكلمك ابداً! قاله ابو عمر. ثم قدم ابو الدرداء من الشام على عمر بن الخطاب المدينة فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية أن لا يبيع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن. بيان للمثل.

قال ابو عمر: لا أعلم ان هذه القصة عرضت لمعاوية مع ابى الدرداء الّا من هذا الوجه، وانما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت والطرق متواترة بذلك عنهما. والاسناد صحيح وان لم يرد من وجه آخر فهو من الافراد

٢١٥

الصحيحة، والجمع ممكن لانه عرض له ذلك مع عبادة وأبو الدرداء.

و قال شاه ولي الله الدهلوي في ( المسوّى من احاديث الموطّأ ): « مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار انّ معاوية بن ابي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له ابو الدرداء: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الّا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما ارى بمثل هذا بأساً فقال ابو الدرداء من يعذرني من معاوية؟! انا أخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أنت بها! ثم قدم ابو الدرداء على عمر بن الخطاب - رض - فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية بن ابي سفيان ألّا تبع مثل ذلك الّا مثل بمثل وزناً بوزن. قوله، من يعذرني أي: من ينصرني، والعذير: النصير ».

١٦ - بيع بعضهم الاصنام

ورووا ان معاوية باع الاصنام في عهد سلطنته، ففي ( المبسوط ) ما نصه: « وذكر عن مسروقرحمه‌الله قال: بعث معاويةرحمه‌الله بتماثيل صفر تباع بأرض الهند، فمر بها على مسروقرحمه‌الله قال: والله لولا أني أعلم انه يقتلني لغرقتها، ولكني اخاف ان يعذبني فيفتنني، والله لا أدري اي الرجلين معاوية: رجل زين له سوء عمله، أو رجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا؟

وقيل: هذه تماثيل كانت أصيبت في الغنيمة، فأمر معاويةرضي‌الله‌عنه ببيعها بأرض الهند ليتخذ بها الاسلحة والكراع للغزاة، فيكون دليلا لابي حنيفةرحمه‌الله في جواز بيع الصنم والصليب ممن يعبده كما هو طريقة القياس، وقد استعظم ذلك مسروقرحمه‌الله كما هو طريق الاستحسان الذي ذهب اليه ابو يوسف ومحمد رحمهما الله في كراهة ذلك.

ومسروق من علماء التابعين، وكان يزاحم الصحابة رضي الله عنهم في الفتوى، وقد رجع ابن عباس الى قوله في مسألة النذر بذبح الولد، ولكن مع

٢١٦

هذا قول معاويةرضي‌الله‌عنه مقدم على قوله، وقد كانوا في المجتهدات يلحق بعضهم الوعيد بالبعض، كما قال عليرضي‌الله‌عنه : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد - يعني بقول زيدرضي‌الله‌عنه -.

وانما قلنا هذا لانه لا يظن بمسروقرحمه‌الله انه قال في معاويةرضي‌الله‌عنه ما قال عن اعتقاد، وقد كان هو من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان كاتب الوحي وكان امير المؤمنين، وقد اخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالملك بعده، فقال لهعليه‌السلام يوماً: اذا ملكت أمر أمتي فأحسن اليهم، الا أن نوبته كانت بعد انتهاء نوبة عليرضي‌الله‌عنه ومضي مدة الخلافة، فكان مخطئاً في مزاحمة عليرضي‌الله‌عنه تاركاً لما هو واجب عليه من الانقياد له، لا يجوز أن يقال فيه أكثر من هذا.

ويحكى أن أبا بكر محمد بن الفضلرحمه‌الله كان ينال منه في الابتداء، فرأى في منامه كأن شعرة تدلت من لسانه الى موضع قدمه فهو يطؤها ويتألم من ذلك، ويقطر الدم من لسانه، فسأل المعبر عن ذلك فقال: انك تنال من واحد من كبار الصحابةرضي‌الله‌عنه فاياك ثم اياك.

وقد قيل في تأويل الحديث أيضاً: ان تلك التماثيل كانت صغاراً لا تبدو للناظر من بعد، ولا بأس باتخاذ مثل ذلك على ما روي انه وجد خاتم دانيالعليه‌السلام في زمن عمررضي‌الله‌عنه وكان عليه نقش رجل بين أسدين يلحسانه وكان على خاتم أبي هريرة ذبابتان، فعرفنا أنه لا بأس باتخاذ ما صغر من ذلك.

ولكن مسروقاًرحمه‌الله كان يبالغ في الاحتياط، فلا يجوز اتخاذ شيء من ذلك ولا بيعه، ثم كان تغريق ذلك من الامر بالمعروف عنده، وقد ترك ذلك مخافة على نفسه، وفيه تبيين أنه لا بأس باستعمال التقية وأنه يرخص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف على نفسه، ومقصوده من ايراد الحديث أن يبين أن التعذيب بالسوط يتحقق فيه الاكراه كما يتحقق في القتل، لانه قال: لو علمت أنه يقتلني لغرقتها ولكن أخاف أن يعذبني

٢١٧

فيفتتني، فتبين بهذا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف »(١) .

أقول: ولا يخفى على النبيه ما في هذا الكلام من فوائد، ولا سيما قوله: « وفيه تبيين أنه لا بأس باستعمال التقية ».

وأما ما ذكره للذب عن معاوية فواضح الهوان.

١٧ - مخالفة بعضهم لصريح الكتاب

لقد كان في الاصحاب من يرد الحكم المنصوص في الكتاب، ومن كان هذا دأبه لا يكون الاقتداء به موجباً للهداية، ولا يجوز أن ترجع اليه الامة في المنصوصات وغيرها قال الغزالي في مبحث حجية خبر الواحد: « ثم اعلم أن المخالف في المسألة له شبهتان، الشبهة الاولى قولهم: لا مستند في اثبات خبر الواحد الا الاجماع فكيف يدعى ذلك وما من أحد من الصحابة الّا وقد رد خبر الواحد. ثم قال بعد ان ذكر طرفاً من شواهد ذلك: لكنا نقول في الجواب عما سألوا عنه الذي رويناه قاطع في عملهم وما ذكرتموه رد لاسباب عارضة تقتضي الرد ولا تدل على بطلان الاصل، كما ان ردهم بعض نصوص القرآن وتركهم بعض أنواع القياس ورد القاضي بعض انواع الشهادات لا يدل على بطلان الاصل »(٢) .

بل لقد ترك الاصحاب كتاب الله على عهد عمر بن الخطاب حتى ذمهم عليه، فقد قال الحافظ ابن حزم: « أخبرني أحمد بن عمر العذري، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البلوي غندر، ثنا خلف بن قاسم ثنا ابو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النظري الدمشقي ثنا أبو مسهر ثنا سعيد بن عبد العزيز عن اسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد بن أخت نمر: انه سمع عمر بن الخطاب يقول:

__________________

(١). المبسوط فقه الحنفية - كتاب الاكراه: ٢٤ / ٤٦.

(٢). المستصفى ١ / ١٣٥ - ١٣٦.

٢١٨

ان حديثكم شر الحديث: [ و ] ان كلامكم شر الكلام، فانكم قد حدّثتم الناس حتى قيل: قال فلان، وقال فلان، ويترك كتاب الله، من كان فيكم [ منكم ] قائماً فليقم بكتاب الله والّا فليجلس. فهذا قول عمر لا فضل قرن على وجه الارض فكيف لو أدرك ما نحن فيه من ترك القرآن وكلام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاقبال على ما قال مالك وأبو حنيفة والشافعي؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل، وانّا لله وانّا اليه راجعون »(١) .

وقد رواه ابن القيم عن أبي زرعة كذلك، وعلق عليه بمثل كلام ابن حزم المذكور(٢) .

١٨ - ابن عباس: ما سألوا النبي الا عن ثلاث عشرة مسألة

عن ابن عباس قال: « ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما سألوه الّا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن، منهن:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ) و( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) .

قال: ما كانوا يسألون الّا عما ينفعهم »(٣) .

أقول: وهذا يكشف عن عدم عنايتهم بالاحكام الشرعية، والا لسألوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منتهزين فرصة وجوده بين أظهرهم. هذا شأن هؤلاء القوم، ومعه كيف يقال بأنهم متبعون فيما كان غير منصوص في الكتاب والسنة؟

١٩ - خفاء الامور والاحكام الواضحة عليهم

لقد خفي على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوضح أموره وهم

__________________

(١). الاحكام في أصول الاحكام ٦ / ٩٧.

(٢). اعلام الموقعين ٢ / ١٧٦.

(٣). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ١٣.

٢١٩

حواليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاضرون عنده.

قال ولي الله: « ومنها اختلاف الوهم في التعبير، مثاله أن رسول الله حج، فرآه الناس، فذهب بعضهم الى انه كان متمتعاً، وبعضهم الى انه كان قارناً، وبعضهم الى انه كان مفرداً »(١) .

واذا كان هذا حالهم فلا يستحقون قطعاً لان يكونوا هداة الامة من بعده.

و قال الحافظ ابن عبد البر: « قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الله ان محمد بن معاوية القرشي أخبرهم قال حدثنا اسحاق بن أبي حسان الانماطي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الاوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح قال سمعت ابن عباس يخبر ان رجلا أصابه جرح على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم اصابه احتلام، فأمر بالاغتسال فقر فمات، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟. »(٢) .

ومما يقطع به كل عاقل: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأمر بالاقتداء بهكذا أناس مطلقاً

٢٠ - لا يجوز الاستنان بالرجال

قال الحافظ ابن عبد البر: « حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن اصبع قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشر بن حجر قال حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء - يعنى ابن السائب - عن أبي البختري عن علي قال: اياكم والاستنان بالرجال، فان الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب - لعلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل

__________________

(١). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ٢٨.

(٢). جامع بيان العلم ١١٥.

٢٢٠

النار، فيموت وهو من أهل النار، وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب - لعلم الله - فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة، فان كنتم لا بدّ فاعلين فبالاموات لا بالاحياء »(١) .

وظاهر أن المرتد لا يهتدى به، ولا ينجو من اقتدى به أبداً، ونحن ننزه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يأمر بالاقتداء بكل صحابي من صحابته

__________________

(١). جامع بيان العلم ٣٩٠.

٢٢١

٢٢٢

تفنيد كلام المزني

حول حديث النُّجوم

٢٢٣

٢٢٤

واذ فرغنا من تفنيد الاستدلال ( الدهلوي ) بحديث النجوم بابطاله سنداً ودلالة، كان من المناسب أن نذكر كلام المزني في معنى الحديث المذكور، ونتكلم عليه بما يبيّن بطلانه وفساده:

قال ابن عبد البر: « قال المزنيرحمه‌الله في قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم قال: ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه، فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضاً، ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم أحد الى قول صاحبه. فتدبر ».

نوادر من سير الاصحاب

أقول: هذا المعنى لا يصح، لانه لو كان كلهم ثقة مؤتمناً - على ما جاء به - لما طعن بعضهم في بعض ولما كذب بعضهم بعضاً ولو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا الى سفر كبير برأسه ولكننا نذكر هنا بعض الصحابة وما واجهوه من الذم والطعن، وما قيل فيهم من الاصحاب

٢٢٥

وغيرهم:

١ - ابو بكر وعمر

لقد كذّب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وسيدنا العباس بن عبد المطلبرضي‌الله‌عنه أبا بكر وعمر في رواية حديث « لا نورث، ما تركناه صدقة » وأبطلا امتناعهما عن دفع ما تركه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أهله، بالاستناد الى هذا الحديث المزعوم، ووصفا أبا بكر وعمر بالكذب والاثم والغدر والخيانة. أخرج ذلك مسلم في ( الصحيح )(١) وتجده في غيره من كتب الحديث، وقد فصّلنا البحث عن ذلك في مجلد حديث ( مدينة العلم ).

* ورووا ان عمراً قد أقسم بالله كاذباً في قضية الناقة، فقد ذكر الحافظ ابن حجر بترجمة عبد الله بن كيسبة: « وهو القائل لعمر بن الخطاب - واستحمله فلم يحمله:

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسها من لقب ولا دبر

فاغفر له اللهم ان كان فجر

وكان عمر نظر الى راحلته لما ذكر انها وجعت فقال: والله ما بها من علة [ قلبة ] فرد عليه، فعلاه بالدرة وهرب وهو يقول ذلك، فلما سمع عمر آخر قوله حمله وأعطاه »(٢) .

وفي ( شرح النهج ) في سيرة عمر: « أتى أعرابي عمر فقال: ان ناقتي بها نقباً ودبراً فاحملني، فقال [ له ]: والله ما ببعيرك نقب ولا دبر، فقال: اقسم بالله

فقال عمر: اللهم اغفر لي، ثم دعاه فحمله »(٣) .

__________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٥٤.

(٢). الاصابة ٣ / ٩٤.

(٣). شرح نهج البلاغة ١٢ / ٦٢.

٢٢٦

وروى القصة عبد القادر البغدادي(١) .

* وقال عمر لاهل الحبشة: « نحن أحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فكذبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... أخرجه الشيخان، و هذا لفظ مسلم: حيث قال:

« حدثنا عبد الله بن براد الاشعري ومحمد بن العلاء الهمداني قالا: نا أبو أسامة ثنى بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين اليه أنا واخوان لي أنا أصغرهما أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. اما قال: بعضا واما قال ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، قال: فركبنا في سفينة، فألقتنا سفينتنا الى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالاقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، قال، فوافقنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا - أو قال: أعطانا منها - وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً الا لمن شهد معه الا لاصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم.

قال: فكان ناس من الناس يقول لنا - يعني لاهل السفينة - نحن سبقناكم بالهجرة، قال فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر اليه، فدخلا عمر على حفصة - وأسماء عندها - فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم.

فغضبت وقالت كلمة: كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله

__________________

(١). خزانة الادب ٢ / ٣٥١ - ٣٥٢.

٢٢٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك.

قال: فلما جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: يا نبي الله، ان عمر قال كذا وكذا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بأحق بي منكم وله ولاصحابه هجرة واحدة ولكم - أنتم أهل السفينة - هجرتان.

قالت فلقد رأيت ابو موسى وأصحاب السفينة يأتونني ارسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح وأعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وانه ليستعد هذا الحديث مني »(١) .

أقول: ولقد قال ذلك لاسماء جماعة من الاصحاب تبعاً لعمر بن الخطاب فكذبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك، فقد روى المتقي: « عن الشعبي، قال: لما أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل جعفر بن أبي طالب، ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأته أسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها، فذهب بعض حزنها، ثم أتاها فعزاها ودعا بنى جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر أن يبارك له في صفقة يده، فكان لا يشتري شيئاً الا ربح فيه.

فقالت له أسماء: يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين، فقال: كذبوا، لكم الهجرة مرتين، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي [ ش ](٢) .

__________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٢٦٤.

(٢). كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.

٢٢٨

٢ - عثمان بن عفان

لم يصدق أبو بكر وعمر عثمان فيما زعم روايته من استئذانه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رد طريد الرسول الحكم بن أبي العاص الى المدينة. وقد ذكر ذلك كبار علماء أهل السنة في كتبهم كالغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ) والعبري في ( شرح المنهاج ).

٣ - أبو موسى الاشعري

وكان أبو موسى الاشعري متهماً في الحديث لدى عمر بن الخطاب، كما تقدم في هذا الكتاب.

٤ - أبو هريرة

لقد كذب عمر بن الخطاب أبا هريرة واتهمه وانكر عليه، حتى ضربه بالدرة وهدده باخراجه من المدينة المنورة قال السرخسي: « ولما بلغ عمر ان أبا هريرة يروى [ بعض ] ما لا يعرف قال: لتكفن عن هذا أو لا لحقنك بجبال دوس »(١) .

وقال ابن عبد البر: « وعن أبي هريرة أنه قال: لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة »(٢) .

وفي ( كنز العمال ): « عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لا لحقنك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركن أولا لحقنك بأرض القردة كر »(٣) .

ورواه ابن كثير وفيه أيضاً: « وقال صالح بن أبي الاخضر عن

__________________

(١). الاصول ١ / ٣٤١.

(٢). جامع بيان العلم ٣٩٩.

(٣). كنز العمال ١٠ / ١٧٩.

٢٢٩

[ الزهري عن ] أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض عمر »(١) .

وفي ( تذكرة الحفاظ ) بترجمة عمر: « عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت له: [ أ ] كنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته »(٢) .

وقال ابن قتيبة: « وأما ما طعنه « يعني النظام » على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحواً من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه، وعمّر بعده نحواً من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين - وفيها توفيت أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلها بسنة - فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الاولين اليه اتهموه وانكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم انكاراً عليه، لتطاول الايام بها وبه، وكان عمر أيضاً شديداً على من أكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه، وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية، يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والاعرابي »(٣) .

وفي ( شرح نهج البلاغة ) عن الاسكافي: « وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية، ضربه عمر بالدرة وقال [ له ]: قد أكثرت الرواية وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

* وكان عثمان أيضاً يكذب أبا هريرة، وكذا سيدنا أمير المؤمنين

__________________

(١). البداية والنهاية ٨ / ١٠٦ - ١٠٧.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٧.

(٣). تأويل مختلف الحديث ٣٨.

(٤). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.

٢٣٠

عليه‌السلام كما مضى في عبارة ابن قتيبة، و في ( شرح المنهج ) عن أبي جعفر الاسكافي: « وقد روي عن عليعليه‌السلام أنه قال: ألا ان أكذب الناس - أو اكذب الاحياء - على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو هريرة الدوسي »(١) .

* وكان عائشة « المجتهدة!! » اشد الناس انكاراً على ابي هريرة، كما نص عليه ابن قتيبة في عبارته الماضية، وقد اوردنا طرفاً من قضاياها معه في القسم الاول من مجلد ( حديث الغدير ).

* وقد كذبه الزبير بن العوام - وهو احد العشرة المبشرة كما يقولون - فقد ذكر ابن كثير: « قال ابن [ أبي ] خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن [ ابي ] سلمة ثنا محمد بن اسحاق عن عمر - او عثمان - ابن عروة عن ابيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام - قال: قال لي ابي الزبير: ادنني من هذا [ اليماني ] - يعني ابا هريرة - فانه يكثر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فأدنيته منه، فجعل ابو هريرة يحدث وجعل الزبير يقول صدق كذب صدق كذب. قال قلت: يا ابت ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني امّا ان يكون سمع هذه الأحاديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا اشك، ولكن منها ما وضعه [ يضعه ] على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه »(٢) .

من كلمات التابعين وكبار العلماء في ابى هريرة

ابراهيم بن يزيد التيمي

قال أبو جعفر الاسكافي على ما نقل عنه ابن أبي الحديد: « وروى سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة الا ما كان من ذكر جنة أو نار.

وروى أبو أسامة عن الاعمش قال: كان ابراهيم صحيح الحديث

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٨.

٢٣١

فكنت اذا سمعت [ من أحد ] الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوماً بأحاديث من أحاديث [ حديث ] أبي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة، انهم كانوا ينكرون [ يتركون ] كثيراً من أحاديثه [ حديثه ] »(١) .

ابراهيم بن يزيد النخعي

قال ابن كثير: « وقال شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، وروى الاعمش عن ابراهيم قال: ما كانوا يأخذون من كل [ بكل ] حديث أبي هريرة.

[ و ] قال الثوري عن منصور عن ابراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة أشياء [ شيئاً ]، وما كانوا يأخذون من حديثه [ بكل حديث أبي هريرة ] الا ما كان من صفة جنة أو نار، أو حث على عمل صالح أو نهى عن شيء [ شر ] جاء القرآن به »(٢) .

بسر بن سعيد

قال ابن كثير: « وقال مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الاشج قال قال بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا [ من ] الحديث فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث حديث [ عن ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ ويحدثنا عن كعب الاحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قال [ قاله ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث »(٣) .

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

٢٣٢

شعبة بن الحجاج

قال ابن كثير: « وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يبين [ يميز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة بهذا يشير الى حديثه: من أصبح جنباً، فلا صيام له، فانه لما حوقق [ عليه ] قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

أبوحنيفة

قال الاسكافي على ما جاء في ( شرح النهج ): « وروى أبو يوسف قال قلت لابي حنيفة يجيء الخبر [ الخبر يجيء ] عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف قياسنا ما نصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي [ فـ ] قلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك به [ بهما ]، فقلت: علي وعثمان؟ فقال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك »(٢) .

أقول : ولعمري ان أبا حنيفة النعمان وان سلك في تعديل قاطبة الاصحاب مسلك المجازفة والعدوان الا انه أحسن غاية الإحسان في استثناء أبي هريرة وغيره من أولي البغي والطغيان.

وقال أبو حنيفة - كما ذكر الكوفي نقلا عن الصدر الشهيد -: « أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي الا ثلاثة نفر: أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب، فقيل له في ذلك فقال أما أنس فقد بلغني أنه

__________________

(١). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٢). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

٢٣٣

اختلط عقله في آخر عمره، وكان يستفتي من علقمة، وأنا لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي من علقمة؟ وأما أبوهريرة فكان يروي كلما بلغه وسمع من غير تأمل في المعنى »(١) .

محمد بن الحسن الشيباني

قال ابن حزم في مسألة أحقية البائع بالمتاع إذا أفلس التي خالف فيها الحنفية -: « روينا من طريق أبي عبيد انه ناظر في هذه المسألة محمد بن الحسن، فلم يجد عنده أكثر من أن قال: هذا حديث أبي هريرة. قال أبو محمد: نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك: من أفقه، أبويوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال: قل أيهما أكذب؟ »(٢) .

عيسى بن أبان البصري الحنفي

قال علي بن يحيى الزندويستي: « قال عيسى بن أبان أقلد جميع الصحابة الا ثلاثة منهم: أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعكك »(٣) .

ابو جعفر محمد بن عبد الله الهندواني

قال الزندويستي: « واختلفوا ان تقليد قول الصحابة حجة تقبل بغير معرفة المعنى ويعمل به، حتى روى عن أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه انه سئل فقيل له: إذا قلت قولا وكتاب الله يخالف قولك؟ قال أترك قولي بكتاب الله، فقيل له: إذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بقول

__________________

(١). كتائب أعلام الاخيار من علماء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٢). المحلى لابن حزم.

(٣). روضة العلماء.

٢٣٤

الصحابي، فقيل له: اذا كان قول التابعي يخالف قولك؟ قال: لا يترك قولي بقوله، قال: إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل، ثم قال: أترك قولي بجميع قول الصحابة الا ثلاثة منهم: أبوهريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب رضي الله عنهم.

قال الفقيه أبوجعفر الهندوانيرحمه‌الله : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون، أما أبو هريرة فانه روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال من أصبح جنباً فلاصوم له، قالت عائشة رضي الله عنها: أخطأ أبو هريرة، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان، قال أبو هريرة: هي أعلم، كنت سمعته من الفضل ابن العباس، والفضل كان يومئذ ميتاً، فقد أحال خبره الى ميت، فصار مطعوناً »(١) .

ابوبكر الجصاص

قال الجصاص ما نصه: « وقد روى أبوهريرة خبراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أصبح جنباً فلا يصومن يومه ذلك، الا أنه لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا علم لي بهذا، أخبرني الفضل بن العباس، وهذا مما يوهن خبره لأنه قال بدياً ما أنت قلت - ورب الكعبة - من أصبح جنباً فقد أفطر، محمد قال ذلك ورب الكعبة، وأفتى السائل عن ذلك بالإفطار، فلما أخذ [ أخبر ] برواية عائشة وأم سلمة تبرأ من عهدته وقال: لا علم لي بهذا، انما أخبرني به الفضل »(٢) .

عمر بن عبد العزيز الصدر الشهيد

وقد تقدم ما يفيد طعنه في أبي هريرة عن كتاب ( كتائب أعلام

__________________

(١). روضة العلماء.

(٢). أحكام القرآن ١ / ١٩٥.

٢٣٥

الاخيار ).

الحنفية

وأبوهريرة مطعون لدى فقهاء الحنفية، وذلك مشهور عنهم، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب البيوع: « قال الحنابلة: واعتذر الحنفية عن الاخذ بحديث المصراة بأعذار [ شتى ]، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي، وهو كلام آذى به قائله [ قائله به ] نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه، وقد ترك أبو حنفية القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك.

وأظن [ أن ] لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة، إشارة منه الى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة، فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك.

وقال ابن السمعاني في الاصطلام: التعرض الى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له، يعني المتقدم في كتاب العلم وفي أول البيوع »(١) .

شيوخ المعتزلة

وتقدم قول أبي جعفر الاسكافي: « وأبوهريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضي الرواية، ضربه عمررضي‌الله‌عنه بالدرة وقال له: قد أكثرت الرواية

__________________

(١). فتح الباري ٤ / ٢٩٠.

٢٣٦

وأخرتك [ وأحر بك - ظ ] أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

أبوجعفر الإسكافي

وقد طعن فيه أبوجعفر الاسكافي كما سمعت، وقال أيضاً ( شرح النهج ) « ان معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية قبيحة في عليرضي‌الله‌عنه تقتضي الطعن والبراءة منه، وجعل لهم جعلا يرغب في مثله، فاختلفوا ما أرضاه، منهم: أبوهريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.

قال: وأما أبوهريرة: فروي عنه الحديث الذي معناه ان علياًرضي‌الله‌عنه خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسخطه، فخطب على المنبر وقال: لاها الله، لا يجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد ، أو كلاماً هذا معناه، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي ».

أقول: بل يتبين عدم اعتماد الصحابة والتابعين على حديثه من كلام أبي هريرة نفسه، فقد أخرج عنه الحميدي أنه قال: « ألا انكم تحدثون أني أكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... »(١) .

وفي ( المرقاة ): « وعنه » أي أبي هريرة قال: « انكم » أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين - « تقولون: أكثر أبو هريرة » أي الرواية « عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله الموعد » أي: موعدنا، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب، لان الأسرار تنكشف هنالك.

وقال الطيبي: أي لقاء الموعد، ويعني به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص، لا سيما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال: من كذب

__________________

(١). الجمع بين الصحيحين - مخطوط.

٢٣٧

عليّ معتمداً فليتبوأ مقعده من النار »(١) .

وقال الاسكافي على ما نقل عنه: « روى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة، فلما كثر [ فلما رأى كثرة ] من استقبله من الناس جثى على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ان لكل نبي حرما و [ ان ] حرمي المدينة [ بالمدينة ] ما بين عير الى ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد [ بالله ] ان علياً أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة.

قال ابن أبي الحديد: قلت: [ أما قوله ] ما بين عير الى ثور [ فالظاهر انه ] غلط من الراوي لان ثوراً بمكة وهو جبل يقال له ثور أطحل، وفيه الغار الذي دخله رسول الله [ النبي ]صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر [رضي‌الله‌عنه ]

فأما قول أبي هريرة ان علياًعليه‌السلام أحدث [ في المدينة ]، فحاش لله، كان عليعليه‌السلام أتقى لله من ذلك، و [ والله ] لقد نصر عثمان نصراً لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له الا مثله »(٢) .

و قال العيدروس اليمني: « وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال والله ما كنت لادع ابن أبي تراب يدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد دفن عثمان بالبقيع، فقلت: يا مروان اتق الله ولا تقل لعلي الا خيراً، فأشهد لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم خيبر لأعطينّ الراية رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار، وأشهد لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في الحسن: اللهم اني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.

قال مروان: انك والله لقد أكثرت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١). المرقاة - شرح المشكاة ٥ / ٤٥٨.

(٢). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.

٢٣٨

الحديث فلا نسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قالت قلت: هذا أبو سعيد الخدري، فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين لا يرويه الا أنت وأبو سعيد الخدري، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيسير، فاتق الله يا أباهريرة.

قال قلت: نعما اوصيت به، وسكت عنه »(١) .

٥ - أبى بن كعب

لقداتهم عمر بن الخطاب أبي بن كعب وأهانه قولا وفعلا، قال السمهودي « وقال ابن سعد أنا يزيد بن هارون أنا أبو أمية بن يعلى عن سالم أبي النضر قال: لما كثر المسلمون في عهد عمررضي‌الله‌عنه وضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور الا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فقال عمر للعباس يا أبا الفضل ان مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم الا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم فقال العباس: ما كنت لأفعل، قال فقال له عمر: اختر مني إحدى ثلاث أما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال، وأما أن أحظك [ أخطك ] حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وأما أن تصدق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال: لا ولا واحدة منها، فقال عمر: اجعل بيني وبينك من شئت، فقال: أبي بن كعب.

فانطلقا الى أبي فقصا عليه القصة، فقال أبي: ان شئتما حدثتكم بحديث سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالا: حدثنا، فقال: سمعت

__________________

(١). العقد النبوي - مخطوط.

٢٣٩

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان الله أوحى الى داود ان ابن لي بيتاً أذكر فيه، فخط لي [ له ] هذه الخطة خطة بيت المقدس، فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بني إسرائيل، فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى، فحدث داود نفسه أن يأخذه منه، فأوحى الله اليه يا داود أمرتك أن تبني لي بيتاً أذكر فيه، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب؟ وليس من شأني الغصب، وان عقوبتك أن لا تبنيه، قال: يا رب فمن ولدي؟ قال: فمن ولدك.

فأخذ [ عمر ] بمجامع ابى بن كعب فقال: جئتك بشيء فجئت بما هو أشد منه؟ لتخرجن مما قلت، فجاء يقوده حتى دخل المسجد فأوقفه على حلقة من اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم أبو ذر، فقال أبي: نشدت الله رجلا سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر حديث بيت المقدس حين امر الله داود ان يبنيه الا ذكره، فقال أبو ذر: انا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال آخر: انا سمعته يعني من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال فأرسل أبياً، قال فأقبل ابي على عمر فقال: يا عمر أتتهمني على حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال عمر: والله يا ابا المنذر ما اتهمتك عليه ولكن أردت ان يكون الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهراً. قال: وقال عمر للعباس: اذهب فلا أعرض لك في دارك، فقال العباس اما إذ [ ا ] قلت ذلك فاني قد تصدقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم فأمّا وأنت نخاصمني فلا، قال: فخط له عمر داره التي هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين »(١) .

٦ - أنس بن مالك

لقد كذب انس بن مالك في قضية الطير المشوي، كما هو ظاهر كل الظهور على من راجع مجلد ( حديث الطير ) من كتابنا.

__________________

(١). وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١ / ٤٨٢.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332