نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 332

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 332 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155048 / تحميل: 6496
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

٥

٦

دحض المعارضة

بحديث: اهتدوا بهدى عمار

٧

٨

قوله: « و قوله واهتدوا بهدى عمار ».

أقول: وهذه المعارضة ساقطة لوجوه:

١ - احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الحديث ينافي ما التزم به

ان الاحتجاج بهذا الحديث يتنافى مع التزامه بعدم النقل الا من كتبنا، على أنه لا طريق صحيح له عندهم أيضاً، ولو سلمنا صحته فانه ليس في مرتبة حديث الثقلين الثابت تواتره، بالاضافة الى أنه ليس مثله في الظهور والدلالة.

٢ - ان عماراً من شيعة علىعليه‌السلام

ان عماراً رضي الله تعالى عنه من كبار المتمسكين بالثقلين وأتباع مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بالاهتداء بهدى عمار فليس الا من جهة كونه آخذاً بالكتاب العزيز ومعتصماً بالائمة الطاهرين،

٩

واتخاذه ذلك شعاراً له ودثاراً، فالمهتدي بهداه متبع للثقلين، والمتبع لخطاه متمسك بالحبلين.

ومما يدل على هذا بوضوح: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً باتباع أمير المؤمنينعليه‌السلام واقتفاء أثره، ولقد امتثل رضي الله تعالى عنه هذا الامر فاختص بأميرالمؤمنين ولازمه ولم يفارقه حتى استشهد.

والشواهد التاريخية على هذا الامر كثيرة جداً، فقد رووا: « عن علقمة بن قيس والاسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري، فقلنا: ان الله تبارك وتعالى أكرمك بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اذ أوحى الى راحلته فبركت على بابك، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضيفاً لك، فضيلة فضلك الله عزوجل بها، ثم خرجت تقاتل مع علي بن أبي طالب!!

قال: مرحباً بكما وأهلا، انني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي جالس عن يمينه وأنا قائم بين يديه اذ حرك الباب فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس انظر من في الباب، فخرج ونظر ورجع، قال: هذا عمار بن ياسر، قال أبو أيوب: فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يا أنس افتح لعمار الطيب المطيب، ففتح أنس الباب، فدخل عمار فسلم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردّعليه‌السلام ورحب به وقال: يا عمار انه سيكون في أمتي بعدي هنات واختلاف حتى يختلف السيف بينهم حتى يقتل بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني - يعني علياً - وان سلك كلهم وادياً وسلك عليّ وادياً فاسلك وادي علي وخل الناس طراً.

يا عمار، ان علياً لا يزيلك عن هدى، يا عمار، ان طاعة علي من طاعتي. وطاعتي من طاعة الله عز وجل ».

أنظر: ( الشريعة للاجري ) و ( فردوس الاخبار ) و ( فرائد السمطين - ١ / ١٧٨ ) و ( المودة في القربى ) و ( مناقب الخوارزمي ٥٧، ١٢٤ ) و ( ينابيع

١٠

المودة ١٢٨، ٢٥٠ ) و ( مفتاح النجا - مخطوط ) و ( كنز العمال ١٢ / ٢١٢ ).

و أخرج الحافظ الخطيب البغدادي عنهما « قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب ان الله أكرمك بنزول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ في بيتك ] وبمجيء ناقته تفضلا من الله [ تعالى ] واكراماً لك حتى اناخت ببابك دون الناس [ جميعاً ] ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب [ به ] أهل لا اله الا الله؟ فقال: يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي [رضي‌الله‌عنه ] بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم [ قابلناهم ] وهم أهل الجمل وطلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم [ من عندهم ] - يعنى معاوية وعمراً [ وعمرو بن العاص ] - وأما المارقون منهم [ فهم ] أهل الطرفاوات وأهل السقيفات [ السعيفات ] وأهل النخيلات وأهل النهروان [ النهروانات ] والله ما أدري اين هم ولكن لا بد من قتالهم ان شاء الله [ تعالى ].

[ ثم ] قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت اذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار [ بن ياسر ] ان رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس [ كلهم ] وادياً [ غيره ] فاسلك مع علي فانه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمار من تقلد سيفاً [ و ] أعان به علياً [رضي‌الله‌عنه ] على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي [رضي‌الله‌عنه ] قلده [ الله ] يوم القيامة وشاحين من نار.

قلنا: يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله »(١) .

وروى المتقي الهندي في فضائل عمار: « عن حذيفة، انه قيل له: ان عثمان قد قتل، فما تأمرنا؟

__________________

(١). تاريخ بغداد ١٣ / ١٨٦ - ١٨٧.

١١

قال: الزموا عماراً.

قيل: ان عماراً لا يفارق علياً.

قال: ان الحسد هو أهلك للجسد، وانما ينفركم من عمار قربه من علي فو الله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وان عماراً من الاخيار. كر »(١) .

ورواه القندوزي في ( ينابيع المودة ١٢٨ )، وعبد الحق الدهلوي في ( رجال المشكاة ) بترجمة عمار ثم قال: « ذكر هذه الأحاديث السيوطي في جمع الجوامع ولها طرق عديدة كثيرة ».

٣ - تخلف عمار عن بيعة ابى بكر

والعجب من ( الدهلوي ) كيف يستند الى هذا الحديث ويحتج به؟! فان عماراً رضي الله تعالى عنه من المتخلفين عن بيعة أبي بكر والمنحازين الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال اليعقوبي: « وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب »(٢) .

وانظر ( المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦ ) و ( تتمة المختصر ١ / ١٨٧ ) وغيرهما.

وقد أفصح عماررضي‌الله‌عنه عن اعتقاده الراسخ وايمانه الثابت في مواقع، منها: حين بويع عثمان بن عفان، فقد قال المسعودي: « وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان

__________________

(١). كنز العمال ١٦ / ١٤١.

(٢). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١٤.

١٢

عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنوأمية، فقال أبوسفيان أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان عمي، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن الى صبيانكم وراثة. فانتهره عثمان وسائه ما قال، ونمى هذا القول الى المهاجرين والأنصار وغير ذلك من الكلام.

فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة، فما أنا بآمن من ان ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله »(١) .

٤ - اعراض عمر بن الخطاب عن هدى عمار

لقد كذب عمر بن الخطاب عماراً واعرض عن هداه واغلظ له الكلام حتى قال له « نوليك ما توليت »، أي جعله مصداق قوله تعالى:( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

وقد بحث هذا الموضوع في ( تشييد المطاعن ) بالتفصيل، وإليك رواية أخرجها:

أحمد في ( المسند ٤ / ٢٦٥ ).

و مسلم في ( الصحيح ١ / ١١٠ ).

و أبوداود في ( السنن ١ / ١٣٥ ).

و النسائي في ( السنن ١ / ١٦٥ بشرح السيوطي ).

و الطبري في ( التفسير ٥ / ١١٣ ).

و العيني في ( عمدة القاري ٤ / ١٩ ).

و ابن الاثير في ( جامع الاصول ٨ / ١٤٩، ١٥١ ).

__________________

(١). مروج الذهب ٢ / ٣٤٢.

١٣

والشيباني في ( تيسير الوصول ٣ / ١١٥ ).

و غيرهم، واللفظ لاحمد قال:

« ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة - يعني ابن كهيل - عن أبي ثابت عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزى، قال: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين انا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء، فقال عمر: اما انا فلم أكن لاصلي حتى اجد الماء. فقال عمار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم. قال: فاني تمرغت في التراب، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الصعيد الطيب كافيك، وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيها ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعيه. قال: اتق الله يا عمار! قال: يا أمير المؤمنين ان شئت لم اذكره ما عشت - أو ما حييت - قال: كلا والله، ولكن نوليك من ذلك ما توليت ».

وفي هذا الحديث نقاط:

الاولى: ان عمر بن الخطاب لم يأخذ بحديث عمار استكباراً، وهذا ينافي الاهتداء بهداه.

الثانية: انه طعن في حديثه، وقد اعترف بذلك الشيخ ولي الله ( والد الدهلوي ) عند الكلام على ضروب اختلاف الصحابة، حيث قال:

« منها: ان صحابياً سمع حكماً في قضية أو فتوى ولم يسمعه الآخر، فاجتهد برأيه في ذلك وهذا على وجوه ثالثها: ان يبلغه الحديث ولكن لا على الوجه الذي يقع به غالب الظن، فلم يترك اجتهاده بل طعن في الحديث روى الشيخان انه كان من مذهب عمر بن الخطاب ان التيمم لا يجزي الجنب الذي لا يجد ماءاً، فروى عنده عمار: انه كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر، فأصابته جنابة ولم يجد ماء، فتمعك في التراب، فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٤

انما كان يكفيك ان تفعل هكذا - وضرب بيديه الأرض، فمسح بهما وجهه ويديه -.

فلم يقبل عمر، ولم ينهض عنده حجة، لقادح خفي رآه فيه، حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية من طرق كثيرة، واضمحل وهم القادح فأخذوا به »(١) .

ولنعم ما أفاد العلامة السيد محمد قلي أحله الله دار السلام في كتابه ( تشييد المطاعن ) حيث قال في هذا المقام: « ان عدم قبول عمر حديث عمار وعدم جعله حجة رد صريح للشريعة، لان عماراً صحابي ثقة عادل جليل الشأن فلما ذا لا تقبل روايته ولا تكون حجة؟ وإذا كان حديث عمار لا ينهض حجة، ولا يوجب إنكاره طعنا، فلما ذا يكون انكار أحاديث الصحابة موجبا للطعن؟ وذلك، لان عماراً من أجلة الصحابة وأعاظمهم وأكابرهم، وله فضائل ومناقب عظيمة لم تكن لكثير من كبار الاصحاب، فمتى جاز انكار حديثه جاز عدم قبول أحاديث غيره من الصحابة.

فالعجب، أن أهل السنة يقبحون عدم قبول الأحاديث التي ينسبونها الى عوام الصحابة وجهالهم - بل الى فجارهم - بل يحسبونه قدحاً في الدين، ولكن لا ينكرون على عمر رده حديث عمار، بل هو امامهم الأعظم ومقتداهم الأفخم؟!

قال العلامة فضل الله التوربشتي شارح المصابيح في كتاب المعتمد في المعتقد: لقد أراد الزنادقة أحداث دين في الشريعة، وجعلوا أساسه القدح في خلافة أبي بكر، وهذا يفضي الى الطعن في جميع الصحابة، والطعن فيهم يقتضي الطعن في الدين، لان القرآن والسنة والاحكام المستفادة منهما انما وصلتنا عن طريق الصحابة، فإذا كان ما يقولون في الصحابة حقاً لم يبق أي اعتماد على أخبارهم، فلا تثبت الشريعة، نعوذ بالله من الضلال.

__________________

(١). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ١٦

١٥

وليعلم الان، ان المحافظة على هذه المسألة على مصداق أهل السنة والجماعة محافظة على أبواب الشريعة، والتهاون بها اضاعة لها جميعاً، والله ناصر و ولي دينه.

وعلى ضوء هذا نقول: ان طعن عمر في رواية عمار - الذي بلغ من جلالة القدر وعظم الشأن ما لم يبلغه من الصحابة الا قليل كما صرح بذلك في كتبهم - يقتضي الطعن في الدين

ودعوى: ان سبب عدم قبول عمر حديث عمار هو « وجود قادح خفي فيه » مردودة: بأن هذا الاحتمال في هكذا حديث صحيح رواه صحابي ثقة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مع ان دين أهل السنة يبتني على أحاديث الاصحاب، وان أصل أصولهم - أعني امامة أبي بكر - انما ثبتت بعناية الصحابة ) يفتح باباً للملاحدة والكفار في ردهم آيات الكتاب والسنة النبوية والدين، بدعوى ( وجود القادح الخفي )!!

وبالجملة: فان حسن ظن أهل السنة دعاهم الى هذه التكلفات الباردة في سبيل اصلاح ما لا يصلح، والا فبديهي انه لا وجه لانكار وردّ حديث عمار الا العناد وعدم الاعتداد بأحكام رب العباد.

والاعجب ان أهل السنة يقبلون الخبر الموضوع: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » بل يحتجون به في مقابل أهل الحق - مع ما فيه وفي ناقله من وجوه القدح -، ولكن حديث عمار لا ينهض حجة عندهم، رغم كونه مقبولا بالإجماع، ورغم عجزهم عن بيان « القادح الخفي »!!

وعلى ضوء كلام المخاطب نفسه - في المطعن الثاني عشر من مطاعن أبي بكر -: ان رواية أبي هريرة وأبي الدرداء وأمثالهما يفيد القطع كالآيات الكريمة نقول: ان خبر عمار - وهو أفضل منهما اجماعاً - يفيد القطع كذلك، وهو كالاية الشريفة من القرآن العزيز، فعدم قبوله رد له قطعاً.

ولقد ثبت من كلام ( شاه ولي الله ): « حتى استفاض الحديث » ان دعوى « وجود القادح الخفي » فيه باطلة عاطلة، وان أهل السنة رأوا ظن عمر

١٦

لا طائل تحته فأعرضوا عن مذهبه، ولله الحمد ».

الثالثة : انه لم يتحرج عمر بن الخطاب من تكذيب عمار، وقد اعترف بذلك جماعة من أكابر العلماء، قال عبد العلي في مسألة انكار المروي عنه روايته:

« المانع للحجية استدل بما روى مسلم ان رجلا أتى عمر فقال: اني أجنبت فلم أجد ماءاً، فقال: لا تصل. فقال عمار لعمررضي‌الله‌عنه : أما تذكر يا أمير المؤمنين اذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت أي تقلبت في الارض بحيث أصاب التراب جميع البدن فصليت، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلم: انما يكفيك أن تمسح بيديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك، وقد وقع في سنن أبي داود انما يكفيك ضربتان، فلم يذكر أمير المؤمنين عمر، فما رجع عمررضي‌الله‌عنه عن مذهبه، فانه لا يرى التيمم للجنب، وفي رواية مسلم، فقال عمر: اتق الله يا عمار.

وأنت لا يذهب عليك أن أمير المؤمنين عمر أنكر انكار التكذيب لا انكار السكوت، فليس هذا من الباب في شيء »(١) .

ومن الواضح: ان تكذيب آحاد المؤمنين الصادقين معصية يذم العقلاء فاعلها، فكيف بتكذيب هذا الصحابي؟! ».

الرابعة: لقد خاطب عمر عماراً بقوله: « اتق الله يا عمار ». وهذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة. نص على ذلك العيني في ( شرح كنز الدقائق ١ / ٢٣٣ ) والزيلعي في ( شرح كنز الدقائق ٣ / ٦٠ - ٦١ ) في الجواب عن حديث فاطمة بنت قيس في وجوب النفقة والسكنى للمطلقة البائن، قال العيني: « وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به لوجوه: أحدها ان كبار الصحابة أنكروا عليها كعمر - على ما تقدم - وابن مسعود وزيد بن

__________________

(١). فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٥.

١٧

ثابت واسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم، حتى قالت لفاطمة - فيما رواه البخاري - ألا تتقي الله؟! وروي أنها قالت لها: لا خير لك فيه.

ومثل هذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة ».

فما ظنك يعمر القائل هذا الكلام لعمار؟ وهل هو مهتد بهداه؟.

الخامسة : لقد قال لعمار: « نوليك ما توليت » ولا ريب أنه قد آذاه بهذه الكلمة الغليظة الشديدة، فقد جعله - والعياذ بالله - مصداقاً لقوله تعالى:( وَمَنْ يُشاقِقِ ) ، فهل هو مهتد بهدى عمار كما يقول الحديث؟!

* ومما يدل على ان عمر لم يكن مهتدياً بهدى عماررضي‌الله‌عنه بل كان يعاديه: عزله إياه عن ولاية الكوفة من دون تقصير منه بعد استعماله من دون طلب منه، والأفظع قوله له بعد عزله - مستهزءاً به - « أساءك عزلنا اياك » فأجابه قائلا: « والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل ».

قال ابن سعد: « أخبرنا عفان بن مسلم، قال نا خالد بن عبد الله، قال نا داود عن عامر، قال قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال لئن قلت ذلك [ ذاك ] لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني »(١) .

وقال ابن الاثير: « ولما عزله عمر قال له: أساءك العزل؟ قال: والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل »(٢) .

٥ - اعتداء عثمان على عمار

لقد آذى عثمان بن عفان عماراً واعتدى عليه وظلمه قولا وفعلا مرة بعد أخرى، وذلك كله معروف، والشواهد عليه كثيرة جداً، وإليك بعضها:

قال ابن قتيبة: « ما أنكر الناس على عثمانرحمه‌الله . قال ذكروا أنه

__________________

(١). الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٦.

(٢). أسد الغابة ٤ / ٤٦.

١٨

اجتمع ناس من أصحاب النبيعليه‌السلام ، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه ثم تعاهد القوم، ليدفعن الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه الى عثمان - والكتاب في يد عمار - جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع اليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقاً منك قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين، ان هذا العبد الأسود - يعني عماراً - قد جرأ عليك الناس وانك ان قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأدخل منزلها، وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار بن ضربه هذا لاقتلن به رجلا عظيماً من بني أمية، فقال عثمان: لست هناك »(١) .

وقال ابن عبد ربه: « ومن حديث الأعمش - يرويه ابو بكر بن أبي شيبة - قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة، فقالوا: من يذهب بها اليه؟ فقال عمار: انا، فذهب بها اليه، فلما قرأها قال ارغم الله انفك قال: وبأنف أبي بكر وعمر، قال: فقام اليه فوطئه حتى غشى عليه.

ثم ندم عثمان وبعث اليه طلحة والزبير يقولان: اختر إحدى ثلاث اما

__________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٣٢.

١٩

ان تعفو واما ان تأخذ الأرش واما ان تقتص، فقال والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح فقال: ما كان على عثمان أكثر مما صنع »(١) .

وقال المسعودي: « وفي سنة خمس وثلاثين كثر الطعن على عثمانرضي‌الله‌عنه وظهر عليه النكير لاشياء ذكروها من فعله، منها: ما كان بينه وبين عبد الله بن مسعود وانحراف هذيل عن عثمان من أجله، ومن ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتق والضرب وانحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله »(٢) .

وقال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ٣ / ١٣٦ ): « وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم الى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من اضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان »(٣) .

وقال اليعقوبي: « فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفى، وصلى عليه عمار بن ياسر وكان غائباً، فستر أمره، فلما انصرف رأى القبر، فقال قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر وذكر أنه أوصى أن لا يخبر به، ولم يلبث الا يسيراً حتى مات المقداد فصلى عليه عمار، وكان أوصى اليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً »(٤) .

وروى الطبري وابن الاثير في قصة مسير الحسنعليه‌السلام وعمار

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١٩٢.

(٢). مروج الذهب ٢ / ٣٣٨.

(٣). الاستيعاب ٣ / ١٣٦.

(٤). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سند حديث مدينة العلم

٦١

٦٢

(١)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام

لقد روى سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام حديث مدينة العلم في ( الصحيفة ) المباركة عن آبائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وهذا نصها:

« وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن قاتل الحسين في تابوت من نار، وعليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدّ يداه ورجلاه بسلاسل من النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله لهم الجلود، لا يفتّر عنهم ساعة، ويسقون من حميم جهنم، فالويل من عذاب الله عز وجلّ.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب.

وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك ابراهيم ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب ».

٦٣

صحيفة الرضا من الأصول المعتبرة

و ( صحيفة الرضاعليه‌السلام ) من الكتب المعروفة المعتمدة والأصول المشهورة المعتبرة، لدى العلماء الأعلام من أهل السنة، فقد قال أبو شجاع شيرويه ابن شهردار الديلمي ما نصه: « أما بعد فإني رأيت أهل زماننا هذا خاصة أهل بلدنا أعرضوا عن الحديث وأسانيده، وجهلوا معرفة الصحيح والسقيم، وتركوا الكتب التي صنفها أئمة الدين قديماً وحديثاً، والمسانيد التي جمعوها في الفرائض والسنن، والحلال والحرام، والآداب والوصايا، والأمثال والمواعظ، وفضائل الأعمال، واشتغلوا بالقصص والأحاديث المحذوفة أسانيدها، التي لم يعرفها نقله الحديث، ولم تقرأ على احد من أصحاب الحديث، وطلبوا الموضوعات التي وضعها القصاص لينالوا بها للقطعيات في المجالس على الطرق، ثبت في كتابي هذا اثني عشر ألف حديث ونيفاً من الأحاديث الصغار على سبيل الاختصار، من الصحاح والغرائب والأفراد والصحف المروية عن النبي لعلي بن موسى الرضا وعمر بن شعيب »(١) .

وقال جار لله الزمخشري: « كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا: لو قرئ هذا الإِسناد على أذن مجنون لأفاق »(٢) .

وقال السمعاني: « الرّضوي بفتح الراء والضاد وفي آخرها الواو، هذه النسبة إلى الرضا وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي الحسن المعروف بالرضا المدفون بطوس، يروي صحيفة عن آبائه، وجماعة من أولاده نسبوا إليه يقال لكلّ واحد منهم الرضوي »(٣) .

وقال سبط ابن الجوزي بترجمة الامامعليه‌السلام : « وذكر عبد الله بن أحمد

____________________

(١). مسند الفردوس - خطبة الكتاب - مخطوط.

(٢). ربيع الأبرار ٣ / ٢٧٨.

(٣). الأنساب - الرضوي.

٦٤

المقدسي في كتاب أنساب القرشيين نسخة يرويها علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إسناد لو قرئ على مجنون برئ »(١) .

وقال المزي « روى عنه ابنه محمد، وعثمان بن المثاور، والنحوي علي بن علي الدعبلي، وأيوب بن منصور النيسابوري، وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، والمأمون بن الرشيد، وعلي بن مهدي بن صدقة له عنه نسخة، وأبو أحمد داود بن سليمان بن سيف الغازي القزويني له عنه نسخة، وأحمد بن عامر ابن سليمان الطائي له عنه نسخة كبيرة »(٢) .

وقد عدّها المحبّ الطبري من مآخذ كتابه معبراً عنها بـ ( مسند الرضا )، ونقل عنها في مواضع منه، منها: قوله في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام « ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، إنك أول من يقرع باب الجنة فيدخله بغير حساب بعدي. خرّجه الامام علي بن موسى الرضا في مسنده »(٣) .

ومنها قوله « ذكر إخبار جبرئيل عن الله تعالى أن علياً من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى: عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. خرّجه الإِمام علي بن موسى الرضا »(٤) .

ومنها قوله « عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك سيّد

____________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٣٥٢.

(٢). تهذيب الكمال ٢١ / ١٤٨.

(٣). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٢ / ٢١١.

(٤). المصدر نفسه ٢ / ٢١٦

٦٥

المسلمين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين. خرّجه علي بن موسى الرضا »(١) .

كما نقل عنها المحب الطبري في كتابه الآخر ( ذخائر العقبى ) جملةً من فضائل أهل البيتعليهم‌السلام (٢) .

وروى عن الصحيفة إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني في مواضع من كتابه ( الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء ) في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام معبّراً عنها بـ ( مسند الرضا ) كذلك، فليراجع.

وقال ابن باكثير المكي: « وعن سيدنا علي كرّم الله وجهه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أسري بي إلى السماء، أخذ جبرئيل بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنة وناولني سفرجلة، فكنت أقلّبها إذْ انفلقت وخرجت منها حوراء لم أر أحسن منها، فقالت: السلام عليك يا محمد، فقلت: وعليك السلام من أنت؟ قالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أصناف: أعلاي من عنبر، ووسطي من كافور، وأسفلي من مسك، عجنني بماء الحيوان ثم قال لي: كوني فكنت، خلقني لأخيك وابن عمك علي بن أبي طالب. أخرجه الامام علي بن موسى الرضا »(٣) .

بل عدّها محمد عابد السندي في الكتب المعتبرة التي يرويها بأسانيده الصحيحة حيث قال في ( حصر الشارد ) « وأما الأربعون من نسخة علي بن موسى الرضا عن آبائه فأرويها بالسند المتقدّم إلى الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي المقدسي، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود بن إبراهيم، أنا الحسن بن محمد بن عباس الراسمي، أنا أبوبكر أحمد بن علي بن خلف، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب، أنا أبوبكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ».

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢٣٤.

(٢). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، أنظر: ٢٦، ٣٢، ٣٩، ٤٤، ٤٧، ٤٨

(٣). وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.

٦٦

ترجمة السندي

والسندي من أعلام علماء القوم، وقد ترجم الصديق حسن القنوجي للشيخ محمد عابد السندي في ( أبجد العلوم ) وأثنى عليه قائلاً: « الشيخ محمد عابد السندي ابن أحمد علي بن يعقوب، الحافظ، من بني أبي أيوب الأنصاري، ولد ببلدة سيون وهي على شاطئ النهر شمالي حيدرآباد السند مما يلي بلدة بويك، هاجر جدّه الملقب بشيخ الإسلام إلى أرض العرب، وكان من أهل العلم والصلاح.

وأقام الشيخ محمد عابد بزبيد دارة علم باليمن معروفة، واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها، حتى عدّ من أهلها، ودخل صنعاء اليمن يتطبب لامامهم وتزوج ابنة وزيره، وذهب مرة سفيراً من إمام صنعاء إلى مصر، وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة، وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات، ثم عاد إلى المدينة الطيبة، وولي رئاسة علمائها من قبل والي مصر، وخلّف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي »

من رواة الصحيفة

لقد ظهر من عبارة السندي أن جماعة من حفاظ أهل السنة - أمثال ابن حجر العسقلاني - يروون صحيفة الامام الرضاعليه‌السلام .

ويوجد ( في المكتبة الناصرية ) نسختان من الصحيفة يروى إحداهما: أبو الفتح عبيد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري النيشابوري الشافعي، المترجم في ( طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ٢٠٧ ) والأخرى يرويها: صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني المتوفى سنة ٧٢٢، والمترجم في ( تذكرة الحفاظ ٤ / ٢٩٨ ) و ( مرآة الجنان - حوادث ٧٢٢ ) و ( العبر حوادث ٧٩٥ ) و ( الدرر

٦٧

الكامنة ١ / ٦٧ ) وغيرها.

هذا، وسيعلم في محلّه إخراج العاصمي وابن النجار حديث مدينة العلم من حديث سيدنا الامام الرضاعليه‌السلام بعين لفظ ( الصحيفة ).

ولا ريب أن رواية هذا الامام المعصومعليه‌السلام كافية لمن رام الحق، ولا يجحدها إلّا من أضمر البغض والعداء.

(٢)

رواية الامام الرضا عليه‌السلام بلفظ آخر

وروى الامامعليه‌السلام حديث مدينة العلم، عن آبائه الكرام عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين بلفظ آخر، فقد قال ابن المغازلي ما نصه: « أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحويرحمه‌الله تعالى فيما أذن لي في روايته عنه: أن أبا طاهر إبراهيم بن عمر بن يحيى يحدّثهم قال: نا محمد بن المطلب، نا أحمد بن محمد بن عيسى - سنة عشر وثلاثمائة - نا محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم اللاحقي الصفار بالبصرة - سنة أربع وأربعين ومائتين - نا أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من [ قبل ] الباب »(١) .

شأن هذا الاسناد

وهذا إسناد يمتنع الوصول إلى كنه عظمته وجلالته، إنه إسناد التمس كبار

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٥.

٦٨

الأئمة والحفاظ أن يحدّثهم الامام الرضاعليه‌السلام بحديث به. وقال أحمد بن حنبل: لو قرئ هذا الإِسناد على مجنون لبرء من جنونه فقد ذكر أبو سعيد منصور ابن الحسين الآبي الوزير ما نصه: « حدّث أبو الصّلت قال: كنت مع علي بن موسى - وقد دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء - فغدا إلى طلبه علماء البلد: أحمد بن حرب، وياسين بن النضر، ويحيى بن يحيى، وعدة من أهل العلم. فتعلّقوا بلجامه في المربعة فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك. قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي، قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي، قال سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال قال أحمد بن حنبل: لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرء من جنونه.

وروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثل ذلك يحكيه عن أبيه وأنه قرأه على مصروع فأفاق »(١) .

وقال ابن الصباغ « وروى المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوزان - في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة - قال: أورد صاحب صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه: أن علي بن موسى الرضا لمـّا دخل إلى نيسابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة الشهادة، كان في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء، وقد شق سوق نيسابور، فعرض له الامامان الحافظان للأحاديث النبوية، والمثابران على السنّة المحمدية: أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم والحديث وأهل الرواية والدراية فقالا له: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الطاهرين

____________________

(١). نثر الدر ١ / ٣٦٢.

٦٩

وأسلافك الأكرمين إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذكرك به، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه، والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه، وهم ما بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبّل لحافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة والفقهاء والعلماء: معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتوا لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم، وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي.

قال علي بن موسى الرضا: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد بكربلا، عن أبيه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أنّه قال: حدّثني جبرئيل قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلّا الله حصني فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر على القبة وسار، فعدّ أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا.

قال الاستاذ أبو القاسم القشيري: إتصل هذا الحديث ببعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب، وأوصى أنْ يدفن معه في قبره، فرأى في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلّا الله وتصديقي بأن محمداً رسول الله »(١) .

وفي ( جواهر العقدين ) عن الجمال الزرندي في كتابه معراج الوصول: « وزاد - عقب قوله وتصديقي بأن محمداً رسول الله - وكتابتي هذا الحديث بالذهب تعظيماً له واحتراماً »(٢) .

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة ٢٤١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٠

وإنْ شئت المزيد من مراجع القضية فراجع ( المقاصد الحسنة ) و ( مفتاح النجا ) و ( الحق المبين ) و ( فصل الخطاب ). وممن رواها أيضاً سبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ٣٥٢ ) وابن حجر المكي في ( الصواعق ١٢٢ ).

وقد أضاف بعضهم في الرواية: « فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها » قال خواجه بارسا « قيل: من شروطها الاقرار له بأنه إمام مفترض الطاعة ».

الامام الرضاعليه‌السلام معصوم من الخطأ

وبالرغم من ثبوت عصمة الإِمام الرضاعليه‌السلام بالأدلة العامة والخاصة غير الخاضة للحصر والإحصاء، فإنا نذكر هنا دليلين من الأدلة الخاصة به من كتب أهل السنة بالمناسبة:

١ - ما رواه خواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) وعبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) ومحمد مبين اللكهنوي في ( وسيلة النجاة ) والجامي في ( شواهد النبوة ) ورشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) وولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين ) عن موسى الكاظمعليه‌السلام أنه قال « رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام - وأمير المؤمنينرضي‌الله‌عنه معه - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي ابنك ينظر بنور الله عز وجل وينطق بحكمة، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، قد ملئ حكماً وعلماً ».

٢ - ما رواه الجامي في ( شواهد النبوة ) والشيخ عبد الحق الدهلوي في ( رسالة مناقب الأئمة ) وخواجه بارسا في ( فصل الخطاب ) والمولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) والمولوي ولي الله في ( مرآة المؤمنين ) أنه « قيل لأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما: إن أباك سمّاه المأمون الرضا ورضيه لولاية عهده، فقال: بل الله سبحانه سمّاه الرضا، لأنه كان رضا الله عز وجل في سمائه ورضا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أرضه، وخص من بين آبائه الماضين بذلك، لأنه رضي به

٧١

المخالفون كما رضي به الموافقون، وكان أبوه موسى الكاظمرضي‌الله‌عنه يقول: أدعوا لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن ».

وغير خفي أن رواية هذا الامام المعصوم هذا الحديث بهذا السند عن جدّه الأعظم عليه وآله السلام كاف للإذعان بأنه حديث قطعي، لا يشوبه ريب ولا يعتريه شك، والحمد لله رب العالمين.

(٣)

رواية عبد الرزاق الصّنعاني

قال الحاكم بعد أن أخرج الحديث من حديث ابن عباس وصححه ما نصه:

« ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح: حدثني أبوبكر محمد بن علي الفقيه الامام الشاشي القفال ببخارى - وأنا سألته - حدثني النعمان بن هارون البلدي ببلد من أصل كتابه، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

كما سيعلم روايته من ( المناقب لابن المغازلي ) و ( تاريخ دمشق ) و ( تاريخ بغداد ) و ( كفاية الطالب ).

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٧.

٧٢

رجال الحديث

ولنذكر بعض كلماتهم في توثيق رجال هذا السند، تأكيداً لتصحيح الحاكم إيّاه فنقول:

أمّا سفيان الثوري

فهو من رجال الصحاح الستة، وقد وثّقه ابن حبان(١) ، ترجم له:

١ - السمعاني بقوله: « وأما نسب ثور ابن عبد مناة فالإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد وكان من سادات أهل زمانه فقهاً وورعاً وحفظاً وإتقاناً، شمائله في الصلاح والورع أشهر من أن يحتاج إلى الإِغراق في ذكرها »(٢) .

٢ - ابن الأثير: « إمام المسلمين وحجة الله على خلقه، يفوت فضائله الإحصاء وتعجز العادين، جمع في زمنه بين الفقه والاجتهاد فيه والحديث والزهد والعبادة والورع والثقة، وإليه المنتهى في علم الحديث وغيره من العلوم، أجمع الناس على دينه وزهده وورعه وثقته، ولم يختلفوا في ذلك، وهو أحد الأئمة المجتهدين وأحد أقطاب الاسلام وأركان الدين »(٣) .

٣ - الذهبي « أحد الأعلام علماً وزهداً »(٤) .

٤ - ابن حجر: « قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان، فقال له رجل: يا أبا عبد الله رأيت سعيد ابن جبير وغيره وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان.

____________________

(١). الثقات ٦ / ٤٠١.

(٢). الانساب - الثوري.

(٣). جامع الاُصول لابن الأثير - مخطوط.

(٤). الكاشف ١ / ٣٧٨.

٧٣

وقال وكيع عن شعبة: سفيان أحفظ مني. وقال ابن مهدي كان وهب يقدّم سفيان في الحفظ على مالك. وقال يحيى القطان: ليس أحد أحب إليّ من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان. وقال الدوري: رأيت يحيى بن معين لا يقدّم على سفيان في زمانه أحداً في الفقه والحديث والزهد وكل شيء. وقال الآجري عن أبي داود: ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء إلّا يظفر سفيان. وقال أبو داود: بلغني عن ابن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شيء إلّا كان القول قول سفيان. وقال العجلي: أحسن أسناد الكوفة سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وقال المروزي عن أحمد: لا يتقدّم في قلبي أحد سفيان. وقال عبد الله بن داود: ما رأيت أفقه من سفيان. وقال أبو قطن: قال لي شعبة إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم.

قال الخطيب: كان إماماً من أئمة المسلمين وعلماً من أعلام الدين، مجمعاً على أمانته بحيث يستغني عن تزكيته، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد. وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً وكان عابداً ثبتاً. وقال النسائي: هو أجلّ من أن يقال فيه ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجوا أن يكون ممن جعله الله للمتقين إماماً. وقال ابن أبي حاتم: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان. وقال زائدة: كان أعلم الناس في أنفسنا. وقال ابن حبان: كان من سادات الناس فقهاً وورعاً وإتقاناً »(١) .

وأما عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري

فقد ترجم له

١ - ابن حبان قائلاً: « عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي، يروي عن سعيد ابن جبير، روى عنه ابن جريج، روى عنه أهل الحجاز. مات سنة ١٣٢ »(٢) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ١١٣.

(٢). الثقات ٥ / ٣٤.

٧٤

٢ - السمعاني: « وابو عثمان عبد الله بن عثمان بن خثيم من القارة، يروي عن أبي الطفيل، عداده في أهل مكة، روى عنه معمر، مات سنة ١٤٤، وقد قيل سنة ١٣٥ »(١) .

٣ - ابن حجر: « قال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة. وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس صالح الحديث. وقال النسائي: ثقة. وقال مرة ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث حسنة »(٢) .

وأما عبد الرحمن بن بهمان المدني

الذي عبّر عنه الحاكم في المستدرك بـ « عبد الرحمن بن عثمان التيمي » فقد.

ترجم له

١ - ابن حبان في ( الثقات ) .

٢ - الذهبي وقال: « وثق »(٣) .

٣ - ابن حجر ووثقه(٤) .

وروى عبد الرزاق بن همام حديث مدينة العلم بسند آخر، فقد جاء في ( المناقب ) ما نصه: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت القرشي، نا علي بن محمد المصري، نا محمد بن عيسى بن شيبة البزار، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب، نا عبد الرزاق، أنا معمر عن عبد الله

____________________

(١). الأنساب - القاري.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٤.

(٣). الكاشف ٢ / ١٥٨.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤، تهذيب التهذيب ٦ / ١٤٩.

٧٥

ابن عثمان عن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية - وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب - هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

رجال السند

ورجال هذا الحديث ثقات. فأما معمر فقد أخرج له أصحاب الصحاح الستة وترجم له بكل ثناء وتعظيم في ( الثقات ) و ( تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٠٧ ) و ( تذكرة الحفاظ ١ / ١٩٠ ) و ( تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ ) و ( العبر ١ / ٢٢٠ ) و ( الكاشف ٢ / ٢٦٦ ) و ( مرآة الجنان ١ / ٣٢٣ ) و ( طبقات الحفاظ ٨٢ ) وغيرها.

وأما عبد الله بن عثمان، وعبد الرحمن بن بهمان، فقد مرّ طرف من كلمات الثناء عليهما.

وأما عبد الرزاق بن همام

نفسه، فقد ترجمنا له بالتفصيل في مجلّد ( حديث التشبيه ) عن طائفة من معاجم التراجم المعتبرة(٢) .

(٤)

تصحيح يحيى بن معين

على صحة حديث مدينة العلم، قال المزيّ والعسقلاني بترجمة أبي الصلت

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٤.

(٢). أنظر: الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، الأنساب: الصنعاني، دول الاسلام: حوادث ٢١١، مرآة الجنان حوادث: ٢١١، تذكرة الحفاظ ١ / ٣٣٤

٧٦

عبد السلام بن صالح الهروي: « قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

عبد الرحمن الأنباري: حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه.

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: صحيح.

قال أبوبكر ابن ثابت الحافظ: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه »(١) .

وقال السيوطي: « روى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(٢) .

وقال المناوي: « ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المذكور من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس. ثم قال: قال القاسم سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ رواه غير واحد عنه »(٣) .

وقال الشوكاني في مقام الجواب عن القدح فيه: « وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح »(٤) .

____________________

(١). تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، تهذيب التهذيب ٦ / ٣١٩.

(٢). جمع الجوامع ١ / ٣٨٣.

(٣). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤٧.

(٤). الفوائد المجموعة للقاضي الشوكاني ٣٤٩.

٧٧

وقال الأمير: « وروى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح »(١) .

هذا، وأما دعوى أنه أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية فعارية عن الدليل، ومن هنا نقل السيوطي والشوكاني وغيرهما تصحيحه إياه مطلقاً، ولو سلّم فإن أبا معاوية والأعمش ومجاهد ثقات، فالحديث صحيح بلا كلام، وسيأتي لذلك مزيد تأييد وتحقيق من كلام الحافظ العلائي والعلامة الفيروزآبادي، كما ستعلم عند نقض كلمات ( الدهلوي ) إثبات يحيى بن معين لهذا الحديث مرة بعد أخرى فانتظر.

ترجمته

١ - ابن جزلة: « كان إماماً حافظاً متقناً قال علي بن المديني: إنتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة، وعلم الكوفة إلى إسحاق والأعمش، وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار، وصار علم هؤلاء الستة بالبصرة إلى سعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمر وحماد بن سلمة وأبي عوانة، ومن أهل الكوفة إلى سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، ومن أهل الحجاز إلى مالك بن أنس، ومن أهل الشام إلى الأوزاعي، فانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن إسحاق وهشيم ويحيى بن سعيد وابن أبي زائدة ووكيع وابن المبارك - وهو أوسع هؤلاء علماً - وابن مهدي وابن آدم، وصار علم هؤلاء جميعاً إلى يحيى بن معين.

وقال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث.

وقال ابن الرومي: ما سمعت أحداً قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى بن معين، وغيره كان يتحامل بالقول »(٢) .

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

(٢). مختار مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.

٧٨

٢ - السمعاني: « كان إماماً ربّانياً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً مرجوعاً إليه في الجرح والتعديل إنتهى علم العلماء إليه حتى قال أحمد بن حنبل: هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن وأظهر كذب الكذابين - يعني يحيى بن معين - وقال علي بن المديني: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذّاب »(١) .

٣ - النووي: « هو إمام أهل الحديث في زمنه والمعوّل عليه فيه أجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدّمه في هذا الشأن واضطلاعه منه وأحواله وفضائلهرضي‌الله‌عنه غير منحصرة »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الحافظ المشهور، كان إماماً عالماً حافظاً متقناً وهو صاحب الجرح والتعديل، روى عنه كبار الأئمة منهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم من الحفاظ، وكان بينه وبين الامام أحمد بن حنبلرضي‌الله‌عنه من الصحبة والألفة والاشتراك في الاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور، لا حاجة إلى الاطالة فيه »(٣) .

٥ - أبو الفداء الأيوبي: « كان إماماً حافظاً »(٤) .

٦ - الذهبي: « يحيى بن معين هو الامام الحافظ الجهبذ شيخ المحدثين قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى فقال: إمام. وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث، ثقة مأمون. »(٥) .

____________________

(١). الانساب - المري.

(٢). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٥٦.

(٣). وفيات الأعيان ٦ / ١٣٩.

(٤). المختصر في أحوال البشر ٢ / ٣٧.

(٥). سير أعلام النبلاء ١١ / ٧١.

٧٩

٧ - الذهبي: « يحيى بن معين الامام الفرد سيد الحفّاظ قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال.

قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بمناقبه. قال خنيس بن مبشر أحد الثقات: رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال أعطاني وحباني وزوّجني ثلاث مائة حوراء، ومهّد لي بين الناس. توفي في ذي القعدة غريباً بمدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة ٢٣٣ »(١) .

٨ - الذهبي أيضاً: « الامام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ، أحد الأعلام وحجة الإسلام حديثه في الكتب الستة »(٢) .

٩ - الذهبي أيضاً: « إمام المحدثين، فضائله كثيرة، مولده سنة ١٥٨، ومات طالب الحج بالمدينة في ذي القعدة ٢٣٣، وحمل على أعواد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

١٠ - اليافعي بنحو ما تقدم(٤) .

١١ - القنوجي في ( التاج المكلل: ١٤١ ).

(٥)

رواية سويد بن سعيد الحدثاني

من مشايخ مسلم وابن ماجة. قال ابن كثير - بعد أن روى حديث أنا دار

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٢٩.

(٢). العبر في خبر من غبر ١ / ٤١٥.

(٣). الكاشف ٢ / ٣٥٨.

(٤). مرآة الجنان ٢ / ١٠٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332