نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 332

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 332 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155376 / تحميل: 6511
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ضعفه، بل رجح وضعه »(١) .

بعض كلماتهم في راويه: ابن البيلمانى

لقد اكتفى المناوى بقوله: « وابن البيلماني حاله معروف » ولا بأس بايراد كلمات اساطين الجرح والتعديل فيه وفي أبيه:

قال البخاري: محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث، كان الحميدي يتكلم فيه»(٢) .

وقال النسائي: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث »(٣) .

وقال المقدسي: « اذا كان آخر الزمان واختلف الاهواء فعليكم بدين البادية والنساء. فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني قال ابن معين: ليس بشيء »(٤) .

وقال عنه في مواضع عديدة بعد احاديث رواها « لا شيء في الحديث » و « لا شيء » و « ليس بشيء » و « كان يتهم » ( أنظر: ص ٢٦، ٤٢، ٤٦، ٤٩، ٨٢، ١١٢، ١٢٢، ١٢٣، ١٣٦، ١٤١ ).

وقال ابن الجوزي بعد الحديث المذكور: « قال المصنف: هذا حديث لا يصح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يحيى بن معين: محمد بن الحارث ومحمد بن عبد الرحمن ليسا بشيء، قال أبو حاتم: حدث محمد بن عبد الرحمن عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب الا تعجباً »(٥) .

__________________

(١). فيض القدير ١ / ٤٦٠.

(٢). الضعفاء والمتروكين للبخاري ١٠٣.

(٣). الضعفاء والمتروكين للنسائى ٩٣.

(٤). تذكرة الموضوعات للحافظ المقدسي ٢٥.

(٥). الموضوعات ١ / ٢٧١.

٨١

وهكذا قال فيه في حديث في « باب فضل جدة ».

وفي ( ميزان الاعتدال ): « د. ق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه: ضعفوه، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن حبان: يحدث عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني البلاء فيه منه »(١) .

وفي [ المغني ]: « ضعفوه وقال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة موضوعة »(٢) .

وقال الزين العراقي بعد حديث « اذا كان آخر الزمان »: « وابن البيلماني له عن ابيه عن ابن عمر نسخة كان يتهم بوضعها، وهذا اللفظ عن هذا الوجه رواه حب في الضعفاء في ترجمة ابن البيلماني والله اعلم »(٣) .

وقال الهيثمي في باب صلاة الخوف بعد حديث « رواه البزار وفيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني، وهو ضعيف جداً »(٤) .

وقال سبط ابن العجمي: « ضعفه غير واحد، وقال خ وابو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: حدث عن أبيه بنسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة، وقد ذكر الذهبي عدة أحاديث في ميزانه وفي آخرها: قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني فالبلاء منه، ومحمد بن الحرث أيضاً ضعيف. انتهى، يعني: راوي غالب الاحاديث التي ذكرها والله اعلم. وفي ثقات ابن حبان في ترجمة أبيه: يضع على ابيه العجائب »(٥) .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٧.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٦٠٣.

(٣). المغني عن حمل الاسفار في الاسفار ١ / ٢٦٢.

(٤). مجمع الزوائد ٢ / ١٩٦.

(٥). الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث - مخطوط.

٨٢

وقال ابن حجر بعد حديث: « ورواه الدارقطني من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن عثمان، وابن البيلماني ضعيف جداً وأبوه ضعيف أيضاً »(١) .

ونقل في ( تهذيب التهذيب ) كلمات البخاري وأبى حاتم والنسائي وابن معين وابن عدى. ثم قال: « قلت وقال ابن حبان: حدث عن أبيه نسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره الا على وجه التعجب وقال الساجي: منكر الحديث، وقال العقيلي: روى عنه صالح بن عبد الجبار ومحمد بن الحارث مناكير، وقال الحاكم: روى عن أبيه عن ابن عمر المعضلات »(٢) .

وفي ( لسان الميزان ): « قال البخاري: منكر الحديث »(٣) .

وفي ( تقريب التهذيب ): « ضعيف وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان، من السابعة »(٤) .

وقال ابن الهمام في مسألة تقدير المهر: « وحديث العلائق معلول بمحمد ابن عبد الرحمن ابن البيلماني، قال ابن القطان قال البخاري منكر الحديث »(٥) .

وقال السخاوي بعد حديث « اذا كان »: « وابن البيلماني ضعيف جداً »(٦) .

وقال الخزرجي: « قال البخاري منكر الحديث »(٧) .

وقال السندي: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني، روى عن أبيه نسخة

__________________

(١). التلخيص الحبير ١ / ٨٤.

(٢). تهذيب التهذيب ٩ / ٢٩٤.

(٣). لسان الميزان ٦ / ٦٩٧.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٨٢.

(٥). فتح القدير ٢ / ٤٣٦.

(٦). المقاصد الحسنة ٢٩٠.

(٧). خلاصة التذهيب ٢ / ٤٢٩.

٨٣

كلها موضوعة »(١) .

ونقل القاري عن ابن القيم كلمات القوم المتقدمة(٢) .

وقال المناوي بعد حديث: « اذا كان آخر الزمان »: « وابن البيلماني ضعيف جداً، واورده السخاوي في المقاصد »(٣) .

وبمثله قال الزبيدي في ( شرح الاحياء ) بعد الحديث المذكور.

وقال الشوكاني: « وفيه ابن البيلماني وهو ضعيف جداً، عن أبيه وهو أيضاً ضعيف »(٤) .

و أما ابوه عبد الرحمن ابن البيلمانى

فقد ضعفه الدارقطني في ( المجتنى - مخطوط ).

والحاكم في ( المستدرك ٤ / ٤٨٥ ).

والذهبي في ( الميزان ٢ / ٥٥١ ) و ( المغني ٢ / ٣٧٧ ) و ( الكاشف ٢ / ١٥٨ ) و ( تلخيص المستدرك ٤ / ١٠٢ و ٤٨٥ ).

وابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ٦ / ١٥٠ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤ ).

والخزرجي في ( خلاصة التذهيب ٢ / ١٢٧ ).

وابن امير الحاج في ( التقرير والتحبير ١ / ٢٢٤ ).

والمتقي في ( كنز العمال ٦ / ١٤٦ ).

والشوكاني في ( نيل الاوطار ١ / ١٩٧ ).

والمناوي في ( فيض القدير ١ / ١٦٣ ).

والزبيدي في ( تاج العروس - بلم ).

__________________

(١). مختصر تنزيه الشريعة عن الاحاديث الموضوعة - مخطوط.

(٢). الموضوعات ٤١٩.

(٣). فيض القدير ١ / ٤٢٤.

(٤). نيل الاوطار ١ / ١٩٧، ٦ / ٨٧.

٨٤

٧ - قدح المناوى أيضا ً

لقد قال المناوي في ( فيض القدير ) بشرح حديث « معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه »: « حل - عن أبي سعيد الخدري، وفيه زيد العمي وقد مر ضعفه، وسلام بن سليم قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ».

أقول: واليك بعض أقوال أساطين علمائهم في كل من الرجلين:

اما زيد العمى

فقد قال النسائي: « زيد العمي ضعيف »(١) .

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في حديث: « زيد العمي ضعيف الحديث »(٢) .

وقال ابن الجوزي بعد أحاديث: « هذه أحاديث ليس فيها صحيح

والثاني والثالث: فيهما زيد العمي، قال ابن حبان، يروي أشياء موضوعة لا أصل لها حتى يسبق الى القلب انه المتعمد لها »(٣) .

وقال الذهبي: « فيه ضعف، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن اضعف منه »(٤) .

وقال العراقي في ( المغني ) بعد حديث: « وفيه زيد العمي وهو ضعيف ».

وقال ابن حجر: « ضعيف »(٥) .

__________________

(١). الضعفاء والمتروكين للنسائى: ١٨٠.

(٢). العلل ١ / ٤٥.

(٣). الموضوعات ٣ / ٢١٥.

(٤). الكاشف ١ / ٣٣٨.

(٥). تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤.

٨٥

وفي ( تهذيب التهذيب ): « وقال اسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث، وقال غير مرة: لا شيء، وقال أبو الوليد بن أبي الجارود عن ابن معين: زيد العمي وأبو المتوكل يكتب حديثهما وهما ضعيفان، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بقوي واه الحديث، ضعيف، وقال الجوزجاني: متماسك، وقال الاجري عن أبي داود حدث عن شعبة وليس بذلك ولكن ابنه عبد الرحيم لا يكتب حديثه، وقال الاجري أيضاً: سألت أبا داود عنه فقال: زيد بن مرة، قلت: كيف هو؟ قال: ما سمعت منه الا خيراً. وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: صالح، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه ضعيف، على ان شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن اضعف منه، وقال على بن مصعب: سمى العمي، لانه كان كلما سئل عن شيء، قال: حتى اسأل عمي.

قلت: وقال الرشاطي: هو منسوب الى بني العم من تميم، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث، وقال ابن المديني: كان ضعيفاً عندنا، وقال أبو حاتم: كان شعبة لا يحمد حفظه، وقال العجلي: بصرى ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال ابن عدى: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم »(١) .

واما سلام بن سليم

فقد قال البخاري: « تركوه »(٢) .

وقال النسائي في ( الضعفاء والمتروكين ٤٧ ) وابن أبي حاتم في ( العلل ١ / ٦٣ ) عن أبيه: « متروك الحديث ».

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ٤٠٨.

(٢). الضعفاء للبخاري ٥٥.

٨٦

وقال أبو نعيم بترجمة الشعبي بعد حديث: « متروك باتفاق »(١) .

وقال ابن الجوزي بعد حديث: « فيه سلام الطويل قال يحيى: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه، وقال النسائي والدار قطني: متروك وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات وكأنه كان المعتمد لها »(٢) .

وقال الذهبي: « تركوه » ثم نقل كلماتهم فيه(٣) .

وفي ( المغني ): « متروك، وقال ابو زرعة: ضعيف »(٤) .

وفي ( الكاشف ): « قال البخاري: تركوه »(٥) .

وقال ابن التركماني عن البيهقي: « متروك »(٦) .

وقال الهيثمي: « قد أجمعوا على ضعفه »(٧) .

وقال سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث ): « جرحه جماعة ».

وقال ابن حجر: « متروك من السابعة »(٨) .

وقال أيضاً: « زيد وسلام ضعيفان »(٩) .

وهكذا ضعفه آخرون كالخزرجي ( خلاصة التذهيب ١ / ٤٣٣ ) والسندي في ( مختصر تنزيه الشريعة ) ومحمد بن طاهر في ( قانون الموضوعات ٢٥٩ ).

__________________

(١). حلية الاولياء ٤ / ٣٣٦.

(٢). الموضوعات ٢ / ٨٩.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٧٥.

(٤). المغني ١ / ٢٧٠.

(٥). الكاشف ١ / ٤١٣.

(٦). الجوهر النقي ١ / ٢١.

(٧). مجمع الزوائد ١ / ٢١٢.

(٨). تقريب التهذيب ١ / ٣٤٢.

(٩). تلخيص الحبير ١ / ٢٢٢.

٨٧

٨ - قدح المناوى أيضا ً

قال المناوى: « حل - عن ابى سعيد. واسناده ضعيف »(١) .

٩ - قدح العزيزي فيه

قال العزيزي: « حل - عن أبى سعيد واسناده ضعيف »(٢) .

١٠ - تصرف معاذ في ما ليس له

ان من مبطلات احاديث اعلمية معاذ بن جبل تصرفه في ما ليس له من الاموال، واليك من ذلك روايتين:

الاولى:

ما اخرجه جماعة مهم ابن سعد بترجمة معاذ، قال: « أخبرنا عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الاعمش عن شقيق قال: استعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذاً على اليمن، فتوفى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلف ابو بكر وهو عليها، وكان عمر عامئذ على الحج، فجاء معاذ الى مكة ومعه رقيق ووصفاء على حدة، فقال له عمر: يا ابا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوصفاء؟ قال: هم لي، قال: من أين هم لك؟ قال: أهدوا لي. قال: اطعني وأرسل بهم الى أبي بكر فان طيبهم لك فهم لك، قال: ما كنت لاطيعك في هذا، شيء أهدي لي ارسل بهم الى ابي بكر؟ قال: فبات ليلا [ ليلته ] ثم أصبح فقال: يا ابن الخطاب ما أراني الا مطيعك، اني رأيت الليلة في المنام كأنى أجر - او: أقاد او كلمة تشبهها - الى النار وأنت آخذ بحجزتي، فانطلق [ بى و ] بهم الى أبي بكر، فقال: أنت احق بهم، [ فانطلق بهم الى أبي بكر ] فقال ابو بكر: هم

__________________

(١). التيسير ٢ / ٣٧٦.

(٢). السراج المنير ٣ / ٢٨٢.

٨٨

لك، فانطلق بهم الى أهله فصفوا خلفه يصلون قال: لمن تصلون؟ قالوا: لله تبارك وتعالى. قال: فانطلقوا فأنتم له »(١) .

و الثانية:

أخرجها جماعة منهم ابن عبد البر في ( الاستيعاب ٣ / ١٤٠٤ ) بترجمة معاذ والمتقى في ( كنز العمال ٥ / ٣٤٢ ) في كتاب الخلافة، وهذا لفظ المتقي: « أخبرنا معمر عن الزهري عن كعب بن عبد الرحمن [ ابن كعب ] بن مالك عن ابيه قال: كان معاذ بن جبل رجلا سمحاً شاباً جميلا من افضل شباب قومه، وكان لا يمسك شيئاً، فلم يزل يدان حتى اغلق ما له كله من الدين، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلب له ان يسأل له غرماءه ان يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لاحد من اجل أحد تركوا لمعاذ من اجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فباع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ما له في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى اذا كان عام فتح مكة بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميراً وكان اول من اتجر في مال الله هو، ومكث حتى اصاب وحتى قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قدم قال عمر لابي بكر: ارسل الى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره، فقال ابو بكر: انما بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبره ولست بآخذ منه شيئاً الا ان يعطيني، فانطلق عمر الى معاذ اذ لم يطعه ابو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال [ معاذ ]: انما ارسلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبرنى ولست بفاعل، ثم لقي معاذ عمر فقال: قد اطعتك وانا فاعل ما امرتني به، انى رأيت في المنام أنى في حومة ماء قد خشيت الغرق، فخلصتني منه يا عمر، فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له وحلف له انه لم يكتمه شيئاً حتى بين له سوطه، فقال ابو بكر: والله لا آخذه منك، قد وهبته لك، فقال عمر: هذا حين طاب لك وحل، فخرج معاذ

__________________

(١). الطبقات ٣ / ٥٨٥.

٨٩

عند ذلك الى الشام.

قال معمر: فأخبرنى رجل من قريش قال: سمعت الزهري يقول: لما باع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال معاذ أوقفه للناس فقال: من باع هذا شيئاً فهو باطل. عب وابن راهويه ».

أقول: فمن كان هذا حاله من الجهل بحكم الله والتصرف في مال الله ولم يؤده حتى رأى في منامه ما رأى لا يكون أعلم بحلال الله وحرامه من غيره!.

قوله : وأمثال ذلك كثيرة.

اقوال : نعم أمثال هذه الموضوعات في كتبهم كثيرة، وعلى ألسنتهم شهيرة، والوقوف على حال ما ذكر منها كاف لمعرفة حال تلك عند من له ادنى بصيرة، والحمد لله الذي وفقنا لاحقاق الحق واعلانه، ودحض الباطل وازهاقه، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

٩٠

دحض المعارضة

بحديث: اقتدوا باللّذين من بعدي

٩١

٩٢

قوله : خصوصاً قوله « اقتدوا باللذين من بعدي ابى بكر وعمر » حيث بلغ درجة الشهرة والتواتر بالمعنى.

اقول : ان دعوى صحة هذا الحديث كاذبة، لما ذكرنا في مجلد ( حديث الطير ) من الوجوه الرصينة والبراهين المتينة على وهنه وسقوطه عن درجة الاعتبار، بحيث لو ركن أهل السنة الى انواع التلبيس، واعتمدوا على اشكال التدليس، وتشبثوا بمختلف طرق التسويل لما تمكنوا من اثبات صحته فضلا عن تواتره ونحن ذاكرون هنا وجوهاً على فساد هذا الحديث وبطلانه لاقتضاء المقام ذلك، فنقول:

١ - لقد أعله أبو حاتم

لقد كشف أبو حاتم الرازي النقاب عن سقم هذا الحديث، فقد قال المناوي: « وأعله ابو حاتم، وقال البزار كابن حزم: لا يصح، لان عبد الملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة، لكن له شاهد »(١) .

__________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٥٦.

٩٣

أقول: قد ذكرنا ما في سند الشاهد في مجلد ( حديث الطير ).

ترجمة أبى حاتم

قال السمعاني: « وأبو حاتم، كان اماماً حافظاً فهماً من مشاهير العلماء توفي سنة سبع وسبعين ومائتين »(١) .

وقال: « امام عصره والمرجوع اليه في مشكلات الحديث كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة وكان اول من كتب الحديث وكان احمد بن سلمة يقول: ما رأيت بعد اسحاق - يعني ابن راهويه - ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا اعلم بمعانيه من ابي حاتم محمد بن ادريس.

قال أبو حاتم: قال لي هشام بن عمار يوماً: أي شيء تحفظ من الاذواء؟ قلت له: ذو الاصبع وذو الجوشن وذو الزوائد وذو اليدين وذو اللحية الكلابي وعددت له ستة، فضحك وقال: حفظنا نحن ثلاثة وزدت أنت ثلاثة مات أبو حاتم بالري في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين »(٢) .

وذكره ابن الاثير وقال: « وهو من أقران البخاري ومسلم »(٣) .

وقال الذهبي: « ابو حاتم الرازي الامام الحافظ الكبير محمد بن ادريس ابن المنذر الحنظلي أحد الاعلام، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، قال: كتبت الحديث سنة تسع ومائتين.

قلت: رحل وهو أمرد فسمع عبيد الله بن موسى ومحمد بن عبد الله الانصاري والاصمعي وابا نعيم وهوذة بن خليفة وعفان وابا مسهر وأمماً سواهم، وبقي في الرحلة زماناً، فقال: أول ما رحلت أقمت سبع سنين

__________________

(١). الانساب - الجزى.

(٢). المصدر - الحنظلي.

(٣). الكامل في التاريخ ٦ / ٦٧.

٩٤

أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين الى مصر ماشياً ثم الى الرملة ماشياً ثم الى طرسوس ولي عشرون سنة قلت ألحق عبيد الله فأتيته قبل موته بشهرين، قال: وكتبت عن النفيلى نحو أربعة عشر ألفاً، وسمع مني محمد بن المصفى أحاديث.

قلت: وحدث عنه يونس بن عبد الاعلى ومحمد بن عون الطاعي وابو داود والنسائي وابو عوانة الاسفرايني وابو الحسن علي بن ابراهيم القطان وابو عمر واحمد بن محمد بن حكيم وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعبد المؤمن بن خلف النسفي وخلق كثير.

قال محمد بن اسحاق الانصاري القاضي: ما رأيت احفظ من ابي حاتم، وقال محمد بن سلمة الحافظ: ما رأيت بعد محمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من ابي حاتم، وقال النسائي ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من اغرب علي حديثاً صحيحاً فله درهم - وكان ثم خلق ابو زرعة فمن دونه، وانما كان مرادي ان يلقى علي ما لم اسمع به لا ذهب به الى راويه فأسمعه - فلم يتهيأ لاحد أن يغرب علي »(١) .

وترجم له الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧ ) و ( الكاشف ٣ / ١٨ ) و ( دول الاسلام ١ / ١٣٢ ) و ( العبر ٢ / ٥٨ ) قال في الاخير حوادث ٢٧٧ -:

« فيها توفي حافظ المشرق أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلي الرازي في شعبان وهو في عشر التسعين، وكان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم، سمع محمد بن عبد الله الانصاري وابا مسهر وخلقاً لا يحصون، وكان جارياً في مضمار البخاري وابي زرعة الرازي ».

وكذا جاء في ( مرآة الجنان ) في حوادث السنة المذكورة.

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٦٧.

٩٥

وقال الحافظ ابن حجر: « أحد الحفاظ، من الحادية عشر »(١) .

وقال السيوطي: « أحد الائمة الحفاظ، روى عن احمد وآدم بن أبي أياس وأبي خيثمة وقتيبة وخلق، وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجة وآخرون، قال الخطيب: كان أحد الائمة الحفاظ الاثبات، مشهوراً بالعلم مذكوراً بالفضل، وثقه النسائي وغيره، وقال ابن يونس: قدم مصر قديماً وكتب بها وكتب عنه. مات بالري سنة خمس وقيل سبع وسبعين ومائتين »(٢) .

٢ - طعن الترمذي فيه

لقد طعن أبو عيسى الترمذي في سند هذا الحديث برواية ابن مسعود - وان رواه عن حذيفة وحسن رجاله - وذلك حيث قال: « حدثنا ابراهيم ابن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، ثنى ابي عن أبيه سلمة بن كهيل عن ابي الزعراء عن ابن مسعود قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي من اصحابي ابي بكر وعمر، واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود، لا نعرفه الا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث، وأبو الزعراء اسمه عبد الله بن هاني، وابو الزعراء الذي روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة اسمه عمرو بن عمرو، وهو ابن أخي أبي الاحوص صاحب ابن مسعود »(٣) .

أقول: لقد اكتفى الترمذي بهذا المقدار في تضعيفه، ونحن نضيف الى كلامه بعض كلماتهم في رجاله:

__________________

(١). تقريب التهذيب ٢ / ١٤٢.

(٢). طبقات الحفاظ ٢٥٥.

(٣). صحيح الترمذي ٥ / ٦٧٢.

٩٦

أما ابراهيم بن اسماعيل

فقد قال الذهبي: « لينه أبو زرعة وتركه أبو حاتم، يروي عن أبيه، تأخر »(١) .

وفي ( المغني ): « غمزه أبو زرعة وتركه أبو حاتم »(٢) .

وأضاف ابن حجر العسقلاني: « وقال العقيلي عن مطين: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعفه، وقال: روى أحاديث مناكير. قال العقيلي ولم يكن ابراهيم هذا بقيم الحديث وذكره ابن حبان في الثقات فقال: في روايته عن ابيه بعض المناكير »(٣) .

وقال الخزرجي: « اتهمه أبو زرعة »(٤) .

و أما اسماعيل بن يحيى

فقد قال الذهبي: « قال الدار قطني متروك »(٥) .

وقال ابن حجر: « قال الدارقطني متروك، وتقدم الكلام عليه في ترجمة ابنه. قلت: ونقل ابن الجوزي عن الازدي انه قال: متروك »(٦) .

و أما يحيى بن سلمة بن كهيل

فقد قال البخاري: « منكر الحديث »(٧) .

وقال أيضاً: « في حديثه مناكير »(٨) .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٢٠.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ١٠.

(٣). تهذيب التهذيب ١ / ١٠٦.

(٤). خلاصة تهذيب الكمال ١ / ١٤.

(٥). ميزان الاعتدال ١ / ٢٥٤، المغني في الضعفاء ٨٩.

(٦). تهذيب التهذيب ١ / ٣٣٦.

(٧). التاريخ الصغير للبخاري ١ / ٣٤٧.

(٨). الضعفاء للبخاري ١١٩.

٩٧

وقال النسائي: « متروك الحديث »(١) .

وقال المقدسي: « ضعفه ابن معين، وقال ابو حاتم: ليس بالقوى، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الترمذي: ضعيف، أما ابن حبان فذكره في الثقات »(٢) .

وقال الذهبي: « ضعيف، مات سنة ١٧٢ »(٣) .

وقال ابن حجر بعد الاقوال المتقدمة:

« قلت: وذكره ابن حبان أيضاً في الضعفاء فقال منكر الحديث جداً لا يحتج به، وقال النسائي في الكنى: متروك الحديث، وقال ابن نمير ليس ممن يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرة: ضعيف وقال العجلي: ضعيف الحديث وكان يغلو في التشيع، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً جداً، وقال البخاري في الاوسط: منكر الحديث، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وكنت أسمع اصحابنا يضعفونه، وقال الاجري عن ابي داود: ليس بشيء»(٤) .

و أما أبو الزعراء

فقد مر قدحه عن البخاري في الكلام على حديث: وتمسكوا بعهد ابن ام عبد، فليكن منك على ذكر

٣ - ابطال البزار اياه

لقد أنصف البزار اذ قال « لا يصح » كما عرفته بنص المناوي في [ فيض القدير ] ومن العجيب: ان ( الدهلوي ) يستدل في حاشية ( التحفة )

__________________

(١). الضعفاء والمتروكين للنسائى ١٠٩.

(٢). الكمال في اسماء الرجال - مخطوط.

(٣). الكاشف ٣ / ٢٥١.

(٤). تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٥.

٩٨

بحديث أخرجه البزار في ( مسنده ) على أن أبا بكر أشجع من أمير المؤمنينعليه‌السلام . ولكنه لا يلتفت في المقام الى طعن البزار في حديث الاقتداء فيدعى شهرته وتواتره على أنه قد وصفه في موضع آخر بـ « عمدة محدثي أهل السنة » فهل يجوز له الاستدلال بحديث ضعفه « عمدة المحدثين » فضلا عن دعوى شهرته وتواتره؟

ولا بأس بذكر كلمات لهم في الثناء على البزار:

ترجمة البزار

قال أبو نعيم: « أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري أبو بكر البزار الحافظ، قدم اصبهان مرتين »(١) .

وقال السيوطي: « البزار - الحافظ العلامة الشهير أبو بكر صاحب المسند الكبير المعلل، رحل بآخر عمره الى اصبهان ونشر علمه، مات بالرملة سنة ٢٩٢ »(٢) .

وقال الازهري في ( اسانيده ): « قال ابن أبي خيثمة، هو ركن من أركان الاسلام، وكان يشبه بابن حنبل في زهده وورعه ».

٤ - إبطال العقيلي إياه

لقد أورد العقيلي حديث الاقتداء في كتاب ( الضعفاء ) وأنكره كما ستعرف ذلك من عبارة ابن حجر العسقلاني.

ترجمة العقيلي

ولقد أثنى على العقيلي علماء الرجال ووصفوه بكل جميل راجع

__________________

(١). تاريخ اصبهان ١ / ١٠٤.

(٢). طبقات الحفاظ ٢٨٥.

٩٩

( تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٣٣ ) و ( العبر في خبر من غبر ٢ / ١٩٨ ) و ( طبقات الحفاظ ٣٤٦ ).

وهذه خلاصة ما جاء في ( تذكرة الحفاظ ): « العقيلي، الحافظ الامام صاحب كتاب الضعفاء الكبير. قال سلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر عظيم الخطر ما رأيت مثله وكان كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين قال: اقرأ من كتابك ولا تخرج أصله، فتكلمنا في ذلك وقلنا اما ان يكون احفظ الناس واما أن يكون من أكذب الناس واجتمعنا عليه، فلما أتيت بالزيادة والنقص فطن لذلك، فأخذ مني الكتاب وأخذ القلم فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده وقد طابت أنفسنا وعلمنا انه من أحفظ الناس.

وقال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان: أبو جعفر ثقة جليل القدر، عالم بالحديث، مقدم في الحفظ، توفي سنة ٣٢٢ ».

٥ - تضعيف النقاش اياه

لقد نص النقاش على أن هذا الحديث « واه » فقد قال الذهبي بترجمة أحمد ابن محمد بن غالب الباهلي: « ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ». فهذا ملصق بمالك. وقال ابو بكر النقاش وهو واه »(١) .

وكلام النقاش هذا دليل متين على سقم هذا الحديث، اذ النقاش كان ممن ولع بجمع الموضوعات والاعتماد عليها، وتفسيره ملئ بها كما لا يخفى على من راجع ( طبقات الحفاظ للحافظ السيوطي ٣٧١ ).

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ١٤٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

يقول فخر الدين الطريحي : ولما كان الإمام الحسينعليه‌السلام حبيب الملك الديّان ، وولي الواحد المنّان ، وحجة الله على العباد ، لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد.

٣٠٢ ـ كيف يترك الله أولياءه يقتلون ويغلبون! :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٧٦ ط ٣ بيروت)

قال حمران للإمام الباقرعليه‌السلام : جعلت فداك يا أبا جعفر ، أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليهم‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم ، حتّى قتلوا أو غلبوا؟.

فقالعليه‌السلام : يا حمران ، إن الله تبارك وتعالى قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه ، ثم أجراه. فبتقدّم علم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم في ذلك ، قام علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وبعلّم صمت من صمت منا.

ولو أنهم يا حمران حين نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا الله دفع ذلك عنهم ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت ، إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد. وما كان الّذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ فيهم المذاهب!.

٣٠٣ ـ لماذا غلب الأئمةعليه‌السلام ولم ينصروا ، وأن ذلك ابتلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ٥١٩)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل».

ـ ابتلاء أيوبعليه‌السلام :(الخصال ٢ / ٣٩٩ ؛ والبحار ٤٤ / ٢٧٥)

عن الإمام جعفر الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال : إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب. وإن الأنبياء لا يذنبون ، لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.

وإنما ابتلاه اللهعزوجل بالبلاء العظيم (وهو المرض) الّذي يهون معه على

٣٠١

جميع الناس ، لئلا يدّعوا له الربوبية ، إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه ، من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه ، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره ، على ضربين : استحقاق واختصاص ؛ ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه. وليعلموا أنه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء ، متى شاء كيف شاء ، بأي سبب شاء. ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء. وهوعزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ، وحكيم في أفعاله. لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلا به.

٣٠٤ ـ ابتلاء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام لإعلاء منزلتهم عند الله

(معاني الأخبار ، ص ٣٨٣ ؛ والكافي ٣ / ٤٥٠ ؛ والبحار ، ٤٤ / ٢٧٦)

عن ابن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠]؟ أرأيت ما أصاب علياعليه‌السلام وأهل بيته ، هو بما كسبت أيديهم؟. وهم أهل بيت طهارة معصومون؟. فقالعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوب إلى اللهعزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن اللهعزوجل يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

توضيح : يقول صاحب (مقتل العوالم) : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحطّ الذنوب وفي الأنبياء لرفع الدرجات ، فكذلك المصائب.

٣٠٥ ـ كيف يسلّط الله أعداءه على أوليائه؟ :

(البحار ٤٤ / ٢٧٣ ؛ وإكمال الدين ٢ / ٥٠٧ ؛ وعلل الشرائع ١ / ٢٤١ ، والاحتجاج ٢ / ٢٨٧)

عن محمّد بن إبراهيم بن اسحق الطالقاني ، قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وهو أحد سفراء المهديعليه‌السلام الأربعة ، فقام إليه رجل فقال له :أريد أن أسألك عن شيء. فقال له : سل عما بدا لك. فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن عليعليه‌السلام أهو ولي الله؟. قال : نعم. قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله ، أهو عدوّ الله؟. قال : نعم. قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عدوه على وليه؟.

فأجابه الحسين بن روح ، بأن الله سبحانه بعث الأنبياء من نفس أجناسهم بشرا مثلهم يستأنسوا بهم ، ولما كانوا من جنسهم لم يؤمنوا بهم حتّى يؤتوهم المعجزات ، فكل نبي قدّم لقومه المعجزات.

٣٠٢

ثم قال الحسين بن روح : فلما أتوا بمثل هذه المعجزات ، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير اللهعزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات ، في حال غالبين ، وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين. ولو جعلهمعزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لا تخذهم الناس آلهة من دون اللهعزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار.

قال محمّد بن إبراهيم بن اسحق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟. فقال لي : يا محمّد بن إبراهيم ، بل ذلك من الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه.

٣٠٦ ـ الشهادة أعلى درجات الكرامة :

(رأس الحسينعليه‌السلام لابن تيمية ، ص ٢٠ و ٢١)

ووقع القتل في كربلاء ، حتّى أكرم الله الحسينعليه‌السلام ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة ، رضي الله عنهم وأرضاهم. وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه ، بما انتهكه من حرمتهم ، واستحله من دمائهم. وكان ذلك من نعمة الله على الحسينعليه‌السلام وكرامته له ، لينال منازل الشهداء. حيث لم يحصل له من أول الإسلام من الابتلاء والامتحان ما حصل لسائر أهل بيته ، كجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه وعمه وعم أبيه.

وفي صحيح مسلم عنه أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم : أذكّركم الله في أهل بيتي ، أعادها ثلاثا.

وإذا كانوا أفضل الخلق ، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال.

ولما كان الحسن والحسينعليه‌السلام سيدي شباب أهل الجنة ، وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عزّ الإسلام ، ولم ينلهما من الأذى والبلاء ما نال سلفهما الطيب ، فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء ، ليرفع درجاتهما ، وذلك من كرامتهما عليه ، لا من هوانهما عنده.

وفي المسند وغيره ، عن فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام عن أبيها الحسينعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته ، وإن قدمت ،

٣٠٣

فيحدث لها استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها». فهذا الحديث رواه الحسينعليه‌السلام وعنه بنته فاطمةعليها‌السلام التي شهدت مصرعه. وقد علم الله أن مصيبة الحسينعليه‌السلام تذكر على طول الزمان.

* * *

٣٠٤

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

الفصل ٨ ـ الصراع بين الحق والباطل :

ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم

ـ خروج معاوية على إمام زمانه

الفصل ٩ ـ خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

ـ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية

الفصل ١٠ ـ حكم معاوية بن أبي سفيان

ـ سبّ معاوية للإمام عليعليه‌السلام

ـ الحكم الأموي وسماته

ـ هنات معاوية الأربع

ـ وصية الإمام الحسنعليه‌السلام ووفاته

ـ قتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق

ـ استخلاف معاوية ليزيد

ـ قصة أرينب بنت اسحق

ـ مرض معاوية ووفاته

الفصل ١١ ـ حكم يزيد بن معاوية

٣٠٥
٣٠٦

الباب الثاني

الأوضاع السابقة للنهضة

قال تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ ) (٧٣) [الأنبياء : ٧٣]

* مقدمة الباب :

يتضمن هذا الباب من الموسوعة إعطاء فكرة عامة عن الأوضاع التي سبقت نهضة الحسينعليه‌السلام وواقعة كربلاء ، والتي لها علاقة ماسّة بها ، وهي الفترة التي واكبت خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام ثم توقيعه الصلح مع معاوية ، ثم وفاة الحسنعليه‌السلام واستلام الحسينعليه‌السلام مقاليد الإمامة ، ثم هلاك معاوية وتولي يزيد السلطة.

ولا بأس أن ننوه أنه في هذه الفترة وفي كل فترة كان هناك للمسلمين إمامان :

إمام للجسم والجسد يتولى الحكم في الأشياء المادية والدنيوية ، مثل معاوية ويزيد ، ثم ملوك بني أمية وبني العباس. وإمام للنفوس والقلوب يتولى الشؤون الروحية والدينية ، وهو الحسن والحسينعليهما‌السلام ثم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وسواء تولى الأئمةعليهم‌السلام المسؤولية الأولى أم لم يتولوها ، فإنهم يتولون دائما المسؤولية الثانية ، وهي الإمامة الدينية. وهذا فحوى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسبطين :

«الحسن والحسين إمامان ، قاما أو قعدا».

أي قاما بالخلافة الدنيوية أو لم يقوما بها.

لذلك لما قال الرشيد للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام وقد لقيه عند الكعبة المشرفة :

أنت الّذي تبايعك الناس سرا؟. أجابه الإمامعليه‌السلام :

«أنا إمام القلوب ، وأنت إمام الجسوم!».

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥٠)

٣٠٧

الفصل الثامن

الصراع بين الحق والباطل

٣٠٧ ـ صراع الحق والباطل :

اقتضت إرادة الله أن تكون الأرض مسرحا للصراع بين الحق والباطل ، ليميز الله الخبيث من الطيب( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) [البقرة : ٣٠]. وكان الشيطان وأعوانه من الإنس والجن يمثلون الباطل والشر ، وكان الأنبياء وأعوانهم من الصدّيقين والشهداء يمثلون الحق والخير. وقتل قابيل هابيل معلنا بداية الصراع بين خط الخير ومنعرج الباطل. وكانت قوة أهل الباطل بكثرة الأعوان ، بينما قوة أهل الحق بما تسلحوا من الإيمان. وجال الباطل جولته والحق جولاته في ملحمة لا تفتر ولا تنتهي ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جولة الباطل ساعة ، وجولة الحق إلى الساعة».

وإن أنس لا أنس صراع الجبابرة المترفين في وجه الأنبياء والمرسلين ، في كل فترة من الزمن ، وكل حقبة من السنين. وكان لا بدّ لقيام الحجة من مواجهة دموية في كل حين ، ينتصر فيها الإيمان تارة ليظهر فضل الله على المؤمنين ، أو يتغلب الباطل فترة ليمحّص الله المؤمنين من الكافرين ، ويعلم الشاكرين والصابرين.

وكانت المحنة الكبرى للناس أجمعين ، حين بادت البشرية إلا من ثمانين ، وانتصر أهل السفينة على الباغين أجمعين ثم نجا إبراهيم من نار النمرود وسافر إلى فلسطين ، كما نجا من بعده موسى في طور سينين ، وكما رفع عيسى إلى السماء من أيدي المجرمين ، وكما تغلّب خاتم الرسل على المشركين ، فاتحا ومطهّرا للبلد الأمين ، فدخل الناس أفواجا في الدين المبين.

تلك قصة النصر التي اشتبكت لحمتها بقصة المعاناة والمآسي على مدى السنين ، منذ قدّم إبراهيم كبشه السمين ، فداء عن ابنه الأمين ، إلى ذبح يحيى الّذي أخلص للحق اليقين ، ثم إلى ذبح الحسين فداء للدين ، وقربانا لرب العالمين. وكما قال الفيلسوف إقبال :

٣٠٨

في الكعبة العليا وقصّتها

نبأ يفيض دما على الحجر

بدأت بإسماعيل عبرتها

ودم الحسين نهاية العبر

٣٠٨ ـ العداوة بين بني أمية وبني هاشم :

ولتتم إرادة الله في الاختبار والامتحان ، كان في كل زمان ومكان ، هابيل وقابيل ، مؤمن وكافر ، ومصدّق ومكذّب.

وغمرت الجاهلية الجهلاء كل العرب في الروابي والبيداء ، حتّى تنازعوا وتحاربوا وكادوا يصيرون إلى الفناء. وكان مرتكز نزاعهم على التفاضل والتكاثر ، والأثرة والتفاخر. وظهر ذلك أوضح ما يكون بين بني أمية وبني هاشم. ذلك أن بني هاشم اشتهروا بالتوحيد والعفة والأخلاق ، بينما مال بنو أمية إلى الشرك والمال والفساد. ومنذ اللحظة التي ولد فيها هاشم وعبد شمس توأمين في بطن واحد من عبد مناف ، دقّ بينهما الشقاق والعداء ، وسالت الجراحة بالدماء. فقد ولد هاشم ملتصقا إبهام رجله بجبهة عبد شمس (والد أمية) ، وكان لا بدّ من سفح دم لفصلهما عن بعضهما ، فكان هذا مؤذنا بالدم بينهما في كل جيل ؛ من أمية وهاشم ، إلى حرب وعبد المطلب ، إلى أبي سفيان ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى معاوية وعليعليه‌السلام ، إلى يزيد والحسينعليه‌السلام . وهذا الواقع الأليم حقيقة لا مفرّ منها. ولقد أحسن من صوّر هذا الحال ، وبيّن هذا المآل ، حيث أو جز فقال(١) :

عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعليّ ، وللحسين يزيد

ويحكى أنه لما اختلف أمية مع عمه هاشم ، وادّعى أنه أفضل من هاشم ، احتكما فحكم الكاهن الخزاعي بأفضلية هاشم ، وكان جزاء أمية النفي من مكة عشر سنين.فاختار الشام وسار إليها. وظلت هذه الروح العدائية في ابنه حرب ثم صخر (وهو أبو سفيان) في الجاهلية ، ثم في معاوية ويزيد ومروان بن الحكم بعد الإسلام.

ولا نستغرب لذلك أن يكون أبو سفيان رئيس جيوش الكفر التي قامت تحارب نبي الإيمان ، وتحاول وأد رسالة الدين والإسلام. في حين قام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله يؤمنون بتعاليم السماء ، ويبذلون لها النفوس والدماء.

__________________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ، ص ٣٣ و ٣٤.

٣٠٩

٣٠٩ ـ عداء مستحكم زاد مع الأيام :

وظل هذا العداء والحقد والضغن مستحكما في قلوب بني أمية حتّى كانت معركة بدر الكبرى ، التي كسرت شوكة الكفر والطغيان ، ورفعت راية الحق والإيمان ، خفّاقة بكل مكان. عندها هاجت الأحقاد واستحكم أوارها ، وكادت تميت المشركين غيظا ، وخاصة أبا سفيان ، الّذي قتل له فيها العديد من أقربائه وذويه ...وكلما اشتدت الدعوة الإسلامية انتشارا ، كلما زاد تصدّي بني أمية لها ، بكل نفس ونفيس ، وزاد معه عداؤهم للدين الجديد ، ولبني هاشم على وجه التحديد.

والذي يظهر هذه الحقيقة المرّة البالغة ، أن أبا سفيان وزوجته هند بنت عتبة عملا حثيثا على قتل الحمزة بن عبد المطلب عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسد الله وأسد رسوله. فلما كانت غزوة أحد بعثا العبد (وحشي) وأغروه بالمال ليقتل عليا أو الحمزةعليهما‌السلام .فاعتذر عن عليعليه‌السلام ، وظل يترصد حمزة حتّى رماه برمح فوقع في ظهره ، فهدّ مصرعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبعد أن نالت هند حملها في قتل الحمزة ، لم تكتف بقتله ، حتّى جاءت إلى القتلى تبحث عن جثته ، حتّى إذا وجدتها ، شقّت صدره وأخرجت كبده ، وأرادت أن تمضغها فلم تقدر فلفظتها ، وقالت ما قالت ، فسمّيت : «آكلة الأكباد».

وكيف لا يعادي بنو أمية بني هاشم ، وبنو هاشم هم الذين قتلوا يوم بدر في سبيل الله : عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة؟!. وكيف لا يعادي معاوية عليا وقد قتل خاله الوليد بن عتبة ، وأخاه حنظلة بن أبي سفيان ، وشارك في قتل عمه شيبة ، وقتل غيرهم من بني عبد شمس ، مثل العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.

وبعد كل هذا يظهر الله دينه على الجزيرة العربية كلها ، فيخسأ أبو سفيان ومن معه ، ويتحقق أبو سفيان من الأسر أو القتل ، حين دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة فاتحا.فذهب العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينصح أبا سفيان بأن يعلن إسلامه ولو ظاهرا ، فيسلم أبو سفيان خوفا من الموت. عند ذلك يقول النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسماحته المعهودة :«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ...». ولما عرض عليه أبو سفيان ومعاوية ومروان وطغمتهم الحاقدة ، قال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فأطلق سراحهم وأجلاهم عن مكة ، وأراد أن لا يرى وجوههم في حياته ، فسمّوا لذلك «الطّلقاء». وأصبح بنو أمية مسلمين بالأمر الواقع ، ولكن القلوب عليلة والنفوس مريضة ، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم!.

٣١٠

٣١٠ ـ معاوية في عهد الخلفاء الأربعة :

(تاريخ أبي الفداء ، ج ٢ ص ١٠٣)

قال أبو الفداء : أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح ، واستكتبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(أقول) : هذا الكلام لا يوحي بأن معاوية كان كاتبا للوحي. والصحيح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخدمه لكتابة بعض الرسائل التي بعثها للملوك فقط. اه.

واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته. وأقرّه عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة. وتغلّب على الشام محاربا ضد الإمام عليعليه‌السلام أربع سنين.

فكان أميرا وملكا على الشام نحو أربعين سنة.

وكان حليما حازما داهية ، عالما بسياسة الملك.

٣١١ ـ معاوية في زمن عمر :

كانت علاقات بني أمية مع بلاد الشام جيدة ، منذ نفي أمية إليها في الجاهلية.وكان يقوّي ذلك تجاراتهم إلى الشام في الصيف. ولعل هذا هو الّذي حدا بعمر بن الخطاب على تعيين معاوية واليا على الشام ، ولكنه لو كان يتفرّس في أحلامه ما وضعه عليها.

وكان أبو سفيان وبنو أمية لا يرغبون في الظاهر في خلافة أبي بكر ، فحاولوا تأييد بني هاشم عن طريق العباس. والحقيقة أن هدفهم لم يكن حبّ بني هاشم ، وإنما إلقاح الفتنة بين المسلمين ليصفو الجوّ لهم ، فيصيدوا صيدهم في الماء العكر. لكن الإمام علياعليه‌السلام أنكر عليهم تأييدهم له وشكرهم.

ولما أصبح معاوية واليا على الشام ، بدأ يقلّد الإفرنج في مظاهر الحكم ، فلا يخرج من قصره إلا بموكب ولا يعود إلا بموكب ، وأكثر من لبس الحرير والديباج والثياب المنمّقة ، فأنكر عمر عليه ذلك.

يروى أنه لما عيّن عمر بن الخطاب معاوية على الشام ، زاره يوما فرأى منه أشياء لا تعجبه ، فاستنكر عليه ما وصلت إليه حاله من البذخ والبهرجة والإسراف ، مما لا يجوز في الإسلام. فأجابه معاوية بدهائه ، أنه إنما يفعل ذلك مجاراة لجيرانه الروم.فقال له عمر قوله المشهور : إن كان ما تقوله حقا فهو رأي مصيب ، وإن كان كذبا فهو خدعة أريب.

٣١١

ـ محاورة عمر لمعاوية حين زاره بالشام :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٤ ص ١٦٨ ط دمشق)

قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب لما أتى الشام رأى معاوية في موكب يغدو ويروح فيه. فقال له : يا معاوية تروح في موكب وتغدوفي مثله ، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك!. فقال : يا أمير المؤمنين

إنا بأرض عدوّنا قريب منها ، وله علينا عيون ذاكية ، فأردت أن يروا للإسلام عزا.

فقال عمر : إنّ هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب. فقال معاوية : يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته إليه. فقال : ويحك ما ناظرتك في أمر أعتب فيه عليك إلا تركتني منه في أضيق سبلي ، حتّى ما أدري أآمرك أم أنهاك!

٣١٢ ـ معاوية في زمن عثمان :

ولما تولى عثمان الخلافة في تمثيلية الستة أصحاب الشورى ، وهو من بني أمية ، أبقى بالطبع معاوية في ولايته على الشام. فخلا له الجو ليسرح ويمرح ، ويقوّي مركزه في الشام ، غير آبه بعثمانومن ورائه مروان. ويؤثر عنه أنه كان يهيّج الناس ضد عثمان طمعا في التخلص منه ، والتوسع في السلطة.

لكن الشعب المسلم المسكين الّذي عانى من ارستقراطية بني أمية في عهد عثمان ، رجع إلى وعيه ، وظهر له التبر من الرغام ، وتحقق أن عدالته المنهوبة لن يرجعها له غير الإمام الهمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . فأقبلت زحوف المسلمين بعد مقتل عثمان على الإمام عليعليه‌السلام تبايعه بالخلافة ، بل تطالبه بالقيام بأمرها. فقام بالأمر ليصلح ما فسد ، بعد أن انحلت عرى الحق عروة عروة.وأصابت بني أمية الفجأة بخلافة سيف الله الغالب الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣١٣ ـ أخبار ملفقة وتعصب مفضوح :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٤)

قال الشيخ فخر الدين الطريحي : وسمّوا معاوية خال المؤمنين ، لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين ، ولم يسمّوا محمّد بن أبي بكر خال المؤمنين من

٣١٢

جهة أخته عائشة. مع أن معاوية كان من المؤلفة قلوبهم ، بينما كان محمّد بن أبي بكر اليد اليمنى للإمام عليعليه‌السلام . ومع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في معاوية : «لعن الله معاوية الطليق ابن الطليق». لأن معاوية وأباه أبا سفيان وأمه هند بنت عتبة كانوا من الطلقاء. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». وسمّوا معاوية كاتب الوحي ، ولم يكتب كلمة واحدة منه ، وإنما نقل أنه كان من كتّاب الرسائل فقط. وظل معاوية مشركا متحديا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح مكة في شهر رمضان لثمان سنين من الهجرة. فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطرا وأظهر الإسلام. وكان إسلامه قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أشهر. وطرح نفسه على العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتشفّع فيه ، فعفى النبي عنه. ثم إن العباس تشفّع لمعاوية عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعله من جملة كتّاب الرسائل ، فأجابه إلى ذلك.

(أقول) : وكيف يأمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شخص من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء ومن أكبر أعدائه ، أن يكتب له الوحي؟!. ويترك الصحابة الموثوقين!. هذا محال.

٣١٤ ـ كتّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يقول المسعودي : وكتب له معاوية قبل وفاته بأشهر.

ويقول : وكتب له عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم لحق بالمشركين بمكة مرتدا.(أقول) : هؤلاء الكتّاب ليسوا كتّابا للقرآن ، وإنما كانوا يكتبون بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائر ما يعرض من أموره وحوائجه ، أو يكتبون رسائله إلى الملوك ، أو عهوده وعقوده وما يتعلق بالمعاملات وأموال الصدقات. وبعضهم كان يكتب مغانم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعضهم كان يترجم له رسائل الملوك.

٣١٥ ـ خروج معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

بعد هذا كله لا نستغرب أن يقوم مثل معاوية في وجه إمام زمانه ، ومن تجب طاعته في عنقه ، وهو الخليفة الرابع علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقوم بأول خروج معلن على الدولة الإسلامية ، محاولا الانفصال عنها أو تصفيتها لصالح مصالحه الملكية ونزعاته التسلطية ، النابعة من مبدأ هدم الدين لتحصيل الدنيا. وماذا يتوقع أن يعمل ابن رئيس الشرك أبي سفيان ، الطليق ابن الطليق ، غير هذا؟ إذا ما قورن بالصحابة الكرام والمجاهدين في سبيل الإسلام!.

٣١٣

يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم ، ج ١ ص ٣٤٠ :

ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا (يقصد المعتزلة ، وهم فرقة من السنة) ، يرمى بالزندقة. وقد ذكرنا في نقض (السفيانية) على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ، ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. ولو لم يكن شيء من ذلك ، لكان في محاربته الإمامعليه‌السلام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفّرها التوبة.

لقد اجتمع في معاوية على الإمام عليعليه‌السلام ضغنان : ضغن عصبي منشؤه جاهلي ، وضغن ديني منشؤه عدم الإيمان بالإسلام.

ولقد اتبع معاوية للوصول إلى الحكم خطين :

الأول : التردّي برداء الإسلام بقدر ما يخدم ذلك مصالحه ويوصله إلى مآربه في الملك.

الثاني : بما أنه لا يقارن بالإمام عليعليه‌السلام بشيء من الأشياء ، وليس هو ممن تجوز له الخلافة بحال من الأحوال ، فقد اتّبع الأسلوب المعاكس (أو ما نسميه بالإعلام المضاد) في خلق الدعايات المضللة ضد الإمام عليعليه‌السلام ليحط من قيمة الإمام في نظر الناس ، فيرتفع هو على حساب ذلك. وكان من ذلك أنه ادّعى على الإمام عليعليه‌السلام أنه قتل عثمان أو شرك في دمه ، فكان لا بدّ له ـ وهو من بني أمية ـ أن يأخذ بثأره ، وبهذه الحيلة يصل إلى الحكم. وليس من الغريب على من لا يفرّقون بين الناقة والجمل ، أن يقنعهم معاوية أن مثل علي بن أبي طالب يجب لعنه وسبّه حتّى على منابر الإسلام ، فبدأ بسبّه هو ومن بعده يزيد البارّ به وبنو أمية ألف شهر ، وهي مدة حكمهم البالغة نحو ثلاث وثمانين سنة.

٣١٦ ـ من المسؤول الحقيقي عن دم عثمان؟ تلكّؤ معاوية عن نصرة عثمان حتّى قتل :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

يقول الأستاذ محمّد كرد علي : واختلفت الآراء في تبعة معاوية من مقتل عثمان ، فقال فريق : إن عثمان كتب إلى معاوية : «إن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة

٣١٤

ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة الشام على كل صعب وذلول». فتربص به معاوية وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد علم اجتماعهم ، فأبطأ أمره على عثمان ، حتّى كان ما كان من مقتله.

أما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقد ثبت أنه قرّع عثمان على التفريط وأنذره بأن عاقبته تكون القتل ، بقوله «أحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة الّذي يقتل ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة».

ـ معاوية قتل عثمان :

(أنساب الأشراف للبلاذري ، تحقيق د. إحسان عباس ، قسم ٤ ج ١ ص ٣٦)

قال البلاذري : ادّعى معاوية على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنه شرك في دم عثمان ، فقال لمعاوية : إني كنت أنهى عثمان عما قيل فيه ، وكنت تأمره به ، فلما اشتدّ الأمر والتقت حلقتا البطان ، كتب إليك يستنصرك ، فأبطأت عنه حتّى قتل.

٣١٧ ـ اعتراف دامغ للغزالي بانحراف معاوية ويزيد عن الإسلام :

(مقتل سيد الشهداء للسيد عبد الكريم خان ، ص ٢٤)

قال حجة الإسلام الحافظ أبو حامد الغزالي الشافعي (ت ٥٠٥ ه‍) في كتابه (سرّ العالمين وكشف ما في الدارين) وهو ما نقله عنه الحافظ سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٣٧) حيث قال الغزالي :

ثم العجب من منازعة معاوية لعلي الخلافة ، وقد قطع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طمع من طمع فيها بقوله : «إذا ولي خليفتان ، فاقتلوا الأخير منهما». والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين ، والخلافة ليست بجسم ولا عرض فينجز.

إلى أن قال : أول حكومة [أي محاكمة] تجري بين العباد في المعاد ، هي المحاكمة بين علي ومعاوية ، فيحكم الله لعلي على معاوية ، والباقون تحت المشيئة.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية «وقد قتلته فئة معاوية يوم صفين. ولا ينبغي للإمام أن يكون باغيا ، ولأن الإمامة تضيق عن شخصين كما أن الربوبية لا تليق بإلهين اثنين.

٣١٥

٣١٨ ـ أما يكفي لمعاوية محاربته لإمام زمانه وسبّه؟ :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٥ ط ٢)

وقد قاتل معاوية علياعليه‌السلام وهو رابع الخلفاء الراشدين ، وهو إمام حق ، وكل من حارب إماما حقا فهو باغ وطاغ. وقد بالغ في محاربة الإمام عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ، وطال حربه معه حتّى هلك عالم كثير.

(أقول) : قتل في معركة صفين من عسكر معاوية ٤٥ ألفا ، ومن عسكر الإمام عليعليه‌السلام ٢٥ ألفا. ا ه

ثم انه استمر مع قومه على سبّ عليعليه‌السلام على منابر الإسلام ثمانين سنة. ولم يكفه ذلك حتّى سمّ الحسن الزكيعليه‌السلام عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث.

٣١٩ ـ حقيقة معاوية وحقيقة عليعليه‌السلام :

(محاضرة قيّمة للأستاذ سعيد عاشور المصري ، ص ٢٠)

يقول المستشرق (نيكولسن) في كتابه (تاريخ المسلمين) عن سبب انتصار معاوية على الإمام عليعليه‌السلام :

على الرغم مما امتاز به علي من فضائل كثيرة ، أهمها النشاط والذكاء ، وبعد النظر والحكمة والوفاء ، والبلاغة والفصاحة والشجاعة ، إلا أنه كانت تنقصه صفة هامة لا بدّ منها لنجاح السياسة [يقصد بالسياسة هنا التلون والقدرة على الخداع ، وهذا مما لا يمكن أن يتطبّع به الإمام عليعليه‌السلام ، وهو القائل : لو لا التقى لكنت أدهى العرب] ، ولذا تغلّب عليه منافسوه الذين عرفوا من أول الأمر أن الحرب خدعة ، والذين كانوا لا يتورعون عن ارتكاب أي جرم ، يبلغ بهم الغاية.

ثم يقول الأستاذ سعيد عاشور رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة ، عند كلامه حول لزوم إعادة كتابة التاريخ الإسلامي : هذا ما يقوله مؤرخ مسيحي غير مسلم ، مستشرق كبير ، درس وتمعّن. بينما نحن في كتبنا التي تدرّس لأولادنا لا نقول مثل هذه الحقيقة ، بل نمرّ بها مرور الكرام ، ونتغاضى عن تحديد الأحداث.

فإذا أردنا أن نعيد كتابة التاريخ ، علينا أن نقف وقفة ووقفات أمام هذه الأمور.

ـ دهاء ومكر معاوية :(المحاضرة السابقة ، ص ١٧)

قامت الخلافة الأموية ونجح معاوية فيما ذهب إليه ، ولكن عن أي طريق؟.

٣١٦

طريق بعيد عن الأخلاق ، طريق يتّسم بالمكر والدهاء ، والبعد عن قواعد الشرف.ونحن نعلم جميعا أنه في الإسلام وفي نظام الإسلام ، نجد أن الدين والسياسة مرتبطان ارتباطا كبيرا.

نعم السياسة تحتاج في كثير من الأحيان إلى قدر من الخداع ، ولكن الرجل المستقيم الّذي لا يعرف كيف يخادع ، ولا يعرف كيف ينافق ، ولا يعرف كيف يسير بوجهين ، هذا الرجل عادة لا يستطيع أن يصيب حظا في السياسة ، أو الاشتغال بالسياسة.

إن قيام معاوية بن أبي سفيان في الخلافة اعتمد إلى حد كبير على الخديعة.والدولة الأموية أسست على غير تقوى ، أسست على قدر من الخداع ومن النفاق.ولعل في اتجاه الأمويين بعد ذلك بعيدا عن روح الإسلام الأولى ، وفي تحويل الخلافة إلى نظام قيصري أقرب إلى أسلوب أباطرة الرومان منه إلى بساطة الإسلام وروح الإسلام ؛ لعل في هذا ما يكفي.

ـ جريمة سبّ الإمام عليعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٨)

ويتابع الأستاذ عاشور كلامه قائلا :

ولكن الشيء الّذي كان لا ينبغي أن يحدث في الإسلام ، والذي يجرح شعور كل مسلم ، هو أن معاوية بن أبي سفيان ، وولاة معاوية في كثير من الأمصار ، وخاصة حيث كان يكثر أنصار علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، مثل الكوفة ؛ نجد أنهم دأبوا على سبّ آل البيتعليهم‌السلام وعلى سبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام نفسه. وكلنا نعلم ماذا كان يقول زياد ابن أبيه وغير زياد ، من سباب ، هو في حقيقة الأمر ليس موجها إلى عليعليه‌السلام بقدر ما هو موجه إلى المسلمين كافة وإلى نبي المسلمين ، إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه كلها أشياء ، كان ينبغي أن تكون صفحة الإسلام خالية منها ، الصفحة المشرقة المضيئة. كان ينبغي أن تكون هذه البقعة السوداء غير موجودة في تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين.

ـ مثلث الشرّ :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٩٩)

قال الفاضل الدربندي : بنو أمية هم الشجرة الملعونة ، وأشدهم كفرا مروان

٣١٧

ومعاوية ويزيد ، ولكن يزيد أشدهم كفرا ونفاقا وطغيانا ، وإلى هذا المعنى تشير الآية الشريفة بنحو من التورية ، وهي قوله تعالى :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ) (٦٠) [الإسراء : ٦٠].

وقال صفحة ٢٠٩ : اعلم أن أطغى بني أمية بعد يزيد ، وأشدهم كفرا ونفاقا ، وأبغضهم إلى الله تعالى ورسوله وآله المعصومين ، هو مروان بن الحكم. ولم ينج منهم إلا النادر ، مثل :

ـ معاوية الثاني : المؤمن العابد.

ـ عمر بن عبد العزيز : الناجي الوحيد من نسل مروان.

ـ خالد بن سعيد بن العاص : مؤمن بني أمية.

٣١٨

الفصل التاسع

خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام

٣٢٠ ـ ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

ولد الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام في السنة الثالثة للهجرة. ولقد سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوحي من السماء على لسان جبرئيل الحسن ، كما سمّى أخاه الحسين ، على اسم ابني هرون ، وهما شبّر وشبير ، وتعني هاتان الكلمتان في العبرية الحسن والحسين.

وتوفيعليه‌السلام شهيدا بالسم سنة ٥٠ من الهجرة لسبع مضين من صفر ، وعمره الشريف ٤٧ سنة. وكانت مدة إمامته ٩ سنوات و ٤ شهور. وقد دسّ له معاوية السم بعد خلاف سياسي طويل بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث. وقد دفن عند جدته فاطمة بنت أسد في البقيع.

ومما أثر عن جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله فيه : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا».وقوله : «هذا سيد ، وأرجو أن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين في آخر الزمان».

٣٢١ ـ خلافة الحسنعليه‌السلام وصلحه ووفاته :

(التنبيه والإشراف للمسعودي ، ص ٢٦٠)

قال المسعودي : بويع الحسنعليه‌السلام بعد وفاة أبيه بيومين ، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة ٤٠ ه‍. ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة ٤١ ه‍. وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة. والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه. وكانت خلافته إلى أن صالح ، ستة أشهر وثلاثة أيام.وتوفي بالمدينة مسموما فيما ذكر ، في شهر ربيع الأول سنة ٤٩ ه‍ ، وله ست وأربعون سنة ، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمةعليهما‌السلام .

٣١٩

٣٢٢ ـ أين الثرى من الثريا؟ :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٣٦)

وروي أنه لما قدم معاوية المدينة ، قبل أن تشتعل نار الحرب ، صعد معاوية المنبر ، فقال : ومن علي؟.

فقام الحسنعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له عدوا من المسلمين ، قال تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) [الفرقان : ٣١]. وأنا ابن علي وأنت ابن صخر ، وأمك هند وأمي فاطمة ، وجدتك قيلة وجدتي خديجة. فلعن الله ألأمنا حسبا وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا وأشدنا نفاقا. فصاح أهل المسجد : آمين ، ثلاثا. فقطع معاوية خطبته وفرّ إلى منزله.

٣٢٣ ـ معاوية يعلن الحرب على الإمام الحسنعليه‌السلام :

(المعارف لابن قتيبة ، ص ٩٢ ط ٢)

لما قتل الإمام عليعليه‌السلام بويع للحسنعليه‌السلام بالكوفة ، وبويع لمعاوية بالشام.فسار معاوية يريد الكوفة ، وسار الحسنعليه‌السلام يريده ، فالتقوا ب (مسكن) من أرض الكوفة

[تقع مسكن على بعد ٥٠ كم شمال بغداد]. فصالح الحسنعليه‌السلام معاوية لحقن الدماء وبايع له ، ودخل معه الكوفة. ثم انصرف معاوية إلى الشام. واستعمل على الكوفة المغيرة ابن شعبة ، وعلى البصرة عبد الله بن عامر ، ثم جمعهما لزياد بن أبيه.وانصرف الحسنعليه‌السلام إلى المدينة ، فمات بها. وكانت وفاته لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين ، وهو ابن سبع وأربعين سنة. ويذكر أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي التي سمّته بحيلة من معاوية.

٣٢٤ ـ تخاذل أصحاب الحسنعليه‌السلام عنه :

(أمالي الصدوق ، ج ٣ ص ١١٠)

لما توفي أمير المؤمنين عليعليه‌السلام سنة ٤٠ ه‍ تولى الخلافة من بعده ابنه الحسنعليه‌السلام وبايعه أصحابه. وبدأ معاوية الانفصالي يحيك له الفتن ، ويبعث الأعيان لاغتياله ، فلم يفلح.

ولما سمع الحسنعليه‌السلام بمسير جيش من الشام لقتاله ، جهّز جيشا خليطا من

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332