نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار16%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 347

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 292742 / تحميل: 6866
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج الى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها الى أن توفي سنة ١١٠، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به»(١) .

وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه الشديد لاهل البيتعليهم‌السلام الى حد ضعف الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ووصف روايته بالاختلاف والاضطراب، الى غير ذلك من آيات اعراضه عن أهل البيت والائمة الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد حرورية واعوجاجاً من ابن سعد.

٢٤ - عطية من رجال أحمد

ان عطية هذا من رجال أحمد بن حنبل في ( مسنده ) - كما ستعرف - وأحمد لا يروى الا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في مقام توثيق رجال سند حديث: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » وهو الحديث الاول من الباب الاول من كتابه، قال بعد كلام له: « وأحمدرحمه‌الله لم يكن يروي الا عن ثقة، وقد صرح الخصم [ يعنى ابن تيمية ] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كما لك وأحمد بن حنبل وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروى الا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٦.

(٢). شفاء الاسقام ١٠ - ١١.

٤١

وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لان عدم رواية أحمد عن غير الشقة لا يخلو اما انه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة، لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضاً، فلا شك في ثقته على الصورتين.

٢٥ - اكثار أحمد الرواية عن عطية

لقد أخرج أحمد في ( مسنده ) عن عطية روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل انه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد الوهاب السبكي في ( طبقات الشافعية ) حيث قال بترجمته: « وقال أبو موسى المديني لم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته ».

وبهذا كله ظهر أن نسبة تضعيف عطية الى أحمد افك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟

٢٦ - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي

لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال(١) بعد أن أورد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك « فان قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال: وحدثت بهذا الحديث أو

__________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٤٢.

٤٢

سمع مني هذا الحديث محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه.

والجواب: ان عطية العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فانما استطرفه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا أحله الا لطاهر لا لحائض ولا جنب »، وعند الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخصوصاً بأشياء ».

٢٧ - قال ابن معين: صالح

ان نسبة تضعيف عطية الى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري - وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة عطية ما نصه: « قال الدوري عن ابن معين صالح »(١) .

فسقط ما نسبه ابن الجوزي الى ابن معين.

٢٨ - عطية من رجال بعض الصحاح

ان عطية من رجال ( الادب المفرد ) للبخاري و ( صحيح الترمذي ) و ( صحيح أبي داود )، وهذان الاخيران من ( الصحاح الستة ) عندهم، بل ان الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه.

وعظمة مرويات ( الصحاح الستة ) وجلالة رواتها عند ابناء السنة قديماً وحديثاً واضحة لا تحتاج الى بيان، فان أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئاً فانما يفيد اسقاط الصحاح لا غير.

٢٩ - لم يتفرد عطية عن أبى سعيد به

ان اقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة يائسة

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٥.

٤٣

لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض كونه ضعيفاً غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالاسانيد والطرق والالفاظ المتكثرة.

نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضاً - وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي، و ( جواهر العقدين ) للسمهودي، و ( وسيلة المآل ) لابن باكثير و ( الصراط السوي ) للشيخاني القادري.

٣٠ - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبى سعيد

ثم انه لو سلمنا كون عطية ضعيفاً، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه - على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية.

٣١ - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد القدوس

وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ محمد بن عيسى بن الطباع اياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور: « وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى انه قال: هو ثقة »(١) .

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٤٤

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « وحكي عن محمد بن عيسى انّه قال: هو ثقة »(١) .

ترجمة محمد بن عيسى بن الطباع

قال الذهبي بترجمته: « ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: ثقة.

قلت: توفى سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله تصانيف ومعارفرحمه‌الله

قال الاثرم: قال أحمد بن حنبل: ان ابن الطباع لبيب كيس - يعني محمد بن عيسى - و قال البخاري: سمعت علياً قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول: اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما »(٢) .

وترجم له أيضاً بقوله: « وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل الثغر بأذنة، سمع مالكاً وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحواً من أربعين ألف حديث »(٣) .

٣٢ - توثيق ابن حبان عبد الله بن عبد القدوس

وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضاً، فقد أورده في الثقات قائلا: « عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٤١١.

(٣). العبر ١ / ٢٩٣.

٤٥

يروي عن الاعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و [ محمد ] ابن حميد، [ ربما أغرب ] »(١) .

وقال ابن حجر بترجمته: « ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب »(٢) .

ثم ان لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لان ابن حبان ممن يعادي أهل البيتعليهم‌السلام ويسيء اليهم، فقد زعم بالنسبة الى الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطيء كما لا يخفى على من راجع ( الميزان للذهبي ٣ / ١٥٨ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨ ) لابن حجر العسقلاني.

وظاهر أن هكذا ناصبي عنيد لا يوثق الرافضي أبداً.

٣٣ - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس

ولقد وثق البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) اذ قال: « وثقه البخاري وابن حبان ».

وقال العسقلاني بترجمته: « قال البخاري: هو في الاصل صدوق، الا أنه يروي من أقوام ضعاف »(٣) .

ولا يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج ) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحاً في عبد الله بن عبد القدوس لتوجه الى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع.

هذا كله مع أن عبد الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين

__________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٣). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

٤٦

- الذي أورده ابن الجوزي - عن الاعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا

٣٤ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال البخاري

وعبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح البخاري ) في تعليقاته، كما في رمز « خت » الموضوع له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠ ) وغيرها.

ولما ثبت من كلمات علمائهم المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وان كان في تعليقاته، فلا قيمة لطعن أي طاعن.

قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: « وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لاي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما ما انضاف الى ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة اجماع الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا اذا خرج له في الاصول.

فأما ان أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجاته من اخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الامام، فلا يقبل الا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً او في ضبطه لخبر بعينه، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك انه لا يلتفت الى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه الا بحجة ظاهرة،

٤٧

وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما »(١) .

وبما ذكره صرح الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عند ما ذكر الصحيحين(٢) .

فعلى فرض ثبوت طعن يحيى بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فان الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي للاعراض عنه وعدم الالتفات اليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.

٣٥ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي

وان عبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح الترمذي ) أيضاً، كما يعلم من رمز « ت » المعين له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) وغيرهما.

٣٦ - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث

ولو تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحاً، فان ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الاعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله بن عبد القدوس بروايته عن الاعمش، فلقد رواه عن الاعمش: محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، كما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن ( مسند أحمد ) و ( صحيح الترمذي ).

فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيداً لظهر لك ان

__________________

(١). هدى الساري ٢ / ١٤٢ - ١٤٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ١٦.

٤٨

رواية عبد الله لهذا الحديث عن الاعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضاً لك صدقه في روايته عن الاعمش.

أضف الى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في روايته حديث الثقلين عن الاعمش، كذلك الاعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضاً: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو اسرائيل اسماعيل بن خليفة العبسي الملائي، وهارون بن سعد العجلى، وكثير بن اسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف على ناظر أحاديث ( مسند ) أحمد و ( معاجم ) الطبرانيّ في الباب.

٣٧ - ما أورده في جرح ابن داهر مجمل

وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: « واما ابن داهر فقال احمد ويحيى ليس بشىء، ما يكتب منه انسان فيه خبر » فهو مردود بأن الطعن هذا - على تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع ( التدريب ) للسيوطي وغيره، ويتضح لكل متتبع لاقوال الفحول والمحققين من القوم: ان الطعن المبهم لا يقبل من أي كائناً من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية.

ثم ان السبب في اساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر انما هو اكثاره رواية فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: « قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو متهم في ذلك »(١) .

ولا شك في ان الطعن في هكذا رجال لمثل هذه الاسباب غير مسموع، لانه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن اهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٧.

٤٩

٣٨ - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث

وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جداً، لانه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فان وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنّه غافل عن أن المراجعة الواحدة لمسند احمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته.

٣٩ - استنكار المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث

ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من اكابر محققيهم وأعاظم محدثيهم ايراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتابه ( العلل المتناهية ) ومنهم:

١ - سبطه ، حيث قال في ( التذكرة ) بعد أن نقل الحديث عن مسند احمد: « فان قيل: فقد قال جدك في كتاب ( الواهية ): أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، عن محمد بن المظفر، عن محمد العتيقى، عن يوسف بن الدخيل عن ابى جعفر العقيلي، عن احمد الحلواني، عن عبد الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الاعمش، عن عطية، عن ابى سعيد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي، وابن داهر ليس بشيء.

قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه احمد في ( الفضائل )، وليس في اسناده احد ممن ضعفه جدي، وقد اخرجه ابو داود في سننه والترمذي أيضاً وعامة المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ارقم: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى آخر ما سبق ».

٢ - السخاوي حيث قال بعد ايراد الحديث وتأييده « وتعجبت من

٥٠

ايراد ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، بل أعجب من ذلك قوله « انه حديث لا يصح » مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في ( صحيح ) مسلم »(١) .

٣ - السمهودي بعد اثبات الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، فاياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ »(٢) .

ولا يخفى أن هذا الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبى الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن ابى عاصم، ومسند البزار، والخصائص للنسائي، ومسند أبى يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة، والمصاحف لابن الانباري، والامالي للمحاملى، والولاية لابن عقدة، والطالبيين للخفاجى، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الاولياء لابي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن طاهر المقدسي وغيرها.

ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟

نعم كان، الا أنه شاء ان يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء الا ان الله كشف سره وهتك ستره بأيدى أهل نحلته. والحمد لله رب العالمين.

٤ - ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) و ( تتمة الصواعق )، فقال بعد أن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٥١

روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن ارقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم غدير خم ».

ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء ورواياته الكثيرة.

وقال في ( تتمة الصواعق ): « ولم يصب ابن الجوزي في ايراده في ( العلل المتناهية ) ».

٥ - المناوى : « قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه ابو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الاخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي »(١) .

٦ - حسن زمان في ( القول المستحسن ) عن المناوي بلفظه.

٧ - الشيخانى القادرى في ( الصراط السوي ) بعد أن ذكر الحديث قال: « وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في ( واهياته ) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ».

٤٠ - رواية ابن الجوزي حديث الثقلين

لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في ( كتاب المسلسلات )(٢) في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما ايراده اياه في ( العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ) فلعله كان قبل روايته اياه بهذا الطريق، أو أنه يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، ان لم يكن غفلة أو تعصباً وعلى كل حال فهذا نص ما جاء في المسلسلات:

__________________

(١). فيض القدير ٣ / ١٤ - ١٥.

(٢). نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في حياة المؤلف سنة ٥٨١ كتبها على بن ملكداد الجنزى وفي آخرها قراءات وسماعات أهمها ما هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم ٣٧ ق ٦ - ٢٧، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ) فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ - ب.

٥٢

« الحديث الخامس »: قال شيخنا أدام الله أيامه: انا محمد بن ناصر قال: انا محمد بن علي بن ميمون قال: انا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد الفزاري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الازدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:

عن أبى بكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد علي الحوض راية علي أمير المؤمنين وامام الغر المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء.

قال الشيخ: اشهدوا علي عند الله ان أبا الفضل بن ناصر حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا الغنائم بن النرسي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا عبد الله محمد بن علي العلوي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان القاضي محمد بن عبد الله حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسين بن محمد بن الفرزدق حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسن بن علي بن بزيع حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان يحيى بن حسن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله أن أبا عبد الرحمن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحارث بن حصيرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان صخر بن الحكم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان حبان بن الحارث حدثني بهذا، قال: اشهدوا علي عند الله ان الربيع بن جميل الضبي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان مالك بن ضمرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا ذر الغفاري حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان

٥٣

جبرئيلعليه‌السلام حدثني بهذا عن الله جل وجهه وتقدست أسماؤه ».

٥٤

*(٣)*

قدح ابن تيمية

قال ابن تيمية في كتابه الذي ألفه رداً على العلامة الحلّيرضي‌الله‌عنه :

« قال الرافضي: العاشر - ما رواه الجمهور من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق. وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الامام.

والجواب من وجوه:

أحدها - ان لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال: اما بعد أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب

٥٥

ربي، وانّي تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمر بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكبها الى الناس: اللهم اشهد - ثلاث مرات.

واما قوله « وعترتي فإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض »، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا أنه لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على ان أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، لكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه »(١) .

وهذا الكلام يشتمل على أباطيل:

١ - دعوى عدم دلالة الحديث على وجوب التمسك بالعترة

أما ما زعمه من دلالة لفظ حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) على وجوب التمسك بالكتاب فقط، وأنه لا دلالة فيه على وجوب التمسك بالعترة، فهو - بالاضافة الى بعده عن دأب المحدثين وأهل الكلام - يفيد سوء فهمه وكثرة وهمه. ولما كان كلام الشيخ محمد أمين بن محمد معين السندي - وهو

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤ - ١٠٥.

٥٦

من أكابر محدثي أبناء السنة المتأخرين - حول رواية مسلم المذكورة كافياً في الرد على هذا الزعم الفاسد، فاننا ننقله بنصه:

تحقيق محمد أمين السندي في معنى الحديث

« ووجدنا في أهل البيت سلام الله تعالى عليهم أجمعين وتحيته، حديث التمسك المشهور، وفتشنا عن مخرجيه، فاذا هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، ولفظه من حديث زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد يا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وحث فيه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات - الحديث.

فنظرنا فيه فوجدناه يعبر عن القرآن واهل البيت بالثقلين، وهو كل نفيس خطير مصون، ففهمنا نفاسة أهل البيت وخطرهم وصونهم من قبيل كل تلك الاوصاف التي للقرآن، للجمع بينهما بذلك، وعلمنا أن هذه الأوصاف وغيرها للقرآن، يرجع عمدتها الى إفادة علوم المعارف الالهية والاحكام الشرعية، فظننا أنها في أهل البيت على منوالها في القرآن راجعة الى افادة تلك العلوم، وقد اعتضدنا في هذا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه واني تارك فيكم الثقلين »، فان النبي لا يوصى أمته بعده الا بالقيام على الحق والسنة، فترك الثقلين فيها والوصية بهما ليس الا لكونهما خليفتين منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الارشاد الى ذلك.

فظننا أنه كما وقع التصريح بالتمسك بكتاب الله فكذا المراد التمسك بأهل البيت، ان كان قوله « أهل بيتي » عطفاً على أولهما بتقدير لفظ « ثانيهما » بقرينة القرين أو فهمه من غير تقدير، ولا صحة لعطفه على « كتاب الله »

٥٧

للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأساً، فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم. وان كان عطفاً على « بكتاب الله » في قوله: « فتمسكوا بكتاب الله » - وهو القريب الظاهر من الوجه الاول - وفيهم كونه ثاني الامرين من الامر بالتمسك كالاول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.

وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءاً على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظاً في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فاذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك امر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه ابلغ، وهو قوله: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصاً من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآمنا به في نظائره من صحاح الاحاديث، والحمد لله رب العالمين.

ومع هذا لم نال جهداً في طلب الطرق الاخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضاً، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: انى أوشك أن أدعي فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.

٥٨

فازددنا منه أن كل اخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وان كان وحياً من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده الى الله سبحانه فقال: « أخبرني اللطيف الخبير »، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انهما لن يفترقا » ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مراداً - بل هو اخبار من الله سبحانه وتعالى، وان قوله في بعض الروايات « اني سألت لهما ذلك » دعاء مجاب متحتم باخبار اللطيف تعالى.

ومن تجلي ألفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبداً، والى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين اسماء الله تعالى.

وعدم الافتراق هذا بينهما انما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الاحكام الالهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والاخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لان يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.

ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فاذاً قد ورد في خبر قريش: « وتعلموا منهم فانهم اعلم منكم »، فقلنا اذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.

ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصاً فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » فعلمنا انهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث

٥٩

على التمسك في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وايدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) انتهى.

وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أن القرآن حبل ممدود من السماء فكذلك اهل هذا البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين. وقد قال قائلهم (ع) مخبراً عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

وفينا كتاب الله انزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

ومما نزل فيهم من الكتاب الآية المتقدمة، وقد ذكر جملة ما نزلت فيهم من الآيات الشيخ أبو الفضل ابن حجر في الصواعق فليطلب فيه.

وكذلك أيدنا فيه ما ثبت عن سيد الساجدين عليه وعلى آبائه التسليمات الناميات المباركات والتحيات الطيبات الزاكيات: انه اذا كان تلى قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقرأ دعاءاً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: « وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر » الى ان قال: « فإلى من يفزع خلف هذه الامة وقد درست أعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) ، فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم، الا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله تعالى بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الافات، وافترض مودتهم في الكتاب » انتهى. و ذكره ابن حجر في الصواعق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه.

وكذلك لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لما كان عن اجتهاد وإنْ كان هو على اجتهاد، ويكون ذلك كما يحدّ الشافعي والمالكي الحنفي على شرب النبيذ!.

واعلم أن الأمر ليس كذلك وقتاله لم يكن عن اجتهاد هؤلاء وإنْ كان خلافه عن اجتهادهم، وإنما انفرد بقتاله يزيد وأصحابه، ولا تقولنَّ إن يزيد وإنْ كان فاسقاً ولم يجز هؤلاء الخروج عليه فأفعاله عندهم صحيحة. واعلم أنه إنما ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعاً، وقتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الامام العادل وهو مفقود في مسألتنا، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد، بل هي من فعلاته المؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد مثاب وهو على حق واجتهاد، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضاً واجتهاد.

وقد غلط القاضي أبوبكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمّاه بـ ( العواصم والقواصم ) ما معناه: أن الحسين قتل بشرع جده، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء »(١) .

وفي هذا الكلام أيضاً أباطيل ننبّه عليها، لئلّا يغتر أحد ببعض كلماته الأخرى:

إنه نسب الخروج إلى الحسينعليه‌السلام .

ونسب إليه الغلط. وأن ابن عباس ومن ذكره علموا غلطه في ذلك.

واعتذر للصحابة الذين خالفوا الحسينعليه‌السلام وقعدوا عن نصرته وذكر أنهم كانوا على حق أيضاً.

___________________

(١). مقدمة ابن خلدون: ٢١٧.

٢٤١

وقوله: وقتال البغاة يفيد أنّ الحسينعليه‌السلام كان باغياً، لكن قتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الامام العادل ومقتضى هذا الكلام: أنه لو كان مع من قاتل الحسينعليه‌السلام إمام عادل جاز قتالهم إيّاه.

ثم إنّه غلّط ابن العربي المالكي في ما قاله، لكن اعتذر له قائلاً: حملته عليه الغفلة

رأى عبد الله بن عمر في سفر الامام الحسين إلى العراق

ومما يدل على انحراف أكابر أسلافهم عن أهل البيتعليهم‌السلام : نسبة عبد الله بن عمر الامام الحسينعليه‌السلام إلى الدنيا، وأنه إنما توجّه إلى العراق طلبا لها - معاذ الله من ذلك - وقد روى ذلك جماعة من المؤرخين والرواة، قال السيوطي: « وقال له ابن عمر: لا تخرج، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها - يعني الدنيا - واعتنقه وبكى وودّعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه من عبرة »(١) .

ورواه السمهودي ثم قال: « وقد أخرجه البزار برواة ثقات عن الشعبي إلّا أنه قال: فقال - أي الحسين - إني أريد العراق. فقال: لا تفعل فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: خيّرت بين أن أكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً. فقيل لي: تواضع، فاخترت أن أكون نبياً عبداً، وإنك بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تخرج، فأبى، فودّعه وقال: استودعك الله من مقتول »(٢) .

ورواه الصبان(٣) والشلّي الحضرمي(٤) و ( الدهلوي ) نفسه(٥) والعيدروس

___________________

(١). تاريخ الخلفاء ص ٢٠٦.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). اسعاف الراغبين - هامش نور الأبصار ١٨٧.

(٤). المشرع المروي ٤٥.

(٥). سر الشهادتين ٣١.

٢٤٢

اليمني في ( العقد النبوي ) وفيه: « وكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، وراى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير »(١) .

والأفظع من ذلك ما جاء في رواياتهم من أن أبا سعيد الخدري - ذاك الصحابي الجليل - قال للحسينعليه‌السلام - والعياذ بالله -: « لا تخرج على إمامك » ففي ( العقد النبوي ) ما نصه: « وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك والزم بيتك فلا تخرج على إمامك »(٢) .

زعمهم نهي الامام الحسن أخاه عن التوجه إلى العراق

بل لقد افتروا كذباً فزعموا أن الامام الحسنعليه‌السلام أوصى إلى أخيه الامام الحسينعليه‌السلام أن لا يتوجه إلى العراق قائلاً له: « وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلا عرفنّ ما استخفّك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك » قال ابن عبد البر: « ورويناه من وجوه: أن الحسن بن علي لمـّا حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: يا أخي إن أبانارحمه‌الله تعالى لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبوبكر، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوق إليها [ لها أيضا ] فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بويع ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها [ طالبوها ] فما صفا له شيء منها.

وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة، فلا عرفنّ

___________________

(١). العقد النبوي - مخطوط.

(٢). المصدر نفسه - مخطوط.

٢٤٣

ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك »(١) .

وقد ذكر هذا عن ابن عبد البر كلّ من:

جلال الدين السيوطي(٢) .

والسمهودي(٣) .

والعيدروس اليمني(٤) .

وقال ابن حجر المكي: « ومن جملة كلامه لأخيه لـمّا احتضر: يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر المرة بعد المرة، فصرفه الله إلى الثلاثة، ثم ولي فنوزع حتى جرّد السيف فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، وربما يستخفنك سفهاء الكوفة فيخرجوك »(٥) .

وفي ( الصواعق ): ذكر الامام الحسينعليه‌السلام : « ومرّ قول أخيه الحسن له: إياك وسفهاء الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك ويسلّموك فتندم ولات حين مناص، وقد تذكر ذلك ليلة قتله فترحّم على أخيه الحسن رضي الله عنهما »(٦) .

وقد ذكر ذلك: الشلّي الحضرمي ومحمد الصبان المصري أيضاً(٧) .

عبد القادر الكيلاني وصوم يوم عاشوراء

ومن دلائل نصب هؤلاء وعدائهم ما ذكره غوثهم الأعظم من ذكر يوم عاشوراء وهذا نصه:

« فصل: وقد طعن قوم على من صام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من

___________________

(١). الاستيعاب ١ / ٣٩١.

(٢). تاريخ الخلفاء ١٩٣.

(٣). جواهر العقدين - مخطوط.

(٤). العقد النبوي - مخطوط.

(٥).. المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية.

(٦). الصواعق المحرقة: ٨٣.

(٧). المشرع الروي / ٤٥، اسعاف الراغبين هامش نور الأبصار ١٨٣.

٢٤٤

التعظيم، وزعموا أنه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، وقالوا: ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة لجميع الناس لفقده فيه، وأنتم تتخذونه يوم فرح وسرور، وتأمرون فيه بالتوسعة على العيال والنفقة الكثيرة والصدقة على الفقراء والضعفاء والمساكين، وليس هذا من حق الحسينرضي‌الله‌عنه على جماعة المسلمين.

وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيح فاسد، لأن الله تعالى اختار لسبط نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأوقعها [ ارفعها ] عنده، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكراماته مضافة إلى كرامته، وبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة، ولو جاز أن نتخذ يوم موته [ يوم ] مصيبة لكان يوم الإِثنين أولى بذلك، إذْ قبض الله تعالى نبيه [ محمداً ]صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه، وكذلك أبوبكر الصديقرضي‌الله‌عنه قبض فيه، وهو ما روى هشام ابن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال أبوبكررضي‌الله‌عنه : أي يوم توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه؟ قلت: ويوم الاثنين، قالرضي‌الله‌عنه : إني أرجو أن أموت فيه، فماترضي‌الله‌عنه فيه، وفقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفقد أبي بكررضي‌الله‌عنه أعظم من فقد غيرهما، وقد اتفق الناس على شرف يوم يوم الإثنين، وفضيلة صومه وأنه تعرض أعمال العباد فيه، وفي يوم الخميس ترفع الأعمال [ أعمال العباد ].

[ و ] كذلك يوم عاشوراء لا يتخذ يوم مصيبة، ولأن يوم عاشوراء إن اتخذ يوم مصيبة ليس بأولى من أن يتخذ يوم فرح وسرور لما قدمنا ذكره وفضله، من انه [ يوم ] نجّى الله تعالى فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعداءهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم وأنه تعالى خلق السماوات والأرض والأشياء الشريفة فيه وآدمعليه‌السلام وغير ذلك، وما أعدّ الله تعالى لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات، فصيام [ فصار ] عاشوراء بمثابة بقية الأيام الشريفة كالعيدين والجمعة وعرفة وغيرهما.

٢٤٥

ثم لو جاز أن يتخذ هذا اليوم مصيبة لاتخذته الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، لأنهم أقرب إليه منا وأخص به، وقد ورد عنهم الحث على التوسعة على العيال فيه والصوم فيه، من ذلك ما روى عن الحسن رحمة الله تعالى عليه أنّه قال: كان صوم يوم عاشوراء فريضة وكان عليرضي‌الله‌عنه يأمر بصيامه فقالت لهم عائشة رضي الله عنها، من يأمركم بصوم يوم عاشوراء؟ قالوا: علي رضي الله عنه. قالت: إنه أعلم من بقي بالسنة ، و روي عن عليرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا ليلة عاشوراء أحياه الله تعالى ما شاء.

فدل على بطلان ما ذهب اليه هذا القائل. والله أعلم »(١) .

٣ - الامام زين العابدينعليه‌السلام

وأما الإمام زين العابدينعليه‌السلام فقد اعترف شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) بقلّة رواية أهل السنة عنه(٢) .

ومن عجائب الأكاذيب ما جاء في ( تهذيب التهذيب ) بترجمتهعليه‌السلام وهذا نصه: « وقال مالك قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن الحسين: إنك تجالس أقواماً دوناً؟! فقال علي بن الحسين: إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني »(٣) .

وما جاء بترجمتهعليه‌السلام في كتب الرجال من أنه يروي عن فلان وفلان ومروان بن الحكم، وكل مسلم يجلّ الامامعليه‌السلام أن يروي عن هؤلاء، ولا سيما أمثال مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين، وأبي هريرة الكذاب وإليك بعض عباراته المشتملة على هذه الأكذوبة:

قال النووي: « سمع أباه، وابن عباس، والمسور، وأبا رافع، وعائشة، وأم

___________________

(١). غنية الطالبين ٦٨٤ - ٦٨٧.

(٢). قرة العينين ٢٤٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٥.

٢٤٦

سلمة، وصفية، أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وآخرين من التابعين»(١) .

وقال ابن حجر: « علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين، ويقال أبو الحسن، ويقال أبو محمد، ويقال أبو عبد الله المدني، زين العابدين، روى عن: أبيه، وعمه الحسن، وأرسل عن جده علي بن أبي طالب، وروى عن ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي هريرة، وعائشة، وصفية بنت حيي، وأم سلمة، وبنتها زينب بنت أبي سلمة، وأبي رافع مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابنه عبيد الله بن أبي رافع، ومروان بن الحكم، وعمرو بن عثمان، وذكوان أبي عمرو مولى عائشة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن مرجانة، وبنت عبد الله بن جعفر »(٢) .

كما ذكروا أن الامامعليه‌السلام من الرواة عن مروان بن الحكم في ترجمة مروان، أنظر ( الكاشف ٣ / ١٣٢ ) و ( التهذيب التهذيب ١٠ / ٩١ ) و ( رجال المشكاة للخطيب التبريزي ) وغيرها.

بل زعموا أن الامام زين العابدينعليه‌السلام كان يتعلّم الحديث من العلماء به كما يتعلّم سائر المسلمين، قال ابن تيمية ما نصه: وأما قوله: وأخذوا أحكامهم الفرعية عن الأئمة المعصومين الناقلين عن جدّهم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم إلخ، فيقال أولا: القوم المذكورون إنما كانوا يتعلّمون الحديث من العلماء به كما يتعلّم سائر المسلمين وهذا متواتر عنهم، فعلي ابن الحسين يروي تارة عن أبان بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، رواه البخاري ومسلم. وأبو جعفر محمد بن علي يروي عن جابر بن عبد الله حديث مناسك الحج الطويل وهو أحسن ما روي في هذا الباب، ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه من

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٤٣.

(٢). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٤.

٢٤٧

حديث جعفر بن محمد عن جابر »(١) .

نسبتهم القول بجواز التزويج بما يزيد على الأربع إلى السجاد

ومما يدل على انحراف أهل السنة ما ذكره ابن حجر العسقلاني(٢) والشهاب القسطلاني(٣) والعيني(٤) بشرح عبارة البخاري « وقال علي بن الحسين: يعني مثني أو ثلاث أو رباع » واللفظ للأول: « وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم ».

فإن مفهوم هذه الكلمات عدم اعتقادهم بإمامة سيدنا زين العابدينعليه‌السلام وعدم رجوعهم إلى قوله وعدم اعتقادهم بعصمته، ومن هنا يظهر بطلان دعوى ( الدهلوي ) بوضوح.

القائل بجواز التزوّج بما يزيد على الأربع من أهل السنة

لم يخالف أحد من أهل الحق قول الامام زين العابدينعليه‌السلام بتفسير قوله تعالى:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٥) فلم يذهب أحد منهم إلى القول بجواز التزوج بما يزيد على الأربع، فقولهم: وهذا من أحسن الأدلة باطل قطعاً.

بل الأمر بالعكس من ذلك، فقد ذهب جماعة من أئمة أهل السنة إلى جواز التزوج بالتسع، مستدلّين بالآية الكريمة، فقد قال فخر الدين الزيلعي الحنفي ما نصه: « وقال القاسم بن إبراهيم: يجوز التزوّج بالتسع، لأن الله تعالى أباح

___________________

(١). منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١١ / ٤١ - ٤٢.

(٣). ارشاد الساري ٨ / ٢٦

(٤). عمدة القاري ٢٠ / ٩١.

(٥).. سورة النساء / ٤.

٢٤٨

نكاح ثنتين بقوله « مثنى » ثم عطف عليه « ثلاث ورباع » بالواو وهي للجمع، فيكون المجموع تسعاً، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى »(١) .

وقال العيني: « وقال القاسم بن إبراهيم: يجوز التزوّج بالتسع، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى، لأن الواو للجمع »(٢) .

وقال القاضي القضاة الشوكاني: « وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعاً، ولعل وجهه قوله تعالى:( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) ومجموع ذلك إلّا باعتبار ما فيه من العدل تسع، وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني »(٣) .

ومنهم من قال بجواز التزوّج بأيّ عددٍ شاء

بل ذهب جماعة منهم إلى جواز التزوّج بأيّ عدد أريد، فقد قال نظام الدين الأعرج المفسر النيسابوري بتفسير الآية المذكورة: « ذهب جماعة إلى أنه يجوز التزوج بأيّ عدد أريد، لأن قوله( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) إطلاق في جميع الأعداد، لصحة استثناء كلّ عدد منه، وقوله:( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) لا يصلح مخصصاً لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينافي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: ذكرها يدل على نفي الحرج والحجر مطلقاً، فإن من قال لولده: افعل ما شئت، اذهب إلى السوق وإلى المدرسة وإلى البستان، كان تصريحاً في أن زمام الإختيار بيده ولا يكون تخصيصاً، وأيضاً، ذكر جميع الأعداد

___________________

(١). تبيين الحقائق ٢ / ١١٢ و « النخعي » هو: إبراهيم بن يزيد. فقيه أهل الكوفة، قال النووي: أجمعوا على توثيقه وجلالته وبراعته في الفقه. توفى سنة ٩٦. و « ابن أبي ليلى » هو: عبد الرحمن بن أبي ليلى. من كبار التابعين. قال النووي: اتفقوا على توثيقه وجلالته. توفى سنة ٨٣.

(٢). رمز الحقائق ١ / ١٤٣.

(٣). نيل الاوطار ٦ / ١٦٩ و « ابن الصباغ » هو: أبو نصر عبد السيد بن محمد البغدادي فقيه العراق. قال ابن قاضي شهبة: كان ورعاً نزهاً ثبتاً صالحاً زاهداً أصولياً محققاً. توفى سنة ٤٠٧ و « العمراني » هو: أبو الخير يحيى بن أبي الخير، كان شيخ الشافعية ببلاد اليمن قال ابن قاضي شهبة: وكان اماماً زاهداً ورعاً توفي ٥٥٨.

٢٤٩

متعذر، فذكر بعضها تنبيه على حصول الاذن في جميعها، ولئن سلمنا لكن الواو للجمع المطلق فيفيد الاذن في جمع تسعة بل ثمانية عشر لتضعيف كل منها.

وأمّا السنّة، فلما ثبت بالتواتر أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات عن تسع، وقد أمرنا باتباعه في قوله( فَاتَّبِعُوهُ ) وأقل مراتب الأمر الاباحة، و قد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فمن رغب عن سنتي فليس مني. والمعتمد عند الجمهور في جوابهم أمران »(١) .

٤ - الامام محمد الباقرعليه‌السلام .

قال ابن تيمية:

« وأمّا سائر الإثني عشر فلم يدركوا النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقول النبي [ كذا ] أنهم نقلوا عن جدّهم إن أراد بذلك أنه أوحي إليهم ما قال جدّهم فهذه نبوة كما كان يوحى إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله غيره من الأنبياء، وإن أراد أنهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم، سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم، فأيّ مزية لهم في النقل عن جدّهم إلا بكمال العناية والاهتمام؟ فإنّ كلّ من كان أعظم اهتماماً وعناية بأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتلقيها من مظانها كان أعلم بها، وليس من خصائص هؤلاء، بل في غيرهم من هو أعلم بالسنة من أكثرهم، كما يوجد في كل عصر من غير بني هاشم أعلم بالسنة من أكثر بني هاشم، فالزهري أعلم بأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحواله وأقواله باتفاق أهل العلم من أبي جعفر محمد بن علي، وكان معاصراً له »(٢) .

هذا كلامه ونعوذ بالله منه، على أن الزهري مجروح ومطعون فيه من وجوه

___________________

(١). غرائب القرآن ٤ / ١٧٢.

(٢). منهاج السنة ١ / ٢٣٠.

٢٥٠

وقد ذكرنا شطراً منها في قسم حديث ( مدينة العلم ).

وقال ابن تيمية أيضاً: « وأما كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل، والزهري من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه، ونقل تسميته بالباقر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أصل له عند أهل العلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث »(١) .

وقال المحقق السندي - بعد أن ذكر حجية عمل أهل البيتعليهم‌السلام - « وعلى هذا الذي اعتقد في أهل البيت أنتقد على إمام الحنفية كمال الدين ابن الهمام موضوعين من كتابه فتح القدير، فقد أحرق قلبي بما أفرط فيهم أحدهما في مباحث الطلاق حيث ذكر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله كلّ ذوّاق مطلاق وحرم بذلك فعله، ثم قال: وأما ما فعله الحسنرضي‌الله‌عنه فرأى منه

وثانيهما: في باب الغنائم حيث تكلّم على قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهما - فيما أخبر به عن جدّه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنه كان يرى سهم ذوي القربى، لكن لم يعطهم مخافة أن يدعى عليه بخلاف سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - بكلام محصوله كون خبره ذلك خلاف الواقع، فيكون ذلك إما من جهله بمذهب علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أو سهوه أو نسيانه أو كذبه عليه لترويج مذهبه ومذهب الأئمة من ولده.

وكلّ ذلك تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ولو كان رأياً من أبي جعفر رضي الله تعالى عنه فردّه بما بداله من الدليل لكان أهون من رد ما روى وأخبر به، فالفجيعة كلّ الفجيعة على الأمة أنْ خلت كتب المذاهب الأربعة عن مذهب أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين »(٢) .

___________________

(١). المصدر نفسه ٢ / ١٥٣.

(٢). دراسات البيب في الاسوة الحسنة بالحبيب: ٤٣٧.

٢٥١

٥ - الامام جعفر الصادقعليه‌السلام

قال ابن تيمية - « وبالجملة فهؤلاء الأئمة ليس منهم من أخذ عن جعفر شيئاً من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري »(١) .

وقال الذهبي بترجمتهعليه‌السلام : « لم يحتج به البخاري، قال يحيى بن سعيد: مجالد أحب إليَّ منه، في نفسي منه شيء، وقال مصعب عن الدراوردي قال: لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس، قال مصعب بن عباس: كان مالك لا يروي عن جعفر حتى يضمّه إلى أحد، وقال أحمد بن سعد ابن أبي مريم: سمعت يحيى يقول: كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد فقال لي: لم لم [ لا ] تسألني عن حديث جعفر؟ قلت: لا أريده، فقال لي: إن كان يحفظ فحديث أبيه المسند [ المسدد ](٢) .

وفي ( المغني ) « لم يخرج له البخاري، وقد وثّقه ابن معين وابن عدي، وأما القطان فقال: مجالد أحبّ إليَّ منه »(٣) .

وفي ( الكاشف ) « سمع أباه والقاسم وعطا، وعنه شعبة والقطان وقال: في نفسي منه شيء»(٤) .

وفي ( تهذيب التهذيب ) بالاضافة إلى الكلمات السابقة: « وقال ابن سعد:

___________________

(١). منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٤١٤.

(٣). المغني في الضعفاء ١ / ١٣٤.

(٤). الكاشف ١ / ١٨٦.

٢٥٢

كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف، سئل مرة: هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه.

قلت: يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة، فذكر فيما سمعه أنه سمعه وفيما لم يسمعه أنه وجده، وهذا يدل على تثبته »(١) .

وقال المناوي بشرح حديث: أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيّكم وحبّ أهل بيته وقراءة القرآن - في مقام قدحه: « لم يرمز له بشيء وهو ضعيف، لأن فيه صالح بن أبي الأسود، له مناكير، وجعفر بن محمد الصادق قال في الكاشف عن اِلقطان: في النفس منه شيء »(٢) .

٦ - الامام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام

قال ابن تيمية « وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي، فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وحماد بن مسلمة، والليث بن سعد، والاوزاعي، ويحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأمثالهم، أعلم بأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء!! وهذا أمر تشهد به الآثار التي تعاين وتسمع، كما تشهد الآثار بأن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه كان أكثر فتوحاً وجهاداً بالمؤمنين، واقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ومما يبيّن ذلك أن القدر الذي ينقل عن هؤلاء من الأحكام المسندة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينقل عن أولئك ما هو أضعافه »(٣) .

___________________

(١). تهذيب التهذيب ٢ / ١٠٤.

(٢). فيض القدير ١ / ٢٢٦، و « القطان » هو: يحيى بن سعيد التميمي، من أئمتهم الذين يقتدون بهم في الحديث والرجال، قال أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى القطان. توفى سنة ١٩٨. وترجم له في: تهذيب التهذيب ١١ / ٢١٦، تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧٤. وغيرهما.

(٣). منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

٢٥٣

وفي ( ميزان الاعتدال ) بترجمتهعليه‌السلام : « روى عنه بنوه: علي الرضا وإبراهيم، وإسماعيل، وحسين، وأخواه علي ومحمد: وإنما أوردته لأن العقيلي ذكره في كتابه وقال: حديثه غير محفوظ - يعني في الإيمان - قال: الحمل فيه على أبي الصلت الهروي.

قلت: فاذا كان الحمل فيه على أبي الصلت فما ذنب موسى تذكره »(١) .

وقال ابن حجر: « روى عن أبيه وعبد الله بن دينار وعبد الملك بن قدامة الجمحي ».

وقال فيه - بعد أن ذكر مولده سنة ثمان وعشرين ومائة - « قلت: إن ثبت أن مولده سنة ثمان فروايته عن عبد الله بن دينار منقطعة، لأن عبد الله بن دينار توفي سنة سبع وعشرين »(٢) .

وقال ابن حبان بترجمة الامام الصادقعليه‌السلام : « يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه، لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة، وإنما مرّض القول فيه من مرّض من أئمتنا لما روي في حديثه من رواية أولاده، وقد اعتبرت حديثه من حديث الثقات عن مثل ابن جريج والثوري ومالك وشعبة وابن عيينة ووهب ابن خالد وذويهم، فرأيت أحاديث مستقيمة ليس فيها شيء، يخالف حديث الأثبات، ورأيت في رواية ولده عنه أشياء ليست من حديثه ولا من حديث أبيه ولا من حديث جده، ومن المحال أن يلزق به ما جنت يد غيره »(٣) .

وفي ( تهذيب التهذيب ) عن ابن حبان: « يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه »(٤) .

___________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٠١.

(٢). تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٣٩ - ٣٤٠.

(٣). الثقات ٦ / ١٣١.

(٤). تهذيب التهذيب ٢ / ١٠٤.

٢٥٤

٧ - الامام الرضاعليه‌السلام

قال ابن تيمية في جواب كلام العلامة الحلي قدس الله روحه حول الامام الرضاعليه‌السلام : كان أزهد الناس وأعلمهم - ما نصه:

« أما قوله: كان أزهد الناس وأعلمهم، فدعوى مجردة بلا دليل، فكل من غلا في شخص أمكنه أن يدعي له هذه الدعوى، كيف والناس يعلمون أنه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه، كالشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأشهب بن عبد العزيز وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء، هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئاً، ولا روى له حديثاً في كتب السنة، وإنما روى له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخاً عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزّه الله عنه الصادقين منهم، وأما قوله: إنه أخذ عنه الفقهاء المشهورون، فهذا من أظهر الكذب، هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو معروف، وإن أخذ عنه بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر، فلأن طلبة الفقهاء يأخذون عن المتوسطين في العلم ومن هم دون المتوسطين »(١) .

وقد ضعّف المقدسي أحاديث كثيرة قائلاً: « فيه علي بن موسى الرضا، يأتي عن آبائه بالعجائب »(٢) .

وقال السمعاني ما نصه: « الرضا - بكسر الراء وفتح الضاء المعجمة - هذا لقب أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالرضا، قال أبو حاتم ابن حبان البستي: يروي عن أبيه العجائب، روى عنه أبو الصلت وغيره، كأنه كان يهم ويخطئ »(٣) .

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٢٥.

(٢). أنظر تذكرة الموضوعات.

(٣). الأنساب - الرضا.

٢٥٥

وقد أورد ابن حجر كلام ابن حبان عن السمعاني كذلك(١) .

وقال الذهبي بترجمتهعليه‌السلام : « قال ابن طاهر: يأتي عن أبيه بعجائب. قلت: إنما الشأن في ثبوت السند إليه وإلّا فالرجل قد كذب عليه ووضع عليه نسخة سائرها الكذب على جدّه جعفر الصادق، فروى عنه أبو الصلت الهروي أحد المتهمين، ولعلي بن مهدي القاضي عنه نسخة ولأبي أحمد عامر بن سليمان الطائي عنه نسخة كبيرة، ولداود بن سليمان القزويني عنه نسخة، مات سنة ثلاث ومائتين، قال أبو الحسن الدارقطني، إن ابن حبان في كتابه قال: علي بن موسى الرضا يروي عن أبيه عجائب، يهم ويخطئ »(٢) .

٨ - سائر الأئمة المعصومينعليه‌السلام

قال الفخر الرازي « والعجب أنهم يزعمون في التقي والحسن العسكري أنهم كانوا عالمين بجميع المسائل الأصولية والفرعية جملها وتفاصيلها، مع أنهم كانوا في زمان كثير خوض العلماء في أصناف العلوم وكثر تصانيفهم، ومع ذلك فلم يظهر من أحد منهم شيء من العلوم لا بالقليل ولا بالكثير، ولم يحضروا محفلاً، ولا تكلّموا في شيء من المسائل مع المخالفين، ولم يظهر منهم تصنيف منتفع به، كما ظهر من الشافعيرضي‌الله‌عنه ومحمد بن الحسن رحمة الله عليه وغيرهما من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين »(٣) .

وقال ابن تيمية: « الثالث أن يقال: القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان، خير من الأخذ بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ، نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم، ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك، وابن أبي ذئب، وابن الماجشون، والليث بن سعد، والأوزاعي،

___________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ١٥٨.

(٣). نهاية العقول - مخطوط.

٢٥٦

والثوري، وابن أبي ليلى، وشريك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد اللؤلؤي، والشافعي، والبويطي، والمزني، وأحمد بن حنبل، وأبي داود السجستاني، والأثرم، وإبراهيم الحربي، والبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم - مثل أن يعلموا سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة عنه، ويجتهدوا في تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها - خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريين وأمثالهما، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ورسوله من العسكريين أنفسهما، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا أحدهما، بل ذلك هو الواجب عليه، فكيف إذا كان ذلك نقلاً عنهما من مثل الرافضة؟ والواجب على مثل العسكريين وأمثالهما أنْ يتعلّموا من الواحد من هؤلاء؟ »(١) .

وقال: « الثاني أن يقال: القياس - ولو أنه ضعيف - هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين، فإن كلّ من له علم وإنصاف يعلم أن مثل مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والثوري، وابن أبي ليلى، ومثل الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما، وأيضاً، فهؤلاء خير من المنتظر الذي لا يعلم ما يقول!! »(٢) .

وقال: « وأما من بعد موسى، فلم يؤخذ عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين وتواريخهم، فإن أولئك الثلاثة توجد أحاديثهم في الصحاح والسنن والمسانيد، وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى السلف، مثل كتب ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وغير هؤلاء، وأما من بعدهم فليس له رواية في الكتب الأمهات من الحديث، ولا

___________________

(١). منهاج السنة ١ / ٢٣١.

(٢). منهاج السنة ٢ / ٨٩.

٢٥٧

فتاوى في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف، ولا لهم تفسير ولا غيره، ولا لهم أقوال معروفة »(١) .

وفي ( الموضوعات ) بعد حديث في فضل فاطمةعليها‌السلام : « هذا حديث موضوع، والحسن بن علي صاحب العسكر هو: الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر أبو محمد العسكري، أحد من يعتقد فيه الشيعة الامامة، روى هذا الحديث عن آبائه، وليس بشيء »(٢) .

وفي ( اللآلي المصنوعة ) بعده: « موضوع، الحسن العسكري ليس بشيء!! »(٣) .

وفي ( تنزيه الشريعة ) بعده: « فيه عبد الله والحسن، ولعله من وضع أحدهما »(٤) .

وقال الفتني: « الحسن بن علي صاحب العسكر ليس بشيء »(٥) .

وقال ابن تيمية « وأما قوله - وكان ولده الحسن العسكري عالماً زاهداً فاضلاً عابداً أفضل أهل زمانه وروت عنه العامة كثيراً - فهذا من نمط ما قبله، من الدعاوى المجردة والأكاذيب المثبتة، فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم، وشيوخ أهل كتب السنة: البخاري، ومسلم وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، كانوا موجودين في ذلك الزمان وقريبا منه قبله وبعده.

وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء شيوخ الكلّ، يعني شيوخ هؤلاء الأئمة، فليس في هؤلاء الأئمة من روى عن الحسن بن علي العسكري،

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٢٤.

(٢). الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٤١٥.

(٣). اللآلي المصنوعة ١ / ٣٩٦.

(٤). تنزيه الشريعة ١ / ٤١٠.

(٥).. قانون الموضوعات / ٢٤٩.

٢٥٨

مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث، فكيف يقال: روت عن العامة كثيراً؟ وأين هذه الروايات؟!

وقوله: إنه كان أفضل أهل زمانه هو من هذا النمط »(١) .

٩ - الامام الثاني عشر عجل الله فرجه

وقال ابن تيمية في ذكر الامام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه:

« وهذا لو كان موجوداً معلوماً لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أن يكون محضوناً عند من يحضنه في بدنه، كأمه وأم أمه ونحوهما من أهل الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه، إما وصي أبيه إن كان له وصي، وإما غير الوصي إما قريب وإما نائب لدى السلطان فإنه يتيم لموت أبيه، والله تعالى يقول:( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلغ النكاح ويؤنس منه الرشد، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه.

فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إماماً لجميع المسلمين معصوماً، لا يكون أحد مؤمناً إلّا بالإِيمان به، ثمّ هذا باتفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به، لا في الدين ولا في الدنيا، ولا علّم أحداً شيئاً ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشر، فلم يحصل به شيء من مقاصد الامامة ومصالحها لا الخاصة ولا العامة.

بل إنْ قدّر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلاً ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة، والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به، فهو شر محض لا خير فيه! وخلق مثل هذا ليس من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٣١.

٢٥٩

فعل الحكيم العادل ».

وقال « ثم إنهم يقولون: إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم، وهو يمكّن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها شوكة ومن قتال أعدائهم، ويجعلهم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة! فإنّ أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم وهؤلاء الذين يدعى أنهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده، وأنه لا يهدى إلّا بهم ولا نجاة إلّا بطاعتهم ولا سعادة إلّا بمتابعتهم، وقد غاب خاتمتهم من أربعمائة وخمسين سنة، فلم ينتفع به أحد في دينه ودنياه، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم »(١) .

كلام سليمان بن جرير في الطعن في الأئمة

ومما يدل على انحراف أهل السنة عن أهل البيت وسوء اعتقادهم فيهم: ما حكوه عن سليمان بن جرير واستندوا إليه في كتبهم، طعناً في الأئمة الطاهرين وشيعتهم فقد قال الفخر الرازي في آخر بحث الامامة بعد كلام على التقية ما نصه: « ولنختم هذا الكلام بما يحكى عن سليمان بن جرير الزيدي أنه قال: إن أئمة الرافضة وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظفر معهما أحد عليهم، الأولى: القول بالبداء، فإذا قالوا إنه سيكون لهم قوة وشوكة ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا: بدا لله تعالى فيه، قال زرارة بن أعين - من قدماء الشيعة وهو يخبر عن علامات ظهور الامامرضي‌الله‌عنه - هذه الأبيات:

فتلك أمارات تجيء بوقتها

ومالك عما قدر الله مذهب

ولولا البداء سميته غير فائت

ونعت البدا نعت لمن يتقلب

ولولا البدا ما كان ثم تصرف

وكان كنار دهرها تتلهب

وكان كضوء مشرق بطبيعة

ولله عن ذكر الطبائع مرغب

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٣١.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347