نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 383

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 262946 / تحميل: 7921
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وكذا إذا اشترى رجل سلعة بثمن فجاء آخَر قبل لزوم العقد ، فقال للبائع : أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا ، فإنّه مكروه عندنا ، وحرام عند الشافعي ؛ لأنّه في معنى نهيهعليه‌السلام . ولأنّ اللفظ مشتمل عليه ؛ لأنّ اسم البائع يقع عليهما ، ولهذا يسمّيان متبايعين. ولأنّهعليه‌السلام نهى عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه(١) ، والمشتري في معنى الخاطب(٢) .

مسالة ٦٦٧ : يكره السوم على سوم المؤمن‌ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يسوم الرجل على سوم أخيه »(٣) .

فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ولم يعقد أو أذن فيه لوكيله ، كره السوم.

وقال الشافعي : يحرم ، كما تحرم الخطبة(٤) .

والأصل عندنا مكروه.

وأمّا إن لم يوجد ذلك ولا ما يدلّ عليه بل سكت ولم(٥) يُجِبْ إلى البيع ، لم يحرم السوم ، وبه قال الشافعي(٦) .

وأمّا أن يكون لم يصرّح بالرضا ، بل ظهر منه ما يدلّ على الرضا بالبيع ، فهو عند الشافعي مبنيّ على القولين في الخطبة.

____________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٨٧ / ٦١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ / ١٢٩٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٣.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٥ - ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « فلم ».

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١.

١٦١

قال في القديم : تحرم الخطبة ؛ لعموم النهي.

وقال في الجديد : لا تحرم ؛ لحديث فاطمة بنت قيس ، وقوله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] لها : « انكحي اُسامة» وقد خطبها معاوية وأبو جهم(١) ، فالبيع مثل ذلك(٢) .

هذا إذا تساوما بينهما ، فأمّا إذا كانت السلعة في النداء ، فإنّه يجوز أن يستامها واحد بعد واحد ، لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع واحد ، بل سامها للكلّ ولم يخصّ واحداً.

وأصله أنّ رجلاً من الأنصار شكا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الشدّةَ والجهد ، فقال له : « ما بقي لك شي‌ء؟ » فقال : بلى قدح وحلس ، قال : « فأتني بهما » فأتاه بهما ، فقال : « مَنْ يبتاعهما؟» فقال رجل : أنا أبتاعهما بدرهم ، وقال(٣) رجل آخر : عليَّ درهمين ، فقال النبيّ : « هُما لك بالدرهمين »(٤) .

ولأنّه قد يبيعهما من واحد ويقصد إرفاقه ويخصّصه(٥) ، فإذا سامها آخَر ، فسد غرضه ، وإذا نادى عليها ، فلم يقصد إلّا طلب الثمن ، فافترقا.

تذنيب : يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لدلالته على شدّة الحرص في طلب الدنيا ، لأنّه وقت طلب الرزق من الله تعالى.

ولما رواه عليّ بن أسباط رَفَعه ، قال : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١١٤ / ١٤٨٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧٧ - ١٧٨ ، ١٨١ ، ٤٧١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥ و ٦.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠.

(٣) في « س ، ي » : « فقال ».

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤٠ / ٢١٩٨ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٢٠ / ١٦٤١ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥٨ - ٥٥٩ / ١١٧٢٤ بتفاوت.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أو تخصيصه ».

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٢.

١٦٢

وتكره الزيادة وقت النداء ، بل إذا سكت المنادي ، زاد ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يقول : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، وإنّما يحرّم الزيادةَ النداءُ ، ويُحلّها السكوت »(١) .

مسالة ٦٦٨ : لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئاً إلّا بإذنه - إلّا مع خوف التلف - إن كان غنيّاً ، أو كان الولد ينفق عليه ؛ لأصالة عصمة مال الغير.

ولو كان الولد صغيراً أو مجنوناً ، فالولاية للأب ، فله الاقتراض مع العسر واليسر.

ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل ، ويكون موجباً قابلاً ، وأن يقوّم جاريته عليه ، ويطأها حينئذٍ.

ولو كان الأب معسراً ، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مؤونة نفسه خاصّةً إذا مَنَعه الولد.

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ، قال : « يأكل منه ما شاء من غير سرف » وقال : « وفي كتاب عليّعليه‌السلام أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك » ثمّ قال الباقرعليه‌السلام : « لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ - ٣٠٦ / ٨ ، وبتفاوت يسير في التهذيب ٧ : ٢٢٧ - ٢٢٨ / ٩٩٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦١ ، وفي الاستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٧ عن الإمام الباقرعليه‌السلام .

١٦٣

ممّا لا بُدّ منه ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يحبّ الفساد »(١) .

وعن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأكل من مال ولده ، قال : « لا ، إلّا أن يضطرّ إليه ، فليأكل منه بالمعروف ، ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذن والده »(٢) .

مسالة ٦٦٩ : والولد يحرم عليه مال والده‌ ، فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً إلّا بإذنه ، فلو اضطرّ الولد المعسر إلى النفقة ومَنَعه الأب ، كان للولد أن يأخذ قدر مؤونته ؛ لأنّه كالدَّيْن على الأب.

ويحرم على الاُمّ أن تأخذ من مال ولدها شيئاً إلّا إذا مَنَعها النفقة الواجبة عليه.

وكذا يحرم على الولد أخذ مال الاُمّ إلّا إذا وجب نفقته عليها ومَنَعْته.

وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوّغنا ذلك للأب ؛ لأنّ الولاية له دونها ؛ لما رواه - في الحسن - محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه ، قال : « يأكل منه ، فأمّا الاُمّ فلا تأكل منه إلّا قرضاً على نفسها »(٣) .

ويجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير ويحجّ عنه ؛ للولاية.

ولما رواه سعيد بن يسار قال : قلت للصادقعليه‌السلام : أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : « نعم » قلت : أيحجّ حجّة الإسلام وينفق منه؟ قال : « نعم بالمعروف » ثمّ قال : « نعم ، يحجّ منه وينفق منه ، إنّ مال الولد‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٤٨ - ٤٩ / ١٥٩ ، وفيها : « فيأكل» بدل « فليأكل ».

(٣) الكافي ٥ : ١٣٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٩ / ١٦٠.

١٦٤

للوالد ، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلّا بإذنه »(١) .

وسأل ابنُ سنان - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال : « أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً ، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلّا أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه » قال : « ويعلن ذلك فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية ، فأحبّ أن يفتضّها فليقوّمها على نفسه قيمة ثمّ يصنع بها ما شاء ، إن شاء وطئ ، وإن شاء باع »(٢) .

وعلى هذا تُحمل الأحاديث المطلقة.

مسالة ٦٧٠ : لا يحلّ لكلٍّ من الزوجين أن يأخذ من مال الآخَر شيئاً‌ ؛ لأصالة عصمة مال الغير ، إلّا بإذنه ، فإن سوّغت له ذلك ، حلّ.

ولو دَفَعتْ إليه مالاً وقالت له : اصنع به ما شئت ، كره له أن يشتري به جاريةً ويطأها ؛ لأنّ ذلك يرجع بالغمّ عليها.

روى هشام عن الصادقعليه‌السلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول : اعمل به واصنع به ما شئت ، أله أن يشتري الجارية ثمّ(٣) يطأها؟ قال : « ليس له ذلك »(٤) ومقصود الإمامعليه‌السلام الكراهة ؛ لأصالة الإباحة.

روى الحسين بن المنذر قال : قلت للصادقعليه‌السلام : دَفَعَتْ إليَّ امرأتي مالاً أعمل به ، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال : فقال : « أرادت أن تقرّ‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٥ / ٩٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٥ / ٩٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٣.

(٣) كلمة « ثمّ » لم ترد في المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ - ٣٤٧ / ٩٧٥.

١٦٥

عينك وتسخن عينها »(١) .

وقد وردت رخصة في أنّ المرأة لها أن تتصدّق بالمأدوم إذا لم تجحف به ، إلّا أن يمنعها فيحرم.

قال ابن بكير : سألت الصادقَعليه‌السلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه؟ قال : « المأدوم »(٢) .

وسأل عليّ بن جعفر أخاه ( موسى بن جعفرعليهما‌السلام )(٣) : عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟ قال : « لا ، إلّا أن يحلّلها »(٤) .

مسالة ٦٧١ : في الاحتكار قولان لعلمائنا :

التحريم ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٥) ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يحتكر إلّا خاطئ »(٦) أي آثم.

وقالعليه‌السلام : « الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون »(٧) .

وقالعليه‌السلام : « من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بري‌ء من الله وبري‌ء الله منه »(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٧ / ٩٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٧ ( باب الرجل يأخذ من مال امرأته ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٦ / ٩٧٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في « س ، ي » : « الكاظمعليه‌السلام ».

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ / ٩٧٤.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٨ / ١٣٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ / ٢١٥٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧١ / ٣٤٤٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٧ / ١٢٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٨.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ / ٢١٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩.

(٨) المستدرك - للحاكم - ٢ : ١١ - ١٢ ، مسند أحمد ٢ : ١١٦ ، ٤٨٦٥.

١٦٦

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ»(١) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الحكرة في الخصب أربعون يوماً ، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام ، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون »(٣) .

وروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه الله بالجذام والإفلاس »(٤) .

والكراهة ؛ للأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام »(٥) .

مسالة ٦٧٢ : الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذّر غيره ، فلو استبقاها لحاجته أو وُجد غيره ، لم يمنع.

وقيل : أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام ، وفي الرخص أربعين‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٥.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٩ / ٢١٥٥ ، الترغيب والترهيب ٢ : ٥٨٣ / ٤ بتفاوت.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ - ١١٦ / ٤١١.

١٦٧

يوماً(١) .

وفسّر الشافعيّةُ الاحتكارَ : أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه وغلاة على الناس فحبسه عنهم(٢) .

فأمّا إذا اشترى في حال سعته ، وحَبَسه ليزيد نفعه(٣) ، أو كان له طعام في زرعه فحبسه ، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة ، فأمّا إذا كان بهم ضرورة ، وجب عليه بذله لهم لأحيائهم ، وبه قال الشافعي(٤) أيضاً.

ولا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله ثمّ يفضل شي‌ء فيبيعه في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يمسك غلّة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ، ولكنّ الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته.

وهل يكره إمساكه؟ للشافعيّة وجهان(٥) .

وتحريم الاحتكار مختصّ بالأقوات ، ومنها : التمر والزبيب ، ولا يعمّ جميع الأطعمة ، قاله الشافعي(٦) .

وقال الصادق ٧ : « الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن »(٧) .

____________________

(١) القائل بذلك من أصحابنا الإماميّة هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٤ - ٣٧٥.

(٢و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٣) في « س » و الطبعة الحجريّة : « ليريد منعه » و في « ي » : « ليزيد منعه » والظاهر ما أثبتناه

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨ - ٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٦.

١٦٨

وسأل الحلبي الصادقَعليه‌السلام : عن الزيت ، فقال : « إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره فيحتكره ، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل »(٢) .

مسالة ٦٧٣ : يجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع.

وهل يسعّر عليه؟ قولان لعلمائنا ، المشهور : العدم ؛ لما رواه العامّة أنّ السعر غلا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا رسول الله سعِّر لنا ، فقال : « إنّ الله هو المسعِّر القابض الباسط ، وإنّي لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحد(٣) منكم يطلبني بمظلمةٍ بدمٍ ولا مالٍ »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فقد الطعام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتى المسلمون فقالوا : يا رسول الله فقد الطعام ولم يبق منه شي‌ء إلاّ عند فلان ، فمره يبع ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد فُقد إلّا شيئاً عندك ، فأخرجه وبِعْه كيف شئت ولا تحبسه »(٥) ففوّض السعر إليه.

وعن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر‌

____________________

(١و٢) الكافي ٥ : ١٦٤ - ١٦٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ / ٤٠٩.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لأحد ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤١ / ٢٢٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٢ / ٣٤٥١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩ ، مسند أحمد ٣ : ٦٢٩ / ١٢١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٧.

١٦٩

الأبصار إليها ، فقيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قوّمت عليهم ، فغضبعليه‌السلام حتى عرف الغضب من وجهه ، فقال : أنا اُقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا يجوز أن يسعّر حالة الرخص عندنا وعند الشافعي(٢) .

وأمّا حالة الغلاء فكذلك عندنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يجوز له أن يسعّر - وبه قال مالك - رفقاً بالضعفاء.

وأصحّهما : أنّه لا يجوز تمكيناً للناس من التصرّف في أموالهم. ولأنّهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع ، فيشتدّ الأمر(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الطعام يجلب إلى البلدة ، فالتسعير حرام. وإن كان يزرع بها ويكون عند التناه(٤) فيها ، فلا يحرم(٥) .

وحيث جوّزنا التسعير فإنّما هو في الأطعمة خاصّة دون سائر الأقمشة والعقارات.

ويلحق بها علف الدوابّ ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٦) .

وإذا قلنا بالتسعير فسعَّر الإمام فخالف واحدٌ ، عُزّر ، وصحّ البيع.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦١ - ١٦٢ / ٧١٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ - ١١٥ / ٤٠٨.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « الغلاء » بدل « التناه ». وفي « ي » : « التناء ». والظاهر أنّ كلمة « التناه » مأخوذة من ناه الشي‌ء ينوه : ارتفع وعلا. اُنظر : لسان العرب ١٣ :٥٥٠ « نوه ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٧٠

وللشافعي في صحّته قولان(١) .

مسالة ٦٧٤ : تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعاً.

وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب : الثاني ؛ لأنّ العامّة روت أنّ النبيّعليه‌السلام قال : « لا تتلقّوا الركبان للبيع »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهعليه‌السلام :

لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجاً من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض »(٣) .

وصورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه ، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره. فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لا يعود إلى معنى في البيع ، وإنّما يعود إلى ضرب من الخديعة والإضرار ، لأنّ في الحديث « فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق »(٤) فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر ، وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن ، سواء أخبر كاذباً أو لم يخبر. ولو انتفى الغبن ، فلا خيار.

وقال الشافعي : إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائداً ، ففي ثبوت الخيار(٥) وجهان :

أحدهما : يثبت ؛ لظاهر الخبر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩٤ / ١٠١٣٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب التلقّي ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٧.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨.

(٥) في « س » : « ثبوته » بدل « ثبوت الخيار ».

١٧١

وأصحّهما : العدم ؛ لأنّه لم يوجد تغرير وخيانة(١) .

ولا فرق بين أن يكون مشترياً منهم أو بائعاً عليهم.

ولو ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء مع علمٍ منهم بسعر البلد أو غير علم ، فالأقرب : ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.

وللشافعي(٢) القولان السابقان.

ولو خرج اتّفاقاً لا بقصد التلقّي ، بل خرج لشغلٍ(٣) آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئاً ، لم يكن قد فَعَل مكروهاً.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يعصي ؛ لشمول المعنى.

والثاني : لا يعصي ؛ لأنّه لم يتلقّ.

والأظهر عندهم : الأوّل(٤) .

فعلى الثاني لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين ، عند الشافعي(٥) .

وعندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقاً.

وقال بعض الشافعيّة : إن أخبر بالسعر كاذباً ، ثبت(٦) الخيار.

وحيث ثبت الخيار فهو على الفور ، كخيار العيب.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، وهو أصحّهما. والثاني : أنّه يمتدّ ثلاثة أيّام ، كخيار التصرية(٧) .

ولو تلقّى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد ، فهو‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « بشغل ».

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

١٧٢

كالتلقّي.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : لا يثبت فيه حكمه ؛ لأنّ النهي ورد عن الشراء.

والثاني : نعم ؛ لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم(١) .

وقال مالك : البيع باطل(٢) .

وحدّ التلقّي عندنا أربعة فراسخ ، فإن زاد على ذلك ، لم يكره ولم يكن تلقّياً ، بل كان تجارةً وجلباً ؛ لما رواه منهال عن الصادقعليه‌السلام قال : قال : « لا تلقّ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن التلقّي » قلت : وما حدّ التلقّي؟ قال : « ما دون غدوة أو روحة » قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : « أربعة فراسخ » قال ابن أبي عمير : وما فوق ذلك فليس بتلقّ(٣) .

مسالة ٦٧٥ : يكره أن يبيع حاضر لباد فيكون الحاضر وكيلا للبادي.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يبيع حاضر لباد »(٤) .

وصورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلى بلد أو قرية فيجي‌ء إليه الحاضر في البلد فيقول : لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيّام بأكثر من ثمنه الآن.

وليس محرّما ، للأصل.

وقال الشافعي : إنّه محرّم ، للنهي(٥) .

ويحصل له الإثم بشروط أربعة :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٩.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ / ١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ / ٢١٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٢٥ / ١٢٢٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٧٣

أ - أن يكون البدوي يريد البيع.

ب - أن يريد بيعه في الحال.

ج - أن يكون بالناس حاجة إلى المتاع وهُمْ في ضيق.

د - أن يكون الحاضر استدعى منه ذلك.

روى ابن عباس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يبيع حاضر لباد » قال طاوُس : وكيف لا يبيع؟ فقال : لا يكون له سمساراً(١) .

والأصل في المنع أنّ فيه إدخال الضرر على أهل الحضر وتضييقاً عليهم ، فلهذا نهي عنه.

فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها ، جاز ذلك ؛ لأنّه إذا لم يكن بأهل البلد حاجة ، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.

وكذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال ، فإنّه يجوز للحضري أن يتولّى له البيع.

ولو وُجدت الشرائط وخالف الحاضر وباع ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لا لمعنى يعود إلى البيع.

وشرط بعض الشافعيّة أن يكون الحاضر عالماً بورود النهي فيه ، وهذا شرط يعمّ جميع المناهي. وأن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، فإن لم تظهر إمّا لكبر البلد وقلّة ذلك الطعام أو لعموم وجوده ورخص السعر ، ففيه عندهم وجهان ، أوفقهما لمطلق الخبر : أنّه يحرم. والثاني : لا ، لأنّ المعنى المحرّم تفويت الرزق ، والربح على الناس ، وهذا المعنى لم يوجد هنا. وأن يكون المتاع المجلوب إليه ممّا تعمّ الحاجة إليه ، كالصوف والأقِط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ / ١٥٢١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٩ / ٣٤٣٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

١٧٤

وسائر أطعمة القرى ، وأمّا ما لا يحتاج إليه إلّا نادراً فلا يدخل تحت النهي(١) .

ولو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظّه ، قال بعض الشافعيّة : إذا كان الرشد في الادّخار والبيع على التدريج ، وجب عليه إرشاده إليه بذْلاً للنصيحة(٢) .

وقال بعضهم : لا يرشده إليه توسّعاً على الناس(٣) .

مسالة ٦٧٦ : روى العامّة أنّه قد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع العربان(٤) . ويقال : عربون ، وأربان وأربون. والعامّة يقولون : ربون.

وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا على أنّه إن أخذ السلعة ، كان المدفوع من الثمن. وإن لم يدفع الثمن وردّ السلعة ، لم يسترجع ذلك المدفوع - وبه قال الشافعي(٥) - للنهي الذي رواه العامّة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق ٧ : « كان أمير المؤمنين ٧ يقول : لا يجوز بيع العربون إلاّ أن يكون نقدا من الثمن »(٦) .

وقال أحمد : لا بأس به ؛ لما روي أنّ نافع بن عبد الحارث اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر ، وإلّا له كذا وكذا. وضعّف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩ - ٨٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٨ / ٢١٩٢ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤ ، المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٦) الكافي ٥ : ٢٣٣ ( باب العربون ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢١.

١٧٥

حديث النهي(١) .

قالت الشافعيّة : إنّه ليس بصحيح ؛ لأنّه شرط أن يكون للبائع شي‌ء بغير عوض ، فهو كما لو شرط للأجنبيّ(٢) .

ويفسّر العربون أيضاً بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له شيئاً من خاتم يصوغه أو خفّ يخرزه أو ثوب ينسجه على أنّه إن رضيه بالمدفوع في الثمن ، وإلّا لم يستردّه منه. وهُما(٣) متقاربان.

مسالة ٦٧٧ : بيع التلجئة باطل عندنا‌ ، وهو أن يتّفقا على أن يُظهرا العقد خوفاً من ظالم من غير بيع ، ويتواطآ على الاعتراف بالبيع ، أو لغير ذلك - وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمّد(٤) - لأنّ الأصل بقاء الملك على صاحبه ، ولم يوجد ما يخرجه عن أصالته. ولأنّهما لم يقصدا البيع ، فلا يصحّ منهما ، كالهازلَيْن.

وقال أبو حنيفة والشافعي : هو صحيح ؛ لأنّ البيع تمّ بأركانه وشروطه خاليةً عن مقارنة مُفسدٍ ، فصحّ ، كما لو اتّفقا على شرطٍ فاسد ثمّ عقدا البيع بغير شرط(٥) .

ونمنع تماميّة البيع.

ولو تبايعا بعد ذلك بعقدٍ صحيح ، صحّ البيع إن لم يوقعاه قاصدين لما تقدّم من المواطأة ؛ لأصالة الصحّة ، وعدم صلاحية سبق المواطاة للمانعيّة.

وكذا لو اتّفقا على أن يتبايعا بألف ويُظهرا ألفين فتبايعا بألفين ، فإنّ‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، المجموع ٩ : ٣٣٥.

(٢) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٣) أي : هذا التفسير والتفسير المتقدّم في صدر المسألة.

(٤ و ٥ ) المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٣٤.

١٧٦

البيع لازم ، والاتّفاق السابق لا يؤثّر ، قاله الشافعي ، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(١) .

وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ البيع إلّا على أن يتّفقا على أنّ الثمن ألف درهم ويتبايعاه بمائة دينار ، فيكون الثمن مائة دينار استحساناً - وإليه ذهب أبو يوسف ومحمّد - لأنّه إذا تقدّم الاتّفاق ، صارا كالهازلَيْن بالعقد ، فلم يصحّ العقد(٢) .

قالت الشافعيّة : الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثّر فيه ، كما لو اتّفقا على شرطٍ فاسد ثمّ عقدا العقد ، فإنّه لا يثبت فيه(٣) .

مسالة ٦٧٨ : قد ذكرنا أنّ التجارة مستحبّة.

قال الصادقعليه‌السلام : « ترك التجارة ينقص العقل »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام لمعاذ في حديثٍ : « اسع على عيالك ، وإيّاك أن يكونوا هُم السعاة عليك »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أوّلاً فيتفقّه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « مَن اتّجر بغير علمٍ ارتطم في الربا ثمّ ارتطم »(٦) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول على المنبر : « يا معشر التجّار الفقه ثمّ المتجر ، الفقه ثمّ المتجر، والله للربا في هذه الاُمّة أخفى من دبيب النملة على الصفا ، شوبوا أيمانكم بالصدقة(٧) ، التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلّا‌

____________________

(١ - ٣ ) المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢ / ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٨ - ١٤٩ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢ - ٣ / ٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٣ ، التهذيب ٧ : ٥ / ١٤.

(٧) في الكافي « بالصدق ».

١٧٧

مَنْ أخذ الحقّ وأعطى الحقّ »(١) .

« وكان عليّعليه‌السلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرةً من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرّة على عاتقه فيقف على أهل كلّ سوق فينادي : يا معشر التجّار اتّقوا الله عزّ وجلّ ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم ، فيقول : قدّموا الاستخارة ، وتبرّكوا بالسهولة ، واقتربوا من المتبايعين ، وتزيّنوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، وأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، فيطوف في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس »(٢) .

مسالة ٦٧٩ : يكره الحلف على البيع‌ ، وكتمان العيب ، ومدح البائع ، وذمّ المشتري ، والمبادرة إلى السوق أوّلاً ؛ لما فيه من شدّة الحرص في الدنيا.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، وإلّا فلا يشتر ولا يبع : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد إذا باع ، والذمّ إذا اشترى »(٣) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « ثلاثة لا ينظر الله اليهم ، أحدهم : رجل اتّخذ الله عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلّا بيمين ولا يبيع إلّا بيمين »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٢١ / ٥١٩ ، التهذيب ٧ : ٦ / ١٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ / ٣ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ ، التهذيب ٧ : ٦ / ١٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٦ / ١٨ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٠ - ١٥١ / ٢ ، والفقيه ٣ : ١٢٠ - ١٢١ / ٥١٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٢ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٦.

١٧٨

وقال الصادقعليه‌السلام : « إيّاكم والحلف ، فإنّه يمحق البركة ، وينفق السلعة »(١) .

وتكره معاملة ذوي العاهات.

قال الصادقعليه‌السلام : « لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شي‌ء »(٢) .

وكذا تكره مخالطة السفلة والمحارفين والأكراد ، ولا يعامل إلّا مَنْ نشأ في خير.

قال الصادقعليه‌السلام : « إيّاكم ومخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تشتر من محارف ، فإنّ حرفته لا بركة فيها »(٤) .

وسأل أبو الربيع الشامي الصادقَعليه‌السلام ، فقلت : إنّ عندنا قوماً من الأكراد وإنّهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم ، فقال : « يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف الله عنهم الغطاء ، فلا تخالطوهم »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تخالطوا ولا تعاملوا إلّا مَنْ نشأ في الخير »(٦) .

واستقرض قهرمان لأبي عبد اللهعليه‌السلام من رجل طعاماً للصادقعليه‌السلام ، فألحّ في التقاضي ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « ألم أنهك أن تستقرض ممّن‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١١ / ٤١.

(٥) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٦.

١٧٩

لم يكن له فكان »(١) .

مسالة ٦٨٠ : يستحبّ إنظار المعسر ، وإقالة النادم‌ ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحقّ وافياً أو غير وافٍ(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « لا يكون الوفاء حتى يرجّح »(٣) .

وقال : « لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان »(٤) .

ولا ينبغي أن يتعرّض للكيل أو الوزن(٥) إلّا من يعرفهما حذراً من أخذ مال الغير.

مسالة ٦٨١ : لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة التي لا يظهر فيها المبيع ظهوراً بيّناً ، حذراً من الغشّ.

قال هشام بن الحكم : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمرّ بي الكاظمعليه‌السلام فقال : « يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ »(٦) .

ويحرم أن يزيّن المتاع بأن يُظهر جيّده ويكتم رديئه.

قال الباقرعليه‌السلام : « مرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلّا طيباً ، وسأل عن سعره ، فأوحى الله تعالى [ إليه ](٧) أن يدير يده في الطعام ، ففَعَل فأخرج طعاماً رديئاً ، فقال لصاحبه :

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٥ / ١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٠ ( باب الوفاء والبخس ) الحديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٤.

(٥) في « ي » : « للكيل والوزن ». وفي الطبعة الحجريّة : « الكيل والوزن ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ - ١٦١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وجوه دلالة هذا الكلام

وكلام والد ( الدهلوي ) هذا يوضّح دلالة حديث النور على المطلوب من وجوه:

١ - قوله: « وقد افتضت الحكمة الإلهية أن ينالوا بذلك الصفاء والرفعة، ففوضت إليهم رئاسة العالم، قال الله تعالى:( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

أقول: إذا كان الأمر كذلك فإن الامام علياًعليه‌السلام كانت له الأهلية الكاملة لأنْ تفوّض إليه رئاسة العالم - وهي الخلافة العامة والحكومة التامة - لوجود المقتضي الذي ذكره لذلك، بدليل حديث ( النور )، وإذ أنه يفيد كون أمير المؤمنينعليه‌السلام أشرف وأفضل من آدم وسائر الأنبياءعليهم‌السلام ، ما عدا خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث الصفاء والرفعة وغير ذلك لاتحاد نوره مع نوره، مع العلم بأنه أفضل جميع الأنبياء السابقين، فحديث النور من الأدلة الدالة على وجوب تفويض الامامة لعليعليه‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المطلوب، فمخالفة ( الدهلوي ) لأبيه وإنكاره دلالة الحديث على الامامة أمر غريب.

٢ - قوله: « وفي الأمة » أقول: وبما أن حديث النور يدل بفحواه دلالة قطعية على هذا المعنى، فإن علياًعليه‌السلام هو الخليفة بعد الرسول الأعظم لا غيره ممن لا يبلغ هذه الدرجة ولا إلى أقل قليل منها.

٣ - قوله: « كالشمس تنعكس » ظاهر في أن خلفاء الرسول يجب أن يكونوا هكذا، لا كالتراب والخشب والحجارة التي لا تنعكس فيها أشعة الشمس أبداً.

ولا ريب في أن علياً هو الذي كان يداني النبي في حالاته وصفاته، بل هما واحد ( لحديث النور ) وغيره بحيث لا يدانيه أحد حتى من الأنبياء والمرسلين، فكيف بأولئك الذين لم تنطبع في ذواتهم شيء من صفات الرسول، ولم تتمثل فيهم

٣٠١

خصلة من خصاله الحميدة.

٤ - قوله: « فإن هؤلاء وهم خلاصة الْأَمة » صريح في أن الخلفاء لابدَّ وأن يكونوا آخذين من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يوفق له غيرهم وعليعليه‌السلام قد بلغ هذه الدرجة الرفيعة ( لحديث النور ) قطعاً، فهو الخليفة بلا فصل، وخلافة المتقدّمين عليه باطلة بلا ريب.

٥ - قوله: « فكما أن صاحب الخلافة الخاصة ».

أقول: لقد دل ( حديث النور ) على هذا المعنى أيضاً، ودل على اختصاصه بعليعليه‌السلام ، فهو رئيس الأمة في الظاهر والباطن بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا حظَّ لغيره من ذلك، فتقدم أحد عليه - حتى لو بلغ ما بلغ من العظمة والجلال - غير جائز، فما ظنّك بتقدّم من تقدّم عليه؟!.

١١ - محمد صدر العالم

وللعلامة محمد صدر العالم كلام طويل، صريح في المطلوب، واف بالغرض، نورده بنصّه على طوله:

« أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن علي قال: لـمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعاني فقال: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني مهما أبادههم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتُّ عليها، حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمّد إنك إنْ لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عسّاً من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم وأبلّغ ما أُمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصونه، فيهم أعمامهم أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلّى الله عليه

٣٠٢

وسلّم جذبة من اللحم، فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه حتى ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً، وأيم الله إنْ كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد النبي أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم والله، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي.

فلما كان الغد قال: يا علي هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعدلنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقرّبته ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟ قلت - وأنا أحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً - أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي فقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون لأبي طالب ويقولون: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي.

و أخرج ابن جرير عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوا إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا.

و أخرج أحمد وابن جرير والضياء عن علي أنه قيل له: كيف ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال: جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطلب وهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب القربة، فصنع لهم مدّاً من طعام وأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال: يا بني عبد

٣٠٣

المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت من أصغر القوم، فقال: اجلس. ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. قال: فلذلك ورثت ابن عمي.

تفسير خطير أدى إليه الذوق الصحيح:

إعلم أن الأخوة هي المقارنة الوجودية أولاً والمشهودية ثانياً، والوصاية هي التحقق بما تحقق به الموصى علماً وحالاً ومقاماً ومعرفة، والوزارة تحمل ما تحمله الموزر من الأحمال والأثقال، والوراثة تحصيل ما حصّله المورّث لا على سبيل الكسب بل بالمناسبة الاستعدادية والاقتضائية، والخلافة هي القيام مقام المستخلف على سبيل البدلية.

تحقيق أنيق: إعلم أن للوصاية والاخوة وغيرهما من الفضائل المذكورة حكمة غامضة وسر عميق في الأصل الوجودي، اتضح بالوجدان الصريح والذوق الصحيح، وهو أن حضرة الوجوب والالوهية لما أفضت بفيضها الأقدس صوراً معلومة في حضرة علمه، فأول مفاض في تلك الحضرة هو العين المحمّديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحقيقته الجامعة لجميع حقائق الممكنات وأعيانها، ولها البرزخية الكبرى بين حضرة الوجوب والإِمكان.

ثم استفاض بالثبوت العلمي بوساطتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقترناً به العين العلوي الجامع لحقائق الأنبياء والمرسلين وغيرها، ثم استفاضت الأعيان الأخر وكذلك لـمّا أفاضت هذه الحضرة بفيضها المقدس إفاضة وجودية خارجيّة في الحضرة العيانية، كان السابق بالوجود في تلك الحضرة الروح المحمّدي وتاليه الروح العلوي.

ثم لما أوجد الله الهباء فأول ما ظهرت به حقيقة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه قبل سائر الحقائق والأرواح، وكان الروح العلوي أقرب الأرواح إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فظهرت مقارناً لظهوره.

٣٠٤

ثم استعدّت وتوجّهت تلك الحقيقة المحمّدية والصورة الهبائية، لانطباق التدلي الأعظم الحق الذي به يهتدي الخلق وإليه يلجأ، وذلك التدلي عبارة عن تجل إلهي بحسب جمعية أسماء في الاسم الرحيم الهادي، فتجلى الرحيم الهادي بأحدية جميع الأسماء في صورة النور الأعظم وانطبق على تلك الصورة الهبائية فتحقق وتجوهر بها، ثم انبسط ذلك النور على من هو أقرب بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الهباء. ثم وثم.

وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، ولذا صار جامعاً لحقائق الأنبياء والمرسلين وأسرار المتقدمين والمتأخرين، وكان أخاً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصياً وخليفة ووارثاً ووزيراً وولياً للمؤمنين ومولى لهم وممداً لجميع الأنبياء والمرسلين والأولياء الأولين والآخرين بمددهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناشي من ذلك النور الأعظم.

ويؤيد ما قلناه ما أخرجه الامام أحمد في المناقب عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب.

ويؤيده أيضاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي كنت مع الأنبياء سرّاً ومعي جهراً.

وقال سيّدي وسندي وجدّي المتفرد بالله الصمد الشيخ أبو الرضا محمد قدس الله سرّه الأمجد في شرح هذا الحديث: نعم هو من الأولياء السابقين وهم الذين يتصرّف تمثل روحهم في العالم، قبل أن يتعلق الروح بالبدن العنصري تعلق التصرف والتدبير. فقال: ويؤيده قصة دشت أرزن، وتلك قصة طويلة لم أذكرها مخافة الإِطالة، فمن أراد الاطلاع عليها فليطالع الملفوظات القدسية الرضائية التي ألّفتها ورتبتها. وأيضاً مؤيد للمذكور ما روي في كلماته المأثورةرضي‌الله‌عنه : أنا علي وهو علي أنا بكلّ شيء عليم، أنا الذي مفاتيح الغيب عندي لا يعلمها بعد

٣٠٥

محمد غيري، أنا قلب الله، أنا يد الله، أنا جنب الله، أنا اللوح المحفوظ، أنا ذو القرنين، أنا النوح الأول، أنا الابراهيم الخليل، أنا الموسى الكليم، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، أنا روح الأرواح، أنا روح الأشباح، أنا خازن النبوة، أنا وجه الله، أنا ترجمان وحي الله. انتهى.

ثم اعلم أنه كان منشأ التحقيق أني رأيت في مبشرة كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم في بلدي وتوجّه إلى الحصن السلطاني، فدخل فيه وأصحابه رضي الله عنهم كلّ واحد منهم نزل في دار من له معرفة به ومودة، حتى جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه إلى داري وجلس على سقف بيتي، فصعدت السقف وقمت وراء ظهره لخدمته، فلبثرضي‌الله‌عنه قليلاً، ثم قام وقال لي: انظر إلى السماء، فرأيت في كبد سماء الحقيقة بدراً كاملاً تنور به العالم كمال التنور، فقالرضي‌الله‌عنه : هذا البدر تمثال الحقيقة المحمّدية فإذا البدر انشق بنصفين، نصف بقي على السماء وكمل بدراً في آن واحد كأنه ما انشق، وانتقل النصف الثاني فدخل في صدرهرضي‌الله‌عنه ، وكنت انظر إذْ كمل بدراً بتدريج قليل، فقالرضي‌الله‌عنه : هذا نسبتي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم قال بالتلطّف التام: وهكذا نسبتك معي فانظر إلى بدري، فرأيت فإذا بدره انشق بشقين قام الشق الواحد في صدرهرضي‌الله‌عنه وكمل بدراً كأنه ما انشق، وانتقل الشق الثاني فدخل في صدري، وقالرضي‌الله‌عنه بالعطوفة التامة: سيكمل شقّك أيضاً بدراً ولكن بالتدريج مرة بعد أُخرى، ثم جاءرضي‌الله‌عنه وقعد في حجري فعانقته وشرعت أقول: أنت سيدي وإمامي، أنت حجتي وبرهاني، أنت إسلامي وإيماني، أنت عرفاني ووجداني، أنت ذاتي وصفاتي، أنت حقيقتي ورسمي، أنت أخلاقي وأسراري، ثم انكشف على السر الذي حررت، فالحمد لله حمداً كثيراً خالداً مع خلوده، والحمد لله حمداً لا منتهى له دون علمه، والحمد لله حمداً لا منتهى له دون مشيته، والحمد لله حمداً لا أجر يقابله إلّا رضاه.

وقد صرّح الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربيقدس‌سره ببعض هذا

٣٠٦

التحقيق، فرأيت أن أذكر كلامه استشهاداً، قال الشيخ في الباب السادس من الفتوحات المكية: إن الله تبارك وتعالى لما أراد بدأ ظهور العالم على حد ما سبق في علمه انفصل العالم من تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، فحدث الهباء وهو بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيه من الأشكال والصور ما شاء، وهذا هو أول موجود في العالم. ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء والعالم كله فيه بالقوة، فقبل منه كلّ شيء في ذلك الهباء على حسب قربه من النور، كقبول زوايا البيت نور السراج، فعلى حسب قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله، ولم يكن أحد أقرب إليه قبولا من حقيقة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان أقرب قبولاً من جميع ما في ذلك الهباء، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبدأ ظهور العالم وأول موجود.

قال الشيخ محيي الدين: وكان اقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين - انتهى ما في اليواقيت والجواهر نقلاً من الفتوحات. فاحفظ ذلك التحقيق تجده نافعاً معيناً في كشف كلّ فضيلة ومنقبة ماضية وآتية إنْ شاء الله تعالى، فإنه أصل كل منقبة والله أعلم »(١) .

* * *

____________________

(١). معارج العلى - مخطوط.

٣٠٧

قوله:

« لأن كون سيدنا الأمير شريكاً في النور النبوي لا يستلزم إمامته من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

أقول:

ليس هذا النفي إلّا مكابرة فاضحة، لأن كون النور العلوي جزء من النور النبوي ومقدماً في الخلق والايجاد على خلق آدم وسائر الأنبياءعليهم‌السلام يثبت الافضلية لهعليه‌السلام ، وذلك صريح كلام المحققين من أهل السنة كما عرفت، فتكون أفضليته من الخلفاء الثلاثة من البديهيات المسلمة، وهذا كاف لإِثبات إمامتهعليه‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، وقد دل على ذلك أيضاً كلام والد ( الدهلوي ) وتصريحات ابن تيمية وغيرهما من أكابر علماء أهل السنة.

وليعلم أن تعبير ( الدهلوي ) عن هذه الحقيقة بلفظ « الاشتراك » غير

٣٠٨

واضح، وكأنه يقصد منه التفكيك بين النورين، وأن نورهعليه‌السلام أقل من نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الأحاديث دلّت على أن النور الذي خلق أولاً قبل كل شيء كان نوراً واحداً، ولم يزل كذلك في الأصلاب والأرحام حتى انقسم إلى نصفين في صلب عبد المطلبرضي‌الله‌عنه ، ولفظ « النصف » صريح في التساوي بين النورين، وأين المناصفة التي وردت في الأحاديث من المشاركة التي قالها ( الدهلوي )؟!

فيجب حينئذ حمل الأحاديث التي لم يرد فيها لفظ « النصف » على هذا المعنى، وما كان منها مشتملاً على لفظ « الجزء » لا يأبى الحمل على معنى « النصف »، بل المتبادر من تقسيم الشيء إلى جزءين هو التساوي بينهما.

وبعد، فلو تنزلنا وسلّمنا كون نورهعليه‌السلام أقل من نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه أيضاً مثبت لأفضلية علي بعده من جميع الخلائق، فكيف بمن سبق الكفر إسلامه، وكان محروماً من ذلك النور؟!

قوله:

« فلا بدّ لمن يدعي ذلك من إثبات الملازمة بين الأمرين وبيانها بحيث لا تقبل المنع ».

أقول:

قد أثبتنا إثباتاً لا يشوبه ريب ومذل بتوفيق الله ولي الطول والفضل، أن كون نور الوصي مساوياً في التقدم لنور النبي دليل زاهر على الخلافة بلا فصل، وأن الإِنكار والرد لا يصدر إلّا من باب الهذر والهزل ومن أصحاب السفه والعناد الرذل، فلا يلصق غبار بهذا المطلوب المشرق المنار العلي الأخطار المقبول لدى

٣٠٩

أولي الأبصار، والذي لا ينكره ويجحده إلّا الذين هم ما جاسوا خلال ديار الآثار، وما تشرفوا قط بملاحظة تصريحات الأساطين الكبار، وما خاضوا في غمار بحار تفحص الأسفار.

قوله:

« ودون ذلك خرط القتاد ».

أقول:

إثبات خرط القتاد دون هذا المرام الصريح السداد، والمراد الواضح الرشاد لا يصدر إلّا ممن خب وأوضع في مهامه العناد، ونكص وجار وراغ عن الحق الأبلج وحاد، واضطرب في مجاهل التعصب والتعسف، وإنما خرط القتاد من خبط خبط العشواء وركب متن البعاد عن الإِنتقاد.

قوله:

« ولا كلام في قرب نسب حضرة الأمير من النبي ».

أقول:

حمله مفاد حديث النور على مجرد القرب النسبي تعنت لم يسبق إليه، ومع ذلك ففيه اعتراف ضمني بصحة حديث النور، وردّ صريح على ما تقدم منه من دعوى بطلان الحديث من أصله

٣١٠

كما أنه تكذيب لدعوى ( ابن الجوزي ) و ( الكابلي ) و ( القاضي الهندي ) بطلانه ووضعه، ولا يحيق المكر السيء إلّا بأهله.

وفي قوله: لا كلام في قرب نسب حضرة الأمير من النبي رد على ( عمر بن الخطاب )، اذْ نفى هذا القرب بإنكاره كون الامامعليه‌السلام أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن قتيبة: « إن أبا بكر أخبر بقومٍ تخلّفوا عن بيعته عند علي، فبعث إليهم عمر بن الخطاب، فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها عليكم على ما فيها. فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة. فقال: وإنْ.

فخرجوا وبايعوا إلّا علياً، فزعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي عن عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم جنازة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً.

فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر: يا قنفذ - وهو مولى له - اذهب فادع عليا. قال: فذهب فنقذ إلى علي، فقال: ما حاجتك؟ قال: يدعوك خليفة رسول الله. قال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فنقذ فأبلغ الرسالة. قال: فبكى عمر طويلاً، فقال عمر الثانية: ألا تضم هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فنادى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال:

سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً.

ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا رسول الله ما ذا لقينا بعد أبي من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين،

٣١١

فكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر معه قوم.

فأخرجوا علياً ومضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: إنْ لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك، قال: اذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخا رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم. فقال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كان فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني »(١) .

* * *

____________________

(١). الامامة والسياسة، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب / ١٢.

٣١٢

وجوه صحة الاستدلال بالقرب النسبي

على الإِمامة بلا فصل

٣١٣

٣١٤

قوله:

« وإنما الكلام في استلزام القرب النسبي للامامة بلا فصل ».

أقول:

إن الاستدلال بقرب نسب أمير المؤمنينعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافتهعليه‌السلام صحيح بلا ريب ومتين في نهاية المتانة، والوجوه الدالة على صحة الاستدلال بهذا الأمر، والمثبتة لبطلان تشكيك ( الدهلوي ) كثيرة جداً، وهذا بعضها:

١ - أحاديث اصطفاء بني هاشم:

لقد أفادت الأحاديث الكثيرة: إن الله تعالى قد اصطفى بني هاشم من جميع خلقه، فهم أفضل من غيرهم، ولما كان أمير المؤمنينعليه‌السلام من بني

٣١٥

هاشم - بل هو أفضلهم بعد النبي بالإجماع - فهو أفضل من الثلاثة الذين لم يكونوا من بني هاشم، ومع وجود أفضل بني هاشم كيف يجوز التقدم عليه؟! وإليك بعض نصوص أحاديث الاصطفاء المشار إليها مع بعض ما يتعلّق بها:

١ - مسلم عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسّلام، واصطفى قريش من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم »(١) .

قال النووي بشرحه: « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اصطفى كنانة إلى آخره. استدل به أصحابنا على أن غير قريش من العرب ليس بكفء لهم، ولا غير بني هاشم كفؤ لهم إلّا بني المطلب، فإنهم هم وبنو هاشم شيء واحد كما صرح به في الحديث الصحيح، والله أعلم »(٢) .

٢ - الترمذي عن واثلة بن الأسقع قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

... عن العباس بن عبد المطلب قال قلت: يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة، ثم خير البيوت فجعلني من

____________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٢٠٣.

(٢). المنهاج في شرح مسلم ١٥ / ٣٦.

٣١٦

خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً.

هذا حديث حسن »(١) .

٣ - وأخرج ابن الأثير ما تقدّم عن مسلم والترمذي وغير ذلك في فضائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومناقبه(٢) .

٤ - وروى الواقدي مكالمة عمرو بن العاص مع قسطنطين وقد جاء فيها: « وإن الله عز وجل اختار لنبينا الأنساب من صلب آدم إلى أن خرج من صلب أبيه عبد الله، فجعل خير الناس من ولد إسماعيل، وألهم اسماعيل أن يتكلّم بالعربية وترك إسحاق على لسان أبيه، فولد إسماعيل العرب، ثم جعل خير العرب كنانة ثم جعل خير كنانة قريشاً، ثم جعل خير قريش بني هاشم، ثم جعل خير بني هاشم بني عبد المطلب، ثم جعل خير بني عبد المطلب نبينا صلوات الله وسلامه عليه فبعثه رسولاً واتخذه نبياً، وهبط عليه جبرئيل بالوحي وقال: طفت المشرق والمغرب فلم أر أفضل منك يا محمد.

قا: فاقشعرت جلود القدم وخضعت جوارحهم حين ذكرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجفت قلوبهم، ودخلت الهيبة قلب قسطنطين حين سمع كلام عمرو وقال له: صدقت في قولك، كذلك الأنبياء تبعث من كبار بيوت قومها »(٣) .

٥ - و روى ابن سعد حديث واثلة بن الأسقع، ثم قال: « أخبرنا أبو ضمرة المديني، نا أنس بن عياض الليثي، نا جعفر بن محمّد بن علي عن أبيه محمّد بن علي ابن حسين بن علي بن أبي طالب: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قسّم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشاً من العرب، ثم اختار بني

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٥٨٣ - ٥٨٤.

(٢). جامع الاصول ٩ / ٣٩٦.

(٣). فتوح الشام ٢ / ٤١.

٣١٧

هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب.

... عن محمد بن علي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اختار العرب، فاختار منه كنانة أو النضر بن كنانة، ثم اختار منهم قريشاً، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم.

... عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اختار العرب فاختار كنانة من العرب، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واختارني من بني هاشم »(١) .

٦ - وعقد الحافظ أبو نعيم في ( دلائل النبوة ) « الفصل الثاني في ذكر فضيلتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطيب مولده وحسبه ونسبه وغير ذلك » فذكر أحاديث كثيرة في هذا المعنى بالأسانيد المتصلة ونحن نذكر بعضها مجردة عن الأسانيد:

« أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ».

« ألا إن الله تعالى خلق خلقه ثم فرقهم فريقين فجعلني من خيرهم قبيلة، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً ».

« خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترق فرقتان مذ خلق الله آدم إلّا كنت في خيرهما ».

« إن الله تعالى قسّم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتاً فذلك قوله:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الآية ».

____________________

(١). الطبقات الكبرى ١ / ٢٠ - ٢١.

٣١٨

« فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار ».

٧ - وقال القاضي عياض: « وأمّا شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ولا بيان مشكل ولا خفي منه، فإنه نخبة بني هاشم، وأفضل سلالة قريش وصميمها، وأشرف وأفضل العرب وأعزهم نفراً من قبل أبيه، ومن أهل مكة من كرم بلاد الله على الله وعباده ».

فروى في هذا الفصل وغيره أحاديث عديدة، منها حديث واثلة، وبعض الأحاديث المتقدمة بأسانيده إلى رواتها(١) .

٨ - وروى الحافظ الكنجي بسنده حديث واثلة عن مسلم ثم عن الترمذي ثم قال: « قلت: ومعنى قوله اصطفى: إختار، ذكره جماعة من المفسرين في قوله عز وجل( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) فثبت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر - وهو الصادق الصدوق - عن الله تبارك وتعالى أنه اصطفى بني هاشم على غيرهم من قبائل قريش، ويؤيّد هذا القول ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل زيادة على ما جمعه والده من مناقب علي عن علي بن أبي طالب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق لو أخذت بحلقة باب الجنة ما بدأت إلّا بكم، ولو لم يكن كالشمس ما أدخله في مصنف والده »(٢) .

٩ - وذكر الحافظ محب الدين الطبري بعض هذه الأحاديث تحت عنوان « ذكر اصطفائهم » و « ذكر أنهم خير الخلق »(٣) .

____________________

(١). الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ٦٢.

(٢). كفاية الطالب: ٤١٠.

(٣). ذخائر العقبى: ١٠.

٣١٩

١٠ - وروى المتقي أحاديث كثيرة في هذا الباب تقدّم ذكر طائفة منها عن الكتب المختلفة، ومما أورده سوى ما تقدم:

« قال لي جبرئيل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمّد، وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم. الحاكم في الكنى وابن عساكر عن عائشة »(١) .

« كنت وآدم في الجنة في صلبه، وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم. لم يلتق أبواي قط على سفاح ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة صفي مهدي، لا يتشعب شعبتان إلّا كنت في خيرهما »(٢) .

« ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب: هاشم وزهرة »(٣) .

وقد روى هذه الأحاديث وغيرها جماعة آخرون مثل:

* محمّد بن يوسف الزرندي(٤) .

* السيد علي الهمداني(٥) .

* شهاب الدين القسطلاني(٦) .

* ابن حجر المكي بشرح قول البوصيري:

« لم تزل في ضمائر الكون تختار

لك الأمهات والآباء »

* نور الدين الحلبي حيث قال: « ومما يدل على شرف هذا النسب أيضاً:

____________________

(١). كنز العمال ١١ / ٤٠٩.

(٢). المصدر ١١ / ٤٢٧.

(٣). المصدر ١١ / ٤٢٧.

(٤). نظم درر السمطين ٥٢.

(٥). المودة في القربى ينابيع المودة: ٢٤٢.

(٦). المواهب اللدنية ١ / ١٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383