نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188628 / تحميل: 7243
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

مروياتهما على مرويّات الأئمّة الآخرين، قول لا يعتد به ولا يقتدى، بل هو من تحكّماتهم الصرفة، كيف لا وأن الأصحيّة من تلقاء عدالة الرواة وقوة ضبطهم، وإذا كان رواة غيرهم عادلين ضابطين، فهما وغيرهما على السواء، لا سبيل للحكم بمزيتهما على غيرهما، إلّا تحكماً، والتحكّم لا يلتفت اليه. فافهم »(١) .

___________________

(١). فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٣ هامش المس؟؟؟.

١٨١

أحاديث من الصحيحين في الميزان

هذا، وإنّ في كتابي البخاري ومسلم، أحاديث كثيرة تكلّم فيها أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ الثقات ونحن ننقل هنا نصوص طائفة من تلك الأحاديث بأسانيدها، وكلمات أعلام الحديث المحقّقين حولها، على سبيل التمثيل لا الحصر لنقف على حقيقة ما اشتهر بينهم من تلقيّ أهل السنّة أحاديث الكتابين بالقبول، وما قيل من تقديم مرويّاتهما على مرويّات غيرهما ونرى أن ذلك - في الحقيقة - ليس إلّا تحكّما صرفاً، وبهتاً واضحاً، ودعوى فارغة

الحديث الأول

أخرج البخاري في كتاب الطب قائلاً: « حدثنا سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي قال: حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء، قال: حدثني عبيد الله ابن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: إنّ نفراً من أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مرّوا بماء [ و ] فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل السماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً.

١٨٢

فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك [ و ] قالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجراً، فقال رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله » (١) .

ابن الجوزي وهذا الحديث

و قد أورده الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات قائلاً: « قال ابن عدي: روى عمرو بن المحرم البصري، عن ثابت الحفار، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كسب المعلّمين فقال: إنّ أحقّ ما أخذ عليه الأجر كتاب الله.

قال ابن عدي: لعمرو أحاديث مناكير، وثابت لا يعرف، والحديث منكر »(٢) .

ترجمة ابن الجوزي

وقد ترجم ابن خلكان لابن الجوزي بقوله: « الفقيه الحنبلي الواعظ، الملقب جمال الدين الحافظ، كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الحفظ، صنّف في فنون عديدة، منها: زاد المسير في علم التفسير، أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة، وله في الحديث تصانيف كثيرة، وله المنتظم في التاريخ وهو كبير، وله الموضوعات في أربعة أجزاء ذكر فيها كل حديث موضوع، وله تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة »(٣) .

وترجم له الحافظ الذهبي بقوله: « وابو الفرج ابن الجوزي، الحافظ الكبير

___________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ١٧٠.

(٢). الموضوعات ١ / ٢٢٩.

(٣). وفيات الأعيان ٢ / ٣٢١.

١٨٣

جمال الدين الحنبلي الواعظ المتقن، صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك »(١) .

وقال الحافظ السيوطي ما ملخّصه: « إبن الجوزي الامام العلاّمة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف السائرة في فنون، قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه »(٢) .

ووصفه الخوارزمي بـ: « إمام أئمة التحقيق »(٣) .

واليافعي عند الذب عن أحمد بن حنبل بـ « الإمام »(٤) .

كما اعتمده كبار علمائهم في الحديث والكلام، فقد اعتمده ابن تيمية في مواضع في كتابه، منها في ردّ حديث ردّ الشمس، و حديث: أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

وابن روزبهان في ردّ حديث النور.

وابن حجر المكي في تكلّمه على حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

و ( الدهلوي ) في رد حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

والمولوي حيدر علي في ( إزالة الغين ) معبّراً عنه بـ « سند المحدثين والمنقدين ».

الحديث الثاني

وهو الحديث الذي أورده الحافظ ابن حزم عن البخاري، وأبطله سنداً

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٥٩٧.

(٢). طبقات الحفاظ / ٤٧٧.

(٣). جامع مسانيد أبي حنيفة: ٢٨.

(٤). مرآة الجنان، حوادث سنة ٥٩٧.

١٨٤

ودلالة، وهذا نص كلامه في كتابه ( المحلى ):

« ومن طريق البخاري: قال هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، نا عطية بن قيس الكابلي، نا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حدثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: ليكونن من أمتي قوم يستحلّون الخزّ والخنزير والخمر والمعازف.

وهذا منقطع، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً، وكل ما فيه موضوع ».

ترجمة الحافظ ابن حزم

والحافظ ابن حزم - وإنْ كان ممقوتاً لدى كثير من علمائهم ولا سيّما المعاصرين له منهم - مذكور في معاجم التراجم وكتب الرجال مع التعظيم والإجلال فقد ذكره الحافظ الذهبي بقوله:

« وأبو محمد ابن حزم، العلامة، صاحب المصنفات، مات مشرّدا عن بلده من قبل الدولة، ببادية بقرية له، ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة.

وكان إليه المنتهى في الذّكاء وحدّة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر، مع الصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب. قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتاباً لابي محمد بن حزم، يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال ابن صاعد في تاريخه: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسّعه في علم اللّسان والبلاغة والشعر والسّير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنّه اجتمع عنده من تأليفه نحو أربعمائة مجلد »(١) .

وقال السيوطي: « ابن حزم، الامامة العلامة، الحافظ الفقيه، أبو محمد،

___________________

(١). العبر في خبر من غبر، حوادث سنة ٤٥٦.

١٨٥

كان أولاً شافعياً، ثم تحوّل ظاهرياً، وكان صاحب فنون وورع وزهد، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسّعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار »(١) .

وقال الشيخ محي الدين ابن عربي: « رأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد عانق أبا محمد ابن حزم المحدّث، فغاب الواحد في الآخر، فلم يزالا واحداً هو ورسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فهذا غاية الوصلة وهو المعبَّر عنه بالاتحاد »(٢) .

وقد وصفه الأدفوي بـ « الحافظ » واعتمده في مسألة ضرب العود(٣) .

وذكر ( الدهلوي ): ان ابن حزم من علماء أهل السنة الذين يدفعون المطاعن عن أمير المؤمنين -عليه‌السلام -(٤) .

وسيأتي: أن ابن تيمية يعتمد على كلام ابن حزم في حصر فضائل الامام -عليه‌السلام - في الأحاديث التالية:

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

و: سأعطين الرّاية غداً رجلاً

و: إنّ عليّاً لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وسيأتي أيضاً: أن ابن حزم يذهب إلى القول بوضع سائر الأحاديث التي يتمسك بها الامامية في إثبات إمامة علي -عليه‌السلام -، كما نقل عنه ابن تيمية القدح في حديث الغدير.

فابن حزم عندهم، من كبار الحفّاظ الذين يعتمدون على كلامهم في

___________________

(١). طبقات الحفّاظ / ٤٣٦.

(٢). الفتوحات، الباب ٢٢٣: ٢ / ٥١٩.

(٣). الإِمتاع في أحكام السماع، في مسألة ضرب العود.

(٤). التحفة الاثنا عشرية، باب الامامة: ١٧٣.

١٨٦

كتبهم، إلّا أن كثيراً منهم مقتوه لآراء له بعيدة عن الصواب ومخالفة للمشهور بين جمهور العلماء، ولذلك نهوا الناس عن اتباعه وتقليده والأخذ بأقواله

الحديث الثالث

ما أخرجه البخاري قائلاً: « حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن يزيد، عن عراك، عن عروة: أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال »(١) .

مغلطاي وهذا الحديث

وقد تكلّم الحافظ مغلطاي بن قليج في صحة هذا الحديث، قال الحافظ ابن حجر ما نصه:

« وقال مغلطاي: في صحة هذا الحديث نظر، لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قول: إنما أنا أخوك؟

وأيضاً: فالنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ما باشر الخطبة بنفسه، كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة، فقال لها أبو بكر: هل تصلح له، إنما هي بنت أخيه؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: ارجعي فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي، فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: ادعي رسول الله، فجاء فأنكحه »(٢) .

___________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ٦.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١١ / ٢٦.

١٨٧

ترجمة الحافظ مغلطاي

وقد ذكر الحافظ السيوطي الحافظ مغلطاي وترجم له قائلاً: « مغلطاي بن قليج بن عبد الله، الحنفي الامام الحافظ علاء الدين، ولد سنة ٦٨٩، وسمع من الدبوسي والختني [ وخلائق ]، ووليّ تدريس الحديث بالظّاهرية بعد ابن سيد الناس وغيرها، وله مآخذ على المحدّثين وأهل اللغة. قال العراقي: كان عارفاً بالأنساب معرفة جيّدة، وأما غيرها من متعلّقات الحديث فله بها خبرة متوسّطة.

وتصانيفه أكثر من مائة، منها شرح البخاري وشرح ابن ماجة لم يكمل، وقد شرعت في إتمامه، وشرح ابن أبي داود لم يتم، وجمع أوهام التهذيب وأوهام الأطراف، وذيل على التهذيب، وذيل على المؤتلف والمختلف لابن نقطة، والزّهر الباسم في السّيرة، ورتّب المبهمات على الأبواب، ورتّب بيان الواهي [ الوهم ] لابن القطان، وخرّج رواية [ زوائد ] ابن حبّان على الصحيحين. مات في رابع عشر في شعبان سنة ٧٦٢ »(١) .

وقال أيضاً: « مغلطاي بن قليج الحنفي الامام الحافظ علاء الدّين، ولد سنة ٦٨٩، وكان حافظاً عارفاً بفنون الحديث علّامة في الأنساب، وله أكثر من مائة تصنيف »(٢) .

وكذا قال الزرقاني المالكي حيث ذكره(٣) .

وقال ابن قطلوبغا بترجمته: « مغلطاي بن قليج علاء الدين البكحري، إمام وقته وحافظ عصره »(٤) .

أقول: وردُّ الحافظ ابن حجر كلام الحافظ مغلطاي بقوله: « قلت:

___________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٣٤.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٣٥٩.

(٣). شرح المواهب اللدنية ١ / ١٢٧.

(٤). طبقات الحنفية - تاج التراجم: ٧٧.

١٨٨

اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الأول » لو سلّم لا يضرّ بما نحن بصدده، كما لا يخفى.

الحديث الرابع

ما أخرجه البخاري حول شفاعة الخليل ابراهيم -عليه‌السلام - لأبيه من كتاب التفسير، قائلاً:

« حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثنا أخي، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني ألّا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرّمت الجنة على الكافرين »(١) .

الحافظ الاسماعيلي وهذا الحديث

وقد طعن الحافظ الاسماعيلي في صحة هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرحه: « وقد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر، من جهة أنّ ابراهيم عالم [ علم ] أن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما يأتيه [ صار لأبيه ] خزياً [ له ] مع علمه بذلك؟

وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى:( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) .

ثم جعل ابن حجر يرد على هذا الاشكال مصححاً الحديث(٢) ، ولكن ذلك

___________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ١٣٩.

(٢). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٤٠٦.

١٨٩

لا ينافي ما نحن بصدده، كما تقدم.

ترجمة الحافظ الاسماعيلي

وقد ترجم السمعاني للحافظ الاسماعيلي، فقال ما ملخصه: « إمام أهل جرجان والمرجوع اليه في الحديث والفقه، رحل إلى العراق والحجاز وصنّف التّصانيف، وهو أشهر من أن يذكر، وكذلك أولاده وأحفاده، وله وجوه في المذهب مذكورة منظورة، وروى عنه الأئمّة والحفّاظ.

ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال: الامام أبو بكر الاسماعيلي، واحد عصره، وشيخ الفقهاء والمحدّثين، وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسّخاء، بلا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه، وقد كان أقام بنيسابور لسماع الحديث غير مرّة، وقدمها وهو رئيس جرجان.

وحكى حمزة بن يوسف السهمي، عن أبي الحسن الدارقطني، قال: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الاسماعيلي فلم أرزق، وكان الحسن بن علي الحافظ المعروف بابن غلام الزهري بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنّف سنناً ويختار على حسب اجتهاده، فإنّه كان يقدر عليه، لكثرة ما كان كتبه ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان له أن يتبع كتاب البخاري، فإنّه كان أجل من أن يتّبع غيره.

قال السّهمي: وكان أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ يحكي جودة قراءته وقال: كان مقدّماً في جميع المجالس، وكان إذا حضر مجلساً لا يقرأ غيره. وكان أبو القاسم البغوي يقول: ما رأيت أقرأ من أبي بكر الجرجاني »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام الجامع الحبر النافع، ذو التصانيف الكبار في الفقه والأخبار، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه

___________________

(١). الأنساب - الاسماعيلي.

١٩٠

الشافعي المعروف بالجرجاني. وكان حجة كثير العلم حسن الدين »(١) .

وبمثله قال الحافظ الذهبي(٢) .

الحديث الخامس

وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الصلح، حيث قال: « حدثنا مسدد، ثنا معتمر، قال: سمعت أبي أنّ أنساً قال: قيل للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك.

فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما، فغضب لكلّ واحدٍ منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت:( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) .

[ قال أبو عبد الله: هذا مما انتخبت من مسدد قبل أن يجلس ويحدث ] »(٣) .

ابن بطال وهذا الحديث

وقد أبطل الامام ابن بطال هذا الحديث، فقد قال البدر الزركشي ما نصه: « فبلغنا أنها نزلت: وانْ طائفتان. قال ابن بطال: يستحيل نزولها في قصة عبد الله بن أبي والصحابة، لأن أصحاب عبد الله ليسوا بمؤمنين وقد تعصّبوا بعد الاسلام في قصة الافك، وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن

___________________

(١). مرآة الجنان، حوادث سنة ٣٧١.

(٢). العبر، حوادث سنة ٣٧١.

(٣). صحيح البخاري ٣ / ٢٣٩.

١٩١

زيد - رضي الله عنهما -: أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مر في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين، وعبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي، وذكر الحديث.

فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه، وإنّما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حق فاقتتلوا بالعصي والنعال »(١) .

ترجمة الزركشي

وقد ترجم الحافظ ابن حجر للبدر الزركشي بقوله: « هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، بتقديم المهملة على الموحدة كما رأيت بخطه في الحديث. وقرأ على جمال الدين الأسنوي وتخرّج به في الفقه، وسمع من ابن كثير، وأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف، فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره.

ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات، وخادم الرافعي في عشرين مجلداً، والتنقيح، وشرع في شرح كبير على البخاري لخصه من شرح ابن الملقن وزاد فيه كثيراً، وشرح جمع الجوامع في مجلّدين، وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في مجلدين، والتجريد في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك. وتخرّج به جماعة. وكان مقبلا على شأنه، منجمعا عن الناس، وكان يقول الشعر الوسط.

مات في ثلاث رجب سنة أربعين وتسعين بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة، رحمة الله تعالى عليه. انتهى »(٢) .

وهكذا ترجم له مخاطبنا ( الدهلوي )(٣) .

___________________

(١). التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: ١٣٣.

(٢). أنباء الغمر ٣ / ١٣٨.

(٣). بستان المحدثين: ٩٩.

١٩٢

الحديث السادس

و هو ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير، حيث قال:

« حدثنا عبيد بن اسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لـمّا توفّي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله، فقال: يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إنّما خيّرني الله فقال:( إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) وسأزيده على السبعين. قال: إنّه منافق.

قال: فصلّى عليه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - [ قال: ] فأنزل الله:( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (١) .

فأخرجه البخاري في الباب مرة أخرى عن ابن عباس(٢) .

و أخرجه في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين بإسناد آخر، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمر(٣) .

كبار الأئمّة وهذا الحديث

ولقد طعن في صحة هذا الحديث، جماعة من أئمّة علماء أهل السنة، وهم:

___________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٨٥.

(٢). نفس المصدر ٦ / ٨٥.

(٣). نفس المصدر ٢ / ١٢١.

١٩٣

الامام أبوبكر الباقلاني.

الامام إمام الحرمين الجويني.

الامام أبو حامد الغزالي الطوسي.

الامام الداودي.

وقد ذكر طعن هؤلاء الأئمّة - في صحة هذا الحديث المخرج في البخاري ثلاث مرّات - الحافظ ابن حجر في شرحه، حيث قال ما نصه:

« واستشكل فهم التخيير من الآية، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلّة الاطلاع على طرقه.

قال ابن المنير: مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصلح أن الرسول قاله. انتهى.

ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها.

وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرّج في صحيح. وقال في البرهان: لا يصحّحه أهل الحديث.

وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح.

وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ.

والسبب في إنكارهم صحته، ما تقرر عندهم ممّا قدّمناه، وهو الذي فهمه عمر -رضي‌الله‌عنه - من حمل « أو » على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة »(١) .

وقال شهاب الدين القسطلاني، بعد أن نقل كلمات الأئمّة المذكورين:

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٧١.

١٩٤

« وهذا عجيب من هؤلاء الأئمّة، كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه، بل وسائر الذين خرّجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجة »(١) .

أقول: وقد صرّح الغزالي في مبحث المفهوم بعد كلامٍ طويل، بأن هذا الحديث كذب قطعا، وإليك نصّ ما قال: « وأما الشافعي فلم ير التخصيص باللّقب مفهوماً، ولكنّه قال بمفهوم التخصيص بالصّفة والزّمان والمكان والعدد، وأمثلته لا تخفى، وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصّفة وادّعى اندراج جميع الأقسام تحته، إذ الفعل لا يناسب المكان والزمان إلّا لوقوعه فيه وهو كالصفة له. وتمسّك أصحابنا في نصرة مذهب الشافعي بطريقتين مزيّفتين الثانية: قولهم: لا بعد في اقتباس العلم من أمور توافرت الصّور فيها على التطابق، وان كان نقلة الصّور آحادا انحطّوا عن مبلغ التواتر، كالقطع بشجاعة علي وسماحة حاتم، وآحاد وقائعها لم ينقلها إلينا إلّا آحاد الرجال، وادّعوا مثل ذلك من الصّحابة في المفهوم، وعدّوا وقائع و قوله -عليه‌السلام - في قوله تعالى:( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ، لأزيدنَّ على السبعين.

وهذا مزيّف على أنّ ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعاً، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فلا يظنّ برسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذهول عنه »(٢) .

الحديث السابع

و هو ما رواه البخاري بعد حديثٍ عن ابن مسعود، وهذا نصّه:

« حدّثنا محمد بن كثير، عن سفيان، قال حدثنا منصور والأعمش، عن ابن

___________________

(١). إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١٤٨.

(٢). المنخول في علم الأصول ٢٠٩ - ٢١٢.

١٩٥

أبي الضحى، عن مسروق، قال: أتيت ابن مسعود فقال: إنّ قريشاً أبطئوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، إنّ قومك قد هلكوا فادع الله، فقرأ: ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) . الآية. ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: ( يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) الآية. ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى ) يوم بدر.

قال: « وزاد أسباط عن منصور: فدعا رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعاً، وشكا الناس كثرة المطر. فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم »(١) .

كبار الأئمّة وهذا الحديث

وقد أبطل وغلّط جماعة من كبار أئمّتهم هذه الزيادة عن أسباط وهم:

الامام العلامة قاضي القضاة بدر الدين العيني شارح البخاري.

والامام الداودي.

والامام أبو عبد الملك والامام الدمياطي.

والامام الكرماني.

فقد قال العيني بشرح هذا الحديث: « هذا تعليق - يعني زاد أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود - قد وصله البيهقي من رواية علي بن ثابت، عن أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق عن ابن مسعود، قال: لـمّا رأى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الناس

___________________

(١). صحيح البخاري ٢ / ١٣٧.

١٩٦

إدباراً، فذكر نحو الذي قبله، وزاد: فجاءه أبو سفيان وأناس من أهل مكّة، فقالوا: يا محمد إنّك تزعم أنك بعثت رحمة، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم. فدعا رسول الله -عليه‌السلام - فسقوا الغيث. الحديث.

وأسباط - بفتح الهمزة وسكون السّين المهملة بعدها الباء الموحّدة وفي آخره الطاء المهملة - قال صاحب التّوضيح: أسباط هذا هو: ابن محمد بن عبد الرحمن القاصّ أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي، ضعّفه الكوفيون، وقال النّسائي، ليس به بأس، وثقّه ابن معين.

وقيل: هو ابن نصر وهو الصحيح، وهو أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف، ويقال: أبو نصر الكوفي، وثقّه ابن معين، وتوقّف فيه أحمد، وقال النّسائي: ليس بالقوي.

واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا، فقال الداودي: أدخل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط.

وقال أبو عبد الملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط، لأنّه ركّب سند عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله: فدعا رسول الله -عليه‌السلام - فسقوا الغيث إلى آخره.

وكذا قال الحافظ شرف الدّين الدّمياطي وقال: هذا حديث عبد الله بن مسعود وكان بمكة، وليس فيه هذا.

والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفاً لما رواه الثقات.

وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله: لا مانع أن يقع ذلك مرّتين. وفيه نظر لا يخفى.

وقال الكرماني: قلت: قصة قريش والتماس أبي سفيان كان في مكة، لا في المدينة. قلت: القصة مكيّة إلاّ القدر الذي زاد أسباط، فإنه وقع في المدينة »(١) .

___________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ٧ / ٤٦.

١٩٧

ترجمة العيني

ونكتفي بترجمة الحافظ جلال الدين السيوطي للبدر العيني، حيث قال:

« محمود بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الغسّاني، الحنفيّ العلامة، قاضي القضاة بدر الدين العيني، ولد في رمضان سنة ثلاثين وستّين وسبعمائة بعين تاب، ونشأ بها وتفقّه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وانتفع في النحو وأصول الفقه والمعاني وغيرها بالعلامة جبريل بن صالح البغدادي، وأخذ عن الجمال يوسف الملطي والعلاء السّيرافي، ودخل معه القاهرة، وسمع مسند أبي حنيفة للحارثي على الشرف بن الكويك، ووليّ نظر الحسبة بالقاهرة مراراً، ثم نظر الأحباس، ثم قضاء الحنفيّة، ودرّس الحديث بالمؤيّدية، وتقدّم عند السلطان الأشرف برسياي.

وكان إماماً عالماً علامة، عارفاً بالعربية والتصريف، وغيرهما، حافظاً للّغة كثير الاستعمال لحواشيها، سريع الكتابة، عمّر مدرسةً بقرب الجامع الأزهر ووقف بها كتبه »(١) .

عمدة القاري

وذكر الكاتب الجلبي كتابه بقوله: « ومن الشروح المشهورة أيضاً: شرح العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفيّ المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو شرح كبير أيضاً في عشرة أجزاء وأزيد، وسمّاه عمدة القاري

وقد استمدّ فيه من فتح الباري بحيث ينقل منه الورقة بكمالها، وكان يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنّفه له، وتعقّبه في مواضع وطوّله بما تعمّد

___________________

(١). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٧٥. وتوجد ترجمته في: الضوء اللامع ١٠ / ١٣١ - ١٣٥، البدر الطالع ٢ / ٢٩٤، حسن المحاضرة ١ / ٧٧٠، شذرات الذهب ٧ / ٢٨٧، نظم العقيان / ١٧٤ - ١٧٥، وغيرها، توفي سنة ٨٥٥.

١٩٨

الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه، وإفراد كلّ من تراجم الرواة بكلام وتباين الأنساب واللّغات والاعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفوائد من الحديث والأسئلة والأجوبة.

وحكى أنّ بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهة: هذا شيء نقله من شرح ركن الدين، وقد كنت وقفت عليه قبله، ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتمّ

وبالجملة، فإنّ شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلّفه وهلمّ جرّاً »(١) .

الحافظ ابن حجر وهذا الحديث

أقول: وبالرغم من كثرة محاولة الحافظ ابن حجر العسقلاني الدّفاع عن مرويات صحيح البخاري ومساعدة مؤلّفه، فإنه لم يجد بدّاً هنا من الاعتراف بأنّ هذا الحديث منكر، وإنكار الحديث يساوق القدح فيه كما ذكر ( الدّهلوي ) في كلامه على حديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها »

أمّا إنكار الحافظ ابن حجر هذه الزّيادة، فقد جاء بترجمة أسباط بن نصر الهمداني:

« أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف قال حرب: قلت لأحمد كيف حديثه؟ قال: ما أدري، وكأنّه ضعّفه. وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعّفه وقال: أحاديثه عامّتها سقط مقلوب الأسانيد، وقال النّسائي: ليس بالقوي.

قلت: علّق له البخاري حديثاً في الاستسقاء، وقد وصله الإِمام أحمد والبيهقي في السنن الكبير، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق.

وقال البخاري في تاريخه الأوسط: صدوق. وذكره ابن حبّان في الثقات.

___________________

(١). كشف الظنون ١ / ٥٤٨.

١٩٩

وسيأتي في ترجمة مسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه إخراجه لحديث أسباط هذا. وقال الساجي في الضعفاء: روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ثقة. وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس »(١) .

الحديث الثامن

وهو حديث « تكثر لكم الأحاديث من بعدي، فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فردّوه ».

وقد أخرجه البخاري في صحيحه.

التفتازاني وهذا الحديث

قال التفتازاني « بأنه خبر واحد » وأضاف بأنه « قد طعن فيه المحدثون » وهذا نصّ كلامه:

« قوله: وإنما يرد خبر الواحد في معارضة الكتاب، لأنّه مقدّم لكونه قطعياً متواتر النظم، لا شبهة في متنه ولا في سنده، لكنَّ الخلاف إنما هو في عمومات الكتاب وظواهره، فمن يجعلها ظنيّة يعتبر بخبر الواحد إذا كان على شرائط عملاً بالدليلين، ومن يجعل العامّ قطعياً، فلا يعمل بخبر الواحد في معارضته، ضرورة أنّ الظنّي يضمحلّ بالقطعي، فلا ينسخ الكتاب به ولا يزاد عليه أيضاً، لأنه بمنزلة النسخ.

واستدل على ذلك بقوله -عليه‌السلام - تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه وما خالفه

___________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ٢١٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فمهما فرض له مصلحة كان للوليّ السعيُ فيها تحصيلاً وإيفاءً ، ولدلالة العفو على مال إن كان ذلك أصلح لليتيم.

وإن عفا مطلقاً ، فالأقرب اعتبار المصلحة أيضاً ، فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً ، اعتمدها ، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة.

مسألة ٤٥٨ : ليس للوليّ أن يعتق عبد الطفل والمجنون مجّاناً‌ ؛ لأنّ فيه إتلافَ ماله.

وهل له إعتاقه على مالٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك وكان الحظّ للطفل فيه ، أو كتابته كذلك؟ الأقرب عندي : الجواز ، وذلك مثل أن تكون قيمة العبد ألفاً فيكاتبه على ألفين أو يعتقه على ألفين. وإن لم يكن للطفل فيه حظٌّ ، لم يصح قطعاً ، وبه قال أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز إعتاقه بمالٍ ؛ لأنّ الإعتاق بمالٍ تعليق له على شرطٍ فلم يملكه وليّ اليتيم ، كالتعليق على دخول الدار(٢) .

وقال الشافعي : لا تجوز كتابته ولا إعتاقه على مالٍ ؛ لأنّ المقصود منهما العتق دون المعاوضة ، فلم يجز ، كالإعتاق بغير عوضٍ(٣) .

وهو غلط ؛ للفرق بين التعليق على أداء المال ودخول الدار ؛ فإنّ في الأوّل نفعاً لليتيم ، بخلاف الثاني ، فجاز الأوّل دون الثاني ، كالبيع مع زيادة على ثمن المثل وبدونه.

وكذا الفرق واقع بين الإعتاق على عوضٍ وبدونه ، كالفرق بين البيع‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٥٣ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ و ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

٢٦١

بثمن المثل وبدونه.

والأصل فيه أنّ ذلك يشتمل على معاوضة مطلوبة عند العقلاء ، فجاز للوليّ فعلها مع الطفل للمصلحة ، ولا فرق بينها(١) وبين البيع بثمنٍ مؤجَّل ، ولا عبرة بنفع العبد ، ولا يضرّه كونه معلّقاً ، فإنّه إذا حصل الحظّ للطفل لم يتضرّر بنفع غيره.

وما ذكروه إنّما امتنع الحكم فيه لانتفاء المقتضي ؛ إذ المقتضي لتسويغ التصرّف حصول المصلحة ، ولا مصلحة في تعليق العتق بدخول الدار ولا في الإعتاق بغير عوضٍ.

ولو فرض أنّ المصلحة في العتق مجّاناً ، فالأقرب : جوازه ، كما لو كان له عبد كبير لا ينتفع به في الاستخدام وغيره ولا يرغب في شرائه راغبٌ فيعتقه ليخلص من مئونته ونفقته.

وكذا لو كان له جارية وأُمّها وهُما تساويان مجتمعتين مائةً ، ولو انفردت البنت ساوت مائتين ، ولا يمكن إفرادهما بالبيع فأُعتقت الأُمّ ليكثر ثمن البنت ، كان جائزاً.

مسألة ٤٥٩ : وللوليّ أن يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة‌ إمّا مع زيادة الثواب على العين أو مع تحصيل أمر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعاً يزيد على بقاء العين له.

وقال الشافعي : لا تجوز الهبة لا مطلقاً ولا بشرط الثواب ؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض(٢) .

____________________

(١) في « ج ، ر » : « بينهما ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٦٢

وهو ممنوع ؛ إذ التقدير أنّه قصد الثواب.

وكذا للوليّ بذل مال الطفل في مصالحه ، كاستكفاف الظالم بالرشوة وتخليص ماله من تعويقه وإطلاق زرعه وماء شربه وأشباه ذلك.

ولو طمع السلطان في مال اليتيم فأعطاه الوصيّ شيئاً منه ، فإن كان يقدر على دفعه بدون المدفوع ، ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٤٦٠ : ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصبي لا مجّاناً ولا بعوضٍ ؛ لأنّ المصلحة بقاء الزوجيّة ، لأنّه لا نفقة لها عليه قبل الدخول.

ولو باع شريكه شقصاً مشفوعاً ، كان له الأخذ أو الترك بحسب المصلحة ، فإن ترك بحكم المصلحة ثمّ بلغ الصبي وأراد الأخذ ، لم يُمكَّن منه ؛ لأنّ ترك وليّه مع اقتضاء المصلحة كان ماضياً ، والشفعة على الفور ، فكما لا تثبت له لو كان بالغاً وترك ، كذا لا تثبت مع ترك الوليّ - وهذا أصحّ وجهي الشافعيّة - كما لو أخذ بحكم المصلحة ثمّ بلغ وأراد ردّه ، لم يكن له ذلك.

والثاني : يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه لو كان بالغاً لكان له الأخذُ ، سواء وافق المصلحة أو خالفها ، والأخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الوليّ ، فلا يفوت عليه بتصرّف الوليّ(١) .

مسألة ٤٦١ : لا يجوز أن يشتري الوصيّ أُضحية ويضحّي بها عن اليتيم‌ ، وكذا الأب لا يضحّي عن ولده الصغير من مال الصغير ، وإن ضحّى من مال نفسه ، كان متبرّعاً - وبه قال أبو حنيفة(٢) - إذ لا مصلحة لليتيم فيه.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٢) نسب عكسه إليه ابنا قدامة في المغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

٢٦٣

وقال أحمد : يجوز للوليّ أن يشتري للصبي أُضحيةً إن كان من أهل ذلك وكان له مالٌ وافر لا يتضرّر بشراء الأُضحية ، ويكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا [ اليوم الذي هو ](١) يوم الفرح والسرور ، الذي هو عيد ، وفيه جبر قلب الطفل وأهله وتطييبه وإلحاقه بمن له أب ، فينزّل منزلة شراء اللحم خصوصاً مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة عليه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّها أيّام أكل وشرب وبعال »(٢) (٣) .

ولا بأس به.

ويجوز للوليّ أن يجعل الصبي في المكتب وعند معلّم القرآن العزيز والأدب والفقه وغيرها من العلوم إن كان من أهل ذلك وله ذكاء وفطنة ، كما يفعل الإنسان بولده ذلك ؛ لأنّ ذلك كلّه من مصالحه ، فجرى مجرى نفقته كمأكوله ومشروبه وملبوسه ، وبه قال أحمد(٤) .

وقال سفيان : ليس للوصيّ أن يسلّم الصبي إلى معلّم الكتابة إلّا بقول الحاكم(٥) .

وأنكر أحمد ذلك غاية الإنكار(٦) .

وكذا يجوز للوصيّ تسليم الصبي إلى معلّم الصناعة إذا كانت مصلحته في ذلك.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤٢ بتفاوت.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ - ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٤ - ٦) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٨.

٢٦٤

والأقرب عندي : أنّه لا يسلّمه(١) إلّا في صناعة تليق به ولا تثلم من مجده إن كان(٢) من أرباب البيوت.

وليس له أن يسلّمه إلى معلّم السباحة ؛ لما فيه من التغرير ، إلّا أن يكون تعليمه في ماء لا يغمره ولا يخاف عليه الغرق فيه.

مسألة ٤٦٢ : ويجب على الوليّ أن يخرج من ماله الحقوق الواجبة في ماله‌ ، كأُروش الجنايات والديون التي ركبته بسبب استدانة الوليّ عنه أو بسبب ديون مورّثه. وكذا يخرج عنه الزكاة المستحبّة مع ثبوت استحبابها وإن لم تُطلب ، ونفقة الأقارب إن طُلبت.

وإذا دعت الضرورة في حريق أو نهب إلى المسافرة بماله ، سافرَ به وإن لم يكن هناك ضرورة ، فإن كان الطريق مخوفاً ، لم يجز له السفر به ، فإن سافر ، ضمن.

وإن كان أميناً ، فالأقرب أنّه لا يجوز إلّا مع تيقّن الأمن.

وللشافعيّة وجهان :

المنع مطلقاً ، كالمسافرة بالوديعة.

والجواز مطلقاً ؛ لأنّ المصلحة قد تقتضي ذلك ، والوليّ مأمور بالمصلحة ، بخلاف المودع(٣) .

وإذا كان له أن يسافر به ، كان له أن يبعثه على يد أمينٍ.

مسألة ٤٦٣ : لا يجوز لغير الوليّ والحاكم إقراض مال الصغير‌ ؛ لانتفاء ولايته عليه ، فإن أقرض ، ضمن ، إلّا أن تحصل ضرورة إلى الإقراض ،

____________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ : « لا يسلّم ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وكان » بدل « إن كان ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ - ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥ - ٤٢٦.

٢٦٥

فيجوز للعَدْل إقراضه من ثقة ملي ، كما إذا حصل نهب أو حريق ، ولا ضمان حينئذٍ ؛ لأنّه بفعله محسن ، فلا يستعقب فعله الضمان ، لأنّه سبيل وقد قال تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) .

وكذا لا يجوز للوليّ إقراض مال اليتيم لغير ضرورة من نهب أو غرق أو حرق أو إذا سافر.

أمّا الحاكم فإنّه يجوز له الإقراض وإن لم تحصل هذه الموانع ، لكثرة أشغاله ، قاله بعض الشافعية(٢) .

وسوّى آخَرون بين الحاكم وغيره في جواز الإقراض مع الضرورة ، وعدمه مع عدمها(٣) ، وهو الوجه عندي.

مسألة ٤٦٤ : قال الله تعالى :( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) ‌ أي اختبروهم( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٤) أي أبصرتم ، كما قال الله تعالى حكايةً عن موسىعليه‌السلام :( إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) (٥) أي أبصرت.

وقوله تعالى :( وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) معناه لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلّا يكبروا فيأخذوها( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) .

إذا عرفت هذا ، فالوليّ إمّا أن يكون غنيّاً أو فقيراً.

فإن كان غنيّاً ، استحبّ له أن يستعفف عنه ، فلا يأكل منه شيئاً ، عملاً بالآية(٧) .

____________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

(٤) النساء : ٦

(٥) القصص : ٢٩.

(٦ و ٧) النساء : ٦

٢٦٦

وهل يسوغ له مع الاستغناء أخذ شي‌ء من ماله؟ الأقرب ذلك على سبيل أُجرة المثل ، ولا يأخذ زيادةً عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصيّ والقيّم في أموالهم ما يصلحهم »(١) .

وعن حنان بن سدير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قال الصادق : « سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام في الإبل ما يحلّ له منها ، فقلت : إذا لاط حوضها(٢) وطلب ضالّتها وهَنَأ(٣) جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك(٤) بضرع ولا فساد نسل »(٥) .

وعن هشام بن الحكم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته في مَنْ تولّى مال اليتيم ما لَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك »(٦) .

فهذا يدلّ على الرجوع إلى أُجرة المثل.

قال الشيخ في النهاية : [ فمَنْ ](٧) كان وليّاً يقوم بأمرهم وبجمع أموالهم وسدّ خلّاتهم وجمع غلّاتهم ومراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥٠.

(٢) لاط حوضها : طيّنه وأصلحه. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٢٧٧ « لوط ».

(٣) هنأ الإبل : طلاها بالهِناء ، وهو ضرب من القطران. لسان العرب ١ : ١٨٦ « هنأ ».

(٤) النهك : المبالغة في الحلب. لسان العرب ١٠ : ٥٠٠ « نهك ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فمتى ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٦٧

ثمّ قال : والمتولّي لأموال اليتامى والقيّم بأُمورهم يستحقّ أُجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة ولا نقصان ، فإن نقص نفسَه ، كان له في ذلك فضل وثواب ، وإن لم يفعل ، كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أُجرة المثل ، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها على حال(١) .

ولأنّه عمل يستحقّ عليه الأُجرة ، فكان لعامله المطالبة بالأُجرة ، كغيرها من الأعمال.

وقال الشافعي : إذا كان غنيّاً ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مال اليتيم - وبه قال أحمد - للآية(٢) (٣) .

وقال أحمد : إن كان أباً ، كان له أن يأخذ الأُجرة(٤)

والآية محمولة على الاستحباب ؛ لقوله :( فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٥) فإنّ المفهوم منه الاستحباب.

وقد روى سماعة عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) قال : « مَنْ كان يلي شيئاً لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئاً »(٧) .

____________________

(١) النهاية : ٣٦١ - ٣٦٣.

(٢) النساء : ٦

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٤) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٥ و ٦) النساء : (٦)

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٨.

٢٦٨

وإن كان فقيراً ، جاز أن يأخذ إجماعاً.

وفي قدره خلاف ، الأقرب : أن نقول : يستحقّ أُجرة المثل ؛ لما تقدّم ، لكن يستحبّ له أن يأخذ أقلّ الأمرين من أُجرة المثل وقدر الكفاية ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (١) وبحصول الكفاية يحصل الاستغناء.

وقال الشافعي : إن كان فقيراً وانقطع بسببه من الاكتساب ، فله أخذ قدر النفقة(٢) .

وقال بعض أصحابنا(٣) : يأخذ أقلّ الأمرين من قدر النفقة وأُجرة المثل - وبه قال أحمد(٤) - لأنّه يستحقّه بالعمل والحاجة جميعاً ، فلم يجز له أن يأخذ إلّا إذا وجدا فيه.

فإذا أكل منه ذلك القدر ثمّ أيسر ، فإن كان أباً ، لم يلزمه عوضه عنده روايةً واحدة ؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها(٥) .

وإن كان غير الأب ، فهل يلزمه عوض ذلك؟ له روايتان :

إحداهما : لا يلزمه - وبه قال الحسن البصري والنخعي والشافعي في أحد القولين - لأنّ الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض ، فأشبه سائر ما أمر بأكله. ولأنّه عوض عن عملٍ فلم يلزمه بدله ، كالأجير والمضارب.

____________________

(١) النساء : ٦

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٣) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ١٦٣.

(٤ و ٥) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

٢٦٩

والثانية : يلزمه عوضه - وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والشافعي في أحد القولين - لأنّه استباحه للحاجة من مال غيره ، فلزمه قضاؤه ، كالمضطرّ إلى طعام غيره(١) .

وبه رواية عندنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (٢) »(٣) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه. وهذه الرواية في طريقها قول. ولأنّه لو وجب أداؤه مع اليسار لكان واجباً في الذمّة قبل اليسار ، فإنّ اليسار ليس بسببٍ للوجوب ، فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده ، بخلاف المضطرّ ، فإنّ العوض واجب عليه في ذمّته ؛ لأنّه لم يأكله عوضاً عن شي‌ء ، وهنا بخلافه.

مسألة ٤٦٥ : للوصي الاستنابة فيما لا يقدر على مباشرته إجماعاً‌ ، دفعاً للضرر ، وكذا ما يقدر عليه لكن لا يصلح مثله لمباشرته ، قضاءً للعادة ، وتنزيلاً للإطلاق على المتعارف من المباشرة والمعهود بينهم.

وأمّا ما يصلح لمثله أن يليه : الأولى المنع ؛ لأنّه يتصرّف في مال غيره بالإذن ، فلم يكن له الاستنابة ، كالوكيل. ولأنّه غير مأذون له فيه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وفي الأُخرى : يجوز للوصي ذلك(٤) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٦.

(٤) المغني ٥ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٧٠

وفي الوكيل روايتان أيضاً عنده(١) .

وعندنا ليس للوكيل أن يوكّل غيره.

هذا كلّه مع الإطلاق ، أمّا مع التنصيص على الاستنابة فإنّه جائز إجماعاً في الوكيل والوصي ، ومع التنصيص على المنع لا يجوز إجماعاً.

مسألة ٤٦٦ : يجوز لأمين الحاكم أن يبيع على الحاكم مال اليتيم في موضع جواز البيع‌ ، وكذا للوصي وإن كان الحاكم هو الذي جعله أميناً أو وصيّاً.

وهل للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم؟ أو يشتري لنفسه منه؟ مَنَع منه أبو حنيفة ؛ لأنّ ذلك قضاء منه ، وقضاؤه لنفسه باطل(٢) . ولا بأس به.

ولو وكلّ رجلٌ الوصيَّ بأن يشتري له شيئاً من مال اليتيم ، فاشترى الوصي لموكّله ، فالأقرب : الجواز عندنا ، خلافاً لأبي حنيفة ، مع أنّه جوّز أن يشتري الوصي مال اليتيم لنفسه إذا كان خيراً لليتيم(٣) .

واعتبر أصحابه الخيريّة في غير العقار بأن يبيع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة ، وأن يشتري لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر ، وفي العقار يعتبر الخيريّة عند بعضهم بأن يشتري لنفسه بضِعْف القيمة ، وأن يبيع من اليتيم بنصف القيمة(٤) .

مسألة ٤٦٧ : إذا اتّجر الولي بمال الطفل نظراً له وشفقةً عليه فربح ، كان الربح للطفل والخسران على الطفل أيضاً‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ سائغ ، فلا يستعقب ضمان التصرّف فيه.

ويستحبّ للولي أن يخرج زكاة التجارة حينئذٍ.

وإن اتّجر لنفسه وكان مليّاً في الحال ، جاز له ذلك ، وكان المال قرضاً‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

(٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٣ و ٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٦.

٢٧١

عليه ، فإن ربح كان له ، [ وإن ](١) خسر كان عليه ، وكان عليه الزكاة في ماله استحباباً.

وإن اتّجر لنفسه من غير ولاية أو من غير ملاءة بمال الطفل ، كان ضامناً للمال ، والربح للطفل ؛ لأنّه تصرّفٌ فاسد ، والربح نماء ملك الطفل ، فيكون له ، وإن خسر كان ضامناً ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده مالٌ لليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن »(٢) .

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن عطب أدّاه »(٣) .

وبالجملة ، التنزّه عن الدخول في أموال اليتامى أحوط.

وقد روى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قيل له : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا(٤) وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : « إن كان دخولكم عليهم منفعةً لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا » وقال : « بل الإنسان على نفسه بصيرة وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ :( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٥) »(٦) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها » بدل « صاحبنا ». والمثبت من المصدر.

(٥) البقرة : ٢٢٠.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٩٤٧.

٢٧٢

مسألة ٤٦٨ : لو كانت مصلحة اليتيم في بيع عقاره ، جاز للوصي بيعه‌ على ما تقدّم ، فإن باعه على أنّه ينفق على نفسه ، صحّ البيع ، وضمن الثمن لليتيم إذا أنفقه على نفسه.

ولو كان الورثة كباراً لا حجر عليهم وللميّت وصي ولا دَيْن عليه ولا وصيّة ، لم يكن للوصيّ التصرّف في شي‌ء من التركة.

وإن كان عليه دَيْنٌ مستغرق للتركة أو أوصى بوصيّة مرسلة ، كأن يؤخذ من التركة ألف مثلاً ، كان للوصي أن يبيع من التركة ما يقضي به الدَّيْن ، أو ينفذه في الوصيّة من الثلث ، ويقدّم بيع العروض ويؤخّر العقار ، فإن دعت الحاجة إلى بيعه ، بِيع.

ولو طلب الوارث قضاء الدَّيْن أو إنفاذ الوصيّة من ماله وإبقاء عين التركة له ، أُجيب إلى ذلك ، ولم يكن للوصيّ الاعتراض ؛ لأنّ الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ، ويكون الدَّيْن متعلّقاً بالتركة تعلّقَ الدَّيْن بالرهن ، أو أرشَ الجناية بالمال ، وقد بيّنّا أنّ الورثة إذا كانوا كباراً ، لم يكن للوصي عليهم ولاية ، سواء كانوا حضوراً أو غُيّاباً.

وليس للوصيّ أن يبيع أيضاً شيئاً من مالهم.

وقال أبو حنيفة : يبيع ما ليس بعقار ؛ استحساناً ، لأنّه يخشى تلفه ، فكان البيع حفظاً لماله وتحصّناً(١) .

ولا يملك الوصي إجارة شي‌ء من مال الكبار.

وقال أبو حنيفة : يملك إذا كانوا غُيّاباً إجارة الجميع(٢) .

ولو كان بعض الورثة حاضراً وبعضهم غائباً أو واحد منهم غائباً ، لم يملك الوصي بيع نصيب الغائب.

وقال أبو حنيفة : يملك بيعه إذا كان عروضاً ورقيقاً ومنقولاً لأجل‌

____________________

(١ و ٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٣

الحفظ. ثمّ قال : وإذا ملك بيع نصيب الغائب ملك بيع نصيب الحاضر أيضاً(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يملك(٢) .

وهذه إحدى المسائل الأربع.

والثانية : لو كان على الميّت دَيْنٌ لا يحيط بالتركة ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر الدَّيْن عندنا وعند الحنفيّة(٣) .

وهل يملك بيع الباقي؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد ٤ فإنّه لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك بيع الباقي(٥) .

[ و ] الثالثة : لو كان في التركة وصيّة بمال مرسل ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر ما تنفذ به الوصيّة عندنا وعندهم(٦) .

وهل يملك بيع ما زاد عليه؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(٧) لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك(٨) .

[ و ] الرابعة : إذا كان الورثة كباراً وفيهم صغير ، فإنّ الوصيّ يملك بيع نصيب الصغير عند الكلّ(٩) .

وهل يملك بيع نصيب الكبار؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد(١٠) فلا.

وأمّا عند أبي حنيفة فنعم(١١) .

مسألة ٤٦٩ : حكم وصيّ وصيّ الأب حكم وصيّ الأب‌ ، وكذا حكم وصيّ الجدّ للأب ووصيّ وصيّه ووصيّ القاضي ووصيّ وصيّه عندنا.

وقال أبو حنيفة : إنّ وصيّ القاضي بمنزلة وصيّ الأب إلّا في شي‌ء‌

____________________

(١ - ١١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٤

واحد ، وهو أنّ القاضي إذا جعل [ أحداً ](١) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في ذلك النوع خاصّةً ، والأب إذا جعل [ أحداً ](٢) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في الأنواع كلّها(٣) .

وإذا مات الرجل ولم يوص إلى أحدٍ ، كان لأبيه - وهو الجدّ - بيع العروض والشراء ، إلّا أنّ وصي الأب لو باع العروض أو العقار لقضاء الدَّيْن أو تنفيذ الوصيّة ، جاز.

والجدّ إذا باع التركة لقضاء الدَّيْن وتنفيذ الوصيّة ، لم يجز عنده(٤) .

وعندنا يجوز إذا لم يكن للميّت وصيٌّ.

وإذا كان الوصيّ ثقةً كافياً ، لم يجز للقاضي عزله. ولو عزله ، لم ينعزل ، وبه قال بعض الحنفيّة(٥) .

وقال بعضهم : لو عزله ، انعزل(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مخالف لقوله تعالى :( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٧) .

أمّا لو فسق فإنّه يعزله الحاكم ، ويستبدل به قطعاً.

ولو كان عَدْلاً عاجزاً ، لم يكن للحاكم الاستبدال به ، وكان عليه أن يضمّ إليه ثقة يعينه على التصرّف.

وقال بعض الحنفيّة : إنّ للقاضي عزله ؛ لعجزه(٨) . وليس بجيّد.

مسألة ٤٧٠ : للوصي أن يستقرض مال اليتيم مع ملاءته ، كالأب‌ ؛ لأنّه وُلّي عليه ، وله أن يقضي دَيْن نفسه من مال اليتيم.

____________________

(١ و ٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣ - ٦) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

(٧) البقرة : ١٨١.

(٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٥

ومَنَع منه الحنفيّة ، وجوّزوه في الأب ؛ لأنّ الأب لو باع مال اليتيم من نفسه بثمن المثل ، جاز(١) .

والوصي لا يملك البيع من نفسه إلّا أن يكون خيراً لليتيم.

وقال بعضهم : لا فرق بين الأب والوصي في أنّه ليس له أن يقضي دَيْنه(٢) .

وروي عن محمّد أنّه ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة(٣) .

وللأب والوصي أن يرهن مال اليتيم بدَيْن نفسه مع ملاءة الوصي.

ومن قياس مذهب أبي حنيفة أنّه لا يجوز ، وبه قال أبو يوسف(٤) .

وقال بعضهم : يجوز للأب أن يرهن مال ولده بدَيْنٍ عن نفسه استحساناً(٥) .

ولو رهن الأب أو الوصي مال اليتيم بدَيْنهما وقيمته أكثر من الدَّيْن فهلك الرهن عند المرتهن ، ضمناه بقيمته عندنا.

وفرّق الحنفيّة ممّا وراء النهر بين الأب والوصي ، فقالوا : يضمن الأب مقدار الدَّيْن خاصّةً ، والوصيّ يضمن جميع القيمة(٦) .

وقال بعض الحنفيّة(٧) بما قلناه أوّلاً.

وهل لأحد الوصيّين أن يبيع على الآخَر مال اليتيم؟ الأقوى عندنا ذلك ؛ لأنّ الولاية لهما.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ أحد الوصيّين إذا باع من الأجنبيّ لم يجز عنده فكذا إذا باع من الوصيّ الآخَر(٨) .

مسألة ٤٧١ : إذا كانت التركة في يد الوارث وظهر دَيْنٌ ، طُولب الوارث‌.

____________________

(١ - ٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

٢٧٦

ولو قضى الوارث الدَّيْن من مال نفسه بنيّة الرجوع إذا كان هناك وارثٌ آخَر ، كان له الرجوعُ في التركة ، فتصير التركة مشغولةً بدَيْنه.

وإن لم يقل وقت القضاء : إنّي أقضي لأرجع في التركة ، وكان متبرّعاً ، لم يكن له الرجوع.

وقال أبو حنيفة : له الرجوع(١) .

ويجوز للوصي أن يبيع مال الطفل نسيئةً مع خوف التلف ، وبدونه مع الغبطة.

ولو باع بتأجيل فاحش بأن لا يباع هذا المال بهذا الأجل ، لم يجز.

وكذا إن خاف جحود المشتري عند حلول الأجل أو هلاك الثمن عليه ، لم يجز ؛ لانتفاء مصلحة اليتيم في ذلك.

ولو طلب المليّ والأملى البيع ودفع الأملى أقلّ ممّا دفع المليّ وكان بثمن المثل ، استحبّ له أن يبيع الأملى.

وكذا المتواجران لو تفاوتا في الأُجرة وصاحب الأقلّ أملى من الآخَر.

مسألة ٤٧٢ : قال الشيخ : إن كان لليتيم على إنسان مالٌ ، جاز لوليّه أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحاً في الحال‌ ، ويأخذ الباقي ، وتبرأ بذلك ذمّة مَنْ كان عليه المال(٢) .

والوجه : أن نقول : إن كان ما في ذمّة الغريم أكثر وعلم بذلك ، لم تبرأ ذمّته ؛ إذ لا مصلحة لليتيم في إسقاط ما لَه ، ولا تبرأ ذمّة الوصيّ أيضاً. أمّا إذا كان المدّعى عليه منكراً للمال ولا بيّنة عليه فصالح الوصيّ ، برئت ذمّته دون ذمّة مَنْ عليه المال.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٢) النهاية : ٣٦٢.

٢٧٧

ولو كان مَنْ عليه المال لا يعلم قدره فصالح على قدرٍ لا يعلم ثبوته في ذمّته أو ثبوت ما هو أزيد أو أقلّ ، صحّ الصلح ، وبرئت ذمّته. وينبغي له الاحتياط وتغليب الأكثر في ظنّه.

وللوصيّ أن يصالح مَنْ يدّعي على الميّت إن كان للمدّعي بيّنة أو علم القاضي بدعواه ، وإلّا لم يجز.

ولو احتال الوصي بمال اليتيم ، فإن كان المحال عليه أملى من الأوّل أو مساوياً له في المال والعدالة ، جاز.

وقال أبو حنيفة : إذا كان مثله ، لم يجز(١) . وليس بجيّد.

ولو كان أدون منه مالاً وعدالةً ، لم يجز قطعاً.

تمّ الجزء التاسع(٢) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله تعالى وحسن توفيقه ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله أجمعين.

____________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٩.

(٢) حسب تجزئة المصنّفقدس‌سره .

٢٧٨

٢٧٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي‌

المقصد الخامس : في الضمان‌

وفصوله ثلاثة :

الأوّل : في ضمان المال‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في ماهيّة الضمان ومشروعيّته وأركانه.

الضمان عقد شُرّع للتعهّد بمال أو نفس. ويُسمّى الأوّل ضماناً بقولٍ مطلق ، ويُخصّ(١) الثاني باسم الكفالة.

وقد تُطلق الكفالة على ضمان المال لكن بقيدٍ ، فيقال : كفالة بالمال.

والضمان عندنا مشتقّ من التضمّن ؛ لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ.

وقال بعضهم : إنّه مشتقّ من الضمّ ، فإنّ الضامن قد ضمّ ذمّته إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ ، فيثبت في ذمّتهما جميعاً ، فلصاحب الحقّ مطالبة مَنْ شاء منهما(٢) .

ونحن نخالف في ذلك على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ويقال : ضامن وضمين وكفيل وزعيم وحميل وصبير وقبيل بمعنى‌

____________________

(١) في « ر » : « يختصّ ».

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423