نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار4%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188327 / تحميل: 7234
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

للقاضي عياض، ونظمه شمس الدين محمد بن محمد الموصلي المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، أوّله: الحمد لله الذي أظهر دينه على كل دين، وهو مأخوذ ممّا شرحه وأوضحه وبيّنه وأتقنه وضبطه وقيده الفقيه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض البستي، في كتابه المسمى بمشارق الأنوار، لكن اختصره واستدرك عليه وأصلح فيه أوهاماً الفقيه أبو اسحاق ابن قراقول »(١) .

ترجمة الحافظ العلائي

« والعلائي » هو: الحافظ خليل بن كليدي صلاح الدين أبو سعيد الدمشقي، ترجم له ابن قاضي شهبة في طبقاته بقوله: « خليل بن كليدي بن عبد الله، الامام البارع المحقق، بقية الحافظ، صلاح الدين أبو سعيد العلائي الدمشقي ثم المقدسي، ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين - بتقديم التاء - وستمائة، وسمع الكثير ودخل البلاد وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة وأخذ علم الحديث عن المزي وغيره، وأخذ الفقه عن الشيخين برهان الفزاري - ولازمه وخرج له مشيخة - وكمال الدين ابن الزملكاني وتخرّج به وعلّق منه كثيراً، وأجيز بالفتوى، وأخذ واجتهد حتى فاق أهل عصره في الحفظ والاتقان ودرّس بدمشق بالأسدية وبحلقة صاحب حمص، ثم انتقل إلى القدس مدرّسا بالصلاحية سنة إحدى وثلاثين، فأقام بالقدس مدة طويلة يدرّس ويفتي ويحدّث ويصنّف إلى آخر عمره.

ذكره الذهبي في معجمه وأثنى عليه.

وقال الحسيني في معجمه وذيله: كان إماماً في الفقه والنحو والأصول، متفنناً في علوم الحديث ومعرفة الرجال، علامة في معرفة المتون والأسانيد، بقية الحفاظ، ومصنّفاته تنبئ عن إمامته في كل فن، ودرّس وأفتى وناظر ولم يخلف بعده مثله.

___________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٧١٥.

٢٢١

وقال الأسنوي في طبقاته: كان حافظ زمانه، إماماً في الفقه والأصول وغيرهما، ذكياً ونظاراً فصيحاً كريماً، ذا رئاسة وحشمة، وصنّف في الحديث تصانيف نافعة، وفي النظائر الفقهية كتاباً كبيراً، ودرّس بالصلاحية بالقدس الشريف وانقطع فيها للاشتغال والافتاء والتصنيف.

وقال السبكي في الطبقات الكبرى: كان حافظاً ثبتاً ثقة عارفاً بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيهاً متكلماً أديباً شاعراً ناظماً ناثراً، متقناً، أشعرياً صحيح العقيدة سنيّاً، لم يخلف بعده مثله - إلى أن قال: وأما الحديث فلم يكن في عصره من يدانيه، وأما بقية علومه من فقه ونحو وتفسير وكلام، فكان في كلّ واحد منها حسن المشاركة، توفي بالقدس في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة

ومن تصانيفه »(١) .

الحافظ ابن السكن(٢) وهذا الحديث

أضف إلى هؤلاء الحفاظ: الحافظ أبا علي ابن السكن صاحب كتاب ( الحروف في الصحابة ) وهو من مصادر كتاب ( الاستيعاب )، فإنّه أيضاً قد خطّأ الحديث المذكور، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ما نصه:

« ثم وجدت للخطيب سلفاً، فذكر أبو علي ابن السكن في كتاب الصحابة في ترجمة أم رومان أنها ماتت في حياة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال: وروى حصين، عن أبي وائل، عن مسروق: قال سألت أم رومان.

قال ابن السكن: هذا خطأ ثم ساق بسنده إلى حصين عن أبي وائل عن مسروق أن أم رومان حدّثتهم، فذكر قصة الإِفك التي أوردها البخاري، ثم

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٢٤٢.

(٢). هو: الحافظ سعيد بن عثمان البغدادي البزاز، المتوفى سنة ٣٥٣. توجد ترجمته في: تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٣٧ والنجوم الزاهرة ٣ / ٣٣٨ وشذرات الذهب ٧ / ١٢ وطبقات الحفاظ / ٣٧٨.

٢٢٢

قال:

تفرد به حصين، ويقال: إن مسروقاً لم يسمع من أم رومان، لأنّها ماتت في حياة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وبالله التوفيق »(١) .

حول رأي صاحب الهدي

وأما قول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كلامه المذكور سابقاً: « وخالفهم صاحب الهدي » - وهو ابن قيم الجوزية في كتابه ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) - فوهم - لأن ابن القيّم في هذا الكتاب ينقل أقوال المخطّئين لهذا الحديث، ثم كلمات المصحّحين الذين أوّلوه وحملوه على محمل صواب، من دون أن يرجح أحد القولين على الآخر، فالقول بأنه خالف الخطيب ومن تبعه في الخطئة، خطأ.

على أن ابن القيم قد صرّح في كتابه المذكور - في الكلام حول زوجات النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بأن من له أدنى علم بالسير والتواريخ وما قد كان، لا يرد نقل المؤرخين لحديث واحد، وذلك حيث قال: « وأمّا حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، إن أبا سفيان قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أسألك ثلاثاً فأعطاه إيّاهنَّ منها: وعندي أجمل العرب أم حبيبة، أزوّجك إياها، فهذا الحديث غلط ظاهر لا خفاء به، قال أبو أحمد ابن حزم: وهو موضوع بلا شك، كذبه عكرمة بن عمار. قال ابن الجوزي: هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد.

وقد اتهموا به عكرمة بن عمار، لأنّ أهل التواريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، ولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على إسلامها، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صداقاً وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة

___________________

(١). الاصابة ٤ / ٤٣٤.

٢٢٣

ودخل عليها فثنت فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان.

وأيضاً في هذا الحديث أنه قال له: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، فقال: نعم، ولا يعرف أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أمّر أبا سفيان البتّة، وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث وتعددت طرقهم في وجهه، فمنهم من قال: الصحيح أنه تزوّجها بعد الفتح لهذا الحديث. قال: ولا يرد هذا بنقل المؤرخين، وهذه الطريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان. وقالت طائفة »(١) .

وحاصل هذا الكلام، هو عدم جواز ردّ الاجماع القائم من جميع المؤرّخين على وقوع وفاة أم رومان في حياة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وإنّ مسروقاً لم يدركها بحديث واحد رواه البخاري في كتابه

وعلى هذا فهو من المخطّئين لحديث البخاري تبعاً للحافظ أبي بكر الخطيب وجماعته، فلا يصح قول ابن حجر: « وخالفهم صاحب الهدى ».

أقول: وبهذا الذي ذكرنا عن ابن القيم يرد على جواب ابن حجر عمّا ذكر الخطيب وأتباعه، ورده كلام الواقدي المتضمّن وفاة أم رومان على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - دفاعاً عن البخاري وكتابه.

هذا، وقد قلنا فيما سبق: إن الذي نريد إثباته في هذه البحوث، هو قدح كبار الأئمّة والحفّاظ في طائفة من مرويات البخاري في كتابه

على أنا نقول: كما أن ابن حجر يكذّب الواقدي صاحب السيرة والتاريخ في مسألة وفاة أم رومان، ولا يجعل روايته قادحة في حديث البخاري المذكور فإنّنا نضعّف إعراض الواقدي عن رواية حديث الغدير، ونقول بأنه غير قادح في صحته - بالإِضافة إلى الوجوه الآخرى الآتية -. فلا وجه لتمسك الفخر الرازي بذلك.

___________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ١ / ٢٧.

٢٢٤

الحديث السادس عشر

أخرج البخاري في كتاب المغازي هذا الحديث بقوله:

« حدثني يحيى بن قزعة، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية »(١) .

و في كتاب الذبائح:

« حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي قال: نهى النبي [ رسول الله ] -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن المتعة عام خيبر وعن لحوم [ ال ] حمر الانسية »(٢) .

و في كتاب الحيل:

« حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله بن عمر، حدثنا الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما: إن علياً قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأساً، فقال: إن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإِنسية »(٣) .

و أخرجه مسلم في كتابه بأسانيد متعددة، حيث قال:

« حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب: إن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر

___________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ١٧٢.

(٢). صحيح البخاري ٧ / ١٢٣.

(٣). المصدر نفسه ٩ / ٣١.

٢٢٥

الأنسية.

و حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، حدثنا جويرية، عن مالك بهذا الاسناد وقال: سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه، نهى [ نهانا ] رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بمثل حديث يحيى [ بن يحيى ] عن مالك.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعا، عن ابن عيينة، قال زهير: نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي: أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.

و حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: نا أبي قال: نا عبيد الله، عن ابن شهاب، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي، إنه سمع ابن عباس يليّن في متعة النساء، فقال: مهلاً يا ابن عباس، فإنّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإِنسية.

و حدثنا أبو الطاهر وحرملة [ ابن يحيى ]، قالا: نا ابن وهب [ قال ]: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية »(١) .

كبار العلماء وهذا الحديث

وهذا الحديث بأسانيده المختلفة في الكتابين، ينص على أن تحريم المتعة كان يوم خيبر، ولكن المحقّقين من أهل السنة وفطاحل الحديث والأثر، يعدّون ذلك من الأوهام الفاحشة، وإليك بعض كلماتهم الصريحة في ذلك:

قال الحافظ السهيلي: « ومما يتصل بحديث النهي عن أكل لحوم الحمر تنبيه

___________________

(١). صحيح مسلم ٤ / ١٣٤ - ١٣٥.

٢٢٦

على إشكالفي رواية مالك عن ابن شهاب، فإنه قال فيها: نهى رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الاهلية.

وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر، أن المتعة حرمت يوم خيبر، و قد رواه أبو عيينة، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن محمد، فقال فيه: إن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة، فمعناه على هذا اللفظ: ونهى عن المتعة بعد ذلك اليوم، فهو اذاً تقديم وتأخير وقع في لفظ ابن شهاب لا لفظ مالك، لأن مالكاً قد وافقه على لفظه جماعة من رواة ابن شهاب »(١) .

وقال ابن قيم الجوزية: « فصل - ولم تحرم المتعة يوم خيبر، وإنما كان تحريمهما عام الفتح. هذا هو الصواب، وقد ظنّ طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر واحتجوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - »(٢) .

وقال ابن القيم أيضاً: « والصحيح أن المتعة إنما حرّمت عام الفتح، لأنه قد ثبت في الصحيح أنهم استمتعوا عام الفتح مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بإذنه، ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرّتين وهذا لا عهد بمثله في الشريعة ألبتة، ولا يقع مثله فيها. وأيضاً: فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنما كنَّ يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن بعد »(٣) .

وقال: « فصل - وأما نكاح المتعة فثبت عنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه أحلّها عام الفتح، وثبت عنه أنه نهى عنها عام الفتح. واختلف: هل نهى عنها يوم خيبر؟ على قولين، والصحيح: أن النهي عنها إنما كان عام الفتح، وأن النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية »(٤) .

___________________

(١). الروض الأنف ٦ / ٥٥٧.

(٢). زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ / ١٤٢.

(٣). المصدر نفسه ٢ / ١٨٣.

(٤). زاد المعاد ٤ / ٦.

٢٢٧

وقال بدر الدين العيني بشرح الحديث في كتاب المغازي: « قال ابن عبد البر: وذكر النهي عن المتعة يوم خيبر غلط. وقال السهيلي: النهي عن المتعة يوم خيبر لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر »(١) .

و قال شهاب الدين القسطلاني بشرح الحديث في كتاب النكاح حيث قال البخاري: « حدثنا مالك بن اسماعيل، قال: حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله، عن أبيهما: أن علياً قال لابن عباس: إنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ».

قال القسطلاني: « زمن خيبر » ظرف للأمرين، و في غزوة خيبر من كتاب المغازي: نهى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية. لكن قال البيهقي فيما قرأته في كتاب المعرفة: وكان ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر في حديث علي إنما في النهي عن لحوم الحمر الأهلية، لا في نكاح المتعة. قال البيهقي: يشبه أن يكون كما قال، قد روي عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه رخص فيه بعد ذلك، ثم نهى عنه، فيكون احتجاج علي نهيه أخيراً، حتى يقوم الحجة على ابن عباس.

وقال السهيلي: النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيء لا يعرفه أهل السير ورواة الأثر ...»(٢) .

وقال القسطلاني في شرح الحديث في كتاب المغازي:

« قال ابن عبد البر: إن ذكر النهي يوم خيبر غلط. وقال البيهقي: لا يعرفه أحد من أهل السير »(٣) .

___________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٧ / ٢٤٦ - ٢٤٧.

(٢). إرشاد الساري - شرح صحيح البخاري ٨ / ٤١.

(٣). المصدر نفسه ٦ / ٥٣٦.

٢٢٨

مع ابن حجر

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرح الحديث من كتاب المغازي:

« قيل: إن في الحديث تقديماً وتأخيراً، والصواب: نهي يوم خيبر عن لحوم الحمر الانسية وعن متعة النساء.

ويوم خيبر ظرف لمتعة النساء، لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح، إن شاء الله ».

ثم إنه أورد في كتاب النكاح بشكل مبسوط، أحاديث المسألة وكلمات البيهقي والسهيلي وابن عبد البر وغيرهم حولها، ثم قال: « لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن علياً لم يبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه. ويؤيّد ظاهر الحديث على ما أخرجه أبو عوانة وصحّحه من طريق سالم بن عبد الله: إن رجلاً سأل ابن عمر عن المتعة، فقال: إن فلاناً يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حرّمها يوم خيبر وما كنّا مسافحين»(١) .

أقول: لقد حمل الدفاع عن البخاري الحافظ ابن حجر على نسبة الخطأ والجهل إلى أمير المؤمنين وباب مدينة علم رسول رب العالمين - عليهما الصلاة والسلام - في هذا الحديث - على ما رووه، ونعوذ بالله من تعصبٍ يقود صاحبه إلى مهاوي الهلاك.

ولكن يتضح بطلان ما زعمه الحافظ هنا من كلام ( الدهلوي ) ووالده شاه ولي الله في كتاب ( قرة العينين ) فقد قال ( الدهلوي ) في الجواب عن مطاعن عمر بن الخطاب ما هذا ترجمته:

« المطعن الحادي عشر - نهيه الناس عن متعة النساء وتحريمه متعة الحج،

___________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري ٩ / ١٣٨.

٢٢٩

مع أن كلتيهما كانتا جاريتين على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله. وقد ثبت هذا باعترافه كما في كتب أهل السنة، إذ يروون عنه أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأنا أنهى عنهما.

والجواب: إن أصحّ الكتب عند أهل السنة هو: صحيح مسلم، وقد أخرج فيه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وأخرج في غيره من الصحاح عن أبي هريرة: إن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حرّم المتعة بعد أن رخّصها ثلاثة أيام في حرب الأوطاس تحريماً مؤبّداً إلى يوم القيامة. ورواية الأمير في ذلك مشهورة متواترة بحيث رواها عنه أحفاده، وهي ثابتة في الموطأ وصحيح مسلم وغيرهما من الكتب المعروفة بطرق متعددة.

وأما شبهة بعض الشيعة بأن التحريم وقع في غزوة خيبر وأحلّت في غزوة الأوطاس مرة أخرى فيردّها: أنها ناشئة من الخلط وسوء الفهم، فإنّ الذي في رواية علي في غزوة خيبر هو تحريم الحمر الانسية لا تحريم المتعة، لكن العبارة توهم كون غزوة خيبر تاريخ تحريمهما جميعاً. وقد حقق هذا الوهم بعضهم فنقلوا - بناءاً على ذلك - أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر، ولو كان الأمير يحدّث تحريم المتعة مؤرخاً بغزوة خيبر، فكيف يمكنه الرد والالزام في كلامه مع ابن عباس، مع أنه ذكر هذه الرواية، حين ردّ عليه وألزمه، وزجر ابن عباس عن تجويزه المتعة زجراً شديداً، وقال له: إنك رجل تائه.

فمن قال: إن غزوة خيبر ظرف لتحريم المتعة، فكأنه قد ادعى وقوع الغلط في استدلال الأمير، وتكفي دعواه هذه شاهداً على جهله وحمقه »(١) .

أقول: وحاصل هذا الكلام بطلان الاحاديث الواردة في أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن المتعة يوم خيبر. ويدل أيضاً على جهل البخاري ومسلم

___________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٣٠٢.

٢٣٠

وغيرهما من رواة هذه الأحاديث والمعتمدين عليها، باعتبار أنها لو كانت صحيحة لاقتضت بطلان استدلال أمير المؤمنين -عليه‌السلام -

ويدل هذا الكلام على حمق الحافظ ابن حجر ومن تبعه، لنسبتهم عدم بلوغ القصة أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

هذا، وليراجع كتاب ( تشييد المطاعن ) للوقوف على نقض ما زعمه ( الدهلوي ) على الامامية في هذا المقام.

الامام الشافعي وهذا الحديث

هذا، ولم يصحّح الامام الشافعي ذكر « المتعة » في روايات النهي عن لحوم الحمر الأهلية، عن سيدنا أمير المؤمنين -عليه‌السلام - فقد قال العيني:

« وقد روى الشافعي، عن مالك، باسناده عن علي -رضي‌الله‌عنه - أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية.

ولم يزد على ذلك وسكت عن قصة المتعة، لما علم فيها من الاختلاف »(١) .

فظهر أن الشافعي أيضاً ممن يخدش في هذه الروايات الصحيحة!!

خلاصة البحث

إن كثيراً من مرويات البخاري ومسلم في كتابيهما باطل لدى كبار أئمّة أهل السنة وحفاظ الحديث ونقدة الأخبار، إمّا سنداً وإمّا متناً ولو أردنا بسط الكلام في هذا الموضوع، لخرجنا عن المقصود، وفيما ذكرناه كفاية.

ومتى ثبت قدح الأعلام وكبار الأئمّة العظام فيما أخرجه الشيخان في كتابيهما، فكيف يقبل تمسك الفخر الرازي بإعراضهما عن رواية حديث الغدير المتواتر المشهور!؟ وكيف يكون تركهما له قادحاً في صدوره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -؟!

___________________

(١). عمدة القاري ١٧ / ٢٤٧.

٢٣١

الفخر الرازي وأحاديث الكتابين

وبعد فقد وجدنا الرازي نفسه يطعن في حديث اتفق الشيخان البخاري ومسلم على إخراجه إنه يقول في تفسيره ما نصه:

« واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إنه قال: ما كذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات. فقلت: الأولى أن لا تقبل مثل هذه الأخبار، فقال - على سبيل الاستنكار -: إن لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة. فقلت له: يا مسكين! إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم -عليه‌السلام - وإنْ رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة، ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب »(١) .

___________________

(١). قال الرازي بتفسير( قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) في ذكر الأقوال في معانيه: « القول الثاني - وهو قول طائفة من أهل الحكايات -: إن ذلك كذب واحتجوا بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه قال: لم يكذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات، كلّها في ذات الله تعالى، قوله:( إِنِّي سَقِيمٌ ) وقوله:( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ) . وقوله لسارة: « هي أختي ». وفي خبر آخر: إن أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة، قال: إني كذبت ثلاث كذبات

واعلم أن هذا القول مرغوب عنه، أما الخبر الأول - وهو الذي رووه - فلان يضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -. [ ثم قال بعد تأويل كلمات إبراهيم - عليه‌السلام - في هذه المواضع: ] وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب =

٢٣٢

مع أن حديث « لم يكذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات » من مرويات الشيخين « ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب، أولى من صون طائفة من المجاهيل [ البخاري ومسلم ورواة الحديث ] عن الكذب » نعم لا شك في ذلك وإليك نص الحديث في الكتابين الصحيحين:

قال البخاري: « حدثنا سعيد بن تليد الرعيني، أخبرني ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، [ قال: ] قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لم يكذب إبراهيم إلّا ثلاثاً

حدثنا محمد بن محبوب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: لم يكذب إبراهيم [عليه‌السلام ] إلّا ثلاث كذبات، ثنتين منهنّ في ذات الله عزّ وجلّ: «( إِنِّي سَقِيمٌ ) » وقوله: «( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ) ».

و قال بينا هو ذات يوم وسارة إذ اتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إنّ هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل اليه فاسأله [ فسأله ] عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة فقال: يا سارة! ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني فأرسل اليها، فما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت الله فأطلق، ثم تناولها ثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت

___________________

= إلى الأنبياء -عليهم‌السلام - فحينئذ لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلاّ زنديق » ج ٢٢ / ١٨٥ - ١٨٦.

وقال بتفسير( إِنِّي سَقِيمٌ ) : « الوجه السابع: قال بعضهم: ذلك القول عن إبراهيم -عليه‌السلام كذبة، ورووا فيه حديثاً عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه قال: ما كذب ابراهيم إلّا ثلاث كذبات.

قلت لبعضهم: هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل، لأنّ نسبة الكذب إلى إبراهيم لا تجوز. فقال ذلك الرجل: فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟

فقلت: لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل -عليه‌السلام - كان من المعلوم بالضرورة، أن نسبته إلى الراوي أولى » ج ٢٦ / ١٤٨.

٢٣٣

فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنك لم تأتني بإنسان، انما أتيتني بشيطان، فأخذ معها [ فأخذ ] منها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيا، قالت: رد الله كيد الكافر [ أ ] والفاجر في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: [ فـ ] تلك أمكم يا بني ماء السماء »(١) .

و قال مسلم:

« حدثني أبو الطاهر، قال: أنا عبد الله بن وهب [ قال: ] أخبرني جرير بن حازم، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: لم يكذب ابراهيم [ النبي ] -عليه‌السلام - قط إلّا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله، قوله: «( إِنِّي سَقِيمٌ ) » وقوله: «( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ) ». وواحدة في شأن سارة، فإنّه قدم أرض جبار ومعه سارة [ و ] كانت أحسن الناس فقال لها: إنّ هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإنْ سألك فأخبريه أنك أختي، فإنّك أختي في الاسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك ...»(٢) .

أقول: ولنا هنا ملاحظتان:

الأولى: إن الرازي يكذّب هذا الحديث - وهو من مرويات الكتابين - عن أبي هريرة، مع انه يتشبث في مقابلة حديث الغدير بحديث لم يرو عن غيره كما سيأتي.

والثانية: إن الرازي يتشبث في ردّ حديث الغدير، بعدم إخراج الشيخين إياه، ولكنه في نفس الوقت يزعم عدم حضور الامام أمير المؤمنين -عليه‌السلام - حجة الوداع وأنه كان باليمن، مع أن الشيخين قد رويا رجوعه من اليمن وموافاته رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في حجة الوداع.

وهل هذا إلا تناقض وتهافت!؟

___________________

(١). صحيح البخاري ٤ / ١٧١.

(٢). صحيح مسلم ٧ / ٩٨.

٢٣٤

والذي نستنتجه من هذا وأمثاله: أنه ليس لهؤلاء القوم قاعدة يلتزمون بها ويقفون عندها لدى البحث والمناظرة، وإنهم لا يهدفون إلّا إنكار فضائل سيدنا علي -عليه‌السلام - والدفاع عن خصومه ومناوئيه، فمتى روى الشيخان حديثاً باطلاً، أو أعرضا عن حديث حق، جعلوا كتابيهما المصدر الأول وأصح الكتب في الاسلام بعد القرآن الكريم، ومتى أخرجا ما يستند اليه الشيعة ويؤيد مطلوبهم، جعلوا يقدحون ويطعنون في رواته ويبحثون عن حال رجال أسانيده قائلين: هذا ضعيف، وذاك مجهول، وذاك كذاب، وهلمّ جراً

٢٣٥

دفاع الرازي عن الشافعي

وثمة شيء آخر يجدر بنا ذكره، وهو محاولة الرازي الدفاع عن إمام الشافعية، في الجواب عن شبهة ضعفه في الرواية، باعتبار أن البخاري ومسلماً ما رويا عنه، ولو لا أنه كان ضعيفاً في الرواية، لرويا عنه كما رويا عن سائر المحدثين.

فطفق يذكر الوجوه العديدة حماية للشافعي وذباً عنه. فلنذكر الطعن والوجوه التي أوردها لدفعه

« إن البخاري ومسلماً ما رويا عنه، ولو لا أنه كان ضعيفاً في الرواية لرويا عنه، كما رويا عن سائر المحدثين ».

فأجاب بوجوه قائلاً:

« الأول: أن البخاري ومسلماً لعلّهما إنما تركا الرواية عن الشافعي، لأنهما ما أدركاه، فلو اشتغلا بالرواية عنه لافتقرا إلى الرواية عمن يروي عنه، لكن أكثر شيوخ البخاري ومسلم كانوا تلامذة مالك، فكانا لهذا السبب كمن يروي عن الشافعي في الدرجة، فلو رويا عن تلامذة الشافعي لصارت الرواية نازلة من غير حاجة والمحدثون لا يرغبون في هذا.

الثاني: إنّهما رويا عن أحمد بن حنبل، وأحمد روى عن الشافعي، ولو كانت الرواية عن الشافعي غير جائزة، صار أحمد بسبب روايته عن الشافعي

٢٣٦

مجروحاً، وصارا بسبب روايتهما عنه مجروحين. وإنْ كانت رواية أحمد عن الشافعي جائزة، سقط السؤال.

الثالث: إنهما ما كان عالمين بجميع المغيبات، وذلك فإن البخاري روى عن أقوام ما روى عنهم مسلم، ومسلماً روى عن أقوام لم يرو عنهم البخاري، فدلّ على أنهما إذا تركا الرواية عن رجل لم يوجب ذلك قدحاً فيه، وكيف وأبو سليمان الخطابي أورد مؤاخذات كثيرة على صحيح البخاري، في كتاب سماه بأعلام الصحيح؟

الرابع: إن ما ذكرتم معارض بأن أبا داود السجستاني روى عن الشافعي حديث ركانة ابنة عبد يزيد في الطلاق، وكذلك روى عنه أبو عيسى الترمذي وعبد الرحمن بن أبي حاتم ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. ولا شك في علو شأن هؤلاء في الحديث.

الخامس: إنهما ما طعنا في الشافعي، بل ذكراه بالمدح والتعظيم، وترك الرواية لا يدل على الجرح، وأما المدح والتعظيم فانه دليل التعديل.

السادس: إن كان تركهما الرواية عنه يدل على ضعفه، فالطعن الشديد على أبي حنيفة المنقول عن الأعمش والثوري، وجب أن يدل على الوهن العظيم فيه، وكذلك طعن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد. فإن لم تؤثر هذه التصريحات، فكذا القول فيما ذكرتم »(١) .

أقول:

ما أشبه قضية استدلال الرازي بترك البخاري ومسلم رواية حديث الغدير للقدح فيه، باستدلال الطاعنين في الشافعي بتركهما الرواية عنه فلنسأل الرازي هل نسي هذه الوجوه في قضيتنا، فكما أن الترك هناك لا يدل على الجرح فكذلك هنا.

___________________

(١). مناقب الشافعي، في البحث عما طعن به في الشافعي.

٢٣٧

وكما أن ما ذكروا معارض برواية أبي داود والترمذي وو كذلك ما ذكره الرازي معارض برواية الترمذي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وو و

بل روى حديث الغدير جماعة من شيوخ البخاري ومسلم كما سيأتي.

ونقول أيضاً: ان كان ترك البخاري ومسلم رواية حديث الغدير، يدل على ضعفه أو عدم تواتره، فالطعن الشديد على أبي حنيفة المنقول عن الأعمش وغيره وجب أن يدل على الوهن العظيم. فإنْ لم تؤثر هذه التصريحات فكذا القول فيما ذكر الرازي.

فظهر أن ترك البخاري ومسلم رواية حديث الغدير في كتابيهما، لا يدل على ضعفه أو عدم تواتره.

فسقط تشبث الرازي بذلك.

وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.

والحمد لله رب العالمين.

٢٣٨

(٢)

عدم رواية الواقدي حديث الغدير

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423