نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183659 / تحميل: 6907
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أمه)، حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد"(١) .

٦- إحياء ليلة النصف منه:

وهي ليلة شريفة ورد أنّها أفضل الليالي بعد ليلة القدر، وقد زاد شرفها بولادة الإمام الحجّة بن الحسن المهدي المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في صبيحتها.

٧- إحياء المناسبات الجليلة فيه وأبرزها:

أ - ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام في ٣ شعبان وهو يوم الحرس.

ب- ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام في ٤ شعبان وهو يوم الجريح.

ج- ولادة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في ٥ شعبان وهو يوم الأسير.

د- ولادة الإمام الحجة المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في ١٥ شعبان وهو يوم المستضعفين.

وينبغي في هذه المناسبات تعميق الارتباط بأهل البيت

____________________

١- السيد البروجردي - جامع احاديث الشيعة - ج ٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٥٧

١٢١

عليه‌السلام لا سيما بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وإظهار الفرح والزينة من باب إحياء أمرهم لعلنا ننال دعوتهم المباركة:" رحم الله من أحيا أمرنا"(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٩

١٢٢

الحسينعليه‌السلام في بيت عليعليه‌السلام

المناسبة: ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام

التاريخ: ٣ شعبان

من الثابت أن للوراثة دوراً مهماً في تكوين شخصية الانسان، وقد توافقت النصوص الدينية مع الإكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال، فقد ورد في الحديث المعروف " العرق دسَّاس" وجاء هذا المضمون على لسان علماء الوراثة كمندل الذي قال:" إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغيّر من أحد الأصلين أو منهما الى الفرع"(١) .

قبل الولادة:

وفي بيت الإمام عليعليه‌السلام ثلاثة نماذج لعب العِرق فيها دوراً بارزاً:

____________________

١- القرشي- حياة الامام الحسينعليه‌السلام - منشورات دار الكتب العلمية- قم -ج١ - ص ٤٣.

١٢٣

النموذج الأول: محمد بن الحنفية الذي ورد أن أباه أمير المؤمنينعليه‌السلام طلب منه يوم الجمل أن يحمل على القوم، فتوقف قليلاً، ثم كرَّر عليه أبوه الإمامعليه‌السلام قائلاً له:" أحمل"،فأجابه يا أمير المؤمنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر ؟!! فدفعه الإمام في صدره وقال له:" أدركك عرقٌ من أمك"(١) .

النموذج الثاني:

أبو الفضل العباس وأخوته الذين أراد لهم أبوهم الإمام عليعليه‌السلام أن يكونوا من أنصار أخيهم الحسينعليه‌السلام في كربلاء، فسأل عن امرأة تنتسب الى بيت شجاعة وإقدام ليجدها في أمهم أم البنين.

النموذج الثالث:

الحسن والحسينعليه‌السلام اللذان جمعا كمال الوراثة.

الحسينعليه‌السلام المولود:

وفي شهر شعبان ولد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان يوم

____________________

١- أنظر الأمين - أعيان الشيعة- منشورات دار التعارف - بيروت- ج ١ - ص ٤٥٧.

١٢٤

الفرح الأكبر لولا دمعةٌ انسكبت من عين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي احتضن سبطه الحسين وأخذ يبكي، قالت له أسماء: فداك أبي وأمي ممَّ بكاؤك ؟!! فأجابها صلوات الله عليه وآله:" من إبني هذا ! تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي "(١) .

واحتضن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسيناً ليسمعه من فمه المبارك أول كلمة في الحياة الدنيا.

إذ أدنى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمه الطاهر ناحية أذن الحسين اليمنى، وقال: " الله أكبر، الله أكبر" فأذَّن فيها ثم أقام في أذنه اليسرى(٢) ،فكانت كلمة " الله" أول كلمة دخلت أذن الحسينعليه‌السلام ، وقد ورد في الخبر أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم(٣) .

تسمية الحسينعليه‌السلام :

واختار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسبطه اسم الحسينعليه‌السلام ، وقال المؤرّخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذا الأسم، وإنما سمَّاه النبي به بوحي من السماء(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي- حياة الإمام الحسين- منشورات دار الكتب العلمية- قم - ج ١ ص ٢٧.

٢- المصدر السابق - ص ٣٠.

٣- أنظر: الطفل نشوؤه وتربيته اعداد ونشر مؤسسة البعثة - قم - ص ٦٥.

٤- القرشي - حياة الإمام الحسين - ص ٣٠.

١٢٥

الحسينعليه‌السلام في سورة الدهر:

وترعرع الحسينعليه‌السلام في البيئة الطاهرة تحت رعاية الأنوار الثلاثة الأولى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وفاطمةعليه‌السلام ، وشاء الله تعالى أن يُعرِّف الناس كرامته حينما بشَّره بالجنة وهو طفل صغير، وذلك حين مرض الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام فنذر أبوهما علي وأمهما فاطمة إن عافاهما الله أن يصوما ثلاثة أيام، وكذا فعل الحسن والحسينعليه‌السلام مع صغر سنهما، واقتدت بهم خادمتهم فضة.

وحينما برئا، أصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليعليه‌السلام إلى يهودي وأخذ منه جزة من الصوف على أن تغزلها السيدة الزهراءعليها‌السلام مقابل ثلاثة أصواع من الشعير، فغزلتعليه‌السلام ثلث الصوف ثم طحنت صاعاً من الشعير وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع عليعليه‌السلام اللقمة من يده وأعطى قرصه للمسكين، وكذا فعلت فاطمةعليه‌السلام

١٢٦

وكذا فعل الحسنانعليه‌السلام ، فباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً، ولم يذوقوا إلّا الماء، وفي اليوم الثاني غزلت السيدة فاطمةعليه‌السلام ثلث الصوف الآخر وطحنت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزته خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فدفع جميعهم الطعام الى هذا اليتيم وباتوا جياعاً وقاموا صياماً، وتكرَّر المشهد في اليوم الثالث حينما وقف على الباب اسيرٌ من أسرى المشركين يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا، ففعلوا كما فعلوا بالأمس وقبله، وباتوا جياعاً واستيقظوا ليأتي إليهم نبيُّ الإسلام بالبشرى الكبرى وهو قوله تعالى:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(١) .

____________________

١- أنظر: المشهدي- تفسير كنز الدقائق - ج١١ - ص ١١٦ - ١١٨، سورة الإنسان

١٢٧

الحسينعليه‌السلام في آية المباهلة:

وأراد الله تعالى أن يعرِّف الناس كرامة الحسينعليه‌السلام وهو صغير حينما جاء وفدٌ من نصارى نجران ليناظروا النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد حديث بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل تعالى لعنته على الكاذبين وعيَّنوا لذلك وقتاً محدداً...وفي ذلك الوقت خرج السيد النصراني والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران، واحتشدت الجماهير لتنظر وفد المسلمين فإذا بهم يرون نبي الإسلام قد أقبل وهو يحتضن الحسينعليه‌السلام ، ويمسك بيده الأخرى الحسنعليه‌السلام وخلفه الإمام عليعليه‌السلام والسيدة الزهراءعليها‌السلام وهو يقول لوفد النصارى: " أباهلكم بخير أهل الأرض، وأكرمهم إلى الله".

فرجعوا إلى زعيمهم الأسقف يستشيرونه في الأمر، فقال لهم: " أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحدٌ أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله".

فأسرعوا إلى النبي قائلين: " يا أبا القاسم، أقِلنا أقال الله

١٢٨

عثرتك"(١) .

ووثَّق القرآن هذه الحادثة العظيمة بقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(٢) .

الحسينعليه‌السلام تحت كساء العصمة:

واستمرت العناية الربَّانية بالحسينعليه‌السلام الطفل حينما قدمت أمه الزهراء فاطمةعليه‌السلام إلى أبيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أدعي زوجك وأبنيك" فجاءت بهما ليجلّلهم بكساء ويقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً "(٣) .

ويتلوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية العصمة التي أخبرت عن عصمة الحسين وأبيه وأمه وأخيه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي - حياة الحسين - ص ٧٠ - ٧٢.

٢- آل عمران: ٦٠.

٣- الفيروز آبادي - فضائل الخمسة- ج ١- ص ٢٧١.

٤-الأحزاب: ٣٢.

١٢٩

الحسينعليه‌السلام في صباه وأسلوب الدعوة:

ومضت الأيام ليظهر الحسينعليه‌السلام على مسرح الحياة وهو صبي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فقد رُوي أن الحسن والحسينعليه‌السلام رأيا أعرابياً يتوضأ بشكل خاطئ، فتقدما وطلبا منه أن يشرف على وضوئيهما ليعرفا أي الوضوءين أحسن ! فقال الحسينعليه‌السلام للأعرابي: " أيّنا يحسن الوضوء ؟ فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه "(١) .

من أخلاق الحسينعليه‌السلام :

وكبر الحسينعليه‌السلام ليتجلَّى فيه خُلُق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدب عليعليه‌السلام وجلال فاطمةعليه‌السلام ، فكان العابد الذي يقضي أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، حتى قال عنه إبن الزبير: " أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه كثيراً في النهار صومه"(٢) .

وكان الحليم عند القدرة، فقد ورد أن بعض مواليه جنى جناية توجب التأديب فأمر الحسينعليه‌السلام بتأديبه.

____________________

١- التستري- الخصائص الحسينية - ص ١٧١.

٢- القرشي- حياة الحسين- ج ١ - ص ١٣٣./

١٣٠

فانبرى العبد قائلاً:

يا مولاي: إن الله تعالى يقول:" الكاظمين الغيظ".

فقال الحسينعليه‌السلام : " خلّو عنه، فقد كظمت غيظي".

فسارع العبد قائلاً: " والعافين عن الناس".

فأجابه الحسينعليه‌السلام : " قد عفوت عنك".

فطلب العبد المزيد بقوله:" والله يحب المحسنين".

فإذا بالحسينعليه‌السلام يفصح عن أخلاقه النبوية بقوله: " أنت حرٌّ لوجه الله".

ثم أمر بجائزة سنيَّة تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس(١) .

هذا هو الحسينعليه‌السلام وهذه هي أخلاق الحسينعليه‌السلام فلنتخذ منه القدوة، ومن أخلاقه قبس الإهتداء.

____________________

١- القرشي - حياة الإمام الحسينعليه‌السلام - ج ١- ص١٢٤.

١٣١

نافذ البصيرة

المناسبة: ولادة أبو الفضل العباسعليه‌السلام

التاريخ: ٤ شعبان

قدَّم أبو الفضل العباسعليه‌السلام نموذجاً راقياً في الجهاد والإيثار وخصائل أخرى أشار إليها الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته لعمه العباسعليه‌السلام قائلاً:

" سلام الله وسلام ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والتضحية لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب..."(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٧

١٣٢

الخصال الأربع:

وقد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بهذه الزيارة إلى خصال أربع في فضائل أبي الفضل العباسعليه‌السلام مع ولي أمرهعليه‌السلام نلقي بعض الضوء عليها مستلهمين منها دروساً في التولِّي:

١- التسليم: وهو عنصر أساس في تكوين شخصية المسلم الذي يسلِّم أمره لله ويتعبِّد بأوامره ونواهيه دون اعتراض كما رسم النموذَج الراقي في ذلك خليلُ الله إبراهيمعليه‌السلام الذي مضى في ذبح ولده إلى مشارفِ النهاية مسلِّماً في ذلك أمرَه لله تعالى فاستحق ان يكون من أطلق تسمية المسلمين على عباد الله الصالحين، يقول تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ(١) ،وأوضح الله تعالى في كتابه أنّ التسليم لله لا يتحقّق بدون التسليم لولي الأمر، بل لا يتمّ الإيمان حتى يتمّ التسليم له فيقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(٢) من هنا كان القيمة في تسليم أبي الفضل

____________________

١- الحج : ٧٨

٢- النساء:٦٥.

١٣٣

العباس لأخيه الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢- التصديق: والتسليم تارة يكون من دون قناعة بصوابية العمل وتصديق به وتارة تكون عن بصيرة وقناعة به والتسليم الثاني هو الأرقى والأكمل لذلك كان المدح الكبير لأبى الفضل العباسعليه‌السلام في زيارته لاسيَّما حينما قال الإمام الصادقعليه‌السلام فيها: " أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين متبعاً للنبيّين"(١) .

وقالعليه‌السلام عنه: " كان عمّي العباس بن عليعليه‌السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان"(٢) ، فنفوذ البصيرة هو الذي يؤدي إلى صلابة الإيمان والتسليم لولي الأمر عن وعي وتصديق.

٣- الوفاء: والوفاء كما يكون بعهدٍ يلتزمه الإنسان يكون بأداء الحقوق وأداء حق ولي الأمر بنصرته والجهاد بين يديه من أعظم الوفاء وهذا ما تجلى بأبي الفضلعليه‌السلام في كربلاء كما يصفه أبن أخيه الإمام السجّادعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس بن علي فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه".

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٨

٢- الشاكري - الحاج حسين - شهداء اهل البيتعليهم‌السلام قمر بني هاشم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣١

١٣٤

٤- التضحية: فقد ضحىعليه‌السلام فادياً أخاه واقياً له حتى وصل إلى منزلة قال عنها الإمام زين العابدينعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"(١) .

وأراد إمام الأمّة الراحلقدس‌سره أن يلفتنا في ذكرى ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام إلى المقاومين الجرحى فأطلق على هذا اليوم يوم الجريح، جزاهم الله تعالى عن الأمّة خير جزاء المحسنين.

____________________

١- الحائري - جعفر عباس - بلاغة الامام علي بن الحسينعليه‌السلام - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ٢٣٥

١٣٥

حق النفس

المناسبة: ولادة الامام السجادعليه‌السلام

التاريخ: ٥ شعبان سنة ٣٨ ه

كان الامام زين العابدينعليه‌السلام قمّة في العلم والتقوى والعبادة والجهاد وقمّة في أخلاقه وسلوكه وعلاقته بربّه.

رسالة الحقوق:

ولا بدّ أن نقف عند رسالته التي حدّد فيها الحقوق، حقّ الله عليك، وحقّ نفسك عليك، وحقّ الناس عليك، وحقّك عليهم.

هذه الرسالة الفريدة العظيمة في مضامينها والتي تشتمل على أسرار العلاقات الإنسانيّة، والتي نحتاج أن نقرأها دائماً حتى نعيش في حياتنا الخاصّة والعامّة معنى المسؤوليّة، فلا يشعر الإنسان أنّه حرّ أمام شهواته ولذّاته ونوازعه الذاتيّة، بل يعرف أنّ الله عزّ وجلّ جعل للأشياء وللأشخاص حقوقاً عليه كما جعل حقوقاً عليهم.وأنّه يتحرّك في حياته ضمن المسار

١٣٦

الذي حدّده الله له.

إنّ خلاصة رسالة الحقوق هي أنّ الإنسان في هذه الحياة هو إنسان مسؤول، فالمسؤوليّة تحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وفي موقفه بين يدي ربّه، فتعالوا نستمع إلى بعض ما ذكره الإمامعليه‌السلام من حقوق الإنسان على نفسه.

يقولعليه‌السلام : " وأما حقّ نفسك عليك فأن تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ، فتؤدّي إلى لسانك حقّه، وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعين بالله على ذلك".

حقّ اللسان:

" أما حقّ اللسان فإكرامه عن الخنا"، والخنا هي كلمات الفحش والسباب والشتائم.

" وتعويده على الخير" بأن تدرّب لسانك على أن لا يقول إلّا الخير وما ينفع نفسك والآخرين.

" وحمله على الأدب" أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربّك ومع الناس وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول وقلوب الناس عليك، ولا تثير حساسيّاتهم، ولا تعمل

١٣٧

على إثارة أعصابهم أو إلحاق الأذى بأنفسهم أو بحياتهم.

" وإجمامه إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا" أي أن تمسك لسانك عن الكلام إلّا لموضع الحاجة فليكن الصمت هو طابعك العام.إلّا أن تكون الكلمة محلّ حاجة لك أو للآخرين أو للرسالة، أما إذا كانت الكلمة لا تمثّل حاجّة لك في أمورك الخاصّة أو العامّة ولا للآخرين ولا للرسالة، فأمسك لسانك عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع.

" وإعفاؤه من الفضول الشنيعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شرّه" أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى له أو الكلام الذي يمكن أن يؤدّي إلى شرٍ أو إضرار بالآخرين.

وخلاصة الفكرة أن تعرف أنّ الله أنطق لسانك من أجل أن تستعين به على قضاء حاجاتك وحاجات الآخرين، وأن تستعمله من أجل الخير وهداية الناس ودعوتهم إلى خطّ الله وإدخال السرور عليهم، ولا تستعمله فيما يضرّهم ويؤذيهم ويضلّهم.

حقّ السمع:

" وأما حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلّا لفوّهة كريمة، تحدث في قلبك خيراً أو تكسبك خلقاً كريماً فإنه

١٣٨

(أي السمع) باب الكلام إلى القلب يؤدّي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شرّ" أي أنّ السمع هو النافذة التي تطلّ على العقل فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ في قلبك وعقلك.

والكلام الذي نسمعه على نحوين: فهناك كلام يسيء إلى عقولنا وروحيّتنا وهدانا ومواقع الخير فينا، وهنالك كلمات تهدينا وترشدنا وترفع من مستوانا الثقافي والروحيّ وتعمّق تفكيرنا ولذلك فإنّ علينا أن نختار الكلمات التي ندخلها إلى عقولنا بعناية لتكون كلمات تنمّي عقولنا وأرواحنا وتعمّق إيماننا وترتفع بنا إلى مقام القرب الإلهيّ، فحاول دائماً أن يكون سمعك نافذة على العقل يعطي العقل ما يهديه إلى الخير والحقّ والعدل وإلى القرب من الله ولا تجعله نافذة وطريقاً إلى الشرّ واللهو واللغو وسماع الحرام.

حقّ البصر:

وأما حقّ بصرك فَغَضُّه عما لا يحل لك، ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

١٣٩

أَبْصَارِهِنَّ(١) ،وترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة تستقبل به بصراً أو تستفيد به علماً فإنّ البصر باب الاعتبار"، يعني أن تستعمل بصرك للتأمّل والبحث والاستفادة، بأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرة تستطيع من خلالهما أن تعطي لنفسك تجربة جديدة وفكرة جديدة وفائدة جديدة.

حقّ الرجلين:

" وأمّا حقّ رجليك أن لا تمشي بها إلى ما لا يحلّ لك، ولا تجعلها مطيَّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين"، أي عليك أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد وإلى مواقع العمل في سبيل الله وإلى الغايات والأهداف التي يحبّها الله ولا تحرّكها إلى المواقع التي لا يرضاها الله لأنّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقّها.

حقّ اليد:

" وأما حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك" فلا تضرب إنساناً بغير حقّ ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك

____________________

١- النور: ٣١-٣٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

والجواب عن تشبث الرازي بعدم رواية الواقدي حديث الغدير من وجوه:

١. الواقدي من رواة مثالب الخلفاء

١ ) إن الواقدي من رواة مثالب الخلفاء والصحابة، فإنْ كان تركه رواية حديث الغدير، يوجب قدحاً في ثبوته وصدوره، كانت روايته لمطاعن الخلفاء أدل على القدح والطعن فيهم

فقد روى الواقدي حديث إحراق عمر بن الخطاب، بيت فاطمة الزهراء بضعة الرسول -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فقد ذكر شيخنا العلامة الحسن بن المطهر الحلي - رحمة الله عليه - في بحث مطاعن أبي بكر ما نصه:

« ومنها - أنه طلب هو وعمر بن الخطاب إحراق بيت أمير المؤمنين، وفيه أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما وجماعة من بني هاشم، لأجل ترك مبايعة أبي بكر، ذكر الطبري في تاريخه قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ للبيعة.

وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة، فيهم أسيد بن الحصين ومسلمة بن أسلم - فقال: أخرجوا، أو لنحرقنّها عليكم »(١) .

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٧١.

٢٤١

لكن الفضل ابن روزبهان الشيرازي كذّب الخبر وجميع رواته، حيث قال في كتابه ( الباطل ):

« أقول: من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر، وهو إحراق عمر بيت فاطمة، وما ذكر أن الطبري ذكره في التاريخ، فالطبري من الروافض مشهور بالتشيع، حتى أن علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره.

وكل من نقل هذا الخبر لا يشك أنه رافضي متعصّب، يريد إبداء القدح والطعن على الأصحاب، لأن المؤمن الخبير بأخبار السلف، ظاهر عليه أن هذا الخبر كذب صراح وافتراء بيّن، لا يكون أقبح منه ولا أبعد من أطوار السّلف ».

٢ ) وروى الواقدي نفي عثمان بن عفان سيّدنا أبا ذر الغفاري -رضي‌الله‌عنه - إلى الربذة. وقد نقل العلامة الحلي المذكور روايته هذه، ردّاً على قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي، حيث زعم خروج أبي ذر إليها إختياراً.

ولكن الفضل ابن روزبهان، لما رأى أن هذه الرواية من مطاعن ثالث خلفائهم، جعل يدافع عنه مؤيداً كلام قاضي القضاة برواية الطبري وابن الجوزي ثم قال:

« ومخالفة الواقدي في بعض النقول، لا يقدح ما ذهب اليه العامة ».

أقول: والغريب من الفضل، اعتماده هنا على رواية الطبري وقد رماه بأنه « من الروافض مشهور بالتشيع، حتى أن علماء بغداد هجروه »، وقديماً قيل: من مدح وذم كذب مرتين.

وهذا أيضاً مما يشهد بما ذكرنا من عدم تمسّك القوم بقواعد البحث والمناظرة

٣ ) وروى الواقدي: أن عثمان بن عفان ردّ الحكم بن أبي العاص إلى المدينة المنورة، وهو طريد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - منها قال العلّامة الحلي -رحمه‌الله -:

٢٤٢

« قال الواقدي من طرق مختلفة وغيره، أن الحكم بن أبي العاص لما قدم الى المدينة بعد الفتح، أخرجه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى الطائف وقال: لا يساكنني في بلد أبداً، لأنه كان يتظاهر بعداوة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والوقيعة فيه، حتى بلغ به الأمر إلى أنّه كان يعيب النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في مشيه، فطرده النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأبعده ولعنه، ولم يبق أحد يعرفه إلّا بأنه طريد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

فجاء عثمان إلى النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكلّمه فيه، فأبى. ثم جاء إلى أبي بكر وإلى عمر في ذلك، في زمان ولايتهما فكلّمهما فيه، فأغلظا عليه القول وزبراه، قال له عمر: يخرجه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وتأمرني أن أدخله!؟ والله لو أدخلته لم آمن قول قائل غيّر عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم.

فكيف يحسن من القاضي هذا العذر؟ وهلّا اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر وسلم من تهجينهما إيّاه وخلص من عتابهما عليه »(١) .

فقال الفضل ابن رزبهان:

« روى أصحاب الصحاح أن عثمان لما قيل له: لم أدخلت الحكم بن أبي العاص؟ قال: استأذنت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في إدخاله، فأذن لي.

وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر، فلم يصدّقاني، فلمّا صرت والياً عملت بعلمي في إعادته إلى المدينة.

هذا مذكور في الصّحاح، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل ».

٤ ) وروى الواقدي قضايا من استئثار عثمان أهله وبني أبيه بأموال المسلمين قال العلامة الحلي - رحمة الله تعالى عليه -:

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٩١.

٢٤٣

« ومنها - أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عنده للمسلمين، دفع إلى أربعة أنفس من قريش وزوّجهم ببناته أربعة آلاف دينار، وأعطى مروان ألف دينار.

وأجاب قاضي القضاة: بأنه ربّما كان من ماله.

واعترضه المرتضى: بأن المنقول خلاف ذلك، فقد روى الواقدي أن عثمان قال: إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال ذوي أرحامهما، وإني ناولت منه صلة رحمي، وروى الواقدي أيضاً أنه بعث إليه أبو موسى الأشعري بمال عظيم من البصرة، فقسّمه عثمان بين ولده وأهله بالصحاف. وروى الواقدي أيضاً، قال: قدمت إبل من إبل الصدقة إلى عثمان، فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص، وولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له، وأنكر الناس على عثمان إعطائه سعيد بن العاص مائة الف درهم »(١) .

وقد أجاب الفضل عن ذلك بأن هذه الأموال ربما كانت من أمواله الخاصة وبأن الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء على الصواب

والحاصل: إنْ كان الواقدي رافضياً متعصّباً - كما يقول ابن روزبهان والبعض - سقط تشبث الفخر الرازي بتركه رواية حديث الغدير، وإنْ كان عدلاً ثقة صدوقاً فيما يرويه، فلتقبل رواياته الجمّة تلك التي يتمسك بها الامامية في مباحث مطاعن الخلفاء، وغيرها من المسائل الكلامية والتأريخية التي يرويها، وتسقط أجوبة قاضي القضاة وابن روزبهان وغيرهما من متكلّمي أهل السنة والجماعة.

وأما قبول روايته، أو الاعتماد على تركه رواية حديث، عند ما ينفعهم ذلك، وردّ روايته في كلّ موردٍ يثبت بها بطلان مذهبهم، فممّا لا يحسن بهم

___________________

(١). نهج الحق وكشف الصدق: ٢٩٢.

٢٤٤

٢. إعراض الرازي عن روايات الواقدي

إن الفخر الرازي نفسه لم يعبأ بروايات الواقدي، وأسقطها من الحساب وكأنها لم تكن، فقال في مبحث مطاعن عثمان بن عفان من كتابه ( نهاية العقول ):

« قوله: ثانياً - إنه رد الحكم بن أبي العاص وقد سيّره رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قلنا: إنّه -رضي‌الله‌عنه - أجاب عن ذلك بنفسه فيما رواه سيف بن عمر في كتاب الفتوح: إنّي رددت الحكم وقد سيّره رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من مكة إلى الطائف، ثمّ ردّه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فرسول الله سيّره ورسول الله يردّه، أفكذلك؟

قالوا: اللهم نعم.

وقيل: إنه روى عثمان -رضي‌الله‌عنه - في زمن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنّه أذن في ردّه، فقالا له: إنّك شاهد واحد، لأنّ ذلك لم يكن شهادة على شرع حتى تكفى رواية الواحد، بل كان حكماً في غيره، فلا بدّ من الشاهدين، فلما صار الأمر اليه حكم بعلمه.

قوله: ثالثاً - إنّه كان يعطي العطايا الجزيلة لأقاربه.

قلنا: لعلّه كان يعطيها من صلب ماله، لأنّه كان ذا ثروة عظيمة ».

أقول: فالعجب من الرازي، إنه حين يريد تضعيف حديث الغدير يقول: لم يخرجه الواقدي، مع أنّ عدم الإِخراج لا يفيد الردّ.

وحين يجيب عن مطاعن عثمان، لم ينظر بعين الاعتبار إلى روايات الواقدي المؤكّدة لتلك المطاعن.

وعلى هذا أيضاً: فإنّ لنا أن نقول: إنّ سكوت الواقدي عن رواية حديث الغدير غير قادح في تواتره وصحته.

٢٤٥

٣. الواقدي مجروح

ثم إنّ الواقدي - وإن تمسّك الرازي بعدم روايته حديث الغدير، وعدّه القوشجي والتفتازاني من الأئمّة المحققين وفي مرتبة البخاري ومسلم، ومدحه عبد الحق الدّهلوي وحسام الدين السهارنفوري ووصفاه بالحفظ والاتقان كالبخاري ومسلم، واستند إلى روايته الكابلي و ( الدهلوي )، وعبّر عنه جماعة بـ « أمير المؤمنين في الحديث » - مجروح من قبل جماعة من أكابر الأئمّة الحفّاظ وعلماء الجرح والتّعديل، كالبخاري وأحمد وابن معين وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وابن عديّ وابن الجوزي وابن المديني وابن راهويه والذّهبي وغيرهم

وتجد كلمات هؤلاء وغيرهم في الحطّ عليه والطّعن فيه بترجمته في معاجم الرجال، أمثال:

١ - ميزان الاعتدال ٣ / ٦٦٢.

٢ - تذهيب التهذيب - مخطوط.

٣ - المغني في الضعفاء ٢ / ٦١٩.

٤ - العبر - حوادث سنة ٢٠٧.

٥ - الكاشف ٣ / ٨٢.

٦ - سير أعلام النّبلاء ٩ / ٤٥٤.

٧ - التاريخ الصغير للبخاري ٢ / ٣١١.

٨ - الأنساب - الواقدي.

٩ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٢٠٧.

١٠ - تقريب التهذيب ٢ / ١٩٤.

١١ - طبقات الحفّاظ / ١٤٤.

ففي ( ميزان الاعتدال ): « أحد أوعية العلم على ضعفه، قال أحمد بن حنبل هو كذّاب يقلّب الأحاديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرّة: لا

٢٤٦

يكتب حديثه، وقال البخاري وأبو حاتم: متروك، وقال أبو حاتم أيضاً والنسائي: يضع الحديث، وقال الدارقطني: فيه ضعف، وقال ابن عديّ: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه، وقال ابن راهويه: هو عندي ممّن يضع الحديث ».

بل قال الذهبي في ( المغني ): « مجمع على تركه ».

وفي ( وفيات الأعيان ): « ضعّفوه في الحديث وتكلّموا فيه ».

وفي ( الأنساب ): « وقد تكلّموا فيه ».

وفي ( مرآة الجنان ): « لكن أئمّة الحديث ضعّفوه ».

وفي ( تقريب التهذيب ): « متروك ».

وفي ( تدريب الراوي في شرح تقريب النّواوي ): « قال النسائي: الكذّابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام ».

وقد ترجم ابن سيد الناس في أول ( عيون الأثر ) الواقدي بإسهاب فذكر كلمات المادحين والقادحين كلّها بالتفصيل.

والذي نقوله نحن بعد ذلك كلّه: إنّه لا يجوز التمسكّ بعدم إخراج الواقدي لحديث الغدير، في مقابل الأماميّة، حتى لو كان مجمعاً على وثاقته والاعتماد عليه وذلك:

١ - لأنّه من أهل الخلاف.

٢ - لأنّ ترك إخراج الحديث لا يلتفت إليه.

٣ - لأنّ الرازي نفسه قد خالف رواياته.

٢٤٧

٢٤٨

(٣)

عدم رواية ابن إسحاق حديث الغدير

٢٤٩

٢٥٠

وأمّا الاستدلال الفخر الرازي بترك ابن اسحاق رواية حديث الغدير، فهو مردود بوجوه:

١. ابن اسحاق من رواة حديث الغدير

إنّ ابن اسحاق روى حديث الغدير، وروى قصة هذا الحديث، كما نقل عنه جماعة من كبار علماء القوم. فدعوى عدم روايته حديث الغدير كذب واضح وبهتان مبين

ذكر من نقل عن ابن اسحاق حديث الغدير

ومن المناسب أن نورد في هذا المقام كلمات جماعةٍ من الأعلام ونقلة حديث الغدير، عن ابن اسحاق:

فمنهم: الحافظ ابن كثير الدمشقي، فإنه قال في ذكر القصة:

« ولمـّا رجع -عليه‌السلام - من حجة الوداع، فكان بين مكة والمدينة بمكانٍ يقال له « غدير خمّ »، خطب الناس هنالك خطبته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فقال في خطبته: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وفي بعض الروايات: أللهمَّ

٢٥١

وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله . والمحفوظ الأول.

وإنّما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضل عليّ - ما ذكره ابن إسحاق - من أنّ علياً بعثه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى اليمن أميراً على خالد بن الوليد، فرجع عليّ فوافى حجة الوداع مع النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، وقد كثرت فيه القالّة وتكلّم فيه بعض من كان معه، بسبب استرجاعه منهم خلعاً كان خلعها نائبه عليهم، لما تعجّل السّير إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فلمّا فرغ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من حجة الوداع أحبّ أن يبرئ ساحته مما نسب إليه من القول فيه ».

ومنهم: ابن حجر المكي، حيث قال في الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير ما نصّه.

« وأيضاً فسبب ذلك - كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن اسحاق - إنّ عليّاً تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضى -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حجّه، خطبها تنبيهاً على قدره وردّاً على من تكلّم فيه كبريدة، لما في البخاري: أنه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صحّحه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوه، فنقصّه للنبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه»(١) .

ومنهم: محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فقد قال في رد حديث الغدير:

« الوجه الثاني - وهو: أنّ السبب في هذه الوصيّة - كما رواه الحافظ شمس الدين ابن الجزري عن ابن اسحاق صاحب المغازي -: أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - لما رجع من اليمن، تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن. فلمّا قضى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حجّه، خطب هذه الخطبة تنبيها على قدره، وردّاً على من

___________________

(١). الصواعق المحرقة / ٢٥.

٢٥٢

تكلّم فيه كبريدة - رضي‌الله‌عنه -، لما في البخاري أنه كان يبغض علياً، حين رجع معه من اليمن، وسببه - كما صحّحه الذّهبي - أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوة فنقّصه للنبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فجعل وجهه - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يتغيّر ويقول: يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه » (١) .

ومنهم: المولوي حسام الدين السهارنبوري - الذي طالما نقل ( الدهلوي ) خرافاته، متى لم يجد بغيته في صواقع نصر الله الكابلي - فإنّه أورد كلام ابن حجر المكي المتقدم بنصه(٢) .

ومنهم: ( الدّهلوي ) نفسه، فقد ذكر في خاتمة كلامه في ردّ حديث الغدير، رواية ابن اسحاق لهذا الحديث الشريف(٣) .

وبعد:

فإنّ هذه التصريحات، تكذّب الفخر الرازي في دعواه ترك ابن إسحاق رواية حديث الغدير.

ولقد تنبّه إلى قبح هذه الدعوى وبطلانها، جماعة من علمائهم، كالسّعد التفتازاني في ( شرح المقاصد ) - بالرغم من تقليده الرازي في منع تواتر هذا الحديث والقوشجي في ( شرح التجريد )، وعبد الحق الدهلوي في ( ترجمة المشكاة )، وصاحب ( المرافض )، فلم يذكروا « ابن إسحاق » في جملة من سكت عن رواية حديث الغدير.

هذا، ومن الطريف: إسقاط كمال الدين الجهرمي اسم « ابن إسحاق » من عبارة ابن حجر صاحب الصواعق المتقدم نصها، في كتاب ( البراهين القاطعة في

___________________

(١). نواقض الروافض، في رد حديث الغدير.

(٢). مرافض الروافض، في رد حديث الغدير.

(٣). التحفة الاثنا عشرية: ٢١٠.

٢٥٣

ترجمة الصواعق المحرقة ) ليكتم بذلك فضيحة الفخر الرّازي هذه ولكنْ « لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ».

٢. ذكر ابن إسحاق حضور علي في حجة الوداع

لقد علم ممّا تقدم رواية ابن إسحاق حديث الغدير، وقد عنون ابن إسحاق موافاة أمير المؤمنين رسول الله - صلّى الله عليهما وآلهما - في حجة الوداع أيضا فإن كان « ابن إسحاق » ثقة، فلم ينكر الرازي وجود الامام -عليه‌السلام - في تلك الحجة مع رواية ابن إسحاق ذلك كغيره!؟ وإن لم يكن ثقة فلم يتشبّث به في عدم رواية حديث الغدير فضلا عن بطلان أصل النسبة!؟

وأمّا رواية ابن إسحاق قفول الامام -عليه‌السلام - من اليمن وموافاته النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهذا نصها في سيرته التي هذّبها ابن هشام فاشتهرت باسمه:

« موافاة علي -رضي‌الله‌عنه - في قفوله من اليمن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في الحج: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان بعث علياً -رضي‌الله‌عنه - إلى نجران، فلقيه بمكة وقد أحرم، فدخل على فاطمة بنت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فوجدها قد حلّت وتهيّأت، فقال: مالك يا بنت رسول الله؟ قالت: أمرنا رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نحل بعمرة فحللنا. قال: ثم أتى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فلما فرغ من الخبر عن سفره، قال له رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنطلق فطف بالبيت وحل كما حل أصحابك، قال: يا رسول الله إنّي أهللت كما أهللت، فقال: إرجع فاحلل كما حلّ أصحابك قال: يا رسول الله! إنّي قلت حين أحرمت: اللهمّ إنّي أهل بما أهل به نبيّك وعبدك ورسولك محمد، قال: فهل معك من هدي؟ قال: لا، فأشركه رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في هديه وثبت على إحرامه مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى فرغا من الحجّ،

٢٥٤

ونحر رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الهدي عنهما.

قال ابن اسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل علي -رضي‌الله‌عنه - من اليمن، ليلقى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بمكة تعجّل إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - واستخلف على جنده الذي معه رجلاً من أصحابه فعمد ذلك الرجل، فكسى كل رجل من القوم حلة من البرد الذي كان مع علي -رضي‌الله‌عنه - فلما دنا جيشه خرج ليتلقّاهم، فاذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟

قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم »(١) .

أقول: فثبت بالوجهين المذكورين رواية ابن إسحاق القصة والحديث معاً، وسقط ما زعمه الرازي.

٣. ابن اسحاق مجروح

هذا، وقد جرح ابن إسحاق غير واحد علماء الجرح والتعديل منهم، فالتمسك بسكوته عن حديث الغدير - على تقدير التسليم - غير صحيح بناء على ذلك:

فقد كذّبه القطان، وقال ابن معين: ثقة وليس بحجة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: لا يحتجّ به، وقال أحمد: هو كثير التدليس جدا وقد ذكرت هذه الكلمات بترجمة محمد بن إسحاق من كتاب ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال )، وكتاب ( المغني في الضعفاء ) للحافظ شمس الدين الذهبي.

___________________

(١). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٠٢ - ٦٠٣.

٢٥٥

ففي ( ميزان الاعتدال ): « وثّقه غير واحد، ووهّاه آخرون، وهو صالح الحديث، ماله عندي ذنب إلّا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة، وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث، وقال ابن معين ثقة وليس بحجّة، وقال علي بن المديني: حديثه عندي صحيح، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: لا يحتج به، وقال سليمان التيمي: كذّاب، وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان ابن إسحاق. فالذي يظهر أن ابن اسحاق حسن الحديث صالح الحال صدوق، وما إنفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئاً، وقد احتج به أئمّة، فالله أعلم. وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في صحيحه »(١) .

وترجم ابن سيد الناس لابن اسحاق في اول ( عيون الأثر ) كذلك وهذا مختصرها:

« ذكر الكلام في محمد بن اسحاق والطعن عليه روى ابن معين، عن يحيى القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحاق ولا يحدّث عنه، وقيل لأحمد: يا أبا عبد الله إذا تفرد بحديث تقبله؟ قال: لا، والله إنّي رأيته يحدّث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقال ابن المديني مرة: هو صالح وسط، روى الميموني عن ابن معين: ضعيف، وروى عنه غيره: ليس بذلك، وروى الدوري عنه: ثقة ولكنه ليس بحجة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البرقاني: سألت الدارقطني، عن محمد بن اسحاق بن يسار وعن أبيه. فقال: جميعاً لا يحتج بهما وإنما يعتبر بهما، و قال علي: قلت ليحيى بن سعيد: كان ابن إسحاق بالكوفة وأنت بها؟ قال: نعم. قلت: تركته متعمّداً؟ قال: نعم، ولم أكتب عنه حديثاً قط، وقال سليمان التيمي: كذّاب وقال يحيى القطان: ما

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٤٦٨.

٢٥٦

تركت حديثه إلّا لله أشهد أنه كذّاب. قلت: والكلام فيه كثيرا جدّاً. وقد قال أبو بكر الخطيب: قد احتج بروايته في الأحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون »(١) .

ولو كان ابن إسحاق ثقة بالإجماع، لما كان سكوته عن رواية حديث من الأحاديث مطلقاً موجباً للقدح، فكيف والحال هذه!؟

والخلاصة

إنه لم يبق ريب في شناعة تمسك الرازي بعدم نقل البخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق، بعد الوقوف على وجوه الجواب التي قدمنا ذكرها في الفصول المتقدمة، وقد ثبت لدى أصحاب النظر وذوي الإمعان والتدبر، أنه لو أعرض مائة رجل كهؤلاء الأربعة عن حديث الغدير، لم يكن إعراضهم قادحاً في تواتره ولا صحته، بحال من الأحوال. كيف؟ وللتواتر شروط متى اجتمعت في حديث حكم بتواتره ألبتة، وليس من الشروط عدم سكوت هؤلاء أو أمثالهم عن ذلك الحديث، وعلى من ادعى ذلك إقامة الدليل والبرهان.

نعم إن السبب الوحيد لترك هؤلاء رواية حديث الغدير، إنما هو التعصّب والانحياز عن أهل البيت الطاهرين، حتى يأتي من بعدهم الرازي وغيره، فيقول في رد هذا الحديث: لم يخرجه فلان وفلان ولكنّ أبا زرعة الحافظ الامام أغلظ للبخاري ومسلم القول، لئلّا يتذرع بهما أحد ويتمسك بكتابيهما فبطلت ظنون القوم وخابت آمالهم والحمد لله رب العالمين.

___________________

(١). عيون الأثر ١ / ١٠ - ١٣.

٢٥٧

٢٥٨

(٤)

عدم رواية الجاحظ حديث الغدير

٢٥٩

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423