نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188858 / تحميل: 7247
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والجواب عن تشبّث الرّازي بترك الجاحظ رواية حديث الغدير من وجوه:

١. الجاحظ من النواصب

إن الجاحظ يعدّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - ومن أنصار المروانية أعداء الامام، حتى أنه ألّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على علي -عليه‌السلام -، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحد من المسلمين، في الدفاع عن الإسلام ونبي الاسلام محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال ( الدهلوي ): « الجاحظ معتزلي وناصبي معاً، وله كتاب ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظام »(١) .

ثم إن ( الدهلوي ) صرح في باب الامامة من كتابه بأن الطعن في أمير المؤمنين -عليه‌السلام - كفر.

هذا، وقد نص على تأليف الجاحظ الكتاب المشار اليه ابن تيمية الحراني حيث قال بعد كلام له حول مراتب الصحابة:

___________________

(١). حاشية التحفة الاثنا عشرية - مبحث الدلائل العقلية على إمامة أمير المؤمنين.

٢٦١

« فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح، ممن أسلم بعد الحديبية، وعلم تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلم أن البدريين أفضل من غير البدريين، وأن علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يقدّم عليه أحداً غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟

نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ »(١) .

وقال ابن تيمية في موضع آخر من كتابه:

« والمروانية الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجتهم أقوى من حجّة هؤلاء الرافضة، وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن للزيدية نقضه، دع الرافضة »(٢) .

فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسك الرازي بتركه رواية حديث الغدير.

٢. أضاليل الجاحظ وردود المفيد عليه

واعلم أن الجاحظ قد أورد في كتابه المذكور عن إبراهيم النظام مطاعن أمير المؤمنين -عليه‌السلام - والعياذ بالله -. وقد أجاب عن تلك المزاعم شيخ الامامية الشيخ المفيد - رحمة الله عليه - في كتابه ( العيون والمحاسن ) الذي اختصره تلميذه الشّريف المرتضى علم الهدى -رحمه‌الله - في كتابٍ أسماه بـ ( الفصول المختارة من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ٧٠.

٢٦٢

العيون والمحاسن )، وقد اعتمد ( الدهلوي ) على تلك الأجوبة فأوردها في ( التحفة ) في الجواب عن الدليل السادس من الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نقلاً عن النواصب.

ترجمة الشيخ المفيد

والشيخ المفيد من كبار أئمّة الإِمامية، وقد ترجم له علماء أهل السنة:

١ - الحافظ الذهبي: « والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً بابن المعلّم، عالم الشيعة وإمام الرّافضة وصاحب التصانيف الكثيرة.

قال ابن أبي طي في تاريخ الامامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل، يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية، قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدّولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي »(٢) .

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤١٣.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤١٣.

٢٦٣

٣ - الحافظ ابن حجر: « محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة أبو عبد الله ابن المعلم صاحب التصانيف البدعية وهي مائتا تصنيف، طعن فيها على السلف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي مات سنة ٤١٣.

قال الخطيب: صنّف كتباً كثيرة في ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن على الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، وهلك بها خلق، إلى أن أراح الله منه في شهر رمضان.

قلت: وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرّج به جماعة وبرع في أفعاله الامامية حتى كان يقال: له على كل إمامي منة، وكان أبوه مقيماً بواسط وولد المفيد بها وقيل: بعكبرا. ويقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض.

وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن »(١) .

ردود الاسكافي على الجاحظ

كما أورد ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة ) طرفاً من تشكيكات الجاحظ في فضائل الامام -عليه‌السلام - ومناقبه وخصائصه التي انفرد بها من بين الصحابة، ككونه أول من أسلم، ومبيته على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وشجاعته ومواقفه في الغزوات، وغير ذلك، ونقل ردود شيخه أبي جعفر الاسكافي المعتزلي على أضاليله وأباطيله في كتابه ( نقض العثمانية ) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع.

___________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣٦٨.

٢٦٤

ترجمة أبي جعفر الاسكافي

وقد ترجم لأبي جعفر الاسكافي - صاحب الرد على الجاحظ -:

١ - السمعاني: « أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي، أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة، وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلّم معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين »(١) .

٢ - ياقوت الحموي: « محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي، عداده في أهل بغداد، أحد المتكلّمين من المعتزلة، له تصانيف، وكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي ويتكلّم معه. مات في سنة أربع ومائتين »(٢) .

٣ - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي * وهو صاحب كتاب ( المغني ) ترجم له الأسنوي في طبقاته، فقال: القاضي أبو الحسن عبد الجبار الاسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلّدا للشافعي في الفروع، وعلى رأس المعتزلة في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة، ذكره ابن الصلاح * إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه:

« أبو جعفر الاسكافي، فهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي، عدّه قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي، وجعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المرداد، ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد بن إسماعيل العسكري، ثم عبد الكريم بن روح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام، ثم

___________________

(١). الأنساب - الاسكافي.

(٢). معجم البلدان ١ / ١٨١.

٢٦٥

أبا الحسين الصالح، ثم صالح قبة، ثم الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد ابن سليمان ثم أبا جعفر الاسكافي هذا.

وقال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً، وصنّف سبعين كتاباً في علم الكلام وهو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ سوق الورّاقين ببغداد، فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرّض لنقض كتابي - وأبو جعفر جالس -؟ فاختفى منه حتى لم يره، وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد يبالغ في ذلك، وكان علويّ الرأي، محققاً منصفاً، قليل العصبية ».

٣. قال الخطابي: الجاحظ ملحد

ولهذه الأمور وغيرها صرّح الحافظ الخطابي بأن الجاحظ رجل ملحد وهل يستند الى ترك رواية هذا الرجل حديث الغدير للطعن فيه؟

إنّه لا قيمة لكلام هكذا شخص ولا وزن له في معرفة الأحاديث النبوية الشريفة مطلقا

أما كلام الخطابي فقد أورده الشيخ محمد طاهر الكجراتي * المتوفى سنة ٩٨٦، ترجمه الشيخ العيدروس في ( النور السافر عن أخبار القرن العاشر ) في حوادث السنة المذكورة بقوله: « استشهد الرّجل الصّالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقب بملك المحدثين الهندي – رحمه ‌الله آمين - على يدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السّبابة والمهدوية القتّالة وهو الذي أشار إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالمزية في الرؤيا التي رآها الشيخ علي المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة علية، وكان على قدم من الصلاح والورع والتبحّر في العلم، كانت ولادته سنة ٩١٣، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، وجدّ في العلم ومكث كذلك نحو خمسة عشر سنة، وبرع في فنونٍ عديدة وفاق الأقران، حتى لم يعلم أن أحداً من

٢٦٦

علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث. كذا قال بعض مشايخنا. وله تصانيف نافعة » * في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) حيث قال:

« في المقاصد: « اختلاف أمتي رحمة » للبيهقي، عن الضحاك، عن ابن عباس، رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف، وقال شيخنا: إن هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس، وكثر السؤال عنه، فزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان، أحدهما ما جن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي والجاحظ، وقالا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا، ثم رد الخطابي عليهما »(١) .

و قد نقله الشيخ نصر الله الكابلي أيضاً، حيث قال في ( صواعقه ):

« الثامن - ما رواه البيهقي في المدخل، عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - انه قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إختلاف أمتى رحمة. قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر العسقلاني: هو حديث مشهور على الألسنة. وقال الخطابي في غريب الحديث: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ما جن والآخر ملحد وهما: إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعاً: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ».

وفي شرح حديث القرطاس من شرح مسلم للنووي عن الخطابي في الجاحظ إنه « مغموص عليه في دينه ».

ترجمة الخطابي

وقد ذكر الخطابي مترجموه بكل إطراء وثناء، فقد ترجم له:

___________________

(١). تذكرة الموضوعات / ٩٠ - ٩١.

٢٦٧

١ - السمعاني: « أبو سليمان أحمد(١) بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة مثل: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن، وكتاب غريب الحديث، والعزلة، وغيرها. سمع أبا سعيد ابن الأعرابي بمكة، وأبا بكر محمد بن بكر بن داسة التمّار بالبصرة وإسماعيل ابن محمد الصفار ببغداد، وغيرهم. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وجماعة كثيرة.

وذكره الحاكم أبو عبد الله في التاريخ فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي، أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدّث بها وكثرت الفوائد من علومه، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ببست »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان فقيهاً، أديباً محدثاً، له التصانيف البديعة وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً »(٣) .

٣ - الذهبي ، ووصفه بـ « الفقيه الأديب » وقال: « كان علامة محققاً »(٤) .

٤ - اليافعي ، ووصفه بـ « الامام الكبير والحبر الشهير » قال: « كان فقيهاً أديباً، محدثاً »(٥) .

٥ - الصفدي ، وذكر عن السمعاني قوله: « كان الخطابي حجة صدوقاً » وعن الثعالبي: « كان يشبّه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام »(٦) .

___________________

(١). في بعض المصادر اسمه: حمد.

(٢). الأنساب - الخطابي.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٤٥٣.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٨٨.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٣٨٨.

(٦). الوافي بالوفيات ٧ / ٣١٧.

٢٦٨

٦ - الأسنوي: « كان فقيهاً، رأساً في علم العربية والأدب وغير ذلك »(١) .

٧ - ابن قاضي شهبة الأسدي، وأضاف: « ومحلّه من العلم مطلقا ومن اللّغة خصوصاً، الغاية العليا »(٢) .

٨ - السيوطي: « الخطابي الامام العلامة المفيد المحدث الرحّال وكان ثقة ثبتاً [ متثبتاً ] من أوعية العلم »(٣) .

٩ - محمد بن محمد السنهوري الشافعي، وصفه بـ « العلامة الحافظ »(٤) .

١٠ - عبد الحق الدهلوي: « المشار إليه في عصره والعلامة فريد دهره في الفقه والحديث والأدب ومعرفة الغريب، له التصانيف المشهورة والتأليفات العجيبة »(٥) .

١١ - ( الدهلوي )، ذكر النووي البغوي والخطابي وقال: « إنّهم من علماء الشافعية وهم معتمدون جدّاً، وكلامهم متين مضبوط »(٦) .

١٢ - الفخر الرازي، حيث مدحه وأطراه بقوله: « والمتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم:

أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الاصفهاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والامام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب كتاب المتفق، والامام الخطيب صاحب تاريخ بغداد. والامام أبو سليمان الخطابي الذي كان بحراً في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل الحديد لأبي سليمان، يعنون داود النبي

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٦٧.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٥٩.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤٠٣.

(٤). التعليق على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - مخطوط.

(٥). رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي: ٣٨٤.

(٦). أصول الحديث: ٢٣.

٢٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال تعالى فيه: وألنّا له الحديد.

فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي»(١) .

هذا، وقد اعتمد عليه نصر الله الكابلي في ( صواقعه ) في الجواب عن منع عمر المغالاة في المهر، واصفاً إيّاه بـ « الحافظ ». وكذا ( الدهلوي ) في ( التحفة ) في الجواب عن القضية المذكورة، وحيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( منتهى الكلام )(٢) .

٤. آراء العلماء في الجاحظ

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات أئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، الصريحة في سقوط الرجل عن درجة الاعتبار، وفي عدم وثوقهم به:

١ - الحافظ الذهبي: « عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً »(٣) .

٢ - الذهبي أيضاً: « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً. قلت: وكان من أئمّة البدع »(٤) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الجاحظ العلّامة المتبحر، ذو الفنون، ابو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام وروى

___________________

(١). فضائل الشافعي للفخر الرازي: ٦٥.

(٢). وله ترجمة أيضاً في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤، إنباه الرواة ١ / ١٢٥، معجم الأدباء ٤ / ٢٤٦، شذرات الذهب ٣ / ١٢٧ تذكرة الحفاظ ١٠١٨ المنتظم حوادث ٣٨٨، تاريخ ابن كثير والنجوم الزاهرة في حوادث السنة المذكورة.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٤٧١.

(٤). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٤٧.

٢٧٠

عن أبي يوسف القاضي وثمامة بن أشرس. روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته. وكان أحد الأذكياء.

قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال: قال يموت: كان جدّه جمالاً أسود. وعن الجاحظ: نسيت نسبي ثلاثة أيام حتى عرفني أهلي.

قلت: كان ماجناً قليل الدين، له نوادر

قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.

قال اسماعيل بن الصفار: أنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فادخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أنبأنا السلفي، أنبأ المبارك بن الطيوري، أنبأ محمد بن علي الصوري إملاء، أنبأ خلف بن محمد الحافظ بصور، أنبأ أبو سليمان بن زبر، ثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ فاستأذنت عليه فاطلع عليَّ من كوّةٍ في داره، فقال: من أنت؟ فقلت رجل من أصحاب الحديث، فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية! فقلت إني ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وأبيك، أدخل. فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت تحدثني بحديثٍ واحد. فقال: أكتب: أنبأ حجاج بن المنهال أنبأ حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلى على طنفسة فقلت: زدني حديثاً آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.

قلت: كفانا الجاحظ المئونة، فما روى في الحديث إلّا النزر اليسير، ولا هو بمتّهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين. عفا الله تعالى عنه »(١) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

٢٧١

٤ - وقال ابن حجر العسقلاني بترجمته ما ملخصه:

« عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل: قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمّة البدع.

قلت: وروى الجاحظ عن حجاج الأعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير وروايته عنهم في أثناء كتابه في الحيوان.

وحكى ابن خزيمة أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود. وذكر قصة.

وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلّي.

وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء، يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك.

وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.

وذكر أبو الفرج الاصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً.

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير الموضع، وهو في الطيوريات.

قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدّهم تلطّفاً، لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فتجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزندقة على أهل السنة، ومرة يفضّل عليا ومرة يؤخّره، ويقول: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كذا، ويتبعه أقوال المجان، ويذكر في الفواحش ما يجل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين؟ ويعمل كتابا يذكر حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز الحجة، فكأنّه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزء بالحديث إستهزاءً لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب

٢٧٢

أن يبيّضه المسلمون حين استلموه، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم للحديث، وأنصرهم للباطل.

وقال النديم: قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وإسماعيل القاضي والفتح بن خاقان.

وقال النديم - لما حكى قول الجاحظ لما قرأ المأمون كتبي، قال هي كتب لا يحتاج إلى تحضير صاحبها -: إن الجاحظ حسّن هذا اللفظ تعظيماً لنفسه وتفخيماً لتآليفه. وإلّا فالمأمون لا يقول ذلك.

وقال ابن حزم في الملل والنحل: كان أحد المجّان الضلّال، غلب عليه قول الهزل، ومع ذلك فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإنْ كان كثير الإِيراد لكذب غيره.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدّمة تهذيب اللّغة: وممّن تكلّم في اللغات بما حصده لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ. وكان أوتي بسطة في القول، وبياناً عذباً في الخطب ومجالاً في الفنون، غير أنّ أهل العلم ذمّوه، وعن الصدوق دفعوه.

وقال ثعلب: كان كذّاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس »(١) .

ترجمة أبي منصور الأزهري

والأزهري - الذي قال عن الجاحظ ما نقله الحافظ ابن حجر - هو: محمد ابن أحمد اللغوي من كبار علماء أهل السنة وأئمّتهم:

ترجم له ابن خلكان وقال: « الامام المشهور في اللغة، كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللّغة فاشتهر بها، وكان متفقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه »(٢) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٣٥٥.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٨.

٢٧٣

وقال السبكي: « وكان إماماً في اللغة، بصيراً بالفقه، عارفاً بالمذهب، عالي الاسناد، كثير الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الإِنتصار لألفاظ الشافعي متحرّياً في دينه »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام العلّامة اللغوي الشافعي »(٢) .

وذكره الذهبي في حوادث السنة المذكورة(٣) .

وقال السيوطي: « وكان عارفاً عالماً بالحديث، عالي الاسناد، كثير الورع »(٤) .

ترجمة ثعلب

واما ثعلب - الذي قال عن الجاحظ: « ليس ثقة ولا مأموناً » وقال: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس » - فهو أيضاً من كبار المحدّثين، ومن أساطين الفقه والأدب واللغة

قال السيوطي: « ثعلب الامام المحدث، شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني مولاهم البغدادي، المقدّم في نحو الكوفيين. ولد سنة ٢٠٠، وابتدأ الطلب سنة ١٦ حتى برع في علم الحديث.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريري ألف حديث.

وقال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ. مات في جمادى الآخرة سنة ٢٩١»(٥) .

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٦٣ - ٦٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٧٠.

(٣). العبر حوادث ٣٧٠.

(٤). بغية الوعاة: ١ / ١٩.

(٥). طبقات الحفاظ ٢٩٠.

٢٧٤

وترجم له السيوطي أيضاً ترجمة حافلة ووصفه فيها بـ « الامام » وأورد كلمات العلماء في حقه وقال: « قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما ذا يكون حالي. فانصرفت من عنده فرأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في تلك الليلة فقال لي: إقرأ أبا العباس منّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل ».

قال السيوطي: « وذكره الداني في طبقات القراء »(١) .

وقال ابن خلكان: « كان إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث. فكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه...»(٢) .

وقال اليافعي: « وفي السنة المذكورة توفي الامام العلامة الأديب أبو العباس المشهور بثعلب صاحب التصانيف المفيدة، إنتهت اليه رئاسة الأدب في زمانه وكان ثقة صالحاً، مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة ...»(٣) .

وترجم له الحافظ الذهني، وذكر أنه سمع من عبيد الله القواريري وطائفة »(٤) .

وكذا ترجم له ابن الوردي في تاريخه(٥) .

وقال النووي بترجمته ما ملخصه:

« ثعلب مذكور في باب الوقف من المهذّب والوسيط، هو الامام المجمع على

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ - ٣٩٨.

(٢). وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ - ١٠٤.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

(٤). العبر - حوادث سنة ٢٩١.

(٥). تتمة المختصر - حوادث سنة ٢٩١.

٢٧٥

إمامته، وكثرة علومه وجلالته، إمام الكوفيين في عصره لغةً ونحواً، وثعلب لقب له. قال الامام أبو منصور الأزهري في خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن في زمن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين وأورعهما وأرواهما للّغات والغريب، وأوجزهما كلاماً وأقلّهما فضولاً »(١) .

أقول: فهذا رأي علماء أهل السنّة وأئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، فهل يليق بالرازي أن يستند إلى ترك هكذا شخص رواية حديث الغدير، ويستدل بذلك على عدم صحته؟

٥. اتصاف الجاحظ بالصفات الذميمة

والجاحظ - بالاضافة إلى ما تقدم - متصف بصفات ذميمة وأعمال قبيحة تسقطه عن درجة الاعتبار، ولا تدع مجالاً للتوقف في عدم جواز الاعتماد على كلامه في رواية أو قدحه في حديث:

فمن ذلك: أنه كان لا يصلي وقد ذكر ذلك في ترجمته من كتاب ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: أنه كان كذّاباً وقد تقدم ذلك أيضاً في ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: انه كان مختلفاً وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي.

بل ذكر جماعة من علمائهم وضعه - مع أبي العيناء - حديث فدك، وممن ذكر ذلك سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ) والسيوطي في ( تدريب الراوي ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ).

ومن ذلك: أنه كان كثير الهزل نص على ذلك ابن الوردي وغيره.

ومن ذلك: انه كان يستمع إلى الغناء ويجتمع بالمغنيات، وذكر ذلك ابن

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ / ٢٧٥.

٢٧٦

خلكان واليافعي في تاريخيهما.

٦. الآثار المترتبة على الاعتماد على الجاحظ

وأخيراً، فإن الاعتماد على الجاحظ في الروايات والأخبار، والدفاع عنه ونفي عداوته للإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام ، وتنزيهه عمّا نسب اليه، يؤدّي إلى وقوع أهل السنة في إشكال قوي يصعب بل يستحيل التخلّص منه

وبيان ذلك: انه قد ثبت أن الجاحظ كان يتبع شيخه إبراهيم النظّام في جميع أقو اله وآرائه وما كان يدين به وقد ثبت أيضاً أن النّظام كان يعتقد بإسقاط عمر بن الخطاب جنين فاطمة الزهراء -عليها‌السلام - وبغير ذلك من الأمور التي لا يرتضيها أهل السنة عامة كما جاء في ترجمته من كتاب ( الوافي بالوفيات ).

وقد صرح باقتفاء الجاحظ أثر النّظام في جميع مقالاته جماعة من الأعلام كاليافعي وابن الوردي وابن خلكان.

فلو جاز للفخر الرازي أن يستدل بترك الجاحظ رواية حديث الغدير - أو قدحه فيه - جاز للامامية الاستدلال بكلام شيخه النظّام في باب الطعن في عمر ابن الخطاب وخلافته

ولقد اعتمد ( الدهلوي ) تبعاً لابن حزم على كلام النظّام في الطعن في مؤمن الطاق -رحمه‌الله تعالى - وهكذا استشهد الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) بأشعار النظّام التي أنشدها في ذمّ أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - تلميذ أبي حنيفة - على قبره.

فإنْ قيل: ذمُّ النظام أبا يوسف القاضي غير مسموع، لذمّ العلماء النظّام وقدحههم فيه، كما في ( الأنساب ) و ( لسان الميزان ) و ( الوافي بالوفيات ) وغيرها

قلنا: إن هذا إنّما يتوجه فيما إذا لم يركن العلماء إلى أقواله، ولم يعتمد المحدّثون على مقالاته، ولم يبذلوا قصارى عهدهم في الدفاع عن تلميذه

٢٧٧

الجاحظ الأخذ بأقواله والمقتفي لآثاره، والناقل عنه وجوه المناقشة في فضائل مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

وإذا كان الجاحظ معتمداً عليه كما يدل عليه صنيع الرازي فقد ثبت ان الجاحظ قد انتقد أبا بكر وعمر على منعها ميراث فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وظلمهما لها وتعدّيهما عليها في كلام طويل له في الموضوع، ذكره الشريف المرتضى -رحمه‌الله - حيث قال:

« فإنْ قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة -عليها‌السلام - عن الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم ولم تنكر عليه؟ وفي رضائها وإمساكها دليل على صوابه.

قلنا: قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلّا في المواضع التي لا يكون له وجه سوى الرضا، وبيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بياناً شافياً.

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال، جواباً جيّد المعنى واللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.

قال: وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما - يعني أبا بكر وعمر - في منع الميراث وبراءة ساحتهما: ترك أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما.

ثم قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليلاً على صدق دعوتهم واستحسان مقالتهم، لا سيّما وقد طالت به المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدّت المواجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة حقها ومحتجة برهطها:

٢٧٨

من يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟

قال: أهلي وولدي.

قالت: فما بالنا لا نرث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فلمّا منعها ميراثها وبخسها حقّها واعتلّ عليها وحلج في أمرها، وعاينت التهضم وأيست من النزوع، ووجدت من الضعف وقلة الناصر، قالت:

و الله لأدعونَّ الله عليك.

قالت: والله لأدعونَّ الله لك.

قالت: والله لا أكلمّك أبداً.

قال: والله لا أهجرك أبداً.

فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها على الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجراً وتجور عادلاً وتقطع واصلاً، فاذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، أوجب علينا وعليكم.

وإنْ قالوا: كيف يظنّ بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها، وكلّما ازدادت فاطمة عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقة، حيث يقول: والله لا أهجرك أبداً ثم تقول: والله لأدعونَّ الله عليك، فيقول: والله لأدعونَّ الله لك!؟ ولو كان كذلك لم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة بحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنزيه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً ومتقرّباً بالكلام المعظّم لحقّها المكرّم لمقامها، والصائن لوجهها والمتحنّن عليها: ما أحد أعن به عليَّ منك فقراً، ولا أحب إليّ منك غنى، ولكني سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: إنا معشر الأنبياء لا نرث ولا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٧٩

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من العمد، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصب وحدب الوامق ومقة المحق.

وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمراً قال على منبره: « متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - متعة النّساء ومتعة الحج وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّئه في معناه، ولا تعجّب منه ولا استفهمه؟

وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السّقيفة وبعد ذلك: أنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: « الأئمّة من قريش » ثمّ قال في شكاته: ولو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك - حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الذين جعلهم شورى - وسالم عبد لامرأةٍ من الأنصار، وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين خبريه ولا تعجّب منه؟

وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة له ولا رهبة عنده، دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والاطلاق، فليس بحجّة نفي ولا دلالة ترضيّ.

قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ المنصوص، ولو كانا كما يقولون وما يصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدّة.

قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، إدّعيا رواية وتحدّثا بحديثٍ لم يكن مجال كذبه ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد له عليه من علمه مثل علمهما فيه، ولعلّ بعضهما كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه، مأموناً في

٢٨٠

ظاهره، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ولا جرّب عليه غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد، ولأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج، والذي يقطع بشهادته على المغيب، وكان ذلك شبهة على أكثرهم، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر، فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلّا العالم المتقدّم والمؤيد المسترشد.

ولأنه لم يكن في عثمان في صدور العوام وفي قلوب السّفلة والطغام ما كان لهما من الهيبة والمحبّة. ولأنّهما كانا أقلّ استيثاراً بالفيء وأقلّ تفكّها بمال الله منه، ومن شأن الناس إهمال السّلطان بما وفّر عليهم أموالهم، ولم يستأثر بخراجهم ولم يعطّل ثغورهم. ولأنّ الذي صنع أبو بكر من منع العترة حقّها [ حظّها ] والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلّة قريش وكبراء العرب. ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه ومستخفّاً لقدره، لا يمنع ضيماً ولا يقمع عدوّاً، ولقد وثب أناس على عثمان بالشتم والقدح، والقذف بالتشنيع والنكير، لأمور لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترأوا على اغتيابه، فضلاً عن مبارزته والاغراء به ومواجهته، كما أغلظ عيينة بن حصين له فقال له: أما أنه لو كان عمر لقمعك ومنعك، فقال عيينة: إنّ عمر كان خيراً لي منك، أرهبني فأنقاني.

ثم قال: والعجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد، يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصوصه ما هو أقرب أسناداً وأصح رجالا وأحسن اتصالا، حتى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبيّ نسخوا الكتاب، وخصّوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وكذّبوا ناقليه، وذلك أن كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق رضاه.

مضى ما أردنا حكايته من كلام الجاحظ »(١) .

* * *

___________________

(١). الشافي في الامامة: ٣٣٣ - ٣٣٤.

٢٨١

وقد أنشد الجاحظ بيتين من الشعر فيهما إشارة إلى طلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وعائشة بنت أبي بكر، في قضية حرب البصرة مع ذم شديد لهم وطعن عليهم، حيث عبّر عن الرجلين بـ « الأشقين » وشبّه عائشة بـ « الهرة » قد أجاد فيهما التشبيه وأحسن القول

ذكر ذلك عنه الحافظ جلال الدين السيوطي، حيث قال: « وإذا جاعت الهرة أكلت أولادها. وقيل: تفعل ذلك لمحبتهم، أنشد الجاحظ:

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجي إلى البصرة أجنادها

كأنها في فعلها هرة

تريد أن تأكل أولادها(١)

وبهذا القدر من الكلام نكتفي في الجواب عن استدلال الفخر الرازي - في ردّ حديث الغدير - بعدم رواية أبي عثمان الجاحظ إيّاه، فإنّ في ما ذكرناه حجة قاطعة ودلالة واضحة على بطلان استدلال الرازي بذلك واعتماده عليه وبالله التوفيق.

___________________

(١). ديوان الحيوان لجلال الدين السيوطي. أنظر « الهر ». وراجع أيضاً كتاب الحيوان للجاحظ ٥ / ٢٩٥.

٢٨٢

الدفاع عن الجاحظ

كلام ابن روزبهان وإبطاله

وقد أغرب الفضل ابن روزبهان إذ أنكر الحقيقة الراهنة، فكذّب بغض الجاحظ ونصبه العداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام . فقال - مدافعاً عن الجاحظ في جواب قول العلامة الحليرحمه‌الله -:

« قال الجاحظ - وهو من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : صدق علي في قوله: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ».

فقال الفضل ما نصه:

« أقول: ما ذكر من كلام الجاحظ صحيح لا شك فيه، وفضائل أمير المؤمنين أكثر من أن تحصى، ولو أني تصديت لبعضها لأغرقت الطّوامير.

وأمّا ما ذكر أن الجاحظ من أعدائه فهذا كذب، لأن محبة السلف لا يفهم إلّا من ذكر فضائلهم، وليس هذه المحبة أمراً مشتهياً للطبع، وكل من ذكر فضائل أحد من السلف، فنحن نستدلّ من ذلك الذكر على وفور محبته إيّاه، وقد ذكر الجاحظ أمير المؤمنين بالمناقب المنقولة، وكذا ذكره في غير هذا من رسائله، فكيف يحكم بأنه عدو لأمير المؤمنين!؟

وهذا يصح على رأي الروافض، فإنّ الروافض لا يحكمون بالمحبّة إلّا بذكر

٢٨٣

مثالب الغير، فعندهم محبّ علي من كان مبغض الصحابة، وبهذا المعنى يمكن أن يكون الجاحظ عدواً ».

هذا، ولكن كلام ( الدهلوي ) الذي نقلناه سابقاً، يكفي دليلاً على كذب ابن روزبهان وبطلان تكذيبه العلامة الحلي طاب ثراه.

كلام الرشيد الدهلوي ووجوه بطلانه

وجاء بعده رشيد الدين خان الدهلوي منكراً ما ثبت من عداوة الجاحظ لأمير المؤمنين -عليه‌السلام ، فقال - بعد أن ذكر كلام ابن روزبهان المتقدم -:

« وأما ما وصف العلامة الحلي أبا عثمان الجاحظ المعتزلي من كونه من أشدّ الناس عدواهً لأمير المؤمنين، ثم نقله فضائله من رسالة الجاحظ الغرّاء التي صنفها في مناقب أمير المؤمنين، فإنه ممّا يحيّر الناظر النبيه، لأنّ الشريف الرضي قال في نهج البلاغة بعد الخطبة التي أوّلها:

يا أيّها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد يعدّ فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً - الخ قال الرضي: ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية، وهو كلام أمير المؤمنين الذي لا شك فيه، وأين الذهب من الرغام والعذاب من الأجاج؟

وقد دل على ذلك الدليل الخريّت، ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين، وذكر ما نسبها إلى معاوية، ثم تكلّم من بعدها بكلام في معناها - إلخ.

وكلام الشريف الرضي هذا نص على مهارة الجاحظ ومعرفته بكلام أمير المؤمنين، حتى أن صاحب نهج البلاغة ينسب هذه الخطبة اليه اعتماداً على نسبة عمرو بن بحر الجاحظ إيّاها في كتابه اليه، فجعل من كان ناقداً بصيراً في كلام أمير المؤمنين ومعتمداً لدى الرضي بل دليلاً لذلك، من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين، فاسد ناشئ من العدوان ومخالف للعدل والانصاف.

٢٨٤

وما ذكره القاضي نور الله التستري بصدد إثبات عداوة الجاحظ لأمير المؤمنين - مع عدم ذكر تأليفه كتاباً في مناقبه، وحمل ذلك على محمل يستغفر به الأذكياء بل الأغنياء - من أن الجاحظ كان يذهب إلى أن الامامة تنتقل بالوراثة فيكون العباس إماماً بعد النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - دون علي ليتقرب بذلك إلى المأمون العباسي، أعجب مما ادّعاه العلّامة الحلّي.

وذلك لأنّ دعوى جريان الإِرث في مسألة الإِمامة - على تقدير تسليم القول بها من هذا المعتزلي - إنما هي خطأ في الرأي، وهو لا يستلزم العداوة لأمير المؤمنين عليّ، وإنما يترتب على هذا الرأي حرمان أحب الأحباب، وانتقال الميراث إلى غير المحبوب.

ومن المعلوم أنه لو كانت الامامة تنتقل بحسب طبقات الورّاث لم تكن لتصل إلى ابن العم، مع وجود العم.

فصاحب هذا الزعم الذي ذهب اليه لغرض إرضاء المأمون - وهو أحد ملوك الشيعة كما صرح به القاضي التستري - يكون من أعداء أمير المؤمنين؟ فاعتبروا يا أولى الألباب، إنّ هذا لشيء عجاب!

والكلام حول مودّة الجاحظ المعتزلي لأمير المؤمنين وخدمته لكلامه - وإنْ كان لا وجه له في هذا المقام - إلّا أنه ينطوى على فائدة كبيرة وهي: أن جعل الجاحظ الذي وضع رسالة غراء في فضائل أمير المؤمنين - والذي اقتدى به الشريف الرضي في معرفة كلامه وعبر عنه بـ « الناقد » - من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين تعبير يختص بالامامية، وهو يشبه تماما تسمية اللغويين الصحراء القاحلة بالمفازة، وتعبير أهل العرف العام عن الأعمى بالبصير ».

أقول - قبل كلّ شيء -: إن كلام رشيد الدين الدهلوي هذا رد وتكذيب لكلام شيخه ( الدهلوي )، الصريح في أن الجاحظ ناصبي وكافر، وإنما جاء حكم الشيعة - بكون الجاحظ من أشد الناس عداوةً لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - نظراً إلى ما أورده الجاحظ في رسالته ( العثمانية ) من الخرافات على الامام، واستناداً إلى

٢٨٥

كلمات أبي جعفر الاسكافي و ( الدهلوي ) وغيرهما في نقض كلماته المضلة.

فما ذكره رشيد الدين هنا من الطعن على الشيعة، وارد في الحقيقة على ( الدهلوي ) أيضاً.

ثم نجيب عن استدلاله بكلام الشريف الرضي -رحمه‌الله تعالى - حول الجاحظ بوجوه:

١ ) الفضل ما شهدت به الأعداء

لقد شاع وكثر اعتماد العلماء على أقوال الأعداء والمخالفين في باب الفضائل والمناقب فكم من رجل ينكر فضائل مخالفه في العقيدة والمذهب، ويثني عليه، ويعترف بسجاياه وخصائصه الحسنة وليس ذلك عند نقلة تلك الكلمات والمستشهدين بها دليلاً على المحبّة والمودّة، ولا يتّخذونها دليلاً على نفي العداوة وعدم الخلاف، بل يجعلون ذلك الثناء والإِطراء اعترافاً من عدوٍ في حق عدوه، ويثبتون بذلك جلالة الممدوح وعظمته من باب: الفضل ما شهدت به الأعداء.

وكأنّ الرشيد الدهلوي لم يسمع هذا المثل المعروف

ولا بأس بذكر نماذج من مصاديق ذلك:

قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي: « وأما يحيى بن معين، فروي أنه ذهب يوما إلى أحمد بن حنبل، فمرّ الشافعي على بغلة، فقام أحمد اليه وتبعه وأبطأ على يحيى، فلما رجع إليه قال له يحيى: يا أبا عبد الله لم هذا؟ فقال أحمد: دع عنك هذا والزم ذنب البغلة.

قال الحافظ البيهقي: وكان يحيى بن معين فيه بعض الحسد للشافعي ومع هذا يحسن القول فيه. ثم روى بإسناده عن يحيى بن معين أنه قال: الشافعي صدوق لا بأس به.

وروى البيهقي عن الزعفراني أنه قال: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: لو كان الكذب مطلقاً لمنعته مروّته عن أن يكذب. ثم قال البيهقي: وانما

٢٨٦

كانوا يسألون يحيى عنه لما كان قد اشتهر من حسده له، والفضل ما شهدت به الأعداء.

فلما شهد يحيى بصدق لهجة الشافعي مع شدة حسده له، وكثرة طعنه في كلّ من أمكنه الطعن فيه، دلّ ذلك على أن الشافعي كان في الغاية القصوى ».

وهكذا نستدل على كون هذه الخطبة للامامعليه‌السلام بكلام الجاحظ - وهو من أشد الناس عداوة له - لأن « الفضل ما شهدت به الأعداء ».

وقال حيدر علي الفيض آبادي - وهو أيضاً من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام -، بعد أن قدح في شجاعة الامام -عليه‌السلام - وذكر أن قتله عمرو بن عبد ود في وقعة الخندق لا يدلّ على شيء مما يذكره الشيعة - قال وهو يريد إثبات أفضلية أبي بكر وعمر:

« نعم، ذكر الامام الأعظم - يعني شارح تجريد العقائد - حكاية عمرو بن عبد ود من باب القول المشهور: والفضل ما شهدت به الأعداء. يفيد أهل الحق فيما نحن فيه، وذلك لما روي في كتب الفريقين أن ذلك الشقي لما رأى أمير المؤمنين أمامه قال: يشق عليّ أن أضربك، ولو جاء أبو بكر لتناولته بالسيف، وإذا بارزني عمر لم أعدل عن مبارزته، فارجع إلى جيشك وأرسل إليَّ أحدهما »(١) .

أقول: إنه يستدل بكلام عمرو الذي زعم أنه من روايات الفريقين على أنّ الرجلين أفضل وأشجع من أمير المؤمنين -عليه‌السلام - من باب « الفضل ما شهدت به الأعداء ».

وقال الرشيد الدهلوي نفسه في مباحث فضائل عثمان والدفاع عنه. من ( ايضاحه ):

« قال الشريف المرتضى في الشافي: لو كان إنفاق أبي بكر صحيحا، لوجب أن تكون وجوهه معروفة كما كانت نفقة عثمان معروفة في تجهيز جيش العسرة

___________________

(١). منتهى الكلام / ٣٦٩.

٢٨٧

وغيره، لا يقدر على إنكارها منكر، ولا يرتاب في جهاتها مرتاب.

فمن كان صاحب هذه الفضيلة المتفق عليها بين الفريقين، بحيث يقول الشريف المرتضى فيها: لا يقدر على إنكار منكر ولا يرتاب من جهاتها مرتاب والفضل ما شهدت به الأعداء، فالتقوّل عليه بالرذائل دليل على كمال التعصب ».

فكيف يذكر الفاضل الرشيد هذا القول المشهور بعد كلام السيد المرتضى في حق عثمان، ولو كان تأليف الجاحظ رسالة في فضائل الامام -عليه‌السلام - دليلاً على حبه له، لكان كلام السيد المرتضى دليلاً على حبه لعثمان كذلك

أقول: والحاصل أنه لم يقل أحد من العقلاء إنّ مطلق المدح دليل على المحبة، وإلّا لكان المشركون الذين وصفوا النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالصدق والأمانة مسلمين محبين له. ولكان معاوية بن أبي سفيان الذي يعترف بعظمة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - مراراً - في حياته وبعد وفاته - محباً له، مع أن عداوته للامام -عليه‌السلام - لا يحتاج الى بيان وقد روى المبرد كتاباً من معاوية بن أبي سفيان إلى سيدنا أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - جاء فيه:

« وأما شرفك في الاسلام وقرابتك من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وموضعك ممّن بايعاك، وما حجتك على أهل الشام إلّا كحجّتك على قريش فلست أدفعه ».

ثم روى المبرد جواب الامام -عليه‌السلام - وفيه: « وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته »(١) .

فهكذا شأن معاوية، وهو مع ذلك يعترف بما لعلي من الفضائل والجاحظ مثل معاوية

___________________

(١). الكامل في الأدب: ١ / ١٩١ - ١٩٤.

٢٨٨

ترجمة المبرد

وابو العباس المبرد النحوي، كان إماماً في علوم الأدب والعربية، علامة ثقة في التاريخ والأخبار. توفي سنة ٢٨٥، وتوجد ترجمته في:

١ - وفيات الأعيان: ٤ / ٣١٣.

٢ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٢٨٥.

٣ - العبر في خبر من غبر: حوادث سنة ٢٨٥.

٤ - بغية الوعاة: ١ / ٢٦٩.

٥ - تاريخ بغداد: ٣ / ٣٨٠ - ٣٨٧.

٦ - المنتظم ٦ / ٩ - ١١.

٧ - ابن كثير ١١ / ٧٩ - ٨٠.

٨ - النجوم الزاهرة ٣ / ١١٧.

٩ - المختصر في أحوال البشر ٢ / ٦١.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٩٠.

ومن عجائب الأمور أن ( الدهلوي ) ينسب إلى الامامية النصب والعداء لأهل البيت الطاهرين، تبعا لشيخه نصر الله الكابلي، وتبعهما على ذلك: السيف الملتاني وحيدر علي الفيض آبادي ورشيد الدين الدهلوي.

ونحن نقول: إذا كان ذكر فضائل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين -عليهم‌السلام - دليلاً على المحبة ونفي العداوة والبغض - كما يزعم رشيد الدين الدهلوي - فإن الشيعة الإِمامية يذكرون من فضائلهم أكثر وأكثر مما ذكره الجاحظ في رسالته، ويسعون مع ذلك في ردّ مطاعنه التي أوردها النواصب كالجاحظ وأمثاله. وإلّا فكيف يزعم الرشيد الدهلوي كذب نسبة العلامة الحلي بغض أمير المؤمنين إلى الجاحظ؟

فهم الكاذبون على كل حال.

٢٨٩

٢ ) وصف الجاحظ بالمهارة لا ينفي عداوته

ثم إنّ الشريف الرضي ما وصف الجاحظ إلّا بالمهارة والنقد، ومجرّد كون الرجل ماهراً ناقداً لا يدل على عدم العداوة، وإنما وصف الشريف الرضي الجاحظ بذلك لغرض إلزام المنكرين وإفحام المخالفين، من حيث أنهم يعتقدون بمهاره الجاحظ ونقده، ومكانته في معرفة الكلام

٣ ) الحافظ ابن خراش ومثالب الشيخين

هذا، وما ذكره الرشيد الدهلوي في حق الجاحظ، معارض بما ذكروه بترجمة الحافظ ابن خراش - مع وصفه بالحفظ وسعة الاطلاع والنقد - من أنّه خرّج مثالب الشيخين وأبطل حديث: ما تركناه صدقة. قال الحافظ السيوطي:

« ابن خراش الحافظ البارع الناقد، أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي البغدادي. قال أبو نعيم [ بن عدي ]: ما رأيت أحفظ منه.

وقال أبو زرعة: كان رافضياً، خرج مثالب الشيخين في جزءين وأهداهما إلى بندار، فأجازه بألفي درهم، بنى له بها حجرة فمات إذ فرغ منها.

قال عبدان: قلت له: حديث « ما تركنا صدقة »؟ قال: باطل. قال: وقد روى مراسيل [ وصلها ] ومواقيف رفعها.

مات سنة ٢٨٣ »(١) .

وترجم له الحافظ الذهبي قائلاً: « عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ ( فأورد ما تقدم. فقال ): قلت: والله هذا هو الشيخ المغتر الذي ضلّ سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والاحاطة وبعد هذا فما

___________________

(١). طبقات الحفاظ / ٢٩٧.

٢٩٠

انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة وحواتر جزين ومشغر! وقد سمع ابن خراش من الفلّاس وأقرانه بالعراق، ومن عبد الله بن عمران العائدي وطبقته بالمدينة، ومن الذهلي

وعنه ابن عقدة وأبو سهل القطان »(١) .

أقول: واذا كان وصف الشريف الرضي الجاحظ بالمهارة والنقد للكلام دليلاً على بطلان نسبة نصب العداء لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - إليه، فليكن وصف الذهبي وأبي نعيم والسيوطي الحافظ ابن خراش بالحفظ والبراعة والنقد وسعة الاطلاع والاحاطة وغير ذلك، دليلاً على بطلان حديث: ما تركناه صدقة:

٤ ) إطراء أهل السنة علماء الشيعة

وكثيراً ما نجد علماء القوم يمدحون كبار الشيعة ويثنون عليهم الثناء البالغ:

* فقد تقدمت في الكتاب ترجمة الشيخ المفيد طاب ثراه من ( لسان الميزان ) و ( العبر ) و ( مرآة الجنان ).

* وترجمة الشيخ ابن شهر آشوب السروي عن كتب القوم.

ترجمة الشريف الرّضي

* كما ترجم أبو منصور الثعالبي - وهو عبد الملك بن محمد المتوفى سنة ٤٣٠، توجد ترجمته في ( وفيات الأعيان ) و ( العبر ) و ( مرآة الجنان ) و ( بغية الوعاة ) وقد وصفوه بـ « الأديب اللبيب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، راعي تلعات العلم وجامع أشتات النظم، سار ذكره سير المثل وضربت

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٠، وترجم له أيضاً في تذكرة الحفاظ ٢ / ٢٨٤ والعبر ٢ / ٧٠.

٢٩١

إليه رابط الابل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب، وله من التواليف كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، وهو أكبر كتبه وأحسنها

* الشريف الرضيرحمه‌الله بقوله:

« الباب العاشر في ذكر الشريف أبي الحسن النقيب وغرر من شعره: هو محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه ووجوههم - ومولده ببغداد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

وابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل، وهو أبرع أبناء الزمان وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطّالبيين من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلّقين كالحمّاني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم، ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق »(١) .

وترجم له ابن خلكان أيضاً بمثل ما تقدم »(٢) .

وقال اليافعي في حوادث سنة ٤٠٦: « وفي السنّة المذكورة الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، نقيب الأشرف، ذو المناقب ومحاسن الأوصاف » ثم نقل كلام الثّعالبي وغيره في حقه(٣) .

وترجم له أبو الحسن الباخرزي * المتوفى سنة ٤٦٧، قال السمعاني: واحد عصره وعلّامة دهره وساحر زمانه في ذهنه وقريحته، وكان في شبابه يتردد إلى الامام أبي محمد الجويني ولازمه حتى انخرط في سلك أصحابه، ثم ترك ذلك وشرع في الكتابة » وقال الذهبي « الباخرزي العلامة الأديب صاحب دمية القصر، أبو

___________________

(١). يتيمة الدهر ٣ / ١٣٦ - ١٥٦.

(٢). وفيات الأعيان ٤ / ٤١٤.

(٣). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٠٦.

٢٩٢

الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطّيب الباخرزي، الشاعر الفقيه الشافعي، تفقّه بأبي محمد الجويني ثم برع في الانشاء والأدب وسافر الكثير وسمع الحديث ».

وقال الأسنوي في طبقات الشافعية: « كان فقيهاً أديباً » * بقوله:

« السيّد الرّضي الموسوي -رضي‌الله‌عنه وأرضاه - له صدر الوسادة بين الأئمّة والسّادة، وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء: ما أنورك، ولخضارة: ما أغزرك. وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسب رقة الهواء إلى نسيبه وفاز بالقدح المعلّى من نصيبه، حتى لو أنشد الرّاوي غزليّاته بين يدي العزهاة لقالت له: من العزهات، وإذا وصف فكلامه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإنْ مدح تحيّر فيه الأوهام من مادح وممدوح له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروج، وإن نثر حمدت منه الأثر ورأيت هناك خرزات من العقد تنفض، وقطرات من المزن ترفض، ولعمري إنّ بغداد قد انبجست [ انجبت ] به فبوأّته ضلالها وأرضعته زلالها وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق، وانغمس فيها حتى كاد أن يقال غرق، فكلّما أنشدت محاسن تنزهت بغداد في نضرة نعيمها وتشنفت من أنفاس الهجير بمرواح نسيمها »(١) .

وترجم للشريف الرضي أيضاً:

١ - الصفدي في الوافي بالوفيات: ٢ / ٣٧٤.

٢ - ابن ماكولا في الإكمال: ٤ / ٧٥.

٣ - الذهبي في العبر: حوادث سنة ٤٠٦.

٤ - ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: ٥ / ١٤١.

٥ - ابن الوردي في تتمة المختصر - حوادث سنة ٤٠٦.

___________________

(١). دمية القصر ١ / ٢٩٢ - ٢٩٣.

٢٩٣

وأما مدح أبي العلاء المعرّي * المتوفى سنة ٤٤٩، قال ابن خلكان وابن الوردي: كان علّامة عصره -رحمه‌الله - وكان متضلّعاً في فنون الأدب، أخذ عنه التنوخي والخطيب التبريزي وغيرهما. ولما توفي قرئ على قبره سبعون مرثية، وممن رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن الهمام. قال ابن الوردي: إنّه كان تقياً زاهداً، ألف الصّاحب كمال الدين ابن العديم -رحمه‌الله - في مناقبه كتاباً سماه « كتاب العدل والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري » وصنف بعض الأعلام في مناقبه كتاباً سماه « دفع المعرّة عن شيخ المعرّة »، ووضع أبو طاهر الحافظ السلفي كتاباً في أخبار أبي العلاء. وترجم له أيضاً الجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ) ووصفه بالامام، وقال: « كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالماً باللغة حاذقاً بالنحو، جيّد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته ...» وهكذا ترجم له وأثنى عليه صاحب ( مرآة الجنان ) وغيره الشريفين المرتضى والرضي في القصيدة التي رثى بها أباها الشريف أبا أحمد الحسين فمشهور جداً. فراجع ديوانه.

ترجمة الشريف المرتضى

* ومن كبار علماء الشيعة الذين ترجم لهم في معاجم أهل السنة بكل ثناء وتعظيم: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي:

فقد ترجم له ابن خلكان بقوله:

« الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن طاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -.

كان نقيب الطالبيّين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

٢٩٤

وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدين، وله ديوان شعر كبير، وإذا وصف الطّيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع

وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال: كان هذا الشريف إمام أئمّة العراق بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها، ممّن سارت أخباره وعرفت به أشعاره »(١) .

ترجمة ابن خلكان

وابن خلكان من أكابر علماء أهل السنّة، ترجم له الحافظ الذهبي في ( العبر )(٢) .

وقال ابن الوردي: « كان فاضلاً عالماً، تولى القضاء بمصر والشام، وله مؤلفات جليلة »(٣) .

وترجم له الصّلاح الصّفدي فقال: « وكان فاضلاً بارعاً متفقهاً عارفاً بالمذهب، حسن الفتاوى جيّد القريحة، بصيراً بالعربية، علاّمة بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الإِطّلاع، حلو المذاكرة وافر الحرمة، فيه رئاسة كبيرة »(٤) .

وترجم له اليافعي وأثنى عليه كذلك(٥) .

وقال السبكي بترجمته: « كان أحنف وقته حلماً، وشافعي زمانه علماً، وحاتم عصره، إلّا أنه لا يقاس به حاتم، من بقايا البرامكة الكرام، والسادة الذين ليّنوا جانب الدهر الغرام، وكان زمنه مثل ذلك الزمان الذاهب، وعلى منوال ذلك الاحسان وتلك المواهب، مع التخلّق بتلك الخلائق التي كأنما بات يشب عنبرها

___________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣١٣.

(٢). العبر - حوادث سنة ٦٨١.

(٣). تتمة المختصر - حوادث سنة ٦٨١.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٨.

(٥). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٨١.

٢٩٥

أو أصبح يتخير من أكل جواهر الثريّا جوهرها، بحلم ما داوى معاوية سورة غضبه بمثله، ولا دارى بشبهه أبو مسلم في مكائده، وفعله كرم ما دانى السفاح غمامة ولا دان به المأمون وقد طلب الامامة، هذا إلى أدب خفّ به جانب الخفاجي، واستصغر الوليد وطوى ذكر الطائي، مع إتقان في ذكر الوقائع وحفظ البدائع، أحد علماء عصره المشهورين، وسيّد أدباء دهره المذكورين »(١) .

وممن ترجم لابن خلكان.

السيوطي في حسن المحاضرة ١ / ٣٢٠.

وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة - حوادث سنة ٦٨١.

والأسنوي في طبقات الشافعية ١ / ٤٩٦.

وابن قاضي شهبة الاسدي في طبقات الشافعية ٢ / ٢٢.

وقال اليافعي - المتوفى سنة ٧٦٧، ترجم له الاسنوي فقال: « كان إماماً يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلماً يستضاء بأنواره ويهتدى » وترجم له ابن قاضي شهبة ووصفه بـ « الشيخ الامام القدوة العارف الفقيه العالم شيخ الحجاز » كما ترجم له وأثنى عليه ابن حجر في ( الدرر الكامنة ٢ / ٢٤٧ ) وبدر الدين التهامي في ( طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص ) والجامي في ( نفحات الانس من حضرات القدس ) وابن العماد في ( شذرات الذهب ٦٠ / ٢١٠ ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ٦ / ١٠٣ ) والشوكاني في ( البدر الطالع ١٠ / ٣٧٨ ) - في حوادث سنة ٤٣٦:

« توفي فيها الشريف المرتضى كان نقيب الطالبيين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، وقد دعته الحاجة إلى بيعها فباعها، واشتراها

___________________

(١). الطبقات الصغرى - مخطوط.

٢٩٦

الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفّحها فوجد فيها أبياتا بخط بائعها أبي الحسن الفالي:

أنست بها عشرين حولاً وبعتها

لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظنّي أنني سأبيعها

ولو خلدتني في السجون ديوني

ولكنْ لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهم تستهلُّ شوؤني

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك

كرائم من ربٍ بهنّ ضنين

فأرسل اليه الكتاب ووهب له الثمن.

وملح الشريف المرتضى وفضائله كثيرة، وكانت ولادته سنة ٣٥٥ »(١) .

وترجم له أبو الحسن الباخرزي(٢) .

وجلال الدين السّيوطي الحافظ، وكان مما قال: « قال ياقوت: قال أبو جعفر الطوسي [ مجمع على فضله ] توحّد في علوم ٍكثيرةٍ مثل الكلام والفقه والأدب من النحو والشعر ومعانيه واللغة وغير ذلك، وله تصانيف »(٣) .

والحافظ الذهبي، فقال: « والشريف المرتضى نقيب الطالبيين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو القاسم عليْ بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة، وكان إماماً في الكلام والشعر والبلاغة، كثير التصانيف، متبحراً في فنون العلم، أخذ عن الشيخ المفيد »(٤) .

والحافظ ابن حجر: « قال ابن أبي طي: هو أوّل من جعل داره دار العلم وقررها للمناظرة، ويقال إنه أفتى ولم يبلغ العشرين، وكان قد حصل على رئاسة الدنيا والعلم، مع العمل الكثير في المواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل

___________________

(١). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٣٦.

(٢). دمية العصر: ١ / ٢٩٩.

(٣). بغية الوعاة ٢ / ١٦٢.

(٤). العبر: حوادث سنة ٤٣٦.

٢٩٧

وإفادة العلم، وكان لا يؤثر على العلم شيئاً، مع البلاغة وفصاحة اللهجة، وكان أخذ العلوم عن الشيخ المفيد، وزعم أنه رأى فاطمة الزهراء ليلةً ناولته صبيين فقالت: خذ ابنيَّ هذين فعلّمهما، فلما استيقظ وافاه الشريف أبو أحمد ومعه ولداه الرضي والمرتضى، فقال له: خذهما إليك وعلّمهما، فبكى وذكر القصة.

وذكر أبو جعفر الطوسي له من التصانيف: الشافي في الامامة خمس مجلدات، الملخّص والموجز في الأصول، وتنزيه الأنبياء، والغرر والدرر، ومسائل الخلاف، والانتصار لما انفردت به الامامية، وكتاب المسائل كبير جدّاً، وكتاب الرد على ابن جنّي في شرح ديوان المتنبي، وسرد أشياء كثيرة.

يقال: إن الشيخ أبا اسحاق الشيرازي كان يصفه بالفضل، حتى نقل عنه أنه قال: كان الشريف المرتضى ثابت الجأش، ينطق بلسان المعرفة ويورد الكلمة المسددة، فتمرق مروق السهم من الرمية، ما أصاب [ أصمى ] وما أخطأ أشوى.

إذا شرع الكلام رأيته في

جانب منه وللناس جانب

وذكر بعض الامامية: إن المرتضى أول من بسط كلام الامامية في الفقه، وناظر الخصوم، واستخرج الغوامض، وقيّد المسائل

وحكى ابن برهان النحوي أنه دخل عليه وهو مضطجع ووجهه إلى الحائط وهو يخاطب نفسه، ويقول: أبو بكر وعمر ولّيا فعدلا واسترحما فرحما، أما أنا فأقول: ارتدّا »(١) .

ترجمة ابن حجر

وابن حجر الحافظ من كبار الأئمّة الحفّاظ وشيوخ أهل السنة الأعلام، يوجد الثناء عليه في كافّة المعاجم الرجالية، فقد قال الحافظ السّخاوي بترجمته ما

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢٢٣.

٢٩٨

ملخّصه:

« أحمد بن علي بن محمد بن [ محمد بن ] علي بن أحمد، شيخي الأستاذ، إمام الأئمّة الشهاب أبو الفضل الكناني العسقلاني المصري ثم القاهري الشافعي ويعرف بابن حجر، ولد في ثمان عشر من شعبان سنة ٧٧٣، درس عند شيوخ القاهرة ثم ارتحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية، وأكثر جداً من المسموع والشيوخ، فسمع العالي والنازل، وأخذ عن الشيوخ والأقران فمن دونهم، واجتمع له من الشيوخ المشار اليهم والمعوّل في المشكلات عليهم، ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، لأنّ كلّ واحد منهم كان متبحّرا ورأسا في فنه الذي اشتهر به لا يلحق، فالتنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في معرفة علوم الحديث، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقّن في كثرة التصانيف، والمجد الفيروزآبادي في حفظ اللغة، والغماري في معرفة العربية وكذا المحب وابن هشام، والعزّ ابن جماعة في تفننه.

وأذن له جلّهم أو جميعهم كالبلقيني والعراقي في الإِفتاء والتدريس، وتصدى لنشر الحديث، وشهد له أعيان شيوخه بالحفظ، وزادت تصانيفه على مائة وخمسين تصنيفاً، ورزق فيها من السعد والقبول، خصوصاً فتح الباري بشرح البخاري.

وأملى ما ينيف على ألف مجلس ما حفظه، واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمّة إليه وتبحّح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته، حتى كان رءوس العلماء من كل مذهب من تلامذته، وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة، وامتدحه الكبار، وتبجّح فحول الشعراء بمطارحته، وطارت فتاواه التي لا يمكن دخولها تحت الحصر في الآفاق، وحدّث بأكثر مرويّاته خصوصاً المطوّلات منها، كل ذلك مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه.

وقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والامانة، والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى، وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم

٢٩٩

أصحابه بالحديث، وقال كلّ من التقي الفاسي والبرهان الحلبي: ما رأينا مثله.

وسئل: أرأيت مثل نفسك؟ فقال قال الله: ولا تزكّوا أنفسكم.

ومحاسنه جمّة، وما عسى أن أقول في هذا المختصر، أو من أنا حتى يعرف بمثله، خصوصاً وقد ترجمه من الأعيان في التصانيف المتداولة بالأيدي، التقي الفاسي في ذيل التقييد، والبدر البشتكي في طبقاته للشعراء، والتقي المقريزي في العقود الفريدة، والعلاء ابن خطيب الناصرية في ذيل تاريخ حلب، والشمس ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه، والتقي ابن قاضي شهبة في تاريخه، والبرهان الحلبي في بعض مجاميعه، والتقي ابن فهد المكي في ذيل طبقات الحافظ، والقطب الخيضري في طبقات الشافعية، وجماعة من أصحابنا كابن فريد النجم في معاجمهم وغير واحد من الوفيات، وهو نفسه في رفع الإصر، وكفى بذلك فخراً.

توفي في أواخر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين »(١) .

وترجمه الحافظ السيوطي بقوله: « ابن حجر شيخ الإسلام والامام الحافظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، بل حافظ الدنيا مطلقا، قاضي القضاة »(٢) .

وقال بترجمته أيضا ما ملخصه: « قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام الحفاظ شهاب الدين، فريد زمانه، وحامل لواء السنّة في أوانه، ذهبي هذا العصر ونضاره، وجوهره الذي ثبت به على كثير من الأعصار فخاره، إمام هذا الفن للمقتدين ومقدم عساكر المحدثين، وعمدة الوجود في التوهين والتصحيح، وأعظم الحكام والشهود في باب التعديل والتجريح، شهد له بالانفراد خصوصا في شرح البخاري كل مسلم، وقضى له كل حاكم بأنه العلم المعلم، له الحفظ

___________________

(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٢ / ٣٦ - ٤٠.

(٢). طبقات الحفاظ / ٥٤٧، وفيه: « إمام الحفاظ في زمانه » بدل: « الامام الحافظ ».

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423