نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 173455
تحميل: 6181


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173455 / تحميل: 6181
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 6

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ظاهره، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ولا جرّب عليه غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد، ولأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج، والذي يقطع بشهادته على المغيب، وكان ذلك شبهة على أكثرهم، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر، فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلّا العالم المتقدّم والمؤيد المسترشد.

ولأنه لم يكن في عثمان في صدور العوام وفي قلوب السّفلة والطغام ما كان لهما من الهيبة والمحبّة. ولأنّهما كانا أقلّ استيثاراً بالفيء وأقلّ تفكّها بمال الله منه، ومن شأن الناس إهمال السّلطان بما وفّر عليهم أموالهم، ولم يستأثر بخراجهم ولم يعطّل ثغورهم. ولأنّ الذي صنع أبو بكر من منع العترة حقّها [ حظّها ] والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلّة قريش وكبراء العرب. ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه ومستخفّاً لقدره، لا يمنع ضيماً ولا يقمع عدوّاً، ولقد وثب أناس على عثمان بالشتم والقدح، والقذف بالتشنيع والنكير، لأمور لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترأوا على اغتيابه، فضلاً عن مبارزته والاغراء به ومواجهته، كما أغلظ عيينة بن حصين له فقال له: أما أنه لو كان عمر لقمعك ومنعك، فقال عيينة: إنّ عمر كان خيراً لي منك، أرهبني فأنقاني.

ثم قال: والعجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد، يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصوصه ما هو أقرب أسناداً وأصح رجالا وأحسن اتصالا، حتى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبيّ نسخوا الكتاب، وخصّوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وكذّبوا ناقليه، وذلك أن كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق رضاه.

مضى ما أردنا حكايته من كلام الجاحظ »(١) .

* * *

___________________

(١). الشافي في الامامة: ٣٣٣ - ٣٣٤.

٢٨١

وقد أنشد الجاحظ بيتين من الشعر فيهما إشارة إلى طلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام وعائشة بنت أبي بكر، في قضية حرب البصرة مع ذم شديد لهم وطعن عليهم، حيث عبّر عن الرجلين بـ « الأشقين » وشبّه عائشة بـ « الهرة » قد أجاد فيهما التشبيه وأحسن القول

ذكر ذلك عنه الحافظ جلال الدين السيوطي، حيث قال: « وإذا جاعت الهرة أكلت أولادها. وقيل: تفعل ذلك لمحبتهم، أنشد الجاحظ:

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجي إلى البصرة أجنادها

كأنها في فعلها هرة

تريد أن تأكل أولادها(١)

وبهذا القدر من الكلام نكتفي في الجواب عن استدلال الفخر الرازي - في ردّ حديث الغدير - بعدم رواية أبي عثمان الجاحظ إيّاه، فإنّ في ما ذكرناه حجة قاطعة ودلالة واضحة على بطلان استدلال الرازي بذلك واعتماده عليه وبالله التوفيق.

___________________

(١). ديوان الحيوان لجلال الدين السيوطي. أنظر « الهر ». وراجع أيضاً كتاب الحيوان للجاحظ ٥ / ٢٩٥.

٢٨٢

الدفاع عن الجاحظ

كلام ابن روزبهان وإبطاله

وقد أغرب الفضل ابن روزبهان إذ أنكر الحقيقة الراهنة، فكذّب بغض الجاحظ ونصبه العداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام . فقال - مدافعاً عن الجاحظ في جواب قول العلامة الحليرحمه‌الله -:

« قال الجاحظ - وهو من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : صدق علي في قوله: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ».

فقال الفضل ما نصه:

« أقول: ما ذكر من كلام الجاحظ صحيح لا شك فيه، وفضائل أمير المؤمنين أكثر من أن تحصى، ولو أني تصديت لبعضها لأغرقت الطّوامير.

وأمّا ما ذكر أن الجاحظ من أعدائه فهذا كذب، لأن محبة السلف لا يفهم إلّا من ذكر فضائلهم، وليس هذه المحبة أمراً مشتهياً للطبع، وكل من ذكر فضائل أحد من السلف، فنحن نستدلّ من ذلك الذكر على وفور محبته إيّاه، وقد ذكر الجاحظ أمير المؤمنين بالمناقب المنقولة، وكذا ذكره في غير هذا من رسائله، فكيف يحكم بأنه عدو لأمير المؤمنين!؟

وهذا يصح على رأي الروافض، فإنّ الروافض لا يحكمون بالمحبّة إلّا بذكر

٢٨٣

مثالب الغير، فعندهم محبّ علي من كان مبغض الصحابة، وبهذا المعنى يمكن أن يكون الجاحظ عدواً ».

هذا، ولكن كلام ( الدهلوي ) الذي نقلناه سابقاً، يكفي دليلاً على كذب ابن روزبهان وبطلان تكذيبه العلامة الحلي طاب ثراه.

كلام الرشيد الدهلوي ووجوه بطلانه

وجاء بعده رشيد الدين خان الدهلوي منكراً ما ثبت من عداوة الجاحظ لأمير المؤمنين -عليه‌السلام ، فقال - بعد أن ذكر كلام ابن روزبهان المتقدم -:

« وأما ما وصف العلامة الحلي أبا عثمان الجاحظ المعتزلي من كونه من أشدّ الناس عدواهً لأمير المؤمنين، ثم نقله فضائله من رسالة الجاحظ الغرّاء التي صنفها في مناقب أمير المؤمنين، فإنه ممّا يحيّر الناظر النبيه، لأنّ الشريف الرضي قال في نهج البلاغة بعد الخطبة التي أوّلها:

يا أيّها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد يعدّ فيه المحسن مسيئاً، ويزداد الظالم فيه عتواً - الخ قال الرضي: ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية، وهو كلام أمير المؤمنين الذي لا شك فيه، وأين الذهب من الرغام والعذاب من الأجاج؟

وقد دل على ذلك الدليل الخريّت، ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين، وذكر ما نسبها إلى معاوية، ثم تكلّم من بعدها بكلام في معناها - إلخ.

وكلام الشريف الرضي هذا نص على مهارة الجاحظ ومعرفته بكلام أمير المؤمنين، حتى أن صاحب نهج البلاغة ينسب هذه الخطبة اليه اعتماداً على نسبة عمرو بن بحر الجاحظ إيّاها في كتابه اليه، فجعل من كان ناقداً بصيراً في كلام أمير المؤمنين ومعتمداً لدى الرضي بل دليلاً لذلك، من أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين، فاسد ناشئ من العدوان ومخالف للعدل والانصاف.

٢٨٤

وما ذكره القاضي نور الله التستري بصدد إثبات عداوة الجاحظ لأمير المؤمنين - مع عدم ذكر تأليفه كتاباً في مناقبه، وحمل ذلك على محمل يستغفر به الأذكياء بل الأغنياء - من أن الجاحظ كان يذهب إلى أن الامامة تنتقل بالوراثة فيكون العباس إماماً بعد النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - دون علي ليتقرب بذلك إلى المأمون العباسي، أعجب مما ادّعاه العلّامة الحلّي.

وذلك لأنّ دعوى جريان الإِرث في مسألة الإِمامة - على تقدير تسليم القول بها من هذا المعتزلي - إنما هي خطأ في الرأي، وهو لا يستلزم العداوة لأمير المؤمنين عليّ، وإنما يترتب على هذا الرأي حرمان أحب الأحباب، وانتقال الميراث إلى غير المحبوب.

ومن المعلوم أنه لو كانت الامامة تنتقل بحسب طبقات الورّاث لم تكن لتصل إلى ابن العم، مع وجود العم.

فصاحب هذا الزعم الذي ذهب اليه لغرض إرضاء المأمون - وهو أحد ملوك الشيعة كما صرح به القاضي التستري - يكون من أعداء أمير المؤمنين؟ فاعتبروا يا أولى الألباب، إنّ هذا لشيء عجاب!

والكلام حول مودّة الجاحظ المعتزلي لأمير المؤمنين وخدمته لكلامه - وإنْ كان لا وجه له في هذا المقام - إلّا أنه ينطوى على فائدة كبيرة وهي: أن جعل الجاحظ الذي وضع رسالة غراء في فضائل أمير المؤمنين - والذي اقتدى به الشريف الرضي في معرفة كلامه وعبر عنه بـ « الناقد » - من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين تعبير يختص بالامامية، وهو يشبه تماما تسمية اللغويين الصحراء القاحلة بالمفازة، وتعبير أهل العرف العام عن الأعمى بالبصير ».

أقول - قبل كلّ شيء -: إن كلام رشيد الدين الدهلوي هذا رد وتكذيب لكلام شيخه ( الدهلوي )، الصريح في أن الجاحظ ناصبي وكافر، وإنما جاء حكم الشيعة - بكون الجاحظ من أشد الناس عداوةً لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - نظراً إلى ما أورده الجاحظ في رسالته ( العثمانية ) من الخرافات على الامام، واستناداً إلى

٢٨٥

كلمات أبي جعفر الاسكافي و ( الدهلوي ) وغيرهما في نقض كلماته المضلة.

فما ذكره رشيد الدين هنا من الطعن على الشيعة، وارد في الحقيقة على ( الدهلوي ) أيضاً.

ثم نجيب عن استدلاله بكلام الشريف الرضي -رحمه‌الله تعالى - حول الجاحظ بوجوه:

١ ) الفضل ما شهدت به الأعداء

لقد شاع وكثر اعتماد العلماء على أقوال الأعداء والمخالفين في باب الفضائل والمناقب فكم من رجل ينكر فضائل مخالفه في العقيدة والمذهب، ويثني عليه، ويعترف بسجاياه وخصائصه الحسنة وليس ذلك عند نقلة تلك الكلمات والمستشهدين بها دليلاً على المحبّة والمودّة، ولا يتّخذونها دليلاً على نفي العداوة وعدم الخلاف، بل يجعلون ذلك الثناء والإِطراء اعترافاً من عدوٍ في حق عدوه، ويثبتون بذلك جلالة الممدوح وعظمته من باب: الفضل ما شهدت به الأعداء.

وكأنّ الرشيد الدهلوي لم يسمع هذا المثل المعروف

ولا بأس بذكر نماذج من مصاديق ذلك:

قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي: « وأما يحيى بن معين، فروي أنه ذهب يوما إلى أحمد بن حنبل، فمرّ الشافعي على بغلة، فقام أحمد اليه وتبعه وأبطأ على يحيى، فلما رجع إليه قال له يحيى: يا أبا عبد الله لم هذا؟ فقال أحمد: دع عنك هذا والزم ذنب البغلة.

قال الحافظ البيهقي: وكان يحيى بن معين فيه بعض الحسد للشافعي ومع هذا يحسن القول فيه. ثم روى بإسناده عن يحيى بن معين أنه قال: الشافعي صدوق لا بأس به.

وروى البيهقي عن الزعفراني أنه قال: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: لو كان الكذب مطلقاً لمنعته مروّته عن أن يكذب. ثم قال البيهقي: وانما

٢٨٦

كانوا يسألون يحيى عنه لما كان قد اشتهر من حسده له، والفضل ما شهدت به الأعداء.

فلما شهد يحيى بصدق لهجة الشافعي مع شدة حسده له، وكثرة طعنه في كلّ من أمكنه الطعن فيه، دلّ ذلك على أن الشافعي كان في الغاية القصوى ».

وهكذا نستدل على كون هذه الخطبة للامامعليه‌السلام بكلام الجاحظ - وهو من أشد الناس عداوة له - لأن « الفضل ما شهدت به الأعداء ».

وقال حيدر علي الفيض آبادي - وهو أيضاً من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام -، بعد أن قدح في شجاعة الامام -عليه‌السلام - وذكر أن قتله عمرو بن عبد ود في وقعة الخندق لا يدلّ على شيء مما يذكره الشيعة - قال وهو يريد إثبات أفضلية أبي بكر وعمر:

« نعم، ذكر الامام الأعظم - يعني شارح تجريد العقائد - حكاية عمرو بن عبد ود من باب القول المشهور: والفضل ما شهدت به الأعداء. يفيد أهل الحق فيما نحن فيه، وذلك لما روي في كتب الفريقين أن ذلك الشقي لما رأى أمير المؤمنين أمامه قال: يشق عليّ أن أضربك، ولو جاء أبو بكر لتناولته بالسيف، وإذا بارزني عمر لم أعدل عن مبارزته، فارجع إلى جيشك وأرسل إليَّ أحدهما »(١) .

أقول: إنه يستدل بكلام عمرو الذي زعم أنه من روايات الفريقين على أنّ الرجلين أفضل وأشجع من أمير المؤمنين -عليه‌السلام - من باب « الفضل ما شهدت به الأعداء ».

وقال الرشيد الدهلوي نفسه في مباحث فضائل عثمان والدفاع عنه. من ( ايضاحه ):

« قال الشريف المرتضى في الشافي: لو كان إنفاق أبي بكر صحيحا، لوجب أن تكون وجوهه معروفة كما كانت نفقة عثمان معروفة في تجهيز جيش العسرة

___________________

(١). منتهى الكلام / ٣٦٩.

٢٨٧

وغيره، لا يقدر على إنكارها منكر، ولا يرتاب في جهاتها مرتاب.

فمن كان صاحب هذه الفضيلة المتفق عليها بين الفريقين، بحيث يقول الشريف المرتضى فيها: لا يقدر على إنكار منكر ولا يرتاب من جهاتها مرتاب والفضل ما شهدت به الأعداء، فالتقوّل عليه بالرذائل دليل على كمال التعصب ».

فكيف يذكر الفاضل الرشيد هذا القول المشهور بعد كلام السيد المرتضى في حق عثمان، ولو كان تأليف الجاحظ رسالة في فضائل الامام -عليه‌السلام - دليلاً على حبه له، لكان كلام السيد المرتضى دليلاً على حبه لعثمان كذلك

أقول: والحاصل أنه لم يقل أحد من العقلاء إنّ مطلق المدح دليل على المحبة، وإلّا لكان المشركون الذين وصفوا النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالصدق والأمانة مسلمين محبين له. ولكان معاوية بن أبي سفيان الذي يعترف بعظمة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - مراراً - في حياته وبعد وفاته - محباً له، مع أن عداوته للامام -عليه‌السلام - لا يحتاج الى بيان وقد روى المبرد كتاباً من معاوية بن أبي سفيان إلى سيدنا أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - جاء فيه:

« وأما شرفك في الاسلام وقرابتك من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وموضعك ممّن بايعاك، وما حجتك على أهل الشام إلّا كحجّتك على قريش فلست أدفعه ».

ثم روى المبرد جواب الامام -عليه‌السلام - وفيه: « وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وموضعي من قريش، فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته »(١) .

فهكذا شأن معاوية، وهو مع ذلك يعترف بما لعلي من الفضائل والجاحظ مثل معاوية

___________________

(١). الكامل في الأدب: ١ / ١٩١ - ١٩٤.

٢٨٨

ترجمة المبرد

وابو العباس المبرد النحوي، كان إماماً في علوم الأدب والعربية، علامة ثقة في التاريخ والأخبار. توفي سنة ٢٨٥، وتوجد ترجمته في:

١ - وفيات الأعيان: ٤ / ٣١٣.

٢ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٢٨٥.

٣ - العبر في خبر من غبر: حوادث سنة ٢٨٥.

٤ - بغية الوعاة: ١ / ٢٦٩.

٥ - تاريخ بغداد: ٣ / ٣٨٠ - ٣٨٧.

٦ - المنتظم ٦ / ٩ - ١١.

٧ - ابن كثير ١١ / ٧٩ - ٨٠.

٨ - النجوم الزاهرة ٣ / ١١٧.

٩ - المختصر في أحوال البشر ٢ / ٦١.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٩٠.

ومن عجائب الأمور أن ( الدهلوي ) ينسب إلى الامامية النصب والعداء لأهل البيت الطاهرين، تبعا لشيخه نصر الله الكابلي، وتبعهما على ذلك: السيف الملتاني وحيدر علي الفيض آبادي ورشيد الدين الدهلوي.

ونحن نقول: إذا كان ذكر فضائل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين -عليهم‌السلام - دليلاً على المحبة ونفي العداوة والبغض - كما يزعم رشيد الدين الدهلوي - فإن الشيعة الإِمامية يذكرون من فضائلهم أكثر وأكثر مما ذكره الجاحظ في رسالته، ويسعون مع ذلك في ردّ مطاعنه التي أوردها النواصب كالجاحظ وأمثاله. وإلّا فكيف يزعم الرشيد الدهلوي كذب نسبة العلامة الحلي بغض أمير المؤمنين إلى الجاحظ؟

فهم الكاذبون على كل حال.

٢٨٩

٢ ) وصف الجاحظ بالمهارة لا ينفي عداوته

ثم إنّ الشريف الرضي ما وصف الجاحظ إلّا بالمهارة والنقد، ومجرّد كون الرجل ماهراً ناقداً لا يدل على عدم العداوة، وإنما وصف الشريف الرضي الجاحظ بذلك لغرض إلزام المنكرين وإفحام المخالفين، من حيث أنهم يعتقدون بمهاره الجاحظ ونقده، ومكانته في معرفة الكلام

٣ ) الحافظ ابن خراش ومثالب الشيخين

هذا، وما ذكره الرشيد الدهلوي في حق الجاحظ، معارض بما ذكروه بترجمة الحافظ ابن خراش - مع وصفه بالحفظ وسعة الاطلاع والنقد - من أنّه خرّج مثالب الشيخين وأبطل حديث: ما تركناه صدقة. قال الحافظ السيوطي:

« ابن خراش الحافظ البارع الناقد، أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي البغدادي. قال أبو نعيم [ بن عدي ]: ما رأيت أحفظ منه.

وقال أبو زرعة: كان رافضياً، خرج مثالب الشيخين في جزءين وأهداهما إلى بندار، فأجازه بألفي درهم، بنى له بها حجرة فمات إذ فرغ منها.

قال عبدان: قلت له: حديث « ما تركنا صدقة »؟ قال: باطل. قال: وقد روى مراسيل [ وصلها ] ومواقيف رفعها.

مات سنة ٢٨٣ »(١) .

وترجم له الحافظ الذهبي قائلاً: « عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ ( فأورد ما تقدم. فقال ): قلت: والله هذا هو الشيخ المغتر الذي ضلّ سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والاحاطة وبعد هذا فما

___________________

(١). طبقات الحفاظ / ٢٩٧.

٢٩٠

انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة وحواتر جزين ومشغر! وقد سمع ابن خراش من الفلّاس وأقرانه بالعراق، ومن عبد الله بن عمران العائدي وطبقته بالمدينة، ومن الذهلي

وعنه ابن عقدة وأبو سهل القطان »(١) .

أقول: واذا كان وصف الشريف الرضي الجاحظ بالمهارة والنقد للكلام دليلاً على بطلان نسبة نصب العداء لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - إليه، فليكن وصف الذهبي وأبي نعيم والسيوطي الحافظ ابن خراش بالحفظ والبراعة والنقد وسعة الاطلاع والاحاطة وغير ذلك، دليلاً على بطلان حديث: ما تركناه صدقة:

٤ ) إطراء أهل السنة علماء الشيعة

وكثيراً ما نجد علماء القوم يمدحون كبار الشيعة ويثنون عليهم الثناء البالغ:

* فقد تقدمت في الكتاب ترجمة الشيخ المفيد طاب ثراه من ( لسان الميزان ) و ( العبر ) و ( مرآة الجنان ).

* وترجمة الشيخ ابن شهر آشوب السروي عن كتب القوم.

ترجمة الشريف الرّضي

* كما ترجم أبو منصور الثعالبي - وهو عبد الملك بن محمد المتوفى سنة ٤٣٠، توجد ترجمته في ( وفيات الأعيان ) و ( العبر ) و ( مرآة الجنان ) و ( بغية الوعاة ) وقد وصفوه بـ « الأديب اللبيب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، راعي تلعات العلم وجامع أشتات النظم، سار ذكره سير المثل وضربت

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٠، وترجم له أيضاً في تذكرة الحفاظ ٢ / ٢٨٤ والعبر ٢ / ٧٠.

٢٩١

إليه رابط الابل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب، وله من التواليف كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، وهو أكبر كتبه وأحسنها

* الشريف الرضيرحمه‌الله بقوله:

« الباب العاشر في ذكر الشريف أبي الحسن النقيب وغرر من شعره: هو محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه ووجوههم - ومولده ببغداد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

وابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل، وهو أبرع أبناء الزمان وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطّالبيين من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلّقين كالحمّاني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم، ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق »(١) .

وترجم له ابن خلكان أيضاً بمثل ما تقدم »(٢) .

وقال اليافعي في حوادث سنة ٤٠٦: « وفي السنّة المذكورة الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، نقيب الأشرف، ذو المناقب ومحاسن الأوصاف » ثم نقل كلام الثّعالبي وغيره في حقه(٣) .

وترجم له أبو الحسن الباخرزي * المتوفى سنة ٤٦٧، قال السمعاني: واحد عصره وعلّامة دهره وساحر زمانه في ذهنه وقريحته، وكان في شبابه يتردد إلى الامام أبي محمد الجويني ولازمه حتى انخرط في سلك أصحابه، ثم ترك ذلك وشرع في الكتابة » وقال الذهبي « الباخرزي العلامة الأديب صاحب دمية القصر، أبو

___________________

(١). يتيمة الدهر ٣ / ١٣٦ - ١٥٦.

(٢). وفيات الأعيان ٤ / ٤١٤.

(٣). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٠٦.

٢٩٢

الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطّيب الباخرزي، الشاعر الفقيه الشافعي، تفقّه بأبي محمد الجويني ثم برع في الانشاء والأدب وسافر الكثير وسمع الحديث ».

وقال الأسنوي في طبقات الشافعية: « كان فقيهاً أديباً » * بقوله:

« السيّد الرّضي الموسوي -رضي‌الله‌عنه وأرضاه - له صدر الوسادة بين الأئمّة والسّادة، وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء: ما أنورك، ولخضارة: ما أغزرك. وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسب رقة الهواء إلى نسيبه وفاز بالقدح المعلّى من نصيبه، حتى لو أنشد الرّاوي غزليّاته بين يدي العزهاة لقالت له: من العزهات، وإذا وصف فكلامه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإنْ مدح تحيّر فيه الأوهام من مادح وممدوح له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروج، وإن نثر حمدت منه الأثر ورأيت هناك خرزات من العقد تنفض، وقطرات من المزن ترفض، ولعمري إنّ بغداد قد انبجست [ انجبت ] به فبوأّته ضلالها وأرضعته زلالها وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق، وانغمس فيها حتى كاد أن يقال غرق، فكلّما أنشدت محاسن تنزهت بغداد في نضرة نعيمها وتشنفت من أنفاس الهجير بمرواح نسيمها »(١) .

وترجم للشريف الرضي أيضاً:

١ - الصفدي في الوافي بالوفيات: ٢ / ٣٧٤.

٢ - ابن ماكولا في الإكمال: ٤ / ٧٥.

٣ - الذهبي في العبر: حوادث سنة ٤٠٦.

٤ - ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: ٥ / ١٤١.

٥ - ابن الوردي في تتمة المختصر - حوادث سنة ٤٠٦.

___________________

(١). دمية القصر ١ / ٢٩٢ - ٢٩٣.

٢٩٣

وأما مدح أبي العلاء المعرّي * المتوفى سنة ٤٤٩، قال ابن خلكان وابن الوردي: كان علّامة عصره -رحمه‌الله - وكان متضلّعاً في فنون الأدب، أخذ عنه التنوخي والخطيب التبريزي وغيرهما. ولما توفي قرئ على قبره سبعون مرثية، وممن رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن الهمام. قال ابن الوردي: إنّه كان تقياً زاهداً، ألف الصّاحب كمال الدين ابن العديم -رحمه‌الله - في مناقبه كتاباً سماه « كتاب العدل والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري » وصنف بعض الأعلام في مناقبه كتاباً سماه « دفع المعرّة عن شيخ المعرّة »، ووضع أبو طاهر الحافظ السلفي كتاباً في أخبار أبي العلاء. وترجم له أيضاً الجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ) ووصفه بالامام، وقال: « كان غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم، عالماً باللغة حاذقاً بالنحو، جيّد الشعر جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته ...» وهكذا ترجم له وأثنى عليه صاحب ( مرآة الجنان ) وغيره الشريفين المرتضى والرضي في القصيدة التي رثى بها أباها الشريف أبا أحمد الحسين فمشهور جداً. فراجع ديوانه.

ترجمة الشريف المرتضى

* ومن كبار علماء الشيعة الذين ترجم لهم في معاجم أهل السنة بكل ثناء وتعظيم: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي:

فقد ترجم له ابن خلكان بقوله:

« الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن طاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -.

كان نقيب الطالبيّين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

٢٩٤

وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدين، وله ديوان شعر كبير، وإذا وصف الطّيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع

وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال: كان هذا الشريف إمام أئمّة العراق بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها، ممّن سارت أخباره وعرفت به أشعاره »(١) .

ترجمة ابن خلكان

وابن خلكان من أكابر علماء أهل السنّة، ترجم له الحافظ الذهبي في ( العبر )(٢) .

وقال ابن الوردي: « كان فاضلاً عالماً، تولى القضاء بمصر والشام، وله مؤلفات جليلة »(٣) .

وترجم له الصّلاح الصّفدي فقال: « وكان فاضلاً بارعاً متفقهاً عارفاً بالمذهب، حسن الفتاوى جيّد القريحة، بصيراً بالعربية، علاّمة بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الإِطّلاع، حلو المذاكرة وافر الحرمة، فيه رئاسة كبيرة »(٤) .

وترجم له اليافعي وأثنى عليه كذلك(٥) .

وقال السبكي بترجمته: « كان أحنف وقته حلماً، وشافعي زمانه علماً، وحاتم عصره، إلّا أنه لا يقاس به حاتم، من بقايا البرامكة الكرام، والسادة الذين ليّنوا جانب الدهر الغرام، وكان زمنه مثل ذلك الزمان الذاهب، وعلى منوال ذلك الاحسان وتلك المواهب، مع التخلّق بتلك الخلائق التي كأنما بات يشب عنبرها

___________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣١٣.

(٢). العبر - حوادث سنة ٦٨١.

(٣). تتمة المختصر - حوادث سنة ٦٨١.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٨.

(٥). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٨١.

٢٩٥

أو أصبح يتخير من أكل جواهر الثريّا جوهرها، بحلم ما داوى معاوية سورة غضبه بمثله، ولا دارى بشبهه أبو مسلم في مكائده، وفعله كرم ما دانى السفاح غمامة ولا دان به المأمون وقد طلب الامامة، هذا إلى أدب خفّ به جانب الخفاجي، واستصغر الوليد وطوى ذكر الطائي، مع إتقان في ذكر الوقائع وحفظ البدائع، أحد علماء عصره المشهورين، وسيّد أدباء دهره المذكورين »(١) .

وممن ترجم لابن خلكان.

السيوطي في حسن المحاضرة ١ / ٣٢٠.

وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة - حوادث سنة ٦٨١.

والأسنوي في طبقات الشافعية ١ / ٤٩٦.

وابن قاضي شهبة الاسدي في طبقات الشافعية ٢ / ٢٢.

وقال اليافعي - المتوفى سنة ٧٦٧، ترجم له الاسنوي فقال: « كان إماماً يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلماً يستضاء بأنواره ويهتدى » وترجم له ابن قاضي شهبة ووصفه بـ « الشيخ الامام القدوة العارف الفقيه العالم شيخ الحجاز » كما ترجم له وأثنى عليه ابن حجر في ( الدرر الكامنة ٢ / ٢٤٧ ) وبدر الدين التهامي في ( طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص ) والجامي في ( نفحات الانس من حضرات القدس ) وابن العماد في ( شذرات الذهب ٦٠ / ٢١٠ ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ٦ / ١٠٣ ) والشوكاني في ( البدر الطالع ١٠ / ٣٧٨ ) - في حوادث سنة ٤٣٦:

« توفي فيها الشريف المرتضى كان نقيب الطالبيين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، وقد دعته الحاجة إلى بيعها فباعها، واشتراها

___________________

(١). الطبقات الصغرى - مخطوط.

٢٩٦

الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفّحها فوجد فيها أبياتا بخط بائعها أبي الحسن الفالي:

أنست بها عشرين حولاً وبعتها

لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظنّي أنني سأبيعها

ولو خلدتني في السجون ديوني

ولكنْ لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهم تستهلُّ شوؤني

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك

كرائم من ربٍ بهنّ ضنين

فأرسل اليه الكتاب ووهب له الثمن.

وملح الشريف المرتضى وفضائله كثيرة، وكانت ولادته سنة ٣٥٥ »(١) .

وترجم له أبو الحسن الباخرزي(٢) .

وجلال الدين السّيوطي الحافظ، وكان مما قال: « قال ياقوت: قال أبو جعفر الطوسي [ مجمع على فضله ] توحّد في علوم ٍكثيرةٍ مثل الكلام والفقه والأدب من النحو والشعر ومعانيه واللغة وغير ذلك، وله تصانيف »(٣) .

والحافظ الذهبي، فقال: « والشريف المرتضى نقيب الطالبيين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو القاسم عليْ بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة، وكان إماماً في الكلام والشعر والبلاغة، كثير التصانيف، متبحراً في فنون العلم، أخذ عن الشيخ المفيد »(٤) .

والحافظ ابن حجر: « قال ابن أبي طي: هو أوّل من جعل داره دار العلم وقررها للمناظرة، ويقال إنه أفتى ولم يبلغ العشرين، وكان قد حصل على رئاسة الدنيا والعلم، مع العمل الكثير في المواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل

___________________

(١). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٣٦.

(٢). دمية العصر: ١ / ٢٩٩.

(٣). بغية الوعاة ٢ / ١٦٢.

(٤). العبر: حوادث سنة ٤٣٦.

٢٩٧

وإفادة العلم، وكان لا يؤثر على العلم شيئاً، مع البلاغة وفصاحة اللهجة، وكان أخذ العلوم عن الشيخ المفيد، وزعم أنه رأى فاطمة الزهراء ليلةً ناولته صبيين فقالت: خذ ابنيَّ هذين فعلّمهما، فلما استيقظ وافاه الشريف أبو أحمد ومعه ولداه الرضي والمرتضى، فقال له: خذهما إليك وعلّمهما، فبكى وذكر القصة.

وذكر أبو جعفر الطوسي له من التصانيف: الشافي في الامامة خمس مجلدات، الملخّص والموجز في الأصول، وتنزيه الأنبياء، والغرر والدرر، ومسائل الخلاف، والانتصار لما انفردت به الامامية، وكتاب المسائل كبير جدّاً، وكتاب الرد على ابن جنّي في شرح ديوان المتنبي، وسرد أشياء كثيرة.

يقال: إن الشيخ أبا اسحاق الشيرازي كان يصفه بالفضل، حتى نقل عنه أنه قال: كان الشريف المرتضى ثابت الجأش، ينطق بلسان المعرفة ويورد الكلمة المسددة، فتمرق مروق السهم من الرمية، ما أصاب [ أصمى ] وما أخطأ أشوى.

إذا شرع الكلام رأيته في

جانب منه وللناس جانب

وذكر بعض الامامية: إن المرتضى أول من بسط كلام الامامية في الفقه، وناظر الخصوم، واستخرج الغوامض، وقيّد المسائل

وحكى ابن برهان النحوي أنه دخل عليه وهو مضطجع ووجهه إلى الحائط وهو يخاطب نفسه، ويقول: أبو بكر وعمر ولّيا فعدلا واسترحما فرحما، أما أنا فأقول: ارتدّا »(١) .

ترجمة ابن حجر

وابن حجر الحافظ من كبار الأئمّة الحفّاظ وشيوخ أهل السنة الأعلام، يوجد الثناء عليه في كافّة المعاجم الرجالية، فقد قال الحافظ السّخاوي بترجمته ما

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢٢٣.

٢٩٨

ملخّصه:

« أحمد بن علي بن محمد بن [ محمد بن ] علي بن أحمد، شيخي الأستاذ، إمام الأئمّة الشهاب أبو الفضل الكناني العسقلاني المصري ثم القاهري الشافعي ويعرف بابن حجر، ولد في ثمان عشر من شعبان سنة ٧٧٣، درس عند شيوخ القاهرة ثم ارتحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية، وأكثر جداً من المسموع والشيوخ، فسمع العالي والنازل، وأخذ عن الشيوخ والأقران فمن دونهم، واجتمع له من الشيوخ المشار اليهم والمعوّل في المشكلات عليهم، ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، لأنّ كلّ واحد منهم كان متبحّرا ورأسا في فنه الذي اشتهر به لا يلحق، فالتنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في معرفة علوم الحديث، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقّن في كثرة التصانيف، والمجد الفيروزآبادي في حفظ اللغة، والغماري في معرفة العربية وكذا المحب وابن هشام، والعزّ ابن جماعة في تفننه.

وأذن له جلّهم أو جميعهم كالبلقيني والعراقي في الإِفتاء والتدريس، وتصدى لنشر الحديث، وشهد له أعيان شيوخه بالحفظ، وزادت تصانيفه على مائة وخمسين تصنيفاً، ورزق فيها من السعد والقبول، خصوصاً فتح الباري بشرح البخاري.

وأملى ما ينيف على ألف مجلس ما حفظه، واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمّة إليه وتبحّح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته، حتى كان رءوس العلماء من كل مذهب من تلامذته، وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة، وامتدحه الكبار، وتبجّح فحول الشعراء بمطارحته، وطارت فتاواه التي لا يمكن دخولها تحت الحصر في الآفاق، وحدّث بأكثر مرويّاته خصوصاً المطوّلات منها، كل ذلك مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه.

وقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والامانة، والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى، وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم

٢٩٩

أصحابه بالحديث، وقال كلّ من التقي الفاسي والبرهان الحلبي: ما رأينا مثله.

وسئل: أرأيت مثل نفسك؟ فقال قال الله: ولا تزكّوا أنفسكم.

ومحاسنه جمّة، وما عسى أن أقول في هذا المختصر، أو من أنا حتى يعرف بمثله، خصوصاً وقد ترجمه من الأعيان في التصانيف المتداولة بالأيدي، التقي الفاسي في ذيل التقييد، والبدر البشتكي في طبقاته للشعراء، والتقي المقريزي في العقود الفريدة، والعلاء ابن خطيب الناصرية في ذيل تاريخ حلب، والشمس ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه، والتقي ابن قاضي شهبة في تاريخه، والبرهان الحلبي في بعض مجاميعه، والتقي ابن فهد المكي في ذيل طبقات الحافظ، والقطب الخيضري في طبقات الشافعية، وجماعة من أصحابنا كابن فريد النجم في معاجمهم وغير واحد من الوفيات، وهو نفسه في رفع الإصر، وكفى بذلك فخراً.

توفي في أواخر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين »(١) .

وترجمه الحافظ السيوطي بقوله: « ابن حجر شيخ الإسلام والامام الحافظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، بل حافظ الدنيا مطلقا، قاضي القضاة »(٢) .

وقال بترجمته أيضا ما ملخصه: « قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام الحفاظ شهاب الدين، فريد زمانه، وحامل لواء السنّة في أوانه، ذهبي هذا العصر ونضاره، وجوهره الذي ثبت به على كثير من الأعصار فخاره، إمام هذا الفن للمقتدين ومقدم عساكر المحدثين، وعمدة الوجود في التوهين والتصحيح، وأعظم الحكام والشهود في باب التعديل والتجريح، شهد له بالانفراد خصوصا في شرح البخاري كل مسلم، وقضى له كل حاكم بأنه العلم المعلم، له الحفظ

___________________

(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٢ / ٣٦ - ٤٠.

(٢). طبقات الحفاظ / ٥٤٧، وفيه: « إمام الحفاظ في زمانه » بدل: « الامام الحافظ ».

٣٠٠