نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188144 / تحميل: 7228
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الواسع »(١) .

كما ترجم له في تاريخ مصر بقوله: « ابن حجر إمام الحافظ في زمانه، إنتهت اليه الرحلة والرئاسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه »(٢) .

ترجمة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي

وأما الشيخ أبو اسحاق الشيرازي الذي وصف الشريف المرتضى -رحمه‌الله - بما نقله الحافظ ابن حجر فإليك بعض كلماتهم في مدحه:

قال ابن خلكان ما ملخصه:

« الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي الملقّب جمال الدين، سكن بغداد وتفقّه على جماعة من الأعيان، وصحب القاضي أبا الطيّب الطبري كثيراً وانتفع به وناب عنه في مجلسه، ورتّبه معيدا في حلقته، وصار إمام وقته ببغداد، ولما بنى نظام الملك مدرسته ببغداد سأله أن يتولاّها فلم يزل إلى أن مات. وصنّف التصانيف المباركة وانتفع به خلق كثير، وله شعر حسن، وكان في غاية من الورع والتشدّد في الدين، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وكانت ولادته في سنة ٣٩٣، وتوفي سنة ٤٧٦.

وذكره محب الدين ابن النجار في تاريخ بغداد، فقال في حقه: إمام أصحاب الشافعي، ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد، وأكثر علماء الأمصار من تلامذته »(٣) .

وقال الذهبي بترجمته:

___________________

(١). نظم العقيان في أعيان الأعيان / ٤٥.

(٢). حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ١ / ٣٦٣.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٢٩.

٣٠١

« أبو اسحاق الشيرازي، الشيخ الامام القدوة المجتهد شيخ الاسلام نزيل بغداد. قال السمعاني: هو إمام الشافعية ومدرّس النظامية وشيخ العصر، رحل الناس إليه من البلاد وقصدوه، وتفرّد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة. صنّف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهداً ورعاً. قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر. وقال الموفّق الحنفي: أبو اسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.

قال السمعاني: سمعت جماعة يقولون: لمـّا قدم أبو إسحاق نيسابور رسولاً تلقّوه، وحمل إمام الحرمين غاشية ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا. وكان عامة المدرّسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه، وكفاهم بذلك فخراً.

قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق. لو رآه الشافعي لتجمّل به.

أخبرني الحسن بن علي، أنا جعفر الهمداني، أنا السلفي، سألت شجاع الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدّم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعاً صالحاً عالماً بالخلاف لا يشاركه فيه أحد.

قال محمد بن عبد الملك الهمداني: ندب المقتدى أبا اسحاق للمراسلة إلى المعسكر فتوجّه، فكان يخرج اليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون ونثروا الخبز، وخرج الفاكهة والحلوى ونثروا، حتى الأساكفة عملوا مداساتٍ صغاراً ونثروها وهي تقع على رءوس الناس.

قال شيرويه الديلمي في تاريخ همدان: الشيخ أبو إسحاق إمام عصره، وكان ثقة فقيهاً زاهداً في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه »(١) .

وقال اليافعي في تاريخه حيث عنون أبا إسحاق: « الشيخ الامام المتّفق على جلالته وبراعته في الفقه والأصول، وزهادته وورعه وعبادته وصلاحه وجميل

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٥٢.

٣٠٢

صفاته، السيد الجليل أبو إسحاق المشهور فضله في الآفاق » ثمّ قال بعد أن أورد كلمات العلماء في حقه:

« كان قد استقر إجماع أهل بغداد بعد موت الخليفة على أن تعقد الخلافة لمن اختاره الشيخ أبو إسحاق، فاختار المقتدى بأمر الله »(١) .

وقد ترجمه أيضاً:

١ - الذهبي في العبر في خبر من غبر: حوادث سنة ٤٧٦.

٢ - ابن الوردي في تاريخه: تتمة المختصر في أخبار البشر: حوادث سنة ٤٧٦.

٣ - الأسنوي في طبقات الشافعية: ٢ / ٨٣.

٤ - ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية ١ / ٢٤٤.

* * *

والخلاصة: إذا كان ذكر « الجاحظ » فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام - دليلاً على الحب وعدم العداوة والنصب، فاللازم أن يكون ذكر هؤلاء الأئمّة وترجمتهم كبار الامامية بكل مدحٍ وثناءٍ دليلاً على حبهم وودّهم لهم، والموافقة معهم في عقائدهم، وتنزيههم مما يقال فيهم وينسب اليهم من المذاهب الباطلة على حد زعم أهل السنة.

ولكن رشيد الدين الدهلوي لا يسلم بذلك ولا يلتزم به.

فكذلك ذكر الجاحظ الامام -عليه‌السلام - بفضائله ومناقبه فما ذكره رداً على « العلامة الحلي » ودفاعاً عن الجاحظ باطل.

___________________

(١). مرآة الجنان: حوادث سنة ٤٧٦.

٣٠٣

تكملة

وأما ما ذكره رشيد الدين الدهلوي عن السيد الشهيد القاضي نور الله التستري - طاب ثراه - ونسبه إليه، فهو غريب جداً بل كذب، يلوح ذلك لمن راجع كتاب ( احقاق الحق ) للقاضي المذكور، بل بطلانه واضح من كلام الرشيد الدهلوي نفسه.

أما من ( احقاق الحق ) فان القاضي -رحمه‌الله - قال في الرد على كلام ابن روزبهان الذي تقدم نصه:

« قد علم عداوة الجاحظ من كلماته الأخر، ومن بعض عقائده الدالّة على أن صدور تلك المدائح عنه من قبيل ما أشار اليه تعالى بقوله:( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) . وبقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) .

وأقل ما صدر عن الجاحظ ممّا يدلّ على عداوته لأمير المؤمنين ومخالفته لاجماع المسلمين أنه أظهر في سنة عشر ومائتين من الهجرة القول بأن الامامة بالميراث، وأن وارث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - هو عمّه العباس دون علي، وكان ذلك منه تقرّباً إلى الخليفة المأمون العباسي، فباع دينه بدنياه، نظير ذلك أن معاوية كان يصف علياً -عليه‌السلام - عند خواص أصحابه، ويحاربه ويأمر

٣٠٤

بسبّه على رؤوس المنابر، والشيطان يسبّح الله ويقدّسه بل يزعم في دعوى إخلاصه أن سجدة آدمعليه‌السلام شرك مع الله، وصار لمخالفته الأمر بها عدواً لله ملعوناً مطروداً، وبهذا يعلم بطلان استدلاله المذكور على المحبة، ويفهم أنه لم يذق طعم المحبة.

وبالجملة، قد علم أن الجاحظ - وهو أبو عثمان عمرو بن بحر - كان عثمانياً مروانياً، ومع هذا قد اعترف بفضل بني هاشم وأهل بيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وتقديمهم، وفضل علي -عليه‌السلام - وتقديمه في بعض رسائله، فإنْ كان هذا مذهبه فذاك، وإلّا فقد أنطقه الله تعالى بالحق وأجرى لسانه بالصدق، وقال ما يكون حجةً عليه في الدنيا والآخرة، ونطق بما لو اعتقد غيره لكان خصيمه في محشره فإن الله تعالى عند لسان كلّ قائل، فلينظر قائل ما يقول وأصعب الأمور وأشقها أن يذكر الانسان شيئاً يستحق به الجنة، ثم يكون ذلك موجباً لدخول النار، نعوذ بالله من ذلك».

فظهر ان القاضي التستري -رحمه‌الله - قد ذكر تأليف الجاحظ رسالة فضائل علي وأهل البيت -عليهم‌السلام -، وأنه لم يحمل ذلك على محمل مستغرب، فقول رشيد الدين الدهلوي: « مع عدم ذكر تأليفه كتاباً في مناقبه، وحمل ذلك على محمل يستغفر به الأذكياء بل الأغنياء » كذب صريح.

وأما ظهور كذب هذا الرجل من كلام نفسه، فلأنه يقول: « وحمل ذلك على محمل يستغربه الأذكياء بل الأغنياء » لأنّ هذا الكلام يتضمن عدم إنكار السيد تصنيف الجاحظ تلك الرسالة.

هذا، وأما دعوى أنه « يستغربه الأذكياء بل الأغنياء » فطريفة جداً. فلقد ثبت بالقطع واليقين لدى ( الدهلوي ) نصب الجاحظ وعداوته وثبت عنده أن الجاحظ صنّف رسالة في الطعن في خصائص مولانا علي -عليه‌السلام -، فلابدّ أنْ يكون ( الدهلوي ) يحمل رسالة الجاحظ - المذكورة - على ذلك المعنى أيضاً، فيكون حينئذٍ خارجاً من عداد الأذكياء بل الأغنياء في رأي تلميذه الرشيد

٣٠٥

بل الألطف من هذا: أن رشيد الدين خان يجعل استدلال القاضي -رحمه‌الله - على عداوة الجاحظ ومخالفته لإِجماع المسلمين بإظهار قوله المذكور في الامامة، أعجب ممّا ادّعاه العلّامة الحلّي -رحمه‌الله - وكأن الرشيد الدهلوي لا يدري أن مقالة الجاحظ هذه تؤدي إلى إنكار خلافة الامام -عليه‌السلام - حتى في المرتبة الرابعة، فلو لم يكن هذا المذهب نصباً وعداوة لدى الرشيد الدهلوي فليقل لنا ما هو مصداق العداوة والبغض والانحراف في رأيه

هذا، وأما تشكيك رشيد الدين الدهلوي في صدور هذه المقالة من الجاحظ حيث قال « على تقدير تسليم صدورها من هذا المعتزلي » فيدل على طول باعه في التحقيق وسعة اطلاعه وإحاطته بالمذاهب والنحل ...!!

فإن صدور هذه المقالة من الجاحظ مشهور، فقد قال الشريف في ردّ كلام قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي القائل بعد كلام له:

« وبعد، فإنْ جاز حصول النص على هذه الطريقة ويختص بمعرفته قوم على بعض الوجوه، ليجوزنّ إدعاء النص على العباس وغيره، وإن اختص بمعرفته قوم دون قوم ثم انقطع النقل، لأنه إنْ جاز انقطاع النقل فيما يعم تكليفه عن بعض دون بعض جاز انقطاعه عن المكلَّفين كذلك، لأن ما أوجب إزاحة العلة في كلّهم يوجب إزاحة العلة في بعضهم ».

قال الشريفرحمه‌الله في ردّه:

« يقال له: إن المعارضة بما يدعى من النص على العباس، أبعد عن الصواب من المعارضة بالنص على أبي بكر، والذي يتبيّن بطلان هذه المقالة، والفرق بينها وبين ما يذهب اليه الشيعة في النص على أمير المؤمنين -عليه‌السلام - وجوه:

منها: أنا لا نسمع بهذه المقالة إلّا حكاية وما شاهدنا قط ولا شاهد من أخبرنا ممن لقيناه قوماً يدينون بها، والحال في شذوذ أهلها أظهر من الحال في شذوذ البكرية، وإنْ كنا لم نلق منهم إلّا آحاداً لا يقوم الحجة بمثلهم، فقد وجدوا على

٣٠٦

حال وعرف في جملة الناس من يذهب إلى المقالة المرويّة عنهم، وليس هذا في العباسية.

ولو لا أن الجاحظ صنّف كتاباً حكى فيه مقالتهم وأورد فيه ضرباً من الحجاج نسبه إليهم، لما عرفت لهم شبهة ولا طريقة تعتمد في نصرة قولهم.

والظاهر أن قوماً ممّن أراد التسوّق والتوصل إلى منافع الدنيا، تقرّب إلى بعض خلفاء ولد العباس بذكر هذا المذهب وإظهار اعتقاده ثم انقرض أهله وانقطع نظام القائلين به لانقطاع الأسباب والدواعي لهم إلى إظهاره، ومن جعل ما يحكى من هذه المقالة الضعيفة الشاذة معارضة لقول الشيعة في النص، فقد خرج عن الغاية في البهت والمكابرة.

ومنها: ان الذي يحكى عن هذه الفرقة التي أخبرنا عن شذوذها وانقراضها مخالف أيضاً لما تدين به الشيعة من النص، لأنهم يعوّلون فيما يدعونه من النص على صاحبهم على أخبار آحادٍ ليس في شيء منها تصريح بنصّ ولا تعريض، ولا دلالة عليه من الفحوى ولا ظاهر، وإنما يعتمدون على أن العم وارث، وأنه يستحق وراثة المقام كما يستحق وراثة المال، وعلى ما روي من قوله ردوا عليَّ أبي وما أشبه هذا من الأخبار التي إذا سلم نقلها وصحت الرواية المتضمنة لها لم يكن فيها دلالة على النص والامارة، ولا اعتبار بمن يحمل نفسه من مخالفينا على أن يحكى عنهم القول بالنص الجلي الذي يوجب العلم ويزيل الريب كما يقول الشيعة، لأن هذا القول عن قائله لا يغني عنه شيئاً، مع العلم بما حكي من مقالة هذه الفرقة وسطر من احتجاجها واستدلالها.

ولولم يرجع في ذلك إلّا إلى ما صنّفه الجاحظ لهم، لكان فيه أكبر حجة وأوضح دلالة، فما وجدناه - مع توغّله وشدّة توصّله إلى نصرة هذا المذهب - أقدم على أن يدعي عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نصاً صريحاً بالامامة، بل الذي اعتمده فهو ما قدمنا ذكره وما يجري مجراه.

مثل: قول العباس - وقد خطب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٠٧

خطبته المشهورة في الفتح فانتهى إلى قوله: إنّ مكة حرام، حرّمها الله يوم خلق السماوات والأرض لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها - إلّا الأذخر يا رسول الله. فأطرق رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقال: إلّا الأذخر.

ومثل: ما روي من تشفيعه له في مجاشع بن مسعود السلمي - وقد التمس البيعة على الهجرة بعد الفتح - فأجابه إلى ذلك.

ومثل: إدعائه سبقه الناس إلى الصلاة على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عند وفاته.

وتعلّقه بحديث الميراث، وحديث اللدود.

إلى غير ما ذكرناه مما هو مسطور في كتابه.

ومن تصفحه علم أن جميع ما اعتمده لا يخرج عما حكمنا فيه بخلوّه من الاشارة إلى نص أو دلالة، وقد علمنا عادة الجاحظ فيما ينصره من المذاهب، فإنه لا يدع غثّاً ولا سميناً، ولا يغفل عن إيراد ضعيف ولا قوي، حتى أنه ربما خرج إلى ادعاء ما لا يعرف. فلو كان لمن ذهب إلى مذهب العباسية خبر ينقلونه يتضمن نصاً صريحاً على صاحبهم، لما جاز أن يعدل عن ذكره مع تعلّقه بما حكينا بعضه، واعتماده على أخبار آحاد أكثرها لا يعرف »(١) .

وأما قول رشيد الدين الدهلوي: « وإنما يترتب على هذا الرأي حرمان أحب الأحباب، وانتقال الميراث إلى غير المحبوب ».

فتوجيه لمقالة الجاحظ، وفيه ما لا يخفى.

وأما قوله: « فصاحب هذا الزعم فاعتبروا يا أولي الألباب » فيتضمن وجهين للدفاع عن الجاحظ:

الأول: إنما قال ذلك ليتقرّب إلى المأمون العباسي، لا عداوةً لأمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

___________________

(١). الشافي في الامامة / ٩٨ - ٩٩.

٣٠٨

والثاني: إن العداوة أمر باطني، وكلام الجاحظ لا يدل عليها.

وكلا الوجهين فاسد.

أما الأوّل: فلأن مقتضاه: أن كلّ قول صدر إرضاءً لملك أو رئيس - وإنْ كان في أقصى مراتب الشناعة والفساد - لا يدل على اعتقاد قائله به، وهذا يستلزم أن لا يكون الذين سبّوا علياً تقربّاً إلى الأمويين نواصب له وأعداء، وأن لا يحكم بالكفر على من سبَّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأهانه واستهزأ به تقرباً إلى أئمّة الكفر إلى غير ذلك من اللوازم الواضح فسادها.

وأما الثاني: فكالأول في البطلان، بل أظهر منه.

هذا، ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن القاضي التستري -رحمه‌الله - لم ينفرد في دعوى تشيّع المأمون، بل قال بذلك جماعة من أئمّة أهل السنّة من السابقين واللاحقين، كالجلال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) والبرزنجي في ( مرافضه )، بل ذكر ابن خلدون في ( تاريخه ): « أن دولة بني العباس دولة شيعية ».

على أن للتشيع معنيين: أحدهما: التشيع بالمعنى الخاص، وهو الاعتقاد بامامة أئمّة الإِثنى عشر من أهل البيت، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ، وآخرهم: المهدي المنتظر،عليهم‌السلام .

والثاني: التشيع بالمعنى العام، وهو الاعتقاد بامامة علي -عليه‌السلام ، بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بلا فصل.

وقد صرح القاضي التستري في مقدمة كتابه ( مجالس المؤمنين ) بأنه يذكر فيه الشيعة بالمعنى العام لا الخاص.

فظهر بطلان دفاع الرشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ، وانتقاداته لكلام القاضي التستري -رحمه‌الله -.

٣٠٩

٥ ) حول رسالة الجاحظ في فضل عليعليه‌السلام

وإن تصنيف الجاحظ رسالة فضائل المؤمنين -عليه‌السلام - إنما كان يفيده لو لم يرتكب تلك القبائح، ولم يطعن في فضائل الامام -عليه‌السلام - في رسالة أخرى صنّفها في نصرة العثمانية.

ومع ذلك فإنا لا نستبعد اعتقاد الجاحظ بإمامة علي بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولعله من هنا أثبت في رسالته في الفضائل أفضليته من غيره، واعترف بمناقبه وفضائله التي لا تحصى، ولكن دعته الدواعي الدنيوية والشهوات النفسانية إلى تصنيف الرسالة الأخرى، التي زعم فيها كون الامامة بالميراث ...كما ذكره الشريف المرتضى والقاضي التستري - رحمهما الله تعالى -.

ونظير ذلك ما ذكره شمس الأئمّة محمد بن عبد الستار الكردي العمادي المتوفى سنة ٦٤٢ * ترجم له محيي الدين ابن أبي الوفا القرشي في ( الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ) بقوله: « كان أستاذ الأئمّة على الاطلاق والموفود اليه من الآفاق، قرأ بخوارزم على الشيخ برهان الدين ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي صاحب المغرب، ثم رحل إلى ما وراء النهر وتفقّه بسمرقند على شيخ الاسلام المرغيناني صاحب الهداية، والشيخ مجد الدين المهاري السمرقندي المعروف بامام زاده، وسمع الحديث منهما، وتفقّه ببخارى على العلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم، والشيخ شرف الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي وبرع في معرفة المذاهب وإحياء علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي وشمس الأئمّة السرخسي، وتفقه عليه خلق كثير ».

وترجم له محمود بن سليمان الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من مذهب النعمان المختار ) بقوله: « الشيخ الامام الموفود اليه من الآفاق مرضي الشمائل، جامع مكارم الأخلاق، بدر الأمة، شمس الأئمة أخذ عن كبار الفقهاء

٣١٠

وأعلام العلماء، حتى قرن الله مساعيه بالنجاح، وجعل صيته الطيار موفور الجناح، أخذ عن جمع كثير لا يحيط بها الحد ولا يضبطها العد، كان قد وصل إلى خدمة الرجال من أصحاب الكتيبة التاسعة والعاشرة والحادية عشر وأخذ عنهم وسمع التفسير والحديث، وبرع في معرفة المذاهب، وكان أستاذ الأئمّة على الاطلاق وكانت الطلبة ترحل اليه من الآفاق »

*عن الشافعية بقوله :

« الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله العالمين العاملين. وبعد، فإني ما كنت أسمع شفعوياً يذم إمام الأئمّة وسراج الأمة أبا حنيفة -رضي‌الله‌عنه - ويسيء القول به ويلعنه، بل أراهم يتقربون إلى أتباعه ويتودّدون إلى أشياعه إلّا المعتزلة منهم، فإنّهم كانوا يبغضون لبدعتهم ويعادون لعداوتهم.

حتى دخلت حلب - طهّرها الله عن البدع - فسمعت بعد مدة أنّ أعلام المدرسين من الشفعوية، لعن أبا حنيفة -رحمه‌الله - فانكرت على الناقل وكذّبته، ثم توالى على سمعي من سكان مدارس الشفعوية من المتفقهة منهم، أنهم يسيئون القول في الحنفيين ويبغضونهم، وفي أيديهم كتاب مكتوب فيه مناظرة الشافعي - رحمه‌ الله تعالى - مع محمد بن الحسن الشيباني، يذكر فيه أن الشافعي -رحمه‌الله - ناظره فنظره عند هارون الرشيد وكفّره، وهم يعتقدون صحة ذلك ويدرسونه، فقلت: سبحان الله! الشافعي كان تلميذ محمد بن الحسن واستفاد منه علم أبي حنيفة -رحمه‌الله - وأثنى عليه، كيف يستجرئ أن يناظره وينظره ويحاجّه ويحجّه، فضلاً عن أن ينظره ويكفّره، مع علمه قبح ذلك في الشريعة المطهرة؟

فطلبت ذلك المكتوب فأخفوه، والآن وقعت في يدي جزازة مكتوب فيها: إن أبا محمد الغزالي الطوسي أحد رؤساء الشفعوية ذكر في آخر كتابه الموسوم بالمنخول في الاصول باباً، قدّم فيه مذهب الشافعي على سائر المذاهب، وفضّله على سائر أصحاب المناصب، مثل أبي حنيفة وأحمد ومالك -رحمهم‌الله -، وسلك في تصحيح دعواه ثلاث مسالك وطعن فيه، وخص أبا حنيفة -رحمه‌الله - بالتشنيع

٣١١

العظيم والتقبيح العميم، ووصفه بما يشير إلى أنه كان ملحداً لا مؤمناً، نحو قوله: فأما أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وخرم نظامها، وسنذكر تمامه في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

فقلت لنفسي: لا أتيقّن هذا ما لم أطّلع على الكتاب الموسوم بالمنخول، فتوسّلت بطريقةٍ إلى تحصيله، فوجدته بعد جهد جهيد في زمان مديد، فوجدته كما نسخ في هذه الجزازة، فأورد في قلبي وجداً وحرارة، فبان لي أن تقرّبهم في بلاد العجم إلى أصحاب الامام المعظم كان تقية، لما يرون من تقدّمهم وقربهم وتعصباً لأمرائهم، وأن تبغضهم بهم في هذه وإزراءهم عليهم لقربهم من السلطان وميله إليهم، ولاح لي بدلالة واضحة وأمارة لائحة أن القوم يعرفون أن أبا حنيفة -رحمه‌الله - هو الامام المقدّم والحبر المعظم، والعالم التقي والزاهد النقي، لكن يظهرون خلاف ما يضمرون، طلباً للرئاسة الكلية والشوهات النفسانية والحفوظ الدنيوية.

ومصداق هذه الدعوى وبرهانها أن خيارهم يأخذون الشفعة بالجوار، وأنه غصب وعدوان عندهم، ويتطهّرون بماء الحمام ويغتسلون به وهو نجس عندهم والصلاة بتلك الطهارة باطلة عندهم، بناءاً على أن رماد النجاسة المحرقة نجس عندهم، وقد خلط بالكلس في الحمام وبطليه، وأن النجاسة تحترق في الاتون وأنّ أجزاء رمادها تقع في مجرى الحوض، فيجري عليه الماء فيتنجس، ويتعاملون في السوق بالأخذ والعطاء بدون قولهم بعت واشتريت في المطعوم والمشروب والملبوس، وأنه باطل عندهم، والمقبوض بناء على ذلك كالمقبوض بالغصب.

وكذا يبيعون ويشترون على أيدي صبيانهم وتصرفاتهم عندهم باطلة، ويزارعون والمزارعة عندهم فاسدة، ويتزوّجون بتزويج أولياء فساق وتزويجهم في مذهبهم باطل، وكذلك أنكحتهم بحضرة الفساق فاسدة، فيظهر بهذا أن أنكحتهم في الأكثر باطلة، ووطؤهم بناء على تلك الأنكحة زنا وأولادهم أولاد زنا، وما يأكلون ويشربون ويلبسون حرام، وكذا ما يجمعون بتلك الطرق.

٣١٢

فإن قالوا: أخذنا في هذه المسائل بمذهب أبي حنيفة -رحمه‌الله - وأنه حقّ، فما بالهم يطعنون عليه ويلعنون؟!

وإنْ قالوا: مذهبه باطل ومذهبنا حق، فما بالهم يلابسون المحظورات ويقارفون المنهيّات، ويبارزون بالمعاصي لمالك الأوامر والنواهي، وهم يعلمون ذلك ولا يتناهون عنه ولا يرجعون، بل يتعاونون على ذلك ويتظافرون وعلى ذلك يموتون ولا يتوبون عن ذلك ولا يتذكرون؟! وممّا يؤيّد هذا ويوضحّه أنك ترى أعلمهم وأزهدهم إذا تمكّن من أمير أو وزير يعتقد أنه ظالم غاشم يجري معه في هواه ويوافقه فيما يهواه، فيمدحه في وجهه بما ليس فيه حتى يصمّه ويعميه، ومذهبه أنه لا ولاية لهذا الأمير والوزير على أولاده الصغار تزويجاً وعلى أموالهم بيعاً وشراءً، وعلى تزويج بنته البكر البالغة، فضلاً عن أن يثبت له ولايته على العوام وأموال الأيتام والأوقاف وأموال بيت المال، وأنّ توليته لا تصحّ، وأنّ الأنكحة بحضرة أمثاله لا تنعقد، ومع ذلك يتقلّد منه القضاء والنظر في الأوقاف وأموال الأيتام مع اعتقاده أنّ توليته باطلة وتقلّده فاسد، وهو في مدحه إيّاه وإعانته ظالم آثم ثمّ ربما تعدّى من ذلك إلى الوزارة وجمع المال بالطرق المحرمة، ويظهر له أنه ناصح أمين وشفيق ومسكين وهو في الحقيقة خائن مبين، فيتلهى بالرجل حتى يصل إلى أغراض فاسدة، من التقدّم على العوام وجمع الحطام وتخريب المدارس والرباطات معنى بتوليته من لا يصلح لها، إذا علم أنه يدخل معه في هواه ويوافقه فيما يهواه، وترك الصالح للتدريس والفتيا وعدم تمكينه من ذلك خوفاً من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينكر عليه أفعاله ولا يحسن أحواله.

فلينظر العاقل المنصف أنّ من هذه صفاته هل يصلح أن يعتمد عليه في أمور الدين والدنيا، ويؤتمن عليه في المصالح ويفوّض إليه تدبير المملكة، فمن هذه صفته لا يبعد منه أن يعتقد حقيّة مذهب الإِمام أبي حنيفة -رحمه‌الله - ثم يظهر خلافه ليحصل له الرئاسة الكلية ».

٣١٣

ثم إنّ الكردري أورد طعن الغزالي صاحب ( المنخول ) في أبي حنيفة في الفصل الأول من كتابه وذكر أن الغزالي « ردّد أمر أبي حنيفة -رحمه‌الله - بين أن يكون جاهلاً ومجنوناً. وبين كونه كافراً زنديقاً » فقال:

« فهذا اعتقادهم في إمام الأئمّة وسراج الأُمّة، فكيف في أتباعه ومقلدي مذهبه، من الأمراء والسلاطين وقواد عساكر المسلمين والفقهاء منهم والمدرسين؟

واعتقادهم في أتباعه ما نص عليه من وصفهم به، من شدة الغباوة وقلة الدراية وشدّة الخذلان، فإنّ حواسّهم فاسدة غير سليمة وعقولهم وأنظارهم غير سديدة ».

ثم قال: « ثمّ لا يستحيون ويظهرون في وجوه أتباعه من الأمراء والقضاة والولاة من الأطراء ما يزيد على الصّديق وعمر الفاروق ».

قال: « ثمّ إنّ الله تعالى عزّ وجلّ أظهر كرامة أبي حنيفة -رحمه‌الله - بأنْ سلّط على هذا الطّاعن فيه رؤساء مذهبه وعملائهم، فقابلوه على طعنه بأن شهدوا عليه بالإِلحاد والزندقة والتزوير والمخرقة عند السلطان سنجر، وأفتوا بإباحة دمه ووجوب قتله »(١) .

أقول: وهكذا حال الجاحظ وشأنه مع مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام - وعليه ينطبق جميع ما قاله الكردري في حق الغزالي، وكذا على من كان على شاكلته.

٦ ) يستند إلى أقوال العلماء في فنونهم

قد علمت أن مدح الشريف الرضي -رحمه‌الله - للجاحظ لم يكن مدحاً على حقيقته، بل كان مدح إلزام وإفحام

ثم نقول: إنه لا مانع من أن يكون مدحاً واقعياً، وأن يكون استناد الشريف إلى كلام الجاحظ في معرفة كلام الامام -عليه‌السلام - استناداً حقيقياً

___________________

(١). الرد على مطاعن أبي حنيفة في كتاب المنخول للغزالي.

٣١٤

... وذلك لأن العلماء كثيراً ما يستندون إلى أشعار الكفّار، وفي المسائل الطبية - مثلاً - إلى أقوال الطبيب الملحد، ولا يرون في ذلك بأساً أبداً

وقد تعرّض لهذه المسألة علماء الدراية وعلم الحديث في كتبهم التي وضعوها في هذا العلم، قال الحافظ جلال الدين السيوطي:

« قال عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه اليه أبو محمد بن عبد الحميد: وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاسناد اليها، لأنّ الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم، لحصول الثقة بها وبعد التدليس، ومن زعم [ اعتقد ] أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم، ولو لا جواز الاعتماد على ذلك لتعطّل كثير من المصالح المتعلّقة بها.

وقد رجع الشارع الى قول الأطباء في صور، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلّا عن قول الكفار [ قوم كفار ] ولكنْ لمـّا بَعُدَ التدليس فيها اعتمد عليها، كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار، لبعد التدليس »(١) .

هذا، وأما مدح الكفار والمشركين والخوارج بصفات كانوا يتصفون بها فكثير في الصحاح وكتب الحديث والتواريخ وغيرها.

وبهذا نكتفي في رد دفاع الفاضل رشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ.

___________________

(١). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ١٥٢.

٣١٥

٣١٦

(٥)

عدم رواية ابن أبي داود حديث الغدير

٣١٧

٣١٨

وأمّا استناد الفخر الرازي إلى ترك ابن أبي داود حديث الغدير وقدحه فيه، فمردود بوجوه:

١. لا دليل على القدح

إن دعوى قدح ابن أبي داود السجستاني في حديث الغدير دعوى لا يدعمها أي دليل، ولم يقم عليها برهان.

وكل دعوى لم يقم صاحبها على صحّتها دليلاً فهي غير مسموعة

٢. دعوى القدح كاذبة

بل إن هذه الدعوى باطلة لا أصل لها، فقد قيل: إنّ ابن أبي داود لم ينكر خبر الغدير، وإنما أنكر منه بعض أمور خارجة عن أصل الحديث قال الشريف المرتضى - رحمه‌ الله تعالى:

« فإنْ قيل: أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني في دفع الخبر، وحكي عن الخوارج مثله، وطعن الجاحظ في كتاب العثمانية فيه؟

قيل له: أول ما نقوله أن لا معتبر في باب الإجمال بشذوذ كل شاذ عنه، بل الواجب أن يعلم أن الذي خرج عنه ممن يعتبر قوله في الإجماع ثم يعلم أنّ الاجماع لم يتقدم خلافه.

٣١٩

فإنّ ابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الاجماع، خصوصاً بالذي لا شبهة فيه من تقدم الاجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثم تأخر عنهما.

على أنه قد قيل: إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدّماً، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر والتبرّي مما قذفه به محمد بن جرير الطبري.

وأما الجاحظ فلم يتجاسر أيضاً على التصريح بدفع الخبر، وإنما طعن على بعض رواته، وادّعى اختلاف ما نقل من لفظه.

ولو صرّح الجاحظ والسجستاني وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحاً لما قدّمناه »(١) .

٣. استدلال الرازي يخالف قواعد البحث

ولو سلّمنا ما حكي من قدح ابن أبي داود في حديث الغدير، فإنه لا وجه لتمسك الرازي بذلك، لأنه خروج عن قواعد البحث وآداب المناظرة، إذ قد تقرر في علم المناظرة أن يتخذ المخاصم من أقوال خصمه وتصريحات أصحابه وأبناء طائفته دليلاً على الرد، لا أن يعتمد المخاصم على ما ذكره أهل مذهبه وعلماء نحلته لأجل أن يخصم بذلك خصمه

وعلى هذا الأساس التزم ( الدهلوي ) في مقدمة ( التحفة ) ومن قبله والده في ( قرّة العينين ) بعدم الاحتجاج بروايات أهل السنة، حتى من البخاري وغيره من صحاحهم في محاجة الإِمامية ولكنهما - مع الأسف - خالفا ما التزما ولم يفيا بما وعدا

___________________

(١). الشافي في الامامة / ١٣٢.

٣٢٠

٤. المعارضة بتصحيح الأئمّة

على أنّ ترك ابن أبي داود حديث الغدير أو قدحه فيه، معارض برواية أكابر أئمة أهل السنة إياه، وتصريحهم بصحته، وتنصيصهم على ثبوته وتواتره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -

فهو حديث مجمع على صحّته، ولا اعتبار بقول شاذّ خارج عن هذا الإِجماع

٥. المعارضة برواية أبي داود

ومن رواة حديث الغدير: أبو داود ( والد أبي بكر ابن أبي داود ) فقد قال الحافظ النسائي ما نصه:

« أخبرني أبو داود قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي عيينة، قال: أخبرنا الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: خرجت مع علي -رضي‌الله‌عنه - إلى اليمن فرأيت منه جفوةً، فقدمت على النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكرت علياً -رضي‌الله‌عنه - فتنقصته، فجعل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يتغيّر وجهه فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

فما ذكره ابن أبي داود - لو ثبت - معارض برواية أبيه للحديث، ومن المسلَّم به تقدم والده عليه علماً وحفظاً وثقة

ومن هنا يظهر ما في نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود السجستاني، كما عن ابن حجر المكي في ( الصواعق ) وكمال الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة ) ونور الدين الحلبي في ( السيرة ) وعبد الحق الدهلوي في ( شرح المشكاة )

___________________

(١). خصائص أمير المؤمنين علي / ٩٤.

٣٢١

والسهارنبوري في ( المرافض ) فإنها نسبة باطلة لا أساس لها من الصّحة

٦. قال أبو داود: ابني عبد الله كذّاب

ثم إنّ أبا بكر ابن أبي داود قد تكلّم فيه جماعة من كبار الأئمّة والحفاظ المشاهير وغيرهم منهم:

ابن صاعد

وابراهيم الاصفهاني

والبغوي

وابن أبي عاصم

وابن مندة

والأخرم

وابن الجارود

والقطّان

والطّبري

وابن الفرات

وعلي بن عيسى الوزير

وقال أبوه: « إبني عبد الله كذّاب ».

وقد كفانا ما قال أبوه

واليك النص الكامل لما جاء بترجمته على لسان الحافظ الذهبي حيث قال: « أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، الامام العلّامة الحافظ شيخ بغداد، أبو بكر السجستاني صاحب التصانيف، ولد بسجستان في سنة ٢٣٠، روى عن خلق كثير بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام وإصبهان وفارس، وكان من بحور العلم، بحيث أن بعضهم فضّله على أبيه. صنّف السنن، والمصاحف، وشريعة القاري، والناسخ والمنسوخ، والبعث وأشياء. حدّث عنه خلق كثير

٣٢٢

منهم: ابن حبان، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عمر ابن حيويه وابن المظفر، وابن شاهين، والدارقطني وآخرون.

قال الحاكم أبو عبد الله: سمعت ابن أبي داود يقول: حدّثت من حفظي بإصفهان بستة وثلاثين ألفاً، ألزموني الوهم فيها في سبعة أحاديث، فلمّا انصرفت وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به.

قال الحافظ أبو محمد الخلّال: كان ابن أبي داود إمام أهل العراق، ومن نصب له السلطان المنبر، وقد كان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، ولم يبلغوا في الجلالة والإتقان ما بلغ هو.

أبو ذر الهروي: أنبأ أبو حفص ابن شاهين، قال: أملى علينا ابن أبي داود وما رأيت بيده كتاباً، إنما كان يملي حفظاً، فكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو يعمر بيده كتاب فيقول له: حديث كذا، فيسرده من حفظه حتى يأتي على المجلس، قرأ علينا يوماً حديث الفنون من حفظه، فقام أبو تمام النرسي وقال: لله درّك ما رأيت مثلك إلّا أن يكون إبراهيم الحربي فقال: كلّما كان يحفظ إبراهيم فأنا أحفظه، وأنا أعرف النجوم وما كان هو يعرفها.

أبو بكر الخطيب: كان فقيهاً عالماً حافظاً.

قلت: وكان رئيساً عزيز النفس مدلاً بنفسه سامحه الله.

قال أبو حفص ابن شاهين: أراد الوزير علي بن عيسى أن يصلح بين ابن أبي داود وابن صاعد فجمعهما وحضر أبو عمر القاضي، فقال الوزير: يا أبا بكر أبو محمد أكبر منك فلو قمت إليه، فقال: لا أفعل. فقال الوزير: أنت شيخ زيف، فقال: الشيخ الزيف الكذّاب على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال الوزير: من الكذاب؟ قال: هذا، ثمّ قام وقال: تتوهم أني أذل لك لأجل رزقي وأنه يصل على يدك؟ والله لا آخذ من يدك شيئاً، قال: فكان الخليفة المقتدر يزن رزقه بيده ويبعث به في طبق على يد الخادم.

قال أبو أحمد الحاكم سمعت أبا بكر يقول: قلت لأبي زرعة الرازي: ألق

٣٢٣

عليَّ حديثاً غريباً من حديث مالك، فألقى عليَّ حديث وهب بن كيسان عن أسماء لا تحصى فيحصى عليك، رواه عن عبد الرحمن بن شيبة وهو ضعيف، فقلت: نحب أن نكتبه عن أحمد بن صالح، عن عبد الله بن نافع، عن مالك، فغضب أبو زرعة وشكاني إلى أبي وقال: أنظر ما يقول لي أبو بكر.

ويروى باسناد منقطع أن أحمد بن صالح كان يمنع المرد من حضور مجلسه، فأحب أبو داود أن يسمع ابنه منه، فشدّ على وجهه لحيةً وحضر، فعرف الشيخ فقال: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال أبو داود: لا تنكر علي واجمع ابني مع الكبار، فإنْ لم يقاومهم بالمعرفة فأحرمه السماع. حدث بها القاسم ابن السمرقندي، حدثنا يوسف بن الحسن التفكري، سمعت الحسن بن علي بن بندار الزّنجاني، قال: كان أحمد بن صالح يمنع المرد من التحديث تنزّهاً، فذكرها وزاد: فاجتمع طائفة فغلبهم الابن بفهمه، ولم يرو له أحمد بعدها شيئاً، وحصل له الجزء الأول فأنا أرويه.

قلت: بل أكثر عنه.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن ابن أبي داود فقال: ثقة كثير الخطأ في الكلام على الحديث.

وقد ذكر أبو أحمد ابن عدي أبا بكر في كامله وقال: لو لا أنا شرطنا أنّ كلّ من تكلّم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود، قال: وقد تكلّم فيه: أبوه وابراهيم بن اورمة، ونسب في الابتداء إلى شيء من النصب، ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط، ثم ردّه الوزير علي بن عيسى فحدّث وأظهر فضائل علي -رضي‌الله‌عنه ثم تحنبل فصار شيخاً فيهم، وهو مقبول عند أصحاب الحديث، وأما كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبين له منه. وسمعت عبدان يقول: سمعت أبا داود يقول: من البلاء أن عبد الله يطلب القضاء.

ابن عدي: أنبأ علي بن عبد الله الداهري، سمعت أحمد بن محمد بن عمرو كركره، سمعت علي بن الحسين الجنيد، سمعت أبا داود يقول: ابني عبد الله

٣٢٤

كذّاب.

قال ابن صاعد: كفانا ما قال فيه أبوه.

ابن عدي: سمعت موسى بن القاسم بن الأسلت يقول: حدثني أبو بكر: سمعت إبراهيم الاصفهاني يقول: أبو بكر بن أبي داود كذّاب.

ابن عدي: سمعت أبا القاسم البغوي - وقد كتب اليه أبو بكر بن أبي داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجدّه، فلما قرأ رقعته قال: أنت والله منسلخ من العلم.

قال: وسمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول: أشهد على محمد بن يحيى بن مندة بين يدي الله تعالى أنه قال: أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال: روى الزهري عن عروة قال: حفيت أظافير فلان من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قلت: هذا باطل وإفك مبين، واين إسناده إلى الزهري؟ ثم هو مرسل، ثم لا يسمع قول العدو في عدوه، وما أعتقده أن هذا صدر عن عروة أصلاً، وابن أبي داود إنْ كان حكى هذا فهو خفيف الرأس، ولقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر، لكونه تفوّه بمثل هذا البهتان، فقام معه وشدّ متنه رئيس اصبهان محمد بن عبد الله بن حفص الهمداني الذكواني وخلّصه من أبي ليلى أمير إصبهان، وكان انتدب له بعض العلوية خصماً ونسبت إلى ابي بكر المقالة، وأقام عليه الشهادة محمد بن يحيى بن مندة الحافظ، ومحمد بن العباس الأخرم، وأحمد بن علي بن الجارود، واشتد الخطب، وأمر أبو ليلى بقتله، فوثب الذكواني وجرح الشهود مع جلالتهم، فنسب ابن مندة إلى العقوق، ونسب أحمد الى أنه يأكل الربا، وتكلم في آخر، وكان الهمداني الذكواني كبير الشأن، فقام وأخذ بيد أبي بكر وخرج به من الموت، فكان أبو بكر يدعو له طول حياته ويدعو على أولئك الشهود. حكاها أبو نعيم الحافظ ثم قال: فاستجيب له فيهم منهم من احترق، ومنهم من خلط وفقد عقله.

٣٢٥

قال أحمد بن يوسف الأزرق: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: كل الناس مني في حل إلّا من رماني ببغض علي -رضي‌الله‌عنه - قال الحافظ ابن عدي: كان في الابتداء ينسب إلى شيء من النصب، فنفاه ابن الفرات من بغداد فردّه ابن عيسى فحدّث وأظهر فضائل علي، ثم تحنبل فصار شيخاً فيهم.

قلت: كان شهماً قوي النفس، وقع بينه وبين ابن جرير وابن صاعد وبين الوزير الذي قرّبه»(١) .

أقول: في هذه الترجمة فوائد:

الأولى: أن ابن أبي داود كان مدلاً بنفسه ومتكبراً، شيخاً زيفاً وهذه صفات ذميمة كما لا يخفى على ناظر كتاب ( إحياء علوم الدين ) وغيره.

الثانية: أنه كان ناصبياً معادياً لأمير المؤمنين -عليه‌السلام -، وقد روى حديثاً لا يرويه إلّا من كان كذلك.

الثالثة: أنه كان كثير الخطأ في الكلام على الحديث، كما قال الحافظ الدار قطني، وقد نقله عنه الذهبي في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) أيضاً.

الرابعة: أنه قد تكلّم فيه جماعة من كبار الأئمّة منهم أبوه.

الخامسة: أنه كان كذّاباً كما قال أبوه وابراهيم الاصفهاني.

السادسة: أنه كان مسلخاً من العلم كما قال البغوي.

ترجمة ابن صاعد

وابن صاعد البغدادي القائل: « كفانا ما قال فيه أبوه » من كبار الحفّاظ الثقات، وقد أنثى عليه كلّ من ترجم له، فقد قال الحافظ الذهبي في حوادث سنة ٣١٨:

« وفيها يحيى بن محمد بن صاعد، الحافظ الحجة، أبو محمد البغدادي مولى

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٢٩.

٣٢٦

بني هاشم، في ذي القعدة وله تسعون سنة، عني بالأثر وجمع وصنّف وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز، وروى عن مطين وطبقته.

وقال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ »(١) .

وقال أيضاً:

« حافظ بغداد يحيى بن محمد بن صاعد، وله تسعون سنة، قال أبو علي النيسابوري: هو عندنا فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ »(٢) .

وكذا قال اليافعي في تاريخه ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ) في حوادث السنّة المذكورة.

ترجمة إبراهيم الاصفهاني

وإبراهيم الاصفهاني الذي قال: « أبو بكر بن أبي داود كذّاب » من كبار الحفاظ كذلك، قال السمعاني:

« وأمّا أبو إسحاق إبراهيم بن أورمة بن سادس بن فروخ الحافظ الاصفهاني كان حافظاً مكثراً من الحديث، وكان يتعبّد ببغداد

روى عنه: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وإسماعيل بن أحمد ابن أصيب، ومحمد بن يحيى وغيرهم وتوفي ببغداد سنة ٢٧١. »(٣) .

وقال الذهبي في حوادث سنة ٢٦٦:

« وفيها مات إبراهيم بن أورمة أبو اسحاق الاصفهاني الحافظ أحد أذكياء

___________________

(١). العبر: حوادث سنة ٣١٨.

(٢). دول الاسلام: حوادث سنة ٣١٨.

(٣). الأنساب: الاصبهاني.

٣٢٧

المحدثين »(١) .

وقال الذهبي أيضاً:

« ابراهيم بن أورمة الإِمام الحافظ البارع أبو اسحاق الاصبهاني مفيد الجماعة ببغداد قال الدارقطني: هو ثقة حافظ نبيل. وقال أبو الحسين ابن المنادي: ما رأينا في معناه مثله، وكان ينتخب على عباس الدوري. وقال أبو نعيم الحافظ: فاق إبراهيم أورمة أهل عصره في المعرفة والحفظ، وأقام بالعراق يكتبون عنه مدة بقائه.

قلت: لم ينتشر حديثه، لأنّه مات قبل محل الرواية »(٢) .

وهكذا ترجم له كلّ من:

الحافظ السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

واليافعي في ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ).

ترجمة البغوي

والبغوي الذي قال لما قرأ رقعة ابن أبي داود إليه: « أنت والله منسلخ من العلم » من كبار الحفاظ كذلك، قال السمعاني بترجمته ما ملخصه:

« وكان محدث العراق في عصره، عمَّر العمر الطويل حتى رحل الناس إليه وكتبوا عنه، وكان ثقة مكثراً، فهماً عارفاً بالحديث، سمع أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعلي بن الجعد وخلف بن هشام ومحمد بن عبد الوهاب الحارثي.

روى عنه: يحيى بن محمد بن صاعد، وعلي بن إسحاق البحري، وابن قانع، وحبيب بن الحسن القزاز، وأبو بكر الجعابي، وابن حبان، وابن عدي وأبو بكر الاسماعيلي، وأبو القاسم الطبراني، وابن المقرئ، والدارقطني، ومحمد بن

___________________

(١). العبر: حوادث سنة ٢٦٦.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٤٥.

٣٢٨

المظفر، وخلق كثير سوى هؤلاء.

قال أبو الحسن الدارقطني: كان أبو القاسم ابن منيع قل ما يتكلّم على الحديث فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في الساج.

وكانت ولادته سنة ٢١٣. ومات سنة ٣١٧ »(١) .

وقال الذهبي في حوادث سنة ٣١٧ ما ملخصه:

« وكان محدثاً حافظاً مجوداً مصنفاً، إنتهى إليه علو الاسناد في الدنيا »(٢) .

وقال الذهبي أيضاً في حوادث السنة المذكورة.

« وفيها مات مسند الدنيا المعمّر الحافظ المصنف، أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ببغداد ليلة الفطر، وعمر مائة وأربع سنين »(٣) .

وقال السيوطي: « البغوي الحافظ الكبير الثقة، مسند العالم، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي الأصل البغدادي، ابن بنت أحمد ابن منيع، ولد في رمضان سنة ٢١٣، وسمع ابن الجعد، وأحمد، وابن المديني وخلقاً، وصنف: معجم الصحابة، والجعديات. وطال عمره وتفرّد في الدنيا.

قال ابن أبي حاتم: أبو القاسم يدخل في الصحيح. وقال الدارقطني: كان قلّ أن يتكلّم على الحديث، فاذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في الساج، ثقة جليل إمام، أقل المشايخ خطأ. وقال الخطيب: حافظ عارف.

توفي ليلة عيد الفطر سنة ٣١٧ عن مائة وثلاث سنين »(٤) .

___________________

(١). الأنساب - البغوي.

(٢). العبر - حوادث سنة ٣١٧.

(٣). دول الاسلام - حوادث سنة ٣١٧. ٢ / ٨٦. ١٣ / ٣٦٤. ١٣ / ٣٦١. ١٣ / ٣٦٩.

(٤). طبقات الحفاظ / ٣١٢، وتاريخ الوفاة فيه: ٢١٤. وفيه بدل « الخطيب »، « الخليلي ».

٣٢٩

الشهود على روايته الحديث الموضوع

وأمّا قصة الحديث الذي ذكره الذهبي ثم قال: « هذا باطل وإفك مبين » والذي كاد ابن أبي داود يقتل بسببه، فإن المقصود من « فلان » فيه، هو « أمير المؤمنين عليعليه‌السلام »!! وقد شهد على تفوّه ابن أبي داود بهذا الإِفك المبين والبهتان العظيم ثلاثة من كبار الحفاظ:

١ - محمد بن يحيى بن مندة.

٢ - محمد بن العباس أبو جعفر الأخرم.

٣ - أحمد بن علي بن الجارود.

ترجمة ابن مندة

وابن مندة ذكره الحافظ الذهبي في حوادث سنة ٣٠١ قائلاً: « وفيها محمد ابن يحيى بن مندة الحافظ الامام أبو عبد الله الاصفهاني جد الحافظ الكبير محمد ابن اسحاق بن مندة، روى عن لوين وأبي كريب وخلق.

قال أبو الشيخ: كاد أستاذ شيوخنا وإمامهم. وقيل: إنه كان يجاري أحمد ابن الفرات الرازي وينازعه »(١) .

وكذا قال اليافعي بترجمته من تاريخه(٢) .

وقال الصلاح الصفدي: « محمد بن يحيى بن مندة - الحافظ المشهور أبو عبد الله صاحب تاريخ إصبهان، كان أحد الحفاظ الثقات، وهو من أهل بيت كبير خرج منهم جماعة من العلماء لم يكونوا عبديين، وإنما أم الحافظ أبي عبد الله المذكور كانت من عبد ياليل »(٣)

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٣٠١.

(٢). مرآة الجنان: حوادث سنة ٣٠١.

(٣). الوافي بالوفيات ٥ / ١٨٩.

٣٣٠

وترجم له السيوطي في طبقاته ووصفه بالحافظ الرحّال(١) .

ترجمة الأخرم

وقال السيوطي بترجمة أبي جعفر الأخرم:

« ابن الأخرم الحافظ الامام أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب الاصبهاني ثقة محدّث حافظ. مات سنة ٣٠١ »(٢) .

وقال الذهبي في حوادث السنة المذكورة:

« وفيها الحافظ أبو جعفر محمد بن العباس بن الأخرم الاصفهاني الفقيه، روى عن أبي كريب وخلق »(٣) .

الطبري وابن أبي داود

وكما ثبت نصب ابن أبي داود وعداوته لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - من كلام هؤلاء الأعلام وشهادتهم، كذلك ثبت من كلام محمد بن جرير الطبري فقد قال الحافظ الذهبي ما نصه: « وقال محمد بن عبد الله القطّان: كنت عند محمد بن جرير، فقال رجل: ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي -رضي‌الله‌عنه - فقال ابن جرير: تكبيرة من حارس »(٤) .

وذكر الذهبي كلام الطبري هذا في ( سير أعلام النبلاء ) أيضاً إلّا أنّه تعقّبه هناك بقوله: « قلت: لا يسمع هذا من ابن جرير للعداوة الواقعة بين الشيخين ».

أقول: ولكن ابن جرير - صاحب المذهب المستقل والامام المعتمد لدى أهل السنة قاطبة، حتى لقد فضّله وقدّمه ابن تيمية في منهاجه على الامامين

___________________

(١). طبقات الحفاظ: ٣١٣.

(٢). طبقات الحفاظ: ٣١٥.

(٣). العبر - حوادث سنة ٣٠٢.

(٤). ميزان الاعتدال ٢ / ٤٣٣.

٣٣١

العسكريينعليهما‌السلام ، كما قد اعتمد عليه الذهبي نفسه في أمور مهمة جداً - أجل من أن يطعن في رجل وينسبه إلى أمر فظيع ومذهب شنيع تبعاً لهواه وبدافع العداوة والبغضاء.

دفاع الذهبي

ثم إن الذهبي شكك في تكلّم أبي داود في ابنه وحاول توجيهه، فقال بعد كلامه السابق:

« قلت: لعل قول أبيه فيه - إنْ صح - أراد الكذب في لهجته لا في الحديث وأنه حجة فيما ينقله، أو كان يكذب ويورّي في كلامه. ومن زعم أنه لا يكذب فهو أرعن، نسأل الله تعالى السلامة من عثرة السيئات.

ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى ».

أقول: لكن هذا التشكيك مندفع بما نقله هو في ( ميزان الاعتدال ) عن ابن عدي وابن صاعد.

وأما تأويله، فنقول: إنْ لم يكن ابن أبي داود كاذباً في حديثه وفيما ينقله - على ما زعم - فإنّ مجرد كذبه في لهجته يكفي لاثبات فسقه وعدم جواز الاعتماد على روايته.

ثم إن التورية، إن كانت جائزة فالقول بأنّه « كذب » غير صحيح، وإنْ لم تكن جائزة فلا جدوى لهذا التأويل، إذ تكون التورية والكذب حينئذٍ على حدٍ سواء.

وأمّا قوله: « ثمّ إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى » فاعتراف منه بكونه « كاذباً » ومرتكباً لهذه الصفة القبيحة والذنب الكبير

هذا، وكأن الذهبي قد شعر بعدم ترتب فائدة على هذه التأولات، فلم يذكرها بترجمة ابن أبي داود في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ).

كما لم يتعرّض الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) للذبّ عن ابن أبي داود

٣٣٢

بهذه الوجوه السخيفة.

والجدير بالذكر اعتراف الذهبي برداءة بعض عبارات ابن أبي داود، ونحوسة بعض كلماته بالنسبة إلى فضيلة من فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو « حديث الطير » فقد قال في ( سير أعلام النبلاء ).

« قال أبو أحمد ابن عدي: سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول: سألت ابن أبي داود عن حديث الطير فقال: إنْ صح حديث الطير، فنبوة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - باطلة، لأنّه حكى عن حاجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيانة - يعني أنساً - وحاجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون خائناً.

قلت: هذه عبارة ردية وكلام نحس، بل نبوة محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حق قطعي إنْ صح خبر الطير وإنْ لا يصح، وما وجه الارتباط؟

هذا أنس قد خدم النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قبل جريان القلم، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة، فرضنا أنه كان محتلماً، ما هو بمعصوم من الخيانة، بل فعل هذه الخيانة متأوّلاً، ثم إنه حبس علياً عن الدخول كما قيل، فكان ما ذا؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت، فلو حبسه أو ردّه مرّات ما بقي يتصوّر أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه، أللهمَّ أن يكون النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قصد بقوله: « ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي » عدداً من الخيار يصدق على مجموعهم أنهم أحبّ الناس إلى الله، فنقول: الصدّيقون والانبياء، فيقال: فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله تعالى؟ فنقول: محمد وإبراهيم وموسى، والخطب في ذلك يسير.

وأبو لبابة - مع جلالته - بدت منه خيانة، حيث أشار لبني قريظة الى خيانة وتاب الله عليه. وحاطب بدت منه خيانة فكاتب قريشاً بأمر يخفي به نبي الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من غزوهم. وغفر الله لحاطب مع عظم فعلهرضي‌الله‌عنه .

وحديث الطّير - على ضعفه - فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء ولم يثبت،

٣٣٣

ولا أنا بالمعتقد بطلانه، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله، وله على خطئه أجر واحد، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو، والرجل فمن كبار علماء الاسلام، ومن أوثق الحافظ -رحمه ‌الله تعالى.

قال ابنه عبد الأعلى: توفي أبي وله ست وثمانون سنة وأشهر ».

تكملة

وقد روى ابن أبي داود حديثاً موضوعاً في فضائل السور وهو يعلم أنّه موضوع، قال ابن الجوزي بعد أن ذكره وبيّن كونه موضوعاً:

« وإنّما عجبت من ابي بكر ابن أبي داود كيف فرّقه - يعني هذا الحديث - على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنّه حديث محال.

ولكن شره بذلك جمهور المحدّثين، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل، وهذا قبيح منهم، لأنّه قد صحّ عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين »(١) .

وقال السيوطي: « وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف أورده في كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنّه حديث محال مصنوع بلا شك، ولكن إنما حمله على ذلك الشره»(٢) .

أقول: وكأنّ السيوطي استحيا من أن يذكر الحديث الذي ذكره ابن الجوزي في ذيل كلامه، فاكتفى بهذا القدر في التشنيع على ابن أبي داود.

ولكن الأحاديث في ذم رواية الأكاذيب مع العلم بكذبها كثيرة، قال مسلم ابن الحجاج:

« ودلّت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار، كنحو دلالة القرآن على

___________________

(١). الموضوعات ١ / ٢٤٠.

(٢). الللالئ المصنوعة ١ / ٢٢٧.

٣٣٤

نفي خبر الفاسق، وهوالأثر المشهور عن رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.

و أيضاً فيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -:

كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع »(١) .

وقال النووي - بشرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « من كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار » -:

« فيه تحريم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً أو غلب على ظنه وضعه. فمن روى حديثاً علم أو ظنّ وضعه فهو داخل في هذا الوعيد، مدرج [ مندرج ] في جملة الكاذبين على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ويدل عليه أيضاً الحديث السابق: من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين »(٢) .

___________________

(١). صحيح مسلم ١ / ٧.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١ / ١٠٠.

٣٣٥

٣٣٦

هـ - كان يلقي نفسه بين الصبيان: قال ابن قتيبة: « روى عفان، عن حمّاد ابن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً قد شدّ عليه برذعه وفي رأسه حبل من ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق الطريق، قد جاء الأمير.

وربما أتى الصبيان وهم يلعبون باللّيل لعبة الغراب، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيتفرقون [ فيفرون ].

وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: [ أ ] دع العراق للأمير، فأنظر فاذا هو ثريد بزيت »(١) .

وقال ابن كثير: « وقال حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب الحمار ويلقى الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير - يعني نفسه -، وكان يمرّ بالصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب وهو أمير، فلا يشعرون إلّا وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه، كأنه مجنون، يريد بذلك أن يضحكهم، فيفزع الصبيان منه ويفرّون عنه هاهنا وهاهنا يتضاحكون »(٢) .

و - كان يعجبه أكل المضيرة عند معاوية: قال جار الله محمود الزمخشري: « أبو رافع: كان أبو هريرة ربّما دعاني إلى عشائه فيقول: أدع العراق للأمير، فأنظر فاذا هو ثريد، وكان يقول: التمر أمان من القولنج، وشرب العسل على الرّيق أمان من الفالج، وأكل السفرجل يحسّن اللون والولد، وأكل الرمان يصلح الكبد، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب والنصب، والكرفس يقوي المعدة ويطيّب النكهة، والعدس يرقّ القلب ويذرف الدمعة، والقرع يزيد في اللب ويرق البشر، وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر.

___________________

(١). المعارف ٢٧٨.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١١٣.

٣٣٧

وكان يديم الهريسة والفالوذجة ويقول: هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة كثيراً فيأكلها مع معاوية. واذا حضرت الصلاة صلى خلف علي -رضي‌الله‌عنه - فاذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل، فكان يقال له: شيخ المضيرة »(١) .

وقال الزمخشري أيضاً: « كان أبو هريرة يقول: أللهم ارزقني ضرساً طحوناً ومعدة هضوماً ودبراً نثوراً »(٢) .

أقول: وكلّ هذا يدل على شره أبي هريرة وجشعه وميله إلى الدنيا وأهلها ولذاتها، وهذه الخصال لا تجتمع مع الزهادة والورع والعدالة.

ز - كان يعادي علياً ويوالي عدوه: والشواهد على ذلك كثيرة جداً

٧. نظرات في سند الحديث

وبعد، فإنّ من شرط المعارضة صلاحيّة الحديث الذي يقصد جعله معارضاً من جميع الجهات لهذا الغرض. ومع الغض عن الوجوه المذكورة حول هذا الحديث المزعوم، فإنّ هذا الحديث مخدوش في نفسه من حيث السند، ونحن نوضّح ذلك فيما يلي:

١ - في طريق الحديث: « سفيان الثوري ».

إنّ في طريق هذا الحديث « سفيان الثوري »، قال البخاري: « حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة، قال: قال النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: قريش والأنصار وجهينة ومزينة واسلم وغفار وأشجع مواليّ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله »(٣) .

___________________

(١). ربيع الأبرار ٢ / ٧٠٠.

(٢). نفس المصدر ٢ / ٦٨٠.

(٣). صحيح البخاري ٤ / ٢٢٠.

٣٣٨

وقال مسلم: « حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة »(١) .

إعتراض الثوري على إمام أهل البيت

ولم تكن بين « الثوري » و « الامام الصادقعليه‌السلام » أية صلة من صلات المودة والمحبة، بل لقد اعترض على الامامعليه‌السلام في أبسط الأشياء وهو الامام المعصوم من الزلل والمأمون من الفتن، هو من أهل بيت دلّ الكتاب والسنّة على عصمتهم ووجوب متابعتهم ومحبتهم

وقد روي اعتراض الثوري على سادس أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام إذ دخل عليه فرأى عليه جبّةً من خز فقال: « ليس هذا من لباسك »، ولم يعلم المسكين أن الامامعليه‌السلام كان قد لبس تحته ثوباً من شعر خشن. أما الامام فكان يعلم أن الثوري كان قد لبس تحت جبته الخشنة قميصاً أرق من بياض البيض « فخجل سفيان » ثم قال له: « يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك ».

هذا هو الثوري الصوفي الزاهد!؟ وهذه سيرته مع إمام أئمّة الدنيا علماً وعملاً ونحن لا نعتمد على رواية هكذا انسان ولا نستدل بحديثه إلّا من باب الإِلزام

و قد روى قصته مع الامام الصادقعليه‌السلام جمع من علماء أهل السنة الأعلام، قال الشعراني بترجمة الامام: « ودخل عليه الثوري -رضي‌الله‌عنه - فرأى عليه جبة من خز، فقال له: إنكم من بيت النبوة تلبسون هذا؟ فقال: ما تدري؟ أدخل يدك، فإذا تحته مسح من شعر خشن. ثم قال: يا ثوري أرني ما تحت جبّتك، فوجد تحتها قميصاً أرق من بياض البيض. فخجل سفيان. ثم قال: يا

___________________

(١). صحيح مسلم ٧ / ١٧٨.

٣٣٩

ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرّنا ونضرّك » (١) .

و روى أبو نعيم الحافظ والحافظ الذهبي(٢) وابن طلحة(٣) - واللفظ للأول -: « حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، ثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي، ثنا علي بن عبد الحميد، ثنا موسى بن مسعود، ثنا سفيان الثوري، قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبّة خز [ دكناء ] وكساء خز أندجاني [ ايراجاني ]، فجعلت أنظر إليه تعجباً [ معجباً ] فقال لي: يا ثوري مالك تنظر الينا، لعلك تعجبت مما ترى [ رأيت ]؟ قال: قلت: يا ابن رسول الله! ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك. فقال لي: يا ثوري كان ذلك زماناً مقفراً مقتراً، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره.

و هذا زمان قد أسبل [ أقبل ] كل شيء فيه عز اليه. ثم حسر عن ردن جبته فاذا تحتها [ جبة] صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن. فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا لله، وهذا لكم. فما كان لله [ تعالى ] أخفيناه وما كان لكم أبديناه »(٤) .

و روى أبو نعيم أيضاً: « حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن العباس، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثني مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، قال: لما قال سفيان الثوري: لا أقوم حتى تحدثني. قال جعفر [ قال له ]: أما إني أحدّثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان »(٥) .

و روى سبط ابن الجوزي: « أخبرنا أبو اليمن اللغوي، أنبأ القزاز، أنبأ

___________________

(١). لواقح الأنوار في طبقات الاخيار ١ / ٣٢.

(٢). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٣). مطالب السئول: ٥٦.

(٤). حلية الأولياء ٣ / ١٩٣.

(٥). المصدر ٣ / ١٩٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423