نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188631 / تحميل: 7243
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي » فلتنظر نفس ما قدّمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوه، فتزل قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير بما تعملون.

( معاشر الناس ) إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى:( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) .

( معاشر الناس ) تدبروا القرآن وافهموا آياته، وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فو الله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلّا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إليَّ، وشائل بعضده، ومعلمكم أنّ من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عليّ.

( معاشر الناس ) إن علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكلّ واحد منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل امرة المؤمنين بعدي لأحدٍ غيره.

ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - شال علياً، حتى صارت رجله مع ركبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثم قال:

( معاشر الناس ) هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والامام الهادي، وقائل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول وما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره وأغضب على من جحد حقه، اللهم انك أنزلت عليّ أن الامامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم

٢١

بنعمتك، ورضيت لهم الاسلام دينا، فقلت:( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيداً أني قد بلّغت.

( معاشر الناس ) إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله عز وجل فأولئك الذين حبطت أعمالهم، وفي النار هم فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

( معاشر الناس ) هذا علي أنصركم لي، وأحقكم بي، وأقربكم اليّ، وأعزكم عليّ، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلاّ فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلاّ بدأ به، ولا نزلت آية في القرآن إلاّ فيه، ولا شهد بالجنة في هل أتى على الإنسان إلاّ له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

( معاشر الناس ) هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو النقي التقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.

( معاشر الناس ) ذرية كلّ نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.

( معاشر الناس ) إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض لخطيئة واحدة، وهو صفوة الله عز وجل، وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، إنه لا يبغض علياً إلّا شقي، ولا يتوالى علياً إلاّ تقي، ولا يؤمن به إلاّ مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة والعصر:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) إلى آخرها.

( معاشر الناس ) قد استشهدت الله وبلّغتكم رسالتي، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

( معاشر الناس ) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون.

( معاشر الناس ) آمنوا بالله ورسوله، والنور الذي أنزل معه، من قبل أن

٢٢

نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها.

( معاشر الناس ) النور من الله عز وجل فيّ مسلوك، ثم في علي ثم في النسل منه، إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائفين والآثمين، والظالمين من جميع العالمين.

( معاشر الناس ) أنذركم أني رسول الله، قد خلت من قبلي الرسل، أفإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإن علياً هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

( معاشر الناس ) لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده، إنه لبالمرصاد.

( معاشر الناس ) إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

( معاشر الناس ) إن الله وأنا بريئان منهم.

( معاشر الناس ) إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار، ولبئس مثوي المتكبّرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته قال: فذهب على الناس إلّا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

( معاشر الناس ) إني أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أُمرت بتبليغه، حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلّغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة وسيجعلونها ملكاً واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

( معاشر الناس ) إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه، حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

٢٣

( معاشر الناس ) إنه ما من قرية إلّا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا علي إمامكم ووليكم، وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.

( معاشر الناس ) قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين، وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى:( أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) .

( معاشر الناس ) إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت علياً ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبيل عن سبيله.

( معاشر الناس ) أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه، ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه، أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، ثم قرأ:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت، ولهم عمّت وإيّاهم خصّت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون، وهم العادون وإخوان الشياطين، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل:( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) إلى آخر الآية. ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ، ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال:( الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم ان طبتم فادخلوها خالدين ) ألا إن أولياءهم الذين قالوا لهم الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير حساب ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير، ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم:( كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها ) الآية، ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل:( كُلَّما أُلْقِيَ

٢٤

فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) ألا إن أولياءهم ( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) .

( معاشر الناس ) شتان ما بين السعير والجنة، عدونا من ذمة الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه.

( معاشر الناس ) ألا واني منذر وعلي هاد.

( معاشر الناس ) إني نبي وعلي وصي، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف في بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل، والمنبه بأمر ايمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حقّ إلّا معه ولا نور إلّا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سرّه وعلانيته.

( معاشر الناس ) قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته، والإقرار به، ثم مصافقته بعدي، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية.

( معاشر الناس ) إن الحج والصفا والمروة والعمرة( مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) الآية.

( معاشر الناس ) حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.

٢٥

( معاشر الناس ) ما وقف بالموقف مؤمن إلّا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك، فاذا انقضت حجته استأنف عمله.

( معاشر الناس ) الحجاج معاونون، ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع أجر المحسنين.

( معاشر الناس ) حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلاّ بتوبة وإقلاع.

( معاشر الناس ) أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم، فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل بعدي، ومن خلفه الله مني ومنه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيها وأعرفهما، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده، الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

( معاشر الناس ) وكلّ حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه، فاني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به، ولا تبدلوه ولا تغيروه، ألا وإني أجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي، وتبلّغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.

( معاشر الناس ) القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم أنه مني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه:( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) وقلت: « لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما».

( معاشر الناس ) التقوى التقوى! احذروا الساعة كما قال الله عز وجل:( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) ، أذكروا الممات والحساب، والموازين والمحاسبة

٢٦

بين يدي رب العالمين، والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.

( معاشر الناس ) إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الاقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الائمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم:

« انا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغت عن ربنا وربك، في أمر علي وأمر ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيى ونموت ونبعث، ولا نغيّر ولا نبدل، ولا نشك ولا نرتاب، ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق، نطيع الله ونطيعك وعلياً أمير المؤمنين وولده الائمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين، الذين قد عرّفتكم مكانهما مني، ومحلهما عندي، ومنزلتهما من ربي عز وجل » فقد أديت ذلك اليكم، وانهما سيّدا شباب أهل الجنة، وانهما الامامان بعد أبيهما علي، وأنا أبوهما قبله.

وقولوا: « أطعنا الله بذلك وإياك وعلياً والحسن والحسين والائمة الذين ذكرت، عهداً وميثاقاً مأخوذاً لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده وأقر بهما بلسانه، ولا نبغي بذلك بدلاً ولا نرى من أنفسنا عنه حولاً أبداً، أشهدنا الله وكفى بالله شهيداً، وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده، والله أكبر من كل شهيد ».

( معاشر الناس ) ما تقولون، فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فانما يضلّ عليها، ومن بايع فإنما يبايع الله، يد الله فوق أيديهم.

( معاشر الناس ) فاتقوا الله وبايعوا علياً أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة، كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى،( وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية.

٢٧

( معاشر الناس ) قولوا الذي قلت لكم، وسلّموا على علي بإمرة المؤمنين وقولوا:( سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) وقولوا:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ ) الآية.

( معاشر الناس ) إن فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرّفها فصدّقوه.

( معاشر الناس ) من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما.

( معاشر الناس ) السابقون السابقون الى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بامرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.

( معاشر الناس ) قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين، واغضب على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.

فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، وتداكوا على رسول الله وعلى عليعليه‌السلام فصافقوا بأيديهم.

فكان أول من صافق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الاول والثاني والثالث والرابع والخامس، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صليت المغرب والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول الله يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضّلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنّة ورسماً، وربما يستعملها من ليس له حق فيها »(١) .

___________________

(١). الاحتجاج ١ / ٦٨ - ٨٤.

٢٨

نكت في حديث الغدير

ويفيد التتبع في ألفاظ حديث الغدير المروية في كتب أهل السنة، وجود الدواعي المختلفة عندهم على كتم حديث الغدير، أو ترك سماعه، أو تحريفه، أو نقله بصورة ناقصة، حتى بعد شهرته وذيوعه، فأنت ترى الراوي يقول: « فقلت للزهري: لا تحدّث بهذا بالشام وأنت ملء أذنيك سب علي، فقال: والله عندي من فضائل علي ما لو حدثت لقتلت »(١) .

ويقول آخر: « رأيت ابن أبي أوفى - وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره - فسألته عن حديث، فقال: إنكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم. قال: قلت أصلحك الله إني لست منهم، ليس عليك منّي عار. قال: أي حديث؟ قال قلت: حديث علي يوم غدير خم »(٢) .

وثالث يقول: « أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختنا لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك. فقال: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم. فقلت له: ليس عليك مني بأس، فقال: نعم كنا بالجحفة قال: فقلت له: هل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنما أخبرك بما سمعت »(٣) .

ويقول رابع: « قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أتّقيك. قال: سل عمّا بدا لك فإنما أنا عمّك. قال: قلت: مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم يوم غدير خم »(٤) .

___________________

(١). أسد الغابة ١ / ٨.

(٢). المناقب لابن المغازلي: ١٦.

(٣). مسند أحمد ٤ / ٣٦٨.

(٤). كفاية الطالب: ٦٢٠.

٢٩

ويجيء خامس فيحلّف زيد بن أرقم قائلاً: « أفي القوم زيد؟ قالوا: نعم هذا زيد، فقال: أنشدك بالله الذي لا إله إلّا هو يا زيد، أسمعت رسول الله »(١) .

ومن هنا ترى ابن عبد البر يقول: « من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وبعضهم لا يزيد عن: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٢) . أي لا يروي ذيل الحديث.

وترى بعضهم لا يروي صدره: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ».

وطائفة منهم لم يرووا معه حديث الثقلين: « إني تارك فيكم » المقترن به.

إلى غير ذلك من تصرّفاتهم

ومن هنا يبدو لك طبيعياً روايتهم لقضية واحدة بأنحاءٍ مختلفةٍ، فجماعة يروون: « قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل على سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد » وذكّره بخصال لعلي منها حديث الغدير.

وابن كثير يرويه فيحذف منه « فنال منه فغضب سعد »(٣) .

ويأتي ثالث فيقول: « إنه ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص. فقال له سعد: أتذكر علياً؟! »(٤) .

ورابع يروي عن سعد نفسه: كنت جالساً فتنقصوا علي بن أبي طالب. فقلت: لقد سمعت ...»(٥) .

___________________

(١). المعجم الكبير ٥ / ٢١٩ - ٢٢٠.

(٢). الاستيعاب ٣ / ١٠٩٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٠.

(٤). فضائل علي لاحمد بن حنبل - مخطوط.

(٥). خصائص علي للنسائي ٤٩ - ٥٠.

٣٠

وخامس يحذف القصة من أصلها فيقول: « عن سعد بن أبي وقّاص، قال قال رسول الله: في علي ثلاث خلال »(١) .

فنقول: لما ذا هذا التحريف والتشويه لو لا دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولماذا هذا الكتمان سواء كان عن خوف أو عناد وحسد؟

ولك أن تنتقل من هؤلاء إلى الذين عاصروا القصة وحضروا الواقعة، لترى الرجل منهم يجيء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيقول: « أمرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك، وأمرتنا بالصلاة والزكاة، ثم لم ترض حتى فضّلت علينا ابن عمك؟ أألله أمرك أم من عندك؟ »(٢) .

ولترى جماعة منهم ينكرون أو يكتمون ما شاهدوه وسمعوه ووعوه، فيدعو عليهم الامام عليه الصلاة والسلام.

ولترى أبا الطفيل يقول: « خرجت وكان في نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياًرضي‌الله‌عنه يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله يقول ذلك له »(٣) .

إلى غير ذلك مما ستقف عليه في بحوث الكتاب إن شاء الله تعالى.

أهمية حديث الغدير والاهتمام به

وهذا الذي ذكرناه يدل على أهمية حديث الغدير، وأثره في الاسلام ومصير المسلمين، فإنه بدلالته علي امامة عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بلا فصل يدل على بطلان خلافة من تقدم عليه.

___________________

(١). حلية الأولياء ٤ / ٣٥٦.

(٢). تفسير القرطبي ١٨ / ٢٧٨.

(٣). مسند أحمد ٤ / ٢٧٠.

٣١

ومن هنا يظهر لك السر في اهتمام الامامعليه‌السلام بنفسه، وكذا سائر أئمة أهل البيت، وعلماء الامامية، بإثبات هذا الحديث الشريف سنداً ودلالة، ونشره بين الأمة بشتى الوسائل والطرق، وبقائه في الأذهان والأفكار على مدى الدهور والأعصار، فترى الامام يناشد الأصحاب بهذا الحديث في يوم الشورى، وفي يوم الرحبة، وفي يوم الجمل، والصدّيقة الزهراء تحتج به فيما رواه الحافظ ابن الجزري، وكذلك سائر أئمة أهل البيت.

بل احتج به بعض الاصحاب من خصماء عليعليه‌السلام ، فقد احتج به سعد بن أبي وقاص عند ما غضب من نيل معاوية منهعليه‌السلام ، واحتج به عمرو بن العاص في كتاب له إلى معاوية فيما رواه الخوارزمي.

ولهذا السبب أيضاً كثرت الكتب المؤلفة في هذا الحديث سلفاً وخلفاً من علماء الفريقين.

وعلى الجملة، فإنه حديث نزلت في مورده الآيات من القرآن الكريم، وحضر صدوره عشرات الالوف من المسلمين، واهتم به الأئمة المعصومون وكبار الأصحاب، ونص على تواتره كبار علماء المخالفين، وألف فيه المؤلفون من الفريقين.

وإنّ ما ذكرناه حول خطبة الغدير، والنكت الموجودة في بعض ألفاظ حديث الغدير وطرقه، وشدة الاهتمام به منذ صدر الإسلام إلى يومنا الحاضر كلّ ذلك يشكل جانبا من جوانب دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة.

تمحلات القوم في الجواب

ومن جانب آخر اضطراب علماء القوم أمام حديث الغدير، وتمحّلاتهم الغريبة في الجواب عنه، وسعيهم الحثيث في سبيل إسقاطه عن الاعتبار ومنع الاحتجاج به، فإن ذلك يكشف عن قوة هذا الاحتجاج، وتمامية دلالته على الخلافة والامامة.

٣٢

فهم بعد ما رأوا أن لا جدوى في الكتمان والإنكار، ولا في التحريف والاسقاط لجأ بعضهم إلى القول بأن علياً لم يكن مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في حجة الوداع، فإنه كان باليمن، لكن ردّ عليه جماعة من أعلامهم - وفيهم بعض المتعصبين كابن حجر المكي - لمصادمته للواقع والحقيقة.

فقال بعضهم: هذا خبر واحد لا يفيد علماً.

وأجاب عنه جماعة، منهم الحافظ ابن الجزري، فقال: « صحّ عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم ».

فقيل: إنه حديث لم يخرجه الشيخان وأبو داود.

وأجيب: لو سلّمنا بأنّ جميع ما في كتابيهما صحيح، فما الدليل على أن ما لم يخرجاه ليس بصحيح، وقد نصّ جماعة على أنّه كم من صحيح لم يخرجاه؟

على أنه مخرج في كتابي الترمذي وابن ماجة وهما من الصحاح، وفي مسند أحمد وغيره من المسانيد، وفي المستدرك على الصحيحين، وفي المختارة للضياء، وغيرها مما التزم فيه بالصحة.

ولما رأى بعضهم أن كل هذا لا يجدي، ولا رواج له في سوق الاعتبار، ولا يقع موقع القبول حتى عند أهل مذهبهم، قالوا:

إن ( مفعلاً ) لا يأتي بمعنى ( أفعل ) فليس « مولى » بمعنى « أولى ».

ولكن المرجع في أمثال هذا هو اللغة، وقد نصّ اللغويون على مجيء ( مولى ) بمعنى ( أولى )، وأنه قد ورد بهذا المعنى في الكتاب والسنة واستعمالات العرب، أضف إلى ذلك - في خصوص حديث الغدير - فهم الحاضرين في ذلك المشهد العظيم، فمنهم من اغتاض من هذا الكلام حتى سأل العذاب الواقع، ومنهم من سرّ به واقعاً٠ وظاهراً، وهم خواص الاصحاب الموالين لأمير المؤمنين، ومنهم من تظاهر بالسرور والفرح وهنأه، ولا تنس بعد ذلك شعر حسان بن ثابت وغير ذلك.

فعاد وقال: فأي دليل على أن يكون معنى الحديث: كون علي « الاولى

٣٣

بالتصرف » فليكن « الأولى بالمحبة » مثلا.

لكن بعضهم الآخر تنبّه إلى برودة هذا الكلام، فاعترف بدلالة الحديث على الأولوية بالتصرف، وأن هذه « الاولوية » هي « الامامة »، ولكن ما الدليل على إمامة علي بمعنى الرئاسة والحكومة؟ فليكن إماماً في الباطن، ويكون أبو بكر ومن بعده الأئمة في الظاهر؟

قال هذا وكأنه قد فوّض إليه أمر تقسيم الامامة، فلهذا الامامة الباطنية، ولأولئك الامامة الظاهرية، وبذلك يقع التصالح ويحسم النزاع!! ولا يغيب عن المنصفين: إن هذه الكلمات - في الوقت الذي تكشف عن سوء سريرة قائليها وتعصبهم للهوى - تدل على قوة دلالة حديث الغدير، ورصانة الاحتجاج به على الامامة والخلافة.

هذا الكتاب

وقد وضعنا كتابنا هذا في ثلاثة أقسام:

الأول: المدخل، وهو في مجلد، خصصناه لمقدّمات البحث، من ذكر المؤلفات في حديث الغدير، وإثبات تواتره، ودحض بعض الشبهات حوله.

والثاني: السند وهو في مجلد واحد أيضاً.

والثالث: في دلالته وهو في مجلّدين.

فيكون المجموع أربعة أجزاء.

والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها بقبول حسن، إنّه سميع مجيب، وهو الموفّق والمعين.

علي الحسيني الميلاني

٣٤

كلمة السيد صاحب العبقات

أحمد الله حمد موقن بنعمه، مذعن بكرمه، مستعيذ من نقمه، مستجير بذممه متوقّ من عقابه، لائذٍ بجنابه، عائذٍ من عذابه، هاربٍ من نيرانه، راغبٍ إلى جنانِه، طالبٍ لأمانه، آئبٍ إلى رضوانه، متبتلّ خاشعٍ لجلاله، متوسّلٍ ضارعٍ إلى إفضاله، مبتغٍ مستزيد لنواله، سائلٍ مستكثرٍ لإِسباله، على ما أبان الحجّة وأوضح المحجّة، وأتمّ الدّين وأكمل النعمة، وأمر نبيّه بتبليغ ما أنزل إليه ووعده بالعصمة، فنصب وصيّه إماماً يوم غدير، وجعله أمير كلّ صغير وكبير.

وأشكره على ما أوزعنا من الثقة والإِيمان، والحق الحقيق الحريّ بالإِذعان، وأنار لنا منهاجاً سويّاً وطريقاً رضيّاً، ومذهباً صادعاً ومدرجاً لامعاً، وأزاح عنا العلّة وانقطع الظمأ والغلّة، وأضاء لنا البراهين والأدلّة، ونجّانا عن العوج والمضلّة.

والصلاة على رسوله المعتام من جرثومة السادة الأخيار، المختار على أرومة القادة الأطهار، إبتعثه بالعلم المأثور والكتاب المسطور، والنور المضي والمنهج السني، بعد احتدام من الفتن واعترام من المحن، والناس يومئذٍ في أهواء منتشرة وآراء متفرقة، وأديانٍ معلولة ومللٍ مدخولة، يقتدحون زناد الشر والأنصاب، ويعتبقون العلقم والصاب، يلحدون في اسم الله ويخترعون له الأنداد، يتيهون في

٣٥

كلّ سبسب ويهيمون في كل واد، فلمّ شعثهم ورمَّ رثّهم، ورتق فتقهم ورقع خرقهم، وأقام أودهم وأماط عندهم، وألّف بينهم بعد تضاغن القلوب وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس وتخاذل الأيدي وفشو الشرور.

فهداهم إلى دينٍ عزيز المثار، أبلج المنار، صريح النصاب منير الشهاب، رائق المنصب، باذح المرقب، وفرى من الكفر والإِلحاد أوداجاً، وأزرى بكل من أشرك في دين الله أوداجي، فكسر وأوهن متنهم وسامهم بالخسف وضرب عليهم بالنصف، وأتعب نفسه الكريمة في إحصاف الشريعة القويمة، وخاض إلى رضوان الله كلّ غمرة وتجرّع فيه كلّ غصّة.

والسّلام على آله أصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم، وأنوار البهم وأضواء الظلم ومعادن الحكم، والهادين لأوليائهم إلى طريق الأمم، والكاشفين لهم مضائق الغمم، الحافظين لهم عن مزالق اللّمم، الذين جاهدوا في الله حقّ الجهاد، وبالغوا في الهداية والإِرشاد إلى لقم الصواب والسداد، وفصموا حبل الغواية واللّداد، ورضّوا أركان الضلالة والعناد، وأبادوا خضراء الكفر والنفاق، وشقّوا عصا البدع والشقاق، الذين أمر الله ورسوله بأن نطأ جادّتهم ونركب قدّتهم، ونقتصّ جميل آثارهم، ونستضيء بأنوارهم ونغترف من بحارهم.

وبعد، فيقول العبد القاصر العاثر « حامد حسين » ألبسه الله حلل كرامته ولا سلبه غضارة نعمته، وكان في الدنيا والآخرة له، وحقّق آماله ونوّر باله وجعل كلّ خير مآله: إن هذا هو المنهج الثاني من كتابي المسمى بـ:

« عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار ».

الذي نقضت فيه على « الباب السابع » من « التحفة العزيزية »، وبالغت في الذبّ عن ذمار الطريقة الحقّة العلويّة، واستفدت فيه كثيراً من إفادات الوالد الماجد العلامة « المولى السيد محمد قلي » قدّس الله نفسه الزكيّة، وأفاض شآبيب رحمته على تربته السنيّة.

والله الموفق للإِتمام والإِكمال، ومنه الاتّجاد في المبدء والمآل.

٣٦

كلام الدهلوي حول حديث الغدير

قال المحدث المولوي عبد العزيز الدهلوي:

اما الأحاديث التي تمسكوا بها لإِثبات مدّعاهم فهي كلّها اثنا عشر حديثاً الأول: حديث غدير خم، الذي يذكرونه في كتبهم مع التبجح الكثير به، ويجعلونه نصّاً قطعيّاً على المدعى، وحاصله، أنه قد روى بريدة بن الحصيب الأسلمي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لـمّا بلغ غدير خم - موضع بين مكة والمدينة - عند رجوعه من حجّة الوداع، جمع المسلمين الذي كانوا معه، وخطب فيهم قائلاً: يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه.

قالوا: إن ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف )، والأولوية بالتصرف عين ( الامامة ).

إن أوّل ما في هذا الاستدلال هو: أن أهل العربية قاطبة ينكرون أن يكون ( المولى ) قد جاء بمعنى ( الأولى )، بل قالوا: إن ( مفعلا ) لم يجئ بمعنى ( أفعل ) في مادة من المواد، فضلاً عن هذه المادة بالخصوص، إلّا أبا زيد اللغوي فإنّه جوّز ذلك، ومستمسكه قول أبي عبيدة في تفسير ( هو مولاكم ): ( أي: أولى بكم )، لكنّ جمهور أهل العربية يخطّئون هذا القول وهذا التمسك، قائلين بأنه لو صحّ

٣٧

هذا القول لزم جواز أن يقال ( فلان مولى منك ) في موضع ( أولى منك ) وهو باطل منكر بالإِجماع. وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية: يعني: النار مقرّكم ومصيركم والموضع اللاّئق بكم، لا أن لفظة ( المولى ) فيها بمعنى ( الاولى ).

ثانياً: ولو سلّم - كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فما الدليل من اللغة على أن تكون الصلة ( بالتصرف )؟ إذ يحتمل أن يكون المراد: الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم، وأيّ ضرورة لأن يحمل لفظ ( الأولى ) على ( الأولوية بالتصرف ) في كل مورد؟ قال الله تعالى( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، وواضح أن أتباع ابراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف منه.

ثالثاً: إن القرينة المتأخرة تدل بصراحة على أن المراد من الولاية المستفادة من لفظ ( المولى ) أو ( الأولى ) – أيّاً ما كان - هو المحبة، وتلك القرينة قوله: « اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه ». ولو كان ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر ) أو كان المراد بالأولى هو ( الأولى بالتصرف ) لكان المناسب أن يقول: اللهمَّ أحبَّ من كان تحت تصرّفه، وأبغض من لم يكن تحت تصرفه. فذكر محبته ومعاداته دليل صريح على أنّ المقصود إيجاب محبته، والتحذير من معاداته، لا التصرف وعدم التصرف.

ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد بلّغ أدنى الواجبات بل السنن بل آداب القيام والقعود والأكل والشرب، بوجه يفهم الكلّ - سواء الحاضر والغائب، ممّن عرف لغة العرب - المعاني المقصودة من ألفاظه بلا تكلّف، وفي ذلك - في الحقيقة - كمال البلاغة، وهو مقتضى منصب الإرشاد والهداية، فدعوى الاكتفاء حينئذ بمثل هذا الكلام الذي لا تساعده قواعد لغة العرب، يستلزم إثبات قصور البيان والبلاغة، بل المساهلة في أمر التبليغ والهداية في حق النبي، والعياذ بالله من ذلك.

فقد ظهر أن غرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إفادة هذا المعنى،

٣٨

الذي يفهم من هذا الكلام بلا تكلّف، أي أن محبة علي فرض كمحبّة النبي، ومعاداته محرمة كمعاداة النبي، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو المطابق لفهم أهل البيت:

أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضي الله عنهما أنه سئل: هل حديث من كنت مولاه نصّ على خلافة عليرضي‌الله‌عنه ؟ فقال: لو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعني بذلك الخلافة لأفصح لهم بذلك، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كان أفصح الناس، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي أمركم والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. ولو كان الأمر أن الله جلّ وعلا ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اختار عليّا لهذا الأمر، وللقيام على الناس بعده فإنّ عليّا أعظم الناس خطيئة وجرما، لأنّه ترك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقيل له: ألم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟

فقال: أما والله لو يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بذلك الأمر والسلطان، لأفصح به كما أفصح بالصّلاة والزكاة، ولقال: يا أيّها الناس إن علياً والي أمركم من بعدي والقائم في الناس.

وأيضاً: ففي الحديث دلالة صريحة على اجتماع الولايتين في زمانٍ واحد، إذ لم يقع فيه التقييد بلفظ ( بعدي )، بل سوق الكلام هو للتسوية بين الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه، لوضوح امتناع كون علي شريكاً للنبي في كل ما يستحق النبي التصرف فيه في حال حياته، فهذا أدلّ دليلٍ على أن المراد وجوب المحبة، إذ لا مانع من اجتماع المحبّتين، بل إنّ كلاً منهما مستلزم للآخر، أما في اجتماع التصرفين فالمحاذير كثيرة، فإن قيّدنا بما يدل على إمامته في المآل دون الحال فمرحباً بالوفاق، لأن أهل السنة قائلون بذلك في حين إمامته، ووجه تخصيص المرتضى بذلك علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من طريق الوحي بوقوع البغي والفساد

٣٩

في زمان المرتضى، وأن بعض الناس سينكرون إمامته.

ومن الطّريف أن بعض علمائهم تمسّك لإِثبات أن المراد من ( المولى ) هو ( الأولى بالتصرف )، باللفظ الواقع في صدر الحديث، وهو قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فيعود الاشكال بأنّهم متى سمعوا لفظ ( الأولى ) حملوه على ( الأولى بالتصرف )، فما الدليل على هذا الحمل في هذا المورد؟ بل المراد هنا أيضاً هو: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم في المحبة، بل إنّ ( الأولى ) هاهنا مشتق من ( الولاية ) بمعنى ( المحبة )، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم، حتى يحصل التلائم بين أجزاء الكلام والتناسق بين جمله، ويكون حاصل معنى هذه الخطبة: يا أيّها المسلمون عليكم أن تجعلوني أحب إلى أنفسكم من أنفسكم، وأن من يحبّني يحب عليّاً، أللهمَّ أحب من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وكل عاقل يصدّق بصحة هذا الكلام وحسن انتظامه.

وإن قول النبي: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » مأخوذ من الآية القرآنية، ومن هنا جعل هذا المعنى من المسلّمات لدى أهل الإسلام، وفرّع عليه الحكم اللاحق له.

ولقد وقع هذا اللفظ في القرآن في موقع لا يصح أنْ يكون معناه ( الأولى بالتصرف ) أصلاً، وهو قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ، فإن سوق هذا الكلام هو لنفي نسبة المتبنى إلى المتبني، ولبيان النهي عن أن يقال لزيد بن حارثة: زيد بن محمد، لأنّ نسبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى جميع المسلمين نسبة الأب الشفيق إلى أبنائه، بل فوق ذلك، ونساء النبي أمهات أهل الإسلام، وأهل القرابة أحق وأولى في الانتساب من غيرهم، وإنْ كانت شفقتهم وتعظيمهم أكثر، فمدار الانتساب هي القرابة المفقودة بين المتبني والمتبنى، لا على الشفقة والتعظيم، وهذا هو كتاب الله أي حكمه، ولا دخل للأولى بالتصرف في المقصود في هذا المقام، فكذلك الأمر في الحديث، والمراد في الآية هو المراد فيه.

٤٠

ولو سلّمنا كون المراد من صدر الحديث هو ( الأولى بالتصرف ) فإنّه لا وجه لحمل ( المولى ) على ( الأولى بالتصرف ) كذلك، لأنّه إنّما صدّر الحديث بتلك العبارة لينبّه السامعين، كي يتلقوا الكلام بكل توجّه وإصغاء، ويلتفتوا إلى وجوب إطاعة هذا الأمر الإِرشادي، كما يقول الأب لولده في مقام الوعظ والنصيحة: الست أنا أباك، فلمّا يقرّ الولد يأمره بما يريد، حتى يطيع أمره بمقتضى علاقة الأبوة والنبوة، فقوله في هذا المقام: « ألست أولى بالمؤمنين » نظير قوله: ألست رسول الله إليكم، أو ألست نبيّكم. وأما أخذ لفظة واحدة من الحديث وجعلها وحدها مورد العلاقة والربط بما في صدره فمن كمال السفاهة، بل يكفي الارتباط الموجود بين جميع الكلام مع هذه العبارة.

والأغرب من ذلك إستدلال بعض مدقّقيهم على عدم إرادة المحبّة، بأنّ إيجاب محبة الأمير دلت عليه الآية( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) فلو كان معنى حديث الغدير ذلك أيضاً كان لغواً، ولم يعلم بأنّ الدلالة على محبة شخص بدليل عامٍ أمر، وإيجاب محبّته بدليلٍ خاص أمر آخر، ومن هنا لو آمن إنسان بجميع أنبياء الله ورسله، ولم يجر على لسانه خصوص « محمد رسول الله » لم يعتبر مسلماً، فالمراد من الحديث إيجاب محبّة علي بشخصه، وإن تقدم ما يدل على وجوب محبته ضمن عموم المؤمنين.

وعلى تقدير وحدة المضمون في الآية والحديث فأيّ قبحٍ فيه؟ إنّ شأن النبي هو التأكيد على مضامين الآيات والتذكير بها، لا سيّما متى رأى تهاوناً من المكلّفين في العمل بموجب القرآن، قال تعالى:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وما من شيء دلّت عليه آية من القرآن إلّا وأكدت عليه الآيات الأخرى، ثمّ الأحاديث على لسان النبي، حتى تتم النعمة والحجّة، وإنّ من نظر في القرآن والحديث لا يتفوه بمثل هذا الكلام الفارغ، و إلّا لزم أن تكون تأكيدات النبي وتقريراته في أبواب الصوم والصلاة والزكاة وتلاوة القرآن كلّها لاغية، ويكون التنصيص على إمامة الأمير - كما يدعيه الشيعة - مرة بعد أخرى والتأكيد عليها

٤١

لغواً باطلاً، معاذ الله من ذلك.

وإنّ سبب هذه الخطبة - كما روى المؤرخون وأصحاب السير - يدل بصراحة على أن الغرض إفادة محبة الأمير، وذلك أن جماعة من الأصحاب الذين كانوا معه في اليمن مثل بريدة الاسلمي، وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير، جعلوا يشكون لدى رجوعهم من الأمير عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - شكايات لا مورد لها، فلمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - شيوع تلك الأقاويل بين الناس، وأنه إنْ منع بعضهم عن ذلك حمل على شدّة علاقته بالأمير، ولم يفد في ارتداعهم، لهذا خطب خطبة عامة، وافتتح كلامه بنصٍ من القرآن قائلاً: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » يعني أن كلما أقوله لكم ناشئ من شفقتي عليكم ورأفتي بكم، وليس الغرض الحماية عن أحد، وليس ناشئاً من فرط المحبة له.

وقد روى محمد بن اسحاق وغيره من أهل السير هذه القصة بالتفصيل »(١) .

___________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٢٠٨.

٤٢

٤٣

٤٤

أقول: إنّ أول ما في هذا الكلام هو: حصر ( الدهلوي ) الأحاديث النبوية الشريفة الدالّة على خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام وولايته المطلقة في « اثني عشر حديثاً »، وهذا إنكار للحقيقة الراهنة ولسنا ندري أهو حصر عقلي أم استقرائي؟ أما العقل فلا سبيل له إلى الحكم في مثل هذه القضايا والبحوث، وإنْ كان حصراً استقرائياً فإن الواقع خلاف ما زعمه، فإنّ النصوص الواردة في هذا المضمار تبلغ في العدد الأضعاف المضاعفة لهذا العدد المزعوم كما لا يخفى على الخبير المنصف.

وأمّا الأحاديث الدالة على أفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام من غيره من الأصحاب، فهي تفوق حدّ الحصر والعدّ، ولم نجد أحداً من علماء الحق - ولا من المخالفين ممن يتجنّب الكذب والخيانة - تعرّض لهذا أو تصدّى لاستقصاء هذا النوع من الأحاديث، وهذه كتبهم موجودة ومنتشرة في البلاد، فلتراجع. نعم اكتفى علماؤنا - لدى البحث عن هذه الناحية وإثبات أفضلية الامامعليه‌السلام - بذكر أحاديث في الباب، وهي نزر من كثير وفيض من غيض.

وبالنظر إلى هذه الحقيقة الراهنة التي أشرنا إليها، نجد نصر الله الكابلي - مع تعصّبه الشديد - لا يتطّرق بصراحة إلى دعوى حصر الأحاديث المستدل بها في

٤٥

باب الإِمامة في عدد، وإنْ كان كلامه كالصّريح في ذلك، حيث قال في ( الصواعق ): « المطلب الرابع: في إبطال استدلال الرافضة على أن الامام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عليّ، بأحاديث أهل السنّة، وهي اثنا عشر، الأول: ما رواه بريدة بن حصيب وغيره ».

لكن ( الدهلوي ) لفرط أمانته!! حصر تلك الأحاديث في العدد الذي ذكره مصرحا بهذا المعنى، ولقد كان هذا ديدنه في سائر القضايا الواضحة والمسائل البيّنة

ثمّ إنّ هناك أحاديث أقوى سنداً وأبلغ وأوضح دلالة من هذه الأحاديث الاثني عشر التي ذكرها ( الدهلوي ) تبعاً للكابلي، يتمسك بها أهل الحق في إثبات مطلوبهم، فهو - بالإضافة إلى بطلان دعوى حصر الأحاديث في العدد المذكور - مآخذ على تركه الأحاديث الأقوى من هذه في السنة والدلالة، على الإِمامة الكبرى والخلافة العظمى.

وهذا أوان الشروع في الردّ على ما ذكره ( الدهلوي ) وغيره حول حديث الغدير، وبيان بطلان كلماتهم الواهية في هذا المجال.

٤٦

المؤلّفون في حديث الغدير

٤٧

٤٨

و ( للدهلوي ) في هذا الكلام صنيع شنيع آخر، وذلك قوله: « إنّه قد روى بريدة بن الحصيب الأسلمي ».

فإنه يعني أنه من حديث « بريدة » فحسب، ولم تسمح له نفسه بالإِشارة إلى أنّ هذا الحديث قد ورد من رواية غيره من الصحابة، مع ان الكابلي قد نص على ذلك في عبارته السالفة، وكأنّ ( الدهلوي ) يسعى بذلك وراء إخفاء فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام واسدال الستار على الحقائق جهد المستطاع، ولكنه غفل عن أن بعض التتبّع والنظر في كتب الفريقين يكشف عن سوء نيّته ويظهر خيانته، ويعلن للملأ العلمي كثرة طرق هذا الحديث الشريف وأسانيده المعتبرة، المعترف بصحتها من قبل جماعة كبيرة من الحفاظ عن طائفة كبيرة من مشاهير الأصحاب، حتى لقد جاوزت تلك الطرق والأسانيد حدّ التواتر بمراتب عديدة جداً.

ولأجل أن نبرهن على هذا الذي ذكرناه، نذكر بعض الأدلة والشواهد حسب تصريحات كبار أئمّة أهل السنّة:

٤٩

(١ )

كلام ابن المغازلي

قال الفقيه المحدّث ابن المغازلي الشافعي ما لفظه: « حدثني أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الاصفهاني - قدم علينا بواسط - إملاءً من كتابه لعشر بقين من شهر رمضان، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني محمد بن علي ابن عمر بن مهدي، قال: حدثني سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن كيسان الثقفي الاصفهاني، قال: حدثني إسماعيل بن عمر البجلي، قال: حدثني مسعر بن كدام، عن طلحة ابن مصرف، عن عمر بن سعد، قال: شهدت علياً على المنبر ناشد أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سمع رسول الله يوم غدير خم يقول ما قال فليشهد، فقام إثنا عشر رجلا منهم: أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: « من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه ».

قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد روى حديث غدير خم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة، تفرّد علي رضي

٥٠

الله عنه بهذه الفضيلة لم يشركه أحد. انتهى »(١) .

فحديث الغدير، حديث رواه - على ما ذكره ابن المغازلي - « نحو مائة نفس، منهم العشرة » المبشرة بالجنّة عندهم، وهو يدل على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام أو أفضليته المستلزمة لها لعدم مشاركة أحد له في هذه الفضيلة.

ابن المغازلي ثقة

ثم إنّ ابن المغازلي من كبار العلماء الثقات المعتمدين لدى أهل السنة، فقد ذكره السّمعاني(٢) والبدخشاني(٣) والكاتب الجلبي(٤) ، وأثنوا عليه.

كما نقل عن ابن المغازلي واعتمد على كتبه جماعة من أعلام علمائهم كابن حجر المكّي في ( الصواعق المحرقة ). وكمال الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة ) والملا مبارك في ( أحسن الأخبار في ترجمة الصواعق المحرقة ). والشريف السمهودي في ( جواهر العقدين ). والفضل ابن باكثير المكي في ( وسيلة المآل ) والبرزنجي في ( نواقص الروافض ). والشيخاني القادري في ( الصراط السوى ).

كما اعتمد جماعة منهم على كتابه ( المناقب ) بالذات، ومنهم تلميذ ( الدهلوي ) الفاضل رشيد الدين الدهلوي في كتاب ( إيضاح لطافة المقال )، وقد جعل تأليفه كتاب ( المناقب ) دليلاً على محبه أهل السنة وولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام كسائر الكتب التي ألّفها بعض علمائهم في مناقب الأئمّة الطاهرين.

بل لقد تمسك المولوي حيدر علي الفيض آبادي - مع ما هو عليه من

___________________

(١). مناقب أمير المؤمنين / ٢٦ - ٢٧.

(٢). الأنساب - الجلابي.

(٣). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٤). كشف الظنون ١ / ٣٠٩.

٥١

التعصب - برواية ابن المغازلي هذه في كتابه ( منتهى الكلام ) وستقف على ذلك إنْ شاء الله تعالى.

٥٢

(٢ )

تصنيف ابن عقدة في طرق الحديث

ومن الشواهد على كثرة طرق حديث الغدير وتواتره: تصنيف الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن عقدة الكوفي كتاباً خاصاً بطرق حديث الغدير عن أكثر من مائة نفسٍ من كبار الصحابة بأسانيد متعددة قال السيد الجليل ابن طاوس الحلي رضي الله تعالى عنه في ذكر من صنف في طرق هذا الحديث الشريف:

« ومن ذلك: الذي لم يكن مثله في زمانه أبو العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ، الذي زكّاه وشهد بعلمه الخطيب مصنّف تاريخ بغداد، [ فانه ] صنف كتاباً سماه: ( حديث الولاية )، وجدت هذا الكتاب بنسخة قد كتبت في زمان أبي العباس ابن عقدة مصنفه، تاريخها سنة ثلاثين وثلاثمائة، صحيح النقل، عليه خط الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام، لا يخفى صحة ما تضمّنه على أهل الافهام، وقد روى فيه نص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مولانا عليعليه‌السلام بالولاية من مائة وخمس طرق »(١) .

وقال السيد المذكور أيضاً: « وقد صنّف العلماء بالأخبار كتباً كثيرة في حديث

___________________

(١). الإقبال بصالح الأعمال / ٤٥٣.

٥٣

الغدير وتصديق ما قلناه، وممن صنّف تفصيل ما حقّقناه أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، الحافظ المعروف بابن عقدة، وهو ثقة عند أرباب المذاهب، وجعل كتاباً مجرّداً سمّاه ( حديث الولاية ) وذكر الأخبار عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بذلك وأسماء الرواة من الصحابة، والكتاب عندي الآن.

وهذه أسماء من روي عنهم حديث الغدير ونص النبي على علي بالخلافة، وإظهار ذلك عند الكافة، ومنهم من هنأه بذلك:

[ ذكر من روى عنه ابن عقدة حديث الغدير من الصحابة ]

أبو بكر عبد الله بن عثمان

عمر بن الخطاب

عثمان بن عفان

علي بن أبي طالب

طلحة بن عبيد الله

الزبير بن العوام

عبد الرحمن بن عوف

سعد بن مالك ( وهو سعد بن أبي وقاص )

العباس بن عبد المطلب

الحسن بن علي بن أبي طالب

الحسين بن علي بن أبي طالب

عبد الله بن العباس

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

عبد الله بن مسعود

عمار بن ياسر

أبوذر جندب بن جنادة الغفاري

٥٤

سلمان الفارسي

أسعد بن زرارة الأنصاري

خزيمة بن ثابت الأنصاري

أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري

سهل بن حنيف الأنصاري

عثمان بن حنيف الأنصاري

حذيفة بن اليمان

عبد الله بن عمر بن الخطاب

البراء بن عازب الأنصاري

رفاعة بن رافع الأنصاري

سمرة بن جندب

سلمة بن الأكوع الأسلمي

زيد بن ثابت الأنصاري

أبو ليلى الأنصاري

أبو قدامة الأنصاري

سهل بن سعد الأنصاري

عدي بن حاتم الطائي

ثابت بن يزيد بن وديعة

كعب بن عجرة الأنصاري

أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري

هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري

المقداد بن عمرو الكندي

عمران بن حصين الخزاعي

عمر بن أبي سلمة

٥٥

عبد الله بن أبي عبد الأسد المخزومي

بريد بن الحصيب الأسلمي

جبلة بن عمر الأنصاري

أبو هريرة الدوسي

أبو برزة فضلة بن عبيد الأسلمي

أبو سعيد الخدري

جابر بن عبد الله الأنصاري

جرير بن عبد الله

زيد بن أرقم الأنصاري

أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري

أنس بن مالك الأنصاري

ناجية بن عمر الخزاعي

أبو زينب بن عوف الأنصاري

يعلى بن مرة الثقفي

سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري

حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري

عمرو بن الحمق الخزاعي

زيد بن حارثة الأنصاري

مالك بن الحويرث

أبو سليمان جابر بن سمرة السوائي

عبد الله بن ثابت الأنصاري

حبشي بن جنادة السلولي

ضميرة الأسدي

٥٦

عبيد بن عازب الأنصاري

عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي

زيد بن شراحيل الأنصاري

عبد الله بن بسر المازني

النعمان بن العجلان الأنصاري

عبد الرحمن بن يعمر الديلي

أبو الحمراء خادم رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أبو فضالة الأنصاري

عطية بن بسر المازني

عامر بن ليلى الغفاري

أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني

عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري

حسان بن ثابت الأنصاري

سعد بن جنادة العوفي

عامر بن عمير النميري

عبد الله بن ياميل

حبة بن جوين العرني

عقبة بن عامر الجهني

أبو ذؤيب الشاعر

أبو شريح الخزاعي

أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي

أبو أمامة الصدي عن عجلان الباهلي

عامر بن ليلى بن ضمرة

جندب بن سفيان البجلي

٥٧

أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي

وحشي بن حرب

قيس بن ثابت بن شماص الأنصاري

عبد الرحمن بن مدلج

حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي

فاطمة بنت رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عائشة بنت أبي بكر

أمّ سلمة أمّ المؤمنين

أمّ هاني بنت أبي طالب

فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب

أسماء بنت عميس الخثعمية

ثمّ ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلاً من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسمائهم أيضاً »(١) .

___________________

(١). الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف. ومن الذين رووا حديث الغدير:

(١) أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي.

(٢) جبير بن مطعم بن عدي القرشي.

(٣) أبو جنيدة جندع بن عمرو بن مازن الأنصاري.

(٤) رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري.

(٥) زيد بن عبيد الله الأنصاري.

(٦) سعد بن عبادة الأنصاري.

(٧) سعيد بن زيد القرشي العدوي.

(٨) عبد الله بن بديل بن ورقاء.

(٩) عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي.

(١٠) عبد الله بن ربيعة.

(١١) عبد الله بن مسعود.

(١٢) عمارة الخزرجي الأنصاري.=

٥٨

ذكر من صرح بتأليف ابن عقدة الكتاب المذكور

هذا، وقد نصّ على تصنيف أبي العباس ابن عقدة مصنّفاً في جمع طرق حديث الغدير عدّة من أكابر أهل السنة، نذكر بعضهم في ما يلي:

١ ) ابن تيمية

قال ابن تيمية الحرّاني * وهو تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيميّة الحرّاني الحنبلي المتوفى سنة ٧٢٨، توجد ترجمته في: ( المعجم المختص للذهبي ) و ( فوات الوفيات ١ / ٦٢ ) و ( تتمة المختصر - حوادث ٧٢٨ ) و ( الدرر الكامنة ١ / ١٤٤ ) و ( طبقات الحفاظ / ٥١٦ ) و ( الوافي بالوفيات ٧ / ١٥ ) وغيرها *:

« وقد صنّف أبو العباس ابن عقدة مصنّفا في جمع طرقه »(١) .

٢ ) ابن حجر العسقلاني

وقال ابن حجر العسقلاني * وهو الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن حجر العسقلاني المصري الشافعي، توجد ترجمته في: ( البدر الطالع ١ / ٨٧ ) و ( شذرات الذهب ٧ / ٢٧ ) و ( القلائد الجوهرية / ٣٣١ ) و ( نظم العقيان / ٤٥ )

___________________

= (١٣) عمرو بن شراحيل.

(١٤) عمرو بن العاص.

(١٥) عمرو بن مرة الجهني.

(١٦) قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

(١٧) أبو برزة فضلة بن عتبة الأسلمي.

(١٨) وهب بن حمزة.

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٥٩

و ( ذيل تذكرة الحفاظ / ٣٨٠ ) و ( الضوء اللامع ٢ / ٣٦ ) و ( طبقات الحفاظ / ٥٤٧ ) و ( حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣ ) وغيرها ) *:

« وأمّا حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه »، أخرجه الترمذي والنّسائي وهو كثير الطرق جدّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان »(١) .

ذكر من أورد كلام العسقلاني

ولقد أورد كلام ابن حجر هذا جماعة من أعيان أهل السنّة في كتبهم، ولنقتصر على ذكر اثنين منهم:

ألأول: الشّريف السّمهودي

قال السمهودي * وهو نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الله الحسيني السّمهودي، المترجم له والمذكور اسمه بكلّ تعظيم وتكريم في: ( الضوّء اللامع ٥ / ٢٤٥ ) و ( النور السافر / ٥٨ ) و ( البدر الطالع ١ / ٤٧٠ ) و ( شذرات الذهب ٨ / ٥٠ ) وقد أورد كتبه في ( كشف الظنون ) وهي كتب معتمدة لديهم، كما صرّح رشيد الدين الدهلوي بأنه من أعاظم علماء أهل السنّة، واستند حيدر علي الفيض آبادي في كتبه - في الرد على الإماميّة - إلى كلماته وصرّح بأنه من جهابذة الثقات *:

« قال الحافظ ابن حجر: حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » أخرجه الترمذي والنّسائي وهو كثير الطرق جدّاً، واستوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(٢) .

الثاني: المناوي.

وقال المناوي * وهو عبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي المنّاوي الفاسي الشّافعي، قال المحبي في ( خلاصة الأثر ٢ / ٤١٢ ): كان إماماً كبيراً وحجةً ثبتاً

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423