نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188999 / تحميل: 7263
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٣٦١

٣٦٢

وقد عارض الفخر الرازي حديث الغدير بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار مواليّ دون الناس كلّهم، ليس لهم موالي دون الله ورسوله ».

ولكن هذه المعارضة باطلة لوجوه:

١. إنه من أخبار المخالفين

إن هذا الحديث من أخبار أهل السنة، قد انفردوا بروايته، فلا حجية له عند أهل الحق الشيعة الامامية حتى يقابل به حديث الغدير.

بل إن التمسّك والاستدلال بأحاديث أهل السنة لا يفيد لافحام الشيعة مطلقا، ولا يجوز للمناظر أن يلزم خصمه إلّا بما رواه قومه في كتبهم المعتبرة وبأسانيدهم المعتمدة، ولذا ترى ( الدهلوي ) يدّعى في مقدمة ( تحفته ) الالتزام بأنْ لا يستدل إلّا بكتب الشيعة، ليتمّ له مراده ويثبت مرامه في الاحتجاج معهم.

٢. ليس من الأحاديث المشتهرة

بل ليس هذا الحديث من الأحاديث المتفق على روايتها لدى أهل السنة

٣٦٣

أنفسهم أيضاً، فلم يرد في كتبهم إلّا قليلا، بل لم يرو في جميع صحاحهم، وقد أوضح ابن الأثير أنه مما تفرد به الشيخان(١) .

٣. هو خبر واحد عن أبي هريرة

ثم هو من أخبار الآحاد، إذ لم يخرجه الشيخان عن غير أبي هريرة، وهذا لا يصلح لأن يذكر في مقابلة حديث رواه أكثر من مائة نفس من أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ومنهم أبو هريرة نفسه

٤. حديث الغدير برواية أبي هريرة

فقد روى أبو هريرة حديث الغدير واعترف بصحته وسماعه إيّاه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في غدير خم

قال الخوارزمي: « قال الأصبغ: دخلت على معاوية وهو جالس على نطع من الأدم متكياً على وسادتين خضراوتين عن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذو الكلاع، وعن يساره أخوه عتبة وابن عامر وابن كريز والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وشرحبيل بن السمط، وبين يديه أبو هريرة وأبو الدرداء والنعمان بن بشير وأبو أمامة الباهلي.

فلما قرأ الكتاب قال: إنّ عليّاً لا يدفع إلينا قتلة عثمان.

فقلت له: يا معاوية لا تعتل بدم عثمان، فإنك تطلب الملك والسلطان، ولو كنت أردت نصرته حياً، ولكنك تربصت به لتجعل ذلك سبباً إلى وصولك إلى الملك. فغضب.

فأردت أن يزيد غضبه فقلت لأبي هريرة: يا صاحب رسول الله! إني أحلّفك بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة، وبحق حبيبه المصطفى

___________________

(١). جامع الأصول ١٠ / ١٣٦.

٣٦٤

عليه‌السلام - إلّا أخبرتني أشهدت غدير خم؟

فقال: بلى شهدته.

قلت: فما سمعته يقول في علي؟

قال: سمعته يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

قلت له: فاذن أنت واليت عدوه وعاديت وليه.

فتنفس أبو هريرة الصّعداء وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

فتغيّر معاوية عن حاله وغضب وقال: كف عن كلامك »(١) .

٥. أبو هريرة كذّاب

هذا كله بناء على توثيق أبي هريرة، ولكن أبا هريرة لم يكن ثقة في حديثه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لدى كبار الصحابة ومن دونهم

فمن الصّحابة الّذين كذّبوه: أمير المؤمنين عليّ، وعمر بن الخطّاب وعثمان ابن عفّان، وعبد الله بن الزبير، وعائشة بنت أبي بكر كما لا يخفى على من راجع كتاب ( الردّ على من قال بتناقض الحديث لابن قتيبة ) و ( عين الإِصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة للسيوطي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغير ذلك.

بل رووا عن أبي هريرة نفسه قوله مخاطباً لأصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: « الا إنكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - » راجع ( الجمع بين الصّحيحين ) و ( المفاتيح في شرح المصابيح ) وغيره من الشروح.

بل ثبت أنّ عمر نهاه عن التحديث قائلاً له: « لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس »، وقد روي هذا الكلام بلفظ آخر والمعنى واحد

___________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب، لأخطب خطباء خوارزم ١٣٤ - ١٣٥.

٣٦٥

... أنظر ( الأصول للسّرخسي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغيرهما.

وأمّا قصّة عزل عمر إيّاه عن البحرين فمشهورة، وممّن رواها بالتفصيل:

١ - ابن عبد ربه في العقد الفريد

٢ - جار الله الزمخشري في الفائق في غريب الحديث.

٣ - ياقوت الحموي في معجم البلدان.

٤ - ابن كثير الدمشقي في تاريخه.

ومن التابعين والفقهاء الذين كذّبوه وصرّحوا بعدم الثقة به: « أبو حنيفة » فقد رووا عنه قوله: « أترك قولي بقول الصّحابة إلّا ثلاثة منهم: أبو هريرة، وأنس ابن مالك وسمرة بن جندب » راجع ( روضة العلماء للزندويستي ) و ( كتائب أعلام الأخيار للكفوي ) وغيرهما.

ومنهم: عيسى بن أبان الفقيه الحنفي، فقد ذكر عنه الزندويستي قوله: « أقلّد أقاويل جميع الصحابة إلّا ثلاثة منهم: أبو هريرة ووابصة بن معبد، وأبو سنابل بن بعك ».

ومنهم: جماعة من الحنفية، كذّبوا أبا هريرة في حديث المصراة كما في ( المحلّى لابن حزم ) و ( فتح الباري لابن حجر ) وغيرهما.

ومنهم: محمد بن الحسن الشيباني كما في ( المحلى ) في مسألة أن البائع أحق بالمتاع إذا أفلس

٦. وجوه القدح في أبي هريرة

هذا بالاضافة إلى وجوهٍ أخرى من القدح والطعن في أبي هريرة، وهي أمور يكفي كل منها لسقوطه عن درجة الاعتبار، أو يفيد فسقه بوضوح، وإليك بعضها:

ألف - كان يلعب بالشطرنج: قال الدميري: « وروى الصعلوكي تجويزه - أي الشطرنج - عن عمر بن الخطاب والحسن البصري والقاسم بن محمد وأبي

٣٦٦

قلابة وأبي مجلز وعطا والزهري وربيعة بن عبد الرحمن وأبي زناد،رحمهم‌الله .

والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه »(١) .

وقال ابن الأثير: « وفي حديث بعضهم، قال: رأيت أبا هريرة يلعب بالسدر والسدر لعبة يقامر بها »(٢) .

وكذا قال محمد طاهر الكجراتي الفتني(٣) .

ولا ريب في أنّ الشطرنج حرام. وقال ابن تيمية:

« مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام، وقد ثبت عن علي بن أبي طالب مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.

وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة.

وتنازعوا في [ أنّ ] أيّهما أشدّ تحريماً الشطرنج أو النرد، فقال مالك: الشطرنج أشد من النرد. وهذا منقول عن ابن عمر، وهذا لأنّها تشغل القلب بالفكر الذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد. وقال أبو حنيفة وأحمد: النرد أشد »(٤) .

ب - كان مخلّطاً: قال ابن كثير الدمشقي: « وقال مسلم بن الحجاج: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بشر بن سعيد: إتقوا الله وتحفّظوا من الحديث، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كعب وحديث كعب عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

___________________

(١). حياة الحيوان: « الهر ».

(٢). النهاية في غريب الحديث: « السدر ».

(٣). مجمع البحار: « السدر ».

(٤). منهاج السنة ٢ / ٩٨.

٣٦٧

وما قاله رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عن كعب، فاتقوا الله وتحفّظوا في الحديث »(١) .

ج - كان مدلّسا: قال ابن كثير: « وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلّس. أي: يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولا يبين، [ يميّز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه: من أصبح جنبا فلا صيام له. فإنّه لمـّا حوقق عليه، قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - »(٢) .

د - كان متروكا: قال ابن كثير: « وقال شريك، عن مغيرة، عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة.

وروى الأعمش، عن إبراهيم، قال: ما كانوا يأخذون من كل حديث أبي هريرة.

قال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً، وما كانوا يأخذون من حديثه إلّا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حديث على عمل صالح أو نهي عن شيء جاء القرآن به ».

قال ابن كثير: « وقد انتصر ابن عساكر لأبي هريرة وردّ هذا الذي قاله إبراهيم النخعي، وقد قال ما قاله ابراهيم طائفة من الكوفيين والجمهور على خلافهم. وقد كان أبو هريرة من الصّدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم »(٣) .

___________________

(١). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ مع اختلاف.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ - ١١٠.

٣٦٨

وثبوته نعم إن ذلك يقدح في الأحاديث التي اشتملت على حضوره عنده -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأخذه بيده، وقد صرح بهذا المعنى الشريف الجرجاني في ( شرح المواقف )(١) .

* * *

وجاء بعضهم وأراد التشكيك في صحة هذا الحديث بنحو آخر، ذكره العلامة الأمير وقد أجاد في ردّه، حيث قال:

« تنبيه - اعترض بعض من قصر نظره عن بلوغ مرتبة التحقيق في حديث الغدير الذي رواه زيد بن أرقم -رضي‌الله‌عنه - مشكّكاً ذلك المعترض بقوله: إن في الرواية أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خطب بالجحفة يوم ثامن عشر في شهر ذي الحجة، وأنه لا يمكن بلوغ الجحفة لمن خرج بعد الحج من مكة في ذلك اليوم، وجعله قادحاً في الحديث.

وأقول: هذا تشكيك بلا دليل وخبط جبان خال عن عدة الأدلة ذليل. فقد ثبت أنهعليه‌السلام خرج من مكة يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة، راجعا إلى المدينة، وثبت أن الجحفة على اثنين وثمانين ميلا من مكة كما صرح به مجد الدين في القاموسرحمه‌الله . وثبت أن المرحلة العربية أربعة برد كمن جدة إلى مكة، كما أخرجه البخاري تعليقا من حديث ابن عباس وابن عمر أنّهما كانا يقصّران من مكة إلى العرفات، وثبت تقدير الأربعة البرد بالمرحلة بما رواه الشافعي بسند صحيح: أنه قيل لابن عباس أتقصر من مكة إلى العرفات؟ قال: لا، ولكن إلى عرفات وإلى جدة وإلى الطائف، وكل جهة من هذه مرحلة إلى مكة. فإذا كانت المرحلة أربعة برد، والبريد اثني عشر ميلاً، يكون المرحلة ثمانية وأربعين ميلا.

___________________

(١). شرح المواقف ٨ / ٣٦٠.

٣٦٩

وإذا عرفت هذا، عرفت أن من مكة إلى الجحفة لا يكون إلّا دون المرحلتين الكاملتين، لأنّهما اثنان وثمانين ميلاً. واذا عرفت أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خرج من مكة يوم خامس عشر من ذي الحجة فيوم ثامن عشر رابع أيام سفره، فعلم أنه بات ليلة ثامن عشر في الجحفة وصلى بها الظهر وخطب بعد الصلاة.

فيا للعجب ممن قصر نظره عن البحث، كيف يقدح فيما صح باتفاق الكل بأمر يرجع إلى المحسوس المشاهد. لقد نادى على نفسه بالبلاهة وسوء الظن وعدم الدراية.

ولا يقال: إنه باعتبار هذه الأزمنة لا يمكن.

لأنا نقول: إنْ أريد أسفار أهل الرفاهة والمترفين والمرضى والزمناء فلا اعتبار به. وإنْ أريد في أسفار العرب، ففي هذا الزمن يبلغ من مكة الى المدينة على الركاب في أربع، وأهل المدينة يسافرون الحج في زماننا هذا يوم خامس أو رابع ذي الحجة، ويوافون عرفات. وأمّا أهل الرفاهة فلا اعتبار بهم. وقد كان -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على نهج العرب، وقد كان بلغ في دخوله بمكة في تلك الحجة في سبعة أيام أو ثمانية على اختلاف الرواية.

وبالجملة فالتشكيك بهذا نوع من الهذيان، فقد عرفت بما قدمنا أن الحديث متواتر والأسفار تختلف وليس محالاً عادة ولا عرفاً. ثم حديث الموالاة قد ثبت باتفاق الفريقين، فلا يسمع هذا التشكيك من قائله، والله الموفق »(١) .

___________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ٧٨.

٣٧٠

الخاتمة

فيها كلمات في ذم الفخر الرازي

ومن المناسب - في خاتمة الرد على الفخر الرازي ودحض مزاعمه - أن نورد طرفاً من كلمات بعض علماء الرجال والحديث في الفخر الرازي:

قال الذهبي: « الفخر ابن الخطيب صاحب تصنيف، رأس في الذكاء والتعليقات، لكنه عري من الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسأل الله أن يثبت الإِيمان في قلوبنا.

وله كتاب: السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح، فلعلّه تاب من تأليفه إن شاء الله »(١) .

وقال ابن تيمية في الكلام على الصفات بعد كلام له:

« وأمّا الجبرية، فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهم، ونفاة الصفات من الجبرية منهم من يتأوّل نصوصها ومنهم من يفوض معناها الى الله تعالى »(٢) .

___________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). منهاج السنة. مبحث صفات الباري ١ / ١١١.

٣٧١

وهذا الكلام صريح في كون الرازي من الجبرية.

وقال الشعراني في ( ارشاد الطالبين ): « وقد طلب الشيخ فخر الدين الرازي الطريق إلى الله، فقال له الشيخ نجم الدين البكري: لا تطيق مفارقة صنمك الذي هو علمك، فقال: يا سيدي، لا بدّ إنْ شاء الله تعالى. فأدخله الشيخ خلوة وسلبه جميع ما معه من العلوم، فصاح في الخلوة بأعلى صوته: لا تطيق، فأخرجه وقال: أعجبني صدقك وعدم نفاقك ».

وقال المولوي عبد العلي في مبحث الإجماع: « واستدل ثانياً بقوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجتمع أمتي على الضلالة، فانه يفيد عصمة الأمة عن الخطأ فانه متواتر المعنى، فانه قد ورد بألفاظ مختلفة يفيد كلها العصمة، وبلغت رواة تلك الألفاظ حد التواتر

[ واستحسنه ابن الحاجب ] فانه دليل لا خفاء فيه بوجه ولا مساق للارتياب فيه.

[ واستبعد الامام الرازي ] صاحب المحصول، كما هو دأبه من التشكيكات في الأمور الظاهريّة [ التواتر المعنوي على حجيته ]

وهذا الاستبعاد في بعد بعيد كبرت كلمة خرجت من فيه »(١) .

وقال الحافظ ابن حجر بترجمته بعد كلام الذهبي المتقدم ما ملخصه:

« وقد عاب التاج السبكي على المصنف، ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب، وقال: إنه ليس من الرواة، وقد تبرأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب.

والفخر كان من أئمة الأصول وكتبه في الأصلين شهيرة، وله ما يقبل وما يرد، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخصه:

انّ مولده سنة ٥٣٣ واشتغل على والده، وكان من تلامذة البغوي. ثمّ

___________________

(١). فواتح الرحموت ٢ / ٢١٥.

٣٧٢

اشتغل على الكمال السمناني وتمهّر في عدة علوم، وأقبل على التصنيف. فصنّف التّفسير الكبير، والمحصول في أصول الفقه، والمعالم، والمطالب العالية، والأربعين، والخمسين، والملخّص، والمباحث المشرقية، وطريقه في الخلاف، ومناقب الشافعي.

قال ابن الربيب: وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو فائز، وكان يعاب بايراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها، قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقداً ويحلها نسيئة.

وقد ذكره ابن دحية فمدح وذم.

وذكره ابن شامة فحكى عنه أشياء ردية.

وكانت وفاته بهراة سنة ٦٥٦.

ورأيت في الاكسير في علم التفسير للنجم الطوخي ما ملخصّه: ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الامام فخر الدين إلّا أنّه كثير العيوب. فحدّثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين السرمساجي المغربي أنّه صنّف كتاب المآخذ في مجلدين، بيّن فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج، وكان ينقم عليه كثيراً.

قال الطوخي: ولعمري هذا دأبه في الكتب الكلامية حتى اتّهمه بعض الناس.

وذكر ابن خليل السكوني في كتاب الرد على الكشاف: ان ابن الخطيب قال في كتبه في الأصول إنّ مذهب الجبر هو المذهب الصحيح، وقال بصحة بقاء الأعراض وبنفي صفات الله الحقيقيّة، وزعم أنها مجرّد نسب وإضافات كقول الفلاسفة، وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع.

ونقل عن تلميذه التاج الأرموي: إنه نظر كلامه فهجره إلى مصر وهمّوا به فاستتر، ونقلوا عنه أنه قال: عندي كذا وكذا مائة شبهة على القول بحدوث العالم.

٣٧٣

ثم أسند عن ابن الطباخ: إن الفخر كان شيعياً يقدم محبة أهل البيت كمحبة الشيعة، حتى قال في بعض تصانيفه: وكان علي شجاعاً بخلاف غيره، وعاب عليه تسميته لتفسيره مفاتيح الغيب.

وقد مات الفخر يوم الاثنين سنة ست وخمسين وستمائة بمدينة هراة، واسمه محمد بن عمر بن الحسين، وأوصى بوصية تدل على حسن اعتقاده »(١) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

٣٧٤

وقفة مع من أنكر

تواتر حديث الغدير

٣٧٥

٣٧٦

وأمّا دعوى عدم تواتر حديث الغدير فمن العجائب المضحكة، خصوصاً دعوى عدم تواتره لدى الشيعة « كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنْ يقولون إلّا كذباً » وكيف يتفوّه بهذه الهفوة الباطلة عاقل بالنسبة إلى حديث رواه أكثر من مائة صحابي، وجمع طرقه جمع من كبار الحفاظ في مصنفات عديدة!؟ قد علمت أنه ليس متواتراً عند الشيعة فحسب، بل صرح بتواتره كبار حفّاظ أهل السنة، كالحافظ الذهبي الذي تمسك ابن حجر المكي بتصحيحه طرق حديث الغدير حيث قال: « فقد ورد ذلك من طرق صحيح الذهبي كثيراً منها »(١) . فمن العجيب تمسكه بتصحيح الذهبي بعض طرق الحديث وإعراضه عن تصريحه وتنصيصه على تواتره.

ومن الطريف دعوى ابن حجر تواتر حديث صلاة أبي بكر لرواية ثمانية من الصحابة إيّاه - مع العلم ببطلانه لدى الشيعة - وهو ينكر تواتر حديث الغدير المروي عن أكثر من مائة نفس من الصحابة، ولا أقل من الثلاثين، العدد الذي اعترف ابن حجر نفسه به، وهل هذا إلّا تناقض قبيح وتحكّم لا يعتضد بشيء من

___________________

(١). الصواعق المحرقة / ٢٥.

٣٧٧

الترجيح؟

نور الدين الحلبي

وقد نسج نور الدين الحلبي على منوال ابن حجر الهيتمي - المكي، فقال في جواب حديث الغدير: « وقد ردّ عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمّى بالقول المطاع في الرد على أهل الابتداع، لخصّت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي، وذكرت أن الرد عليهم في ذلك من وجوه:

أحدها: إن هؤلاء الشيعة والرافضة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الامامة من الأحاديث، وهذا الحديث مع كونه احاداً طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم، فهذا منهم مناقضة »(١) .

وهذا الكلام مردود من وجوه:

أحدها: إنّ نفي تواتر حديث الغدير مصادمة مع الواقع وإنكار للحقيقة الراهنة، وقد صرح بتواتره كبار أئمة أهل السنة كما سبق.

الثاني: إنه يكفي ثبوت تواتره لدى الشيعة.

الثالث: إنّه يكفي في الالزام في باب الامامة الاستدلال بالحديث الوارد من طرق أهل السنّة ولو احاداً، ولا ضرورة لأن يكون متواتراً حتى يجوز الاحتجاج به وإلزامهم به.

الرابع: إن ذكر طعن بعض أئمة الحديث في صحة حديث الغدير، هو في الحقيقة إثبات للطعن في هؤلاء الأئمّة المتعصبين.

الخامس: نسبة الطعن في صحته إلى أبي داود، كذب صريح وبهتان مبين كما دريت سابقاً.

___________________

(١). انسان العيون ٣ / ٣٣٧ - ٣٣٨.

٣٧٨

علي القاري

ولقد ناقض الشيخ نور الدين علي بن سلطان الهروي القاري نفسه وجاء بكلماتٍ متهافتة حول حديث الغدير، فقال مرّة:

« ثمّ هذا الحديث مع كونه احاداً مختلف في صحته، فكيف ساغ للشيعة أن يخالفوا ما اتفقوا عليه اشتراط التواتر في أحاديث الامامة، ما هذا إلّا تناقض صريح وتعارض قبيح؟! »(١) .

فهو هنا يزعم كونه احاداً وأنه مختلف في صحّته لدى العلماء، والحال أنه قد ذكر قبل هذا الكلام بقليل: « والحاصل أن هذا حديث لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً، إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته »(٢) .

فهل من الانصاف دعوى كونه آحادا مختلفا في صحته مع الاعتراف بأنه صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عدّه متواتراً ...؟

وقال في موضع آخر: « رواه أحمد في مسنده، وأقلّ مرتبته أن يكون حسناً، فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث »(٣) .

فأيّ تحقيق هذا؟ وأيّ إنصاف هذا؟ وأيّ ضبط هذا؟ أن يتلون الرجل في كتاب واحد حول حديث واحد، ما هذا إلّا تناقض صريح وتعارض قبيح!! ولو فرض عدم تواتر هذا الحديث عند أهل السنة، لصحّ استدلال الشيعة به بلا ريب لوجهين:

الأول: لكونه متواتراً لدى الشيعة، واعتضاده بروايات المخالفين يفيد القطع واليقين.

___________________

(١). المرقاة ٥ / ٥٧٤.

(٢). نفس المصدر ٥ / ٥٦٨.

(٣). نفس المصدر ٥ / ٥٧٤.

٣٧٩

والثاني: لجواز الاستدلال بالآحاد عند أهل السنة، فالالزام بحديث الغدير والاحتجاج به صحيح على كل تقدير.

الميرزا مخدوم بن عبد الباقي

وقال الميرزا مخدوم بن عبد الباقي: « وما أدري ما الذي يورث في طبائعهم المنحرفة الجزم بدلالة ما نقل عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في غير الكتب الصحاح أنه قال بغدير خمّ: من كنت مولاه، على إمامة المرتضى »(١) .

ولقد كذب في مقالته هذه الكذب الصريح، فإن الحديث مخرج في الكتب الصحاح كما نص عليه ابن روزبهان كما سيجيء.

ويوضّح ذلك مراجعة صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة والمستدرك على الصحيحين وصحيح ابن حبان والمختارة للضياء المقدسي وما ماثلها.

وفوق ذلك كلّه: تصريح هذا الرجل بتواتر حديث الغدير في مقام آخر من كتابه بعد هذا الكلام وقد ذكرنا نص عبارته سابقاً فراجع.

إسحاق الهروي

وقال اسحاق الهروي سبط صاحب النواقض لمذكور في ( سهامه ) في جواب حديث الغدير: « قلنا: أولاً لا نسلّم تواتر الخبر، وكيف ولم يذكره الثقات من المحدّثين كالبخاري ومسلم والواقدي، وقد قدح في صحة الحديث كثير من أئمّة الحديث كأبي داود والواقدي وابن خزيمة وغيرهم من الثقات، ومن رواه لم يرو أوّل الحديث أي قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم، وهو القرينة على كون المولى بمعنى أولى ».

وهذا الكلام عجيب للغاية، فإنه يقتضي أن لا يكون هذا الجمّ الغفير من

___________________

(١). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٨٠

رواة حديث الغدير من الأئمّة الثقات، وفيهم أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة ونظراؤهم

ولقد زاد الهروي هذا في الطنبور نغمة أخرى، فزاد على من زعم قدحه في حديث الغدير الواقدي وابن خزيمة، والحال أن أسلافه الذين أخذ منهم هذه المزاعم لم يذكروهما فيمن نسب إليهم القدح في هذا الحديث الشريف

هذا ويكفي في الردّ على هذه المكابرات تصريح جدّه صاحب النواقض بتواتر حديث الغدير.

عبد الحق الدهلوي

وقال الشيخ عبد الحق الدّهلوي في ( شرح المشكاة ): « وهذا الحديث صحيح بلا ريب، رواه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وله طرق كثيرة، رووه عن ستة عشر نفس من الصحابة، وفي رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح أو حسان، ولا التفات بقول من تكلّم في صحته ولا بقول بعضهم القائل بأن: اللهم وال من والاه، موضوع. لوروده من طرق متعدّدة صحح أكثرها الذهبي، كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة.

ولكنا نقول للشيعة على طريق الإلزام - حيث اتفقوا على لزوم أن يكون دليل الامامة متواتراً، وأنه متى لم يكن الحديث متواتراً لم يجز الاستدلال به على الامامة - بأن هذا الحديث غير متواتر يقيناً، على أنه مختلف فيه - وإنْ كان هذا الاختلاف في بعض الخصوصيات - وقد طعن في صحته بعض أئمّة الحديث وعدولهم المرجوع إليهم في هذا الشأن، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وقد تركه أهل الحفظ والإتقان الذين طافوا البلاد وساروا إلى الأمصار في طلب الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم من أكابر أهل الحديث، وهذا وإنْ كان غير مخل بصحة الحديث إلّا أن دعوى التواتر في مثله من

٣٨١

العجائب ».

فهو وإنْ بالغ في الردّ على من أنكر صحة الحديث وخدش في ثبوته، إلّا أنه حاول إنكار تواتره، فسلك طرقاً ملتوية وأتى بكلمات متهافتة سعياً وراء ذلك، ولكن لا تخفى حقيقة الأمر على الناظر في كلامه، لأنه ينكر تواتر هذا الحديث في حين أنه يذعن بكثرة طرقه، وأنه رواه ستة عشر شخص من الصحابة وأن أكثر طرقه صحاح أو حسان. فأيّ كلام في ثبوت تواتر حديث هذا شأنه!؟ مع أنهم يعتقدون بحصول التواتر بالأقل من هذا العدد، ويرون تحققه لما رواه ثمانية من الصحابة كما في ( الصواعق ).

بل ذكر هذا الشيخ أن في روايةٍ لأحمد أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون من الصحابة، وشهدوا به لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذا بناءاً على ما ذكره هذا الرجل، وإلّا فقد علمت أن رواته من الصحابة يزيدون على المائة

وقد نص أبو محمد علي بن أحمد بن حزم على تواتر حديث رواه أربعة من الصحابة، حيث قال في ( المحلى ) في مسألة عدم جواز بيع الماء بعد أن نقل رواية المنع عن أربعة من الصحابة: « فهؤلاء أربعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته »، فمن العجيب أن يكون ما رواه الأربعة متواتراً ولا يكون ما رواه الستة عشر أو الثلاثون أو الأكثر بمتواتر، وهل هذا إلّا تحكّم قبيح وتعصب فضيح؟!

هذا بالاضافة إلى ما تقدم من تصريح الأئمّة المحققين من أهل السنة ومنهم الذهبي الذي استند اليه ابن حجر، كما ذكره عبد الحق في هذه العبارة، بتواتر حديث الغدير

ومن العجائب أيضاً نفيه تواتر حديث الغدير تمسكاً بوجود الاختلاف فيه، وهذا واضح البطلان جداً، لاعترافه هو في هذا الكلام ببطلان هذا الخلاف، وإذا كان الخلاف في الحديث مردوداً كان التمسك بهذا الخلاف مردوداً كذلك.

٣٨٢

والحاصل إنّ هذا الكلام مختل الأركان ضعيف البنيان واضح البطلان، فهو من جهة يتمسك بقدح القادحين في هذا الحديث للقدح في تواتره، ومن جهة أخرى ينص على أن الخلاف في هذا الحديث مردود، ومن جهة ثالثة يعود ليمدح القادحين فيه ويصفهم بالامامة في هذا الشأن ليشيد بالتالي بقدحهم في الحديث ويسقطه بذلك عن الاعتبار.

وإذا كانت هذه التناقضات والتعصبات - التي يأباها أتباع القادحين ومقلديهم - قادحة في الأحاديث المتواترة، كان مكابرة المخالفين للإسلام وقدحهم في تواتر معاجز النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - جديرة بالإذعان ومؤثرة في الطعن في الدين الحنيف. وذلك لأن هذه المكابرات وتلك التعصبات من باب واحد.

والفرق بأن القادحين هنا أئمة عدول بخلافهم هناك فإنهم ملحدون لا يسمن ولا يغني من جوع. أما أولاً: فلأنّهم لدى الشيعة في مرتبة واحدة، وأما ثانياً: فمع التسليم بالفرق فإنّ كلام الطرفين في البابين في البطلان على حد سواء. على أن الملاك في التواتر حصول شروطه، فمتى تحققت في مورد حكم بتواتره، وليس من شروطه عدم وجود قادح فيه أبداً، بل إذا توفرت شروط التواتر، كان قدح القادحين موجباً للطعن فيهم لا في الحديث وإنْ كانوا من كبار الأئمّة، فلو قدح أبو حاتم وأمثاله في وجوب الصوم مثلاً كان ذلك موجباً للقدح في أنفسهم لا في وجوب الصوم كما لا يخفى.

ثم إنّ نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود أكذوبة أخرى، لما عرفت سابقاً من أنه قد روى هذا الحديث. فهذه النسبة باطلة لا أصل لها البتّة. ومن التعصب الفاحش أن ينسب إلى أبي داود هذا البهتان ويتّهم بهذا الأمر الفظيع، ثم يتمسك بهذا القدح المزعوم - مع الاعتراف بكونه مردوداً - في نفي تواتر الحديث خلافاً للمحققين من الأئمّة، وبالرغم من الإذعان بكثرة طرقه!!

٣٨٣

النقض بموقف ابن مسعود من الفاتحة والمعوذتين

ثم إن التمسك بقدح أبي حاتم وجماعته لإِنكار تواتر حديث الغدير، منقوض بإنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وإسقاطه إيّاهما من مصحفه، مع قيام الإجماع من المسلمين على تواترهما وأنّهما من القرآن، وإنّ من جحد ذلك كافر، قال السيوطي: « قال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر ».

وأمّا موقف ابن مسعود من هذه السور، فهو مما اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار. قال الراغب: « وأسقط ابن مسعود من مصحفه أمّ القرآن والمعوّذتين »(١) .

وقال السيوطي: « أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف، عن محمد بن سيرين أن أبيّ بن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهم إياك نعبد، وأللهم إنا نستعينك، ولم يكتب ابن مسعود شيئاً من هذا، وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٢) .

وقال السّيوطي: « أخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال: لو كتبتها، لكتبت في أوّل كل شيء »(٣) .

وقال أيضاً: « أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يحكّ المعوّذتين، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صحّ عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -

___________________

(١). المحاضرات ٢ / ١٨٩.

(٢). الدر المنثور ١ / ٢.

(٣). نفس المصدر ١ / ٢.

٣٨٤

قراءتهما في الصلاة وأثبتهما في المصحف »(١) .

و قال: « أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبّان وابن مردويه عن زرّ بن حبيش، قال: أتيت المدينة، فلقيت أبيّ بن كعب، فقلت له: يا أبا المنذر، إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوّذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق، لقد سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عنهما، وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك، قال: قيل لي: قل: فقلت: فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال السيوطي: « أخرج أبو عبيدة عن ابن سيرين، قال: كتب أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهمّ إنّا نستعينك، واللهمّ إياك نعبد، وتركهنّ ابن مسعود، وكتب عثمان منهنّ فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٣) .

وقال محب الدين الطبري الشافعي في ذكر مطاعن عثمان: « و [ أما ] الخامسة عشرة وهي إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فانه لو بقي في أيدي الناس لكان أدّى ذلك إلى الفتنة الكبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين، من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة إنهما من القرآن، وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن »(٤) .

وقال حسين الديار بكري المؤرّخ: « أما إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فإنه لو بقي في أيدي الناس لأدى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما من

___________________

(١). الدر المنثور ٦ / ٤١٦.

(٢). نفس المصدر ٦ / ٤١٦.

(٣). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٦٧.

(٤). الرياض النضرة ٢ / ١٩٨، مع اختلاف.

٣٨٥

القرآن »(١) .

وقال المولوي محسن الكشميري: « وأسقط، أي ابن مسعود، عنه، أي عن المصحف، المعوذتين وبالغ في أنهما ليست من القرآن مع أن الفاتحة أمّه »(٢) .

وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: « كان عبد الله يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى »(٣) .

وأخرج رواية زرّ بن حبيش المتقدمة: « قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكّهما من المصحف فلم ينكر. قيل لسفيان: ابن مسعود؟ قال: نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود، كان يرى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرأ بهما [ يقرأهما ] في شيء من صلاته، فظنّ أنهما عوذتان وأصرّ على ظنّه »(٤) .

و قال البخاري: « حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال:

حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زر، قال: سألت أبيّ بن كعب، قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال لي: قل، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

وقال ابن حجر العسقلاني بشرح هذا الحديث:

« قوله: يقول كذا وكذا، هكذا وقع هذا اللفظ مبهماً، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً له، وأظن ذلك من سفيان، فإنّ الاسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإِبهام، وكنت أظن أولاً أن الذي

___________________

(١). الخميس ٢ / ٢٧٣.

(٢). نجاة المؤمنين - مخطوط.

(٣). المسند ٥ / ١٢٩ - ١٣٠.

(٤). مسند أحمد ٥ / ١٣٠.

(٥). صحيح البخاري بشرح ابن حجر ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٦

أبهمه البخاري، لأنّني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكهما [ يحكها ] من المصحف. وكذا أخرجه الحميدي، عن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، وكان سفيان تارة يصرّح بذلك وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبّان من رواية حمّاد بن سلمة عن عاصم بلفظ: ان [ عبد الله ] ابن مسعود كان لا يثبت [ يكتب ] المعوّذتين في مصحفه، وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم، بلفظ: ان عبد الله يقول في المعوذتين، وهذا أيضاً فيه إبهام.

وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد [ زيد ] النخعي، قال: كان ابن مسعود يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، قال الأعمش: و [ قد ] حدثنا عاصم عن زرّ عن أبي بن كعب، فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي، و قد أخرجه البزاز وفي آخره [ و ] يقول: إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوّذ بهما.

قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه قرأها في الصلاة. قلت: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبّان من وجه آخر عن عقبة بن عامر، فإنْ استطعت أن لا تفوتك قراءتهما [ في صلاة ] فافعل.

و أخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير، عن رجل من الصحابة أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أقرأه المعوّذتين وقال له: إذا أنت صلّيت فاقرأ بهما. وإسناده صحيح. ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل: إنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلّى الصبح فقرأ فيها بالمعوذتين.

وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار، وتبعه عياض وغيره، ما حكى عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنّه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلّا أن

٣٨٧

كان النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اذن في كتابته فيه وكأنّه لم يبلغه الاذن في ذلك قال: فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآناً، وهو تأويل حسن، إلّا أن الرواية [ الصحيحة ] الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله، نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور.

وقال غير القاضي: لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيّتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما [ صفتهما ] انتهى. وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بيّنه القاضي. ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع.

وأمّا قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنّ من جحد شيئاً منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لذلك أبو محمد بن حزم، قال في أوائل المحلّى: ما نقل عن ابن مسعود من انكار قرآنيّة المعوّذتين، فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظنّ أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل، والطعن في الروايات الصحيحة بغير سند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإنْ أراد استقراره فهو مقبول.

وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنّما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل أنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفر لأن الاجماع لم يكن استقر، قال: ونحن الآن نكفّر من جحدها، قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوّذتين يعني انه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.

وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي، فقال: إنْ قلنا أن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإنْ قلنا أنه لم يكن متواتراً لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود، ولكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العقدة

٣٨٨

بعون الله تعالى »(١) .

وقال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث في مسألة جزئية البسملة من كل سورة: « فهذه الأحاديث تعطي التواتر المعنوي بكونها قرآناً منزلاً في أوائل السور، ومن المشكل على هذا الأصل ما ذكره الامام فخر الدين، قال: نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إنْ قلنا أن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإنْ قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل. قال: والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة، وكذا قال القاضي أبو بكر لم يصح عنه أنها ليست بقرآن ولا حفظ عنه، إنّما حكّها وأسقطها من مصحفه إنكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً، لأنّه كانت السنّة عنده أن لا يكتب في المصحف إلّا ما أمره النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بإثباته فيه ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به.

وقال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح.

وقال ابن حزم في المحلى: هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زرّ عنه، وفيه المعوّذتان والفاتحة.

وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٩

المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه أنه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما أسانيدها صحيحة، قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قرأهما في الصلاة.

قال ابن حجر: فقول من قال إنه كذب مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، قال: وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، قال: وهو تأويل حسن إلّا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال: ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف، فيتم التأويل المذكور، قال: لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع، قال: وقد أجاب ابن الصباغ بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره، لكن لم يتواترا عنده، انتهى

وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنّه رأى النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقول أنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار. قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللّوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلّمها على كل أحد.

قلت: وإسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسندٍ صحيح كما تقدم في أوائل النوع التاسع عشر »(١) .

___________________

(١). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٨١ - ٨٢.

٣٩٠

أقول:

فإذا لم يكن إنكار ابن مسعود المعوّذتين قادحاً في تواترهما وقرآنيّتهما، فإنّ قدح مثل أبي حاتم وغيره في حديث الغدير، لا يكون قادحاً في تواتره قطعاً، كيف والحال أن أبا حاتم وأمثاله لا يبلغون في الشرف والكرامة مرتبة تراب أقدام ابن مسعود!! بل إنّ غبار أنف فرس ابن مسعود مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أفضل من أبي حاتم وأمثاله، حسب ما نقله ابن حجر المكي في تفضيل معاوية على عمر بن عبد العزيز.

النقض بموقف بعضهم من حديث انشقاق القمر

وأيضاً: فإنّ كان إنكار أبي حاتم ومن حذا حذوه حديث الغدير يضرّ في تواتره، كان إنكار بعضهم حديث انشقاق القمر موجباً للقدح في تواتر هذه المعجزة العظيمة والكرامة الباهرة الثابتة - لرسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جاء في ( نهاية العقول ) للرازي أنّ « الحليمي » قد منع وقوع انشقاق القمر. و « الحليمي » من أكابر علماء أهل السنّة ومن فطاحل أئمّتهم، كما لا يخفى على من راجع تراجمه في معاجم التراجم المعتبرة(١) .

لكن حديث انشقاق القمر متواتر قطعاً:

قال الشهاب القسطلاني: « وقال ابن عبد البرّ: قد روي هذا الحديث - يعني حديث انشقاق القمر - عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله الجمّ الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيّد بالآية الكريمة. إنتهى.

___________________

(١). الأنساب الحليمي، وفيات الأعيان ٢ / ١٣٧، مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٠٣ طبقات الأسنوي ١ / ٤٠٤.

٣٩١

وقال العلّامة ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أنّ انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين وغيرهما، من طرق من حديث شعبة، عن سليمان عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن أبن مسعود. ثمّ قال: وله طرق أخر شتّى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى »(١) .

وقال السيوطي في كلام له في معنى التواتر: « فقد وصف جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين أحاديث كثيرة بالتواتر، منها: حديث نزل القرآن على سبعة أحرف، وحديث الحوض، وانشقاق القمر، وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان »(٢) .

فإذا لم يؤثّر إنكار « الحليمي » ومنعه وقوع إنشقاق القمر في تواتر هذا الحديث، كان إنكار بعض المتعصّبين حديث الغدير غير مؤثّر في تواتره كذلك.

ومن الغرائب إنكار الشاه وليّ الله الدهلوي هذا الحديث كذلك، وقد قال ما نصّه: « أمّا شقّ القمر، فعندنا ليس من المعجزات، إنّما هو من آيات القيامة، كما قال الله تعالى:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، ولكنه أخبر عنه قبل وجوده، فكان معجزة من هذا السبيل »(٣) .

عود إلى النظر في كلام عبد الحق الدهلوي

وأمّا استناد الشيخ عبد الحقّ بترك البخاري ومسلم والواقدي رواية حديث الغدير، فقد تقدّم الجواب عنه بالتفصيل في الردّ على كلام الفخر الرازي.

على أنّ ترك هؤلاء روايته، غير قادح في صحة الحديث، كما اعترف هو بذلك، وإذْ ليس قادحاً في صحته، فكيف يكون قادحاً في تواتره؟

وبالجملة، فإنّ دعوى عدم تواتر حديث الغدير، بالاستناد الى هذه

___________________

(١). المواهب اللدنية ١٥ / ٣٥٦.

(٢). إتمام الدراية / ٥٥، هامش مفتاح العلوم.

(٣). راجع: التفهيمات الالهية ٣ / ٦٥.

٣٩٢

الهفوات والأباطيل، من أعجب العجائب. ولنعم ما قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث إنشقاق القمر: « فأمّا من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه: أنه لم ينقل عن أحد منهم أنّه نفاه وهذا كاف، فإنّ الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي يقدّم عليه من وجد منه صريح الإثبات »(١) .

محمد البرزنجي

وممن وقع في هذه الورطة، محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فإنّه مع دعوى انسابه إلى الدّوحة العلوية، وبالرغم من تصريحه بصحة حديث الغدير سلك سبيل مشايخه المتعصّبين، فتطرّق إلى الخلاف في صحّته وأثنى على من نسب إليهم القدح فيه، وعدّ فيهم أبا داود السجستاني - كذباً وبهتاناً - فقال:

« والخلاف في صحته ينفي تواتره، بل يخرجه عن كونه صحيحاً متّفقاً عليه، والطاعنون جمع من أئمّة الحديث أجلّاء، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم وغيرهما »(٢) .

حسام الدين السهارنبوري

وقال حسام الدين ابن الشيخ محمد بايزيد السهارنبوري:

ولا نسلّم أنّ الأمة تلقّت هذا الحديث بالقبول، لأن جماعة من الأئمة العدول وثقات المحدّثين المرجوع اليهم في هذا الشأن كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما، طعنوا فيه، وتكلّموا في صحّته، على ما صرّح بذلك الشيخ ابن حجر -رحمه‌الله - في الصواعق، وعليّ القوشجي -رحمه‌الله - في شرح التجريد، وإنّ جماعة من أهل الحق والإيقان وأكابر المحدثين كالإمام البخاري

___________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٤٧.

(٢). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٩٣

ومسلم والواقدي وغيرهم لم يرووه، كما ذكر الشيخ عبد الحق، وهؤلاء من أعاظم علماء السنّة والجماعة وأكابر أصحاب الحديث وأخبار خير البريّة - عليه الصلاة والتحيّة - وقد طافوا البلاد وساروا في الأمصار في طلب الأحاديث والآثار، وبلغوا في هذا العلم الشريف أقصى الغاية وارتقوا فيه على أعلى الدرجات.

فدعوى تلقي جميع الأمة حديثاً طعن فيه رؤساء المحدّثين وتركه ثقاتهم بالقبول باطلة وإثبات تواتره مع طعن أئمّة المحدثين وعدولهم فيه مشكل جداً »(١) .

أقول: لقد تبع هذا الرجل ابن حجر المكي وعبد الحق الدهلوي وأخذ عنهما هذه الخرافات، لكن لا يخفى من كلامه أنّه أكثر منهما تعصباً وأشد انحرافاً عن الحق، لأن ابن حجر وعبد الحق قد شهدا قبل القدح في حديث الغدير بصحته وكثرة طرقه، وأنه قد رواه ستة عشر من الصحابة وشهد به ثلاثون منهم على ما أخرجه أحمد، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن، وقد أضاف عبد الحق أن القدح فيه مردود غير مسموع.

لكن صاحب المرافض لم يتعرض لهذه الكلمات الحقة، واقتصر على أخذ الخرافات وآيات التعصب والعناد منهما، فذكر كلماتهما الباطلة ونسج على منوالهما في تلك الدعاوي الكاذبة

وعلى كل حال، فلا يخفى بطلان هذه المناقشات وسقوطها عن درجة الاعتبار، ولا سيما دعوى قدح جماعة من الأئمّة العدول المرجوع إليهم في حديث الغدير، فإنّها دعوى كاذبة باطلة، كما ذكرنا مراراً، ويشهد بذلك نسبة القدح إلى أبي داود - تبعاً لغيره - وقد علمت أن أبا داود من رواة هذا الحديث الشريف.

ومن الجدير بالذكر أن صاحب المرافض قد نقل حديث الغدير عن أحمد ابن حنبل في فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام - من ذي قبل.

___________________

(١). مرافض الروافض - مخطوط.

٣٩٤

ابن تيمية

وقال ابن تيمية: « أما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليس [ هو ] في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته. ونقل عن البخاري وابراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث، أنهم طعنوا فيه وضعّفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسّنه كما حسّنه الترمذي. وقد صنف أبو العباس ابن عقدة مصنفاً في جمع طرقه »(١) .

أقول:

أما قوله: « فليس في الصحاح » فيكفي في رده كلام القاضي سناء الله في ( السيف المسلول ) حيث صرح فيه برواية الجمهور هذا الحديث في الصحاح السنن والمسانيد، وقد سبق نص كلامه فيما مضى.

وأيضاً يتضح بطلانه من مراجعه: صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة وصحيح ابن حبان والمستدرك والمختارة للضياء المقدسي - وهي كلّها من الكتب الصحاح لدى أهل السنة - فإنها قد أخرجت حديث الغدير.

ولقد اعترف ابن روزبهان - مع تعصبه - بكون هذا الحديث مخرجاً في الصحاح كما سيجيء ان شاء الله.

وأمّا: أن « البخاري » طعن فيه، فنقول: لقد كان أهل الحق في حيرة وعجب من ترك البخاري حديث الغدير، مع توفر شروط التواتر فيه بأضعاف مضاعفة، فهو مؤاخذ على تركه رواية هذا الحديث، حتى جاء ابن تيميّة فادّعى طعن البخاري فيه، وهذا أعجب من ذلك بكثير! وهل من الجائز الاعتماد على هكذا أناس في نقل السنة النبويّة؟

___________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٣٩٥

ولقد وقفت على طرف من قوادح البخاري وكتابه فيما سبق نقلاً عن أكابر القوم وستقف على طرف آخر منها فيما سيأتي إنْ شاء الله تعالى. وإنّ من أفحش قوادحه وأقبح مساويه استرابته في بعض أحاديث الامام الصادق -عليه‌السلام - تبعاً ليحيى القطان جعله الله قاطناً في دركات النيران، على ما ذكر ابن تيمية حيث قال:

« وبالجملة، فهؤلاء الأئمّة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض أحاديثه لمـّا بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري »(١) .

وأما: أن « ابراهيم الحربي » طعن فيه، فإنّ طعنه مردود بالوجوه التي ذكرناها في رد قدح ابن أبي داود

على أن هذا الرجل مقدوح لما ذكروا في ترجمته من أنه كان يستحسن الابتلاء بعشق الصبي المليح قال صلاح الدين الكتبي:

« وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجار، قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ، يرفعه إلى أبي نعيم، قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبّان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سأل يوماً آخر فقالوا: هو مشغول وكان قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظّموا إبراهيم الحربي أن يخبروه بجلية الحال. فلما تكرّر السؤال عنه - وهم لا يزيدونه على أنه مشغول - قال: يا قوم، إن كان مريضاً قوموا بنا لنعوده، وإنْ كان مديوناً اجتهدنا في مساعدته

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٨٦.

٣٩٦

أو محبوساً سعينا في خلاصه، فخبّروني عن جلية حاله. فقالوا: نجلك عن ذلك فقال: لا بدّ أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي. فاحتشم إبراهيم ثم قال: هذا الصبي الذي ابلي بعشقه هو مليح أو قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الانسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة، كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله، وإنْ كان مليحاً كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة فيه. قال: فعجبنا مما أتى به »(١) .

أقول: وكيف لا يتعجبون مما أتى به؟ وعشق الصبي في غاية القبح والشناعة والفظاعة، وقد كتب الشيخ محمد حياة السندي - وهو من أكابر العلماء المتبحّرين - رسالة في النهي عن عشق صور المرد والنسوان قال فيها على ما نقل عنها معاصره القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) بترجمته: « تلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى استعبدت النفوس لغير خلّاقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشّاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد - إلى قوله -: إنما حكى الله العشق عن الكفرة قوم لوط وامرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كله لله، بل ينقص من دينه بحسب ما حصل له من فتنة العشق، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين، والمفتون بالصور مخالف لقوله:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ) والمبتلى بها ليس بغاض بصره بل يلتذ بالنظر الحرام وربما يقع به في الزنا - إلى قوله: - فإنّ تعبّد القلب للمعشوق شرك وقد أثبت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اسم التعبد على المحبة لغير الله تعالى في قوله في الصحيح: تعس عبد الدينار وعبد الدراهم الخ ».

وقال الذهبي بترجمة إبراهيم الحربي: « قال المسعودي: كانت وفاة الحربي

___________________

(١). فوات الوفيات ١ / ١٦.

٣٩٧

المحدث الفقيه في الجانب الغربي وله نيف وثمانون سنة، وكان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً زاهداً عابداً ناسكا، وكان مع ذلك ضاحك السنّ ظريف الطّبع ولم يكن معه تكبّر ولا تجبّر، يمازح مع أصدقائه بما يستحيى منه ويستقبح من غيره »(١) .

قال: « ويروى أن ابراهيم لما صنّف غريب الحديث وهو كتاب نفيس كامل في معناه، قال ثعلب: ما لإِبراهيم وغرائب الحديث، رجل محدث، ثم حضر مجلسه فلما حضر المجلس سجد ثعلب وقال: ما ظننت أن على وجه الأرض مثل هذا الرجل »(٢) .

هذا، ولم ينقل الذهبي عن الحربي أنه أنكر على ثعلب سجوده له، فهو اذاً يجوّز السجود لغير الله تعالى، وهذا أيضاً من مساويه وقبائحه.

ومن مساويه طعنه في علي بن المديني - شيخ البخاري - إذ قال الذهبي: « قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر ولا أحدّث عنه بشيء، لأنّه رأيته في المغرب وبيده نعله مبادراً، فقلت: إلى أين؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله، فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي داود »(٣) .

وهذا لا يكون إلّا من التعنت

ولا بأس بنقل كلمات أساطين أهل السنة في الثناء على بن المديني ليتضح سقوط كلام الحربي ومدى انهماكه في التعصب المقيت:

قال النووي: « علي بن المديني الامام أحد أئمّة الاسلام المبرزين في الحديث. صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق الى معظمها ولم يلحق في كثير منها، سمع أباه وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة ويحيى القطان وخلائق. روى عنه معاذ ابن معاذ وأحمد بن حنبل والبخاري وخلائق من الأئمّة، وأجمعوا على جلالته وإمامته

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٤.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦١.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٩.

٣٩٨

وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره.

قال عبد الغني بن سعيد المصري: أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن مروان في وقته، والدر قطني في وقته.

وقال سفيان بن عيينة - وهو أحد شيوخ علي بن المديني -: حدثني علي بن المديني - وتلومونني على حب علي، والله لقد كنت أتعلّم منه أكثر ممّا يتعلّم منّي -.

وكان سفيان يسميه حيّة الوادي، وكان اذا سئل عن شيء يقول: لو كان حية الوادي.

وقال حفص بن محبوب: كنت عند ابن عيينة، ومعنا علي بن المديني وابن الشاذكوني، فلما قام ابن المديني، قال السفيان: إذا قامت الخيل لم نجلس مع رجّالة.

وقال محمد بن يحيى: رأيت لعلي بن المديني كتاباً على ظهره مكتوب المائة والنيف والستون من علل الحديث.

وقال عباس العنبري: كانوا يكتبون قيام ابن المديني وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا، وكان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدّر بالحلقة وجاء أحمد ويحيى والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلّم فيه.

وقال الأعين: رأيت ابن المديني مستلقياً، وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى ابن معين عن يساره، وهو يملي عليهما.

وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد قط إلّا عند علي بن المديني.

وقال يحيى القطان: نحن نستفيد من ابن المديني أكثر مما يستفيد منا.

وقال عبد الرحمن بن المهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة.

وقال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد بن حنبل لا يسميّه بل يكنّيه ابا الحسن تبجيلاً، وما سمعت أحمد سمّاه

٣٩٩

قط.

قال البخاري: توفي ابن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين بالعسكر»(١) .

ابن حزم

وقال ابن حزم الاندلسي - فيما نقل عنه ابن تيمية -: « وأما من كنت مولاه فعلي مولاه، فلا يصح من طريق الثقات أصلاً »(٢) .

أقول: أعوذ بالله من الكذب والبهتان والتفوه بمثل هذا الهذر والهذيان ولكن ابن حزم مشهور بالتعصب لبني أمية ماضيهم وباقيهم، وباعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين - عليهم الصلاة والسلام - إلى غير ذلك من مساويه وصفاته حتى أجمع فقهاء عصره على تضليله

ولا بدّ من نقل نصوص عبارات مشاهير علمائهم المحققين في ترجمته في هذا المقام:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « ولد بقرطبة سنة ٣٨٤، ونشأ في نعمة ورئاسة، وكان أبوه من الوزراء وولي هو وزارة بعض الخلفاء من بني أمية بالأندلس، ثم ترك واشتغل في صباه بالأدب والمنطق والعربية وقال الشعر وترسّل ثم أقبل على العلم فقرأ الموطأ وغيره. ثم تحوّل شافعيّاً فمضى على ذلك وقت ثم انتقل إلى مذهب الظاهر وصنف فيه وردَّ على مخالفيه.

وكان واسع الحفظ إلّا أنه لثقته بحافظته، كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري م المحلى خاصة، وسأذكر منها أشياء.

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٥٠ - ٣٥١.

(٢). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423