نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 423

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188632 / تحميل: 7244
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

رواة حديث الغدير من الأئمّة الثقات، وفيهم أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة ونظراؤهم

ولقد زاد الهروي هذا في الطنبور نغمة أخرى، فزاد على من زعم قدحه في حديث الغدير الواقدي وابن خزيمة، والحال أن أسلافه الذين أخذ منهم هذه المزاعم لم يذكروهما فيمن نسب إليهم القدح في هذا الحديث الشريف

هذا ويكفي في الردّ على هذه المكابرات تصريح جدّه صاحب النواقض بتواتر حديث الغدير.

عبد الحق الدهلوي

وقال الشيخ عبد الحق الدّهلوي في ( شرح المشكاة ): « وهذا الحديث صحيح بلا ريب، رواه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وله طرق كثيرة، رووه عن ستة عشر نفس من الصحابة، وفي رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح أو حسان، ولا التفات بقول من تكلّم في صحته ولا بقول بعضهم القائل بأن: اللهم وال من والاه، موضوع. لوروده من طرق متعدّدة صحح أكثرها الذهبي، كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة.

ولكنا نقول للشيعة على طريق الإلزام - حيث اتفقوا على لزوم أن يكون دليل الامامة متواتراً، وأنه متى لم يكن الحديث متواتراً لم يجز الاستدلال به على الامامة - بأن هذا الحديث غير متواتر يقيناً، على أنه مختلف فيه - وإنْ كان هذا الاختلاف في بعض الخصوصيات - وقد طعن في صحته بعض أئمّة الحديث وعدولهم المرجوع إليهم في هذا الشأن، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وقد تركه أهل الحفظ والإتقان الذين طافوا البلاد وساروا إلى الأمصار في طلب الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم من أكابر أهل الحديث، وهذا وإنْ كان غير مخل بصحة الحديث إلّا أن دعوى التواتر في مثله من

٣٨١

العجائب ».

فهو وإنْ بالغ في الردّ على من أنكر صحة الحديث وخدش في ثبوته، إلّا أنه حاول إنكار تواتره، فسلك طرقاً ملتوية وأتى بكلمات متهافتة سعياً وراء ذلك، ولكن لا تخفى حقيقة الأمر على الناظر في كلامه، لأنه ينكر تواتر هذا الحديث في حين أنه يذعن بكثرة طرقه، وأنه رواه ستة عشر شخص من الصحابة وأن أكثر طرقه صحاح أو حسان. فأيّ كلام في ثبوت تواتر حديث هذا شأنه!؟ مع أنهم يعتقدون بحصول التواتر بالأقل من هذا العدد، ويرون تحققه لما رواه ثمانية من الصحابة كما في ( الصواعق ).

بل ذكر هذا الشيخ أن في روايةٍ لأحمد أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون من الصحابة، وشهدوا به لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذا بناءاً على ما ذكره هذا الرجل، وإلّا فقد علمت أن رواته من الصحابة يزيدون على المائة

وقد نص أبو محمد علي بن أحمد بن حزم على تواتر حديث رواه أربعة من الصحابة، حيث قال في ( المحلى ) في مسألة عدم جواز بيع الماء بعد أن نقل رواية المنع عن أربعة من الصحابة: « فهؤلاء أربعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته »، فمن العجيب أن يكون ما رواه الأربعة متواتراً ولا يكون ما رواه الستة عشر أو الثلاثون أو الأكثر بمتواتر، وهل هذا إلّا تحكّم قبيح وتعصب فضيح؟!

هذا بالاضافة إلى ما تقدم من تصريح الأئمّة المحققين من أهل السنة ومنهم الذهبي الذي استند اليه ابن حجر، كما ذكره عبد الحق في هذه العبارة، بتواتر حديث الغدير

ومن العجائب أيضاً نفيه تواتر حديث الغدير تمسكاً بوجود الاختلاف فيه، وهذا واضح البطلان جداً، لاعترافه هو في هذا الكلام ببطلان هذا الخلاف، وإذا كان الخلاف في الحديث مردوداً كان التمسك بهذا الخلاف مردوداً كذلك.

٣٨٢

والحاصل إنّ هذا الكلام مختل الأركان ضعيف البنيان واضح البطلان، فهو من جهة يتمسك بقدح القادحين في هذا الحديث للقدح في تواتره، ومن جهة أخرى ينص على أن الخلاف في هذا الحديث مردود، ومن جهة ثالثة يعود ليمدح القادحين فيه ويصفهم بالامامة في هذا الشأن ليشيد بالتالي بقدحهم في الحديث ويسقطه بذلك عن الاعتبار.

وإذا كانت هذه التناقضات والتعصبات - التي يأباها أتباع القادحين ومقلديهم - قادحة في الأحاديث المتواترة، كان مكابرة المخالفين للإسلام وقدحهم في تواتر معاجز النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - جديرة بالإذعان ومؤثرة في الطعن في الدين الحنيف. وذلك لأن هذه المكابرات وتلك التعصبات من باب واحد.

والفرق بأن القادحين هنا أئمة عدول بخلافهم هناك فإنهم ملحدون لا يسمن ولا يغني من جوع. أما أولاً: فلأنّهم لدى الشيعة في مرتبة واحدة، وأما ثانياً: فمع التسليم بالفرق فإنّ كلام الطرفين في البابين في البطلان على حد سواء. على أن الملاك في التواتر حصول شروطه، فمتى تحققت في مورد حكم بتواتره، وليس من شروطه عدم وجود قادح فيه أبداً، بل إذا توفرت شروط التواتر، كان قدح القادحين موجباً للطعن فيهم لا في الحديث وإنْ كانوا من كبار الأئمّة، فلو قدح أبو حاتم وأمثاله في وجوب الصوم مثلاً كان ذلك موجباً للقدح في أنفسهم لا في وجوب الصوم كما لا يخفى.

ثم إنّ نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود أكذوبة أخرى، لما عرفت سابقاً من أنه قد روى هذا الحديث. فهذه النسبة باطلة لا أصل لها البتّة. ومن التعصب الفاحش أن ينسب إلى أبي داود هذا البهتان ويتّهم بهذا الأمر الفظيع، ثم يتمسك بهذا القدح المزعوم - مع الاعتراف بكونه مردوداً - في نفي تواتر الحديث خلافاً للمحققين من الأئمّة، وبالرغم من الإذعان بكثرة طرقه!!

٣٨٣

النقض بموقف ابن مسعود من الفاتحة والمعوذتين

ثم إن التمسك بقدح أبي حاتم وجماعته لإِنكار تواتر حديث الغدير، منقوض بإنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وإسقاطه إيّاهما من مصحفه، مع قيام الإجماع من المسلمين على تواترهما وأنّهما من القرآن، وإنّ من جحد ذلك كافر، قال السيوطي: « قال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر ».

وأمّا موقف ابن مسعود من هذه السور، فهو مما اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار. قال الراغب: « وأسقط ابن مسعود من مصحفه أمّ القرآن والمعوّذتين »(١) .

وقال السيوطي: « أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف، عن محمد بن سيرين أن أبيّ بن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهم إياك نعبد، وأللهم إنا نستعينك، ولم يكتب ابن مسعود شيئاً من هذا، وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٢) .

وقال السّيوطي: « أخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال: لو كتبتها، لكتبت في أوّل كل شيء »(٣) .

وقال أيضاً: « أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يحكّ المعوّذتين، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صحّ عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -

___________________

(١). المحاضرات ٢ / ١٨٩.

(٢). الدر المنثور ١ / ٢.

(٣). نفس المصدر ١ / ٢.

٣٨٤

قراءتهما في الصلاة وأثبتهما في المصحف »(١) .

و قال: « أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبّان وابن مردويه عن زرّ بن حبيش، قال: أتيت المدينة، فلقيت أبيّ بن كعب، فقلت له: يا أبا المنذر، إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوّذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق، لقد سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عنهما، وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك، قال: قيل لي: قل: فقلت: فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال السيوطي: « أخرج أبو عبيدة عن ابن سيرين، قال: كتب أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهمّ إنّا نستعينك، واللهمّ إياك نعبد، وتركهنّ ابن مسعود، وكتب عثمان منهنّ فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٣) .

وقال محب الدين الطبري الشافعي في ذكر مطاعن عثمان: « و [ أما ] الخامسة عشرة وهي إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فانه لو بقي في أيدي الناس لكان أدّى ذلك إلى الفتنة الكبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين، من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة إنهما من القرآن، وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن »(٤) .

وقال حسين الديار بكري المؤرّخ: « أما إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فإنه لو بقي في أيدي الناس لأدى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما من

___________________

(١). الدر المنثور ٦ / ٤١٦.

(٢). نفس المصدر ٦ / ٤١٦.

(٣). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٦٧.

(٤). الرياض النضرة ٢ / ١٩٨، مع اختلاف.

٣٨٥

القرآن »(١) .

وقال المولوي محسن الكشميري: « وأسقط، أي ابن مسعود، عنه، أي عن المصحف، المعوذتين وبالغ في أنهما ليست من القرآن مع أن الفاتحة أمّه »(٢) .

وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: « كان عبد الله يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى »(٣) .

وأخرج رواية زرّ بن حبيش المتقدمة: « قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكّهما من المصحف فلم ينكر. قيل لسفيان: ابن مسعود؟ قال: نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود، كان يرى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرأ بهما [ يقرأهما ] في شيء من صلاته، فظنّ أنهما عوذتان وأصرّ على ظنّه »(٤) .

و قال البخاري: « حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال:

حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زر، قال: سألت أبيّ بن كعب، قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال لي: قل، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

وقال ابن حجر العسقلاني بشرح هذا الحديث:

« قوله: يقول كذا وكذا، هكذا وقع هذا اللفظ مبهماً، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً له، وأظن ذلك من سفيان، فإنّ الاسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإِبهام، وكنت أظن أولاً أن الذي

___________________

(١). الخميس ٢ / ٢٧٣.

(٢). نجاة المؤمنين - مخطوط.

(٣). المسند ٥ / ١٢٩ - ١٣٠.

(٤). مسند أحمد ٥ / ١٣٠.

(٥). صحيح البخاري بشرح ابن حجر ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٦

أبهمه البخاري، لأنّني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكهما [ يحكها ] من المصحف. وكذا أخرجه الحميدي، عن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، وكان سفيان تارة يصرّح بذلك وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبّان من رواية حمّاد بن سلمة عن عاصم بلفظ: ان [ عبد الله ] ابن مسعود كان لا يثبت [ يكتب ] المعوّذتين في مصحفه، وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم، بلفظ: ان عبد الله يقول في المعوذتين، وهذا أيضاً فيه إبهام.

وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد [ زيد ] النخعي، قال: كان ابن مسعود يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، قال الأعمش: و [ قد ] حدثنا عاصم عن زرّ عن أبي بن كعب، فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي، و قد أخرجه البزاز وفي آخره [ و ] يقول: إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوّذ بهما.

قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه قرأها في الصلاة. قلت: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبّان من وجه آخر عن عقبة بن عامر، فإنْ استطعت أن لا تفوتك قراءتهما [ في صلاة ] فافعل.

و أخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير، عن رجل من الصحابة أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أقرأه المعوّذتين وقال له: إذا أنت صلّيت فاقرأ بهما. وإسناده صحيح. ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل: إنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلّى الصبح فقرأ فيها بالمعوذتين.

وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار، وتبعه عياض وغيره، ما حكى عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنّه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلّا أن

٣٨٧

كان النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اذن في كتابته فيه وكأنّه لم يبلغه الاذن في ذلك قال: فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآناً، وهو تأويل حسن، إلّا أن الرواية [ الصحيحة ] الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله، نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور.

وقال غير القاضي: لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيّتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما [ صفتهما ] انتهى. وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بيّنه القاضي. ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع.

وأمّا قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنّ من جحد شيئاً منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لذلك أبو محمد بن حزم، قال في أوائل المحلّى: ما نقل عن ابن مسعود من انكار قرآنيّة المعوّذتين، فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظنّ أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل، والطعن في الروايات الصحيحة بغير سند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإنْ أراد استقراره فهو مقبول.

وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنّما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل أنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفر لأن الاجماع لم يكن استقر، قال: ونحن الآن نكفّر من جحدها، قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوّذتين يعني انه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.

وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي، فقال: إنْ قلنا أن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإنْ قلنا أنه لم يكن متواتراً لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود، ولكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العقدة

٣٨٨

بعون الله تعالى »(١) .

وقال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث في مسألة جزئية البسملة من كل سورة: « فهذه الأحاديث تعطي التواتر المعنوي بكونها قرآناً منزلاً في أوائل السور، ومن المشكل على هذا الأصل ما ذكره الامام فخر الدين، قال: نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إنْ قلنا أن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإنْ قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل. قال: والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة، وكذا قال القاضي أبو بكر لم يصح عنه أنها ليست بقرآن ولا حفظ عنه، إنّما حكّها وأسقطها من مصحفه إنكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً، لأنّه كانت السنّة عنده أن لا يكتب في المصحف إلّا ما أمره النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بإثباته فيه ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به.

وقال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح.

وقال ابن حزم في المحلى: هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زرّ عنه، وفيه المعوّذتان والفاتحة.

وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٩

المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه أنه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما أسانيدها صحيحة، قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قرأهما في الصلاة.

قال ابن حجر: فقول من قال إنه كذب مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، قال: وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، قال: وهو تأويل حسن إلّا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال: ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف، فيتم التأويل المذكور، قال: لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع، قال: وقد أجاب ابن الصباغ بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره، لكن لم يتواترا عنده، انتهى

وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنّه رأى النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقول أنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار. قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللّوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلّمها على كل أحد.

قلت: وإسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسندٍ صحيح كما تقدم في أوائل النوع التاسع عشر »(١) .

___________________

(١). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٨١ - ٨٢.

٣٩٠

أقول:

فإذا لم يكن إنكار ابن مسعود المعوّذتين قادحاً في تواترهما وقرآنيّتهما، فإنّ قدح مثل أبي حاتم وغيره في حديث الغدير، لا يكون قادحاً في تواتره قطعاً، كيف والحال أن أبا حاتم وأمثاله لا يبلغون في الشرف والكرامة مرتبة تراب أقدام ابن مسعود!! بل إنّ غبار أنف فرس ابن مسعود مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أفضل من أبي حاتم وأمثاله، حسب ما نقله ابن حجر المكي في تفضيل معاوية على عمر بن عبد العزيز.

النقض بموقف بعضهم من حديث انشقاق القمر

وأيضاً: فإنّ كان إنكار أبي حاتم ومن حذا حذوه حديث الغدير يضرّ في تواتره، كان إنكار بعضهم حديث انشقاق القمر موجباً للقدح في تواتر هذه المعجزة العظيمة والكرامة الباهرة الثابتة - لرسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جاء في ( نهاية العقول ) للرازي أنّ « الحليمي » قد منع وقوع انشقاق القمر. و « الحليمي » من أكابر علماء أهل السنّة ومن فطاحل أئمّتهم، كما لا يخفى على من راجع تراجمه في معاجم التراجم المعتبرة(١) .

لكن حديث انشقاق القمر متواتر قطعاً:

قال الشهاب القسطلاني: « وقال ابن عبد البرّ: قد روي هذا الحديث - يعني حديث انشقاق القمر - عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله الجمّ الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيّد بالآية الكريمة. إنتهى.

___________________

(١). الأنساب الحليمي، وفيات الأعيان ٢ / ١٣٧، مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٠٣ طبقات الأسنوي ١ / ٤٠٤.

٣٩١

وقال العلّامة ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أنّ انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين وغيرهما، من طرق من حديث شعبة، عن سليمان عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن أبن مسعود. ثمّ قال: وله طرق أخر شتّى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى »(١) .

وقال السيوطي في كلام له في معنى التواتر: « فقد وصف جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين أحاديث كثيرة بالتواتر، منها: حديث نزل القرآن على سبعة أحرف، وحديث الحوض، وانشقاق القمر، وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان »(٢) .

فإذا لم يؤثّر إنكار « الحليمي » ومنعه وقوع إنشقاق القمر في تواتر هذا الحديث، كان إنكار بعض المتعصّبين حديث الغدير غير مؤثّر في تواتره كذلك.

ومن الغرائب إنكار الشاه وليّ الله الدهلوي هذا الحديث كذلك، وقد قال ما نصّه: « أمّا شقّ القمر، فعندنا ليس من المعجزات، إنّما هو من آيات القيامة، كما قال الله تعالى:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، ولكنه أخبر عنه قبل وجوده، فكان معجزة من هذا السبيل »(٣) .

عود إلى النظر في كلام عبد الحق الدهلوي

وأمّا استناد الشيخ عبد الحقّ بترك البخاري ومسلم والواقدي رواية حديث الغدير، فقد تقدّم الجواب عنه بالتفصيل في الردّ على كلام الفخر الرازي.

على أنّ ترك هؤلاء روايته، غير قادح في صحة الحديث، كما اعترف هو بذلك، وإذْ ليس قادحاً في صحته، فكيف يكون قادحاً في تواتره؟

وبالجملة، فإنّ دعوى عدم تواتر حديث الغدير، بالاستناد الى هذه

___________________

(١). المواهب اللدنية ١٥ / ٣٥٦.

(٢). إتمام الدراية / ٥٥، هامش مفتاح العلوم.

(٣). راجع: التفهيمات الالهية ٣ / ٦٥.

٣٩٢

الهفوات والأباطيل، من أعجب العجائب. ولنعم ما قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث إنشقاق القمر: « فأمّا من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه: أنه لم ينقل عن أحد منهم أنّه نفاه وهذا كاف، فإنّ الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي يقدّم عليه من وجد منه صريح الإثبات »(١) .

محمد البرزنجي

وممن وقع في هذه الورطة، محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فإنّه مع دعوى انسابه إلى الدّوحة العلوية، وبالرغم من تصريحه بصحة حديث الغدير سلك سبيل مشايخه المتعصّبين، فتطرّق إلى الخلاف في صحّته وأثنى على من نسب إليهم القدح فيه، وعدّ فيهم أبا داود السجستاني - كذباً وبهتاناً - فقال:

« والخلاف في صحته ينفي تواتره، بل يخرجه عن كونه صحيحاً متّفقاً عليه، والطاعنون جمع من أئمّة الحديث أجلّاء، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم وغيرهما »(٢) .

حسام الدين السهارنبوري

وقال حسام الدين ابن الشيخ محمد بايزيد السهارنبوري:

ولا نسلّم أنّ الأمة تلقّت هذا الحديث بالقبول، لأن جماعة من الأئمة العدول وثقات المحدّثين المرجوع اليهم في هذا الشأن كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما، طعنوا فيه، وتكلّموا في صحّته، على ما صرّح بذلك الشيخ ابن حجر -رحمه‌الله - في الصواعق، وعليّ القوشجي -رحمه‌الله - في شرح التجريد، وإنّ جماعة من أهل الحق والإيقان وأكابر المحدثين كالإمام البخاري

___________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٤٧.

(٢). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٩٣

ومسلم والواقدي وغيرهم لم يرووه، كما ذكر الشيخ عبد الحق، وهؤلاء من أعاظم علماء السنّة والجماعة وأكابر أصحاب الحديث وأخبار خير البريّة - عليه الصلاة والتحيّة - وقد طافوا البلاد وساروا في الأمصار في طلب الأحاديث والآثار، وبلغوا في هذا العلم الشريف أقصى الغاية وارتقوا فيه على أعلى الدرجات.

فدعوى تلقي جميع الأمة حديثاً طعن فيه رؤساء المحدّثين وتركه ثقاتهم بالقبول باطلة وإثبات تواتره مع طعن أئمّة المحدثين وعدولهم فيه مشكل جداً »(١) .

أقول: لقد تبع هذا الرجل ابن حجر المكي وعبد الحق الدهلوي وأخذ عنهما هذه الخرافات، لكن لا يخفى من كلامه أنّه أكثر منهما تعصباً وأشد انحرافاً عن الحق، لأن ابن حجر وعبد الحق قد شهدا قبل القدح في حديث الغدير بصحته وكثرة طرقه، وأنه قد رواه ستة عشر من الصحابة وشهد به ثلاثون منهم على ما أخرجه أحمد، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن، وقد أضاف عبد الحق أن القدح فيه مردود غير مسموع.

لكن صاحب المرافض لم يتعرض لهذه الكلمات الحقة، واقتصر على أخذ الخرافات وآيات التعصب والعناد منهما، فذكر كلماتهما الباطلة ونسج على منوالهما في تلك الدعاوي الكاذبة

وعلى كل حال، فلا يخفى بطلان هذه المناقشات وسقوطها عن درجة الاعتبار، ولا سيما دعوى قدح جماعة من الأئمّة العدول المرجوع إليهم في حديث الغدير، فإنّها دعوى كاذبة باطلة، كما ذكرنا مراراً، ويشهد بذلك نسبة القدح إلى أبي داود - تبعاً لغيره - وقد علمت أن أبا داود من رواة هذا الحديث الشريف.

ومن الجدير بالذكر أن صاحب المرافض قد نقل حديث الغدير عن أحمد ابن حنبل في فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام - من ذي قبل.

___________________

(١). مرافض الروافض - مخطوط.

٣٩٤

ابن تيمية

وقال ابن تيمية: « أما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليس [ هو ] في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته. ونقل عن البخاري وابراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث، أنهم طعنوا فيه وضعّفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسّنه كما حسّنه الترمذي. وقد صنف أبو العباس ابن عقدة مصنفاً في جمع طرقه »(١) .

أقول:

أما قوله: « فليس في الصحاح » فيكفي في رده كلام القاضي سناء الله في ( السيف المسلول ) حيث صرح فيه برواية الجمهور هذا الحديث في الصحاح السنن والمسانيد، وقد سبق نص كلامه فيما مضى.

وأيضاً يتضح بطلانه من مراجعه: صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة وصحيح ابن حبان والمستدرك والمختارة للضياء المقدسي - وهي كلّها من الكتب الصحاح لدى أهل السنة - فإنها قد أخرجت حديث الغدير.

ولقد اعترف ابن روزبهان - مع تعصبه - بكون هذا الحديث مخرجاً في الصحاح كما سيجيء ان شاء الله.

وأمّا: أن « البخاري » طعن فيه، فنقول: لقد كان أهل الحق في حيرة وعجب من ترك البخاري حديث الغدير، مع توفر شروط التواتر فيه بأضعاف مضاعفة، فهو مؤاخذ على تركه رواية هذا الحديث، حتى جاء ابن تيميّة فادّعى طعن البخاري فيه، وهذا أعجب من ذلك بكثير! وهل من الجائز الاعتماد على هكذا أناس في نقل السنة النبويّة؟

___________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٣٩٥

ولقد وقفت على طرف من قوادح البخاري وكتابه فيما سبق نقلاً عن أكابر القوم وستقف على طرف آخر منها فيما سيأتي إنْ شاء الله تعالى. وإنّ من أفحش قوادحه وأقبح مساويه استرابته في بعض أحاديث الامام الصادق -عليه‌السلام - تبعاً ليحيى القطان جعله الله قاطناً في دركات النيران، على ما ذكر ابن تيمية حيث قال:

« وبالجملة، فهؤلاء الأئمّة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض أحاديثه لمـّا بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري »(١) .

وأما: أن « ابراهيم الحربي » طعن فيه، فإنّ طعنه مردود بالوجوه التي ذكرناها في رد قدح ابن أبي داود

على أن هذا الرجل مقدوح لما ذكروا في ترجمته من أنه كان يستحسن الابتلاء بعشق الصبي المليح قال صلاح الدين الكتبي:

« وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجار، قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ، يرفعه إلى أبي نعيم، قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبّان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سأل يوماً آخر فقالوا: هو مشغول وكان قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظّموا إبراهيم الحربي أن يخبروه بجلية الحال. فلما تكرّر السؤال عنه - وهم لا يزيدونه على أنه مشغول - قال: يا قوم، إن كان مريضاً قوموا بنا لنعوده، وإنْ كان مديوناً اجتهدنا في مساعدته

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٨٦.

٣٩٦

أو محبوساً سعينا في خلاصه، فخبّروني عن جلية حاله. فقالوا: نجلك عن ذلك فقال: لا بدّ أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي. فاحتشم إبراهيم ثم قال: هذا الصبي الذي ابلي بعشقه هو مليح أو قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الانسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة، كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله، وإنْ كان مليحاً كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة فيه. قال: فعجبنا مما أتى به »(١) .

أقول: وكيف لا يتعجبون مما أتى به؟ وعشق الصبي في غاية القبح والشناعة والفظاعة، وقد كتب الشيخ محمد حياة السندي - وهو من أكابر العلماء المتبحّرين - رسالة في النهي عن عشق صور المرد والنسوان قال فيها على ما نقل عنها معاصره القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) بترجمته: « تلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى استعبدت النفوس لغير خلّاقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشّاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد - إلى قوله -: إنما حكى الله العشق عن الكفرة قوم لوط وامرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كله لله، بل ينقص من دينه بحسب ما حصل له من فتنة العشق، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين، والمفتون بالصور مخالف لقوله:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ) والمبتلى بها ليس بغاض بصره بل يلتذ بالنظر الحرام وربما يقع به في الزنا - إلى قوله: - فإنّ تعبّد القلب للمعشوق شرك وقد أثبت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اسم التعبد على المحبة لغير الله تعالى في قوله في الصحيح: تعس عبد الدينار وعبد الدراهم الخ ».

وقال الذهبي بترجمة إبراهيم الحربي: « قال المسعودي: كانت وفاة الحربي

___________________

(١). فوات الوفيات ١ / ١٦.

٣٩٧

المحدث الفقيه في الجانب الغربي وله نيف وثمانون سنة، وكان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً زاهداً عابداً ناسكا، وكان مع ذلك ضاحك السنّ ظريف الطّبع ولم يكن معه تكبّر ولا تجبّر، يمازح مع أصدقائه بما يستحيى منه ويستقبح من غيره »(١) .

قال: « ويروى أن ابراهيم لما صنّف غريب الحديث وهو كتاب نفيس كامل في معناه، قال ثعلب: ما لإِبراهيم وغرائب الحديث، رجل محدث، ثم حضر مجلسه فلما حضر المجلس سجد ثعلب وقال: ما ظننت أن على وجه الأرض مثل هذا الرجل »(٢) .

هذا، ولم ينقل الذهبي عن الحربي أنه أنكر على ثعلب سجوده له، فهو اذاً يجوّز السجود لغير الله تعالى، وهذا أيضاً من مساويه وقبائحه.

ومن مساويه طعنه في علي بن المديني - شيخ البخاري - إذ قال الذهبي: « قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر ولا أحدّث عنه بشيء، لأنّه رأيته في المغرب وبيده نعله مبادراً، فقلت: إلى أين؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله، فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي داود »(٣) .

وهذا لا يكون إلّا من التعنت

ولا بأس بنقل كلمات أساطين أهل السنة في الثناء على بن المديني ليتضح سقوط كلام الحربي ومدى انهماكه في التعصب المقيت:

قال النووي: « علي بن المديني الامام أحد أئمّة الاسلام المبرزين في الحديث. صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق الى معظمها ولم يلحق في كثير منها، سمع أباه وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة ويحيى القطان وخلائق. روى عنه معاذ ابن معاذ وأحمد بن حنبل والبخاري وخلائق من الأئمّة، وأجمعوا على جلالته وإمامته

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٤.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦١.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٩.

٣٩٨

وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره.

قال عبد الغني بن سعيد المصري: أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن مروان في وقته، والدر قطني في وقته.

وقال سفيان بن عيينة - وهو أحد شيوخ علي بن المديني -: حدثني علي بن المديني - وتلومونني على حب علي، والله لقد كنت أتعلّم منه أكثر ممّا يتعلّم منّي -.

وكان سفيان يسميه حيّة الوادي، وكان اذا سئل عن شيء يقول: لو كان حية الوادي.

وقال حفص بن محبوب: كنت عند ابن عيينة، ومعنا علي بن المديني وابن الشاذكوني، فلما قام ابن المديني، قال السفيان: إذا قامت الخيل لم نجلس مع رجّالة.

وقال محمد بن يحيى: رأيت لعلي بن المديني كتاباً على ظهره مكتوب المائة والنيف والستون من علل الحديث.

وقال عباس العنبري: كانوا يكتبون قيام ابن المديني وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا، وكان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدّر بالحلقة وجاء أحمد ويحيى والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلّم فيه.

وقال الأعين: رأيت ابن المديني مستلقياً، وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى ابن معين عن يساره، وهو يملي عليهما.

وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد قط إلّا عند علي بن المديني.

وقال يحيى القطان: نحن نستفيد من ابن المديني أكثر مما يستفيد منا.

وقال عبد الرحمن بن المهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة.

وقال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد بن حنبل لا يسميّه بل يكنّيه ابا الحسن تبجيلاً، وما سمعت أحمد سمّاه

٣٩٩

قط.

قال البخاري: توفي ابن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين بالعسكر»(١) .

ابن حزم

وقال ابن حزم الاندلسي - فيما نقل عنه ابن تيمية -: « وأما من كنت مولاه فعلي مولاه، فلا يصح من طريق الثقات أصلاً »(٢) .

أقول: أعوذ بالله من الكذب والبهتان والتفوه بمثل هذا الهذر والهذيان ولكن ابن حزم مشهور بالتعصب لبني أمية ماضيهم وباقيهم، وباعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين - عليهم الصلاة والسلام - إلى غير ذلك من مساويه وصفاته حتى أجمع فقهاء عصره على تضليله

ولا بدّ من نقل نصوص عبارات مشاهير علمائهم المحققين في ترجمته في هذا المقام:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « ولد بقرطبة سنة ٣٨٤، ونشأ في نعمة ورئاسة، وكان أبوه من الوزراء وولي هو وزارة بعض الخلفاء من بني أمية بالأندلس، ثم ترك واشتغل في صباه بالأدب والمنطق والعربية وقال الشعر وترسّل ثم أقبل على العلم فقرأ الموطأ وغيره. ثم تحوّل شافعيّاً فمضى على ذلك وقت ثم انتقل إلى مذهب الظاهر وصنف فيه وردَّ على مخالفيه.

وكان واسع الحفظ إلّا أنه لثقته بحافظته، كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري م المحلى خاصة، وسأذكر منها أشياء.

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٥٠ - ٣٥١.

(٢). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٤٠٠

... وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حيان: كان ابن حزم حامل فنون من حديثٍ وفقهٍ ونسبٍ وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته على التسوّر على كل فن، ومال أولاً إلى قول الشافعي وناضل عنه حتى نسب إلى الشذوذ، واستهدف لكثير من فقهاء عصره ثم عدل إلى الظاهر فجادل عنه ولم يكن يلطف في صدعه بما عنده بتعريض ولا تدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل وينشقه في أنفه انشاق الخردل، فتمالأ عليه فقهاء عصره وأجمعوا على تضليله وشنّعوا عليه وحذّروا أكابرهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه. فطفقوا يغضّونه وهو مصرّ على طريقته حتى كمل له من تصانيفه وقر بعير لم يتجاوز أكثرها عتبة بابه لزهد العلماء فيها، حتى أحرق بعضها باشبيلية ومزّقت علانية، ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رايه، وكان لا يظهر عليه أثر علمه حتى يسئل فينفجر منه علم لا تكدّره الدّلاء.

وكان مما يزيد في بغض الناس تعصبه لبني أمية ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: ابتدأ ابن حزم أولاً فتعلّق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكلّ واستقل وزعم أنه إمام الأئمّة يضع ويرفع ويحكم ويشرّع، واتفق كونه بين أقوام لا بصر لهم إلّا بالمسائل فيطالبهم بالدليل ويتضاحك لهم، وذكر بقية الحطّ عليه في كتاب العواصم والقواصم.

ومما يعاب به ابن حزم وقوعه في الأئمّة الكبار بأفحش عبارة وأشنع ردّ وقد وقعت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات.

وقال أبو العباس ابن العريف الصالح الزاهد: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان » ثم ذكر ابن حجر نبذة من أغلاط ابن حزم في وصف الرواة(١) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢٠١.

٤٠١

وذكر الذهبي كلام أبي مروان ابن حيان المذكور بترجمة ابن حزم وقد جاء في آخره: « وكان مما يزيد في شنآنه، تشيّعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب ».

قال الذهبي: « قلت: ومن تواليفه كتاب تبديل اليهود والنصارى للتوراة والانجيل. وقد أخذ المنطق - أبعده الله من علم - عن محمد بن الحسن المذحجي الزبيدي، وأمعن فيه فزلزله في أشياء»(١) .

أقول:

ومما يشهد بنصب ابن حزم العداوة لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - دعواه أن ابن ملجم - لعنه الله - مجتهد في قتله لعلي -عليه‌السلام -، فألجمه الله بلجامٍ من نار وجزاه شر جزاء الأشرار قال ذلك في كتابه ( المحلى ) حيث قال:

« مسألة - مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون، اختلف الناس في هذا فنظرنا قول أبي حنيفة، فوجدناه ظاهر التناقض، إذ فرّق بين الغائب والصغير، ووجدنا حجّتهم في هذا أنّ الغائب لا يولّى عليه. قالوا: وكما كان أحد الأولياء يزوّج آخر إذا كان صغيرا من الأولياء فكذلك يقتل، وقالوا: قد قتل الحسن ابن عليّ - رضي الله عنهما - عبد الرحمن بن ملجم ولعليّ بنون صغار وهم بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - من دون خالف يعرف له منهم

وكان من اعتراف الشافعيين أن قالوا: إنّ الحسن بن عليّ - رضي الله عنهما - كان إماماً فنظر في ذلك بحقّ الامامة وقتله بالمحاربة لا قوداً.

وهذا ليس بشيء، لأنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ولا أخاف السّبيل، وليس للامام عند الشافعيين ولا للوصيّ أن يأخذ القود بصغير حتى يبلغ، فبطل شغبهم. وهذه القصة عائدة على الحنفيين بمثل ما شنّعوا على الشّافعيين سواء

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٨٤.

٤٠٢

بسواء، لأنّهم والمالكيين لا يختلفون في أنّ من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك.

ولا خلاف بين أحد من الأمّه في أنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل علياً -رضي‌الله‌عنه - إلّا متأوّلاً مجتهداً مقدّراً على أنّه صواب، وفي هذا يقول عمران بن حطّان شاعر الصّفرية:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حبّأ فأحسبه

أوفى البريّة عند الله ميزانا

فقد حصل الحنفيّون في خلاف الحسن بن عليّ على مثل ما شغبوا به على الشافعيّين، وما ينفكّون أبداً من رجوع سهامهم عليهم ومن الوقوع فيما حفروه، فظهر تناقض الحنفيّين والمالكيّين في الفرق بين الغائب والصغير »(١) .

وقد ذكر العلّامة محمد بن اسماعيل بن صلاح الأمير دعوى ابن حزم هذه، حيث قال: « قال النواصب:

قد أخطأ معاوية في الاجتهاد

وأخطأ فيه صاحبه

والعفو في ذاك مرجوّ لفاعله

وفي أعالي جنان الخلد راكبه

قال:

كذبتم فلِمْ قال النبي لنا

في النار قاتل عمّار وسالبه؟

وما دعوى الاجتهاد لمعاوية في قتاله، إلّا كدعوى ابن حزم أنّ ابن ملجم أشقى الآخرين مجتهد في قتله لعلي -عليه‌السلام - كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في تلخيصه.

وإذا كان من ارتكب هواه ولفّق باطلاً يروّج به ما يراه اجتهاداً لم يبق في

___________________

(١). المحلى ١٠ / ٥٨٤ - ٥٨٦.

٤٠٣

الدنيا مبطل، إذ لا يأتي أحد منكراً إلّا وقد أهبّ له عذراً، وهؤلاء عبدة الأوثان قالوا: ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى »(١) .

أقول:

فظهر أنّ القدح في حديث الغدير الصحيح المتواتر، ليس إلّا من التعصب المقيت والنصب الشديد والجحد للفضائل العلويّة والسعي وراء إخفائها وإطفاء نورها ودعوى أنّ ذلك منهم من باب النقد والتحقيق لا التعصّب والبغض واضحة البطلان. فإنّ مثل من ينكر فضائل عليّ الصحيحة كمثل من ينكر فضائل النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الصحيحة ومعاجزه الثابتة، ويعين اليهود والنصارى على إنكارها ويستند إلى خرافاتهم وهفواتهم في ردّها فهل يقال: هذا محقق ناقد، أو يقال: إنه كافر ملحد؟

وكيف لا يكون الرازي وأمثاله نواصب والحال أنهم يقدحون في حديث الغدير الثابت الصحيح، ويشاركون النواصب ويساعدونهم في إبطاله وينقلون كلماتهم في كتبهم مستدلّين بها ومستندين إليها؟

والواقع أنّ هؤلاء كلّهم نواصب معادون لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - وإنْ تستّروا بستار التسنّن

وكيف لا يكونون كذلك، والحال أنّ بعضهم يقدح في فضائل علىّ كلّها - على كثرتها حتى قال أحمد بن حنبل كما في ( الصواعق ) وغيره: إنه لم يرد في أحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الحسان ما ورد في حقّه - وهم يثبتون لغيره من الفضائل ما أدرجه أئمّتهم في الموضوعات ونصّوا على بطلانها؟

وهذا ابن تيميّة، ينقل كلاماً لابن حزم ويقرّره في أنه لم يصحّ من فضائل علي إلّا ثلاثة أحاديث، وهذا نصّ كلامه:

___________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ١١٨.

٤٠٤

« قال أبو محمد ابن حزم: الذي صحّ في فضائل عليّ فهو قول رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. و قوله: لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. وهذه صفة واجبة لكلّ مسلم مؤمن وفاضل. و عهده -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إنّ عليّاً لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق. وقد صحّ مثل هذا في الأنصار - رضي الله عنهم - أنّه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر.

وأمّا من كنت مولاه لعليّ مولاه، فلا يصحّ من طريق الثقات أصلاً.

وأمّا سائر الأحاديث التي تتعلّق بها الروافض، فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها.

فان قيل: فلم لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: إنّك منّي وأنا منك. وحديث المباهلة والكساء؟

قيل: مقصود ابن حزم الذي في الصحيحين من الحديث الذي لا يذكر فيه إلّا علي، وأما تلك ففيها ذكر غيره »(١) .

فهذا كلامه لكنّهم يناقشون في دلالة حديث المنزلة، بل زعم يوسف الأعور دلالته على الذمّ دون المدح والفضل، والعياذ بالله.

وأما حديث خيبر، فقد رأيت ما يدعّيه ابن حزم حوله في الكلام المذكور.

وأما الحديث الثالث، فقد زعم عدم اختصاص تلك المنزلة بالامام -عليه‌السلام - وأنه قد صحّ مثله في الانصار.

فأي عناد أبلغ من هذا يا منصفون؟!

التشنيع على رد الأحاديث

هذا، وغير خفي على من له أدنى علم بالأحاديث والآثار وكلمات العلماء

___________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٤٠٥

الأعلام، شناعة ردّ الأحاديث النبوية وفضاعة إنكارها وجحدهاقال نور الدين السّمهودي: « أخرج البيهقي عن عطاء بن يسار أنّ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء - رضي‌الله‌عنه -: سمعت رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نهى عن مثل هذا إلّا مثلاً بمثل. فقال معاوية: ما أرى بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها.

قال البيهقي: قال الشافعي: فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم بخبره، ولمـّا لم ير معاوية ذلك، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها إعظاماً، لأنّه ترك خبراً عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال الشافعي: وأخبرنا أنّ أبا سعيد الخدري لقي رجلاً فأخبره عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - شيئاً فخالفه. فقال أبو سعيد: والله لا آواني وإياك سقف بيت أبداً »(١) .

أقول: فاذا كان ردّ خبر واحد بهذه المثابة من الشناعة، فإنّ شناعة إنكار الحديث المتواتر أكثر وأشدّ كما هو واضح.

وقال الذهبي: « قال أحمد بن محمد بن اسماعيل الآدمي: ثنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول: من ردّ حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهو على شفا هلكة »(٢) .

أقول: فظهر بحمد الله أن المنكرين لحديث الغدير الذي أخرجه جمع من المشاهير - ومنهم هذا الامام النحرير - من الهلاك على شفير.

وقال السيوطي: « قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي - صلّى الله عليه

___________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

(٢). سير أعلام النبلاء ١١ / ٢٩٧.

٤٠٦

وسلّم بين يدي الرشيد إلّا قال: صلّى الله على سيّدي.

وحدّثته بحديثه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: وددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيي فأقتل: فبكى حتى انتحب.

وحدّثته يوماً حديث: إحتج آدم وموسى. وعنده رجل من وجوه قريش فقال القرشي: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -!! قال أبو معاوية: فما زلت أسكنّه وأقول يا أمير المؤمنين كانت منه بادرة، حتى سكن »(١) .

أقول: وإذا كان قول الرجل في حديث إحتجاج آدم وموسى « فأين لقيه » دليل الكفر واستحقاق القتل والعقاب، فإنّ إنكار الرازي واهتمامه في إبطال حديث الغدير يستوجب ذلك بالأولوية القطعية.

وقال الذهبي: « وقال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل، قال: بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لا يأخذ بحديث البيّعان بالخيار، فقال: يستتاب فإنْ تاب وإلّا ضربت عنقه. قال أحمد: ومالك لم يرد الحديث لكن تأوّله »(٢) .

أقول: وظاهر كلام أحمد في هذا المقام، إستحقاق مالك القتل إنْ كان قد ردّه ردّ إنكار ولم يتب، وإذا كان هذا حكم ردّ حديث من أحاديث النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى ولو كان الراد - مالك بن أنس على جلالته وعظمته، فإنّ منكر حديث الغدير، وهو أجلّ من حديث البيّعان بالخيار من جميع الجهات، يستحقّ الحكم المذكور - إن لم يتب - بالأولوية القطعية.

وقال ابن قيّم الجوزيّة - بعد حديث طويل رواه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل في ذكر قدوم وفد بني المنتفق -: « هذا حديث كبير جليل ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلّا من حديث

___________________

(١). تاريخ الخلفاء ١ / ١١١.

(٢). تذهيب التهذيب - مخطوط.

٤٠٧

عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة ثقتان محتج بهما في الصحيح، إحتجّ بهما إمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري

وقال ابن مندة: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصغاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق بمجمع من العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة، منهم أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل، ولم ينكره أحد ولم يتكلّم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم، ولا ينكر هذا الحديث إلّا جاحد جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. هذا كلام أبي عبد الله ابن مندة -رحمه‌الله - »(١) .

أقول: فإذا كان هذا حال منكر هذا الحديث - مع أنه لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة، كما نص عليه ابن القيّم - فلا ريب في ثبوته لمن أنكر حديث الغدير المتواتر بالأولوية القطعية.

وقال أبو طالب محمد بن علي المكي * المترجم له في مرآه الجنان حوادث * سنة ٣٨٦ وغيره * في كتابه ( قوت القلوب ): « وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الاسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الايمان، فانْ كانوا عدولاً فيما نقلوه من الشريعة، فالعدل مقبول القول في كل ما يقوله، وإنْ كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذاب مردود القول في كلّ ما جاء، والكذب على الله تعالى كفر، فكيف تقبل شهادة كافر! وإذا جاز أن يجترئوا على الله سبحانه بأن يزيدوا في صفاته ما لم يسمعوه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فهم أن يكذبوا على الرسول فيما نقلوا من الأحكام أولى. ففي ذلك إبطال الشرع وتكفير النقلة من الصحابة والتابعين بإحسان، فلذلك كفّر أهل الحديث من نفى أخبار الصفات ».

___________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

٤٠٨

أقول: وبهذا الأسلوب من الاستدلال نستدل في المقام، لأن حديث الغدير ليس أدنى مرتبةً من أخبار الصفات

وقال أبو سعد السمعاني: « البترية بفتح الباء الموحدة وسكون التاء ثالث الحروف وفي آخرها الراء.

هذه النسبة لجماعة من الشيعة من الفرقة الزيدية، وهي إحدى الفرق الثلاث من الزيدية وهي الجارودية والسليمانية والبترية. وأما البترية فهم أصحاب كثير النوّا والحسن بن صالح بن حي، وقولهم كقول سليمان، غير أنهم توقفوا في عثمان -رضي‌الله‌عنه - وأمره وحاله. وأظللنا هذه الطائفة لأنهم شكّوا في إيمان عثمان -رضي‌الله‌عنه - وأجازوا كونه كافراً من أهل النار، ومن شك في إيمان من أخبر النبي -عليه‌السلام - أنه من أهل الجنّة فقد شك في صحة خبره. والشاك في خبره كافر.

وهذه الفرق الثلاثة من الزيدية يكفّر بعضهم بعضاً، لأنّ الجارودية أكفرت أبا بكر وعمر، والسليمانية والبترية أكفرت من أكفرهما »(١) .

أقول: وإذا كان « الشاك » في خبر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - « كافراً »، فان « منكره » - ولا سيما مثل حديث الغدير - « كافر » بالأولوية القطعية.

ومن العجيب أن يحكم بكفر الشاك في إيمان عثمان مع احتمال أن لا يكون حديث إخبار النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه من أهل الجنّة صحيحاً عنده وعند أتباعه فضلاً عن أن يكون متواتراً - ولا يحكم بكفر من ينكر حديث الغدير الذي رواه أهل مذهبه - خلفاً عن سلف في جميع الطبقات وصرح أئمّة علمائهم بتواتره؟ بل ولا ينسب إلى التعصب ولا يوصف بالتعسف؟

وقال ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي: « وفي المضمرات في كتاب الشهادات: ومن أنكر الخبر الواحد والقياس وقال: إنه ليس بحجة، فإنه يصير

___________________

(١). الأنساب - البترية.

٤٠٩

كافراً. ولو قال: هذا الخبر غير صحيح وهذا القياس غير ثابت، لا يصير كافراً ولكن يصير فاسقاً»(١) .

أقول: فمن أنكر الخبر المتواتر يصير كافراً بالأولوية القطعية.

وقال المولوي عبد الحليم في ( نظم الدرر في سلك شق القمر ): « اعلم أنه تقدم أن حديث شق القمر خبر مشهور او متواتر، فعلى الأول منكره يضلّل وعلى الثاني يكفّر فإنّ الأخبار المروية عنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على ثلاث مراتب كما بينته في شرح النخبة، ونخبته هاهنا، أنه إما متواتر وهو ما رواه جماعة عن جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، فمن أنكره كفّر.

أو مشهور، وهو ما رواه واحد ثم جمع عن جمع لا يتصور توافقهم على الكذب، فمن أنكره كفّر عند الكل إلّا عيسى بن أبان، فإنّ عنده يضلّل ولا يكفّر وهو الصحيح.

أو خبر الواحد وهو أن يرويه واحد عن واحد، فلا يكفّر جاحده غير أنّه يأثم بترك القبول، إذا كان صحيحاً أو حسناً.

وفي الخلاصة: من ردّ حديثاً قال بعض مشايخنا يكفّر، وقال المتأخّرون: إن كان متواتراً كفّر. أقول: هذا هو الصحيح إلا إذا كان رد حديث الآحاد من الأخبار على وجه الاستخفاف والانكار ».

أقول: وبناء عليه أيضاً يكفّر منكر حديث الغدير، لما تقدّم من ثبوت تواتره حسب كلمات فحول العلماء الأعيان.

ولو تنزّلنا عن ذلك، فلا ريب في شهرته، فمنكره يضلّل.

وقال علي بن سلطان القاري، في رسالته في الردّ على إمام الحرمين الجويني: « ومنها قوله: إنّ من توضّأ بنبيذ التمر، فقد جعل نفسه شهرة للعالمين وأنكالاً للخلق أجمعين، ونسب مثل هذا القول إلى القفّال، زعماً منه أنّه من العاقلين

___________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٤١٠

الكاملين، مع أنّ هذا موجب لكفر الطاعنين والقائلين، فإنّ الإِمام أبا حنيفة -رضي‌الله‌عنه - لم يذهب إلى هذه القول برأيه، بل بما ثبت عنده من الأحاديث المرويّة عن سيد المرسلين بواسطة أجلّاء أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - وليس منفرداً به أيضاً بين المجتهدين، إذ ذهب إليه سفيان الثوري وعكرمة أيضاً من التابعين ».

أقول: فاذا كان طعن الطاعنين على القول بجواز التوضّي بنبيذ التمر موجباً لكفرهم، لثبوت هذا الحكم بالأحاديث المرويّة عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حسب زعمه، فكيف لا يكفّر الطاعن في حديث الغدير يا منصفون؟

وإذا كان قد وافق سفيان وعكرمة أبا حنيفة في هذه الفتوى، فإنّ حديث الغدير متواتر عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مشهور لدى جميع المحدّثين، ورواه كلهم خلفاً عن سلف في جميع الطبقات، واعتنوا به وجمعوا طرقه وألفاظه في كتبهم المختلفة وأسفارهم المعتبرة

وقال الشاه ولي الله الدهلوي في ( التفهيمات الالهية ): « تفهيم - من كان مقلداً لواحد من الأئمّة وبلغه عن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ما يخالف قوله في مسألة وغلب على ظنّه أنّ ذلك نقل صحيح فليس له عذر في أن يترك حديثه -عليه‌السلام - إلى قول غيره، وما ذلك شأن المسلمين ويخشى عليه النفاق إنْ فعل ذلك ».

أقول: فإذا لم يكن من شأن المسلمين ترك حديث غلب على ظنّه أنّ ذلك نقل صحيح، وأنّه يخشى على فاعله النفاق، فإنّ ردّ مثل حديث الغدير الصحيح المتواتر، يوجب الخروج من عداد المسلمين والدخول في زمرة المنافقين قطعاً

و قال الفضل بن روزبهان - في الجواب عن قول العلامة الحلّي -رحمه‌الله - روى الجمهور أنّه -عليه‌السلام - لمـّا برز إلى عمرو بن عبد ود العامري في غزاة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - برز الايمان كلّه إلى الكفر كلّه - قال الفضل:

٤١١

« أقول: إنه صح هذا أيضاً في الخبر، وهذا أيضاً من مناقبه وفضائله التي لا ينكرها إلّا سقيم الرأي ضعيف الإِيمان، ولكن الكلام في إثبات النص وهذا لا يثبته ».

أقول: فمنكر حديث الغدير سقيم الرأي ضعيف الايمان بالأولوية القطعية

لم يتكلم في صحة حديث الغدير إلّا متعصّب جاحد

هذا كله بالاضافة إلى أن جماعة من كبار علماء أهل السنة نصّوا بالنسبة إلى خصوص حديث الغدير على أنه لم يتكلم في صحته إلّا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله فقد قال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي: « هذا حديث صحيح مشهور، ولم يتكلّم في صحته إلّا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله، فإنّ الحديث كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة، ورواه من الصحابة عدد »(١) .

أقول: فتبين أن البخاري وأبا حاتم الرازي وابن أبي داود وابراهيم الحربي وابن حزم والفخر الرازي وأمثالهم، متعصبون جاحدون لا اعتبار بقولهم ولله الحمد على ذلك.

وقال شمس الدين ابن الجزري بعد أن صرح بتواتر حديث الغدير:

« ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم »(٢) .

وقال ( الدهلوي ) في الجواب عن حديث الغدير: « قالت النواصب - خذلهم الله -: هذا الخبر على تقدير صحته، منسوخ بما صحّ عندكم في الصحاح أن رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما

___________________

(١). نزل الأبرار: ٢١.

(٢). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٣.

٤١٢

وليّ الله وصالح المؤمنين. وأجاب أهل السنة: إن اسم أبي طالب ليس في صحاحنا وإنما لفظالحديث: إن آل أبي فلان فلعله أراد أبا لهب وهو مذهب أكثر أهل السنة، حيث خصصوا الخمس بما عدا أولاده، وإنْ ذكره، بعض النواصب في روايته فلا يكون حجة علينا. قالوا: قد صح عن عمرو بن العاص أنه ذكر أبا طالب. قلنا لم يصح عندنا وإنما صح عندكم، ولو فرض صحته فالمراد من آله من لم يكن حينئذٍ مؤمناً كأبي طالب وبنيه، لا سيدنا ومولانا علي وأخواه جعفر وعقيل حتى يصح دعوى نسخقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وأيضاً: دعوى النسخ إنما يمكن أذا علم التاريخ. وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبرين من باب الاخبار، والاخبار لا يحتمل النسخ. وردّه النواصب: إن الخبر متى تضمّن حكماً كقوله:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) ونحوه، صح نسخه. وقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، على تقدير صحّته من هذا القبيل، فإنّه يتضمّن إيجاب محبته »(١) .

أقول: فظهر أن ردّ هذا الحديث من صنيع النواصب، لكن الرازي ومن تبعه أسوء حالاً من النواصب، لأنّهم اعتقدوا بطلان حديث الغدير وحاولوا ردّه بكلّ جهدهم، أما النواصب فإنهم ناقشوا فيه وأجابوا عنه « على تقدير صحته » فإنّهم غير جازمين ببطلانه

محمد محسن الكشميري

وجاء محمد محسن الكشميري، ففاق من سبقه في الوقاحة وسبقهم في التعصب والعناد، فقال في الجواب عن حديث الغدير:

« وأما عن الحديث فبوجوه: أما أولاً فبأن المهرة كأبي داود وأبي حاتم الرازي قد ضعّفوا هذا الحديث، وما أخرجه إلّا أحمد بن حنبل في مسنده، وهو مشتمل على الصحيح والضعيف وليس من الصحاح، كما صرح به مهرة فن الحديث، فهو

___________________

(١). حاشية التحفة.

٤١٣

خبر واحد ضعيف، فلا يصح للحجية في الأصول سيما في أصل الدين، ولم يخرج غيره من الثقات إلّا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه »(١) .

وجوه الجواب عن كلام الكشميري

وهذا الكلام يشتمل على هفوات وأكاذيب، فالجواب عنه بوجوه:

١ ) نسبة التضعيف إلى أبي داود كذب.

لقد علمت فيما سبق مراراً أن نسبة تضعيف حديث الغدير إلى أبي داود كذب محض وبهتان بحت.

نعم ضعّفه ابنه - الكذاب - لكن الكشميري نسب ذلك إلى الأب بدلا عن الابن، تقليدا لبعض أسلافه المغفلين المتعصبين

٢ ) بطلان التمسك بتضعيف أبي حاتم.

وعلمت فيما سبق بطلان مزاعم أبي حاتم وأمثاله حول حديث الغدير وسخافة الخرافات التي تمسكوا بها لتضعيفه

وهل المهارة في الحديث تختص بهذين الرجلين؟ وهل تختص بمن يقدح في فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام

ولكن لا عجب من صدور هذه الترهات من هذا الرجل بعد صدورها من الرازي والتفتازاني وغيرهما

٣ ) قوله: ما أخرجه إلّا أحمد.

وقوله: ما أخرجه إلّا أحمد بن حنبل في مسنده، كذب صريح وتعصب فضيح، يكشف عن شدة عداء الرجل، وكثرة جهله وجحده، حتى أن اسلافه المتعصبين الجاحدين أبوا عن التفوه بهذه الدعوى الكاذبة.

٤ ) قوله: وهو مشتمل على الصحيح والضعيف.

___________________

(١). نجاة المؤمنين - مخطوط.

٤١٤

وقد وصف الكشميري كتاب المسند لأحمد بن حنبل بأنه مشتمل على الصحيح والضعيف، ولكن هذه الدعوى مردودة لدى جماعة من المحققين كالسبكي وغيره.

٥ ) قوله: وليس من الصحاح

ثم قال حول حديث الغدير: وليس من الصحاح كما صرح به مهرة فن الحديث، وهذه أكذوبة أخرى، فإن كثيراً من طرق حديث الغدير صحيح حسب تصريح أئمة فن الحديث كما سمعت سابقاً.

٦ ) قوله: فهو خبر واحد ضعيف

ثم قال: فهو خبر واحد ضعيف فلا يصح للحجية وهذا كذب واه وكلام سخيف، فقد عرفت صحة هذا الحديث وتواتره بحمد الله تعالى حسب نصوص عبارات الأئمّة المحققين وأساطين الحديث.

٧ ) قوله: ولم يخرج غيره

ثم قال: ولم يخرج غيره - يعني أحمد بن حنبل - من الثقات إلّا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه.

أقول: وهذه الدعوى الكاذبة يجل عن التفوه بها أدنى المنتسبين إلى الدين الاسلامي، ولو باللسان، لأن كذبها واضح حتى على العوام فضلاً عن الخواص.

وبالرغم من ثبوت تواتر هذا الحديث في جميع الطبقات حتى العدة الكثيرة والجم الغفير من صحابة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الفصول المتقدمة في الكتاب، فإنا نذكر هنا أسماء جماعة من مهرة فن الحديث وكبار الأئمّة والحفاظ والرواة في القرون المختلفة، ثم نصوص رواياتهم وأسانيدهم الى الصحابة في نقل حديث الغدير، مزيداً لتوضيح المرام وزيادة تقبيح وتفضيح للكشميري وأسلافه اللئام، والله الموفق في البدء والختام.

( قال الميلاني ): الى هنا تم هذا الجزء من الكتاب، الذي جعلنا عنوانه ( المدخل ). وسنشرع من الجزء الذي يليه في البحث حول ( حديث الغدير ) سنداً

٤١٥

ودلالة. والله الموفق والمعين، وله الحمد أولاً وآخراً.

٤١٦

٤١٧

الفهرس

اهداء ٥

حديث الغدير ٧

كلمة السيد صاحب العبقات ٣٥

كلام الدهلوي حول حديث الغدير ٣٧

المؤلّفون في حديث الغدير ٤٧

كلام ابن المغازلي ٥٠

ابن المغازلي ثقة ٥١

تصنيف ابن عقدة في طرق الحديث ٥٣

[ ذكر من روى عنه ابن عقدة حديث الغدير من الصحابة ] ٥٤

ذكر من صرح بتأليف ابن عقدة الكتاب المذكور ١ ) ابن تيمية ٢ ) ابن حجر العسقلاني ٥٩

ذكر من أورد كلام العسقلاني ٦٠

٣ ) ابن حجر العسقلاني أيضاً ٦١

٤ ) الشّريف السمهودي ٥ ) الشيخاني القادري ٦٢

٦ ) البدخشاني رواة كتاب الموالاة ٦٣

ترجمة ابن عقدة ووثاقته ٧١

كلمات في توثيقه ٧٣

تصنيف الطبري كتاباً في طرق حديث الغدير ٨٠

ذكر من قال ذلك ٨١

ترجمة الطبري ٨٢

تصنيف الحسكاني في طرق حديث الغدير ترجمة الحسكاني ٨٦

٤١٨

ترجمة عبد الغافر ٨٩

تصنيف أبي سعيد السجستاني مصنفاً في طرق حديث الغدير ٩١

ترجمة أبي سعيد السجستاني ٩٢

ترجمة الدقاق ٩٣

تصنيف الحافظ الذهبي في جمع طرق حديث الغدير ٩٤

أقول: ٩٥

تصنيف بعض العلماء في طرق حديث الغدير ٩٦

ترجمة أبي المعالي الجويني ٩٧

تواتر حديث الغدير ١٠١

ذكر من نص على ذلك ١. الحافظ الذهبي ١٠٣

٢. الحافظ ابن الجزري ١٠٤

ترجمة ابن الجزري ١٠٦

إعتماد العلماء عليه ١٠٧

روايتهم لكتبه ٣. الحافظ السيوطي ١٠٨

ذكر كتب السيوطي في الأحاديث المتواترة نقل حكمه بتواتر الحديث ١١٠

٤. الشيخ علي المتقي ٥. الميرزا مخدوم ١١١

٦. جمال الدين المحدث ١١٣

٧. الملّا علي القاري ٨. ضياء الدين المقبلي ١١٤

٩. محمد بن إسماعيل الأمير ١٠. محمد صدر العالم ١١٦

١١. باني بتي ١١٧

١٢. محمد مبين اللكهنوي ١١٨

خلاصة البحث ١١٩

مع الرازي في كلامه حول حديث الغدير وفقهه ١٢١

مقدمة ١٢٥

عدم رواية البخاري ومسلم حديث الغدير ١٢٩

٤١٩

١. إنه دليل التعصب ٢. المثبت مقدّم على النافي ١٣١

٣. الشهادة على النفي غير مسموعة ١٣٤

٤. عدم النقل لا يدل على العدم ١٣٥

٥. عدم استيعاب الكتابين للصحاح ١٣٦

نقد ورد ١٣٨

٦. لو أخرجاه لأنكره المتعنتون نماذج مما أخرجاه وأنكروه ١٤١

٧. رأي الائمّة في الكتابين ومؤلفيهما ١ ) محي الدين عبد القادر القرشي الحنفي ١٥٠

ترجمة عبد القادر القرشي ٢ ) علي القاري ١٥٣

٣ ) الأدفوي الشافعي ١٥٥

ترجمة الأدفوي ١٥٧

٤ ) أبو زرعة الرازي ١٥٨

ترجمة أبي زرعة الرازي ١٦٢

٥ ) أبو حاتم الرازي ترجمة أبي حاتم ١٦٥

٦ ) ابن أبي حاتم ترجمة ابن أبي حاتم ١٦٦

٧ ) محمد بن يحيى الذهلي ١٦٧

كفر الجهمية ١٦٨

بين الذهلي والشيخين ١٦٩

ترجمة محمد بن يحيى الذهلي ١٧٠

٨ ) أبوبكر ابن الأعين والبخاري ١٧٣

الامام أحمد واللّفظية ١٧٤

الامام أحمد بن صالح واللفظية ١٧٦

موجز ترجمة أحمد بن صالح مع الذهبي ١٧٦

٩ ) عبد العلي الأنصاري الهندي ١٨٠

أحاديث من الصحيحين في الميزان الحديث الأول ١٨٢

الحديث الثاني ١٨٤

٤٢٠

421

422

423